Skip to main content

Full text of "مجلة أسطور العدد 11والعدد12"

See other formats


1 0 " 1 
1 : 2 11 "3 
0 1 7 د 
3 ل 7 ع 0 - : ١‏ 
: 5 أ ١‏ 7 0-0 

ل 0 27 


00 
فاسف ا لس 


2410-0 لاوا 





عه 


رئيس التحرير 
عبد الرحيم بنحادة 


17 

مدير التحرير 
آيات حمدان 
ب 


هيئة التحرير 
أمل غزال 

حيدر سعيد 

عبد الحميد هنية 
عبد الرحمن المودن 
عطام نصار 

محمد جمال باروت 
محمود محارب 


عد -- 


تصميم وإخراج 


محر م 1 م 


اه 


أعألاء-1 :]0ع 
ع8 تصاطةء رع نجام 


دسح به 
210 ع راع 53 ةا 
لم3 1د/زمق 

3 

0 أةأءهة]ألء 

01231 أقلمم 

"3103150 

مغلا مأحمقطاء مام 

مع 0 ناماا-اع عممقصطقممع طم 
03552 5531ا 

خلا 83 اقحمذا م#عمحصصةطماا 


ماع ق اها 0لامقحطةاا 
اأنامك 313غ5ها/ا 


مقع لز ةحااطة مقصصة امام 


اي 1 -ب ل جججج ييه 
9 


60أ بال250 300 لمعأوع0] 


لإمضاع عا مددوطم 


الهيئة الاستشارية 
أحمد أبو شوك 
إدوارد روجر أوين 
يرهان كورأوغلى 
جامع بيضا 

جوسلين داخلية 
حليمة فرحات 

حياة الحجي 

خالد إرن 

خالد زيادة 

خير الدين يوجه سوي 
سيار الجميل 

عبد الأحد السبتي 
عبد الرؤوف سنو 
عبد المجيد القدوري 
محمد الأرناووط 


محمد المبكر 

محمد حرب فرزات 
محمد عدنان البخيت 
موزة الجابر 

ناصر الدين سعيدوني 
هواري تواتي 


وجيه كوثراني 


116 لالووألالظ عاممع0دعم 
كنات اك ناطثر مع تر دام 

ع 00 أععه؟ 0زقنتالط 
نااؤمعة»ا مقطن8 

23 3133ل 

3 اظعاة0 ع مبزاءعهل 

أقطرعع قحمناةن 

اززةن اك غ]3بزةل 

ممع أعاونم 

طع2130 لأاقطا 

لزمكعع نالا ماع زجنا 
اأحصحةقا-اك 3لإلإج5 

:35خ مأعوؤهلا لع لإبزء5 
أغطع5 530ق3اعلطم 

مرصاأك آأنامقء-اعلطمر 
أنهاه300) 0آزة نا الوطم 
؟أكذذا أطاعع 

أناة ممم 30 اناانا! 
عععاقطنامممام نلعدرد اما 
63234 طءرقلا لعصطحدمة مايا 
أأطعاة 8-اخ مقصقم لقتصتطةطناانا 
1عطة زا 23ها/! 

أمناه5310 عمأللعرععولا 
أأقناه1 أردياولن 


امقعقطغيلة »ا ماأزةلالا 





حت ين مما ب جح - ]تن 


جميع المراسلات باسم رئيس التحرير على العناوين التالية: 
المركز العربي للآبحاث ودراسة السياسات, شارع الطرفة: منطقة 70, وادي البنات, الظعاين: قطر 
هاتف: 40356888 - 00974 | فاكس: 44831651 - 00974 


أو على البريد الالكتروني للمجلة ج:ه.6 001131056111 ©)؟نامفؤه 


20 





ك0 صف سنوي ع ل ا ل 0 
55 11501231 زه |نطاناهل[ لعنثاء إناع-زععط |1 باططة-أ8 م 


العدد 12 - تموز / يوليو 2020 
0 لاإأنال- 12 علا5دا 


لا تعب آراء الكتّاب بالضرورة عن اتجاهات يتبنّاها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" 





المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 
505 بءأاأهط عق لاءردعدع؟ :ه10 تعأاردع» 10م 


المركز العربي للأبحات ودراسة السياسات هو مؤسسة بحثية 
فكرية مستقلة للعلوم الاجتماعية والإنسانية وبخاصة في 
جوانبها التطبيقية. 

يسعى المركز من خلال نشاطه العلمي البحثي إلى خلق تواصل 
بين المثقفين والمتخصصين العرب فب العلوم الاجتماعية 
والإنسانية بشكل عامء وبينهم وبين قضايا مجتمعاتهم 
وأمتهم وبينهم وبين المراكز الفكرية والبحثية العربية 
والعالمية في عملية البحث والنقد وتطوير الأدوات المعرفية 
والمفاهيم وآليات التراكم المعرفيء كما يسعى المركز إلى 
بلورة قضايا المجتمعات العربية التي تتطلب المزيد من الأبحاث 
والمعالجات. وإلى التأثير في الحيز العام. 

المركز هو مؤسسة علمية: وهو أيضا مؤسسة ملتزمة بقضايا 
الآمة العربية وبالعمل لرقيها وتطورهاء وهو ينطلق من كون 
التطور لا يتناقض والثقافة والهوية العربية: ليس هذا فحسب. بل 
ينطلق المركز أيضا من أن التطور غير ممكن إلا كرقي مجتمع بعينه:, 
وكتطور لجميع فثات المجتمع, في ظروفه التاريخية وفي سياق 
ثقافته وبلغته, ومن خلال تفاعله مع الثقافات الأخرى. 

يعنى المركز بتشخيص الأوضاع في العالم العربي وتحليلهاء دوًا 
ومجتمعات وبتحليل السياسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية, 
وبالتحليل السياسي بالمعنى المألوف أيضاء ويطرح التحديات 
التي تواجه الأمة على مستوى المواطنة والهوية. و التجزئة 
والوحدة. والسيادة والتبعية والركود العلمي والتكنولوجي, 
وتنمية المجتمعات والدول العربية والتعاون بينهاء وقصايا 
الوطن العربي بشكل عام من زاوية نظرعربية. 

ويعنى المركز العربي ايضا بدراسة علاقات العالم العربي 
ومجتمعاته مع محيطه المباشر في آسيا وإفريقية. ومع 
السياسات الأمريكية والأوروبية والآسيوية المؤثرة فيه: بجميع 
أوجهها السياسية والاقتصادية والإعلامية. 

لا يشكل اهتمام المركز بالجوانب التطبيقية للعلوم الاجتماعية, 
مثل علم الاجتماع والاقتصاد والدراسات الثقافية والعلوم 
السياسية حاجرًا أمام الاهتمام بالقضايا والمسائل النظرية, 
فهو يعنى كذلك بالنظريات الاجتماعية والفكر السياسي عناية 
تحليلية ونقدية, وخاصة بإسقاطاتها المباشرة على الخطاب 
الأكاديمي والسياسي الموجه للدراسات المختصة بالمنطقة 
العربية ومحيطها. 

ينتج المركز أبحانًا ودراسات وتقاريرء ويدير عدة برامج مختصة., 
ويعقد مؤتمرات وورش عمل وتدريب وندوات موجهة للمختصين, 
وللرأي العام العربي أيضاء وينشر إصداراته باللغتين العربية 
والإنكليزية ليتسنى للباحثين من غير العرب الاطلاع عليها. 


5 (5ك261) 5م503 لإعزاه5 لصة طعنوعدع؟ )ه] يعامعن وعم ع5[ 
١جاع0؟‏ عط 01 لإالباغ5 عطاخ 101 عأنا أ غأكمأ طاعنوعدع؟! أمعلمعمعل0أ مج 
عطغ مه وأكقطمماع 31أناء1 31م طاغأانلا ركع أ ]أمقصباط 300 كععمعاء5 
.66025 013 لثامم 

1230م عع نقلاعط 1636100 انا الام 1م1056 10 5ع/اأ ]و 15م عا 
40 5ععمعاء؟5 ([ذأعه5 عط مأ ذأؤأاواععم5 360 اأوباعع|اعاما 
ر005ا0اع ثلا عكعط] مععنقااعط كعأعاعملاد لاذأاط جادع ,ردغ ]01 3 ت0اناا 
40 طوءثم ]0 انملقااعم 3 لأأباط 300 ,دعا ]مام أأعطا لإكامنا 
.5 ]0ع طاعزوع5هع: [2مه ]3 معام 

ك6 عط ركعكنباقء ك'10 امنا طوعثم عطآا مغ أمعصطألصصعم 5ئأز ما 
عط 5ع]551]3عع06 وو5ع1081م ]3ط عؤأمطع:م عطآ مه 0م635 ذا 
عط 300 أمعصمماعناع0 مقصيط 300 لإأعاء50 01 أمعممرعءعم301/3 
أوعأمأكاط عماععمدع] عاأطنها ركع انأانء أعطغأه طغانها مما معام 
13م طأأنلا عمأمعع! مآ 300 ,ع38نا1308 300 ,عالناآاناء ,5الاع]اممء 
.116مع10 300 عاناأاناء 

5علاكذاأ لاع»ا عط عصامطولاء مغ كاعع5 (عأامع عطغآ ,لمع لطا 10 
0 رك 116لا 0 300 ركألاع لطاطاعلا0ع ,110ملها طوعكث عدا عمأك 1ج 
1010م 30010 ركع 61 1امم [3]ناأاناء 300 ىن أماهصمعع ,أواءع50 ع2/ا|3021 
]0ع عط مغ لعا .ضمماوة؛ عط مه وأكلااهم3 1هغ1]أامم أهده2]1] 
[أ[0 م لأأأمع10 300 متطكمع12أكء 01 كعنادذاأ 31 كطاعع 0م 
30 ع5 ]معاء5 ,ععمع0معمع06 300 لإأمعأعاء/501 ,لإأأمنا 300 
0 أمعصامماعناء0 انام اتطمء ,هلأ ومع3غ5 أوعأعمامصطعع] 
5 3|110 80155 ع1 .5م11 ]نام 4136م 30008 ]3م200 
15 طأأللا كمهاغ3اع؟ عأمممععء لصو أوءعا]زامم ك'10ىمنلا طوعكم عط] 
عع ك'0110نثا 12م عطاخآ 300 ,810123 300 دأكظ مأ دنمططعاعم 
اأعطة اأج ما د5عاءأامم مدأككى 300 ,موعمماباع ,كنا |2أأمع ناكما عانقا 
.]ع6 11163110 لال لام 300 ,أوء امم عأطمممعع 

201 5ع00 و5ع6معء؟ [وأع50 لث1امم3 عطا مه كناعه] ك'إعأمع) علال 
ادهع ]أامم ركع ”معط 1دأع0؟ ]0 وأكلااهم3 أدع لاك عطةآ مم8 عو غ]ء0 
مه 30 كثلاه!||3 ك5ناءعه1 كاطخ اع ط]13 :لا1مغأواط 300 اطع نامط] 
عناقط 35ع10 260ة 5ع معط طعند نلامط 01 100108 ]د5ع00 300 
مهء1ام0م 300 عأدطعل30ع36 مه دعنااعكدمعط] لعاععزمام لاااعم أل 
عط 0ه كناء10 300 ع5الامع015 أمع1الكء عط لعل أناع 300 ع5انلامء015 
.0/0 طاو 1م 

5100165 رطاأعقوعدع؟ لإاأعصطاخ صا كعع38ىمعء لالنواباعوع؛ 5طا م ع1 
ر10813115م 3|1260اع6م؟5 |3اع/ا56 50303865 300 ,115ممع! 300 
5 300 ,56551085 1131218 ,كم 0طىا]مللا ردععمع]اع01011© 
أعأمع عطاء.ء أاطنام اومعمعع عط] 300 ذغأذأاداععم؟5 أع1318 أقط] 
5 !ملالا 5]آ 8 |الاكطع ,طدذأاعمع 360 ع أطوء4 طغآمط مأ كعطذأاطنام 
.615 هع 500-4136 300 4136 طغأهط م1 عاطأووععع3 


7 





7 0 3 


لان 


دراسات 


عمرو عثمان 
التاريخ الفكري: النشأة والموضوع والمنهج ووضعه في 
الدراسات التاريخية العربية الحديثة 


علي مزيان 
أساليب التصنيف التاريخي من خلال مقذمات كتب التاريخ 


حضور الدولة وتمثلاتها في المجالات الطرفية 
إيالة تونس في الفترة الحديثة 

محبوبة مجيدزادة 

الحريم الصفوي: إضاءات جديدة 

سعاد ينعلي 

الإستوغرافيا وبناء الدولة الوطنية الحديثة في تركيا 


محمد غاشي 
تحؤلات الكتابة التاريخية: من تاريخ النخب إلى تاريخ 
الهامشيين: المدرسة البريطانية مثالا 


نور الدين ثنيو 
الثورة الجزائرية في الأمم المتحدة 


ترجمات 


ترجمة: مصطفى التليلي 
مقاربات في العلوم الإنسانية والاجتماعية 
مقالات مترجمة من اللغة الفرنسية 


مراجعات كتب 


صناعة المعرفة التاريخية العربية: سياقات بناء الدلالة 
وأشكال تأويل المُتَمَثل 


))0)011 15 


167 


169 


211115 


411111 

5 320 111100010797 راع [511 ,ماع11 :11510157 لمباعه1اعامآ 
55 111 طلوتخ ننتاعل7/10 0[ 510115 

1آمر 

ع0 داع نامتطا 0وع135515 0 111501121 01 كلمطاء/1 

001 1م1115 01 5ه10اء لام[ 

11 مامه اك مك1 

5 21 اعطامتاء2 مآ 2105 أمعدع امع ]1 0منة ععمعوع21 ع5101ك 
100ع2 جتاع1100 عطا ما كتمنا]' 01 تإعمعوع ]ا عط 1 

طع0220ع1/12[6 داع اه هططدك/طا 

أداع1! 23777 2 ا ماعنتد]ط 521357101 عطلا غ2 25ك001.آ 

501120 11 

1126100-53 لتاعل7/10 عطا عمتاعتحتاكقمهن) مه 'تطمرممع 111510110 
11117 111 

ع0 لع متتمقطاه ك1 

21510177 عاتاء مام :خط ممع 111510110 11 13051011026015 [' 

5 561001 اأمتاتر8 عط[ ' :21170 طاع 2031 عطلا 01 7كاماقتط 2 101310 
07> 6356 3 

12 0126ل0ع0111 ار 


5 02160] عط 1 10 تامتاع] ممتاعع اخ عط 1 


13555 


11 مامه اك مط 


5 ]ا 320 و5عع2ع501 50191 عطا ما وعطعوم ]ممم 


طاعمء !1 متم 10ت اكمطة ]1 دوع1 11م 


و يلاع إبياع2] 8001 


101182 
01 قاءتع امهم ن) :0ع دله:2 عع0ه2011كا 115101121 لوتم 
علا قتاع 1م1ع 1م[ 01 محتتده1 ممه عمتمدء8/1 ع تناع بحتاكقم م0 


كلأمامءوع ]امع ]1 


0 





عبد الرحيم بنحادة 
المدينة في العالم الاسلامي: من التقليد إلى التحديث 
قراءة في كتاب المدينة العربية والحداثة 


وثائق ونصوص 
عبد الغني العمرائني 


وساطة اليهود في التجارة بين المغرب وهولندا أثناء القرن 
التاسع عشر: من خلال وثائق الأرشيف الوطني في لاهاي 


ندوة أسطور 


المؤرخ العربي ومصادره 

موسى سرور 

نحورؤية للخروج من "الميكرو - تاريخ" إلى "الماكرو - تاريخ": 
وثائق أوقاف القدس بوصفها مصدرا تاريخيًا أنموذحًا 

عادل مناع 

التأريخ للمهحمشين في فلسطين منذ الحكم العثماني إلى 
النكبة وما بعدها 

عصام نصار 

الاستعماربالمخيّلة: 

القدس في الصورة الفوتوغرافية المبكرّة 


عت تنتطةتتاع مام 
10 1101216101 حطم1 :110110 عتمته ار[ عطا ما بت عط]”' 
1/0771 تنه مراة) 10ل ©7171 01 عمتلدجع ]1 ذخ :7260 1طتاع1100 


15 /1 رم 


460111513121 1-١-١-1 
عط له معع1/1010 واعع'تكاعطا 15/101210 ع120 1 حا سكعل‎ 
:اكتتطمعن طاأتمععاع ملاظ عطا ما كلمد ل ءعطاء ار‎ 8171837 01 

عناع 113 ع1 رعحختطععتخ 82610021 عطلا ما كتمع حمنهء ه00 


0510101 3 


5 تناع[ اسمخ 81510115 1م 


01 1/1153 
:11210-11151017 10 -1/1110 مام متقاط أتكدط مه 1012105" 


:50111 11151011231 2 25 11201 جاع [15اء1 عطلا 01 سأمعمطده20آ عطا 


8 أعلنم 

عطا حم :عستاوع221 ما 2110ماع 1ط عطلا 1ه تكتماقاط ع1 
مم8 لمج وطاكلدا! عطا م16 علبكا متححمم 01 

155310 ١ 

:77 ع1 ا ج2115 1م0010 


امع مأمطاط تزاتتدا علا ما ددع لد كتتاءل 








أ 


تنعى أسرة مجلة أسطور للدراسات التاريخية ممثلة برئيس تحريرها الدكتور عبد الرحيم بنحادة 


وهيثة تحريرها ومجلسها الاستشاري العلمي الدكتور 


رك الردرحة 


أحد أعمدة لجنتها العلمية الذي وافته المنية في 2 آب/أغسطس 2020: وتنؤّه المجلة بأن 
العدد الحالي قد حمل في الكثير من مقالاته ومواده بصمات الأستاذ الراحل. 


وستولي المجلة ما تركه الأستاذ الراحل من نتاج كل اهتمات بْلَيّقَّ بمكانته. 


5-9 0 








)ا 
7 


عبد الرحمن المودن: المؤرخ الفذ 
الباحث والمدرس والفاعل الجمعوي 


في السنة الماضية دعيت إلى الحديث عن مسيرتي المهنية والعلمية ضمن سيمنار مسارات الذي يشرف عليه أحد الزملاء 
بالمعهد الجامعي للبحث العلمي بالرباط. كنت سودت بعض الصفحات لهذا الغرض. وجدتني في هذة الصفحكات"أردد .اسم 
عبد الرحمن المودن مرات عديدة. والسبب في ذلك هو أن جزءا يسيرًا من مساري العلمي والمهني ارتبط بعبد الرحمن. ولا أدل 
على ذلك من أن كل المجتمع العلمي في المغرب وخارج المغرب يربط بين اسمينا ولا يكاد يذكز أحدنا قن دون أن يذكر الآخر. 
تعود علاقتي بالفقيد العزيز إلى سنة 1985, لما التقينا أول مرة في أكادير بمناسبة انعقاد ندؤة أكاديز الكبرى الأولى. في هذا 
اللقاء العابر لمست في الرجل صفات العالم المتواضع الذي ينصت من دون المبادرة بالحديث. له يكتب لنا أن نعمق علاقاتنا؛ لأنه 
كان حزم الحقائب وتوجه إلى الولايات المتحدة الأميركية شهورا قليلة بعد هذا اللقاء. ونضرًا إلى أننا لم 'نتبادل البريد الإلكتروني 
ولا أرقام هواتفنا المحمولة التي لم تكن متوفرة لدينا آنذاك. 

لم يتجدد لقاؤنا إلا ثلاث تسنوات بعد هذا التاريخ, كانت الأقدار قد رمت بي في إسطنبول: وضرّبت لنا هذه الأقدار موعدا في هذه 
المدينة التي أحبها حتى النخاع: والتي جاء إليها لصقل معارفه في اللغة التركية وولوج الأرشيف العثقاني. منذ ذلك التارية: 
وبالضبط في صيف 1988, اقترن اسماناء كما في البسملة: إلى يوه السبت 2 آب/ أغسطس 2020, 

ا ا 
أفخر بها ما حييت, كما أنها علاقة التتلمذ في مدرسة الحياة. وحتى لا أطيل؛ أتوقف عند خمس محطات من سيرة سي عبد الرحمن. 


ل ات 211 


في هذه المحطة. أريد أن أبرز صفات ثلانًا أساسية: وهي لعمري من صفات العالم المثال: الأولى هي المثابرة في العمل حيث 
كان عبد الرحمن يقضي ساعات طويلة جلوسا في الأرشيف. لا يكل ولا يمل في البحث عما كنا نسميه "بيضة الديك", وهذه الصفة 
اكتسبها عبد الرحمن لما كان يشتغل عن بادية وادي إيناون لتحضير دكتوراه السلك الثالث في أرشيفات الخزانة الملكية بالرباط: 
وأرشيف نانط وأرشيف وزارة الخارجية بفرنساء وأخيرا في الأرشيف البريطاني. الصفة الثانية هي تقاسم المعلومة: في زمن كان 
فيه احتكار المعلومة هو السائد. كان عبد الرحمن كلما وجد بيضة من بيضات الديك تقاسمها. أما الصفة الثالثة فتبادل الخبرة؛ 
إذ كنا نكرس وقت ما بعد الشغل في الأرشيف لقراءة ما كنا نعثر عليه من وثائق: وكنا نتبادل ما يعرفه كل واحد منا في عراكه 
اليومي من أجل الفوز بالقراءة الصحيحة للمتون. آتذكر كم من الوقت استغرزقت منا قراءة وثيقة عبارة عن رسالة كتبت بلا نقط 
على الحروف؛ وهب رسالة حول معركة وادي المخازن التي نشر دراسة عنها في مجلة هسبيريس تمودا. كان موضوع العلاقات 
المغربية العثمانية الذي اشتغل كل منا به من زاوية مختلفة (هو من باب الثقافة الدبلوماسية: وأنا في إطار شبكة العلاقات 
المتوسطية - المتوسطية) يوحد جهودنا أكثر مما يفرق. 


المحطة الثانية: عبد الرحمن المدرس والمريي 


تعرفت إلى عبد الرحمن المدرس قبل سنوات من لقائنا الأول: حينما سلمني أحد الزملاء؛ وأنا طالب (سنة 1979), كراسة مادة الثورة 
الصناعية التي كان يدرسها في كلية الآداب بالرباط. في هذه الكراسة يقف الطالب على منهجية متميزة في تدريس التاريخ. 
لكنني تعرفت على المدرس المربي لما أسسنا جميعًا وحدة الدراسات العليا: المغرب والعالم العربي الاسلامي (2001-1997), 
ووحدة: العالم الاسلامي المتوسطي (2005-2001)؛ حيث ساهمنا في تكوين نخبة من الباحثين الواعدين في الدراسات العثمانية. 
كان عبد الرحمن يؤمن بالتدريس عبر البحث. ومن ثم كان يشجع طلبته على أن التدريس لا يمكن أن يكون ناجعا إلا عبر البحث, 
ويشجعهم على تكريس معظم الوقت للبحث. كان عبد الرحمن ينقل تجربته البحثية حينما كان يصحح أبحاثهم, فهو لا يتوقف عند 
إبداء الملاحظات؛ ولكنه يقوؤم ويصوب ويحشن ويجؤدء ومن ثم تميزت أبحاث من أشرف عليهم عبد الرحمن بالتماسك والرصانة. 
لعل هما يستوقفك في علاقة عبد الرحمن بطلبته هذا الجانئب الذي يزاوج بين الصراعة العلمية وحنو الوالد. وكذلك عرفه طلبته 
من العالم العربي في معهد الدوحة للدراسات العليا؛ دائم السؤال عنهم: فاتخًا باب مكتبه في كل وقت,: وحين لا ينتبه إلى ما 
يسمى "الساعات المكتبية" التي يخصصها عادة الأساتذة لاستقبال طلابهم. ولا يخامرني شك في أن التصرف نفسه هو ما كان 
أيضا مع طلبته في جامعة نورث كارولينا التي كان زائرًا بها. 

التدريس'تالبحث هو ما جعلنا ننخرط في مشاريع بحثية, تمكن طلبتنا من الاستفادة من منح بحثية في البلاد التي خصوها بأبحاثتهم. 
لقد كانت تركيا وجهتنا الأساسية: وكرسنا كل جهودنا لبناء علاقات مع جامعاتها استفادافنها طلبتنا؛ وقا ترك عبد الرحمن بابًا إلا 


طرقه من أجل تسهيل أمور الطلاب في فرنسا كما في تونس أو ألمانيا. 
المحطة الثالثة: عبد الرحمن والعمل المؤسسي 


لما تولى عبد الرحمن رئاسة شعبة التاريخ بالرباط. لم يستكن للروتين الذي طبع تسيير الشعبة. :بل عمل على إعطائها نفسا 
جديداء وإن أثار ذلك غضب بعض الزملاء؛ فعبد الرحمن هو تلك الرأس التي لا تدور رغم استدارة زأسه.: كما قال محمد الناصضري, في 
كلمة تكريمية له. فهو ثابت على مبادئه ومقتنع بهاء يدافع عنها مهما كلفه ذلك من ثمنْ. وظِنْما ذغاه محمد القبلي للانضمام 
إلى العمل إلى جانبه في المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب» كرس عبد الرحمن جهدا كبِيرًا في التهوض بالمعهد؛ والسهر 
على أن تؤدي هذه المؤسسة الرسالة المنوطة بهاء إلى درجة يحق لمن اشتغل معه بهاء وكان لَيٍّاتشرف العمل معه أكثر من 
خمس سنوات في المعهد الملكيء أن يتساءل عن سير هذه المؤسسة فن دون عبد الرحمن. استطاع عبد الرحمن بصبره وأناته 


وحسه الانسائي أن يسهم في بناء هذا الصرح بنصيب وافر. اشتغل في صمت ونكران الذات. وليس تعبير نكران الذات الذي 
استعمله هنا من باب التنميق أو المجاز ولكنه فعلا نكران الذات. أذكر ذلك حينما كنت وإياه نحرر كتاب التاريخ المباشر:. وكذلك لما 


0 


ا ا 2 

يبرز هذا الجانب في الأعمال التي أنجزها عبد الرحمن: وهي في معظمها أعمال جماعية كان لي شرف المشاركة في جلهاء 
لا أريد أن أذكر بالأعمال التي أصدذرها المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب؛: فقد كان هو أساسا راعيها والساهر على إنجازهاء 
وأريد أن أشير هنا إلى الكتب الجماعية التي أصدرتها كلية الآداب بالزباط: والتي شاركته في نشرها. ولعل نجاح عبد الرحمن في 
العمل الجماعي يرجع إلى مرونته في التعامل مع الشركاء وعدم التعصب للرأي الخاص؛ فقد كان يقتنع بسرعة بالرأي الآخر, 
بل يتحول إلى مدافع شرس عنه إن اقتئنع به. ويشهد بذلك الزملاء الذين اشتغلوا في الكتابة الجماعية لكتاب كرنولوجيا تاريخ 
المغرب. ويشهد بصرامته ومرونته الزملاء الذين شاركوه في نشر الأعمال المهداة إلى عبد الأحد السبتي. 


ا 200 


ترك عبد الرحمن بصمته الواضحة على الجمعية المغربية للبحث التاريخي التي كان كاتبًا عامًا لها في الفترة 2011-2007: وقد كان 
لي الشرف في أن أكون نائبه. وبدا ذلك في مستويين: المستوى الأول في نوعية النقاش العلمي الذي تناولته الجمعية, حيث 
ركزت على حقول بحثية جديدة لما نظمت ونشرت ندوة "التاريخ من الأسفل", واليوم الدراسي عن "الميكروستوريا", والندوة التي 
خصصت لإعادة النظر في تاريخ المدينة المغربية التي احتضنتها فاس بمناسبة مرور 800 سنة على تأسيسها. أما المستوى 
الثاني. فيتجلى في القفزة النوعية التي حققتها مجلة البحث التاريخي التي تصدرها الجمعية؛. على مستوى الشكل أو على 
مستوى المضمونء حيث أصبح للمجلة هيئة علمية دولية وأصبحت تشتغل بالمحاور على مستوى مضمونها. ويتجلى النفس 
الجمعوي عند عبد الرحمن في انتمائه إلى جمعية الصداقة المغربية - التركية التي كان عضوًا نشيطا فيها ساعيًا إلى المساهمة 
في تطوير العلاقات الثقافية مع بلد اعتبره عبد الرحمن مثالا يحتذى في البحث الجامعي, وخصوصا البحث التاريخي. أما الجمعية 
المغربية للدراسات الإيرانية والتركيةء التي كان أحد أعضائها المؤسسينء فكانت درعا من دروع وحدتي التكوين والبحث في 
المغرب والعالم العربي الاسلامي 1900-1500, والمتوسط والعالم الاسلامي 2000-1500؛ إذ ساهمت هذه الجمعية في تجاوز 
العديد من العقبات: ولا سيما المالية: التي تواجه الطلاب في حقل الدراسات العثمانية. 

مدرسًا في مؤسسات تعليمية دولية مختلفة, خبيرا, باحنّاء فاعلا جمعوياء كل هذه المهمات كان يقوم بها عبد الرحمن بكل دقة 
وبتفان عز نظيره. ظل الفقيد يشتغل رغم المرض إلى آخر نفس. لم يتلكأ عبد الرحمن رغم التعكب فقي" متابعة رسائل الماجستير 
التي يعذها طلابه في معهد الدوحة للدراسات العلياء ولم يتخل عن المهمات التي أوكلت اليه في تحرير بُعض مواد العدد الأخير 
من دورية أسطور التي كان عضو هيئة تحريرهاء ولم يتخلف عن مراجعة كتاب الأعوام مع زميّله وصديق العمر عبد الأحد السبتي, 
ولم يتخلف عن مراجعة كتابه البادشاه والشريف الذي أعده للنشر (سيصدر ضمن منشورات جاقعة بهجه شهير بإسطنبول): 


عبد الرخحيم بنحادة 
رئيس التحرير 








0 00ل ادن 





التاريخ الفكري 


النشأة والموضوع والمنهج ووضعه في الدراسات التاريخية 
العربية الحديتة 


1150157 امباعع11اء1]1 


25 11151011631 وخ تتاعل1100 1 كناك 5غ]1 لطله 7110001089 راع ه[1اك رطاع011) 


تهدف هذه الدراسة إلى أمرين: أولهما استعراض نشأة مجال التاريخ الفكري وتطوره في الدراسات التاريخية الغربية 
المعاصرة للتعرف إلى علاقة هذا المجال بأغراض التاريخ الأخرى, وعلاقته بما سبقه من مناهج في دراسة التاريخ: وثانيهما 
التعرف إلى أهم القضايا النظرية المرتبطة بالتاريخ الفكري. وتتناول الدراسة العديد من الأسئلة المرتبطة بالتاريخ الفكري, 
مثل تعريفاته ومناهج دراسته المختلفة وإشكالياته الكبرى. علاوة على نقاط تفرده عن مجالات التأريخ الأخرى. وسيتعرف 
القارئ إلى أهم المؤرخين المرتبطين بالتاريخ الفكري في العقود الأخيرة. فضلا عن الاختلافات بينهم فيما يخص هذا 
الموضوع ومنهجه. كما تعرج الدراسة.: على نحو مختصرء على حالة الدراسات التاريخية العربية الحديثة المرتبطة بالتاريخ 
الفكري؛ فضلًا عن بعض الصعوبات التي تواجه المهتم بدراسة تاريخ الإسلام الفكري تحديداء مقترحة مجموعة من الحلول 
ا ا ا ل 1 لن. 

كلمات مفتاحية: التاريخ الفكريء المناهج التاريخية.: تاريخ الأفكارء تاريخ الاسلام الفكري. 

015121 3 35 2150197 31تاعة11[ء121 01 اأتعطامه1ء067 30 ه115 عطا ألمعوع1م 10 :1501010 15 لءعم3م 15طا 01 ته عط ]1 
3240 116011621 12312 115 01 50136 0151155 10 320 115101105136597 متتعاوء/71 12ع1200 12 1157نامطء لوع11مأق1ط 01 110 
01 716975 ع[ 01 5012 101110128 ,تكاماقلط اججاعع[[اعأم1 01 تلكع1كلء07 له 010171065 اعم0م عط[ .15515 12110001051221 
عط 2ه تاماعع1 طوتخ عطا ا 2150157 اجتاعة11عأط1 01 عتدأة أمعتتنه عطا 5ع0151155 5111197 3150 1عم3م عط ]' .5اعع100م 115 
0 5م516 ]511555 ,ع120 :2311111131 12 15130 01 11510157 لمتاعع11اءع11 عطا داه 7701128 1315مطء5 عطا أقطا 5ع1]1ناء 01111 


.15111 عللطع2620 2ه 25 53615 15 ع1017م 112 


.11510177 21تاعة11[ع21] ع1تطقا؟] رموع10 01 1115019 ,005ااع14 طاعتوعوع ]ا 1151011221 ,1م1510 لمباعع1اعام[ :01:05 تع >1 


أستاذ مشارك في قسم العلوم الإنسانية: كلية الآداب والعلوم: جامعة قطر. 
.1761516 انا 03131 ,5ع2ع2م561 300 5غ]1ق3 01 ععه|01 ,ك5ة3011ماناتلا 01 أمع صا ومع ناءنهددع201 1316أع550م/ 


11 


العدد 12 إلا طور تموز / يوليو 2020 
وده 
16101 


في الدراسات العربية الحديثة عن تطور علم التاريخ» تبدو مدرسة الحوليات كأنها المحطة الأخيرة الأهم في تطور الدراسات والمناهج 
التاريخية؛ وذلك على اعتبار أن ما أتى بعدها من نظريات ومقاربات تأريخية كان استجابة لها أو ردة فعل عليها تشبه» على نحو ماء 
:مات ال "ما بعد" مثل دراسات ما بعد الحداثة أو ما بعد البنيوية» وما إلى ذلك. 


تتناول هذه الدراسة غرضًا من أغراض الكتابة التاريخية» بدأ تقريًا في الوقت نفسه الذي ظهرت فيه مدرسة الحوليات» ولكن في 
الولايات المتحدة. وأقصد هنا "التاريخ الفكرى" 111101 81ناءه1اءه1 الذى لم يحظ بالزخم الذى حظيت به مدارس التاريخ الأخرى, 
بل تأرجحت مكانته كثيرًا في العقود القليلة الماضية» على الرغم من انتماء كثير من كبار المؤرخين المعاصرين إليه. تستعرض هذه الدراسة 
ظهور هذا النوع من أنواع الدراسات التاريخية في النصف الأول من القرن العشرين» وارتباطه بفكرة "تاريخ الأفكار" دده10 2ه ه1110 
27 المورخ الأميرق أرثر لَفَحُوى 16017رآ كنتطتى (1962-1873): وعلاقته بتاريخ الذهنيات الفرنسى 21165 دعطط وعل عتزماقتطلآء 
وتاريخ الأفكار الألاني بتنوعاته المختلفة عاتاعتداءوعع وعافاء0 رعاطاء نطاعوعع دوع 8 00010 ومن ثم الجدل الحاصل 
والمستمر حول موضوعه وحدوده وأهدافه. ويستتبع هذا الهدف هدف آخرء ألا وهو تحديد التساؤلات النظرية المرتبطة بالتاريخ الفكري 
وتقديمها إلى المهتم بالموضوع من المؤرخين العربء إذ إنه على الرغم من وجود دراسات عربية حديثة ومعاصرة تنتمي بوضوح إلى مجال 
التاريخ الفكري من جهة الممارسة» فإننا نفتقد دراسات تَؤْصّل للأسس النظرية لهذا المجال عمومّاء ما يعوق ازدهاره بوصفه غرضًا من 
أغراض الدراسة التاريخية في العالم العربي خصوصًا. 


تتضمن هذه الدراسة أربعة محاور؛ يتناول المحور الأول نشأة التاريخ الفكرى ومجالاته واهتماماته وأهدافه» في حين يستعرض المحور 
الثاني أهم الإشكاليات الموضوعية والمنهجية المرتبطة بهء أما المحور الثالث فيناقش الآراء المختلفة حول إطار التاريخ الفكرى وتفرّده عن فروع 
التاريخ الأخرى وارتباطه ببها. وأخيرّاء يتناول المحور الرابع بإيجاز حالة التاريخ الفكرى في الدراسات التاريخية العربية الحديثة والمعاصرة» وبعض 
الصعوبات المرتبطة بدراسة تاريخ الإسلام الفكرى تحديدّاء مقترحًا مجموعة من الحلول لدعم مكانة التاريخ الفكرى في العالم العربي. 


أولا: التاريخ الفكري: النشأة والتطور 


انقسم المؤرخون الغربيون في البحث عن نشأة التاريخ الفكري إلى فريقين. زعم فريق أن التاريخ الفكريء بمفهومه العام» كان 
موجودًا دائمّاء لا سيما عند الفلاسفة الذين اهتموا ببيان مواقفهم من الفلاسفة السابقين عليهم". وهذا الرأىء كما هو واضح, 
يتجاهل قضايا المنهج وما يرتبط بها من أمور نستعرضها في هذه الدراسة مع استعراض تطور التاريخ الفكري. أما الفريق الثاني» فينظر 
إلى التاريخ الفكري بوصفه غرضًا حديئًا من أغراض دراسة التاريخ. وفي داخل هذا الفريق» نجد من يربطون بين التاريخ الفكري وبعض 
أغراض التاريخ التي ظهرت في ألمانيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أو في فرنسا في النصف الأول من القرن العشرين» ومن 
يصرّون على أن التاريخ الفكري بمفهومه المعاصر نشأ في الولايات المتحدة في ثلاثينيات القرن العشرين وتطورت مناهجه فيها في المقام 
الأول*). ستبرهن الصفحات التالية على أن رأي الفريق الأول فضفاض بدرجة لا تمكنه بالفعل من تمييز الجديد والمختلف في التاريخ 


.6 .6 ,(1969 0610561)) 4 .20 ,53 .7701 ,71/071151 776 ",تك1اماق1ط لقناعع1اعام][ 1ه عام ]' عط 1" رعغتط/اا ./ا معل:1237 1 
2 وني كلتا الحالتين» فهو قد يرتبط ب "سردية العلمانية" كما يناقشها عزمي بشارة في معرض حديثه عن ارتباط ظهور التأريخ الحديث بالعلمانية تحديدّاء وإن اختلفت 
أشكالها وأهدافها فى العالم الغربى. ينظر: عزمى بشارةء الدين والعلمانية سات تاريخى: الجزء الثانى» المجلد الثانى: العلمانية ونظريات العلمنة (الدوحة/ بيروت: 
إن . الاسحات ودراسة السياسات 2015) ,ص 0 25. ١‏ 1 1 1 


12 





التاريخ الفكري 4 0 
النشنا .. ٠. ٠. ١ 5 ١‏ . الد انسا .. التا ١ ٠. ٠.‏ 0 الحد .. 6. 
ة والموضوع والمنهج ووضعه في الدراسات التاريخية العربية الحديثة 3 بلطور دراسات 


الفكري الحديث. كما ان من يصرون على تتبع نشاة التاريخ الفكري في المانيا أو فرنسا يخلطون بينه وبين التاريخ الثقافي او تاريخ 
العقلبيات 4211665معم وعل عتزماققط'.1آ الأشبه به وهو خلط قد يكون مقصودًا ومبررًا لديهم: ولكنه خلط يرى بعض كبار المؤرخين 


المهتمين بالتاريخ الفكرى أنه يهدف: في نهاية المطافء إلى تهميش التاريخ الفكرى كما يفهمه هؤلاء. 


أتخذ من هذا الرأى الأخير نقطة اتطلاق لعرض الأفكار اللختلفة حول نشأة التاريخ الفكرى وتطورةء. مع عرض وجهات 11 
المختلفة حول موضوعه ومنييجه في إطار ذلك. يصر هذا الرأي على ريادة الولايات المتحدة في مجال التاريخ الفكريء إد إنه على الرغم 
من وجود بعض التشابه بين تطور التاريخ الفكري في الولايات المتحدة وبعض التوجهات التاريخية في ألمانيا وفرنساء على سبيل المثال» 
فإنها لم تميز حدود تفرده بوصفه غرضًا تاريخيًا مستقلا عن غيره): كما لم يكن لها ذلك التأثير العميق والممتد الذي كان لمؤرخي 
الولايات المتحدة في القرن العشرين6. وفي نظر هؤلاءء فإن نصيب أوروبا في تطور التاريخ الفكري كان إسهامًا غير مباشرء إذ أعلى 
الفلاسفة الألان من دور الأفكار في الصيرورة التاريخية (بل جعلها فريدريش هيغل أساس هذه الصيرورة)» كما قدمت مدرسة الحوليات 
الفرنسية أفكارًا استفاد منها التاريخ الفكري معرفيًا ومنهجيًا©. وسيتوقف البحث عند تأثير المفكرين الأوروبيين (لا سيما فلاسفة اللغة 
والتقد الأدبي الألان والفرنسيون) في التاريخ الفكري في مرحلة تطوره التي أطلق عليها "المنعطف اللغوي "© 


1. آرثر لفجوي: التاريخ الفكري فب مقابل تاريخ الأفكار 
ينسب مصطلح "التاريخ الفكري" إلى المؤرخ الأميري جيمس هارفي روبنسون «هكصتطاه] نإ 1135 دعصو (1936-1863) في بدايات القرن 


العشرين”*. وبعدها بقليلء أتى المؤرخ آرثر لفجوي بفكرة كان لها دور كبير في تطور التاريخ الفكري". تقوم فكرة لفجوي على وجود "وحدات 
فكرية" 14625 14ه1] رئيسة ودائمة في كل الحضارات؛ وإن اختلفت معانيها الدقيقة وتجلياتها بحسب الطريقة التى وُظفت بها في سياقات 


تاريخية مختلفة©©. أطلق لفحوى عل تمييز هذه الوحدات ودراستها "تاريخ الأفكار" 5هع0110 :1111101 وهو العنوان الذى حملته الدورية ال: 
0 عن الصبير 23 ريح 1 م : ورية 0 


3 وعن تاريخ العقليات و"ضبابيته" وعلاقته بالتاريخ الفكرى» ينظر ترجمة محمد حبيدة لمادة المؤرخ الفرسى جاك روفل 1761 13201165 عن "العقليات". فى: الكتابة 

التاريخية: التاريخ والعلوم الاجتماعية - التاريخ والذاكرة - تاريخ العقليات. ترجمة وتقديم محمد حبيدة (الدار البيضاء: أفريقيا الشرق» 2015)» ص 140-129؛ وكذلك 

ترجمته لمقالة المؤرخ الفرسى جاك لوغوف 008 ع.آ و0116وع13: "العقليات: تاريخ مبهم": فى: المرجع نفسه. ص 162-141. 

1 .10 ,48 .701 ركبهء10 /[0 :19101 ©1717 /[0 20117710/1 '"راع 21050 ,راع 011111150) رأاعء م1105 :11510157 ادتتاعع[1عام[ 01 5مه10117" ,تإاع1اع ]ا .1 1002210 4 
0 .2 ,(1987 طآع31]/ط-312113157[) 


.149-50 .مم ..1010 5 
6 بل يعتبر المؤرخ الأميري ليونارد كريغر - أحد أعلام التاريخ الفكري حتى وفاته عام 1990 - مدرسة الحوليات إحدى خمس من "مدارس" التاريخ الفكري» ينظر: 
504-505 .22 و(1973 12161 ع1(6[-1ع2010)) 4 .20 ,34 .1701 ,كه 0/10 :115107 01/1 01177161 ",157م1أ15لط ادتاعع | [اعام]1 01 تالطامممننرخ عط 1" متععع11كا 1602310 
.6 ,(1997 1/1337) 3 .10 ,1701.30 ,1206/67 :215101 ©7177 "'رع01715ع1015 12 تالباك ذث زوعكلة011طاتهظ عطا تعكة تكامغأة 1ط لمباعع [اعامآ" بعللا عاط 
وينسب ميلر إلى المؤرخة الأميركية لين هانت غهد11 صمبررآ (1945- ) اعتقادها بتأثر المؤرخين الأميركيين بمدرسة الحوليات: ولا سيما مع تركيز هذه المدرسة على "تاريخ 
الذهنيات" وابتعادها عن التفسيرات الاجتماعية - الاقتصادية الصارمة. 
77 أو "المنعرج اللسانى" كما فى بعض الأدبيات. وعن المنعطف اللغوىء ينظر: 
:700-722 0 ,(2012 عقنال) 3 .1120 ,1701.117 ماوع 1 نه 12 2000000 1 776 ",7ع 210ع02) ل 11117 ©1511ناعطارا عط 735 معط 11" ركلكاكناك 11لنال 
وعن علاقة المنعطف اللغوي بالتاريخ الفكري. ينظر: 
2)22132] 10021211 :12 "رعأة6ع0آ 1ع112235-330310ع1136 عط 1ه 05م 1اعع11ع]آ1 كن ع1أ15ناعماآ 2 ععكلدا ك1ه]15]ط لقتاعع 1اع1م] 10تامطد" ,9ل تدا 
16517 001211 :01002[ط لدعقط[) دوعنطاععمكسسء2 مس[ 10نه كأ ه015 7ممموء1 :نو7م1ك 1ط اأملااعء|/1711 1117062071 71006771 ,(.ك05ع) تقامةن) .آ اععكعادك 
.879-77 .0 ,(1987) 4 .92,120 .701 رنلاء آناء 12 /1115107:120 47116710171 177 ,111110 5116 ناك ملا عط نتع 1 1510157 اأقجاعه[اعام[" ,5كء10 .1 مطمل :(1982 رووععط 


0 .2 و(1971 1171011 ) 1 .10 ,701.100 ,كن[ه م22( ",كلعطاعل/طا لله كمطتخ ذخ[ :1150157 لدتاعع![عتام1" رتتعءط 011 ««تاءع1 8 

9 عن لفجوي وافكارهء ينظر: 
0710 ن[/م 21/050 "رقوع10 01 1510197 عط لطه 1070977 .0) “تلنتطاتث :077(ع107 .0 "تتلطلاتث 01 110201 112 تتتاادهممط5 خخ" ,الهلمةكا تمتممطاعط امل 
475-79 .72 ,(1963 11126) 4 .23,10 .701 رع تهوء ك1 أسء 1و 011671011671010 


9 .6 باتاء0011 10 


135 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


أشرف على تحريرها 5م190 0 :1111101 :[ا ]0 1011:41.. كما وضع لفجوى فكرته موضع التطبيق في كتابه الأشهر سلسلة الوجود العظيمة 
8 0724101101 111 . وعلى الرغم من النقد العنيف الذى تعرضت له فكرة لفجوى» بل تجاوز التاريخ الفكرى بالكلية تقريًا لفكرة "الوحدات 
الفكرية" (بما في ذلك دورية لفجوي نفسها)ء فإن التاريخ الفكري تطور بصورة عامة بعد لفجوي من خلال تحديد الموقف من هذه الفكرة وأفكاره 
الأخرى”". كما اضطلعت أفكار لفجوى بدور مهم فى جعل الولايات المتحدة سباقة فى مجال التاريخ الفكرىء إلى درجة أن الطفرة التى شهدها 
التاريخ الفكرى في الولايات المتحدة في الأربعينيات والخمسيئيات من الفرق العشريوة 9 البعض إلى إعلانه "ملك الدراسات التاريخية "0 


وعلى الرغم من اعتقاد بعض المؤرخين أنه لا يوجد فرق جوهري بين فكرة لفجوي عن تاريخ الآفكار والتاريخ الفكري كما يمارس بصفة 
عامة الآن"2, فإن أغلب المشتغلين بالتاريخ الفكري ناوا بأنفسهم عن فكرته "الأفلاطونية" عن "الوحدات الفكرية" إذ تفترض هذه الفكرة 
إمكانية وجود الأفكار بمعزل عن العالم أو بصورة مفارقة له4". بيد أ هذه الفكرة لم تكن لتنحح قِ ظل سيطرة فكرة مركزية السياق - أي 
كان تعريفه - في فهم المؤرخ لأفكار مفكر ما فضلًا عن تشكلها في عقل صاحبها نفسه . ونتج من هذا الأمرذبول مصطلح "تاريخ الأفكار" 
[بل ربما اختفاؤه تمامًا باستثناء وجوده في دورية لفجوىي)» ليحل محله مصطلح "التاريخ الفكري". الذي ميز نفسه من تاريخ الأفكار من 
خلال تركيزه على السياق الخارجي الذي تظهر فيه تلك الأفكارء بينما يركز تاريخ الأفكار على سياقها الداخلي: كما سنفصل ذلك لاحقًا(ة". 
قد تكون هذه النقطة مرتبطة بتطور آخر شهدته الدراسات التاريخية في النصف الأول من القرن العشرينء إذ إنه مع اتهام التاريخ السياسي 
- الذي هيمن على القرن التاسع عشرء ولا سيما نصفه الثاني" - بضيق الأفق بسبب إهماله لأبعاد التجربة الإنسانية الأخرى؛ اتَجه بعض 
المؤرخين إلى الجمع بين ما نطلق عليه اليوم التاريخ الاجتماعي والتاريخ الفكري. كان لهذا التطور تأثير إيجابي في نظر بعض المتابعين لتطور 


1 عن مكانة لفجوي واثره في تطور التاريخ الفكريء ينظر: 
3011817 1) 1 .20 ,67 .01 ركهءل1 07 :215101 117 07 0117710/1ل ",115]0157 1تجاعه11عغم[1 01 ععطع !قطن عطا مه 09[ع107آ .0 تتتطتتخ" ,رمطاعع1ئآ عاع تنو متتطامل 
.1181-8 .22 ,(2006 


60 .2 و(2011 7إلنال) 3 .20 ,46 .1701 ,11151010 270 :2011121117017 0/7 0111710:1ل ,111510157 01:31597لاعاومن) هه 151017ط لوتاعع1اع01[ متدعممتتاط" راع لطا تعمء 1 -مول 12 
وجب التنويه إلى أن الكلمة المستخدمة في هذه العبارة المقتبسة هي "ملكة" وليست "ملك" التي فضلتها في الترجمة العربية. 
3 ينظرء على سبيل المثال» ما يقوله المؤرخ النيوزيلندي جون بوكوك ع[عمع20 11 (4دو1- ) في : 
.46-4 .2 ,(1985 1ع0601]05)) 10 .10 ,85 .17701 ,10000 111107 "110 اتناعة[اع1ام] 15 أخقط/اا" ,تمتلاهمن) مداعادك 
وكما نرى في عنوان هذه المقالة المنشورة في منتصف ثمانينيات القرن العشرين التي تضم إجابات ستة مؤرخين» فضلًا عن كوليني نفسه» عن سؤال "ما هو التاريخ الفكري؟". 
فقد كان السؤال عن طبيعة التاريخ الفكري وهدفه ما زال مطروعًا؛ ينظر أيضا عنوان المقالة المشار إليها 2 الهامش التالي. 
10 عط1 ",1110 11511206155000 1797 أمعتتوع11 2 10 1211001161105 نه5 د 7االعلمةءط لخ 1115]0177 ل[دتاعع 1 اعام[ 15 أقط 11" ,0601000 .] معاءط 14 
.1-2 .26 ,و2013 51111111161 ولإأأقلء كلملا 70 ,111510157 لمباعع1اعام] 101 متنحتتد01100 0 
استخدم الباحث هذه المقالة بعد موافقة البروفيسور غوردون قْ مراسلة شخصية معه. ويدافع كيل عن لفجوي قائلا إن من جاؤوا بعده اتسموا بنظرة ضيقة وأقل مغامرة 
من نظرته؛ ينظر: 151 .م ,1167 1؛ وق رأي كريغرء فإن التاريخ الفكري يختلف قْ أمور عون تاريخ الأفكارء إذ بينما يركز هذا الأخير على أفكار كبار المفكرين الناضحة» فان 
التاريخ الفكرى هو أعم واشتمل مثهء ذلك أئة يتناول حتى الأفكار والاراء البسيطة والافتراضات المضمرة: ينظر: 500 .م6( ,1ء501-11168؛ وعن الفكرة نفسهاء ينظر ايا 
رأى المؤرخ الإنكليزى مايكل هانتر :هاصد11 اعهداء3/1 فى: 54 .م ,نصذااه0؛ وعلى الرغم من ذلكء ينبه هانتر إلى أن التركيز على نصوص وأفكار كبار المفكرين يرتبط أساسًا 
بتوفر كتاباتتهم» على خلاف الأفكار البسيطة التي لا تجد دائمًا طريقها إلى المصادر التاريخية» ينظر: 1010. 
.5 .1 ,6005010010 15 


6 وكما يوضح خالد طحطح. ارتبط الاهتمام بالتاريخ السياسي قْ القرن التاسع عشر بالمدرسة الوضعية التي أولته اهتمامًا خاضّاء مركزة على الأفراد بوصفهم صناعًا 
للتاريخ» وعلى الأحداث التاريخية نفسها من حيث أسبابها ومراحلها ونتائجهاء ينظر: خالد طحطح., عودة : الحدث التاريخي (الدار البيضاء: دار توبقال للنشرء 2214 
ص 19-13؛ وقد كان للتاريخ السياسي حضور قوىي قِ ألماتنا على يد المؤرخ اللاي المرموق ليوبولد فون رانكه عكلصة؟1 مه 010ممع.1 (1886-1795): » ومن قبله الفيلسوف 
اباي هيردر ع1 (1744 -1803) ؛ إد اعتير د مغالنا أتباع التاريخ الاجتماعي - التاريخ السياسي هو التاريخ الحقيقي: بل هو "التاريخ". ينظر: 5 .2 ,60100؛ وقد 
انزوى التاريخ السياسي 2 النصف الأول من القرن العشرين مع ظهور مدرسة الحوليات واهتمامها بالبنى الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية» ينظر: طحطح. ص 19 
وما بعدها؛ ثم تجدد الاهتمام به قِ النصف الثاني من القرن العشرين مع توسع نطاق "السياسي' ' ومجالاته؛ وعودة الاهتمام بالحدث التاريخىء وربما تراجع التيار الماركسى» 
ينظر: فتحي ليسيرء تاريخ الزمن الراهن: عندما يطرق المؤرخ باب الحاضر (تونس: دار محمد علي للنشرء 2012)ء ص 90-88؛ وعن ارتباط ما يطلق عليه الأللان 
عأطعنطءدوعاذنء0 (ينظر الهامش رقم 21)؛ ؛ وهو ما يعتبره البعض النظير دان للتاريخ الفكري - بالتاريخ السياسي كما أرخ له المؤرخون الألان مثل فلهالم دلتاي دصاعط ”ا 
157 (1911-1833) ومن بعده فريدريش ماينكه عكاءعماءع]8 اع ستلعن] (1862 -1954) » ينظر: 577 .6 2/]1011©1. 


14 





التاريخ الفكري 4 4 
النشأة والموضوع والمنهج ووضعه في الدراسات التاريخية العربية الحديثة لطبور دراسات 


الدراسات التاريخية في الغرب في القرن العشرين» إذ إنه ساعد المهتمين بالتاريخ الفكري على صقل مناهجهم من خلال الاستفادة 7 
التطورات التي حدثت في العلوم الاجتماعية”©. وكان أحد تلك التأثيرات هو فكرة التغير؛ فتمامًا كما أن المجتمعات تتغير باستمرار» فإن عقل 
المفكر يشهد تغيرًا مستمرًا لأسباب قد يكون أوضحها كونه في جدل دائم (وإن لم يكن معلنًا بالضرورة) مع أفكار عصره!8". 
2. الولايات المتحدة الأميركية والتاريخ الفكري 

ومع هذه الطفرة التي شهدها التاريخ الفكري في منتصف القرن العشرين» فإنه وصولا إلى سبعينيات ذلك القرن لم يكن قد أصبح - 
بعد - فرعًا معترفًا به في الدراسات التاريخية, على الأقل خارج الولايات المتحدة. ففي فرنساء لم يستخدم المؤرخون الفرنسيون النظير الفرنسي 


اللغوى له ء[اعنناءء1اعام1 عتزه]1115 الذى لا يظهر إلا فى ثمانينيات القرن العشرين9". وفى بريطانياء لم يُخصص للتاريخ الفكرى فصل فى 
موسوعة كامبر يدج الجديدة للتاريخ الحديث :1111/0 11006771 عع00771130) م77 29. كما لم يكن هناك مقابالات للمصطلح فى فرنسا 


أو حتى ألمانياء إذ إنه على الرغم من وجود مصطلحات قد تشير إلى أغراض تتقاطع معه» فإنها لم تحظ بالزخم الذى اكتسبه مصطلح التاريخ 
الفكري كما تطور في الولايات المتحدة©. أما في الولايات المتحدة» معقل التاريخ الفكرىء فقد شعر المشتغلون به بوجود تهديد لشرعية وجوده 


.6 001101 17 
يضيف غيلبرت أ التاريخ الفكري والتاريخ الاجتماعي خاضا معًا صراعًا من أجل الاعتراف بهمماء بيد أن علاقتهما تحولت من التحالف إلى الغداء لأسباب عذة: 15 يكون 
أهمها هو اختلاف الافتراضات التي يقوم عليها كل مدهها . فبينما يسعى التاريخ الاجتماعي للكشف عن الحركات الاجتماعية التي لا يعرف عادة المحفز الرئيس لها (فقد 
يكون تغيرات سكانيةٌ أو نموًا اقتصاديًا أو تقدمًا تكنولوجيًا)ء يركز مؤرخ التاريخ الفكري على عقل المفكر وثماره. ثم يضيف غيلبرت أن الافتراضات التي يقوم عليها التاريخ 
الاجتماعي قد أفضت ببعض ممارسيه إلى زعم مفاده أن التاريخ الاجتماعي هو التاريخ "الحقيقي" الذي يمكن دراسته والاستفادة مند» إذ إنه يقوم على "قوانين" يمكن 
الكشف عنها واستخدامها للتنبؤ بالمستقيل» ينظر: 3 .56 ,.94-110. 

90-1 .م2 ..1010 18 
يضرب غيلبرت مثالا على ذلك من خلال كتاي دلتاي عن فريدريش شلايرماخر وهيغل "الصغير " داع و11 050/111 11521102ل ©2101 ويعتبرهما أوى المؤلفات التي تناولت 
فكر المؤلف بوصفه نتاج عملية تطورية. ويضيف غيلبرت أنه مع هذا التوجه الجديدء بدأ الاهتمام بمجموعة معينة من الوثائق التي لم تنل حظا من الاهتمام من قبل » مثل 
النسخ الأولى من مخطوطات الكتب وقصاصات الورق والهوامش والمراسلات الشخصية وملخصات المحاضرات» وهي كلها وثائق تلقي الضوء على تطور أفكار مفكر ما. وقد 
نشبا ربما بدافع من فكرة التطورء اهتمام تاريخي أطلق عليه "التاريخ النفسي" 1510137 يسىعى للبحث عن الدوافع "الحقيقية" للأفكار والسلوك. وقد اعتبر دلتاي 
أيضًا »بل الفرسبي لوسيان فيبر عنتمء1 معاء نآ (1878 -1956) أيضًا احم الدور الأكبر في ظهوره» ينظر: 

4 .6 ,(1111986مل) 2 .10 ,91 .1701 ,نلا 1نا1)2 :115101 477167171 ©77/7 ",111510157 5ه 510157 1طامطء859" راأتتطهم لا .لل 11201035 :510-511 .مم راعع11168 
ودراسة كوهوت مفيدة 2 إعطاء فكرة عامة عن تطور التاريخ خ النفسبي وإشكالياته. وقد حذر المؤرخ الأميري وأستاذ التاريخ بجامعة واشنطن سانت لويس» غيرالد أيزن رك ) 
مبكرًا من الاستخدام العشوائي لأفكار التاريخ النفبي إذإنه قد يقود سوولة إلى عملية "دور" 113117اه011؛: واضحة حين يستخدم المؤرخ ما يعرفه عن المفكرين من كتاباتهم 
اللاحقة ليستنتج أمورًا عن طفولتهم» ومن ثم يعيد استخدام هذه الأمور لتفسير أفكار هؤلاء المؤرخين اللاحقة: ينظر: 
4 .م ,ت169اع ا :139 .6 ,(1975 1/1357) 2 .120 ,14 .701 ,ن17©07 0ه :215101 ",151017 لدتاعع![عام[ ممه 'ك1هأ؟1طمطاء:5و" ,رتتعطمعج]1 01010 
إِذ يصرح كيلي بأن "التاريخ النفسي" لي 0-8 بالفعل بقدر يذكر من الاحترام لدى المؤرخين بصفة عامة» والمهتمين منهم بالتاريخ الفكري بصفة خاصة؛ وعن تأثير دلتاي 0 
الفرنسي لوسيان فيفر أيضًا في ظهور فكرة التاريخ النفسي» ينظر: 
4 .2 ,]01111 !ا :510-511 .مم ع8 1116 
9 ينظرء على سبيل المثال؛ مادة المؤرخ الفرنسي المعاصر فرانسوا دوس (1950-)» الذي قد يُعد أحد أهم أعلام التاريخ الفكري في فرنساء عن التاريخ الفكري وتطوره في 
فرنسا من اهتمامات فكرية متعددة: 
,(2010 ,331112310) :3115) 1 .701 ركاوطةل 1© كامء©011) :215101109702165 ,.1ة أء 126101ع0آ لقأ 1تطن) :مآ "رع [اعتاعة1[عاما ع1115]011" ,ء12055آ 15معمق]1 
-21.378 
0 بل لم تظهر كلمة "التاريخ الفكري" أصلا في قاموس أكسفورد للغة الإنكليزية» ينظر في ذلك: 80 .مم ,خ1ء81-0116. 
21 خم الألان مصطلحات أخرى ٠‏ مثل عخطع تطاعوعع 151 0 الذي يتركب من جزاية: 0151 بمعنى الروح وعاطء تامع بمعنى تاريخ [وهو مصطلح يصعب 0 
وإن عذه كثيرون وثيق الصلة بتاريخ الأفكار أو التاريخ الفكري) ؛ وعخطء تطعوعع والتيوء 8 ويعني مقطعه الأوؤل الفكرة أو التصور أو المفهوم (والمقطع الثاني بمعنى "التاريخ' 
كما هو الحال مع المصطلح الأول) ؛ وعخطعتطعوعع مععل1» أى تاريخ الأفكار. ويؤكد كيل هنا أنةابيتها ارتبط النظير الألاني لتاريخ الأفكار بالفلسفة تحديدّاء فقد ارتبط النظير 
الفرسي» أي تاريخ الذهنيات أو العقليات 014211165عحط وعل 51011 1ط'1آء بالتاريخ الاجتماعي: ينظر: 3 .10 ,149-150 .م( رلإء1اعكا. 
ومن جهته» يرى وايت أت التاريخ الثقافي عخطء تطعوع8 111 نكل الذي ظهر في منتصف القرن التاسع عشر وكان على راض أعلامه المؤرخ السويسرى ياكوب بوركهارت 260ل 
ل ططع مس8 (1897-1818): »هو "سلف" التاريخ الفكري المباشرء ل 1 .م6 ,عالط 612-11. 
سانا مع هذاء يرى وايت أ الأعلام الأول للتاريخ الفكري هم الفيلسوف الثلان إرنست كاسيرير 1و 51م (1945-1874) والهولندي يوهان هينغا ممقطاهل 
]1 (1945-1872): م الأميري ادر لفجوي, ينظر: 613 .1010.,2. 


15 





العدد 12 2 تموز / يوليو 2020 


نفسها!22): ما استدعى عقد "مؤتمر أزمة" في بداية العقد قبل الأخير من القرن العشرين» للبحث في أسباب تلك الأزمة وأبعادها وبعض سبل 
التعامل معها!. تمثل أحد أهم أبعاد هذه الأزمة في عدم وجود جيل جديد من المؤرخين المتخصصين في التاريخ الفكري» بل دخوله في مسار 
تنازلى بعد أن كان في صعودء إلى درجة إعلان أحد المؤرخين الأميركيين أن التاريخ الفكرى يعيش أيامه الأخيرة©. 


3. المنعطف اللغوي والتاريخ الفكري: جدل الثقافة والسياق والابستيمولوجيا 
في الوقت نفسه تقريبّاء 5 في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته» حدث ما أطلق عليه "المنعطف اللغوى" عنا15ناع مآ 16 
مسنللء الذي أدى دورًا كبيرًا في انتعاش التاريخ الفكرىء إذ كان ممارسوه - هو والتاريخ الثقافي - هم أكثر من تأثروا بأفكار كبار اللغويين 


7 اللغة والأدب والفكر بوجه عام: ووظفوا أفكارهم فى مجال الدراسات التاريخية. تأثر هؤلاء المؤرخون بمفكرين مثل جاك دريذا 
423 2601ل (2004-19360): وهانس -جورج غادامير #عمنهل ه02 ع1مء0-دمه1] [6ه2-196ه0و2): ومارتن هايدغر طتاته/1 


تععع 1 (1976-1889)ء وميخائيل بختين مننطعلة8 انهط2111 (1975-1895)» وآخرين سابقين عليهم أو معاصرين لهم» مثل 
لودفيغ فيتغنشتاين مزع اف معع 1171 م01 نآ (1951-1889): وجون لانحشو أوضن متاكيتخ ..آ معطم[ (1960-1911) وغيرهما!ت". ركز 
منظرو الفكر الجدد على دور اللغة» باعتبارها المحدد الثقافي الأهم - أو "الوحيد" - في نظرهم» الذي يمثل "البنية التحتية" لكل عناصر 
الثقافة الأخرى29. فمن تأثر بأفكار أوستن عن "الأفعال الكلامية" واءك طءءءم5: على سبيل المثال» نظر إلى التفكير بوصفه "عملية 
اجتماعية" يتطلب فهمها معرفة ما قصد الناس - بمن في ذلك المفكرون - "فعله" من خلال استخدام اللغة في سياق معين(2. 


قامت أفكار النقد الجديدة في منتصف القرن العشرين على أن اللغة ليست مجرد أداة تعبيرء بل هى أداة إنتاج المعنى نفسهء ما يعنى أن 
اللغة تحديدًا هى التى تحاصر المؤلفء وليست الثقافة بوجه عام. وفي دراسة الماضى» لا يستطيع المؤلف مطلقًا أن يفترض أن لغة المصادر تعكس 
أي واقع فعلي» أو أن لغته هو تعكس محتوى تلك المصادر. هنا ندخل في سلسلة لامتناهية من البعد عن الواقع» بفرض وجود "واقع " موضوعي 


2 ينظرء على سبيل المثال» موقف بعض المؤرخين من التاريخ الفكري قِ الجزء الخاص باشكاليات التاريخ الفكري قْ هذه الدراسة. 
3 عقد المؤتمر عام 1980 بعنوان "مستقبل التاريخ الفكرى الأوروبي" في جامعة كورنيل الأميركية المرموقة» التى يعد المؤرخ الأميري دومينيك لاكابرا أحد أهم أعلام 
مؤرخيها. وعن هذا المؤتمر وما اقترحه لاكابرا من حلول للخروج من الأزمة» ينظر مداخلات لاكابرا المسجلة على موقع جامعة كورنيل؛ في: 

7/7/2711 :ل ,5/5/2020 01 26665560 ,24/4/1980 رتكلة11آ 21115157ل]ا اأعمامن) "هتمع 1مممعع] خخ :1510157 اأجباعه11ع1م1" 
باختصارء رأى لاكابرا ضرورة إعادة طرح أسقلة نظرية تتعلق بالتاريخ الفكرىي. بل بتحديد نوع البحث التاريخي الذي يمكن ات يُطلق عليه "التاريخ خ الفكري" . وعن أفكار 
لاكابرا عن التاريخ الفكري وعلاقته بأنواع الدراسات التاريخية الأخر »بل بالأدب والنظرية الأدبية والتحليل النفسي وعلم الأخلاق: ينظر: 

.2239-7 .60 و(2014) 2 .120 ,24 .7701 رئلاء آناءع1 :1115101 [نلاتاع !171161 ",203013 آ 10010111116[ 71116 تتتع71تتاعام1" ,ماناه0ن 2ابية2 عل متتاعطصاط ممه اكت 


.10 ,406 .2 ,(1111992مظ) 2 .120 ,97 .7701 ,نل آنتء 1 115107124 نمه 47171 ©7777 "1115101577 اججاعه 1اعام] عع ال خخ" ,37مع3[ 1ع11155 24 
وصولا إلى ثمانينيات القرن نفسه» ينظر: 367 .م ,8/11165؛ وينظر أيضًا رد لاكابرا على راسل جاكوبي (أستاذ التاريخ بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس) في: 
425-99 .60 ,(111992آمظل) 2 .هط ,97 .701 ,نلاء آناء)1 /0ع 1151011 47716712011 ©7177 ",11/3575 115 0ه 111510157 الجاعع11[ءع121" ,13م23آ ع1ه1111طزهن[1 
بيد ان جاكوبي برك بين ارفة التاريخ الفكري 2 ذلك الوقت وأزمة التاريخ عمومّاء وهي الأزمة التي تصدى لها هايدن وايت 2 ستينيات القرن العشرين. أدرك وايت أ 
محاولة المؤرخين تحنْب نقد علماء العلوم الاجتماعية [من خلال الزعم المتمتل با التاريخ ادا ٠‏ وكذلك نقد المتخصصين قْ الأدب والفن (من خلال الزعم المكفدلن بأن 
التاريخ اغلد") لم د يرض هؤلاء ولا هؤلاء. قرأكن واإيت أت جذور التاريخ توجد قِ الخيال الادية وَأ المؤرخ المعاصر يجب أت ينفتح عل الفنون والآداب» مع الأخذ ببعض 
نصيب من العلم العديتء ينظر: 408 .م2 ,.409-1510؛ ينسب جاكوبي إلى لاكابرا قوله إنه لم يكن د مؤرخ 2 الولايات المتحدة التأثير الذي كان لوايت قْ الدراسات 
التاريخية في القرن العشرين» ينظر: 407 .5 ,.1010. 
يلزمنا التنويه هنا بأن وايت لم يكن من المتحمسين للتاريخ الفكريء إذ ربما اعتبره محاولة من الطبقات المهيمنة لإبقاء الأوضاع على ما هي عليه من خلال التركيز على الفكر 
(الذي يسعى إلى الفهم: وليس إلى التغيير)ء وليس العملء ينظر: 608 .مم ,6ن /609-18. 1 
:1 ,5/5/2020 01 326065560 ,5 .6 ,13/9/2010 ,1006112©010-72119265/112/116 ,1.0 و1اواء/1 ",نك1ماق1لط ادجاعع 1 اعام[!" ,[7كة8 3100ع16] :154 .م رلإاع1اع 1 25 
0081/0 /11.17/2ا// :سواط 


6 وعند المفكر الفرنيى ي الشهير ميشيل فوكو التتوعناه] أعطء 311 (1984-1926) فإن اللغة بوصفها تكوينًا اجتماعيًا تفرض قيودًا على التفكير» ينظر: 158 .2 ,لإ16اءع؟1. 


27 1283573[,52. 6. 


والجدير بالذكر هنا أن بعض المنتمين إلى التاريخ الفكري لا يعتبرون المؤرخين المتأثرين بهذا التحول ممارسين للتاريخ الفكري الحقيقي» ينظرء على سبيل المثال: 


17/0 [5://011.17/301 0 :كه ,5/5/2020 02 5560ععع26 ,4 .2 ,(2008) :و15107لط كاهلا[ رحاعتوعوعظ] تكدماة 1ط 01 عالنتافم] ع1" "11141013 اقناعة1[ع1م]" ,تمتاآه) مواعادك 


16 





تاريخ الفكري ئ ِ4 
النشأة والموضوع والمنهج ووضعه في الدراسات التاريخية العربية الحديثة أ 2 دراسات 
«دذلمد 


يمكن رصدهفى القام الأول . فالؤلف يعبر عن مكتونه مق ان 0011211 نه عار زور ونقافية. لياق مؤلف آخر ويفسر ماقاله الاو[ 009011 
لغة (قد تكون هى نفسها لغة المؤلف الأول) تحددها أطرٌ ثقافية مختلفة, وهكذا دواليك في سلسلة لا تنتهى من التأليف والتأويل وإعادة 
التأويل» في جدلية اللغة ذات الأطر البنيوية والثقافيةء وتعبير المؤلف والمؤوّل والناقد عن تلك الأفكار باستخدام لغة ذات أطر بنيوية وذا ٠.‏ 
مختلفة. هناء يتقاطع التاريخ الفكرى مع التاريخ الثقافي» وينزوى - كما يوضح المؤرخ الأميري دونالد آر. كيى (1931- ) رئيس الجمعية الدولية 


٠و‎ 


للتاريخ الفكرى :2ما؟111 لهناءء1اءغه1 :10 :زاعزء50 1167860081 - جدل السياق الداخلى والسياق الخارجى إلى عالم الإستيمولوجيا الذى 
لايهم المؤرخ الفكري أو الثقافي بصورة مباشرة”6. وهنا تظهر أسماء مثل المؤرخ الأميري دومينيك لاكابرا (و3و1- ) الذي تأثر كثيرا بأفكار 
دريدا التفكيكية؛ ورفضه لفكرة البحث عن دلالات النص خارج النص نفسه297. كمايظهر أثر ذلك التوجه الجحديد بوضوح عند المؤرخ الأميري 
ساندي كوهين معطه© علمو5 (46و1- ١)‏ | لذي وظف أفكار رولان بار ت وعطاتة8 00و01 (1980-1915) وجان بودريار لئئة182110111 و 
(و2007-192) وجان فرانسوا ليوتار 0م10[ وأمعصة:1-ضوع1 (1998-1924) » وغيرهم من نقاد الأدب والثقافة واللغة59. 


4 التاريخ الفكري في القرن الحادي والعشرين 


وفي القرن الحادي والعشرين» ظهرت مجموعة جديدة من دوريات التاريخ الفكريء من أهمها دورية التاريخ الفكري الحديث 
1115101 آدلناءء 171111 110077 التى تنشرها مطبعة جامعة كامبريدج البريطانية منذ عام 2004: ومراجعات التاريخ الفكرىي 
ا ل ترتبطا - منذ ظهورها عام 2007 - ب "الجمعية الدولية للتاريخ الفكري" التى سيت في لندن عام 
4. كما ظيرت افا مجموعة ل الدوريات الجديدة في ألمانياء مثل دورية تاريخ الأفكار 120112ظط1121 1 في عام 
7,, بل أعادت بعض الدوريات التاريخية الألانية العريقة - مثل الدوربة التاريخية /71/ء:ء2 71111101576 ودورية التاريخ 
والمجتمع ارس 15اءدء0 1110 116[ 1[عوه0 لدذا - النظر في طبيعة التاريخ الفكري والدور الذي يمكن أن يؤديه في الدراسات التاريخية. 
تمامًا كما فعلت بعض الدوريات الأخرى المتخصصة في تاريخ الأفكار أو المنفتحة عليه في أورويا والولايات المتحدة/3". تعكس هذه الدوريات 
الحديثة النشأة محاولة إنعاش التاريخ الفكري من جهة» وتأكيد كونه غرضًا من أغراض الدراسات التاريخية التي تتداخل فيها التتخصصات 
8157 متا م15 لس[ 4ت على نحو يعكس التوجه العام في الدراسات الإنسانية» وربما الاجتماعية والأكاديمية بوجه عام. 


143-99 .00 ,111 28 
وفي دراسة أخرى مهمة ومعبرة عن جدل "الداخل" و"الخارج". يعبر كيل عن العلاقة بين التاريخ الفكري والتاريخ الثقافي بالقول إنه بينما يمثل التاريخ الفكري "داخل ' 
التاريخ الثقافيء يمثل التاريخ الثقافي "خارج" التاريخ الفكري. وتصبح مهمة المؤرخ هنا هي الجمع بين الاثنين» ينظر: 

157-58 .62 ,(2005 11آمظ) 2 .110 ,66 .701 ,كهءل1 01 :215107 01/176 [/70117710 "رععخث 010621 2 ا 11510157 ادناعع [[اعغام1!" ,تزع لاع ]ا .1 1000210 
9 للمزيد عن رأى لاكابرا فى علاقة التاريخ باللغة» ينظر: 

.(1983 1633 ا 1وله 1نلل] أاع 010ل :01000آ لهعهططل[) 071211022رآ ,كاعدء20111) ,كاعدء 1 ::115101 املنتاعه!/ 1711 1©1/1171/17119 ,23013 آ ع1111ماه ]1 
وعن تأثر لاكابرا بأفكار دريداء ينظر: 414-419 .مم ,لإ1206؛ بيد أن تركيز لاكابرا على النص لا يعنى اعتقاده بإمكانية الوصول إلى معرفة تاريخية "موضوعية" من خلال 
النصوص؛ فالنصوصء في نظره» تفتح دائمًا احتمالات متجددة؛ ينظر في ذلك: 362 .م ,2/1119 

0 عن ساندى كوهين» ينظر: 419 .م ,لإ2600آ. 
يشير جاكوبي هنا إلى أثر إيجابي من آثار التأثر بالمفكرين الذين تأثر يهم كوهين» ألا وهو الاهتمام بالصياغة اللغوية التي تعبّر عن المعنى المقصود بدقة. بيد أن ذلك أدى في 
كثير من الأحيان إلى العكس تمامًاء إذ جعل لغة كوهين - بحسب جاكوبي - غامضة بدرجة يصعب فهمها؛ ينطبق الأمر نفسه على مؤرخين آخرين تأثروا بنظريات النقد الأدبي 
والثقافي» ما قادهم إلى افتراض غموض النصوص ومن ثم التركيز على ذاتية المؤرخ وتحيزاته الحتمية» ينظر: 424 .1010.,2. 

31 253573[, 6. 

32 110... 

3 مثل دورية تاريخ الأفكار الأوروبية 5دءك1 «هء 2:0 /0 «81:107: بل دوربة تاريخ الأفكار نفسها التى أسسها لفجوى. 
4 ويعتقد روبرت دارنتون (1939- )» وهو أستاذ كرسى فى قسم التاريخ بجامعة برنستون الأميركية المرموقة, أ الاهتمام بالعلاقة بين النصوص المختلفة 2[17 تمدع 1ع م1 
هورالذى يميز التاريخ الفكر المعاصرومن تاريخ الأفكار الخاض عند لفحوعع: اذ ركز هذا الكخير أساسًا عل دراسة آحاد الكتبء ينما يمتم التاريخ الفكرئ كاد ٠‏ 07 
الإنتاج الفكري في الفترة الزمنية موضوع دراسته» ينظر: | ٠‏ 


.6 ,(2005 تاأعنتة]/1) 1 .20 ,1701.1 ,كامء207:2) 01 :1115101 171 10 207117:1811110115) .101111151011 210 1015001115" ,امغخمتددا ترعمم] 


17 





العدد 12 إلا طور تموز / يوليو 2020 
وده 
16101 


وعلى الرغم من كل هذه التطورات» فإن التاريخ الفكري - في نظر المؤرخ ستيفان كوليني (2947- )» وهو أحد أشد المدافعين عن 
اك الفكري -ما زال يعيش أزمة مؤسسية وإن تجاوز الأزمة المرتبطة بشرعية الوجود. قد يكون أبسظ مظاهر هذه الأزمة هو عدم 
وجود كراسيّ جامعية أو برامج أكاديمية مخصصة للتاريخ الفكري بصورة حصرية» على الأقل في جامعات بريطانيا والولايات المتحدة. 
فكثير من ممارسي التاريخ الفكري ينتمون إلى أقسام غير أقسام التاريخ» ويضيع وصف "أستاذ التاريخ الفكري" بمجرد اختفائهم من 
تلك الأقسام”6. وحتى ستة أعوام مضت. ما زال أحد كبار أساتذة التاريخ الفكري - بيتر إي. غوردون (1966- )» أستاذ التاريخ بجامعة 
هارفارد الأميركية المرموقة - يشعر بحاجة إلى كتابة ورقة علمية يجيب فيها عن هذا السؤال: "ما هو تحديدًا التاريخ الفكري؟"09. فما 
هو التاريخ الفكري؟ 


ثانيًا: التاريخ الفكري: الموضوع والمنهح 


تقوم فكرة تفرد أي غرض من أغراض «راسة التاريخ على افتراض أن تداخل مواضيعه وأغراضه مع فروع الدراسات التاريخية 
الأخرى لا يعني ألا يسعى المؤرخ إلى الفصل بين اهتمامات هذه المواضيع والأغراض المختلفة» بحيث يكون لكل من التاريخ السياسي 
والتاريخ الاقتصادي والتاريخ الفكري أسئلته واهتماماته. بيد أنه في الوقت الذى قد يتفق فيه المؤرخون المتتسبون إلى هذه الفروع من 
الدراسات التاريخية على إطارها العام (حتى إن اختلفت مناهجهم أو حتى تصوراتهم لحدود العلاقة بين السياسى والاقتصاديء على 
سبيل المثال)ء فإن المنتسبين إلى التاريخ الفكري يختلفون أحيانًا اختلافات بين قد تكون هي نفسها سببًا من أسباب "الأزمات" التي 
مرّ بها التاريخ الفكري في تاريخه القصير نسبيًا. ونستعرض هنا آراء بعض كبار المؤرخين المتخصصين في التاريخ الفكري فيما يخص 
إطاره وأوجه تفرده» ومن ثم علاقته بأغراض التاريخ الأخرىء ثم نناقش في المحور التالى من هذا البحث بعض الإشكاليات المرتبطة به. 


تميز التاريخ الفكري موضوعا ومنهجا 

قِ مقالة دالة عن الشعور ب ا التاريخ خ الفكرى قِ سبعينيات القرن العشرين» يربط المؤرخ الأميري المحروف وأستاذ جامعة 
سكاغوء ليونارد كريغر (1918 -1990) آرم التاريخ الفكرى بتعدد مناهجه: ما يعكس تعدد أغراضه بصورة "تثير الشكوك حول مدى 
تماسكه بوصفه فرعًا مامد | ومستقلَا من فروع الدراسات التاريخية"67 . ويعبّر رأي كريغر عن إشكاليات يواجهها التاريخ الفكرى بصفة 
عامة ترتبط بموضوعه ومنهجه. ويمكن التعبير عن تلك الإشكاليات من خلال هذه الأسئلة المحددة: هل يتفرد التاريخ الفكري عن 


5 ويْعَل كوليني نفسة مغالة معبرًا هناء إذ إنه يشغل وظيفة أستاذ التاريخ الفكري والأدب الإنكليزىي قْ جامعة كامبريدج البريطانية المرموقة. ولكن ليس 2 قسم التاريخ» 

وإنما في "كلية اللغة الإنكليزية" (ينظر صفحته الشخصية على موقع القسم الذي ينتمي إليهء في: ©ادعلتصل3//ز!.اذما//:ومنا). 

ويستثني كوليني هنا جامعة ساسك 51155 01 117واء كتمناء إذ يوجد بها تخصص التاريخ الفكري الذي يقوم بتدريسه مؤرخون متخصصون 2 هذا التخصص تحديدًا. 

وعن هذه الفكرة نفسها؛ ينظر: 616 .م ,ع]1ط/11: إذ صرح وايت اث أكثر أعمال التاريخ الفكري ذات الف لم لي بها مؤرخون محترفون» بل متخصصون 2 الفلسفة 

والأدب أو الفن؛ ينظر أيضًا: 

9 .6 ,(2005 12ع1/131) 1 .1,110 .1701 ,كاممء20112) /0 :1715101 ©11 10 207117111110115 '' ,و8001 01 111510157 علطلا ممه 1501ل ادتاعع|1[عام[ م0" متعممكاد متامعن0) 
1 .2 ,60100 36 


وعلى الرغم من اتفاق محري أحد الكتب الصادرة في السنوات الأخيرة عن التاريخ الفكري مع غوردون في عدم وجود اتفاق حول منهج المشتغلين بالتاريخ الفكري» فإنهما 


يصران عى أت التاريخ الفكري قد تحاوز ارمق وأنه الآ 2 صعودء ينظر: 
٠‏ و(2014 ,ؤووع21 100157615157 071010 :071010) 1715101 امنتاعء|أ1711 011 1707ل 100171[ 121/7171/7112/ ر(.كلع) 710570 اعتامطنود عكى نامطدل/لء14 .14 متتيهر[ا 


3-4 
37 111681, 6. 


16 





التاريخ الفكري 4 4 
النشأة والموضوع والمنهج ووضعه في الدراسات التاريخية العربية الحديثة لطبور دراسات 


غيره من أغراض التاريخ الأخرى في المنهج أم في الموضوعء أم في كليهما؟ وإذا كان موضوع التاريخ الفكري هو الأفكار عمومًا, فهل 
يركز مؤرخ الفكر على موضوعات بعينهاء أم يحاول البحث عن عموميات الفكر في الحقبة الزمنية موضوع دراسته؟ وهل يقصر تركيزه 
على المفكرين فقطء أم يسعى لوصف كل الأفكار في الحقبة الزمنية التي يدرسهاء وبغض النظر عن هوية صاحب تلك الأفكار (مفكر/ 
أحد أفراد "العامة")ء أو مدى "بساطتها"؟ وهل يجب على التاريخ الفكري أن يهتم بالأفكار كلهاء أم يركز على الأفكار التي كان لها 
أثر ما في الواقع؟ وهل يتعامل المؤرخ مع الأفكار بوصفها ذات عالم خاصء أم يسعى لفهمها في سياق ما؟ وإذا كانت الإجابة "في سياق 
ما" فما هو ذلك السياق؟ 


في منتصف القرن العشرين - أي حين كان التاريخ الفكري ما زال في طور البحث عن الشرعية - صرح المؤرخ الأميري جون د 
غرين [2008-1917) بأن كل التأريخ هو تأريخ فكري بصورة أو بأخرىء بيد أن ما يميز التاريخ الفكري من غيره هو تركيزه - من جهة 
الموضوع - على الأفكار العامة وأنماطها والافتراضات التي تقوم عليها والتغير الذي يطرأ عليها من حقبة تاريخية إلى أخرى» ومن ثم 
رصد التحولات التي تمر بها تلك الأفكار الكبرى ومحاولة تفسير اختفاء بعضها أو تهميشه. ولي يتمكن مؤرخ الأفكار من تحديد 
تلك الآفكار العامة» ينبغي له - من جهة المنهج - دراسة أكبر قدر ممكن من أدبيات حقبة معينة بحنًا عمًا يجمعها من افتراضات, 
وذلك باستخدام منهج تحليلٍ وتركيبي '”". ويقصر غرين هنا بكل وضوح تركيزه على المفكرين وإنتاجهم الفكريء ويعترف بدور السياق 
الفكرى العام في تشكيل الأفكارء إذ يؤكد أن الاكتشافات أو النظريات العلمية في حقل معرفي ما تؤثر في كل الحقول الأخرى. فنظرية 
التطور البيولوجيء على سبيل المثال» تؤثر في طبيعة النظرة إلى المجتمع بوصفه أيضًا متغيرًا وتقدميًا(9. 


يتفق المؤرخ الأميرق فرانكلين إل. باومر (0)1990-1913: مع غرين عمومّاء إذ حدد أغراضًا أربعة مميّزة للتاريخ الفكري على 
مستويّي الموضوع والمنمج, ألا وهي الكشف عن "روح العصر" 71]856151 أو "المناخ الفكرىي" 0111 21ناءه1اع)ه1 لعصر ماء من خلال 
تتبع مجموعة الآراء المتداولة فيه والمهيمنة عليه2: والكشف عن أسباب التحولات الفكرية ودوافعها ومظاهرها: والكشف عن أثر 


38 مايجعل التاريخ خ الفكرىي شاملا لتاريخ الفلسفة وفلسفة التاريخ وتاريخ العلم والأدب والفن وتاريخ الذهنيات والتصورات والأيديولوجيات وتاريخ الفكر السياسي 
والثقافات السياسية وتاريخ المثقفين وتاريخ الكتاب وتاريخ الإعلام والتاريخ المري. 

.60 .2 و(1957 11116) 1 .20 ,44 .701 رنلزء انع عل أمء 1151011 نك |أه! 1701ككةككةقلل 77 ",157مأ15ط امناعع1[اعام] نا 05 8/170 منهج دع تكتاعء[0ا0" ,عمعع01 .) مطمل 39 
وبرى غرين أله من خلال تحديد ما هو عام ومعتادء يستطيع مؤرخ الأفكار تحديد ما هو فريد ومختلف. ينظر: 68 .2 ,.1010؛ ومن خلال تحديد تلك الأفكار العامة 
(والمستترة دائمًا)ء يساعد مؤرخ تاريخ الأفكار كل المؤرخين الآخرين في فهم أى ظواهر يخضعونها للدرس» سياسيةً كانت أو غيرهاء ينظر: 71 ,59-60 مم ,.0ذ1. 

67 .2 رعمعهع001) 40 
وفي حقبة زمنية كتلك التي يتحدث عنها غرين» تصبح الفكرة الافتراضية العامة التي تحكم كل جوانب التفكير هي التغير والتقدم والتطورء وهي أمور تقابل فكرة الثبات 
والاستمرارية. . ويحقق بعض مؤرخي التاريخ الفكري ذلك من خلال دراسة عدد كاف من المفكرين في حقبة زمنية ما أو جماعة من المفكرين المتتمين إلى مؤسسات أكاديمة 
أو بحثية بعينماء ينظر: 1 .م ,861 1116؛ بيد أنه كما توضح المؤرخة الأميركية سوزان مارشاندء فإن صعوبة هذا الأمر تكمن في الكم غير المحدود من المصادر الثانوية التي 
يحتاج المؤرخ إلى دراستها قِ تلك الحالة. ولا يمثل التركيز على مفكر واحد حلا لهذه المشكلةء إذ إنه مع ذلك الكم الهائل من المصادر الثانوية» يصعب على المؤرخ أن يأتي 


بشي ء حديد إذا ركز على مؤرخ واحد فقطء وهو مطلب أساسي لنشر الأبحاث والكتب كما هو معلوم, ينظر: 
.87-6 .22 ,(1995 :51118-51111111161) 65 .110 01 71 نال// ,11510157 1نتاعة11عام] 101 ماععم05 لطلة دوماع اطم0" ,لمقطء 8/1 عممدجتاك 


والواقع أ مارشاند تضع يدها هنا عاى مشكلة عامة فى الأكاديفيا: ولا سيما ق العلوم الإنسانية. 
191-203 .62 ,(1949 تناع ططعامع5) 3 .20 ,21 .701 ,2151070 0771ل[ [ه /ه011771ل ©7177 "روططعاطه: 115 320 11510157 لجناعع1اعام]" متعسبوظ .ا متاعلمةءط1 41 


كان باومر أستاذا في جامعة ييل الأميركية العريقة» وتوفي عام 1990 عن 77 عامّاء ينظر: 
1-6 105://15711.1025/2501 :3:1 ,5/5/2020 0 36065560 ,18/9/1990 ,17177165 ع/017لآ نلدء |( ©1717 .77 ,11151011810 رتعستتتوظ .ا متلكلمة1" 


42 1803111161, 2. 
43 1010... 4 


19 





20 


العدد 12 


م 
بطل تموز / يوليو 2020 
1م 
لم 


0910101 


ددا 


الأفكار في عالم الحركة4. ثم التنبق - من خلال تحديد الإطار الفكرى العام في الحاضر - بما قد تؤول إليه الأفكار في المستقبل7*). بيد 
أننا نجد هنا إشارة مهمة ودالة على العلاقة بين الفكر والفعل. لا يصرح باومر بضرورة تركيز التاريخ الفكري على الأفكار المرتبطة بالواقع 
من خلال تأثيرها في الفعل» ولكن حين نقرأ ما يؤكده باومر هناء على خلفية أزمات التاريخ الفكري في القرن العشرين» يمكننا تصور ذلك 
رد فعلٍ على الرأي القائل بكون التاريخ الفكري لا نيء» إذ إن التأريخ الحقيقي - بحسب هذه النظرة - يدرس الفعل» وليس الفكر, 
ما يعني أن الأفكار التي لم تنتج فعلا ليست لها قيمة تاريخية29. 


أما المؤرخ الأميري جون هايام (2003-1920)» فيرى أن التاريخ الفكري يختلف عن أنواع التاريخ الأخرى من جهة موضوعه: 
إذ إنه يركز على "التجارب التى تقع في عقول الناس". وفي هذاء يختلف التاريخ الفكرى عن غيره بعدم وجود حدود لتساؤلاته(». ويؤكد 
هايام أن تلك التساؤلات لا يجب أن تقتصر على الأفكار الكبيرة والمعقدة (أى أفكار كبار المفكرين)» بل يجب أن تشمل كل الأفكارء 
بما في ذلك أفكار بسطاء الناس*). ويختلف هايام هنا بوضوح عمّن سبقت الإشارة إليهم من مؤرخي التاريخ الفكريء إذ يقصرون 
موضوع دراسته على أفكار المؤرخين. كما أن هايام» واتساقا ربما مع موقفه في هذه القضية الأولى» لا يشترط "التأثير " في الأفكار موضوع 
دراسة التاريخ الفكري؛ فقد يدرس مؤرخ أفكارًا لمفكرين أو لغيرهم) ليس لها تأثير واضح أو مباشر في عالم الحركة والفعل. 


وفيما يخص سياق الأفكار يميز هايام بين توجهين: توجه داخلي دع 3ه ةمرك 21 دع نم1 ينظر إلى الأفكار يمنا تعلق هانا خاضًا 
اسياقًا داخليًا - من القيم لا يحتاج إلى أن يستمد شرعيته من أي شيء خارجه (وهو الموقف الأقرب إلى العلوم الإنسانية): في مقابل 
توجه خارجي داءده:وم4 0نه:«انا0 يبحث في أثر البيئة في الفكر وأثر الفكر في الفعل (وهو الموقف الأقرب إلى العلوم الاجتماعية)!». 
ثم يبين هايام المشكلات الأساسية المرتبطة بكل من هذين التوجهين» إذ يعجز الربط الحتمي بين الأفكار والبيئة التي تظهر فيها 
(التوجه الخارجى) عن تفسير استمرارية بعض الأفكار بعد تغير البيئة التى ظهرت فيها (بل فقدانها تأثيرها عمومًا) . أما التوجه الأول 
(الداخي) - الذي كان حاضنة التاريخ الفكري ويظل أكثر ارتباطًا بهء بحسب هايام - فيجعل مهمة التاريخ الفكري شبه مستحيلة: إذ 
إنه يُعجز المؤرخ عن متابعة عملية تطور الأفكار وتلاقحها من خلال نزعها عن أي سياق خارج عنها. وفي رأي هايام نفسهء فإن موقع 
المؤرخ يسمح له بتجسير الفجوة بين العلوم الاجتماعية والإنسانية من خلال الاستفادة من مناهجهماء فيستفيد من مناهج العلوم 
الاجتماعية الكمية» ويستفيد من مناهج الإنسانيات في دراسة عالم الأفكار والقيم والخيال» وهي أمور لا تخضع لقياس كمي» وإنما 
ل "استكشاف نوعى "6600. ْ ْ 


هوه 


واتساقًا مع الرأي القائل بأن المتميز في التاريخ الفكري هو منهجه» يوضح فيلكس غيلبرت (1991-1905)» وهو مؤرخ أميري من 
أصل ألماني» أن التاريخ الفكري من جهة الموضوع ليس غرضًا جديدًا من أغراض البحث في الماضىء إذ اهتم الفلاسفة والمفكرون دائمًا 


44 1510... 200. 

45 1510... 2. 

46 12116861, 6. 60 

يعتقد كريغر نفسه أن التاريخ الفكري يهتم بالفعل بأثر الأفكار في "أنشطة الناس التاريخية الأخرى ". إلا أن ذلك لا يعني في نظره الارمنب الأ عار روصل فرك متة دمن 
فروع الدراسات التاريخية؛ ينظر: 2.501 ,.1010. 

1 .2 ,(1954 386ل) 3 .20 ,15 .1701 ,5م10 01 :271510 0/17 701177141 ",015 ط اع اعلا 115 30 11510177 اتجاعة1اعام1!" ,ممقطعاط مطمل 47 

48 1010... 

9 يعبر وايت عن هذه الفكرة بصورة موجزة وبارعة قِ الوقت نفسهء إذ يقول إن الانتقال من البحث عن "ما حدث بالفعل" [مدرسة رانكه) إلى البحث عن "ما تصور الناس 

انه يحدثء والطريقة التي اثرت بها تلك التصورات قْ استحابتهم للمشكالات التي كانت تواجههم" كان احد محفزات ظهور التاريخ الفكري وتطورهء ينظر: 607 .2 رعاتط/1ل! . 

3 .7 ولتقلاع1آ1 50 


200 


التاريخ الفكري 4 - 
النشأة والموضوع والمنهج ووضعه في الدراسات التاريخية العربية الحديثة أ 
فت 


بدراسة ما أنتجه السابقون عليهم”6. ولكي يوضح منهج التاريخ الفكريء يشير غيلبرت إلى الكتاب الذي عدّه أول مؤلف حقيقي فيه: 
إذقام مؤلّفه بالتركيز على ترابط المعارف الإنسانية وتداخلهاء ليثبت أن أي تطور فكري في مجال ما يُحدث أثرًا في الفكر والحركة في كل 
المجالات الأخرى”6. وقد كان للماركسية - بتأثيرها الضخم في الفكر الأوروبي منذ نهايات القرن التاسع عشر - دور فى التنبيه على العلاقة 
اللازمة بين العناصر الفكرية والمادية المختلفة في مجتمع ما؛ ففضالًا عن رفض كارل ماركس الكامل للتركيز الهبيغلي على الأفكار من دون 
اعتبار يذكر للمادة فقد أكد أيضًا وجود بنية عكنااعدم5 الأشياءء بحيث يُحدث التغيير في 5 من عناصرها تغييراً في العناصر الأخرى 
بالضرورة6. كما كان للتقدم الذي شهدته العلوم الطبيعية في القرن التاسع عشر دور في الانتباه إلى المادة والتخل عن فكرة وجود حقيقة 
وجودية خارج عالم الهلواهر الخاضعة للتجربة6#. الخالاصة هنا هى أن الأقكار ليس لها عالمها الخاض المتفصل عن الواقع, > "١١‏ 
ترتبط بالسياق الفكري العام في أي حقبة زمنيةء بحيث تؤثر في الأفكار الأخرى وتتأثر بها في الوقت نفسه. 


ويتفق المؤرخ الأميري بيتر غوردون مع غيلبرت في أن ما يميز التاريخ الفكري هو منهجه» وليس موضوعه. فالتاريخ الفكري قد 
يتناول ما يهتم به الفيلسوف في تاريخ الفلسفة» إلا أن ما يميز المؤرخ الفكري من ذلك الفيلسوف (وبالمنطق نفسه أي مهتم بتاريخ 
علم ما مع تخصصه هو نفسه فيه) هو أنه بينما يهتم الفيلسوف ب "تقييم" الأفكار التي يدرسها على أساس تماسكها الداخلي» يهتم 
التاريخ الفكري ب "فهم" تلك الأفكارء ليس في سياقها الفكري فقط كما قد يفعل الفيلسوف: بل في سياقاتها السياسية والاجتماعية 
أو الخطابية أو الشخصية الخاصة بالمؤلف نفسه”6. ويمكن هذا المؤرخَ المتخصص ف التاريخ الفكري من الربط بين نصوص قد لا يجد 
الفيلسوف علاقة بيزهاء أو حتى الربط بين أفكار قد تتجاوز حدود متطلبات الفلسفة الأكاديمية المعاصرة©6. 


أ. التاريخ الفكري والتاريخ الثقافي 


على الرغم من الاختلافات التي نراها بين كل هؤلاء المؤرخين المنتمين إلى التاريخ الفكريء فإننا نلاحظ أنّ لديهم توجهًا عامًا 
نحو توسيع إطارهء بحيث يشمل كل مناحي الفكر في الفترة الزمنية لموضوع الدراسةء وإن اختلفوا في منهح القيام بذلك. بيد أن 117 
الإطار الواسع قد يعطي التاريخ الفكري بعض المزايا عن غيره من أغراض التاريخ» إلا أنه جعل التاريخ الفكري عرضة للهجوم موضوعًا 
ومنهجحاء ما دفع المشتغلين به إلى التميبز بينه وبين مجالات قد تبدو بديلًا منه. وربما يكون أهم تلك المجالات هو ما يطلق عليه "التاريخ 
الثقافي" إذ كانت العلاقة بينه وبين التاريخ الفكري محل جدل بين المهتمين بهما(”. وقد ميز بينهما بعض المؤرخين باعتبار الموضوع ؛ 
فالتاريخ الثقافي يتناول كل ما له علاقة بثقافة ماء سواء كانت شعبية (بما تشمله من معتقدات وممارسات)» أو غير ذلك (مثل الفنون 
الجميلة وعالم الرموز المرتبط بالهوية الوطنية مثلّاء فضا عن المعتقدات والممارسات المرتبطة بالجسد البشرىي)69. ويهذا المفهومء يدين 
التاريخ الثقافي بفضل كبير لمدرسة الحوليات الفرنسية» إذ كان مؤرخوها روادًا في الاهتمام بالثقافة بمفهومها العام من دون قصرها على 
النخبة السياسية. ومهما كان الأمر هناء فقد رأينا أن بعض رواد التاريخ الفكري لا يقصرون موضوعه على أفكار المفكرين "المعقدة", بل 


1 يعبر كيل عن الفكرة نفسهاء ينظر: 143-169 .مم ",2151017 لهتاءء1[عام][ 1ه ممهجةته11" ,نوع 1اعكا. 

52 0011611, 6. ْ 

والكتاب المقصود هو كتاب المؤرخ الأميري. أستاذ التاريخ في جامعة هارفارد» بيري ميلر 1/1116 :حتءط (1963-1905) عقل إنكلترا الجديدة 0«نا/[ ماع17 م 1. 
,87 .م .114 53 
88 .م .نط1 54 
.1 ,00010010 55 
.3-4 .مم ..1010 56 
.8 و[28358 57 
.12 ,0701001 58 


1 





العدد 12 ]1 تموز / يوليو 2020 


يرونه شاملا لكل الأفكار (مثل هايام). وليس من المستغرب إِذَا أن يتداخل موضوع التاريخ الثقافي مع التاريخ الفكري لدى البعضء 
ما يعني أنه في البحث عن الفرق بينهماء لا يجب النظر إلى الموضوع» بل إلى المنهج. وهناء يعتقد غوردون أن الفرق بين التاريخ الفكري 
والتاريخ الثقافي هو أنه بينما يركز الأول على الأفكار بصرف النظر عن مدى انتشارها (ما عرّض التاريخ الفكري للاتهام بالنخبوية)» يركز 
الثاني على الأفكار التي انتشرت خارج نطاق النخبة الفكرية (إن كانت هذه النخبة مصدرها) وتفئّلت على مستويّي التفكير والممارسة 
الشعييّين» فضلًا عن مستوى الخطاب العام). ومع هذه المحاولات للتمييز بين التاريخ الفكرى والتاريخ الثقافي» فإن العلاقة بينهما 
تظل إشكالية» وهو الأمر الذي نتناوله بمزيد من التفصيل في معرض الحديث عن بعض إشكاليات التاريخ الفكري لاحقًا. 


ب. التاريخ الفكري وتاريخ الكتب 


كما ميّز التاريخ الفكرى نفسه من مجال آخر كان شديد الصلة بهء ألا وهو "تاريخ الكتاب" (أو "تاريخ الكتب") /'تدمافنط 8001 


5 11151013 إذ إنه على الرغم من العلاقة التكاملية بينهماء فإن التاريخ الفكرى يهتم أساسًا بمضمون الكتب ومحتواهاء بينهما 
يهتم تاريخ الكتب برصد مراحل تأليف الكتب ونشرها وانتشارها ه5:0د:18؛ وهي عملية معقدة ترتبط بعدد كبير من العوامل التي 
تخص المؤلف والمحرر والناشرء وغيرها من أمور!©". ولا يخفى بالطبع أن رصد ما قرأه القراء "العاديون" في فترة زمنية معينة قد يكون 
مؤشرا على مدى فاعلية تلك الأفكار في تكوين الرأى العام في مجتمع ماء وهو الأمر الذى يفيد التاريخ الفكري لدى هؤلاء الذين يصرّون 
على شموليته» وليس اقتصاره على أفكار المفكرين فحسب7. 


بيد أن التمييز بين التاريخ الفكري وتاريخ الكتاب - سواء حسبناه تمييرًاً مبررًا ومطلوبًا أو غير ذلك - لا يقابله تمييز بين التاريخ الفكري 
وأغراض تاريخية أخرى. أذكر هنا نموذج تاريخ الفكر السياسي بصفة خاصة» إذ يحسبه بعض المؤرخين - بحسب غوردون - مهيمًا على 
التاريخ الفكريء كما يظهر في مؤلفات أغلب الممارسين له. ويذكر غوردون هنا مثال "مدرسة كامبريدج" وعلى رأسها المؤرخ البريطاني المعروف 
كوينتين سكينر (1940- )!©). ويُعد سكينر من أهم مؤرخي ومنظري التاريخ الفكري المعاصرين» إلا أن اهتمامه ينصبٌ على الفكر السياسي 


59 1510... 

وكما كدت 2 العلاقة بين التاريخ الفكري والتاريخ الاجتماعي: » سعى بعض المنتسبين إلى التاريخ الثقافي أيكا إلى تهميش التاريخ الفكري» ينظر: 575 .5 ,2/]1011©1. 
أعرض هذه الفكرة على أنها من عناصر المنهج» لأن المنهج - على خلاف الموضوع الذي هو وصفي أساسًا - يفتقر دائمًا إلى التأويل والتحليل والتركيب والتقويم» وهي كلها أمور 
مطلوبة في الحكم على مدى انتشار الأفكار وتفاعلها على مستويّي الفكر والممارسة. 

.2 ,103101010 60 
يأسف دارنتون على هذا الانفصال بين التاريخ الفكري وتاريخ الكتاب» ويعزو هذا الانفصال إلى التوجه العام في العلوم الإنسانية نحو التشعب والتفتتء وليس التقارب 
والتعاون» ينظر: 1010؛ وعن عرض شائق للعلاقة بين التاريخ الفكري وتاريخ الكتبء ينظر: 29 .20 ,26©1م36-511؛ وعن العوامل المرتبطة بتاليف الكتب ونشرها وانتشارهاء 
ينظر الامش التالي. 
1 وجب التنويه» بكل تأكيدء إلى أن عملية رصد مبيعات الكتب تفترض بدورها توفر الكتب بأسعار تك عددًا كافيًا امن الناس من اقتنائهاء ما يفترض بدوره وجود عدد 
كبير نسييًا من القراء قِ مجتمع ما ايل أت هذه اكور التحقق بوجه عام مع اختراع الطابعة وبداية "الإصلاح الديني' قْ أوروبا 2 القرنين الخامس عشر والسادس عشر على 
التوالي. وبحلول نهاية القرن الثامن عشر وقيام الثورة الفرنسية» أصبح في الإمكان معرفة كثير من المعلومات عن مؤلفي الكتب وأساليب الرقابة على مؤلفاتهم (وجهة الرقابة: 
الكنيسة أم الدولة) ؛ والعلاقة بين هؤلاء وبين الناشرين» وطريقة الطباعة وأشكال الحروف اك المبير بعض الكلمات يألوات معينة» مع قو ذلك قِ "استقبال القراء للنص ١‏ 
وأشعار بيع الكتب ومبيعاتهاء وانتشار المكتبات العامة» بل تطور مفهوم القراءة نفسه» وهي كلها أمور يهتم بها "تاريخ الكتاب", ينظر: 25 .2 ,2م103:01؛ وكما يوضح المؤرخ 
الأميري جوزيف ليفين: فإن معرفة المراحل التي مرّ بها النص (التي قد يقوم بها محر 1201105 بصفته مؤرخًا هنا) لدى الكاتب ثم المحرر ثم الناشر ثم محررين وناشرين 
ارين تساعدنا كثيرًا في تتبع "عملية التفكير' 'واستعادتهاء » وهذه المعرفة هي أساسية للمؤرخ مثلها مثل نتائج تلك العملية» ينظر: 

198 ,195 .22 ,(2005 11:آمظ) 2 .20 ,66 .701 ركمهء12 /0 :7م1111 0/17 011717181 ",111510137 5د 15م أ15ط اجناعع11اعغم1!" ,عستمعع.][ .لط طامعومل 
وقد نضيف إلى كل ذلك عملية بناء الأفكار نفسها. لهذا السببء يعتقد ليفين محقًا بضرورة تمرّس المؤرخ في عدد من المعارف الضرورية لهء مثل الفيلولوجيا والبليوغرافيا 
والبيبليوغرافيا والأركيولوجي» ينظر: 196 .م ,.1010. 1 

ع سس 


راد” 





تاريخ الفكري ئ ِ4 
النشأة والموضوع والمنهج ووضعه في الدراسات التاريخية العربية الحديثة أ 2 دراسات 
«دذلمد 


خاصة©). وفي بريطانيا أيضّاء اهتم المفكر المعروف إزايا برلين صذاءء8 طدنهة1 (و1997-190) بالتاريخ السياسى بوصفه حقل التاريخ الأكثر 
فائدة لتأسيس نظام سياسي عادل"). ويعزو غوردون هذا الاهتمام بتاريخ الفكر والفلسفة السياسيين في بريطانيا [وكذلك في الولابات المتحدة 
على يد مجموعة من المؤرخين الأوروبيين الذين هاجروا إليها حاملين معهم إرث قارتهم !5 إلى غياب اهتمام مؤرخي الفلسفة بهء باعتباره أقل 
شأنًا من فروع الفكر والفلسفة الأخرى©. بيد أنه يعكس أيضًا الجدل حول الأفكار التي "تستحق " أن تكون موضوعًا للتاريخ الفكري (ينظر 
المحور التالي من البحث عن إشكاليات التاريخ الفكري), إذتعتبر الأفكار السياسية الأقرب إلى عالم الواقع والأقدر على التأثير فيه. 


نكتفي هنا بالأمثلة السابقة لمحاولات التمييز بين التاريخ الفكري من جهة» وأغراض التاريخ وفروعه الأخرى من جهة ثانية©». 
وليس من المستغرب إذا أن يوصف التاريخ الفكري بأنه ذو حدود مراوغة» وهو ما يرجع إلى انتماء من يكتبون فيه إلى مجموعة مختلفة 
من التخصصات الأكاديمية» ومن ثم تعدد اهتماماتهم الموضوعية وتوجهاتهم المنهجية وتنوعبها*". ويعود بنا هذا إلى رأي كريغر المشار 
إليه في بداية المحور الثاني من البحث (أى الشكوك حول تماسك التاريخ الفكري)» وهو ما يقودنا إلى المحور الثالث منهء حيث نركز على 
بعض أسئلة التاريخ الفكرى وإشكالياته العامة. 


-_ر 
ل 


ثالتا: التاريخ الفكري: أسئلته وإشكالياته 


ارتبط التاريخ الفكري منذ ظهوره بعد من الإشكاليات: وهي إشكاليات تواجه المؤرخ بوجه عام بصرف النظر عن مجال اهتمامه: 
ولا يتميز يها التاريخ الفكري بالضرورة إلا من جهة موضوعه, أي الأفكار والمفكرين. 


1. إشكالية قراءة الأفكار في سياق تاريخي مغاير لسياقها 

ترتبط إشكالية التاريخ الفكري المعرفية الأهم بإمكانية قراءة المؤرخ أفكار الماضي في إطار سياق مختلف عن سياقهاء ما يزيد من 
احتمالات فهم تلك الأفكار فهمًا يختلف عن مراد صاحيها. ولا تتباين صعوبة هذه الإشكالية بحسب بُعد سياق الأفكار من سياق المؤرخ 
أو قربه منها؛ فلا توجد ميزة نسبية» على سبيل المثال» لدراسة مفهوم مثل الحرية عند اليونان القدماء من جهة» وعند مفكري عصر 
النهضة الأوروبية من جهة أخرى. فبُعد السياق اليوناني يساعد المؤرخ الحديث بالفعل على رؤية التمايزات بين مفهوم الحرية عند اليونان 
ومفهومه في عصر المؤرخ الحديث: إلا أن بُعد السياق التاريخي يصعّب مهمة المؤرخ في تفسير مفهوم اليونان عن الحرية في سياقه 
الفكري والثقافي الأوسع. وبالعكس» فإن قرب عصر النهضة النسبي من عصر المؤرخ الحديث يبسّر من عملية تفسير مفهوم الحرية 
في عصر النهضة في سياقه التاريخيء إلا أن ذلك القرب الزمني» وربما المفاهيميء قد يقلل من قدرة المؤرخ على ملاحظة الاختلافات 


.7 .12 ,070100 63 
كما أن سكينر هو أحد هؤلاء المؤرخين الذين تأثروا أشد التأثر بالنظريات اللغوية الحديثة» إذ يعتبر السياق اللغوي هو الأهم لفهم سياق الأفكار التاريخي. عن ذلكء ينظر 
دراسة سكينر الطويلة والرائعة عن "المعنى والفهم 2 تاريخ الافكار": 


3-5 .2 ,(1969) 1 .10 ,8 .1701 ,نن1717207 07110 :2715101 "رقوع10 01 111510157 عط 1 015 طةأ15ع260نا لمطنة ع تتمدء8/1'" راعممكاك متامعن0) 
.6 .2 ,0001001 64 
5 مثل حنا فلكم المععخ طقصمد1] (1975-1906): وليو شتراوس 5 1.60آ (2)1973-1899 وتيودور أدورنو مهلخ ملمعط1” (1969-1903): وغيرهم. 
.5 .12 ,0701001 66 
7 بيد أن هذا لا يعني التقليل من أهمية العلاقة أو الاختلاف بين التاريخ الفكري وتلك المعارف. وعن العلاقة بين التاريخ الفكري وعلم الاجتماع وتطور ما يطلق عليه 
"علم اجتماع المعرفة" 1220116086 01 /ز50010108 نتيجة تلاقحهماء ينظر: 12 .م2 ,.15-1010. 
.3 .,[82353 68 
يضيف بافاج أيضًا محدودية التواصل بين هؤلاءء وهو وإن كان صحيكحا في الجامعات الغربية بصفة عامة» فإنه أكثر صحةً في الجامعات العربية التي "تٌُقسم" فيها المعارف 
بصورة حرفية في أقسام لا تتواصل مع بعضهاء حتى لو جمعتها كليةٌ أمّ. ولصعوبة التعميم على حدود أو توجه التاريخ الفكرىء ينظر أيضًا: 405 .مم ,إمامء424-12. 


23 





العدد 12 2 تموز / يوليو 2020 


ورصدها بين فكرته الحديثة عن الحرية وفكرة عصر النهضة عنه. فالمفاهيم تتطور ببطءء ويصعب دائمًا ملاحظة ذلك التطور في الفترات 
الزمنية القصيرة(©). وترتبط هذه الإشكالية بسؤال محدد سبقت الإشارة إليهء ألا وهو: هل يمكن للمؤرخ النظر إلى الأفكار بوصفها 
ذات "حياة" خاصة بها تدفعها عبر "منطق" خاص خلال حقب التاريخ المختلفة بصرف النظر عما يقع في تلك الحقب من أحداثء أم 
أنه لا يمكن دراستها إلا من خلال النظر في سياقها؟ 7 ننتقل الآن إلى الإشكالية الثانية التي تلقي الضوء على هذا الخلاف من خلال 
الإشارة إلى وضع المفكر موضوع دراسة المؤرخ. 


2. إشكالية العلاقة بين المفكر وبيئته الثقافية 


ترتبط إشكالية التاريخ الفكري الثانية بالعلاقة بين المفكر وبيئته الثقافية. بحسب هذا السؤال: هل المفكر هو مجرد منتج من 
منتجات بيئته الثقافية» أم أنه أحد محدداتها؟ أم أن المفكر والبيئة يرتبطان في علاقة جدلية يؤثر كل منهما فيها في الآخر؟ وفي هذه 
الحالة الأخيرة» لمن يكون التأثير الأكبرء للبيئة على المفكرء أم العكس؟ والواقع أن أصحاب "المنزلة بين المنزلتين" في هذا الجدل 
هم الأقلية”7: بينما تنقسم الأغلبية بين من يهتمون ب "داخل" المؤلف النفسى والفكرى 45ذاهمعام1 (وأحيانًا "التفكيريّين" 
5 لماه ناما إذا جازت الترجمة)ء معتبرين إياه ذا استقلال فكري يستطيع من خلاله مفارقة الثقافة التي ينشأ فيهاء وبين من 
يجتمون بالخارج الثقافي كاذ الهدمء)»د8 أو "السياقيّين" 11915هده16م00.» أي أولئك الذين يصرّون على أن السياق يفرض على المؤلف 
سياجًا لا يستطيع الفكاك الكامل منه72. ارتبط أصحاب الاتجاه الأول بفكرة "تاريخ الأفكار" عند لفجوي - كما رأينا من قبل - وينصبٌ 
تركيزهم على أفكار المؤلف وفلسفته وانفعالاته ونفسيته» مؤكدين أن اعتباره "مُنْتَجًا" لا يعبّر إلا عن نظرة سوقية تعجز عن تقدير الفكر 
أو الفن دددنصناةذانط2» بل تزدرى الفكر والمفكرين» وتصرف انتباه المؤرخ عما هو مهم (أي أفكار المفكراء إلى ما هو ذو أهمية ضئيلة. 
ثم يطرح هؤلاء المؤرخون هذه الأسئلة: لماذا تنتج البيئة الثقافية نفسها مفكرين مختلفين في أفكارهم إذا كانوا جميعهم من منتجات 
تلك البيئة بعينها؟ ولماذا تظهر الأفكار نفسها في بيئات ثقافية مختلفة؟ بل لماذا توجد بعض الأفكار في كل الحضارات البشرية تقريباء 
بشكل أو باخر؛ 


أما التاريخ الفكري بمفهومه المعاصرء فينتمي كثير من مؤرخيه إلى الاعتقاد الثاني» إذ ينصب تركيزهم على فهم داخل المؤلف 
مفكرًا فاشيّاء على سبيل المثال» وليس ليبراليًاء بينما لا تنتج بيئة ثقافية أخرى إلا مفكرًا ليبراليًا؟ ويربط البعض جدل "الداخل والخارج" 
والعلاقة بينهما بمجموعة من المتقابلات التي طرحها الفلاسفة منذ زمن اليونان» إذ فرّق أفلاطون بين الحقيقي (الأفكار) والزائف 


0 ينظرء مرة أخرى, دراسة سكينر المشار إليها في الهامش رقم 63» إِذ يشرح فيها سكينر هذه الإشكالية مع ضرب عدد كبير من النماذج لمؤرخين كبار وقعوا في شرك قراءة 
افكار معينة بصورة لا يمكن لها ان تعكس فهم اصحاب تلك الافكار لها في سياقهم التاريخيى : 
70 يعزو كوليني هذا الحدل الذي ارتبط دائمًا يهجوم على التاريخ الفكري لتركيزه عل لأفكار وإهماله سياقها الاجتماعي: إلى بعض أعمال التاريخ الفكري (لاشيما تلك 
التي تتناول تاريخ الفلسفة) التي 5-3 بصورة مبالغ فيها على النصوص والأفكار من دون أى اعتداد بتفاعل تلك الأفكار مع سياقها. ازدهر هذا الاتجاه قْ ألمانيا » ما يعكس» 
بحسب كوليني» تأثير التراث الهيغلي الذي يعتبر الفلسفة والأفكار محركات التاريخ البشرى» ينظر: 1-2 .مم ",111510137 امباعع1اعغصآ" ,تستلاه0. 
1 ينظرء على سبيل المثال: 508 .7 ,15116861؛ إذ يؤكد كريغر أن مدارس التاريخ الفكري المختلفة (أو بالأحرى التي حددها هوء ينظر الهامش 6 6( تشترك قِ الاعتقاد 
ان للأفكار دورًا يمكن تمييزه من باقي الأنقظة |الحتييية (وهو يختلف هنا عن ممارسي التاريخ "الاجتماعى - الفكري (( » وكذلك بالربط بين الأفكار والأنشطة المجتمعية 
الأخرى (على خلاف الممارسين لتاريخ الفلسفة). هذه النظرة قد تعبّر عن رأي كريغر نفسه في موضوع التاريخ الفكري ومنهجه؛ ولكن ليس عن تصور المؤرخين الآخرين للأمر 
نفسه»ء كما نرى في هذه الدراسة. 

.155-66 .02 "رع85 4 710031 2 ا 11510157 لمتاعع![عام[" ,تزع1اءع 1 72 
وقد كانت لأفكار فوكوء ك تاكن صلة بهذا ادن إذ إنه يقلل من دور المفكر من خلال التركيز على علاقات القوة قْ المحتمعات المختلفة التي يخضع لها الجميع» وإِنْ 
بدرجات متفاوتة. 


24 





التاريخ الفكري 4 
لنشاة والموضوع والمنهج ووضعه في الدراسات التاريخية العربية الحديتة رطم دراسات 


[المظاهر المادية)ء لتفرّق الفلسفة المسيحية فى العصور الوقلك الل ورها لين الروح والمادة. ثم يظهر التقابل نفسه في تمايزات |0972 
فلاسفة عصر النهضة الأوروبية (مثل رينيه ديكارت)ء وفلاسفة عصر التنوير (مثل إيمانويل كانط)77. 


3. إشكالية العلاقة بين التاريخ الفكري والتاريخ الثقافي 


تنتبهي هاتان الإشكاليتان إلى إشكالية التاريخ الفكري الثالثة التي تتعلق بالعلاقة الملتبسة بين التاريخ الفكري والتاريخ الثقافي 
كما سبق بيانه. وتنبع أهمية هذه الإشكالية من كونها تصبّ في عمق منهج المؤرخ في تناول التاريخ الفكري لفترة زمنية ما. فقد يركز 
مؤرخ ساع لفهم أفكار عصر ما أو جماعة بشرية معينة على أفكار كبار مثقفي ذلك العصر أو تلك الجماعة (من خلال التركيز على 
ما يطلق عليه "المؤلفات العظيمة" 8001 :022)» بينما يركز مؤرخ آخر (يُعد نفسه أيضًا من المنتمين إلى التاريخ الفكري) على الثقافة 
التي ينتمي إليها أغلب أفراد ذلك العصر أو عناصر تلك الجماعة. في الحالة الأولى» يركز المؤرخ على نصوص مؤلفات العصر الرئيسة» أو 
"تعبيرات الفكر المكتوبة", لا سيما تلك التي تتسم بقدر من العمق والتأمل 77 ليصف مناخه الفكري من دون النظر إلى حضور تلك 
الأفكار وتأثيرها في عصرها وفي مجتمعها. وفي الحالة الثانية» يركز المؤرخ على عناصر الثقافة المختلفة؛ لمعرفة الأفكار التي كان لها حضور 
وتأثير في غالبية سكان العصر أو المجتمع وفهمها. يعرّض الاعتقاد الأول التاريخ الفكري لهجوم المؤرخين المنتمين إلى التاريخ السياسي 
والاجتماعي والمهتمين بأشكال القوة المختلفة» بينما يهتم التاريخ الفكري بأمور لم يكن لها بالضرورة أهمية في الواقع» ولم تتجاوز قلة 
صغيرة من المثقفين!3. وفي الحالة الثانية» قد يجد المؤرخ نفسه غارقًا في رصد أفكار غير ذات قيمة» وربما لا تميز عصرًا ما من غيره أو 
مجتمعًا ما من آخرء أو أفكار لا يمكن أن يُعَزَى أي دور في التقدم الفكري والحضاري إليها. 


أما وقد تناولنا نشأة التاريخ الفكرى وتطوره في الغرب وما يرتبط به من إشكاليات» ننتقل الآن إلى استعراض وضعه في الدراسات 
ا 


رابعًا: التاريخ الفكري في الدراسات التاريخية العربية الحديثة والمعاصرة 


يتناول هذا المحور بإيجاز وضع التاريخ الفكري في الدراسات التاريخية العربية الحديثة والمعاصرة التي تتناول تاريخ الإسلام 
الفكري تحديدًا. فعلى الرغم من أن مجال التاريخ الفكري ليس جديدًا تمامًا على تلك الدراساتء فإنه ما برح يسعى لتأكيد و97 
بوصفه مجالا من مجالات الدراسات التاريخية المعتمدة» وذلك لمجموعة من العوامل. تشبه بعض تلك العوامل نظيرتها التي تسببت في 
أزمات التاريخ الفكري في الدراسات الغربية عنهء بينما ترتبط بعض العوامل الأخرى بغياب التنظير للتاريخ الفكري بوصفه فرعًا مستقلا 
من فروع الدراسات التاريخية» أو بطبيعة المصادر الإسلامية» أو بطبيعة التاريخ الإسلامي نفسه. 


1. ممارسو التاريخ الفكري في العالم العريي 
ينتمى أغلب الممارسين لما يمكن أن يندرج تحت التاريخ الفكرى ف العالم العربى إلى تخصصات أكاديمية مختلفة» فيبحث الفيلسوف 
فى تاريخ الأفكار الفلسفية» وعالم الاجتماع فى تاريخ أفكار تخصصه. والاقتصادى فى تاريخ الفكر الاقتصادىء وباحث القانون فى تطور 
فكرة القانون وفى القوانين المختلفة. ويرتبط هذا الأمر بتجاهل موْسَّسى للتاريخ الفكرىء إذ لا نجد أساتذة تاريخ متخصصين فيهء فضالا 
161-64 .مم "رعم 4 710031 2 ا 7ك1ه]15]ط لمتاعع1[عتم[" ,تإعااع 1 73 


.2 ",115017 امناعع 1 اعام1" ,تمتلامن 74 
10 75 


25 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


عن غيابه بوصفه تخصصًا فرعيًا في ظل السيطرة المطلقة للتاريخ السياسى على أقسام التاريخ في الجامعات العربية79. كما أننا لا نجد عادة 
في أقسام التاريخ في الجامعات العربية مقررات تتناول حصريًا تاريخ التخصصات الأخرى المختلفة» مثل تاريخ علم الاقتصاد أو القانون 
مثلاء بينما قد نجد هذه المقررات في أقسام الاقتصاد والقانون نفسها. يعنى هذا أن من يبحث في تاريخ هذه التخصصات ليسوا بالضرورة 
"مؤرخين "777, سواء عنينا بذلك تدربهم على مناهج البحث والتفكير التاريخى في أقسام التاريخ الجامعية» أو تدربهم عليها تدرييًا ذاتيّا؛ 
الفلسفة أوعلم التق أو ختى ف" الكيمياء وغيرها من علوم ظابيعية 5 دن متا عل ذلاكدهو أن أغلب من يحدوا فى الفلا 
الإسلامية (بما في ذلك مباحث العقيدة والفرق الإسلامية) 0 وإنما باحثون منتمون إلى أقسام الفلسفة» وربما متخصصون في 
الدراسات الإسلامية عمومّاء وليس التاريخ الإسلامي خصوصًا*7. وقد نضيف إلى كل ذلك أن الدراسات التاريخية العربية التي يمكن أن 
تندرج تحت التاريخ الفكري تبدو نتاج جهدٍ فردي وليس منهجيء وهو جهد قد يكون له ارتباطات بتيارات فكرية معينة في العالم العربيء 
وليس جهدًا تأريخيًا محايدًا وموضوعيًا كما ينبغى أن يكون الحال. وقد كانت النتيجة الطبيعية والمتوقعة لكل ذلك هو غياب التنظيرء إذ 
لا نجد أي دراسة» بحسب علمىء تتناول موضوع التاريخ الفكرى ومنهجه وإشكالياته نظريّاء وإنما نجد ممارسات له من دون أي غطاء 
فلسفي. وينطبق هذا الأمر حتى على المؤلفات التي تتناول تاريخ التأريخ نفسه790. 


والواقع أنه في حالة تاريخ الإسلام الفكرى تحديدًا - لاسيما في مرحلتيه التأسيسية الباكرة والوسيطة** - لا تقتصر إشكالية البحث 
فيه على ممارسيه فحسبء وإنما تمتد لتشمل مصادره نفسهاء بل طبيعته هو نفسه» وهما الأمران اللذان نتناولهما تباعًا ببعض التفصيل. 


6 ينظر في ذلك: : يوسف بني ياسين» "الخطط الدراسية في أقسام التاريخ في الجامعات العربية (الأردن ودول مجلس التعاون لدول الخليج العرى): دراسة تحليلية". 
أسطور, العدد 5 (كانون الثاني/ ثاير2617اءضن 307: 0 

7 وهوما يؤكده وايت من جهة أن الوضع في الغرب أيضّاء إذ يصرح بأن أكثر أعمال التاريخ الفكري فائدة قام بها متخصصون في الفلسفة والأدب أو الفن» ولكن ليس 
المؤرخون المحترفون» ينظر: 616 .2 ,ع]1ط/1ا؛ وفي المعنى نفسهء ينظر أيضا: 29 .م ",/1115101 لقناءء1اءتكمآ م0" رتعممكاه . 

8 على سبيل المثال» عد كتاب الشيخ مصطفى عبد الرازق (1947-1885) تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية فاتحة الدراسات العربية الحديثة عن الفلسفة الإسلامية؛ 
وقد درأيضًا إل كتاب محمد لطفي جمعة (1953-1886) تاريخ فالاسفة الإسلام ف المشرق والمغرب (الذي أعاد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات نشره عام 
4 بوصفه نموذجًا آخر لمصنف في تاريخ الفلسفة الإسلامية لم يكتبه مؤرخ. ومن الأجيال اللاحقة: يمكن الأشارة إلى أبو العلا عفيفي (ج1966-1897) ؛ وأبو الوفا التفتازاني 
(1994-1930)» وإبراهيم مدكور (6-1902وو1) ؛ وعاطف العراقي» وفيصل بدير عون. 

9 ينظرء على سبيل المثال: وجيه كوثرانيء» تاريخ التأريخ: اتجاهات؛, مدارسء مناهج. ط 2 (الدوحة/ بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» 22613 

إذ تخد فضلا يتناول نشأة التاريخ الفكري وتطوره في القرن العشرين» وإنما إشارات عرضية إلى "التاريخ خ المفهومي ' اعد رضوان السيذ (ض 311 ا سعي طريف خالدي 
لتحديد "قبة" أو "مظلة" معرفية تميز كل مرحلة تاريخية (ص 300)؛ والواقع أ الانطباع الذي يصل المتابع للؤراساف العربية التي تتناول تاريخ التاريخ هو أنها توقفت» 
في مجملهاء 5 ءات سيطة لا تنفي القاعدة: وقد نذكر منها: خالد طحطح. الكتابة التاريخية بخية (الدار البيضاء: دار توبقالء 012) » لا سيما الفصل الثاني من بابه 
الثالث» عند مدرسة الحوليات الفرنسية في النصف الأول من القرن العشرين» ؛ وهو أمر قد يتعلق بالارتباط العام للمؤرخين العرب بأوروبا تحديدًا (بسبب ارتباطها التاريخي 
بعالم الإسلام وتوفر المصادر التاريخية يها) » وليس الولايات المتحدة؛ أما رضوان السيد نفسهء فقد كتب عما أطلق عليه "التاريخ الثقافي". الذي يسير فيه - بوصفه منتميًا 
إلى "الجيل الرابع" من المؤرخين العرب - على خطى الجيل الثالث الذي اهتم بالتاريخ "الثقافي والرمزي والأسطوري والأيديولوجي " أملما اهتم الجيلان الأولان بالتاريخ 
السياسي» ثم بالتاريخ الاقتصادي والاجتماعي) ٠‏ ينظر: رضوان ارده الجماعة والمجتمع والدولة: سلطة الأبديولوجيا ف المجال السياسي العربي الإسلامي, ط2 
لاررت: دار الكتاب العربيء 2067): .ص 12-11. إلا أله يصعب اعتبار ما يقوم به السيد في صفحات قليلة هنا (ص 15-1) ا" للتاريخ الثقافي رقدوها هوتاريخ له سواء 
قل المستوى الشخصي أو الإقليمي [العالم العربي) أو الموضوعي (التاريخ الإسلامي ومؤرخوهء عربًا ومستشرقين). ولا يقلل هذا الأمر من قيمة اجتهادات السيد التاريخية 
القيّمة بكل تأكيدء ولكنها تؤكد ما نزعمه هناء أي إن ممارسات التاريخ الفكري في العالم العربي لم تقم على تنظير مفصل لهاء ولم يقم بها مؤرخون محترفون؛ وفي كتابه 
عن المدارس التاريخية الحديثة» لا يفرد الهادي التيمومي التاريخ الفكري بالذكرء حتى حين يتحدث عن التيارات التأريخية الحديثة والمعاصرة (مثل تيار "الميكرو -تاريخ" 

الإيطالي والألمانيء و"المنعطف اللغوي" الأميري. والتاريخ الاجتماعي البريطاني» والتاريخ الكبيرء والتاريخ المباشر) وإن كان يتحدث عن "التاريخ الثقافي" في أقل من ستة 
سطور ص 231). وبطبيعة الحال» لا يظهر لفجوي ولا كثر غيره من أعلام التاريخ الفكري في القرن العشرين ضمن "صناع" علم التاريخ في العالم الغبي في الأزمنة الحديثة, 
ينظر: الهادي التيمومي. المدارس التاريخية الحديثة (بيروت: دار التنوير للطباعة والنشرء 2013)؛ خالد طحطح. البيوغرافيا والتاريخ (الدار البيضاء: دار توبقالء 

2014 ؛ وحديثه عن "التاريخ الثقافي وسير المثقفين" ونبذته المختصرة عن ارتباط الاهتمام بسير المفكرين بتاريخ الأفكار (ص 07-6). 

50 أي القرون الهجرية العشرة الأولى. 


26 





التاريخ الفكري 4 4 
النشأة والموضوع والمنهج ووضعه في الدراسات التاريخية العربية الحديثة أ 1 دراسات 
ذل 


2. مصادر التاريخ الاسلامي ومدى فائدتها في كتابة تاريخ الاسلام الفكري 


تمثل كثير من مصادر تاريخ الإسلام الفكري المحتملة صعوبة كبيرة على مستويات المحتوى واللغة والكم؛ ذلك أن المصنفات الإسلامية 
الباكرة» وأحيانًا الوسيطة» تعطينا دائمًا معلومات من دون سياق خارج عنها؛ فالأفكار بيئتها فكرية أساسّاء والأحداث بيئتها سياسية بصفة 
خاصة. ونرى ذلك بوضوح في المصنفات التى تتناول الفرق الإسلامية» على سبيل المثال: فالمعلومات عن أفكار تلك الفرق وعقائدها نجدها 
في مصنفات الفرق أو "الملل والنحل" المختلفةء مع بعض إشارات عرضية أحيانًا إلى أنشطتها السياسية أحياناء أما المعلومات عن أنشطة 
تلك الفرق السياسية» فنجدها في مصنفات التاريخ خاصة. ربما مع إشارات عرضية وموجزة عن عقائدها. وقد يرجع هذا الأمر إلى طبيعة 
المصنفات الإسلامية نفسهاء فهى إما مصنفات "تاريخ" بالمعنى التقليدى - إذ تركز على الأحداث التاريخية (والسياسية تحديدًا) بصورة شبه 
حصرية - وإما مصنفات تتناول "الأفكار" بصورة حصرية» مع إشارات عرضية إلى العقائد والأحداث هنا وهناك. وقد أصبحت المصنفات 
الأولى مصادر المؤرخين المتخصصين في التاريخ الإسلامي» بينما اهتم بالمصادر الأخرى المهتمون بالفكر والمنتمون في كثير من الأحيان إلى 
تخصصات أخرى غير التاريخ. كما أن النظر إلى بعض تلك المصنفات باعتبارها منتمية إلى مجال الدراسات الشرعية يخرجها من دائرة 
اهتمام المؤرخ "المحترف", وإن استخدمها المؤرخون المنتمون إلى الدراسات الشرعية في دراسات تقوم في الأغلب» على مسلمات إيمانية. 


وفي أحيان كثيرة» تنقصنا المصادر التي يمكن أن تفيد في دراسة موضوعات بعينها. فلو كنا ممن يعتقدون بشمول التاريخ الفكري 
لكل الأفكار المنتشرة في المجتمع أو الفترة الزمنية موضوع دراسة ماء سنجد صعوبة كبيرة في دراسة الرق» مثلاء في التاريخ الإسلامي من 
منظور التاريخ الفكري (أو ربما من أي منظور كان). وينطبق الأمر نفسه على الإيمان بالسحر والجن (وهي موضوعات تخص التاريخ 
الفكري في بعض جوانبهاء وليس فقط التاريخ الاجتماعي والثقافي)؛ فالإشارات التي قد نجدها في كتب التاريخ أو حتى في كتب الفقه 
عن تلك الأمور لا تسمح لنا بتكوين صورة ثابتة عنهاء كما لاتفيذنا المصادر غمومًا - عل كثرة مضنفات التراجم الضخمة - ف ١‏ !111 
"داخل" المفكرء أي انفعالاته وعواطفه» إلا أن يكون المفكر نفسه هو مصدر تلك المعلومات. ويتحقق هذا مع الشعراء مثلا وبعض من 
كتبوا "سيرًا ذاتية" (مثل أب حامد الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال) أو أشاروا إلى بعض أمور شخصية أدّت دورًا في التفكير والسلوك 
(مثلما فول ابن حزم الأندلسي في إشارته إلى إصابته في الطحال وارتباط ذلك بعنف أسلوبه”*). إلا أن بعض هذه المصادر تتسم بقدر كبير 
من الصعوبة لغير المتخصصين فيها. فالشعر العري مثلا يعد مصدرًا مهمًا وأساسيًا من مصادر التاريخ الفكري للإسلام» إلا أن دراسته 
تقع حصريًا في أقسام اللغة العربية والأدب والعري. أما مصنفات التصوف - وهي أيضًا أساسية لتاريخ الإسلام الفكري - فهيء علاوة 
على صعوبتهاء لا تحظى بالعناية الكافية في تحقيقها ونشرها لأسباب متعددة0*. 


وعلى الرغم من كل ذلك فقد تكون مصنفات التراجم كنرًا فيما يعخص السياق الفكري والشخصي والبيئي للأفراد والأشخاص !:8. 
والواقع هو أن هذه المصنفات معروفة جيدَّاء ولكنهاء كما أحسبء لم تنل التقدير اللائق بها خارج دراسات بعينهاء لعل أشهرها دراسة 


651 أبو محمد عل بن | حم بن حزم الأندلسي كتاب الأخلاق والسيرء أو رسالة ف مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق والزهد ف الرذائل» تحقيق إيفا رياضء راجعه 
وقدم له وعلق عليه عبد الحق التركماني, ط8 ١‏ رياه دار ابن حزم, 06) .ص 163-162. 

2 وعن الحضور المتواضع جدًا للتصوف الإسلامي: بل الفرق الإسلامية, ف الأطروحات المرتبطة بعلوم الدين الإسلامي في جامعات الأزهر والقاهرة وعين شمسء ينظر 
الدراسة الرائعة والمفيدة: عبد الرحمن احمد عية اهادي فراج» "الخصائص البنيانية للإنتاج الفكري ف علوم الدين الإسلامي: دراسة قِ الأطروحات الحامعية". عالم 
الكتاب. العدد 44 اتشريق الأول/ أكتوبر 1994): ص 41-31. وقد يتطلب أى جهد حقيقي للارتقاء بالتاريخ الفكري قِ الخامعات العربية جهدًا مسحيًا مماثلا يغطي أغله 
الجامعات العربية للتعرف إلى اهتمامات الأجيال الجديدة من المؤرخين. 

053 ينظر في ذلك : مليكة أبيض» "بالاستناد إلى تاريخ دمشق لابن عساكر: صورة كمية للنشاطين الفكرى والتربوي في بلاد الشام في القرون الثلاثة الأولى للمجرة' '» التراث 
العربي. مج 1: العدد 1 (أيار/ مايو 1980): ص 98. وهذه الدراسة رائعة قِ إظهار إمكانيات مصنفات التراجم بوصفها مصدرًا من مصادر التاريخ الفكري» وإن كانت تلك 
المصادر تعاني إشكالية مصنفات الفرق الإسلامية نفسها التي ذكرناها من قبل» أى كون معلوماتها جزئية "منسلخة عن العوامل التاريخية التي اخاطلت بها"؛ ينظر: المرجع 
نفسه» أو ظهور بعض المعلومات فيها بصورة عرضية في ة قد لا نتوقع وجود تلك المعلومات فيها؛ ينظر المرجع نفسه. ص 100؛ 117. 


27 


العدد 12 إلا طور تموز / يوليو 2020 
وده 
16101 


الحديث النبوى لما لتلك المصنفات من اهتمام بمرتبة الأعلام المترجم لهم بوصفهم مُحدّئين بحسب قواعد الجرح والتعديل. هناء قد 
تضيع أهمية بعض المعلومات ذات القيمة التاريخية البالغة على الباحث "الشرعي" الذي إما أنه لا يهتم بهاء وإما أنه يجدها مختلفة 
عن اعتقاداته ومسلماته الإيمانية. كما قد تضيع دلالة هذه المعلومات على 5 المدرب على التعامل مع هذا الصنف من المصادرء 
فلا يستطيع فهم كل ما فيها إما لصعوبة لغتها وإما لارتباطها ببيئة فكرية لم يتعمق فيها بالقدر الكاني. والواقع أننا في دراسة تاريخ 
الإسلام الفكرىء لا يمكننا الاعتماد على نوع واحد من المصادرء إذ قد نجد في مصنفات أصول الفقه» على سبيل المثال» إجابات عن أسئلة 
قد تثيرها لدينا مصنفات التاريخ أو التراجم وغيرها. 


3. التاريخ الاسلامي يوصفه موضوعا للتاريخ الفكري 


ترتبط الصعوبات الأخرىء بالتاريخ الإسلامى نفسهء إذ قد يمنع الثراء الفكرى مؤرخ الأفكار من تحديد أنماط الفكر في عصر 
إسلامي معين» لا سيما في مراحل التطور التي شهدت صراع أفكار مختلفة تنتمي إلى بيئات فكرية وثقافية متنوعة. وينطبق هذا الأمر 
بوضوح على تا ب القرون اجرب ية الثلاثة الأول. إِذ أدى انماع لدولة ' الإسلامية الجغراني وتنوعها 0 والثقافي 0 وجود أنماط 


كس تحديد 5 المعيمن فيها ف م ل أقل 0 00 5 التعدد د اللغوي أحد مظاهر ذلك 
التنوع» إلا أن الدراسات التاريخية العربية» التي يمكن تصنيفها ضمن التاريخ الفكريء والتي تستخدم مصادر غير عربية (بلغات مثل 
اللغة الفارسية ولاحقًا اللغة التركية) هي قليلة بوجه عام وذلك على الرغم من اهتمام كليات الآداب (حيث توجد أقسام التاريخ وبرامجه 
غَالبًا) في بعض الجامعات العربية بتدريس اللغات "الشرقية"69©. 


لا نستطيع» والوضع كذلكء أن نتحدث عن "أزمة" يمر بها التاريخ الفكرى في الدراسات التاريخية العربية» إذ إن هذا النوع 
من الدراسات التاريخية لم يستقر وضعه بوصفه فرعًا مسلمًا به في المقام الأول. ولي يتم ذلك الأمرء يجب أن تكون هناك خطوات 
ملموسة تقوم بها أقسام التاريخ في الجامعات العربية» منها تخريج جيل من الطلاب الواعين بأبعاد التاريخ الفكرى النظرية والمدربين 
على التعامل مع إشكالاته العامة وتلك الخاصة بالتاريخ الإسلامي بكل ما يتطلبه ذلك من معرفة متنوعة وخبرة مرنة. كما يفترض ذلك 
أيضًا تقل جماعة المؤرخين العرب لفكرة اهتمام المؤرخ بموضوعات وقضايا تختلف عن الاهتمامات التقليدية» مثل تاريخ التشريع 
أو تاريخ الفلسفة أو تاريخ العلمء وخلافه. ويتطلب هذا الأمر إنهاء الانفصال الحالي بين دراسة التاريخ الاحترافية (في مقابل الدراسة 
"الإيمانية") وفروع الدراسات الإسلامية المختلفة» بل تقل فكرة قيام المؤرخ المحترف بالتعامل مع المصادر الإسلامية الشرعية» بل 
اللغوية والأدبية» باعتبارها جزءًا من مصادره. كما أن فتح المجال لطلاب التاريخ بحضور مقررات دراسية في أقسام» وربما كليات أخرى, 
بات مطلبًا أساسيًا الآنء إذ إنه يمكن المؤرخ الناشئ من امتلاك أدوات البحث التاريخي في موضوعات معينة. كما يجب أن تتوفر لهؤلاء 
الطالاب ولأساتذتهم دوريات تتخصص في التاريخ الفكريء أو أن تفسح الدوريات التاريخية الموجودة المجال أمام الدراسات التي تنتمي 
لجال التاريخ الفكرى وتستخدم مصادر غير مألوفة في الدراسات التاريخية. ْ 


04 اا ا ا ل "عصر النهضة' 'لم يكن أفضل حالاء ا 0 
كانت لا تضارعه في ثرائه وتنوعه. ل ليت مه ننه التي تصلح مادة خصية لدراسة التاريخ د ولا غرو ات أغلب 


نات التاريخ الأوروبي الفكري المحاصرة تتناول تاريخ أورقا بدءًأ من عصر الزمضة» بل تنتخصص بعض الدريات أحيانًا 2 قرن بعينك من فرون عصر الرمضة أو التنوير أو 
ما بعدهما. 


28 





التاريخ الفكري [ْ 4 - 
النشأة والموضوع والمنهج ووضعه في الدراسات التاريخية العربية الحديتة أ 2 دراسات 
ام-2 ل 
]1 


خاتمة 


غطى هذا البحثء بما توفر له من مساحة» أهم الأفكار المرتبطة بالتاريخ الفكري نشأةً وتطورًا وموضوعًا ومنهجّاء وإن لم يستوعبها 
جميعها. ويأمل أن يكون هذا البحث فاتحة اهتمام نظرى عام بالتاريخ الفكرىء» يليه اهتمام بتحديد إمكانياته في دراسة تاريخ الإسلام 
الفكري (أو أي تاريخ آخر قد يهمّ المؤرخ العربي) لسد فجوة حقيقية في الدراسات التاريخية الفكرية التي يقوم عليها مؤرخون محترفون . 

ورأينا في هذا البحث أن التاريخ الفكرى بمفهومه الحديثء أو بالأحرى مفاهيمه الحديثة» كان وليد تطورات سياسية وثقافية 
متنوعة في الولايات المتحدة وأوروبا حددت له مجموعة من الإشكاليات الموضوعية والمنهجية. وعلى الرغم من أن هذا التنوع» كما 
أشرناء عُذَّ سببًا للقدح في التاريخ الفكرى والحط منهء بل عدم الاعتراف بهء فإنه قد يمثل فرصة لهذا الفن تمكنه من تجنّب مصير 
أغراض تاريخية أخرى انكفآت على نفسها فتعرّضتء هي الأخرىء لأزمات مثل تلك التي مرّ بها التاريخ الفكري في تاريخه القصير. 


وبالنسبة إليناء مؤرخي العالم العربي» فإن تنوع أسئلة التاريخ الفكري الموضوعية والمنهجية يفتح أبوابا لاستجلاء جوانب من تاريخنا 
الفكريء قد لا تساعد الأطر النظرية الموجودة على استكشافهاء وهذه هي الفائدة الأساسية لمثل هذا النوع من الدراسات التي تسعى 
لرصد فلسفات التفكير التاريخي ونظرياته. فالتأصيل النظري يمكن المشتغلين بفن معين من التواصل معًا والبناء على ما تم إنجازه على 
نحو سلس. إلا أن ارتباط أسئلة التاريخ الفكري الموضوعية والمنهجية بتطورات فكرية معينة يعني أن دراسة التاريخ الإسلاميء على 
سبيل المثالء في ضوء هذه الأسئلة قد تضيف إليها بقدر إضافة هذه الأسئلة إلى التاريخ الاسلامى نفسه. نحن نبدأ من الأسئلة ١‏ 
الوقت الى تطورها فيد أو تقلور ينها الخاصة تيت تصير تحن قينا عبرا ههين ى تور الفكر النا ريق النخارىء 


29 


العدد 12 ]1 تموز / يوليو 2020 


المراجع 
العربية 


: لضع مليكة. "بالاستناد إلى تاريخ دمشق لابن عساكر: صورة كمية للنشاطين الفكري والتربوي في بلاد الشام في القرون الثلاثة 
الأولى للهجرة". التراث العربى. مج 1, العدد 1 (أيار/ مايو 1980). 

٠‏ بشارة» عزمى . الدين والعلمانية فى سياق تاريخىء الجزء الثاني, المحلد الثاني: العلمانية ونظريات العلمنة: العلمانية ونظريات 
العلمنة. الدوحة/ بيروت: المركز العربي الأبحاث ودراسة السياسات» 2015. 

: بنى ياسين» يوسف. "الخطط الدراسية في أقسام التاريخ في الجامعات العربية (الأردن ودول مجلس التعاون لدول الخليج العري)‎ ٠ 
.)2017 دراسة تحليلية". أسطور. العدد 5 (كانون الثاني/ يناير‎ 

.2013 التيمومىء الهادى. المدارس التاريخية الحديثة. بيروت: دار التنوير للطباعة والنشرء‎ ٠ 

٠‏ ابن حزم الأندلسىء» أبو محمد على بن أحمد. كتاب الأخلاق والسيرء أو رسالة فى مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق والزهد فى 
الرذائل. تحقيق إيفا رياض. راجعه وقدم له وعلق عليه عبد الحق التركماني. ط 8. الرياض: دار أبن حزمء 2016. 

٠‏ السيدء رضوان. الجماعة والمجتمع والدولة: سلطة الأبديولوجيا فى المجال السياسى العربى الإسلامى. ط 2. بيروت: دار الكتاب 
العربي» 2007. 

.2012 طحطح. خالد. الكتابة التاريخية. الدار البيضاء: دار توبقال للنشرء‎ ٠ 

. البيوغرافيا والتاريخ. الدار البيضاء: دار توبقال للنشرء 2014. 
. عودة الحدث التاريحى. الدار البيضاء: دار توبقال للنشرء 2014. 

٠‏ فراج» عبد الرحمن أحمد عبد الهادي. "الخصائص البنيانية للإنتاج الفكرى في علوم الدين الإسلامى: دراسة في الأطروحات 
الجامعية". عالم الكتاب. العدد 44 اتشريخ الأول / أكتوبر 4). 

. الكتابة التاريحية: التاريخ والعلوم الاجتماعية - التاريخ والذاكرة - تاريخ العقليات. ترجمة وتقديم محمد حبيدة. الدار البيضاء: 
أفريقيا الشرق» 2015. 

.2013 كوثرانىي» وجيه. تاريخ التأريخ: اتجاهات؛ مناهج؛ مدارس. ط 2» الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات»‎ ٠ 

.2012 ليسيرء فتحي. تاريخ الزمن الراهن: عندما يطرق المؤرخ باب الحاضر. تونس: دار محمد على للنشرء‎ ٠ 

الأجنبية 

368170 1.17/2 --13/9/2010. 010-1165/116/116 1.0.1011 :102ولء/1 ".111510157 لمتاعع|اعام1" .2100ع116 ,[8309 ٠‏ 


2 .20 ,21 .1701 .17151010 11006771 07 0111714/1ل ©7176 ".قلطع061* 15 له 151019 اججاعع11اعغام1" ..آ متلعلمة1آ ,اعمتبتوظ ٠.‏ 
.(1949 تع طادطعامء 5) 


.(11985ع06105)) 10.10 ,85 .7701 .10000 :2715101 ".11510157 لقباعع 1 اعام] 15 خقط/اا" .مواعاد ,تمتلام) ٠‏ 


300 


تاريخ الفكري ئ ِ4 
النشأة والموضوع والمنهج ووضعه في الدراسات التاريخية العربية الحديثة أ 2 دراسات 
«دذلمد 


170 [ل05://11.17/301 ا :31 .(15101:)2008لط 1112 /ل/ .داع تدوع 1665 01111510157 عاننتافم] عط 1" .تكتماقتط امناعع1اع1م]1" . 
.(2005 تطاعنتة]/ط!) 1 .20 ,7701.1 .ك1مء©2011) /01 :11151017 ©1711 10 207717:111110115) .101111151012 310 1015001115" .تاءع06] ,231010] ٠‏ 


4 .701 .ملاع 1ناء 1 :17151013 اشنتاعه!/1711 ".22013آ 00121111[ 116 111171377" .110ع ما 0115]1320) ,1110م 231113 ع0[ ٠‏ 
.(2014) 2 .10 


0 ,3311112310) :13115 .06015 1© 715ء20112) : 27150110197:07/1165 .31 أ© 715]1312طن) ,101:2ع13ء12 ٠‏ 


01 17151010 07/176 01117181 ".11510137 اججاعع!اعاص[ 01 ع28ه211) عط حمهة 097(ع017]آ .0 تتتطامخ" .عاء1ة2 طول ,وطاعع01[] ٠‏ 
.(2006 92113197[) 1 .67,10 .701 .5م10 


.(1971 1171211) 1 .10 ,701.100 .ك1/هلء 120 ".005طاء71 30 ومطتلخ 15 :1150157 لقناعهة1اعام1" .لاع "1 رتتءط 011 ٠‏ 


11511016155000 2]4197عناوع11 2 10 1200111102 متوكااتة2 تااأكلمة1ظ ث 11150157 1دتاعع11[ع1م] 15 خقط/1ا" .8 ترعاء ,001000 ٠.‏ 
.(2013 1ع511012) 11510157 21تاعة11ء121 101 00110011112 1131010 عط[1 ".10ع1آ1 


1 .ناك آناء 1 أهء15101:1لط نر ااه! 1[مجآكىةدىك ةلبا 717 ".1510157 امباعع!اعاص[ ما كل0طاءع8/1 لطلة دع تكتاعء[00)" .ن) اهل ,عمعع 01 ٠.‏ 
.(1957 11126) 1 .120 ,44 


.(1954 عطذال) 3 .20 ,15 .701 .كبهء10 01 :1715101 0/1176 [/0111710ل ".5 01ططعاء لآ 115 320 111510157 لأقناعع11عغم1" .مطمل ,بمهطاع 1ط ٠‏ 
.(1975 1/1357) 2 .10 ,1701.14 .1717207 2110 :27151017 ".115]0157 لمباعع 1اعام[ لطله 157مأة1طامطء:5" .01210 بأتعطامعج] ٠‏ 
.(1111992مل) 2 .0ط ,97 .7701 .ملاع 1ناء)1 أهء :115101 471171011 ©7777 "15101577 ادناعع1اعام][ بتع لخ ىر" .[ء1155ك] ,136057 ٠‏ 


175101 01/1176 0111710/1ل ".2105001 ,أع0111111506) راع 11050 :11150157 اججاعع11اعام[ 01 110217005" .1 1202210 ,تإعلاع ]ا ٠‏ 
.(1987 طع13157-1131اتطةل) 1 .20 ,48 .701 .كوءل1 061 


.(2005 1آآمظل) 2 .20 ,66 .701 .كهء 10 /0 :215101 0/17 /ه 0177ل ".عع ك4 ل[ه01060) 2 ما 11510157 لهمباع»ة1اعام1" . 
.(1111986مطل) 2 .10 ,91 .1701 .ملا آناءع1 :1115101 477167120177 77/76 ".111510157 35 510157 1طأمطاء:55" .للم 735طمط 1 ,أتتطهم] ٠‏ 


ا 210)) 4 .20 ,34 .7701 . كه 10 01 :1715101 0/17 01117101 ".1510157 لمتاعة11اع1[21 01 77نامم ماتخ عط 1" .2310مع.آ متععه11] ٠‏ 
.(1973 10606121 


أاعم01ن0) :2002م6[ط لدعقطا[ .عد ملاء71مطا ,كاعد 0111ن) ‏ ,كل62 1 :271510100 السنتاعء!/ 1711 1221/1171/1112 .1002012116 ,13م3)3.] ٠‏ 
,ؤوع21 2157615117ل1آ 


.(1111992مظل) 2 .0ط ,97 .17701 .ملاع [ناء)1 أهع 17151011 1تمء4771©7:1 ©7/7 ".17905:5آ 5غ[ له 11510157 لقناعم1اع1م1" . 


نلك [١|‏ 07110 5/ 12202210150 :1151010 امنتاع2! !1711 11707©011نأ 1//00©777 .(.قل0ع) 132مةن) .آ اعلاع51 عك 10012111 ,1م1303 ٠‏ 
وروؤوع21 021176151]7] 1اع010ن) :2002م.آ لوعقطا] .و25 11اء 201576 


.(2005 11أآمطل) 2 .20 ,66 .701 .كهء 10 0/1 :115101 0/17 01177101ل ".7ك1اماة1ط 35 11150197 اجباعع 1 [عغم[" .3/1 طامعوه0[ ,عماهاع.][ ٠‏ 


071010) :27:1010) .27151010 اسلناعء! !1711 11 1702ل 111 00ل[ 1112 /1221/1171 .(.05ع) 7/1077 اعتامطوك عى .11 متتتج0[آ مطحم ل3ء11 ٠.‏ 
4 ,و2155 215761:5117ل1 


-501:118) 65 .20 .07111011 0611110717 نلك( ".111510157 لمتاعع|اعام[ 101 5اععم205 320 صمطع 101" .عممدجناك ,لمقطء 812 ٠.‏ 
.(1995 :51111111161 


,30 .1701 .1602/7727 :815101 ©7177 ".1015601115 15 تالباك خ :زوعءع1[ة1اوطاتوط عط 1ع1ة 11510157 ادتاعع1اعام[!" .عاط ,1111/ا ٠.‏ 
.(1/13571997) 3 .10 


31 


العدد 12 2 تموز / يوليو 2020 


.115107 20111©1117201:0710) /0 01117101ل ".111510157 01317 تطعادهن) 35 11510157 ا2تاعع11[ع1]21 مودعم هتنا" تعماء 11 طول 1/011 ٠.‏ 
.(2011 97إ1111) 3 .120 ,46 .17701 


01 111501977 عط 30 107077 .0 تتاطاتث :077[ع1017 .0 تللاطاتث 01 110201 11 605111112ج52ك ل" .مقططاعا]ط معطمل ,الهلمة ]ا ٠‏ 
.(1963 11116) 4 .23,10 .1701 .ع تهسءكء1[ أله 1ء12/1©110111671010 07110 نز/مهده2711 ".هوع10 


.(1969) 20.1 ,8 .7701 .171207 07110 :277151013 ".موع10 01 1115017 عطا طا 150151320125 220 ع تمتمدء7/1" .11أطع011) راعممكاك ٠‏ 


و1 .1701 .كاممء©2011) /0 :115101 176 10 207117111110115 ".80015 01 1115017 عطا ممه 1م15 اجناعع1اعام] م0" . 
.(2005 لآع1/31) 1 .10 


3 .20 ,117 .7701 .ملاء آناء )1 /0 11510112 4711712011 ©7776 ".577 726210) ل 1117 5]16 1لا م1ا عط 705 طعط/11" .1011ل ,ككاتلاك ٠‏ 
.(2012 1126ل) 


4 .20 ,92 .7701 .ثلاء[نء 12 / 1115101120 4711671071 ©7177 ".11111 511 1لاعطارا عط تتعاله 11510157 لمتاعع [اعام[ا" .ظآ مطمل رؤثّاء10 ٠‏ 
(0987) 


.(11969ع210)) +4 .20 ,53 .57701 .10171151// ©7177 ".1510157 امتاعع1اعام[ 1ه كعادد 1 عط1" ./آ معل:1357ط ,عاتط ناا ٠‏ 
مراجع إضافية 


. أبو شوكء أحمد إبراهيم. "المنهج التكاملي لدراسة التاريخ: الرؤى والأطروحات". المجلة العربية للعلوم الإنسانية [الكويت). مج 35: 
العدد 138 [ربيع 17). 


.)1978 الخطيب» نشأت. "الجبرتي والصراع الفكري في عصره". الفكر العربي. مج 1 العدد 3 (أيلول/ سبتمبر‎ ٠ 
السحيباني. حمد بن صالح بن محمد. "الاتحاه الفكرى لدعوة ابن تومرت: دراسة تاريخية". مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود‎ . 
.)2 الإسلامية. العدد 6 (تموز/ يوليو‎ 


٠‏ مسعودء محمود. "تاريخ الوعي في العالم الإسلامي". مجلة الوعي الإسلامي. العدد 532 (كانون الأول/ ديسمبر 9و200). 


32 


علي مزيان | مثدئ/ا1/232 1ام* 





أساليب التصنيف التاريخي من خلال مقدمات كتب التاريخ 
حاأع11011 13551112231101) 115101131 01 ملمطاء/ا 
05 11150159 01 1110011211025 


لقد توخّى المؤرّخ بداية أن يفاصل بين ما له علاقة بالألشخاص؛ وما له تعلق بالأحداث والوقائع. وانتقل من مجرّد حشد الأخبار, 
إلى النظر في العلل المؤثرة في نشأة الأمم وأفولهاء في مراحل مبكرة من القرن الرابع الهجري عند المسعودي؛ على 
غير ها هو مألوف في البحث التاريخي. فصار التمييز واضحًا بين "الاعتبار" الإيماني والاعتبار "التجريبي" عند مسكويه, 
في تأسيس مبتكر ل "الخبر التجربة". وعلى مستوى التصنيف, تمّ التنبيه على ها أغفل في منهج الطبري مما يدرك من 
التاريخ ب "حجج العقول وفكر النفوس" إلى جانب ما أبدعه المقدسي من النظر العقلي؛ وأدوات المناظرة والجدل في 
البحث التاريخي, والعناية ب "المعيار القيمي" في تصوّر مسكويه, ليستوي المنهج التاريخي قائمًا مع علي بن محمد 
بن الأثير من خلال ثنائية "القشر واللب" التي سبقت تقابل "الظاهر والباطن" عند عبد الرحمن بن خلدون بقرون. أَهًا على 
مستوى أدوات التحليل التاريخيء فقد تم التطرّق إلى أداتين: طبائع العمران عند ابن خلدون باعتبارها تسبق تمحيص 
الزواة,. والتحقيب الحضاري عند غريغوريوس بن العبري الذي يتجاوز به "التمفصلات السلالية" المعتمدة في التاريخ, وهو 
تحقيب يرصد الانتقال من حضارة إلى أخرى. بحسب درجة قربها من "العلم", أَصّل ل "حضارة الفكرة" و"حضارة الصنعة". ثم 
"حضارة القؤّة" نزولا إلى "اللاحضارة". واختتمت الدراسة بأهمية النأي عن التعميمات المتوارثة التي كرست ريادة أعلام 
بعينهاء وأغفلت فضل آخرين يستحقون الرّيادة والتميّر والإشادة. ؟ 
كلمات مفتاحية: مقدمات كتب التاريخء الاعتبار الإيمانيء الاعتبار التجريبيء الخبر التجربة, النظر العقلي التاريخي. 


0 0ع121ع1 15 لاعتط أهطا ممه عاممعم م1 ل0ع121ع1 15 طأعاط؟ا أخقطلا ماععتكدكاع ع1 جومء5 10 1211121197 1735 0[ 11320'5م]أ15ط عط ]”' 
15 126 أعه311 1801 155115 ع1 21 1001225 م1 ,16155 1128عطلادع 121197 10م 220170 تاعط 1 .5اعد1 مله كامعرىهء 
5 ©12] 10 601211251 112 ,51101ة] اخ 116 [لخ تكتتططءء طاتتاه1 عط 01 و5عع5]2 تإأتدء عطا ا 0261005 01 عمستاععل مه 
"21ه111[مططء" عط 320 2م0غومع10كممه "طكتلة1" عط وعع اع 102أع م تاقلل «'طتوكهكتهعاو1/طا 50 بطعتوعوع1 لوع11ماق1ط 01 
5 231 عط ,1355111626101ء 01 قططاعا م[ ."226001 ععطع اع مده" 01 1210172161011 3 ما توعان عمطوععط 0 1ه 1ء2510م» 
5 + 2321 1011015 01 5ع تناع 31" 35 11510157 60251015 1711 ,أ0مطءد تتوطج] -آاخ عط 67 0ع1اععاع»2 5اععم35 عطاا أ 
115]01121 ا 60211011597 320 ع21طاع0 01 10015 ,106100ع02510» لجناعم11ء]121 112001515-اخ 10 20016105 ا ",501015 01 
0 600126 701110 501001 215011691 ع1 .6002)معع2ه0» 1115131555 ا ''1101ع11اه عنطلة؟" عطا 10 مااع 6ج 30 ,حاعتوعوع] 
0] لعلععع01 أقطا (عتتمء) "21-11" 320 (ل1ع017» تاعأناه) "21-2512" 01 6123197 عطا اع نامتطا “تتطتخ-آج م1 1آخ زه 0ع635 ع6 
5 51109 126 .11165أمعن 297 (1111251 عغطا) "مغدطا- 1ج" عط 30 (أمعل71ء عطا) "تتطوج-21" 01 أمععدم و'صبدل لاقط] 
اكناعة61ع11 821 320 (7اع5061 320 1112 1110231ط) "مفختمطنا' 01 13555" 5' تلطا ططا] :32215:515 1لوع11م]آق1ط 101 10015 0كككا 
01 110111 6315161011 ع1 2201101 10 059023515 1121مآق[ط عط 205ع63256 عط طأعلط؟؟ 67 '',11001916100عم 15110221 نكل" 
01 157111236102" عط مآ 0م1001 ,"عع12011»0" 10 5و5عمهء0105 115 01 ععلوع0 علا 10 10128معع26 نتعطاممة 10 0و1 تكله 
107 ع1 .''1571112261012ع-602" عطا 10 امل "001:1 01 11111736105" عط ,"10015157 01 71112523601كلء" 320 "اطع نتامطا 
11 12117241015ع2ع5 0ع111ع10 “اعأطتامء 10 لعع0 عط 15 لاأعتطا؟ا 01 أطعصتحطما1م ]1205 عط ,ركمه1كتاعممء لونعتكهء5 د5عكلهط1 

06517115 01115 01 1115عط2 عطا لعأعع1اعع12 لله 5ع 1021165105 1هااعه 01 ععمتدصتحطهل عطا لعن 1اطواةء 


©1161 160015 ,0115106121101 110111631 ,20251061361010) كتج 1 ركاءدء 1 111510157 10 11025ع0011م] :5350105 >1 
167 1151011631 اجتاعه11ع1]01 


33 


العدد 12 1 تموز/ يوليو 2020 
د أ 2 تموز / يولج 


يقتضي البحث في مقدّمات "علم التاريخ". والوقوف عند سياقها على نحو يحدّد تطور التأليف في هذه المقدّمات» استقصاءً مجمل 
ل تأليفه منذ فجر الإسلام» وبداية التصنيف. إلا أنّ أمرين اثنين قد يحولان دون رسم معالم متكاملة لنشأة هذه المقدّمات في 
التاريخ. الأولء عدم إدراج المؤلّفين لمقدّماتٍ في العديد من التآليف الأولى التي أفردها أصحابها لهذا العلم خاصّة؛ إِمّا بسبب ضياعهاء 
"نا يسبب استخفاف الولف أو الناسخ بمضامين القتماضالتظر إل كاوهامها هود اكن فى مسقى القاريخ د ريال أوزهنا أو خبرّاء لذلك 
وصلتنا الكتب عاريةٌ عن أضراب تلك المقدّمات. أما الأمر الثاني الذي يطرح صعوبةً منهجية تُضاف إلى ما سبق» فهو شمول التاريخ في 
بداية نشأته للكثير من الفنون؛ إذ كانت كتب الرجال والطبقات في مختلف العلوم ضمن مسقى التاريخ» فضا عن كتب السيرة النبوية 
التي نشأت نشأةٌ تاريخية باعتبارها امتدادًا لأسلوب أَيّام العرب ومواقعهم على مستوى المنهج والتناول» لذلك كان العزم في هذا البحث 
على تناول مبحث مقدّمات الكتب ذات الصلة باصطلاح "علم التاريخ"؛ من غير نظر في الكتب التى كان يشاركها هذا العلم اهتماماته 
في بداية نشأتهء من قبيل الطبقات والرجال والسيرة النبوية. ّْ ا 


بعل اعتماد مقدّمات كتب التاريخ لتلمّس أساليب التصنيف التاريخيء وتتّبع التحولات التي شهدها علم التاريخ منهجًا وقضايا 
بحسب تعاقبها الزمني» أمرًا لم يقف الباحث على نظير لهء باستثناء الدراسات والأبحاث التي اعتنت ب مقدّمة ابن خلدون» دون غيرها 
من مقدّمات كتب التاريخ بالنظر إلى كبر حجمهاء حتى إن فرانز روزنتال أكد أن المقدّمة كانت تُعد كتابًا مستقلا عن تاريخ العبر إبَان 
حياة ابن خلدون؛ إذ قال: "أمَا مقدمة ابن خلدون فقد اعمّبرت كتابًا مستقلًا في حياة مؤلفها الذي أطلق على موضوع الكتاب الأول منهها 
علمًا مستقلا"”. غير أن روزنتال حدّدء على نحو دقيق» غرض ابن خلدون من تأليف مقدّمته المتمثّل في البحث في التاريخ» وميّزه من 
البحث في كتابة التاريخ؛ إذ يرى أنه "أريد بالمقدّمة أن تكون مقدّمة لتأريخ عظيم» وكانت تبحث في التأريخ ولا تبحث في كتابة التأريخ 
إلا بصورة غير مباشرة"©. لذلك صارت المقدّمة محط اهتمام العديد من الأبحاث والدراسات؛ إذ أسهب على عبد الواحد وافي في كتابه 
عبقريات ابن خلدون" في التعريف بابن خلدون بالدرجة الأولى» وخصّه بحديث عن بيان منهجه في التاريخ بعنوان "ابن خلدون إمام 
ومجدّد في علم التاريخ" استعرض فيه أهمّ ملامح كتاب العبر في قراءة سطحيّة واصفة لمضامين الكتاب في خمس صفحات فقطء من 
غير أن يهتمٌ بدراسة المقدّمة. 


بينما تغيّت زينب الخضيرى في كتاب فلسفة التاريخ عند ابن خلدون عناية ابن خلدون بفلسفة التاريخ» كما أشارت إلى ذلك 
حيث حملت حديث صاحب المقدمة عن العلم الذى أبدعه على "فلسفة التاريخ"60. 


ويُعدٌ كتاب دراسات عن مقدمة ابن خلدون' لساطع الحصرى أشمل دراسة عن مقدّمة ابن خلدونء فقد تتبع المؤلف فى أزيد 
من ستمئة صفحة تفاصيل ما تضمنته المقدمة تحليلا وبيانّاء وعرّج فيها على معظم ما بحثه ابن خلدون» وتوسّع الحصرى فى "دراساته" 
وذهبء في سياق المقارنة» إلى بحث أوجه المفاصلة والمواصلة بين ما استعرضه ابن خلدون في مقدمته» وما صنّفه بعض الغربيين من 


- 


فرانز روزنتال» علم التاريخ عند المسلمين» ترجمة صالح أحمد العلى (بيروت: مؤسسة الرسالة؛ 1983)» ص 318. 

نفشة. ْ 

علي عبد الواحد وافي» عبقريات ابن خلدون (الرياض: مكتبة عكاظ؛ 1984). 

زينب الخضيري: فلسفة التاريخ عند ابن خلدون (القاهرة: دار الثقافة للنشر والتوزيع» و198). 

المرجع نفسه.» ص 35. 

6 _ساطع الحصريء دراسات عن مقدمة ابن خلدون» ط 3 (القاهرة: مكتبة الخانجي؛ بيروت: دار الكتاب العربي» 1967). 


د دن د 


بت 


34 





»4 
أساليب التصنيف التاريخي من خلال مقدمات كتب التاريخ لطبور دراسات 


بعده» فاهتمّ بمقارنة آراء ابن خلدون بآراء جيوفاني جيامباتيستا فيكو وشارل لوي مونتسكيو وأوغست كونتء وتلمّس تأثير ابن خلدون 
في المفكرين الأتراك. 


وعلى الرغم من الاهتمام الذي حظيت به المقدمة» فإنْ دارسيها لم يقفوا عند ملامح المنهج التاريخي عند ابن خلدون ونظرته إلى 
التاريخ فقطء وإِنْما تجاوزوا الاهتمام بالتاريخ إلى البحث في العمران البشري وفلسفة التاريخ والفكر التربوي» وعلاقة الدولة بالعصبية 


إلا أن ما قد يقع فيه بعض الدارسين للقضايا المبوثة في المقدمة» هو نظرهم بعين الحاضرء والانطلاق من الفكر المعاصر إلى ما ورد 
فيها من آراء ونظريات في الشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية» كما نبّه على ذلك الجابري77: حين يحرص المشتغل ب المقدمة 
على إسقاطات معاصرة:» بل مفاهيم من زمن المؤلف لتنسجم مع اصطلاحات معاصرة يزعمها الدارس» علمًا أنّ ابن خلدون نفسه نبّه 
إلى خطورة ما يشبه هذا المنهج قائالا: "ومن الغلط الخفيّ في التاريخ الذهول عن تبدّل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدّل الأعصار", 
ودعا في مقابل ذلك إلى مراعاة مدلول المصطلح في سياقه حيث "لا ينبغي ان يحمل إلا على ما كان يحمل في عصرهم فهو اليق 
بمرادهم منه"(9. 


إلى جانب العناية ب مقدمة ابن خلدون مما سبقت الإشارة إليه» نطالع بعض الدراسات التي اهتمّت بالتاريخ عند المسلمين نشأةٌ 
وتطورًاء ففي كتاب نشأة علم التاريخ عند العرب”". اقتصر المؤلف على القرون الثلاثة الأولى ومايز بين مناهج التصنيف فيهاء وتتبع 
نشأة التاريخ عند الإخباريين» وكشف عن مسار تشكل الوعي التاريخي عند العرب. في حين ذكر الأستاذ شاكر مصطفى7 ما أورده 
روزنتال بخصوص مختصر الكافيجي'", وأفرد حدينًا عن إعلان محمد بن عبد الرحمن السخاوي باعتباره كتابًا لم يظهر قبله ولا بعده 
مفله. وبعد أن عدّد خصائص الإعلان: ختم الأستاذ شاكر تقويمه للكتاب بأنه يعر عن وجهة نظر العالم الذينى. في حين أن 777 
لمنهج الإسلامي لدراسة التاريخ وتفسيره”" لم يورد أحدًا من المؤرخين إِلَّا ابن الأثيرء واعتمد في كتابه على مراجع من خارج دائرة 
التخصص ولم يشر إلى ابن خلدون قط. 

فضالا عن ذلك: ثمة دراسة قيّمةَء تعدّ فريدةً في بايهاء حيث سعى سالم أحمد محل إلى تتّبع الجوانب الحضارية في التاريخ عند 
العرب؛ من خلال المنظور الحضاري في التدوين التاريخي عند العرب*". فرصد تطور مفهوم التاريخ ليصل إلى فلسفته مع ابن 
خلدون. لكن مسمى المنظور الحضاري ظلٌ في حاجة إلى بيان أكثرء سواء من حيث معالم هذا المنظورء أم من حيث أبعاده في |5 - 
التاريخية عند المسلمين. ٠‏ 


وفى مقابل المجهودات السابقةء ظهرت بعض الكتابات التى تضمر مواقف متسرّعة وغير بريئةء بل "متحاملة" تجاه التراث 
التاريخي عموماء من قبيل ما أجمله روزنتال في حكم مبتسر قائلًا: "والسخاوي باعتباره مؤلّف كتب تبلغ صفحاتها الآلاف لم يخلص 


7 محمد عابد الجابريء» فكر ابن خلدون: العصبية والدولة» معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيةء 4و19)ء ص 9. 
8 عبد الرحمن بن خلدونء تاريخ ابن خلدون: ضبط المتن ووضع الحواشي والفهارس خليل شحادة» مراجعة سهيل زكارء ج 1 (بيروت: دار الفكرء 2001)ء ص 37. 
9 المرجع نفسه. ص 573. 

0 عبد العزيز الدوريء نشأة علم التاريخ عند العرب (أبوظبي: مركز زايد للتراث والتاريخ» 2000). 

1 شاكر مصطفىء التاريخ العربي والمؤرخون (بيروت: دار العلم للملايين» 1983). 

2 محيي الدين الكافيجيء المختصر في علم التاريخ» تحقيق محمد كمال الدين عز الدين (بيروت: عالم الكتب» 1990). 

3 محمد رشاد خليلء المنهج الإسلامى لدراسة التاريخ وتفسيره (القاهرة: دار المنارء 1984). 

4 سالم أحمد محلء المنظور الحضاري في التدوين التاريخي عند العرب. سلسلة كتاب الأمة 60 (الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية» 1997). 


35 





20 


العدد 12 


م 
بطل تموز / يوليو 2020 
1م 
لم 


0910101 


ددا 


من شر السطحية وهي النتيجة المحتومة للتقليد الأدبي الطويل والخصب"07. ولعلٌ العناية بمصادرنا الأولى وإبراز قيمتها العلمية أولى 
من الالتفات إلى أشباه هذه الآراء وشغل الناس بالردٌ عليها. 


اعتنى مجمل ما ذكر من الدراسات» بكتب التاريخ كاملةٌ» ولم يهتم بموضوع المقدمات أصالة» وإنما خاض في عموم تآليف 
أصحابها وتتبع خصائص التأليف التاريخي في كل الكتاب» وهذا أمر بعيد عن اهتمام الباحث وعنايته في هذا المقام. ولذلك» كان 
الحرص في هذا البحث على استثمار تلك المقدمات» وهو ما لا يتحقّق إلا بالتعامل مع مقدّمات المصادر الأصلية بأقلام مؤلفيها. 


وحتى لا يكون هذا البحث مجرّد سرد لما تضمّنته مقدّمات كتب التاريخ» سيعمد الباحث إلى إبراز تلك الطفرات النوعية التي 
سجّلها المؤرخون» وهم يتعاملون مع التاريخ تعريفًا ومنهجًا ومقصدًا. كما سيعمل على مقاربة بعض المقدّمات التي تكون مستغربة 
الورود في كتب التاريخ؛ إذ إن إيراد مقدمة منطقيّة تتناول أصول الحجاج:ء والنظر العقلي والمناظرة» في كتاب وضع لعلم التاريخ أساساء 
خلال مراحل مبكرة من تاريخ التصنيف والتأليف أمرٌ يدعو إلى الغرابة» في وقتٍ سابق عن مرحلة تسلل تلك المقدّمات المنطقية إلى بعض 
علوم الشريعة بأزيد من قرن ونصفء فضا عن السعي إلى بيان إرهاصات ل "تحقيب" تاريخيّ يؤْسّس للانتقال الحضاري للأمم في 
سيرورتهاء بعيدًا عن تعقب السّلالات الحاكمة؛ والأسر المسيطرة التي استأثرت بالحكم في فترات من التاريخ الإسلامي. 


لذلك؛ سيجري التركيز على الكتابات التي لم تنل حظها من الدراسة والبحثء نتيجة حجبها بهالات مشاهير المؤرخين» على أن 
يكون من اهتماماته تدقيق القول في بعض مقولات البق التي تحوّلت إلى حقائق مطلقة»ء بحيث يكاد الإجماع ينعقد على صحتها؛ 
كثنائية "القشر واللب" بوصفها وجهين للتاريخ عند ابن الأثير» قبل ثنائية "الظاهر والباطن" عند ابن خلدون بقرنين من الزمن» وغيرها 
من القضايا التي يسعى هذا البحث إلى إعادة تأطيرهاء ليصلء أخيرّاء إلى مرحلة التصنيف المستقل في المقدّمات خلال القرن التاسع 
الهجري من خلال مختصر الكافيجي» وإعلان السخاوي وشماريخ السيوطي. 


غير أن البحث لا يلتفت إلى مضامين كتب التاريخ وتفاصيل مباحثهاء كما أنه لا يهتمّ بتع منهج المؤلّف في أبواب الكتاب 
وفصولهء ورصد مدى التزامه بالقواعد التى يذكرها في المقدّمة مقارنةٌ بما يورده في ثنايا مؤلّفهء لأنّ ذلك خارج عن مقاصد هذا البحث 
7ه إذ المراد أصالة العثاية بالقدّمات نفسها قراءةٌ وتحليلا دون بقيّة الكتاب. 


أولا: ماهية علم التاريخ ومقاصده 


يعد أهم ما اشتغل به مؤرّخو المسلمين» وهم يتعاملون مع التاريخ» هو التاريخ نفسه من حيث مفهومه. فبعد أن بدأ الوعي التاريخي 
عند المسلمين يتشكل تدريجيّاء أصبح مفهوم التاريخ ينصرف إلى ما له تعلق بعلم الرّجال؛ إذ إن كتب التاريخ إذا أطلقت أريد بها رواة 
الحديث وطبقاتهم حتى صار الحديث من أبرز استمدادات علم التاريخ» إلى جانب معنى الزمن» والخبر حتى اشتهر لقب الإخباريين على 
من نقل كتب أحداث صدر الإسلام. كما اهتم المورخون كذلك بالقصد من وراء الاشتغال بهذا الفن تحقيقًا لمقاصد تعبديّة. 
1. تطور التصنيف التاريخي 

إِنّ أول ما يستوقف الباحث في مقدّمات علم التاريخ» التي بدأت تتشكل تدريجيًا منذ مراحل مبكرة من تاريخ المسلمين خلال 
القرن الهجرى الثالث» هو ما أثاره خليفة بن خياط (ت. 240ه) حين أشار إلى بعض الأحداث التى كانت الأمم الغابرة تؤرّخ بهاء 


5 محمد بن عبد الرحمن السخاويء الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ: تحقيق فرانز روزنتال» ترجمة التحقيق صالح أحمد العلى (بيروت: مؤسسة الرسالة, 1986): 
7 المحقق'ض > 


26 





أساليب التصنيف التاريخي من خلال مقدمات كتب التاريخ 


ع م 
بيلطول دراسات 


وتعتبرها بداية "تأريخ" أحداثها القابلة29©. وقد خلقت هذه الإشارات وعيًا تاريخيًا لدى المسلمين منذ مرحلة الخلافة الراشدة بضرورة 
اتخاذ حدث "مركزيٌ" لتدوين الأحداث عند المسلمين. فكان اعتماد "الهجرة" نحو المدينة بوصفها مبدأ للتأريخ الإسلامي» واستبعاد 
المولد والمبعث» بوصفهما حدثين لا تتعلق بهما مسيرة "الفاعلية الإنسانية" في البناء الحضارى عند المسلمين» كما أنّهما لا يمثّلان ثمرةً 
جناها الإنسان بفعل تعامله مع الكون والحياة. في حين كان حدث الهجرة الذي أثمر فيه الوحي دافعًا نحو التحضرء وإعلانًا عن ميلاد 
هويّة تاريخ الأمة الجديد» تاريخ لفاعلية الإنسان المسدّدة بالوحي. أكد هذا التوجّة في النظر إلى التاريخ الإسلامي "الفاروق" وهو يقرّر 
التأريخ بالهجرة قائلا: "إِنّ مهاجره فرق بين الحق والباطل"277, بحيث أصبح من اللازم إحداث قطيعة معرفيّة وحضاريّة بين زمنين» 
وكان لا بدّ من المفاصلة بين عهدين» ليتمّ التأسيس لنشأة التاريخ الإسلامي. نشأةٌ تحيل» إلى جانب الوقت والزمن مفهومًا للتاريخ, 
على سعي نحو تميّز حضاريٌ عن سائر الأممء من خلال الإصرار على عدم الركون إلى ما كان معلومًا ومتداولا من التواريخ المعروفة, 
وتشوَفًا إلى إرساء أسس أصيلة لنشأة أمَة تقطع كل أشكال التبعية لغيرها. ولعل ما يعزز هذا التميّز الحضاري» هو رغبة الفاروق عن ل 
تأريخ ينطلق من حدث يرتبط بحضارة أخرى؛ فقد كان بين يديه أحداث كسرى وقيصر وغيرهما مما كان النضر بن الحارث يلقيه بين 
الناس!*", كما رغب أيضًا عن تواريخ جامعة من قبيل طوفان نوح وإلقاء إبراهيم في النارء بل كانت بين يديه أحداث تتعلق بتاريخ مكة 
ممما له صلة بتاريخ قومه من قبيل حادثة الفيل» إلا أنّ وعي الفاروق ببداية مرحلة جديدة ببعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - حمله على 
تأريخ يراعي بداية تشكل حضاريٌ جديد. ٠ ٠‏ 


لذلك صار مفهوم التاريخ عند ابن قتيبة (ت. 276ه) من باب جوامع العلوم والفنون» فسمّى مَؤْلفه المعارف معلنًا تعدّد ما يقع 
تحت هذا المسممى بحن هذا د عن نون 5 من ن المعارف "0 . 0 فل السعودي 7 لماو قِ مرو الذهبء وهو 
القصورفيها رغم أن هذه التصانيف ا وهذا النمط الجمعى لمختلف العلوم والفنون في مسقى التصنيف التاريتم 511 
عنه المسعودي في مروجه وهو يشير إلى طبيعة العلوم والفنون التي حشدها في كتابه: "ولم نترك نوعًا من العلوم» ولا فنا من الأخبارء 
ولا طريقة من الآثارء إلا أوردناه في هذا الكتاب مفصلا"9©. غير أنّ مناقشات المسعودي لمن سبقه من المؤرخين» حين تتتعهم في أزيد 
من خمس صفحاتء وذكر منهم سبعين مؤْلقًا من الذين ألفوا "كتيًا في التاريخ والأخبار ممّن سلفء فأصاب البعض وأخطأ البعماة 
وكل اجتهد بغاية إمكانه: وأظهر مكنون جوهر فطنته"227), وقد بدأهم بوهب بن منبه (ت. 114ه) وختمهم بالطبرى (زت. 310هاء 
تدل على أنّ التاريخ قد تشكلت معالمه الخاصة من حيث الصناعة والقواعدء التي بيّنها بنفسه موجزةً في تخليص التاريخ من مقدّمات 
الفلسفة والمنطق2*), وتحرّي الدّقة والصحّة في النقل7*). والفصل بين علم التاريخ وعلم الرجال» إلى جانب النأي عن الهوى ونقل 


6 من جملة تلك الأحداث التي أرّخْ بها الناس ما ذكره خليفة بن خياط حين قال: "لم يزل للناس تاريخ. كانوا يؤرخون في الدهر الأول من هبوط آدم من الجنة» فلم يزل 
كذلك حتى بعث الله نوحًا فأرَخوا من دعاء نوح قومه ثم أرَحْوا لاالمرايس فلم يزل كذلك حتى حُرّق إبراهيم فأرّخوا من تحريق إبراهيم وأرّخت بنو إسماعيل من بنيان 
الكعبة". ينظر: أبو عمرو خليفة بن خياطء تاريخ خليفة بن خياط. تحقيق تحقيق فيق أكرم ضياء العمرى (دمشق: دار القلم؛ بيروت: مؤسسة الرسالة» 1397ه)ء .»ص 50. 

7 المرجع نفسه.» ص 51. 

8 كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من حديثه إلى قريشء يقوم النضر بن الحارث "يحدّثهم عن ملوك فارس ورستم وأسفنديار": ينظر: محمد بن إسحاق 
المطلبي: السير والمغازي, تحقيق سهيل زكار (بيروت: دار الفكرء 1978)» ص 201. 

9 أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري» المعارف» تحقيق ثروت عكاشة» ج 1 (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب» 1992)» ص 3. 

0 أبو الحسن على بن الحسين بن على المسعوديء مروج الذهب ومعادن الجوهرء مراجعة كمال حسن مرعيء ج 1 (بيروت: المكتبة العصريةء 2005)ء ص 15. 

1 المرجع نفسه. ص 20. ْ 

2 المرجع نفسه. ص 25. 

3 المرحج نفيه. 

4 المرجع نفسه. ص 26. 


3/ 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


الوقائع والأحداث7". لذلكء انتقد ثابت بن قرّة9©: وفق ضوابط المؤرّخين وقواعدهم المذكورة سابقّاء وبحسب ما تواطؤوا على العمل 
بهء حتى صارت أخبار ثابتٍ في ضوء تلك القواعد "مضادة لرسم الأخبار» وخروجًا عن جملة أهل التأليف"!). فالمسعودي لم ينكر أخبار 
ثابتِ لغلطها أو زيفها أو مصادمتها للحقيقة بل حسّن نقوله» وعدّها مما يُعنى به التاريخ» غير أَنّه عاب عليه عدم تخصّصه حين "خرج 
عن مركز صناعته وتكلف ما ليس من مهنته"8©, فعدم التخصص يدفع ب "المتطفل" على علم التاريخ إلى التغافل عن دقيق الصناعة, 
وقواعد التأليف المشار إليها سابقاء التي لا يتقنها إلا أهل الفن والصناعة من المؤرخين» وكأنَّ المسعودي قد اعترف بموسوعية علم 
التاريخ» وأقرٌ بأنه علم ينفتح على سائر العلوم» لكن من غير أن يسمح لغير المؤرّخين بالتأليف فيه. 


نجد لهذه الموسوعيّة في النظر إلى التاريخ عودًا عند ابن الجوزي (ت. 7و5ه) مرّةَ أخرى» حتى أصبح حشد الفنون والآداب 
عند المؤرّخين من التقاليد السائدة في التأليف التاريخي في عصره: "ورأيت المؤرخين يختلف مقادهم في هذه الأنباء"!* إلا أنّها صارت 
"موسوعيّة متخصضصة" بحيث يقتصر كل مؤرّخ على إيراد أخبار فئة من أهل صناعة أو فنّ أو علم؛ فمنهم من يذكر الأمراء والخلفاء 
والملوك» ومنهم من يؤثر أهل الأثر فيتتبع العلماءء بينما يتّجه آخرون ممّن يحبّون الزهد إلى ذكر الصلحاءء فضلًا عمّن يميلون إلى 
الإخبار عن أهل الشعر والأدب»: حتى أضحى هذا "التنوّع المتخصّص" دافعًا عند ابن الجوزى إلى لم هذا الشتات» وتجميع هذا المتفرق ؛ 
إذ يقول: "آتيتك بهذا الكتاب الجامع لغرض كل سامعء» يحوي عيون المراد من جميع ذلك" وبذلك جعل التاريخ وعاءً يضم 
الأخبار جميعها. 


إذا كان ابن الجوزى قد ساق جملةً من أخبار بعض الفئات الاجتماعية ليضرب بها أمثلةً عمّا كان ضمن اهتمامات المورْخين 


في عصرهء فقد عرف مطلع القرن السابع الهجري ضربًا من التمييز بين أشكال "التاريخ" المعروفة؛ حيث عمد أبو القاسم القزويني 
(ت. 623ه) إلى بيان حقيقة مسمّى التاريخ» وسعى للمفاصلة بين أنواعه المختلفة» فقسّم ما بين يديه من مصئّفات التاريخ إلى 


ضربين: ضرب تناول "الحروب والغزوات ونباً البلدان وفتوحها والحوادث العامة"!”. ولعل هذا المسمّى أقرب المعاني إلى حقيقة التاريخ 
15 الاصظلاحى» وضرب آخر اهنم يسبع أحوال العلماء فق مخداق التخخصات العلمية» وهوما أضنحى يعرف ب *الطبقات" 


التي تعنى ب "ولادتهم ووفاتهمء وطرف من مقالاتهم ورواياتهم ومشائخهم [كذا] ورواتهم"”. ليدخل هذا الصنف ضمن دائرة 
5 المحدثين: "ويهذا الضرب اهتمام علماء الحدي"(3ا, فازدادت معالم التاريخ وضوكاء وصارت له هويّةٌ تمئزه من سائر العلوم 


التي نشا في ظلهاء واصبح الحديث عن "علم التاريخ" مستقلا عن الخبر وتاريخ الرجال. ولم يكن هذا التميّز جليًا من حيث تدقيق 


5 المرجع نفسه» ص 27. 

6 طبيب وفيلسوفء كان مستشار المعتضدء اشتغل بالتنجيم» توفي سنة 288ه» ينظر: شمس الدين الذهبى: سير أعلام النبلاءء تحقيق شعيب الأرناؤوطى [وآخرون]» 
ج 13 (بيروت: مؤسسة الرسالة. 1985)» ص 486. 1 1 1 

27 المسعودي» ص 15. 

8 المرجع نفسه.» ص 14. 

9 أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزيء المنتظم في تاريخ الأمم والملوك: دراسة وتحقيق محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطاء ج 1 (بيروت: 
:|0 الكتب العلمية. 1992): ص 115. 

0 المرجع نفسه. 

31 أبو القاسم القزويني» التدوين في أخبار قزوينء تحقيق عزيز الله العطاردي» ج1 [بيروت: دار الكتب العلمية» 1987)» 5-00 

2 المرجع نفسه. 

3 المرجع نفسه. 


36 





أساليب التصنيف التاريخي من خلال مقدمات كتب التاريخ 


ع م 
بيلطول دراسات 


التعاريف وضبط الاصطللاحات فحسبء بل بتصنيفة انا 8:5 5ك لز سهان" أأرضاء إد أضحى الفصل فيها واضحا بين العاء 0017 
وبين الخاصٌ الذي يعنى بأخبار بلدة أو جهة بعينها؛ وهو فصل جدير بأن يُخرج الكثير من مصتّفات الرجال وأهل الصنائع والفنون من 
دائرة علم التاريخ. 


2. التوظيف الحضاري لعلم التاريح 

لقد كان المؤرّخ متناغمًا مع سياق نشأة التاريخ» منسجمًا مع المقصد التعتّدي الذي على أساسه نشأت الكثير من العلوم والفنون» حتى 
ارتبطت فوائد التاريخ بالمقصد "التعتّدى" لهذا العلم» بحيث يصير التاريخ خادمًا لإقامة الشعائر الدينية» بل يكاد خليفة بن خياط يحصر 
وظيفة التاريخ في هذا المقصدء وذلك من خلال قوله: "وبالتاريخ عرف النّاس أمر حجّهم وصومهم "7" ونظموا مسائل الزواج والطلاق 
"وانقضاء عدد نسائهم"9؛ إلى جانب ضبط المعاملات بين الناس وصيانة حقوقهم المالية من الضياع "حين حل ديونهم وحقوقهم "577. 


كما أن من وظائف التاريخ: التي تعكس شعورًا بالانتماء الحضاري إلى الأمة» نزوع المؤرّخين إلى تضمين مؤلفاتهم مقدّمات عن 
الأنساب!*' تفصح عن هويّة الآمة التي يورّخون لهاء المّسمة بالتنع» والجامعة للأعراق والأجناس المتباينة. فالانصراف إلى التأليف 
في الأنساب باعتبارها من اهتمامات الموؤرّخ في هذه المرحلة من تاريخ المسلمين تحديدّاء لم يكن معزولا عن السياق العام الذي أطر 
التحوّلات التي مسّت طبيعة النظام الاجتماعي» بعد أن انفتح المجتمع أمام العناصر غير العربية التي تسللت تدريجيًا إلى مختلف ميادين 
الحياة العامّة حيث شهدت المرحلة ظهور "الشعوبية" وما رافقها من حملات منظمة كان هدفها الاتتقاص من العنصر العربي» والنيل منه. 

وليس من المصادفة أن يجدّ المؤلفون في تصنيف كتب الأنساب مع بداية القرن الثالث؛ إذ شهد العقد الأول من القرن الثالث 
فقطء تصنيف أربعة تآليف في فنّ الأنسابء فالبغدادي في منمّقه خصٌ المقدّمة كلها لبيان "نسب قريش وآبائهم" واستشهد بقول أشهر 
النسابين العرب هشام بن السائب الكلبي (ت. 204ه) حين قال: "فضّل الله العرب على العجم "٠*"اء‏ في إطار التدافع الواقع بين العرب 
وبين غيرهم من الأجناس التي بدأت تبحث عن موطئ قدم في مفاصل الدولة الحيوية. 

وهكذا صار التاريخ علمًا يُعنى باهتمامات النّاس وانشغالاتهم» ويعكس التحوّلات التي تشهدها المجتمعات» فاستشعار تهديدات 
حركة "الشعوبية" على مستويات عدّةء سواء عبر مزيد من التسلل إلى مراكز القرار في هرم السلطة السياسية (البرامكة)ء أم عبر بت 
الشائعات (حادث العبّاسة)» والنيل من الشرعية الأخلاقية للدّولة القائمة» حملت المؤرّخين على درء هذه الأخطارء وتخليص نسب العرب 
وقريش. وبناءً عليه» فإنه لا كان الطعن من باب النسبء سارع النشابون إلى تخليصه» وأزالوا كل شبهة حوله» لتظل الآصرة الجامعة 
بين كل الشعوب تتجاوز حدود الأنساب, ولتمتدّ إلى وحدة حضاريّة أعمّء تسَّع كل الأجناس والأعراق» بعد أن بدّد المعتقد المشترك 
حواجز الانتماء القبلي والطائفي. وهي وحدة حضارية تقوم على الإسهام الجماعي في الصنائع والعلوم ونظم الدولة وتدبير الشأن العام: 
أي ما يلتئم ضمن مفهوم الحضارة بشقيها المادى والثقاني. 
4 لقد أورد القزويني عشرات المصنفات التي تنتمي إلى "ما يهتم بها علماء الحديث" وجعل منها عامًا وخاضّاء على نحو يبعث على اعتقاد مفاده أنه قد أزال بععض الغبش 
عن التخصصين: علم التاريخ» وعلم الطبقات. بشان تفاصيل تلك المصنفات» ينظر: المرجع نفسهء ص 3. 
5 ابن خياطء ص 49. 
6 المرجع نفسه. 
7 محمد بن جرير الطبريء تاريخ الطبري: تاريخ الرسل والملوكء تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم» ج 1 (بيروت: دار التراثء 1967)ء ص 5. 
8 محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي البغداديء المنمق في أخبار قريشء تحقيق خورشيد أحمد فاروق (بيروت: عالم الكتب» 1985)؟ الدينوري» 


9 البغدادى. ص 21. 


39 





20 


العدد 12 


م 
بطل تموز / يوليو 2020 
1م 
لم 


0910101 


ددا 


إن هذه النظرة نحو علم التاريخ سرعان ما ستعرف تحوّلا ملحوظا حين توجّه اهتمام المؤرّخ نحو تتّبع العلل حيث "ترتبط المعلولات 
بعللها"/”اء وتفسير الأحداث "وكيف تدخل الآفات على الملك: وتزول الدول» وتبيد الشرائع والملل؟"!“اء وهو تفسيرٌ يروم تحديد العوامل 
التى بسببها يقع أفول الحضارات وزوالهاء والتمييز بين ما يأتي من داخل الدولة نفسهاء وما يلحق الدين أيضًا من "الآفات التي تحدث 
في نفس الملك والدين "© إلى جانب ما يطرأ على تلك الدول من "الآفات الخارجة المعترضة لذلك "0 ْ 


إن علم التاريخ» لم يعد ذلك العلم الذي يقف عند حدود التشخيص» ويقتصر على بيان طبيعة تلك العوامل التي تتحكم في حركة 
ارخ فقطء بل يتجاوز هذه الوظيفة ليصير "علمًا تنبئيًا" يقترح حلولا وقائية تعمل على "تحصين الدين والملك"*ا. 


وهكذا تحوّل التاريخ عند المسعودى من مجرّد أحداث ماضية إلى قواعد نُساس بها الأمم» وقوانين ل "سياسة البلدان والأديان 
والحيوش على طبقاتهم "ا فتحوّل التاريخ إلى مَعين لاستنباط ما يحتاط به للملك» وما تتّقى به أسباب التداعى والسقوط. 


لقد أشار الطبري (ت. 310ه) إلى أن التاريخ في المقام الأول هو تاريخ الإنسان المسترشد بهدي الوحي المتفاعل مع تعاليمه: 
ككل "مم أبقدأه الله تعالى بآلاثه وتعمة فشكر نعمة؛ من .رسول مرسل» أو ملك مسلط أو خليفة مستخالف "40 فهو تاريخ يتتتخ أثر 


هوي 


هذا التوجيه في حياة الناس ومعاشهم» في مقابل النظر في أحوال الفريق الآخر ممّن "كفر منهم نعمه فسلبه ما ابتدأه به من نعمه وعجل 
له نقمه"77)» نظرٌ يقوم مقام "الاعتبار" الذي يؤدّي معنى العبور من زمن حاضر نحو زمن ماض» عبورٌ '"استردادي" يؤسّس لقراءة واعية 
في أحداث غابرة لاستجماع عوامل النهوض والسقوطء ويروم الاستفادة من تاريخ الأمس لتوجيه سياسة اليوم. 


إلا أنّ مفهوم الاعتبار قد انتقل من مجال النظر في تعامل الأفراد والجماعات مع نعم الله شكرًا أو جحودّاء كما أشار الطبرى, 
إلى النظر في عواقب أفعال الناس والأمم وحصائد اختياراتهم» انتقالا من "الاعتبار الإيماني" إلى "الاعتبار التجريبي": وهو اعتبارٌ عدّه 
مسكويه أت. 1د4ه) عاملا وجيمًا علل به إعراضه عن ذكر معجزات الأنبياء وسياساتهم في تاريخه: إلا فاكان: "متها قدبيرا شرقلا 
خالصًا لا أثر للإعجاز فيهء لانتفاء أبعاد الاعتبار التجريبي التي تجعل أهل كل زمانٍ "لا يستفيدون منها تجربة فيما يستقبلونه من 
أمورهم "!1 في وقتٍ استمرأ الناس "الأخبار التى تُجرى مجرى الأسمار والخرافات"7, حتى أضحت أحداث التاريخ بغية الساهدين 
إذ "لا فائدة فيها غير استجلاب النوم بها"1”) وملادًا لدفع الملل ب "الاستمتاع بأنس المستطرف منها"0تا. 


غير أن تبيّن منهج مسكويه» واستيعاب منطلقاته» يفترضان استحضار "النسق المعرفي" الذى يؤطر هذا المنهج» وهو نسق يتسم 
بتكامل معرفي غير خفي عند مسكويه نفسهء وحسب القارئ إلمامة بجملة ما ألف الرجل ليدرك ذلك؛ فإلى جانب تضلعه في علوم الشريعة 


0 أبو الحسن على بن الحسين بن على المسعوديء التنبيه والإشراف. تصحيح عبد الله إسماعيل الصاوىيء؛ ج1 (القاهرة: دار الصاوي: [د. ت.]) ص 8. 
1 المرجع نفسه» ل ْ 

2 المرجع نفسه. 

3 المرجع نفسه. 

4 المرجع نفسه. 

5 المرجع نفسه. 

6 الطبريء ج1.» ص 6. 

7 المرجع نفسه. 

8 أبو على أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويهء تجارب الأمم وتعاقب الهمم» تحقيق أبو القاسم إمامى: ج1 (طهران: دار سروش للطباعة والنشرء 0ه200)ء ص 50. 
49 رع تقس ْ 

0 المرجع نفسه. ص 49. 

1 المرجع نفسه. 

2 المرجع نفسه. 


40 





2 
اساليب التصنيف التاريخي من خلال مقدمات كتب التاريخ للم دران ان 
جه ل 


والتاريخ والأدب والبلاغة والشعر والتربية والطب والرياضيات ... إلخ» فهو "عارف بعلوم الأوائل معرفة جيدة"!”' وبسائر علوم الأبدان 
والقلوب والعقول» متضلع في فلسفة اليونان وحكمتهم»ء "فاضل في العلوم الحكمية متميز فيها" 7" حتى لقب بالمعلم الثالث لدوره الفذ 
في إعادة بناء الفلسفة اليونانية في فرعها العملي أي في فلسفة الأخلاق /:". 


رام مسكويه بتصوره تحويل التاريخ إلى تجارب الأمم التي "يتكّر مثلها وينتظر حدوث شبيهها وشكلها"!*) لتصير سنا وقوانين 
يسري أثرها على سائر الأممء سواء بتتبع "مبادئئ الدول» ونشء [كذا] الممالك"7” حال قيامها وتأسيس أركانهاء أم برصد أفول دورتها 
الحضارية من خلال "ذكر دخول الخلل فيها بعد ذلك"!”). ولعل هذا الإقرار الصريح من مسكويه إنما يعبر عن نظرته إلى التاريخ التي 
لا تكاد تغادر تصوره المؤطّر ب "فلسفته الأخلاقية" التي تأسّست في جانب منها على سنن التدرّج في تشكّل الأحداث وظهور الدول 
وأفولهاء فاصطلاحاته من قبيل "التجربة" و"التكرار" و"الإرادة" و"التدبير": وغيرها ممّا سيرد لاحقّاء تحيل على استمداده ممّا تحضل 
نين يديد من خصاقض النفس البشرية»بوظبائع العقول» وملكات الفكره ومعابير السلوك البشرى» بحيث يكون الاخسيام يلك 51١‏ 
التي يكون لقصد الإنسان فيها حظّ وافر. 


فإذا كانت الصياغة صناعة لتمييز الذهب من شوائبه: والطب صناعة لتخليص الأبدان من أدوائهاء وسائر الصناعات الأخرى 
تتطلب تمهّرًا وحذقًا وهي المرتبطة بما هو أحط منزلة من الإنسان» فإنّ "الصناعة والهمة التي تصرف إلى أشرفها أشرف من الصناعة 
والهمة التي تصرف إلى الأدون منها"!”. لذلك ينبغي أن يتطلب التاريخ: وهو صناعة لتميز المؤرّخ زائف الخبر وسقيمه من صحيحه, 
وحسنه من فاسدهء حذقًا وتمهرًا أدق وأسعء وهو ما لا يتحقق إلا بإحاطة بما يلزم هذا المؤرخ من علوم تنير بصيرته وهو يتعامل مع 
التاريخ ووقائعه؛ كمعرفة طبائع الناس وسلوكهمء وما يصدر عنهم من صلاح أو فسادء وتبيّن ما يعد من فعالهم محمودًا أو مذموماء 
وهذا من أظهر معالم المرجعية الأخلاقية عند مسكويه. 


أتاحت مرجعية الأخلاق عند مسكويه التوجّة صوب "الخبر التجربة" الذي عليه مدار القوانين وعوامل النهوض والسقوطء حتى 
إن إيراده لبعض الأخبارء التي تخالف تصوره "مما يجرى على الاثفاق والبخت وإن لم يكن فيها تجربة "!© بحيث لايُرى للإنسان فيها 
تدبير ولا خسان "ولا تقصد بارادة", إنما هو إيراد واع يحضح بذوره لمقصود يرومه المؤلف» وهو حفظ الأحداث من الضياع والاندراس 


"لتلا تسقط من ديوان الحوادت عنده"!" وهذا تعليل سينقل بد المؤلف التاريخ إلى علم تتجاور وظيفته الزمنين؛ الحاضر وا 70 
ليصبح علمًا يعين ولي أمر المسلمين ممن "كان في علو الهمّة» وتوقّد القريحة» وحفظ الآداب» وسياسة الملك والرعيّة في الخير"!©) على 
استشراف المستقبلء واستباق الأحداث: والعمل على تحييد تأثيرها السلبى: والتخفيف من وقعهاء من خلال "التنبق" بوقوعها قياسًا 


3 شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله ياقوت الحمويء معجم الأدباء: إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب, تحقيق إحسان عباس» ج 2 (بيروت: دار الغرب 
الإسلامي: 1993)» ص 495. 

4 موفق الدين أبو العباس أحمد بن القاسم بن أي أصيبعة» عيون الأنباء فى طبقات الأطباءء تحقيق نزار رضا (بيروت: دار مكتبة الحياة» [د. ت.])» ص 331. 

5 مسكويهء ج1. ص 19. 1 

6 المرجع نفسه» ص 47. 

7 المرجع نفسه. 

8 المرجع نفسه. 

9 أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه: تتهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق. تحقيق ابن الخطيبء ج1 (القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية» [د. ت.])ء ص 47. 
60 ل 0 

1 المرجع نفسه. 

2 المرجع نفسه. ص 49. 


41 





20 


العدد 12 


م 
بطل تموز / يوليو 2020 
1م 
لم 


0910101 


ددا 


0 سابينا من الوقائع التى عاشتها الامم من 3[ السك 01 1 | والسعى إلى "التنيو" يقابل الأحداث إنما مبعنهما طبيعة 
النفس البشرية التواقة إلى هتك حجاب الزمن الذي يستر تفاصيل هذا المستقبل. 


وهكذا فكلما انتبه الإنسان إلى تعاقب الأحداثء واستُحضرت القواعد المتحكمة فيها التي ينبه إليها المؤرخون» تمكن من توقع 
سبل التعامل معها "فأعدّ لها أقرانها وقابلها بأشكالها"!©) وبذلك يظهر أثر التاريخ في سياسة الناامن وتدبير شؤونهم» ويلحظ الفرق بين 
من يتدبر التاريخ وأحداثه. وبين من يلقي به خلف ظهره غير مبالٍ بعواقبه "وشتان بين من كان بهذه الصورة وبين من كان غرًا غمرًا 
لا يتبيّن الأمر إلّا بعد وقوعه "!ا فلا يلحظ النوازل إِلّا بعين الغريب الذي قلّت تجربته» وخفتت خبرته بالأمور ممن يحيره كل "خطب 
يستقبله» ويدهشه كل أمر يتجدّد له"!6. 


ذلك التحليل سينتهي بمسكويه إلى تقرير وظيفة عظيمة لدراسة التاريخ: حين يتحوّل بكامل وقائعه وأحداثه؛ إلى حياة ثانية 
الأحوال بنة ' (66ا, 


وغير بعيد عن هذا التصور الرصين لماهية التاريخ» يقف ابن الأثير ليفاصل بين بعدين في هذا العلم؛ مفاصلة القشر عن اللب!, 
فتحصّل بذلك نظران: نظرٌ قصر التاريخ على القصص والأخبارء وجعل "نهاية معرفتها الأحاديث والأسمار"!©) فمال عن مقصد العلمء 
واحتقر التاريخ وازدراه؛ فصار هذا التوجه ك "حال من اقتصر على القشر دون اللب نظره" "ا وأعرض عن ماهيته» وغيّر حقيقته: 
وأظهر التاريخ للناس بغير ما هو عليهء شأنه في ذلك شأن من أحل البهرج محل الأصيل من الدّرء يخدع الناس ببريقه» ويبهرهم 
بلمعانه» حتى "أصبح مخشابًا جوهره"7” ونظرٌ ثان تجاوز قشور أحاديث الأسمار» واعتنى ب "النظر والاعتبار"» نظر في "التجارب 
'الدرفة بالحوادث وما تصير إليه عواقبها"!7 لاستجلاء الشيرء ومعرفة السئن» واستتباط القوانين» مما لا يتحقّق إلا إذا ربط المؤرخ 
بين "خراب البلاد وهلاك العباد وذهاب الأموال وفساد الأحوال "77 وبين تدبير أهل الجور والعدوان» في مقابل عمارة البلاد» وصلاح 
العباد. ووفرة الأموال» بوصفها ثمرة من رام العدل وتحرّى القسط في سياسة الرعية. وهذا النظر في الحالتين» والمقابلة بين المآلين» 
سيحمل على "الاعتبار"» بحيث يستقبح ما يبعث على الخراب والإفسادء ويستحسن ما يؤدي إلى العمارة والصلاح. لذلك فالربط بين 
الصلاح والعدل» وبين الفساد والطغيان» إنما كان نتيجة استقراء الأسباب والنظر في العلل» واعتبار مآلات الوقائع» وتحقيق الأحداث, 
مما يعد من أولى اهتمامات المؤرخ الحق» ويعكس وظيفة التاريخ» بوصفها "اللب" الذى من أجله نشأ هذا العلم» حتى صار التاريخ علمًا 
تتجدد حياته في الحاضر والمستقبل. 


3 المرجع نفسه. 

4 المرجع نفسه. ص 48. 

5 المرجع نفسه. ص 49. 

6 المرجع نفسه. ص 48. 

7 إذا كان ابن الأثير يتحدث عن ثنائية "القشر واللب" فإن ابن خلدون يتحدث عن الثنائية ذاتها بلفظتي "الظاهر والباطن". ينظر: عبد الرحمن بن خلدونء تاريخ ابن 
خلدون. تحقيق خليل شحادة: ج1 (بيروت: دار الفكرء 1988)» ص 6. 

608 عل بن محمد بن الأثيرء الكامل فى التاريخ. تحقيق عمر عبد السلام تدمري, 1 [بيروت: دار الكتاب العربيء 1997) ص 9. 
69 ع نفسه. 1 

0 المرجع نفسه. 

1 المرجع نفسه. 

2 المرجع نفسه» ص 10. 


42 





ار 
أساليب التصنيف التاريخي من خلال مقدّمات كتب التاريخ لطبور دراسات 
جحل 
4 


إن تحديد طبيعة المناهج المعتمدة من قبل المؤرخين فى تصنيف مؤلفاتهم قد لا يتحّق إلا بعد تتبع فصول تلك التصانيف و13 6 1 
النظر فى معايير ترتيب الأحداث والوقائعء إلا أن مقدّمات تلك التصانيف قد تعين» فى جوانب متهاء عل مقاربة خصائص المدمج |1 7 
لا سيّما أننا قد نجد المؤرّخ يفصح عن منهجه في مقدّمة كتابه. 


1. حقيقة المنهج التجميعي عند الطبري 


لقد حدّدت المقدمات ملامح المنهج المتبع في التصنيف التاريخيء فالطبري من أوائل من صرّح بالمنهج الذي سار عليه لبناء تاريخه: 
بحسب ما وصل إلينا من المقدماتء ولم يترك القارئ تائها وسط مصنفه الضخمء وهو يروم استنباط معالم المنهج الذي اتبعه. وميّز 
الطبري بين طريقتين: اعتمد في الأولى على الإسناد وبيّن أن أسلوبه فيها "إِنّما هو على ما رويت من الأخبار التي أنا ذاكرها فيهء والآثار 
التي أنا مسندها إلى رواتها فيه"!”اء وهي طريقة ثلائم الأخبار المسندة المروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. في مقابل 
القليل من الكتاب الذي يضمر فيه الإسناد ممّا أدركه الطبري "بحجج العقول "70 سيد "بفكر النفوس"77'. ولعل هذا النوع من 


إليها عن طريق الرواية. فكأنّ الطبري رام تجميع المادة التاريخية بمجرد روايتها: 'إنْما أى من قبل بعض ناقليه إليناء ون نما أدينا 
ذلك على نحو ما أَدَى إلينا"*" لهذا راح يعتذر عما في الكتاب مما قد "يستنكره قارئه» أو يستشنعه سامعه, من أجل أنه لم يعرف له 
وجهًا في الصحّةء ولا معنى في الحقيقة"71) فالطبري أبقى على جميع الروايات التي وصلت إليهء وحشد بها مؤلفه رغم أنه أقرّ صراحة 
بدرايته بالرجال ممن "حمدت منهم روايته» وتقتلت أخباره» ومن رفضت منهم روايته ونبذت أخباره, ومن وهن منهم نقلهء وضعف 
خبره"أ"7'ء فاكتفى بتجميع الأخبار من غير تمييز بين صحيحها وسقيمهاء ومن دون أن يُعمل النظر في متونهاء فجاء المصنف ركامًا من 
الأخبار والنقول. 


يبدو أنّ منهج الطبري ليس بالمنهج الجمعي المطلق» وليس منهجًّا إسناديًا بالكلية بل هو منهج إسنادي فيما تعلق بالأخبار التي 
اعتمد فيها على الرواية والإسنادء ومنهج نظر في الوقائع وتحقيقها اعتمادًا على نقد المتون» ومقارنتها والتأمّل فيها بفكر النفوس وبحجج 
التقولء خينما تكون الكخبار مما لا يستقيم فيها الإشهاذ والتقد الخارجى كما ض هو نفسه» من غير أن ين ذلك عل تحر ١‏ ' 


2 آليات النظر العقلي عند المقدسي 


نجذ نقلة فريدةٌ فى بابها فى مقدمات التاريخء بحيث لا سابق يماثلها ولا مشابه لها فى قابل المقدمات؛ مقدمة ظهرت عند |1 ٠‏ 7 
زت. 355ه) وتوقفت عندهء وقد استغرقت من كتاب البدء والتاريخ صفحات عدّة خضها المصنف للحديث عن مبادئ فلسفية: ونه 
فيها متحدنًا عن الجدل والنظر والتأملء وقوانين المناظرة وغيرها. ولعلّه بذلك قد أسّس منهجًا للنظر في الأحداث والوقائع وإخضاعها 


73 الطبري؛ ج1» ص 7. 
4 المرجع نفسه. ص 8. 
5 المرجع نفسه. 
6 المرجع نفسه. 
7 المرجع نفسه. 
8 المرجع نفسه.» ص 7. 


413 





العدد 12 إلا طور تموز / يوليو 2020 
وده 
16101 


للنقد العقلى والمنطقىء منهجًا يستمدّ أسسه من مبادئ الجدل في نقد النقول التاريخية من حيث المتن. ونجد لذلك إشارات في مقدّمة 
الكتاب نفسهء حيث يشير إلى ما دخل التاريخ من أباطيل وأسمار موضوعها التاريخ. 


فما أورده المقدسى في مباحث النظر العقلى والجدل والمناظرة» في مقدمة لكتاب في "علم التاريخ" ليس من باب الترف الفكري 
والتعالم على الناس» أو من باب إعجابه بعلوم اليونان وفلسفاتهم وجدلهم» ولا من باب تبعيته لغيره من المصئّفين الذين ضمّنوا مقدّمات 
منطقية في كتبهم» كما كان الشأن في تصانيف ما بعد القرن الخامس الهجرىء وإنما كان ذلك مدخلا يُعيّر من خلاله المقدسى في 
مقدمته تلك عن نموذج المؤرخ الذى يتأثر ببيئته» ويعكس ظروف زمانه. ففى ثنايا مقدمته يشخّص الحالة العامة للمجتمع الذي يعيش 
5ه محتمخ انتشرت فيه الخرافة: وسثذت فيه الأسطورة واستسام التاس لكل غريب» واثقاةوا لكل هحيب "والحديث لفن 
عن جَملٍ طارٌ أشهى إليهم من الحديث عن جمل سار" عقولٌ تأى إلا أن تصدّق كل مخرص بطالء ومشعوذ أفاك, ومدّع كذاب 
'فهم إلى كل ناعق سرّاعٌ وعن كل ذي حق بطاء"7"! فضعف اليقين في قلويهم» وخفت نور العلم في عقولهم» فصارت كل "رؤيا مريّة آثر 
عندذهم من رواية مرويّة " [81) 6 فآل الحال عتدذهم إى رد العيان وجحد البرهان"! 2 . هذه الأسباب محتمعة العكييية عل حال العلماعع 
ففترت همّة من تجرّد لطلب العلم» ووهنت إرادة من استفرغ وسعه لتحصيلهء فأصبح العلم يأى "أن يضع كنفه أو يخفض جناحه أو 
يسفر عن وجهة إلا للتجرّد له بكليته "(ققا, وهؤلاء قلَدٌ معدودون. 


لقد قل الاهتمام بالعلم» وضعفت الهمم في طلبهء ودخل الفساد على بعض العلوم؛ فكان أوّل ما فسد من علم العامّة» عقائدهم, 
بسبب تعلقهم بالمنحرفين "عن نهج الحقّ في إفساد عقيدة الأغبياء من طريق مبادي الخلق ومبانيه"7. لأنّ المصنف حين نظر في 
مجموع من يتصدرون نقل الأخبار من القصّاصء وجدهم ممّن يستحلبون "أفئدة العامّة بإطراء مذاهيهم» مفسدين عليهم أذهانهم 
بما يقصّون من غرائب العجائب التي رووها"!*اء فقصارى جهد هؤلاء الانتصار لمعتقداتهم بالتعمية على قلوب البسطاء بما يخترعون 
من الأخبار والغرائب عن المبتدأ "حتى شحنوا صدورهم بتزهات الأباطيل وضيّعوا نفوسهم بالأسمار والأساطير"!". أساطير لا سبيل 
إلى ردّها وبيان تهافتهاء إلا بما هو قائم من أصول الجدل وقواعد العقلء ما دام هؤلاء قد أعرضوا عن الإسناد وقوانينه» واتخذوا 
العقيدة أساطير ما زالت "عن أحدوثة في العقل مردودة» وأعجوبة عن الفهم محجوبة"!”. وأمام هذا الركام الذي يحتاج إلى تنقية 
من "خرافات العجائز وتزاوير القضاص وموضوعات المتّهمين من المحدّئين" !1 وأمام ما وقع من التشغيب على عقائد الناس بسبب 
الحديث عن المبتدأء الذي خالط السقيمٌ صحيحه: وصارت الأخبار والأسمار وسيلة إثبات هذا المبتدأء الذى يشكل المعتقد جزءًا منه, 
كان لا بد من تنقية الأخبار وتحقيق الأحداث: قصد تجلية هذا المعتقد وبيان أصوله. وهذا الأمر يلزم معه التطرّق إلى الحجاج في 


9 المطهر بن طاهر المقدسىء البدء والتاريخء ج 1 (القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية» إد. ت.])ء ص 4 
0 المرجع نفسه. ْ 

1 المرجع نفسه. 

2 المرجع نفسه. 

3 المرجع نفسه. 

4 المرجع نفسه؛. ص 1. 

5 المرجع نفسه.» ص 4. 

6 المرجع نفسه. 

7 المرجع نفسه. 

8 المرجع نفسه. ص 6. 


14 





2 
اساليب التصنيف التاريخي من خلال مقدمات كتب التاريخ للم دران ان 
جه ل 


'إثبات مبديه" السابق لخلقه, وهو إثباتٌ يتحضل ب "ذرو من حدود النظر والجدل"!” التي بها يستدل على "القديم المبدئ المعيد ثمّ 
ابتداء الخلق "7" فتكامل في منهج المقدسي أمران اثنان: الأول ينطلق من الذود عن العقائد الإسلامية والتصدّي للدخيل الباطل منهاء 
والثاني بيان زيف الأخبار التي يتناقلها الناس بحيث لا يقبلها عقل سليمٌ ولا منطقٌ سويٌء ممّا له صلة بالمبتدأ. فلا سبيل إلى ردع أولئك 
"الملحدين" الذين "ركبهم الجهلء واسترقهم الباطل» وهجرتهم الفكرء وعميت عليهم مواقع النظر"!" ولا وسيلة لإفحام الممخرقين 
الذين "احتالوا في إسقاط التكليف عنهم ليمرحوا في ميادين الشهوات وليركبوا ما يهوونه من اللذات بإنكار علوم الأصول من البديهة "!"" 
إلا عبر الاستمساك بأصول الجدل والمناظرة. 


علمًا أن عصر المؤلف قد شهد تعاظمًا غير خاف لعلم الكلام الذي اتخذ لنفسه منهج الاحتجاج العقلى» حيث المطارحات الفكرية 
العقدية بين الفرق» خلال منتصف القرن الرابع الهجريء التي سعت إلى التمكين لآرائها اعتمادًا على امه المتكلمينء برد الشبه 15 
على مبادئ المنطق والفلسفةء فكان المقدسي في خضمّ هذا التيار يسترشد بهذا المنهج: ولا سيما أنه سيتصذى لقضايا عقدية أصباة 
متعلقة بالخلق والخليقة, فلم يجد بين يديه إلا نقولًا من "التاريخ التوراتي" التي تحتاج إلى تنقية وتصفية» ولا سبيل إلى ذلك إلا بقواعد 
الجدل العقلي ولوازمه من علم المنطق والمناظرة» كما أنّ إطلالة على فهرس مؤلفه ستشير إلى أنّ المقدسي قد تتئع الفرق الكلامية من 
معتزلة وأشاعرة وصوفية وغيرهاء وهو تتبِعٌ يفرض عليه التمكن من آلّات الكلام ومنهجه. 


فكان البيان السابق تعليلا لهذه المقدّمات الفلسفية التى أثبتها المؤلف في مستهل مصنفه حين استيقن أَنّهِ لا مفرّ للمحقّق حين 
يعترضه "التخايل والأوهام الفاسدة والخطرات الردثة [كذا] ما يلتبس معها الحق ويتغلب عندها الظنٌ والشك"!" إلا أن يلوذ بالئحا ' 
ويعتصم بقوانين العقل» وأصول المناظرة لأنها باختصار "أعوان الأسباب على درك الحقٌّ والتمييز بينه وبين ما يضادّه":". 


وهكذا بادر إلى التعريف بذرو من المفاهيم التي سيوظفها في قابل كتابهء لذلك بسط القول في المصطلحات التي ستكون أدوات 
اشتغاله في فصول الكتاب وأبوابه» ليتعامل بها على ما وجده متاحًا بين يديه من مادة تاريخية متنوعة» خاضّةٌ تلك المتعلقة ب "البدء" 
تمييرًاً له من التاريخ؛ فالمصئّف سيُعمل في "البدء" مبادئ النظر العقلى والمناظرة» في الوقت الذي سيظل فيه التاريخ محط عناية الإسناد 
الذي مد به الروايات أو تُقبل!8. ْ 


3. تحقيق الأخبار والعناية بالبعد القيمي أساسا للنظر التاريخي 


لقد أسقط مسكويه جزءًا كبيرًا من تاريخ المبتدأ الذى ألف المؤرخون تصدير مصنفاتهم بهء فأعرض كليًا عمًا كان قبل الطوفان 
من الأخبار» وقرّر هذا الآمر بنفسهء حين قال في مقدّمة كتابه: "وأنا مبتدئ بذكر الله ومنّته» بما نقل إلينا من الأخبار بعد الطوفان "©0, 
انسجامًا مع منهجه في تحرّى الصدق في الأخبار» وبناء سياقات تاريخية تتمتّع بقدر وافر من الضبط. إِنّْه منهج لا يستقيم و"قلة الثقة 


9 المرجع نفسه. 

0 المرجع نفسه. 

1 المرجع نفسه.» ص 54. 

2 المرجع نفسه. 

3 المرجع نفسه.ء ص 18. 

4 المرجع نفسه. 

5 لقد سيق هذا التقسيم بناءَ على تحليل ما ضمنه المصنف نفسه في مقدمته» أمَا التحقق من مدى انضباطه لهذا الأمر في ثنايا كتابه» فإنّ ذلك بعيدٌ عن اهتمام هذا البحث 
الذي يقتصر على للقمات فقط ولدى من الباحثين من سيتصدّى في قابل الأيام لمقارنة ما هو موجود في المقزّمة بحقيقة عمل المؤلف في فصول الكتاب ومادته. 

6 مسكويهء تجارب الأمم. ج1: ص 50. 


45 





20 


العدد 12 


م 
بطل تموز / يوليو 2020 
1م 
لم 


0910101 


ددا 


بما كان منها قبله"7© من الأخبار التي لا يُجدي معها نظرٌ في المتون ولا تحقيق الأسانيدء إلى جانب عدم انسجام ما كان قبل الطوفان 
مع مقصوده من التاريخ "لأنّ ما نقل [إلينا]*6 أيضًا لا يفيد شيئًا مما عزمنا على ذكره وضمَنَاهِ في صدر الكتاب"69, حيث إِنّ المؤلف: 


لا يعنى إِلّا بما هو داخل في مسمّى "الخبر التجربة" كما سبق ذكر ذلك أثناء الكلام على فوائد التاريخ. 


ما ابن الجوزيء وإن أورد ما أسقطه مسكويه؛ فإنّهِ ضمّن مقدمته تعليلا لهذا الإيراد. على نحو ينسجم مع منهجه في التصنيف: 
فحديثه عن بدء الخلق» وذكر آدم عليه السلام ومن جاء خلفه من ذريته إلى مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إِنّْما يندرج ضمن 
"عظائم الحوادث"2*0, التي حملته إلى جانب ذكر أخبار العظماء من الملوك والعلماء والحكماءء, على الالتفات إلى أولئك "العوام" من 
الناسء» الذين يعرض عنهم المؤرخ في العادة» ليتتبع أخبارهم وينقل أفعالهم» وإن كان قد خصّ بالذكر منهم "من له خبرٌ يصلح إيراده 
من العوام» وما يحسن ذكره من الأمور والحوادث في كل زمن "7" وكأن ما يعني ابن الجوزي أحداث التاريخ ذاتهاء وليس صانعيهاء 
والعبرة عنده بنفاسة الخبر وأهميته؛ وهذه مزية تحسب لهذا المؤرخ. 


استعمل ابن الجوزى الأنباء؛ إذ قال: "ورأيت المؤرخين يختلف مقادهم في هذه الأنباء"02, لذلك فعنايتهم تنصرف إلى تلك 
'الأنباء" بوصفها مادة المؤرخ» اعتمادًا على أنّ النبأ "خبرٌ ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظنّ "7" بينما الأخبار تطلق ويراد 
بها ما تحب النفوس سماعها*". فالتاريخ بهذا البيان» خلص لنفسه مجال اختصاصه؛ ونأى عن مجال نشأ في حضنه؛ وظل أسيرًا له 
مرحلةٌ غير قصيرة» فقد نشأ التاريخ باعتباره "علم الرجال" الذي يستعان به في تخليص الحديث من الكذب والتدليس. فإذا كان القصد 
إلى البحث في الرجال جرحًا وتعديلاء فإن تخصص التاريخ تحوّل في اتجاه الاهتمام ب "الخبر النبا" على نحو يبحث في طبيعته وحيثياته 
وتفاصيله وظروف نشأتهء والعوامل التي أدت إلى قيام الأحداث: فضلا عن تفسيرهاء لبناء قوانين من أجل التعامل مع أشباهها في قابل 
الأيام. لهذاء فكم من أخبار عن الملوك 00 التاريخ؛ إذ لا فائدة من أخبار تناقلتها كتب التاريخ عن نزهة أمير, 
أو رحلته للصيدء أو بنائه لجسرء رغم أَنّها أخبار لعظماء» وفي المقابل ثمّة أحداث من صُنع "العامة" ترقى إلى مصاف "الأنباء" حينما يتعلق 
الأمر بثورة الجياع» وانتفاضة المقهورين» وحراك المهمشينء لأنها تؤثر في مسار الشعوب» وتحوّل مجرى التاريخ. 


إلى جانب العناية ب "الخبر النبأ"» عزّْز ابن الجوزي منهجه ببيان نمط عرض الأحداث, ابتداءً من هجرة النبى 209 - صلى الله عليه 
وسلم - وهو عرض يقوم على الترتيب وفق السنين "ذكرنا ما كان في [كل]9*" سنة من الحوادث "7*". غير أن ابن الجوزيء وإن نحا 
في اتجاه جمع الأخبار وعرضها وفق ترتيب زمني دقيق» فإنه أخضع مادته التاريخية لمعايير دفعته إلى قبول أخبارء وردٌ أخرى. فضمّ 
إلى مؤلّفه "الحوادث المستحسنة والمهمّة وما لا بأس بذكره"59© فقطء ونأى عن الإسهاب في ذكر ما يرى فيه تطويلا غير مُجِدٍ. وهذا 


7 المرجع نفسه. 

8 زيادة من المحقق» ليستقيم المعنى. 

599 مسكويهء تجارب الأمم» ج1. ص 50. 

0 ابن الجوزيء ج 1 ص 116. 

1 المرجع نفسه. 

2 المرجع نفسهء» ص 115. 

3 أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني, المفردات فى غريب القرآن» تحقيق صفوان الداودي (بيروت: دار القلم» 1412ه)ء ص 788. 
4 المرجع نفسه. 1 

5 يشير ابن الجوزي إلى أن الهجرة تعتبر بداية التأريخ عند المسلمين فقال "وهي التي عليها التاريخ إلى اليوم", ينظر: ابن الجوزي» ج 1» ص 116. 
6 أضاف المحقق كلمة "كل" ليستقيم المعنى. 

7 ابن الجوزي» ج1» ص 116. 

8 المرجع نفسه. 


46 





أساليب التصنيف التاريخي من خلال مقدمات كتب التاريخ 


أمرٌ أكده حين قال: "نضرب عن ما لا طائل في الإطالة به تحته مما يضيع الزمان بكتابته"(59©, فأسقط المؤلف كل خبر مطوّل ورد لغير 
مقصدٍ يرتجى أو نفع يبتغى» كما أبعد ما كان مختلقًا ملفَقًا؛ لذلك يالاحظ اهتمام ابن الجوزي بتحقيق متون تلك الأخبارء وإعمال العقل 
لتحييد "المستهجن ذكرها عند ذوي العقول "©" مما ورد في مضامينها مع إخضاعها للمنطق السديدء فتأسّس منهجه على نقد الخبر في 
ذاتهء لتخليصه من الزيادات والمبالغات. حتى صار التمييز بين المقبول وبين المردود من الأخبار إِنّما يتم بناء على معيارين اثنين: أحدهما 
صدق الخبر وفائدته؛ وهذا ما طبقه المؤّخ حين وقف على وقائع في مبتداً وهب بن منبه0": فعمد بداية إلى إبطال ما أدرجه "غيره من 
الأخبار التى تَجرى مجرى الخرافات "2" ثم نظرء ثانيّاء في باقى الأخبارء وحين رأى فيها من الإطالة والحشو الزائد أعرض عن "ذكر 
حوادث لا معنى لما ولا فائدة "/13. 

إذا كان ابن الجوزى قد جعل نقد المتون من أولوياته» فإنه في المقابل أضاف لمسةً دقيقة إلى منهجه ذلكء حين أدخل "المعيار 
القيمي" ضمن محدّدات النظر في نصوص التاريخ؛ إذ يعمله معيارًا "حاكمًا" على سابقيه ليسقط به الأخبار المتعلقة بمن عُرف عنه معاقرة 
الخمور وارتكاب الفواحش من الملوك والسلاطينء لأنّ نقلهاء مع افتراض بطلانهاء يُدخْل ناقلها "في مرتبة القذف", ومع افتراض 
صحتها عدّ "ذلك من إشاعة الفواحش". وهذا كلّه في نظر ابن الجوزي تطبيعٌ مع الفاحشة. وتجريء للناس على إتيانهاء واستهانةٌ 
بخطورتها بحيث "يهون على أبناء الجنس ما هم فيه من الزلل "© فيتخذون مثل هذه الأخبار تعلة للاستمرار في غيّهم» ودعواهم في 
ذلك أنّ التاريخ يخلد كل عظيم بصرف النظر عن عربدته ومجونه وتفحشه» وهذا زعم ينقض مقصد الاعتبار الذي من أجله تصنّف 
كتنب القاريخ حين "تأذب المسلظء ويخبر المتذكر. ويتضمن ذلك:شحذ حوارم العقول «39, كما قن:يفصم هذا التطبيع غرى |01" 
القائم بين فاعلية الإنسان الحضارية وبين أساسها الأخلاقي والقيمي» ويدفع بالأمة نحو الإخلاد إلى الأرضء ويخمد فيها كل جذوة 
تنزع نحو الترقي. 

ورغم ثقافة ة ابن الحوني الوسوعية ارم الني بج جعلته ا علماء لالس تأليفاء فإنّه قد لاسا ا منتظمه: مع الأحداث 
بالحشو الزائد والاستدراكات لمطؤلة» ولم يجد عن منهج المؤخ المحقّق المدقّق: ل اك بقاعدة أضلها بنفسه تقو - 7 !| 
أنه "ليس كل خبر تاريخ", لذلك جاء منتظمه منتظمًا ب "الأخبار اللائقة بالتواريخ "© فقط. 


4. المفاصلة بين القشر واللب عند ابن الأثير 

يبدو أن منهج التصنيف التاريخي سيتخذ مسارًا آخر مع ابن الأثير (زت. 630ه)ء الذي عمد بداية إلى عملية مسح واعية لما بين 
يديه من التآليف التاريخية» فأخضعها للنظر والمراجعة. وهي عملية لاغنى عنها لأيّ مؤلّفء بوصفها مرحلة تقييم لجهود السابقين, 
حتى يُحدّد منطلقًا لما يقصد إلى جمعه وتصنيفهء من غير أن يعيد إنتاج ما ألّفه غيره. هذا المسح مكن ابن الأثير من تحرير خصائص 


9 المرجع نفسه. 

0 المرجع نفسه. 

111 يكنى بأي عبد الله الصنعاني» كان صدوقًا عانًا. قرأ كتب الأولينء وعرف قصص الأنبياء عليهم السلام: وكان يشبّه بكعب الأحبار في زمانه. توفي سنة 114ه» ينظر: 
شمس الدين الذهبي, تاريخ الأسلام,.حلقة وضيظ نصه وطلق علية يقار غواة معروف» ج :3 اييروت: دار الغرب الإسلامي» 2003)» ص 334. 

2 ابن الجوزيء ج 1 ص 116. 

3 المرجع نفسه. 

4 المرجع نفسهء ص 117. 

5 المرجع نفسه. 

6 المرجع نفسهء. ص 118. 


47 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


التأليف التاريخي في عصره فعلى الرغم من تباين هذا التأليف من حيث طبيعة مادته التاريخية» فإنّ جمع الأحداث وحشدها كان سمة 
بارزة في نظره ؛ ؛ حتى "يكاد جوهر المعرفة بها يستحيل إلى العرض "!7" بين مسبهب مطنب» حشد كل غثَّ وسمين ' وبين مخل مختصر» 
أعرض عن كثير من الوقائع والأحداث, وبين هدين المزمجين ضاعت حقيقة ؛ التاريخ بعد ات "ترك كلهم العظيم من الحادثات واللشييور 
من الكائنات» وسوّد كثيرٌ منهم الأوراق بصغائر الأمور التي الإعراض عنها أولى "87" ممّا قرّره ابن الجوزي سابقاء إلى جانب المحليّة التي 
طبعت عمل المؤرّخين؛ بحيث لا تكاد تقف على مؤلف إلا وجدته يهتم بتاريخ منطقته, لا يجاوزها إلى غيرها. هذا التشخيص حفز ابن 
الأثير على تصنيف تاريخ يراعى فيه أمرين اثنين: التكامل التاريخى بين الأحداث:» وسد الثغرات. 


أ. التكامل التاريخي بين الأحداث 


لقد عاش ابن الأثير لحظة فارقةً من مراحل التاريخ الإسلامي» مرحلة ما قبل سقوط بغداد في يد المغول بعقودٍ قليلة» بحيث شهدت 
أرض الخلافة الإسلامية تشظيًا واضححا. فبعد أن انفصل الجناح الغربي من العالم الإسلامي واستقلٌ بالأمر قبل قرون خلّت؛ دخل 
الجناح الشرقي في مواجهة الغزو الصليبي لمصر وبلاد الشامء وزحف التتار على مقر الخلافة ببغدادء فانفصمت عرى التواصل بين أقطار 
لكان الإسلامى الواحدء وضار كل قظر ينشد الخلاض لنفسه» وهذا ما اتعكس عل التأليف التاريخى. فمنذ الثلث الأخير من القرن 
الرابع الهجري حيث تنتتهي أحداث تجارب الأمم لمسكويه. إلى حدود الثلث الأول من القرن السابع الهجريء زمن تأليف ابن الأثير 
لكاملهء سيلاحظ أنّ التصانيف في علم التاريخ اتخذت مسار "التاريخ القُطري" حيث انصرف المؤرّخون» نتيجة التشطَّي السابقء إلى 
العناية بالتاريخ المحلي. ولعل إطلالة على المكتبة التاريخية ستزي هذا الزعم!9". 


هكذا وجد ابن الأثير أنّ الشرقي لا يهتم بأخبار أهل الغربء كما أنّ الغربي لا يُلقي بالا إلى أحوال الشرق» لذلك عزم على جمع 
المتفرّق في عشرات المجلدات ب "تأليف تاريخ جامع "2 يسعى إلى إعادة صياغة الأحداث التاريخية "متتابعة يتلو بعضها بعضًا إلى وقتنا 
هذا "0 بحيث تشكل في مجموعها سياقًا منسجمّاء ف "جاء جميع ما في تلك الحادثة على اختلاف طرقها سياقًا واحدًا"2*" يجلى 


سيرورة التاريخ المتجدّد الذي يعكس أثر تفاعل الإنسان مع مجمل محيطه. 
ب. سد الثغرات 


لقد نظر ابن الأثير إلى سابقيه من المؤرّخين» فرأى منهم من يكرّر الأحداث ويعيد إيرادهاء لذلك عمد إليها فاختار أتمّهاء إذ يقول : 
"فقصدت أتمّ الروايات فنقلتها وأضفت إليها من غيرها ما ليس فيها"29©, وذلك بعد أن وجد تجزيئًا للحادثة التاريخية نتيجة المزمج 
المتداول القائم على الترتيب بحسب السنين» فكان المصنّف يقسم الوقائع في الحادثة الواحدة بحسب سنوات وقوعهاء فتراه ينتقل من 


7 ابن الأثير» ج 1» ص 6. 

8 المرجع نفسه. 

119 إذا استثنينا المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لأي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (ت. 7ووه)ء فإنّ المصثفات التاريخية اقتصرت في معظمها على بلدان 
اللناطق بعينهاء ومن أمغلة ذلك بالمشرق الإسلامي : المناقب المزيدية في أخبار الملوك الأسدية لأبي البقاء الحلي (ت. .ق. 6ه) وقد أرَخْ فيه لملوك بلاد فارس. ؛ وتاريخ بيت 
الملقدسء لأ الفرج ابن الجوزي (ت. 7و5ه) ؛ وكتاب التدوين في أخبار قزوين: لأي القاسم القزويني (ت. 623ه) ؛ أمَا في بلاد المغرب فنجد المقتبس من أنباء الأندالس 
لابن حيان القرطبي (أبو مروان حيان بن خلف بن حسين بن حيآن الأموى بالولاء) (ت. وك4ه) ؛ والصلة في تاريخ أئمّة الأندلس وعلمائهم ومحدثيهم وفقهائهم 
وأدبائهم لأي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال (ت. 78وه). 

0 ابن الأثيرء ج 1. ص 6. 

31 المرجع نفسه. 

2 المرجع نفسه. ص 7. 

3 المرجع نفسه. 


08 





أساليب التصنيف التاريخي من خلال مقدمات كتب التاريخ 


جزئية إلى غيرها ليتناغم مع منهج المصنّف المعتمد على السنين» فضاع بذلك الغرض من عرضها. لهذاء توججّه ابن الأثير إلى جمع ما تفرّق 
من تلك الأحداث في سياق واحد: "فجمعت أنا الحادثة في موضع واحد وذكرت كل شىء منها"24". فأخرج ابن الأثير الكامل بمعنيين؛ 
فهو "كامل" من حيث جمعه لشتات ما تفرّق في غيره» و" كامل " بتمام توثيق المجموع فيهء مشفوعًا بما تصوره المؤرّخ من صحة المنقول 
وصدق الناقل "ممن يعلم بصدقهم فيما نقلوه وصحة ما دؤّنوه "(025), وإلا صار كغيره ممن نقدهمء حين بين مواضع سقطيم بان 
أصبحوا "كالخابط في ظلماء الليالى"» فزايلهم بقدرته على المفاصلة بين حقيق الأحداث وبين بهرجهاء قدرة الخبير على تمييز اللآلئ من 
الحصباء©*". وهو المعنى نفسه الذى أكده صاحب ذيل مرآة الزمان وهو يقيّم مجمل تصانيف التاريخ» بعد قرن كامل من زمن ابن 
الأثير قائلا: "وساروا بأفكارهم فجلبوا من أخبار الأمم حطبًا وذهبًا"027. 


ثالتا: التحليل التاريخي بين خصائص العمران ومراعاة المعيار الحضاري 


إذا كان التنوع قد مس مناهج عرض المادة التاريخية وتنسيقهاء ومعايير تعليل إيراد أحداث تاريخية بعينهاء والإعراض عن أخرى: 
فإنّ المقدمات التاريخية تضمّنت كذلك تفاصيل تعامل المؤْرّخ مع تلك الأحداث من حيث استدعاء أسبابهاء والبحث عن مالاتهاء والنظر 
في مقاصدهاء تفسيرًا وتعليلا وبيانًا. 

1. المعيار الحضاري أساسًا للتحقيب التاريخي عند ابن العبري 


لقد شهد القرن السابع الهجري تأليفًا تفرّد به صاحبه على مستويات عدّة» فابن العبرى 28" صاحب تاريخ مختصر الدول اعتمدء 
وهو يجمع شتات كتابهء على مصادر لم يذكرها غيره من المؤرّخينء حيث أسعفته ثقافته الواسعة وتمكنه من لغاتٍ أخرىء في إثراء 
موارد تصنيفه» فتتبّع الأخبار السابقة, والأحداث المتفرّقة المبئوثة في المصادر غير العربية "على سبيل الالتقاط من الكتب الموضوعة في 
هذا الفن بلغات مختلفة سريانية وعربية وغيرها"97*". فكان لتنوّع الموارد أثرٌ بالغ في إبداع المنهج الذي اعتمده المؤلف في عرض مادته 
التاريخية» وهو عرض يعكس نظرةً ثاقبة لمفهوم التطوّر التاريخي» يتجاوز به تعاقب الملوك والدول» ليجعل من التاريخ علمًا يتتتع 
"التداول الحضارى" الذي يُعنى برصد انتقال "مركزيّة التحضّر" من أُمَةِ إلى أخرى: "داولها الله تعالى بين الأمم فتداولتها تداولا بعد 
تداول"0300؛ لذلك عمد المؤلّف إلى تبويب مؤلفهء بعناوين تترجم هذا التحوّل الحضارى الذي شهده العالم كلهء من قبيل "الدولة المنتقلة 
من [..." في تنبيه» لا يخفي» إلى ضرورة عناية دارس التاريخ» بما يطرأ على الأمم والشعوب من تحؤلات تمس دورتها الحضارية» قصد 
تنح غلل هذا التحوّل وعواملة؛ ورصد نتافحه. 


4 المرجع نفسه. 

5 للمرجع نفسه. 

6 المرجع نفسه. 

7 قطب الدين أبو الفتح موسى بن محمد اليونيني» ذيل مرآة الزمان» عناية مراجعة وزارة التحقيقات الحكمية والأمور الثقافية الهندية» ج 1 (القاهرة: دار الكتاب 
الإسلامي: 1992)» ضن 2 

8 هوغريغوريوس» أبو الفرج بن أهرونء المعروف بابن العبري» قصد دمشق فحظي عند الملك الناصر ورفع مكانته. عاصر دخول المغول تحت قيادة هولاكو إلى بغداد 
وقتل الخليفة العباسي. كان ابن العبري رجل كد وعملء لم ينقطع طول حياته كلبها عن المطالعة والتأليف. ألف ما يزيد على ثلاثين كتابًا بالعربية والسريانية» توفي سنة 685هء 
ينظر: غريغوريوس أبو الفرج بن هارون الملطي بن العبري» تاريخ مختصر الدول» تحقيق أنطون صالحاني اليسوعي (بيروت: دار الشرق» 1992)» ص 3. 

9 المرجع نفسهء» ص 1. 

0 المرجع نفسه. 


49 


20 


العدد 12 


م 
بطل تموز / يوليو 2020 
1م 
لم 


0910101 


يم 


إِنَّ ما أصاب مسقط رأس ابن العبري؛ من دخول الجيوش الإسلامية الفاتحة» وتعاقب الخراب عليها بسبب غارات الفرنج والروم 
ثم التتار المغول الذين عاثوا في الأرض فسادًا وساموا الناس الخسف والهوان» حتى استحال موطن ابن العبرى إلى دمارء حمل الرجل 
على أن يلوذ بأنطاكية فارًا بنفسه وبعائلتهء حيث اختار الانقطاع عن الناس وملازمة الزهد والتنسكء فآثر أن ينفرد بنفسه في مغارة منعزلة 
بالبرية» يتأمّل هذا الانقلاب المتسارع للأحداث: ويستجمع تتابع الوقائع التى تعكس تعاقب حضارات متباينة الخصائص والمقاصدء في 
1 قياسي» فهذه بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية» ورمز الحضارة تتداعى أمام ناظريه» على يد المغول. 


إنه تحوّل حضاريٌ عميق أسهمت فيه قبائل منغوليا "البداوة" المتحالفة مع الترك "حضارة القوة" بحسب تصنيف ابن العبرى؛ 
تحالف مؤسّس على مبدأ "التدافع الحضاري" القائم على سعى هذا التحالف نحو تحييد كل حضارة منافسة» وهى النتيجة التى وقف 
عندها ابن العبري بعد أن استقصى تعاقب "الدول". لذلك صنّف الشعوب إلى حضارات تلتئم ضمن خصائص مشتركة جامعة تميّز كل 
حضارة من أخرى. وفي مقابل ذلك» يعرض عن عوامل العرق والجنس والجغرافيا بوصفها معايير لتصنيف الحضارات؛ بسبب ما شهده 
بنفسه من صدع واضح في صرح حضارة المسلمين التي أسهمت الأجناس والأعراق المختلفة في تشييدها. 

لقد عرّز ابن العبرى منهج تتبّعه للتحؤلات الحضاريةء باستهلالات نفيسة فصل بها بين عناوين الأبواب» وبين تفصيل الكلام 
عن تلك الحضارات المتعاقبة» وهى استهلالات تعكس بعد نظر المؤرخ» ودقة تحليله لطبيعة التداول الحضاريء بعد أن استعاض عنها 
ب "الدافع الحضاري المشترك " حتى لو تعلق الأمر بجمع أجناس بشرية متباينة تحت مسمّى واحدء بالنظر إلى العامل الفكري والثقافي 
والعقدى الجامع لشتات هذا المتفرّق. لذلكء فإنّ ابن العبري وإن أقرٌ منذ البداية بتعدّد أصول الأمم السابقة» حين أرجعها إلى سبعة(0, 
فإنّ إعمال معيار "الفكرة الحضارية" دفعه إلى ضمّ تلك الأصول السبعة في طبقتين اثنتين» بحسب ما صرّح به» حتى صارت بلاد المعمور 
تحت تأثير حضارتين؛ "حضارة العلم" و"حضارة اللاعلم". 


تجاوز التحليل التاريخى عند ابن العبري» حدود "التاريخ السّلالى" وتعاقب "الأسر" والملوك» وغاص بعيدًا في عمق التحولات 
الحضارية الكبرى. ورغم أن المقدمة الجامعة ل تاريخ مختصر الدول لا تجلي هذه التحؤلات, فإنّ بيانها يتطلب مراجعة عناوين فصول 
الكتاب؛ إذ يلجا ابن العبرى إلى ذكر ما يطرأ على "الدول" كما سمّاها صاحب المختصرء ليقسّم التاريخ البشرى العالمى منذ آدم إلى العقد 
الأخير من القرن السادس (اجتياح المغول) إلى عشر دول» بحيث يضم تارةً مجموعة من الأمم ضمن دولة واحدة» أو يقسّم تارة أخرى 
الأمّة الواحدة إلى مراحل مستقلة في شكل دول؛ فهو حينما جمع أممًا شتّى من قبيل الفرس والكلدانيين واليونانيين والقبط والترك 
والهند والصين ضمن دولة واحدة» علّل هذا الجمع بأنهم "كانوا جميعًا صابئة يعبدون الأصنام تمثيلًا للجواهر العلوية والأشخاص 
الفلكية"032, لأنّه جمعٌ أساسه الفكرة المشتركة الجامعة لشتات هذه الشعوب. 

فبناءً على العوامل الثلاثة لقيام الحضارات.» المتمثّلة في عامل البيئة وعامل الفكرة وعامل الدافع 032 يبدو أنّ مفهوم الدولة عند ابن 
العبرى يتجاوز "الأمّة" الواحدة» ليشمل أممًا كثيرة» تجمع بينها "وحدة الفكرة" التى سبقت الإشارة إليهاء وبناءً عليها أسس "تحقيبه". 
لذلك يكون التحوّل من دولة إلى أخرى نتيجة تحوّل من فكرة إلى أخرى. وجعل ابتداء "الدولة الثانية" بالعبرانيين من "عصر القضاة" 
ال اختلافهم عن سائر الأمم الأخرى بأتهم زايلوا "تعلم الحكمة" واقتصروا مقايل ذلك "على علوم الشرائع وسير الأنبياء". فإذا كانت 
بعض الأمم عند ابن العبرى قد التأمت على فكرة الدين "الوثنية": فإنَ أخرى اجتمعت على فكرة "الحكمة". المقصود بها الفلسفة» كما 
عند أمة اليونان» وطائفة من الأمم الأخرى اعتصمت بفكرة "التوحيد" كما عند العبرانيين في بداية نشأتهم الأولى. 
1 عدّد ابن العبري هذه الأمم كما يلي: الفرس والكلدانيون واليونانيون والقبط والترك والهند والصين» ينظر: المرجع نفسه. ص 3. 


2 المرجع نفسه. 
133 مان تفاضيل هذه العوامل» ينظر: عبد المجيد النجارء فقه التحضر ات دار الغرب الإسلامى» 006) ص 34-25. 


50 





أساليب التصنيف التاريخي من خلال مقدمات كتب التاريخ 


ع م 
بيلطول دراسات 


لهذاء وبناء على الفكرة الجامعة التي تشكل أحد عوامل التحضّر كما تمّ بيانهاء عمد ابن العبري إلى رسم خريطة العالم القديم» 
بناءَ على تحديد الفكرة التي تحرك الجماعات البشرية بعيدًا عن التصنيف الكلاسييء وقد استعان في تحليله بعاملين؛ عامل البيئة 
وعامل "الدافع الحضاري" المتمثّل في الاهتمام بالعلم ورعايته» وعلى أساسهما صنّف الأمم والأجناس "على كثرة فرقهم وتخالف 
مذاهبهم "137, حتى أمكن له الوقوف على معالم العالم القديم بمنظور حضاريٌ» يركز على الخصائص التي تجمع بين أكثر من أمة» أو 
أكثر من تجمّع بشريٌ يجمع بين أفراده عامل العرق والنسبء وإلالماذا يجمع الفرس واليونان والترك والصين في مرحلة تاريخية معينة؟ 
ثم يخرج من هذا الجمع كل أمَةَ استقآت بفكرة حضاريّة تميّزها؛ كفكرة الدين» أو فكرة العلم» أو فكرة الصنعة» وهو ما سيأتي مفضاًا 
في تحقيب ابن العبري. 

هذا الخروج إِنّما يتوقف على أحداث عظيمة» لذلك لا يقيم ابن العبري وزنًا إلا لتلك الأحداث التي تعكس "فاعلية الإنسان" في 
ارتفاقه بالكون من حولهء وسعيه لتحقيق الترقي الحضاريء الذي يمكن تلمّس معلمه عبر الانتقال من فكرة "البداوة" عند الشعوب 
المفارقة للحضارة المعتمدة على حياة التنقل والرعي عند الرعاة الرَحَلء الذين لم يعرفوا الاستقرار الذي يؤسّس لقيام التحضّرء ويدفع 
إلى التنظيم الاجتماعي وتقسيم العمل» وسنّ القوانين والأنظمة» إلى فكرة "القوّة" التي تعتبر الشعوب الحاملة لهذه الفكرة أرقى من 
سابقتهاء لأنّْها عرفت الاستقرار وسنّت القوانين» ومكنت لبقائها عبر القوّةء بعد أن درّبت أفرادها على الحرب والمنازلة» وتقوية الأبدان. 
غير أنّها أقلٌ ترقيًا من حضارة فكرة "الصنعة" التي اعتنت بتأهيل أفرادها للعمل الجرفيء فتحتّنت الأوضاع الاجتماعية» وأتيح لها أن 
تمدّ نفوذها بفضل سلطان التجارة على عديد الشعوب المجاورة كما كان الأمر في حضارة الصين القديمة. 


إلا أنّ حضارة فكرة "العلم" تظل أرقى الحضارات السابقة؛ لأنّها تأسست على "الاعتناء الصحيح بفئنون الحكمة من العلوم 
الرياضية والمنطقية والمعارف الطبيعية "359 ولأنّ حضارةً استوعبت سابقتيهاء وصارت قادرةً على توفير الصناعة وتأهيل الأفراد للمعارك 
والحروبء كما أنّ أثرها باق» يمتدٌ على مدار القرون والعصور. ففلسفة اليونان ومنطقهم وحكمتهم وسائر علومهم ما تزال تؤثّر في عالم 
الحضارات اللاحقة لهاء ومنها الحضارة الإسلامية. 

وممّا يعزّز هذا التحقيب الحضاري أن ابن العبري جعل "المجهود الإنساني" معيار التصنيف؛ وعامل مفاضلة بين تلك الشعوب؛ 
فالأمم التي عُنيت بالبعد العقلي حكمة وعلمّاء إلى جانب البعد المادي عمرانًا جعلها في صدارة الأمم والشعوب كما سيرد قريباء تتبعها 
تلك الأمم التي حذقت الصنعة والعمل الحرفي دون غيرهء بينما جعل أقلّها تحضّرًا من انصرف من الأمم إلى التغلب وبناء الأجسادء 
وكلها في دائرة التحضّر. وهذا هو عين الترقي الحضاري الذي يأخذ في الاعتبار قدرة الإنسان على التفاعل مع البيئة من حوله استثمارًا 
وارتفاقاء حتى ليبلغ من درجات التقدّم الحضاري بقدر حسن انتفاعه من المقدّرات المتاحة بين يديه. في حين تظل تلك الشعوب التي لم 
تتمكن من التفاعل مع بيئتها خارج نطاق التحضّرء لأنّ مبلغ تعاملها مع البيئة من حولها هو القطف والصيد والالتقاط» فإذا استزفت 
ما بين أيديها من مصادر الطعام والماء انتقلت إلى بيئة أوفر وأنعم» فصارت هذه الشعوب تابعة لبيئتهاء بدلا من أن تكون البيئة في خدمة 
حاجاتها ومتطلباتها. 


وتأكيدًا لمبدأً التراكم» أمكن من خلال البحث الدقيق في مصنّفات التاريخ» قبل ابن العبري» الوقوف على إرهاصات تصنيف 
الشعوب والأمم بالمعيار الحضاري ذاته الذي وظفه ابن العبرى» وإن لم يبلغ مستوى ما سطره في كتابه تاريخ مختصر الدول. إرهاصات 


4 المرجع نفسه. 


51 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


تبرّت واضحةً عند المقدسي» وإن لم يضمّنها مقدّمة تصنيفه9", فإنّه استشعر وعيًّا حضاريًا رغم أن "رؤيته للحضارة يجدها من صنع 
الملوك والأنبياء"07؛ إذ مايز المقدسي بين الشعوب بحسب كسبها العلمي والحرفيء: فجعل العرب وفارس والروم والهند في قمّة السلم 
الحضاريء "وما سواهم رعاعٌ وهمجٌ سافلو الرتبة عن رتب من قدّمنا"39" لأنّهم لم يقووا على الانعتاق من أسر الطبيعة وقوانينهاء 
بل لعل التعبير بلفظ "الهمج" ما يدل على اختلاط واضطراب!7:9, وانعدام النظام الذي يعد من مظاهر التحضّر؛ إذ على الرغم من أن 
المقدسي لم يذكر لفظ الحضارة» فإنه ذكر لوازمهاء فوصف بلاد الشعوب المتحضرة» ممّا ذكر سابقاء بأَنّها "موضع عمران الأرض "040, 
بينما نعت الأخرى التي تقع خارج نطاق هذا الموضع بوصفين يعدّان وجههين لازمين لكل تحضر قائلا: "إنّْهم أناس لا يفهمون قولا 
ولا يعلمون شينًا من الصناعات والعلامات"7*", فعدم الفهم يُنبئ عن قصور واضح في الجانب اللامادي للحضارة؛ علمًا وفكرًا ممّا 
يدخل في المنتج الفكرى والثقافي. ويحيل جهلهم بالصناعات والعلامات على ضمور تفاعل الناس مع بيئتهم ارتفاقًا واستثمارًا مما له 
تعلق بالجانب المادي لكل تحضّر. 

وهكذا أمكنء أوّل مرّةء من خلال الخصائص الحضارية للشعوبء ابتكار "تحقيب تاريخيّ " يصنّف الأمم بحسب "نضجها" 
الحضاري كما يل (042: 


أ. حضارة الفكرة 


تضم شعويًا ثن: تنتمي إلى نطاق مناخيٌّ ينتسم بالاعتدال بين انغلاق ببتي تام » بعيق الفعل الإبداعي والمبادرة إى العمل» » وبين تكشف 
كامل يغيّب دواعي العحدى م ويدقع تجو الاعة والحموق» قبيقا تلات لسعو ماب ؤأها وراد كلعية .وقد متاك هذه الحضا رةه أ 


مختلفةٌ كالفرس والكلدانيين واليونانيين» ممّن شكلوا "طبقةٌ عُنيت بالعلوم'042". 


ب. حضارة الصنعة 


تضم هذه الحضارةٌ الشعوب ذات الأعداد الغفيرة» مثل الصين التى برعت في "إتقان الصنائع العملية وإحكام المهن التصويرية "044, 
ورغم أن حظها من المعرفة اقتصر على حرص ظاهر على المهارات الحرفية» فإنّ آثر ذلك الحرص بدا واضحًا في سائر أحوالهاء وأنماط 
93 ا حتى صارت من أرغد الأمم عيشًا "وأفخمهم مملكةٌ وأوسعهم دياة! *(مة. 


6 إن ما أثار فضول الباحث لتتع متن كتاب البدء والتاريخ للمقدسي هو غياب البسملة والحمدلة في بداية الكتاب سيرًا على عادة المسلمين في تآليفهم» ليقف الباحث 
في ثنايا هذا الكتاب على مقدّمات قصيرة أخرىء في مستهل بعض الأجزاء» ولم يدرج التحميد والصلاة على النبي إلا في مقدّمة المجلّد الثالث؛ لذلك واصلت البحث عن فوائد 


أخرى سأذكرها في المتن. 

7 محلء. ص 122. 

8 المقدسيء ج1. ص /57. 

9 أبو الحسين أحمد بن فارسء» معجم مقاييس اللغة. تحقيق عبد السلام هارون» ج 6 (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع» 1979)» ص 64. 

140 المقدسي» ج 4» ص 53. 

141 لخ نفسة فل د 

2 إن هذا التقسيم لم يورده ابن العبري بهذا التصنيفء بل هو تقسيم استنتجه الباحث عقب استقراء ما عبّر عنه ابن العبري من خصائص انفردت بها مج ذكرها في 
مقدّمة تاريخه. 

3 ابن العبري» ج 1» ص 3. لقد فصّل ابن العبري في بيان أصناف هذه العلوم وطبيعتهاء وذكر منها الإلهيات والرياضيات والحكمة وعلم الفلك. غير أنّ طبيعة هذا 
البحث الذي اقم وبا مقذ عات فق جعي :ا برا دنتالف لفقا معان درا د التو ليان ابن العبري لم يورد تلك العلوم في مقدمته. 

4 اللمرجع نفسه. 

5 للمرجع نفسه. 


52 





2 
اساليب التصنيف التاريخي من خلال مقدمات كتب التاريخ للم دران ان 
جه ل 


ج. حضارة القوة 

تقع هذه الحضارةٌ» مفل سابقتهاء خارج طبقة من اهتقو بالعلم» بحسب ابن الغبرىء وحى أقة من ذوات العددالهائل أيما 017 
بالترك . ورغم أنّها تشترك مع سابقتها في عنايتها بالصنعة» فإنّ المؤلف جعل لها فضيلة التوجّه إلى آلة الحرب ومعالجتهاء حتى صارت من 
"أحذق الناس بالفروسية وانضرف بالطعن والضرب والرماية"(046, الأمر الذي مكنها من ر< ء قْ العيش» وصيّرها "فخمة المملكه'' 


د. البداوة 


هي حالة كانت عليها الشعوب الموغلة في أقصى شمال المعمورة» أمثال الصقالبة» ممّن أنَّرت البيئة الباردة في أجسامهم؛ فابيضت 
جلودهمء وعظمت أبدانهم» وطالت شعورهمء وانعكس ذلك على أمزجتهم وأخلاقهم حتى "غلب عليهم الجهل والبلادة وفشا فيهم 
الغيّ والغباوة"647: وشملت هذه الحالة كذلك» أهل مناطق الحرٌّ الشديدء من الأحباش وسكان السودان الذين غلبت عليهم جلافة 
الطباع» وغلظة الأخلاق» وفساد الأمزجة "فعدموا بهذا الأناة وثبوت البصائر "49, وهي حالة حملت ابن العبري على إخراج هؤلاء من 

بناءَ على ما سبق يتبين أنّ التاريخ عند ابن العبري» هو تداول حضاراتء وتدافع بين الأمم بحيث تسعى كل حضارة للتمكين 
لنفسهاء وبسط أخلاقها وعوائدهاء ونمط عيشهاء أكثر من مجرّد أفول سلالة وقيام أخرى. ضمن الحضارة الواحدة. 


2. العمران البشري والتحليل التاريخي عند ابن خلدون 

إذا كان الدافعٌ إلى التحضّر عنوانَ التحليل التاريخي عند ابن العبري» فإِنّ المبتكر عند ابن خلدون من خلال مقدمته ليس دعوته 
إلى تحقيق الأخبار والتثبت من صدقها فقطء لأنها دعوة تكرّرت عند سابقيه منذ قرون عدّة» وإنّما تكمن جدّة منهجه في التحليل 
التاريخي» إلى جانب ما تداوله من سبقه من المؤرخين فيما يتعلق بضرورة النظر في الروايات خاصة ليصير "الناقد البصير قسطاس نفسه 
في تزييفهم فيما ينقلون أو اعتبارهم"!”'! وذلك في اعتماد ابن خلدون على مرجع وسمه ب "العمران" باعتباره معيارًا أساسيًا في التعامل 
مع الأخبار. فلا ينبغي للمؤرّخ أن يلغي خصائص التجمّعات البشرية» وطبائعها الاجتماعية والثقافية» في تأطير الحدث ضمن سياقه 
العام؛ إذ إنّ عدم مراعاة هذا السياق بإيراد الوقائع ضمن "صور قد تجرّدت عن موادهاء وصفاحًا انتضيت من أغمادها"!”'! يدفع في 
اتجاه تعميم أحكام لا تستقيم وطبيعة المرحلة التاريخية» لأنّ "للعمران طبائع في أحواله ترجع إليها الأخبارء وتحمل عليها الروايات 
والكثار":*"'ء فتحقيق الأسانيد لا يرقى بمفرده إلى تحقيق الدقة المرجوة في الحدث التاريخيء ما لم يؤازر بالنظر في متون الخبرء وعرض 
مضمونه على طبيعة الحياة الاجتماعية» والسمات الحضارية المميزة للمرحلة التي ينتمي إليها الخبر. 
6 المرجع نفسه. 
7 المرجع نفسه. 
8 اللمرجع نفسه. 
9 المرجع نفسه. 


0 عبد الرحمن بن خلدونء المقدمة. تحقيق عبد السلام الشداديء ج 1 (الدار البيضاء: بيت الفنون والعلوم والآداب: 2005)» ص 7. 


152 المرجع نفسه. 


235 


20 


العدد 12 


م 
بطل تموز / يوليو 2020 
1م 
لم 


0910101 


ددا 


لذلك» كان حديث ابن خلدون عن هذا المعيار في مستهل مبحث سمّاه "قصور المؤرّخين" في تنبيه واضح منه لعموم المؤرّخين إلى أنّ 
انتفاء هذا المعيار لدى المؤرّخ وهو "يذهل عمّا أحالته الأيام من الأحوالء واستبدلت به من عوائد الأمم والأجيال "!53. يُعتبر من مظاهر 
القصور المنهجي الذي سيؤثّرء لا محالة» في مجمل النتائج التي يتوصّل إليها كل مهتم بالتاريخ» بل إِنّ ابن خلدون ذهب بعيدًا وهو 
يرفع من شأن هذا "العامل". لأنّهِ "سابقٌ على التمحيص بتعديل الرواة"154. فإذا كان المعتمد في صحّة الأخبار الشرعية حصول الظنّ 
حتهامن خلال "صكّة الظن الثقة بالرواة للعدالة والضبط"53", فإنّ خلاف ذلك معمول به في التاريخ؛ إذ لا يعمد إلى "تعديل الرواة 
حتى نعلم هل ذلك الخبر في نفسه ممكنٌ أو ممتنع"7"''» وهذا قانونٌ سمّاه ابن خلدون "المطابقة" بالنظر إلى أنّ استحالة وقوع الخبر 
تجعل النظر في التعديل والتجريح أمرًا عاريًا من كل فائدة. 


يبدو أنّ الوعي بضرورة مراعاة مقتضيات "العمران": بوصفه من مقوّمات المنهج التاريخي يظل قاصرًا عند ابن خلدون للوقوف 
على حقائق التاريخ» في غياب شرط "الموضوعية" التي تعكس حياد المؤرّخ وهو يتعامل مع وقائع التاريخ؛ فالولاء للطائفة يثلم شهادة 
المؤرّخ عمومّاء وينأى به عن العلمية والتحقيق» لأنَّ النفس كلما خامرها تشيّع لرأي أو نحلة» دفعها إلى قبول ما يوافق ميلهاء ورد ما 
يخالف هواهاء فيصير "ذلك الميل والتشيع غطاءً عن بصيرتها من الانتقاد والتمحيص فتقع في قبول الكذب ونقله"157. 

ولعل ما يميّز ابن خلدون: خلافًا لسابقيه ولاحقيه من المؤرّخينء أنّه لم يقف في مقدّمته عند حدود وضع القواعدء وتحديد المعايير 
المعتمدة في منهجهء وإِنّما اتجه نحو تنزيل تلك القواعد والآليات» المتمثّلة في الموضوعية والحيادء ودقة النقل ومراعاة مقتضيات 
العمران» التي سبق أن أرساها في تعامله مع أحداث التاريخ. فجمع بذلك في مقدمته بين الجانب النظري لقواعد المؤرّخ» وبين تطبيقها 
على أحداث بعينهاء لذلك أورد في المقدمة نفسهاء رغم أن المقدّمات تقتصر على بناء التصوّرات والرؤى فقطء نماذج طبّق عليها ما سبق 
أن حذده من القوانين والقواعدء وهي نماذج استغرقت التاريخ البشري» وانسحبت على مجمل مراحلهء حيث أورد أمثلة من مراحل 
ما قبل البعثة مما له تعلق بحضارات عاد وإرم وبني إسرائيلء إضافةً إلى مرحلة بني أمية وبني العباس والأدارسة والموحدين: كما أن 
الأمئلة شملت مناطق الغرب الإسلامي وشرقه؛ فضللا عن تنوع القضايا التي أخضعها ابن خلدون للنظر والتحقيق؛ فدقق في الأعداد 
وبيّن غلطها اعتمادًا على قواعد العقل والمنطقء ورد أخبار اليمن وغزوها استنادًا إلى طبيعة الموقع وقوانين الجغرافياء وبيّن تهافت ما 
ألصق بالرشيد من مطاعن القصاص والسمّارء وحقّق نسب العبيديين والأدارسة والموحدين» فكان بذلك نموذجًا عمليًا شاملا متكاملا 
من حيث الجغرافيا والتاريخ والموضوع. 


رابعا: استقلال التصنيف في مقدمات علم التاريخ 


يبدو أنّ المقدمات المتعلقة ب "علم التاريخ" كان يلزمها القرون الطويلة: 000 بنفسها عن كتب التاريخ العامة والخاصضة» وصار 
مقذمات التاريخ يبيّن جدوى العلم» وينبّه على قيمته» ويوتخ من سعى لينتقص من فوائده. 


3 المرجع نفسه. 


4 المرجع نفسهء» ص 55. 
5 للمرجع نفسه. 
6 المرجع نفسه. 


7 المرجع نفسه.» ص 52. 


24 





2 
اساليب التصنيف التاريخي من خلال مقدمات كتب التاريخ للم دران ان 
جه ل 


1. "مختصر" الكافيجي: نحو نظرية للتاريذ 5ه 
يُعد الكافيجي (ت. 879ه) أوَّل من ألف في مصطلح "علم التاريخ" قياسًا على علم "مصطلح الحديث" وغيرها من علوم الشرع 
الأخرى. وتمكن من التوفيق بين الجانبين: النظري والتطبيقي للتاريخ. 


لقد ربط الكافيجي التاريخ ربطا وثيقًا بالزمن» وهو بذلك يقصر هذا المغهوم في بعده الزماني المتعلق بالوقت؛ إذ إنه "علم يبحث فيه 
عن الزمان وأحوالهء وعن أحوال ما يتعلق به من حيث تعيين ذلك وتوثيقه"7'). وهو ربط تعزّز إلى جانب التعريف السابق» باستطراد 
ملحوظ تعرّض فيه المؤلف بإسهاب إلى تدقيق "المعجم" ذي الصلة بتحديد الوقتء وتعيين مقادير الأيام والأشهر والسنوات» على نحو 
بِئّن فيه الفروق الدقيقة بين تلك المصطلحات. 


غير أن المؤلف لم يسر طويلا على هذا النهج» بل أورد تعليلين لافتين؛ إذ علل رد المسلمين التأريخ بما عُرف عند الأمم السابقة, 
وأعرضوا عن تاريخ اليهود "لما فيه من الطول" وزايلوا تاريخ الفرسء لكونه "غير مستند إلى مبدأ معيّن"» إلى جانب عدم ثبات مسيرة 
التأريخ عند الفرسء ف "كلما قام فيهم ملك ابتدوًا [كذا] من لدن قيامه وطرحوا ما قبله"(, كما علل اتخاذ الهجرة بداية التاريخ عند 
المسلمين بأنّ عمدته تضارب الآراء خول مولده ومبعثه» وبنأيهم عن اتخاذ وفاته مبدأ تاريخهمء لأنّ المجرة حدث تعاقت به "تحذلات ' 
ارتبطت بالحياة الحضارية للمسلمين» بوصفها مناسبة توّجت مسيرة الرسالة الخاتمة» و"توالي الفتوح وترادف الوفود": حتى أضحت 
حدثًا "يعظم وقعه في النفوس"؛ وصار التأريخ بالهجرة ذكرى تتجدّد كل عام» تبعث على استنهاض الهمّة والدفع في اتجاه مواصلة 
المسيرء بتشوف نحو الريادة. 


بُعد هذا الرتق بالجمع بين "الزمن" و"الحدث". ما ميز انطلاق التاريخ الإسلامي» حين وسم المسلمون سنواتهم الأولى بأحداتهاء 
فنعتوا السنة الأولى بسنة "الإذن بالرحيل"؛ وجعلوا الثانية سنة "الأمر بالقتال" وعدوا الثالثة "للتمحيص". فكأنْ طبيعة الحدث المؤرخ 
بتلك السنة» هو الذي يحدّد أهميتهاء لذلك أصبح التاريخ يُعنى ب "الحوادث الصائلة العظام» والأمور الهائلة الجسام"!6", وكأنّ العناية 
بعظيم الحدث, إِنّْما تعكس عظم هذا العلم وشرف طلبه. 


يتحدّد الحدث التاريخي عند الكافيجي بالنظر إلى دقة الخبر المتعلق به وضبطه بناقل الخبر نفسه من حيث الوثوق به من عدمه: 
لذلك يتطلب التعامل مع الناقل خمس قواعد!©" تحدّد قيمة الوقائع التاريخية» اعتمادًا على قربها من "عصر الناقل". فالوجه الأول من 
هذه القواعدء يخرج عن مسمّى الخبر» ويفاصل دائرتهء حيث يتبوأً صدارة "الدقة التاريخية"؛ إذ "ليس الخبر كالعيان "1" لأنّ "المؤرّخ 
الناقل للحدث" يصبح جزءًا من الواقعة» أي إنه يعاينهاء ويعيش تفاصيلها حضورًا ومعاصرة» وهذا وجةٌ من أرفع الوجوه وأعلاهاء 
لذلك كانت العناية به آكد من العناية بغيره. ويقف على الطرف المقابل لهذا الوجه: تهافثًا وضعفًاء وجدٌ خامسٌ يجدر بالمؤرخ ألا يورده 
وإن فعل: فإِنّما يكون بقصد فائدة مرجوّة مستقبالا حين يظهر في قابل الأيّام ما يعين على تحقيق هذا الخبرء وتتبين سبل تمييزه بأن 
يتحصّل ما يسعف على كشف مجاهيل الأحداث وفتح مغاليقها؛ إذ "رما يحصل الاطلاع عليه فيما بعدء وإن لم يحصل الاطلاع عليه 


8 اعتمد الباحث في صياغة هذا العنوان على ما ذهب إليه فرانز روزنتال حين وسم مختصر الكافيجي بأنه "أقدم رسالة إسلامية معروفة في نظرية التاريخ"» ينظر: 
روزنتال» ص 318. ْ 

159 الكافيجي» ص 55. 

160 البجع فعض 2 

1 المرجع نفسه. ص 66. 

2 لقد أسهب الكافيجي في بيان هذه الأوجه الخمسة بيانًا مستفيضًاء وقد عزّزه بالأمثلة واستدل عليه بنصوص القرآن الكريم» ينظر: المرجع نفسهء ص 76 وما بعدها. 


3 المرجع نفسه.» ص 77. 


205 





20 


العدد 12 


م 
بطل تموز / يوليو 2020 
1م 
لم 


0910101 


ددا 


كاله الراهنة"9". ولعل هذا الوجه الأخير يشارك رلك !ةا ك0 صل تعارص بلا ترجيح» فلا يرتجى من وراء إيراده غير 
"التقميش" الذي به يُحفظ عموم التراث من الضياع؛ وتّهِيّأ القرائح "للتفتيش" الذي بواسطته تُنقَى الأخبار المجموعة: ويُميْز سقيمها 
7 سحيحها. بينما ألحق الوجه الثاني حيث العلم واليقين» والثالث الذي يغلب عليه الظنء بالأول في ضرورة الاشتمام بهماء والسعي 
في طلبهما . 


أفرد الكافيجي» قبل أن يختم مؤلفهء بابًا لبيان فوائد علم التاريخ» فذكر بما عُرف عند سابقيه من عبر التاريخ وفكره؛ عبر 
0 م هلوكا ووزراءه وللعاقة أيقاء ح ضير الفاروخ :موسوعة تعد اقل قيها بجملة من القنوت. والاذابه والعيفاقب: والغرائب 
والأمثال وغيرها!". 


إذا تمكن الكافيجي على المستوى النظري التأصيلء من لمّ شتات أسدية العلم المتفرقة ونجح في ربط أوصالهاء وتمكن كذلك 
من تلئس عضوية العلاقة بين الخبر وناقله وزمن وقوعه؛ وهى الأضلاع الثلاثة التى إذا أطلق علم التاريخ انصرف إلى أحدها . إلا أنه 
سجّل ضعفًا كبيرًا في الجانب التطبيقي» ولم يحالفه التوفيق في اختيار النماذج العملية المناسبة» فانساق يورد الغرائب والعجائبء إيرادًا 
لا يتناسب وما أشار إليه في الشقّ النظريء حين اشترط ضرورة الاهتمام بما كان في ذرى التحقيق والصدق؛ إذ ما جدوى سوق "عوج 
بن عنق" و"العنقاء" مع نبي الله سليمان» وغيرها كثير مما لا ينسجم مع أدنى أوجه التحقيق التاريخي التي ذكرها في الوجه الخامس؟ 
وهل ظنٌّ الكافيجي أن يحقق المؤرخون من بعده خرافات كهذه إذا توافرت لهم المعطيات التي لم تكن بين يديه؟ لقد أخفق الكافيجي 
في تعزيز أصوله النظرية بالنماذج اللائقة لتنزيل تلك الأصول عليهاء وإخضاعها لجملة القواعد التي فصّلهاء على خلاف ابن خلدون 
الذي انسجم في اختياراته مع تعريفه للتاريخ في بعده الباطن الذي يُعنى بالبحث في الأسباب والعلل. 


2. "إعلان" السخاوي: حاجة العلوم إلى التاريخ 


غير بعيد عن زمن الكافيجي: وعلى بعد عقدين من الزمن» اسمن السخاوىي [ت. 2هوه) معالم مقدْمة متكاملة في علم التاريخ» 
أوسع مجالاء وأكثر استيعابّاء حتى أمكن تسميتها ب "جامع المقدّمات" حيث تتتّع كتب التاريخ» والطبقات والفهارس والسيرة والأدب 
وما اختصّ بالترويح والتفكهء فجمع منها ما تضمنته من نصوص ذات صلة بعلم التاريخ» من حيث تعريفه وموضوعه وفوائده: مما سبق 
ذكر معظمه في مباحث سابقة من هذا البحث. 


غير أنْ السخاوي وهو يُفرد نحو ثمانين صفحة للحديث عن فوائد التاريخ» ويستقصي أقوال المؤرّخين وغيرهم» ويُفّش عن ذلك 
في كتب الفنون والآداب وسائر العلوم» إِنّما كان منسجمًا مع مقصده من التأليف: حيث حاول أن يبيّن بداية أهمية هذا العلم الذى 
انبرى البعض من الناس إلى التنقيص من قيمته» والاستهانة بجدواه "بحيث تتطرّق للتنقيص له ولأهله بعض أولي البليات "14, فكان 
تاريخ الحضارة الإسلامية» تتبَعًا لا يروم من خلاله بيان فائدة هذا العلم بتكرار النصوص المؤكدة لقصده فقطء بل هو تبح يقصد به 
إجلاء فضل التاريخ على سائر العلوم؛ فعلم التاريخ لا يكاد يستغني عنه المحدّث. والفقيه والنوازلي والطبيب والأديب والمهتمّ بالسياسة 
من الأمراء والوزراء والولاة» كما لا يكاد يُعرض عنه أهل السلوك في التربية والتركية وعلوَ الهمّةء فضلا عن عوام الناس ممّن يطلبون 
فيه الاعتبار» إلى جانب أثره العظيم في صيانة تراث الأمة وذاكرتها الحضاريةء صيانة لا تتحقّق إلا بتأريخ جهد العلماء والمجتهدين 


4 المرجع نفسه. ص 80. 
5 في تفصيل ذلكء ينظر: المرجع نفسه.ء الباب الثالث ص 109 وما بعدها. 
6 السخاوىء ص 16. 


56 





2 
اساليب التصنيف التاريخي من خلال مقدمات كتب التاريخ للم دران ان 
جه ل 


وأهل الفضل ممّن لهم أياد بيضاء على النّاس والأمّة جمعاء. لذلك اشتهى كثيرون تخليد أسمائهم وتأريخ ذكراهم عند المؤرخين» حتى 
لو كان ذلك في زمرة المذمومين» وفي هذا السياق قال ابن البنَاء القرشي الحنبلي (توفي أواخر القرن الخامس الهجري): "ليت الخطيب 
البغدادي ذكرني في تاريخه ولو في الكذابين"!©". 


يقتضى هذه الحاجة إلى التاريخ موضوعٌ هذا العلم نفسه الذي يستوعب الإنسان والزمان!©, وما يتعلق يهما من مسائل ١!‏ 
لهما في سائر أحوالهما. بل تقتضيها أيضًا طبيعة العلم الذي يتعلق به التاريخ» وهو اقتضاء جعل هذا العلم مدار أقسام الحكم الشرعي 
الخمسة: أمرًا ونهيًا وتخييرًا؛ أمرًا لازمًا بتحقيق الرواة وأخبارهم وردع الكذابين» واستحبابًا ل "إعمال الفكر في تدر العواقب "01 و11 
عن الزيادة في مقدار الجرح,» وكراهة بالعناية "بصغائر الأمور التي الإعراض عنها أولى» وترك تسطيرها أحرى وأعلى ""٠"‏ وتخييرًا بإباحة 
الاشتغال به للسمر والتفكه. 


يبدو أنّْ السخاوي قد أدرك كَنْه التاريخ الحقيقيء بالمعنى نفسه الذي عناه ابن الأثير في تتبّع الأسباب والبحث عن العللء غير أن 
انشغاله بالانتصار لعلم التاريخ: دفعه إلى حشد رم المفنّدة لمزاعم المتتقصينء على نحو شغله عن صقل عديد الدرر التي أوردها في 
ثنايا كتابه» حيث ساقها عرضًّاء مجملة من دون أن يفضّلها. فمن سعة أفق السخاوي ووعيه بماهية التاريخ أن يقول: "إنّ من أنصف 
يعلم أنّه ليس من العلم [أي من التاريخ] فتح البلد الفلاني في سنة كذاء ولا عدد الجيش كان كذا"77", إلا أنه سكت حيث كان يلزمه 
الحديث: فلم يعقّب بما هو جدير ببيان تصوّره لحقيقة هذا العلم» رغم أنّ حديثه السابق عن علاقة العلم بالإنسان والزمن قد يشفع له 
في توقفه هذاء ولا سيّما أَنّهِ قد أحال على ثنائية "القشر واللب" عند ابن الأثير في مواضع من مؤْلّفه. كما أنّ قصد السخاوي إلى "تبرئة " 
التاريخ دفعه إلى حديث مطوّل عن شروط المؤرّخ» وما ينبغي له من تحرّي الضبط والإتقان» ومعرفة بطرق النقل» وما يلزمه من توخي 
الموضوعية التي تقتضي مزايلة "المحاباة المفضية للعصبية» المعبّر بعضهم عنه [كذا] بتجنب الغرض والهوى "177 مثلما تقتضي مراعاة 
الدقة في استعمال الألفاظ المناسبة لسياق المقام» على نحو يُكسب الموْرّخ لغة "تاريخيّة" دقيقة تقطع مع عبارات المدح أو الانتقاص» 
بحيث يتحوّل المؤرّخ إلى ناقل أمين يتجرّد من ذاتيّتهء بل يتغاضى عمّا نشأ بينه وبين من يؤْرّخ له من اختلاف وخصومة. 


خاتمة 


تتمثل السمة المشتركة في كل مقدمات التاريخ في الوعي بماهية التاريخ ومنهج المؤرّخ في عرض مادته التاريخية» وضرورة النظر في 
منهج بناء أحداثه» وفق ما يظهر للمؤلف من مقتضيات الوقت. ويستعين على ذلك بثقافة عصرهء بحسب ما يحقّقه هذا العلم من مقاصد 
يراها الور ملخةه لخدمة قضايا هذا العلم وأولوياقة الوقفة: 


والاهتمام اللافت بفوائد التاريخ والتوسع في تفاصيلهاء لا يروم - كما يغلب الظن - تحقيق مقصد وعظئ أخلاقي بقدر» ما يعكس تعبيرا 
مضمرًا عن طبيعة الحياة السياسية والاجتماعية التي يحياها الناس في كل عصرء فكان حديث المؤرّخ عن أهميّة التاريخ في حمل الملوك 
على الاعتبار من عواقب الظلم التي لحقت بمن كان قبلهم» تعبيرًاً عن حالة قائمة من خفوت العدل» لأنّ المؤرخ غالبًا ما يكون "واقعيًا" في 


7 المرجع نفسه.» ص 33. 
8 المرجع نفسه. ص 19. 
9 المرجع نفسه. ص 85. 
0 المرجع نفسه. 

1 اللمرجع نفسه. ص 86. 
2 للمرجع نفسه.» ص 119. 


2/7 





20 


العدد 12 


م 
بطل تموز / يوليو 2020 
1م 
لم 


0910101 


يم 


حديثه» فلا يورد الفوائد إلا بعد رصد خصائص مجتمعه وعصرهء وهذا ما يفسر انتقال المؤرّخ من عرض الفوائد الدنيوية نحو الإسهاب في 
عرض الفوائد الأخروية» حين يلحظ الإعراض عن الاعتبار بما وقع في سالف الدهورء فينتقل من حديث العقلء إلى حديث العاطفة يستحثٌ 
النفوسء ويروم رقّة القلوب» مستجديًا ما تبقى فيها من بقايا الإيمان لعله يفتح الأبصار على ما لحق الناس من صنوف الظلم» وما أصايهم 
من أشكال الضيم» وما اعترى أسباب عيشهم من ضيق وحرج. وما كان للمؤرّخ» أيضًاء أن يعرض لأثر التاريخ في ترشيد سلوك العامّة وسائر 
شرائح الناس من العمال والحرفيين وأهل الصنائع» وحتّهم على مزايلة ما يأتونه من شائن السلوكء إلا بعد أن تفخص فعالهم ونظر في 
مجموع تصرفاتهم» وقد بدا منزهم من معيب الفعال» وكريه الخصال ما أفسد الذوق العام» مما تبدّلت به أحوال الأمة. وتغيّرت أصالة معدنها. 


إن تع ما توافر من مقدّمات كتب التاريخ: أتاح إعادة النظر في التسليم بأسبقية بعض المؤرخين إلى "ابتار" مفاهيم لم يسبق 
إليها غيرهم؛ إذ يلاحظ أنّ عديد المؤّخين قد تفرّدوا بابتكار أدوات التحليل والتحقيب في أزمنة مبكرة. فثنائية "القشر واللّب" عند 
ابن الأثير» تسبق ثنائية "الظاهر والباطن" عند ابن خلدونء وابن العبري بحديثه عن "الانتقال الحضاري" وخصائصه. وأثر الدافع 
والفكرة نحو التحضّرء بوصفه معيارًا للتحقيب التاريخي» وأداةٌ للنظر في السنن والقواعد التي عليها قيام الدول وأفولهاء إلى جانب مسألة 
"الاعتبار" في النَظر التاريخي بشقيه؛ الاعتبار الوعظي عند الطبريء والاعتبار التجريبي عند مسكويه. 

كات مقدمات علم التاريخ ما تزال متنا بات غلم الرخالء .ومنالم متتوخ الخذنين» يعتى وجدتا عتانة البنخاوى يقيينا 
الحدث التاريخي على شروط ناقل الخبر من حيث ضبطه وعدالته وسلامته من الكذبء أكثر من عنايته بالخبر في ذاته. وإن كان قد 
ألمْ ببعض ما له علاقة بحقيقة الخبر المعتد به عند المؤرّخينء فإنّ الباب مفتوح أمام الباحث عن مقدّمات علوم أخرى» ليستزيد من درر 
العديد من قضايا التاريخ؛ تعريفاء ومنهجّاء وفوائد» في غير كتب التاريخ» تتسم بالإبداع والتميّز على نحو يبعدها تمامًا عمّا ألفه السابقون 
وأعادوه» حين نظروا في أحوال الدول وخصائصهاء ومن أظهر ذلكء ما ساقه ابن حزم في مؤلفه عن السيرة النبوية وهو يحدّد خصائص 
الدول "السّلاليّة" التي تعاقبت بعد نهاية الخلافة الراشدة؛ حيث يتحدث عن بني أمية باعتبارها "دولة عربية» لم يتخذوا قاعدة"731, 
بينما كانت دولة بني العباس "أعجمية سقطت فيها دواوين العرب"77). فبهذه الكلمات القليلة الدالةء تمكن ابن حزمء برؤية المؤرّخ» 
من أن يحدّد معالم الروح العامة في حياة دولتين كبيرتين» وبتحليل وقف فيه عند دقائق الحقائق التاريخية. 

ويمكن للتأليف التاريخي من خلال المقدمات» أن يوجّه الباحث نحو تلمّس الحياة السياسية» والمعالم الحضارية للأمّة الإسلامية 
في مراحل من تاريخهاء فتوجه التأليف التاريخي نحو البلدان والأقطارء إِنّما يعلّل في بعض جوانبه بانفصام عرى الخلافة الجامعة» الأمر 
الذي دفع المؤرّخين نحو الانكفاء على الذات والتعلّق بالانتماء القُطري الضيّقء فظهرت كتب التاريخ التى اهتمت يبلدان وبقوميات 
راق وبمناطق بعينهاء وكأنٌ المؤرّخ حيتما شعر بانحسار الفكرة الجامعةء تشبث بالجغرافيا فأراد أن يحافظ على رقعته الضيقة ويعؤز 
الها يعد أن كان الاعماء ى تصنؤو المويخين القدامى وامكا يضم الشترك الإتساى. فبعد أن أتغوا الإنسان منة بده الغليقة: 
انحسرت رؤيتهم وضاق أفقهمء وأصبح التعبير عن الانتماء ضيّقًا جذّاء ومنحصرًا في بقعة جغرافية» أو عرق فقطء بعد أن كانت "الفكرة 
الخضارية" عنوان الانتماء. ا 


0 ا محمدين عل بن أحمدين أحمدد بن سعيد بن حزم الأندلب ؛ خوامع اليرة. تحقرة عبد الكريم سام الحندى (بيروت: ذار الكتب العلمية, 2603) ص 10. 
4 اللمرجع نفسه. 


58 





»4 
أساليب التصنيف التاريخي من خلال مقدمات كتب التاريخ لطبور دراسات 


المراجع 

٠ابن‏ أى أصيبعة» موفق الدين أبو العباس أحمد بن القاسم. عيون الأنباء فى طبقات الأطباء. تحقيق نزار رضا. بيروت: دار مكتبة 
الحياة: [د. | 

. 7 ابن الأقيره عل بن محمد. الكامل ني التاريخ. تحقيق عمر عبد السلام تدمري. بيروت: دار الكتاب العربي»‎ ٠ 


.ابن الجوزيء أبو الفرج عبد الرحمن بن على بن محمد. المنتظم في تاريخ الأمم والملوك. دراسة وتحقيق محمد عبد القادر عطا 
ومصطفى عبد القادر عطا. بيروت: دار الكتب العلميةء 1992. 


٠‏ أبن العبري, غريغوريوس ابو الفرج بن هارون الملطي. تاريخ مختصر الدول. تحقيق انطون صالحاني اليسوعي. بيروت: دار 
الشرق» 1992. 


٠‏ ابن حزم الأندلسي» أبو محمد بن على بن أحمد بن أحمد بن سعيد. جوامع السيرة. تحقيق عبد الكريم سامي الجندي. بيروت: دار 
الكتب العلمية.» 2003. 


٠ابن‏ خلدونء عبد الرحمن. تاريخ ابن خلدون. تحقيق خليل شحادة. بيروت: دار الفكرء 1988. 

5 . تاريخ ابن خلدون. ضبط المتن ووضع الحواشي والفهارس خليل شحادة. مراجعة سهيل زكار. بيروت: دار الفكر» 2001. 
: . المقدمة. تحقيق عبد السلام الشدادي. الدار البيضاء: بيت الفنون والعلوم والآداب. 2005. 

٠‏ ابن خياطء أبو عمرو خليفة. تاريخ خليفة بن خياط. تحقيق أكرم ضياء العمرى. دمشق: دار القلم؛ بيروت: مؤسسة الرسالة» 1397ه. 
٠‏ ابن فارسء أحمد أبو الحسين. معجم مقاييس اللغة. تحقيق عبد السلام هارون. بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع» 1979. 
٠‏ ابن قتيبة الدينورى» أبو محمد عبد الله بن مسلم. المعارف. تحقيق ثروت عكاشة. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب؛ 1992. 


. البغدادي» محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي. المنمق ف اخبار فريش. تحقيق خورشيد احمد فاروق. بيروت: عالم 
الكتب؛ 1985. 


. الجابري محمد عابد. فكر ابن خلدون: العصبية والدولة» معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي. بيروت: مركز دراسات 
الوحدة العربية» 1994. 1 ْ 1 

.1967 الحصريء» ساطع. دراسات عن مقدمة ابن خلدون. ط 3. القاهرة: مكتبة الخانجي؛ بيروت: دار الكتاب العربيء‎ ٠ 

.1989 الخضيريء زينب. فلسفة التاريخ عند ابن خلدون. القاهرة: دار الثقافة للنشر والتوزيع»‎ ٠. 

.1984 خليلء: محمد رشاد. المنهج الإسلامي لدراسة التاريخ وتفسيره. القاهرة: دار المنارء‎ ٠ 

.2000 الدوريء عبد العزيز. نشأة علم التاريخ عند العرب. أبوظبي: مركز زايد للتراث والتاريخ»‎ ٠ 

.2003 الذهبيء شمس الدين. تاريخ الإسالام. حققه وضبط نصه وعلق عليه بشار عواد معروف. بيروت: دار الغرب الإسلامي»‎ ٠ 


: . سير أعلام النبلاء. تحقيق شعيب الأزناؤوطي [وآخرون]. بيروت: مؤسسة الرسالة» 1985. 


29 


ماله 


العدد 12 


بطل تموز / يوليو 2020 
حلم 


0910101 


ع 


. الراغب الأصفهاني» أبو القاسم الحسين بن محمد. المفردات فى غريب القرآن. تحقيق صفوان الداودي. بيروت: دار القلم» 1412ه. 
٠‏ روزنتال: فرانز. علم التاريخ عند المسلمين. ترجمة صالح أحمد العلى. بيروت: مؤسسة الرسالة» 1983. 


. السخاويء محمد بن عبد الرحمن. الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ. تحقيق فرانز روزنتال. ترجمة التحقيق صالح أحمد العلىي. 
بيروت: مؤسسة الرسالة, 1986. 


. الطبري» محمد بن جرير. تاريخ الطبري: تاريخ الرسل والملوك. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم. بيروت: دار التراث» 1967. 

. القزويني» أبو القاسم. التدوين في أخبار قزوين. تحقيق عزيز الله العطاردي. بيروت: دار الكتب العلميةء 1987. 

. الكافيجيء محيي الدين. المختصر فى علم التاريخ. تحقيق محمد كمال الدين عز الدين. بيروت: عالم الكتب: 1990. 

.محلء سالم أحمد. المنظور الحضارى فى التدوين التاريخى عند العرب. سلسلة كتاب الأمة 60. الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون 
الإسلامية» 1997. 0 ْ 


. المسعوديء أبو الحسن على بن الحسين بن علي. التنبيه والإشراف. تصحيح عبد الله إسماعيل الصاوي. القاهرة: دار الصاوي, 


ات |. 
_. مروج الذهب ومعادن الجوهر. مراجعة كمال حسن مرعي . بيروت: المكتبة العصرية. 2005. 

٠‏ مسكويه؛ أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب. تجارب الأمم وتعاقب الهمم. تحقيق أبو القاسم إمامي. طهران: دار سروش للطباعة 
والنشرء 55 ْ 

.2 . تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق. تحقيق ابن الخطيب. القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية» إد. ت.]. 

.1983 مصطفىء شاكر. التاريخ العربى والمؤرخون. بيروت: دار العلم للملايين»‎ ٠ 

: المطلبي, محمد بن إسحاق. السير والمغازي . تحقيق سهيل زكار. بيروت: دار الفكرء 1978. 

. المقدسيء المطهر بن طاهر. البدء والتاريخ. القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية» [د. ت.]. 

. النجارء عبد المجيد. فقه التحضر. بيروت: دار الغرب الإسلامي: 2006. 

.1984 وافي» علي عبد الواحد. عبقريات ابن خلدون. الرياض: مكتبة عكاظ:‎ ٠ 

.ياقوت الحموي» شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله. معجم الأدباء: إرشاد الأربب إلى معرفة الأديب. تحقيق إحسان 
عباس . بيروت: دار الغرب الإسلامي: 3. 

٠‏ اليونيني» قطب الدين أبو الفتح موسى بن محمد. ذيل مرآة الزمان. عناية مراجعة وزارة التحقيقات الحكمية والأمور الثقافية الهندية. 
شاهرة: دار الكتاب الإسلامي: 2. 


60 





مصطفى التليلي | ١اذا!‏ جام ح]دنالل* 


حضور الدولة وتمثلاتها في المجالات الطرفية 
إيالة تونس في الفترة الحديثة 
15 لهاع طامااء2 ا 205 أمعوع1مع]آ لله ععمعوع:21 5101 


12100ع2 طتاع1100 عطلا ما كتطنا]' 01 تاعمعوع] ع1 


اهتمْت أغلب الدراسات المتعلقة بالدولة برأسهاء وأجهزتها؛. وهياكلهاء ومؤسساتها المركزية. واستعمل الباحثون, 
غالبًاء الوثائق المنتجة مركزيًا؛ أي الأرشيف الرسمي للدولة؛ دون غيرها. أما هذه الدراسة فهي تتعلق بالدولة في البلاد 
التونسية خلال العصر الحديث, ولكن مع تنويع في سلّم النظر والموازاة بين المحلي والمركزي ومراعاة تمثلات الفاعلين 
وخطاباتهم. وقد اعتمدت الدراسة على مصادر أفرزتها البيئة المحلية في الأطراف تتّسم بكونها متخلصة. نسبيًاء من 
إكراهات المركز. واحتوت هذه المصادر المحلية على تعبيرات خاصة وعكست التصورات الحاملة لانتظارات سكان الأطراف 
من الدولة ولعلاقاتهم بها؛ إذ تتطوّر تمثلات السكان للدولة بحسب السياقات التاريخية المتعاقبة: بالتوازي مع مسار 
تشكل الدولة, ومع مدى تقبلها من الأفراد والجماعات. وتعرّز نتائج هذه الدراسة فكرة وجود تعدد وتنوع في المسارات 
التاريخية المفضية إلى نشأة عناصر الدولة الحديثة والمؤسشسة لمشروعيتها. : 
كلمات مفتاحية: الدولة الحديثة, تونس.ء إيالة تونسء المنتصر بن أبي لحية القغفصيء. المقاطعات العثمانية. 
012113 220 ,51111111165 ,3222312111565 ,متطوتع20ع1 15 ده 0ع10115 عتكقط ع21]ة عا 128متتععدهم» 51015 12/1051 
9 1 11011 01151221118 105 1115117197عئدهء 21157711651128 ,21001160 1121197ع© وأطعططتناء00 عدن ما 0اعا 5 آعطء توعوع ]1 
0 عط 0111125 11215132 01 3205] عط ما ع1هاة عط 71111 لعطل1ع02» 15 راعلاع:101 رتعمهم قلط ]1 .5ع اااعتة 0115101 
56 2120 ,0621131 320 10031 تاعء 51557 1؟31311م عغطا 30 ع تكتاع 0150 01 تكطع21131 ع1 1 773112316101 غ51 غناا بل10اعم 
100111 10031 عط 697 »35211861 ه1220 5ع501116 2ه0منا 1110 51057 عط 1 .0156011155 310 26105 1أاعوع1مع1 '15ماع0 
1150 و5ع50116 10631 عذوعط[1 .تعاوعء علطا 10م 1ه10ع1ع0» مآ عع1 لإأع انماع عله طاعلط7 ,ركممماعع؟ 121ع طم اعم 11 
521 عا 01 عتكق1 تكتعط ملاعم عط 01 5أاطع10د5ع1 2605اعءمدء عطا 15ل أقطا 15ع11ء5 عطا لعاعع11ع1 210 1025و5ع1مده 5066121 
517 10 010125ع36 م10ع7ع0 عنهأ5 علطا 01 1005م أامعوع ]مع 'سدأمعل510ع1 .11 71111 متطمطهمماع] تاعطا عمتملاعل ممه 
5 27 0ع ]7م260 15 ]1 لاعتط 0غ اعتاع1 عطا 320 1010210 عتدأة 01 وو5عع0م عطا م1 0212111 12 دالءتعامم» 1510111 
10 36 5ء55ع20106 2151011631 عا ا 15117ع:011 15 عاعطا غ12 120110 عا 011ممناذ 51037 قلطا 01 15201285 عط 1 .دمتامع عه 
277 115 ام طعا له م531 متاع2200 عط 01 5أطع 00م تمه 01 1م 1أهحطته1 عطلا 10 


.21-0215112 121115731[ اث طعطا 31-1101135 ,15طنا 1 01 تإعطع8ع] ,1111518 رع تداك متتعله/ط :1435:01:05 


أستاذ التاريخ الحديث, نائب عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية, جامعة تونس. 


.15انا] ]0 لإأأكاع/ ألا ردوععمع51 [3أع506 300 5غ ]أ ومطنلا 5ه لإأاباعجط عط 1ه موعما عءأن/ا 300 /المغذألنا مرعله1/! 1ه ١مدوع1ممط‏ 


61 


العدد 12 إلا طور تموز / يوليو 2020 
وده 


يتطلب البحث في موضوع الدولة خلال الفترة الحديثة تبني محتوى محدّد للمقصود بالدولة» ولا سيما في ظل التباين في التعريفات 
المقدمة من المختصين في العلوم الإنسانية والاجتماعية والسياسية لهذا المفهوم”". ومنطلقنا هو أنّ الدولة شكل من التنظيم الاجتماعي 
الذي اكتسب نوعًا من المشروعية تير له ضمان أمنه وأمن رعاياه في مجال ترابي مخصوص عبر احتكار العنف الشرعي والاعتماد على 
جهاز إداري ممركز وجباية عمومية. 


وإن اهتمت غالبية الدراسات» المتعلقة بالدولة» برأسها وأجهزتها وهياكلها ومؤسساتها المركزية» واستعمل الباحثون في ذلك 
الوثائق المنتجة مركزيّاء أي الأرشيف الرسمي للدولة» فإنّ البحث الواعد في مسار بناء الدولة يظل رهين تنويع سلم النظر الذي يوازي 
بين المحلي والشاملء ويأخذ في الاعتبار تمثلات الفاعلين المحليين وخطابهم» ويقتضي ذلك البحث عن أنواع أخرى من المصادر التي 
أفرزتها بيئة متخلصة نسبيًا من إكراهات المركز وتعكس تصورات أخرى للدولة. 


يحتاج الباحث المشتغل على التمثلات الطرفية للدولة إلى القيام بمتابعة التعبيرات المستعملة التى يطلقها الفاعلون على الدولة 
يرتها ومؤسساتها وعل الرجال القائمين عليها. وتشهد هذه التعبيرات» بالضرورة» تغييرات وتحولات» تكون مواكبة للتطورات 
الميدانية وإن كان جزئية وبسيطة وصداها قِ التصورات المتشكله حولها. وتكون تلك التصورات متأثرة بانتظارات السكان من الدولة 
باعتبارها تستمدٌ مشروعيتها من مدى الاستجابة لهذه الانتظارات. 


ل بالذلك هغال الدولة بايالة توتس بقلل الفكرة الحديكة» ويتينا عملنا عل وثائق مصدرية سحت فق سياقات تاريضية مقاعدة: 


وسنوظف دراستها للإجابة عن أسئلة تتمحور حول بناء الدولة وتحييز المجال وتطور مؤسسات الدولة وآلياتها من خلال قراءة نقدية 
للخطاب المعتمد في ثلاث مدونات: 


مؤلف منقبى» وهو كتاب نور الأرماش فى مناقب القشاش© الذى ألفه المتتصر بن المرابط بن أبي لحية القفصى (قد يكون من 
مواليد العشرية الثانية من القرن السادس عشر وتوفي في بدايات النصف الثاني من القرن السابع عشر) بعد سنة 1622» وهو من متسا كنى 
مدينة قفصة التى تبعد عن العاصمة بما يفوق 300 كم في الجنوب الغربي للإيالة. 


كتاب مؤنس الأحبة فى أخبار جربة© الذي ألفه محمد أبو راس الجري (المتوفى بعد سنة 1807) في نهاية القرن الثامن عشر عن 
تاريخ جزيرة جربة» الموجودة في الجنوب الشرقي لإيالة تونس» وعلاقتها بالسلطة المركزية. 


1 ينظر المراجع باللغة الفرنسية للكتّاب: ماثيو فوزي ونوربرت إلياس وبيير بورديو ويورغن هابرماس وجان-فيليب جوني وجان فريديريك شوب وتشارلز أوليفير كاربونال: 

© 11071110116 مأ ,111135 1101111 :011.17/3720111//: ةاغط :1ه ,6/7/2020 02 0مع5و5ععع32 ,1/12/2015 ,كء|/ 0711114 "11217'! عبان عع-اوع '011)" ,اقباط تاعتط 1/2 
(2011 متاع0'3 18315025 :11ناء5 :1215 2) 1989-1992 7707122 عل ع01162) ع0 15لامن) :2101 '! لان رناع8010101 ع1ع21 :(2003 باأعكاء0 وعووع]2 :حاللة1) 711ء10عع0'/ 
11 ع0 و65معع 2[" ,0261 عممطلاتط2 حصطدوعل :(2013 ,اعتتتحاظ :كته ) ©01111011م7 0115121121101 ء[أء ناه ©1071 :1-71011011سماط'! 42765 ,كقح0طاعط3]] داعع تتال 
© -أكء 1/0071[ أساط ل 7101101 هط" ,لانتقطعد ع1ضغلغ 11 -منوع[ :3-18 .66 ,(1997 طتتاز) 7701.118 ركه[ ه501 501671205 تك ©[ء7©[ع72 24[ 06 5ء1ء4 "رع ممع 11000 
0131165-0117161) :(2005) 1-2 .هط ,46 .701 رع ككل[ 1/0710 لال 5ر112 2هن) "رع :1151017 11© ©01711707:01151© © 0677107 ها 0 دعو 2ء10 كه ]| "لاك 1267110701125 1111/67 


© عكنوبرره:1 ءامءع'[ ع0 دترمنلهء اطاط ",(0و820-19) وعمتدعصهع1 دعناوتطام قتع متماقتط كد0160ه و5ع.آ :عمععلممطد غماة'1 عل وعمتعتده وعنآ" بااعممطعوه0 


297-22 .22 ,(1993) 171 .7701 ,120116 
2 المنتصر بن المرابط بن أبي لحية القفصيء نور الأرماش في مناقب القشاشء دراسة وتحقيق لطفي عيسى وحسين بوجرة (تونس: المكتبة العتيقة, 1998). 
3 محمد أبو راس الجربيء مؤنس الأحبة في أخبار جربة: حققه ومهد له وعلق عليه محمد المرزوقي (تونس: المطبعة الرسمية؛ الممهد القومي للآثار والفنون» 1960). 


62 





حضور الدولة وتمثلاتها في المجالات الطرفية 4 
إيالة تونس في الفترة الحديثة 55 


مراسلة موجهة إلى الباي محمد الصادق (حكم بين سنتّى 1859 و1882) ف سنة 41864 من قبل أعيان مدينة قفصة حول وجاهة 
تعيين أحد القياد على هذه المدينة وتقديرهم للتطابق بين مصالح المنطقة ومصالح السلطة المركزية. 


في هذا العمل» سندرس مسار عملية تحييز المجال والآليات التي فَعّلت تدريجيًا في دواخل البلاد من قبل السلطة التركية التي 
انتصبت بتونس. ثم من خلال قراءتنا لهذه النصوص الثلاثة» نحاول الإلمام بالتصورات التي كان يحملها أفراد يعيشون في مناطق 
جغرافية طرفية وفي أوساط اجتماعية بعيدة عن مراكز ممارسة السلطة. وسنحرص في الوقت ذاته على أن نستقرئ إلى أي مدى تعكس 
هذه التصورات تمثلات متحررة من النظرة المركزية. كما سنتابع تطور هذه التمثلات عبر السياقات التاريخية المتعاقبة من أجل تحقيق 
فهم الترابط بين مسار تكوّن الدولة ومدى تقتلها من الجماعات والأفراد الذين تتشكل منهم القاعدة الاجتماعية» بما يدعم فكرة وجود 
تعدّد وتنوع في المسارات التاريخية المفضية إلى نشأة عناصر الدولة الحديثة والمؤسسة لمشروعيتها. 


أولا: حضور الدولة في المناطق الطرفية 


استفادت السلطة التركية الجديدة من القواسم المشتركة مع الأهالى في مقاطعات بلاد المغرب في مواجهة الخطر المسيحي الذى 
العسكرى والسياسى. غير أن الروابظ الدينية وحدها لا تفسر توقق الأتراك العثمانيين فى حسم النزاع لفاتدتهم والنجاح فى تركيز |" © 
تابعة لهم » ومباشرة عملية التحييز الترابي للدواخل وفرض ولاء الحماعات المحلية/". 


في دواخل إفريقية التي تحولت إلى إيالة خاضعة لسنجق تونسء استغلت الطبقة العسكرية السياسية التركية معاناة المجموعات 
لمدينية والقروية من الضغط المتواصل والمسلط عليها من طرف القبائل المحاربة التي كانت تساند الحركة السياسية الدينية التابعة للطريقة 
الشابية» والتي هيمنت على العديد من المناطق الجنوبية والغربية خلال فترة طويلة من القرن السادس عشر©). فقد كانت الجماعات 
المحلية في هذه الربوع تتطلع إلى عودة الأمن والاستقرار بعد تتالي عشريات من النزاعات المتنوعة (بين الأتراك والإسبانء بين الأتراك 
والحقصييةه بين الأتراك والشواية: نين الحخصيين والقوائية | وتدت عن التخلض من الأكراهات والاتاوات االفروفةه  ١‏ ' 


التوازي مع ذلك كانت الطائفة التركية القادمة من وراء البحار في حاجة إلى الانغراس في مجالها الجديدء ما ولد مسار ١ ٠:‏ 
لهذه الطبقة في اتجاه الإضعاف التدريجي لصبغتها "التركية". وأزيح كبار الضباطاء أي البولكباشية» سنة 1591 من السلطة بصورة عنيفة 
وعوضهم صغار الضباظاء أي الدايات» الذين كانوا في اتغنال مباشر مع الأهال. وقحت حكم الدايات بدأ مسار يسط سيظرة الد. ٠‏ | 
الدواخل والمناطق الطرفية*, وتكرس ذلك عبر آليات متعددة. ْ 


4 الجمهورية التونسية» الأرشيف الوطنى التونسىء السلسلة التاريخيةء ملف 230: إضمامة 20 خزانة 1» وثيقة بتاريخ 10 رجب 1281ه. 

5 محمدالهادي الشريفء تاريخ تونس: من عصور ما قبل التاريخ إلى الاستقلال: ترجمة محمد الشاوش ومحمد عجينة (تونس: دار سراس للنشرء 1980). 

6 الشابى. عرفة الشاى: رائد النضال القومى فى ١‏ الحفصى (تونس: الدار العربية للكتاب. 1982)؛ عل الشاىء تاريخ الشابية خلال العمدين الحذ 
الصا اعرفة اسار مي ني ي [لونس: الدار ي الشابيء تاريخ الشابي بن ب 

والعثماني قولس : دار النقوش العربية» 015). 


7 عبد الحميد هنية: تونس العثمانية: بناء الدولة والمجال من القرن السادس عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر (تونس: تبر الزمان» 2012)؛ مصطفى التليل: 
قفصة والقرى الواحية المجاورة حول الحياة الجماعوية: من بداية القرن 18 إلى 1881 | ونش : جيعية ضيانة مذينة قفصة: .ومو ماء ص 374-364. 


أء 2136101165 :5160145 1غ أء 6/111 رع11/اغئ لا (ع0151طنا1 ) 723152) ع0 025162165 00121211121165 125 :5111 01157011م تل ع16ع1عئء 1" ,11111 حطمماك ك8 8 
.(2012) 46 .701 ,5© 51271101091011[ 471711615 "رك ط10أقاطءوةامع]1 


63 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


1. اعتلاك القوة العسكرية 

يعد تحييز لمجال بالأساس مسألة موازين قوى عسكرية. وقد حرصت الطبقة العسكرية السياسية التركية الممسكة بالسلطة في 
تونس على احتكار القوة الحربية» وعلى أن يكون الأمر باررًا للعيان حتى يدفع الرعايا إلى قبول خيار الخضوع للدولة. فتمّ تثبيت الوجود 
العسكري التري من خلال إقرار فرقة دائمة من العسكر الانكشارى بقصبات المدن الداخلية (قفصة» وتوزرء وقابس بمنطقة الأعراض» 
وجربة ... إلخ) منذ نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر”. وكان هذا الحضور العسكري يكتسي صبغة رمزية» ويهدف 
إلى تذكير الجماعات المحلية بحقيقة موازين القوى في المجال العسكري بما يمنع أي إمكانية لإعادة النظر في سيطرة الدولة على المجال . 
وأفضى وجود أفراد العسكر في هذه المدن إلى تشكل فئة الكوارغلية*" بفضل علاقات المصاهرة التي أقيمت مع بعض العائلات المحلية. 
وأفرز ذلك لاحقًا تكوّن المجموعات الحنفية في المدن الداخلية بحسب تصنيفات الدفاتر الجبائية في القرن التاسع عشرء بوصفها جزءًا 
من سكانها ودليلا على درجة من الانصهار لتلك المجموعات0©. 


تعزّزت تأثيرات الحضور الجسدى والرمزي للنوبة التركية في المان الداخلية بالمرور الدوري للمحلة القادمة من الحاضرة: محلة 
الشتاء التي تتوجه إلى مناطق الوسط والجنوبء ومحلة الصيف التي تجوب مناطق الشمال. وهي من العادات الموجودة منذ العهد 
الحفصيء وواصل العمل بها الأتراك مع إعطائها صبغةً دورية وإحكامًا أكبر. توفر جولة المحلة فرصة لعملية استعراضية تهدف إلى 
إبراز قوة الدولة من خلال الفرقة العسكرية المجهزة بالأسلحة الحديثة والمدافع والمعززة بعسكر زواوة وبفرسان "المزارقية" المنتدبين 
من الأوساط القبلية2©. وقد سعت السلطة الجديدة إلى احتواء المجموعات القبلية المحاربة وتوظيفها طبقًا لاستراتيجية الدولة» مثل 
الحنانشة وطرود وكذلك عروش دريد التى كانت تشكل إحدى الأذرع المحاربة للحركة الشابية©. وبذلك يتحقق ما يمكن أن يعد 
"انزلاقا في ممارسة العنف الشرعي من الفضاء الخاص إلى الفضاء العام "4". 


وإن كانت المحلةء بالأساسء» جهارًا قمعيّاء فهي في الوقت نفسه تيشر الاتصالات المباشرة بالسكان المحليين. ويقيم باي المحلة 
في بعض المحطات في الأرياف والمدن الداخلية مدةّ محدودة» تعبيرًا عن تقريب رموز السلطة المركزية من سكان هذه المناطق» وتكون 
فرصةً لتجديد عبارات الولاء لها خاصة من قبل الأعيان المحليين» ولجمع الضرائبء ولمعاقبة مرتكبي أعمال الإغارة والتمرد. وقد 
ساهمت هذه الجولات الدورية للمحلة في تيسير المرور من مرحلة الدايات المتمترسين في ثكنات العاصمة إلى مرحلة البايات المحتكين 
أكثر بالأوساط الأهلية. وأثمر هذا التحول في ظهور الحكم السلالي للبايات المراديين في القرن السابع عشر ثم حكم العائلة الحسينية 


ابتداء من سنة 1705. 


9 القفصي. ص 184؛ ينظر صورتا قصبة قفصة وبرج الغازي مصطفى بجربة في نهاية الدراسة. 

0 الكوارغلية جمع كورغلي ويعني أبناء الزواج المختلط بين أب تري وأم من أهالي البلاد. 

11 رشيف الوطني» الدفتر عدد 645 و1679؛ 

1751017 .ك/47710 "روعاء516 ه7111آغ اه ع11/آئ عتناه 015نا1' 3 'ع1126]155 ع011ع 6216 عن 1102 نتتأقممه 2[ :11322837973 عتتتة 11165 و10" ,82315230111 .5ك 


.(2005 7آ011131ع"[) 1 .110 ,60 .1701 ,5010/65 561©11205, 


2 المزارقى هو فارس من وسط قبلى يجنّد مدة محددة لدعم عمل المحلة مقابل راتب نقدي وعينى والتمتع ببعض الامتيازات. ويعود أصل الكلمة إلى "المزراق" وهو عود 
السنان الذى يصنع منه الرمح الذي كان يحمله الفارسء» ينظر: الشف الوطنىء» الدفتر عدد 1 و3 و555. 
3 فاطمة بن سليمان» الأرض والجهوية: نشوء الدولة الترابية ف تونس 1881-1574 ([تونس: جامعة تونس - كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية. 9و200). 

.10 .2 و(06191,1990) :1101أتطعامء5 :عع 0116)) عاع516 12-2[ :70111011 011 5[:1112011011©5 2700116110115 كحرط و(.11([) امعع11!' .1 14 


64 





حضور الدولة وتمثّلاتها في المجالات الطرفية 5 


إيالة تونس في الفترة الحديثة ا 0/5 دراسات 


إن ممارسة الدولة سلطتها من خلال جهاز عسكري يضمن إخضاع الجماعات المحلية» تفسح المجال لنوع من التدرب والتأهيل 
للممسكين بهذا الجهازء وتفتح الأبواب لإعادة نظر مستمرة في الوسائل السياسية؛ أي إن الطرف المهيمن يخضع» بصورة غير مباشرة, 
لتأثيرات ردود الأفعال الصادرة عن المجموعات المهيمن عليها. 


2. الجهاز الاداري - السياسي 


حرصت السلطة التركية المتتصبة في تونس على إقرار أجهزة إدارية في المناطق الداخلية» وعلى رأسها القايد أو العامل. وكانت مؤسسة 
القيادة معمولا بها تحت سلاطين بني حفص» وظلت موجودة تحت العثمانيين. ومنذ منتصف القرن الثامن عشرء أفضت سياسة إشراك 
الأعيان المحليين في التسيير الإداري والسياسي للمناطق الداخلية إلى تشكل سلالات قيادية محلية: آل بن عياد في جربة!25, والهوادف 
في توزر""ء وعائلة السماوي في قفصة7" ... إلخ» لكن يتزامن تعيين قياد من المماليك غالبًا مع انتهاج سياسة متصلبة تجاه الجماعات 
المحلية أو مع إقرار نظام جبائي جديد. ويحيط القياد أنفسهم بعدد من الأتباع من ضمن الأعيان المحليين من خلال تيسير تعيينهم في 
بعض المناصب مثل العدول والأمناء والخلفاوة والمشايخ. لذلك فإن نجاح القايد في مهماته يبقى رهين قدراته على نسج شبكة محلية 
من الفاعلين. 

توجد مؤسسة "المشيخ"*" في قاعدة الجهاز الإداري» وهي في الأصل مؤسسة جماعوية» ولكن وقع احتواؤها من قبل السلطة 
المركزية بتوظيف القائمين عليها من خلال ربط تعيينهم بأمر صادر عن الباي وتسليمه طابعًا رسميًا يحمل اسمه. وحتى إن كان تولي 
هذا المنصب يظل مشروطًا بالحصول على اتفاق "إخوته" بصورة كتابية!9/ على ذلك: فإن السلطة المركزية اكتسبت القدرة على توجيه 
خيارات الجماعة والتأثير فيها. ويصل الأمر أحيانًا إلى حدّ اتخاذ قرار العزل تجاه بعض المشايخ الذين يبدون قلة انسجام مع سياسة 
السلطة المركزية. ويوفر باقي الأعيان المحليين مخزونًا لأفراد مستعدين للترشح لتعويض المعزولين» وهذا ما يسمح بالتوصل إلى تسويات 
وحلول لتجاوز النزاعات الممكنة بين السلطة المركزية والجماعة المحلية وتجتّب الوصول إلى حدّ القطيعة التي لا تفيد الطرفين00©. 


ساعد احتكار السلطة للتعيين في الوظائف والخطط داخل الجهاز الإداري - السياسيء وفي الوقت نفسه الحرص على الانفتاح على 
الأعيان المحليين والتعويل عليهم» في تشكل فئة من الموظفين الذين يتحركون تحت ضغط تجاذب ثنائي: الولاء للسلطة التي عيّنتهم 
في المنصبء وتمثيل جماعاتهم المحلية التي ساهمت في بروزهم. لذلك تظل مسيرتهم مرتبطة بمدى قدرتهم على التوفيق بين هذين 
الإكراهين ونجاحهم في التأقلم مع الأوضاع المتقلبة. 


5 إبراهيم السعداوىء "تطور عائلة مخزنية بتونس فى العصر الحديث: آل بن عياد بين سنوات 1837-1740": رسالة دكتوراه غير منشورةء كلية العلوم الإنسانية 
والاجتماعية؛ جامعة تونس» 1999. 
وكنمنا1 عل عتناع ةمتاك علاهطتامم عامع1'8 عل امتتدعتآاطداط :كتصنآ1) (1880 -6ج67) 1/115 عل ع[أآنك8 16 عءناك 702720115 965 :76710 1.6 رهتمع1آ 0تسمتمطاعلطم 16 


0 0/2715 11610719565 :ا ",(وع1ءع516 ع1 ال جاع 1اامط -ع1 /آغز) تتاءع102 3 10691 0111011م ع1 أطمط اهل ع1152028 متكل عطاع 0'011 ع011مطغ1541" ,متمغط .خى :(ه198 
.(1993 روع اع[ وع0 غ6ا1جاعة1آ 12 ع0[ 101خدء1[طناظ :ةطتامطة /!) 0717111275217 706 5011 © 10171كمعء0'! 03 10151 0 :10/07 


7 “اليا 

8 "المشيخ" هو جهاز إداري مخزني وعرفي ومنه شيخ التراب وشيخ العرش. 

9 أحمد بن أى الضيافء إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمانء ج 3 (تونس: كتابة الدولة للثقافة والأخبار» 1963)» ص 19. 

© 1/6/4715 "روعاء516 م116 أء 1/1116 عتتلة 112151 اع 5م1021 10111231165ططامك 145 1لا5 أء 03125 20115011 11ل عع1علاعىرء' 1" ,13معط 10ممتمطاعلطهم 20 
.5581-5 .20 ,(2003) 10.1 ,115 .1701 ,©1011 06 ©15ه؟7171] عامعن'/ 


65 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


3. الجباية والجهاز القضائي 

تبين دراسة المجالين الجبائي والقضائي أن العلاقات الموجودة بين المركز والأطراف تؤكد اعتراف الجماعات المحلية بمشروعية 
الدولة التي يخضعون لهاء فمن جهة» تلتزم الجماعات بدفع الضرائب باعتبارها الثمن اللازم لضمان الاستقرار والأمن وتحقيق العدل 
برد الحقوق طبقًا لما يوصي به الشرع. ومن جهة أخرى تعدّ عملية جمع المجابي شكلا من أشكال ممارسة السيادة من السلطة المركزية. 
لذلك فإن الحدود بين المجال الخاضع لبايليك0©) تونس والمجال الخاضع لكل من داي الجزائر أو باشا طرابلس تستند إلى حدود 
الكنادة الحباتية المرتبة على المجموعات البشرية. 

يحرص سكان المناطق الطرفية» إن كانوا مستقرين أو رُحَلّا أو شبه رحّل» على دفع الأداءات التي ترتبها الدولة عليهم» وإن كانت 
ثقيلة» لأن ذلك يبيح لهم اقتلاع الاعتراف ببعض الحقوق2), مثل ملكية الأراضي الفلاحية وأقساط مياه العيون والتنقل من منطقة 
إلى أخرى والتشكي من ضيم القياد والمشايخ والوكلاء ... إلخ. وقد خضعت تحولات النظام الجبائي لمتطلبات تغير الأولويات السياسية 
بالنسبة إلى السلطة المركزية؛ إذ استوجبت عملية التحييز التي انطلقتء خاصة في بداية القرن السابع عشرء مواصلة العمل بالعادات 
الجبائية القديمة والإبقاء على خصوصية الجماعات من حيث نوعية الضرائب المرتبة والقواعد المعتمدة. 

اندرجت الإصلاحات الجبائية للقرن التاسع عشر في نطاق خيار تعزيز مركزة الدولة» الذي يقتضي توحيد الجباية وإقامة علاقات 
مباشرة بين هياكل الدولة والرعاياء فانجرٌ عن ذلك تقلص مجال تحرّك الأعيان المحليين في الميدان الجبائي لفائدة التدخل المباشر 
١‏ ران إدارة البايليك. 

أما الجهاز القضائي الموجود في الدواخل فكانت له وظيفتان؛ فهو يعتبر إحدى الآليات المكرسة لاحتكار العنف من قبل الدولة, 
بامتلاك سلطة إصدار الأحكام بالسجن وسلب الحرية وتسليط الغرامات» لكنه في الوقت ذاته يؤديء نوعًا ماء دور السلطة المضادة في 
الحدّ من تنفذ الأعوان المحليين للإدارة وضمان مستوى من المراقبة على أعمالهم©. ومنذ نهاية القرن السادس عشر كانت الشكاوى 
المرفوعة إلى الباشوات» ثم بعد ذلك إلى الدايات وبعدهم البايات» من طرف سكان الدواخل تحمل في أغلب الأحيان إمضاءات القضاة 


يمثل حضور القضاة والمفتين» ولا سيما أنهم ينحدرون من أوساط الأعيان المحليين» ضمانة إضافية للسكان في شعورهم بالتمتع 
بدرجة من الحماية» وبكونهم يُحكمون من الدولة بحسب ضوابط أخلاقية وطبقًا للشرع والعادات والأعراف. ولم يكن في الإمكان تولي 
الخطط القضائية إلا بعد اكتساب تكوين شرعي كافٍ والحصول على الموافقة المكتوبة لأعيان الجماعة على كفاءة المرشحين وأهليتهم. 
ولن يكتمل الأمر إلا بإصدار أمر من الباي في التعيين في خطة قاض أو مُفتِ أو عدل 057. 
1 المقصود بالبايليك هو المؤسسة السياسية المرتبطة بالباي والتي يمارس سلطته من خلالها. 


2 أرشيف عائلة السماوىء وثيقة عدد 6» ينظر الملاحق فى: التليقء ص 505. 
.6 ,(1995 ,211155) :120115) 071115501765 05 2176) 16 ,135000110 .ىم 23 


1 أحمد قاسمء إيالة تونس العثمانية على ضوء فتاوى ابن عظوم 1600-1574 عات مؤسسة التميمى للبحث العلمى والمعلومات» 2004 )؛ التليىء ص 456. 
25 التليل: ص 457. 


66 





حضور الدولة وتمثّلاتها في المجالات الطرفية 0 ير 
إيالة تونس في الفترة الحديثة لطبور دراسات 
سر ) 


4. توظيف الشأن الديني 

دأب الممسكون بالسلطة في تونس على توظيف العامل الديني واتخاذه مبررًا أيديولوجيًا لحكمهمء حيث كانت صورة الدولة 
الحامية للدين ولبيوت الله ولحملة القرآن مهمةً لتعزيز تلك الشرعية المكتسبة من الأتراك العثمانيين الذين كان يُنظر إليهم بوصفهم 
مدافعين عن ديار الإسلام أمام تهديدات الإسبان المسيحيين. وقد سعت الطبقة العسكرية السياسية التركية إلى احتواء الفقهاء والعلماء 
في العاصمةء في المان الداخلية وكذلكء. من خلال جعلهم يستفيدون من حضور الدولة عبر تمتيعهم بعادات مرتبة ومقتطعة من 
المداخيل الجبائية» وبإعفاءات من الضرائب في شكل ترك»ء وبهبات في شكل إحسان*". ويتولى هؤلاء خططا لها علاقة بالعلوم الدينية 
مثل الإمامة والتدريس» ويتقاضون مقابل خدماتهم رواتب تصرف من مداخيل الأحباس. وقد اهتم البايات المراديون ثم الحسينيون 
بأماكن العبادة والتعلم» وحرصوا على أن يكون ذلك الاهتمام مرئيّاء فأذنوا بالقيام بأعمال الترميم والصيانة التي تشمل الجوامع والزوايا 
والمدارس» وتيسير انتصاب المدرسين وتخصيص مساعدات لإسكان الطلبة وإطعامهم!. 


واستهدفت سياسة الاحتواء كذلك الأولياء الصالحين وناشطي العمل الطرقيء بحنًا عن الاستفادة من تأثيرهم في السكان. 
فمنذ بداية الحضور العثماني» عملت السلطة الجديدة على استئصال تأثير الطريقة الشابية التي كانت لها صبغة سياسية احتجاجية 
ووجدت لها صدى في مدن وقبائل الدواخل. وفي المقابل» يسّرت انتشار الطرق التي كانت أكثر استعدادًا لقبول الأمر الواقع السياسي 
والعسكري الجديدء مثل الزاوية الغريانية والزاوية القشاشية**'. وخلال القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشرء برز العديد من 
رموز الصلاح في العديد من الأوساط في أجواء من التسامح تجاه هذه الأصناف من الأوليائية التي كانت تمثل حليفًا موضوعيًا للسلطة 
المركزية. ووجد المعترف بهم بوصفهم صلحاء وبعائلاتهم كل الدعم والرعاية من السلطة المركزيةء بتوفيرها لهم الهبات والامتيازات 
والاحترام ونوعًا من الحصانة. 


كان مسار التحييز الذى قامت به الطبقة العسكرية السياسية التركية يهدف إلى تعزيز حضور الدولة في المناطق الداخلية. ولكن 
ضمان خضوع السكان يظل مرتبطا بالتمثئلات التي تنشأ لديهم حول حضور الدولة وأجهزتها ورموزها. 


ثانيًا: المتحول في تمثلات الدولة 


يعتقد ماكس فيبر أن مشروعية أي نظام سياسي هي التي تجعل تقبّله أسهل ورفضه أقل07©. وتكون التمثّلات التي تتكوّن عن 
السلطة بالضرورة خاضعة لسياق زمني*). ويجسدها إنتاج صور يتداخل فيها الموروث وإضافات الأجيال المتعاقبة التي تحدّدها حسابات 
الفاعلين وانتظاراتهم. وكما أعلنًا في بداية الدراسة» سنحاول متابعة التصورات التى تشكلت لدى سكان المناطق الطرفية حول الدولة 
من خلال آثار مكتوبة في سياقات مختلفة. 


6 الأرشيف الوطنيء الدفاتر الجبائية بين 1676 و1881. (تنصّ الدفاتر على امتيازات في شكل ترك وإحسان لفائدة العلماء والفقهاء). 
7 حسين خوجة» ذيل بشائر أهل الإبمان بفتوحات آل عثمان» تحقيق وتقديم الطاهر المعموري (طرابلس» ليبيا/ تونس: الدار العربية للكتاب» 1975)» ص 48. 


8 التليىء ص 370؛ 
.(1939 ,4106210 .ل .مططآ :كتمدخ[) (دو0-15ع14) سأآططسطن) كه| 1© 1017011071 :10170114110155 111/105 ,11ا0» 1اأعمهكل/ط .ان 


.6 .و(15,1973[ل1ل) :5لكة1) 2277ل[ لله 169111711116 © 701/1017 ,211165 ,.1 أء للومطتةن) .1/1 29 


و(:011) 012ع85 "1١11‏ :1 "ربعن 1رعن01 12-6171-1027 4 0 72/121011 ©0 211277265 ك2 | 7©11001711 1565© 1© /171111111170 70111017 ,0116) :0611011 11© 13710265 1065" ,120130 .0) 30 
6 .1 


67 





20 


العدد 12 


م 
بطل تموز / يوليو 2020 
1م 
لم 


0910101 


ددا 


آ. صورة الدولة المتسلطة ولكنها مقبولة 

اعتمدنا في هذا العمل على مؤلف منقبي كتب بعد سنة 1622. تاريخ وفاة الولي الذائع الصيت في العاصمة والدواخلء أبي الغيث 
القشاش. وقد ألف الكتاب مقدمٌ الزاوية بمدينة قفصة المرتبطة بالطريقة القشاشية» وكان هدفه من هذا التأليف التعريف بفضائل شيخه 
وكراماته وأعماله. ويتعلق الأمر بالمتتصر بن المرابط بن أبي لحية» الذى ولد وعاش في هذه المدينة الداخلية في أواخر القرن السادس عشر 
والنصف الأول من القرن السابع عشر؛ وينتمي إلى "الناس العاديين". وكانت له فرص في السفر وتمكن من زيارة تونس خاصة في عدة 
مناسبات. وقد أورد في كتابه العديد من الطرفات المعيشة» واحتوى خطابه على العديد من الألفاظ والمصطلحات التي تعكس التصور 
الذي تشكل لديه حول تلك السلطة المركزية التي انتصبت حديثًا في تونس. 

ومن خلال قراءة هذا المؤلّفء يتبين أن ابن أبي لحية كان مدركًا أن السلطة الجديدة كانت بيد "الترك" الذين يتصرفون في العسكر 
التري ويستمدون شرعية وجودهم من دورهم الحاسم في مواجهة "النصارى" الذين استولوا على تونس» ويشير في ذلك إلى الإسبان. 
ويميّز ابن أي لحية في خطابه بين مختلف المؤسسات المكونة للدولة» فذكر الباشاء باعتباره "خليفة السلطان"69. وفي هذا النطاق أشار 
في عدة مناسبات إلى رمضان باشا الذي تولى الإشراف على إيالة تونس بين سنتي 1577 و1579. كما تحدث عن مؤسسة الديوان 
بصفتها مجلسًا لضباط العسكر التري. واستعمل لفظة "المماليك" للإشارة إلى الانكشاريين الذين يتكون منهم العسكر. وأثبتت رواياته 
للأحداث في الكتاب أنه مطلع على أهم التحولات التي طرأت على السلطة التركية في نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع 
عشرء حيث خصّص فقرات لثورة الدايات سنة 1591 التي أنهت احتكار كبار الضباطء أي البولكباشية» للسلطة في تونس. غير أَنّ مقدم 
الزاوية القشاشية سعى إلى ربط مذبحة البولكباشيين بغضب الول القشاش منهم ودعائه عليهم'*. 


كان مؤلف نور الأرماشء من جهة» واعيًا بأن التسيير الجماعي لشؤون الدولة من قبل أعضاء الديوان لم يدّم طويلاء بل أفرز 
بروز سلطة فردية داخل هذه المؤسسة؛ وقد ذكر في عدة مواضع من كتابه عثمان داى الذي نجح في احتكار السلطة بين يديه في الفترة 
1610-4. ومن جبة أخرى: كان متفطنًا للثنائية التى اصودة تطبع رام السلطة في بداية القرن السابع عشر من خلال حديثه عن 
وجود سلطة الداي إلى جانب سلطة ثانية مثّلها باى المحلة الذي يقوم بجولات دورية في الدواخل. واعتبر المتتصر الباى كونه الحاكم 
الفعلى للمناطق الداخلية حيث وصفه بكونه "المالك أمر بلاد الجريد وإفريقية والساحل"63. هذه الثنائية هى التى ستتطور لتفرز لاحمًا 
الحكم السلالي للبايات المراديين» الذي أنتج تقليمًا لدور الداي الذي لم يعد الشخصية السياسية الأولى في تسيير شؤون الدولة. 

أما حول طبيعة السلطة الحاكمة» فإن ابن أي لحية رسم لنا صورتين متباينتين من خلال الروايات التي أوردها من الواقع المعيش. 
فقد تحدّث بوصفه أحد سكان مدينة قفصة, معيدًا إنتاج الصورة التى ركبت في هذا الوسط الواحى حول الممسكين بالسلطة في تونس. 
فبحسب هذه الصورة» الباشا هو عبارة عن شخصية سياسية تتمتع بنفوذ مطلق وتعسفي» حيث سمح الباشا لنفسه» والمقصود رمضان 
باشا (1579-1577)ء بحبس مشايخ قفصة لمجرد مجيئهم إلى تونس للتشكي من تجاوزات المسؤولين المحليين. وكان سجنهم في ظروف 
رهيبة» حيث ذكر ابن أبي لحية أنهم كانوا مشدودين بالسلاسل طوال خمس سنوات628. 
31 القفصي. ص 393. 
2 المرجع نفسه. ص 218. 


3 المرجع نفسه. ص 356. 
4 المرجع نفسه.» ص 428. 


68 





حضور الدولة وتمثّلاتها في المجالات الطرفية 


ل 
إيالة تونس في الفترة الحديثة أ ل دراسات 
جه 
1 


صورة الشخصية السياسية المتسلطة والظالمة» ألصقها ابن أي لحية كذلك بعثمان داي» حيث ركز على إبراز عداته الشديد للطريقة 
القشاشية ولأتباعها. وللتأكيد على انعدام أخلاقه واستبداده» ذكر بأن هذا الداي سعى إلى افتكاك زوجة محصنة من زوجها65. كما 
جسد مؤلف نور الأرماش هذه الطبيعة الظالمة والمستبدة للممسكين بالسلطة من خلال شخصية رمضان بايء قائد المحلة» الذي كان 
يأتمر بتعليمات عثمان داي؛ فذكر بأن هذا الأخير سلط قمعًا شديدًا على سكان قرية سدادة الواحية بمنطقة الجريدء الذين تذرعوا 
باحتضان قريتهم لزاوية سيدي بوهلال لرفض دفع الضرائب. وتعمّد ابن أبي لحية في روايته للأحداث تفصيل أشكال القمع الذي 
مارسه الباي» بقوله: "وقتل منهم رجال [كذا] كثيرة وسبى رجالهم ونساءهم وأولادهم وباعهم في المحلة بالسوق والدلال"690. 


وربط المؤلف أيضًا صبغة التعسف والظلم بالصورة التى قدّمها حول مراد باى قائد المحلة الذي رمى به في السجن مدة شهرين 
وعشرهة أيام بقصبة قفصة بتهمة وأهية: قِ نظره "قراءة كتاب اعتبر بكونه غير مطابق للسئة "377 , وبهذا السلوك والتصرف قد الباى. 
بحسب ما دوّنه ابن أي لحية» أنه من الممسكين بالسلطة الذين يعاقبون لمجرد الشبهة ومن دون التثبت من صحة التّهم الموجهة. 


تندرج هذه التقديرات والأحكام الصادرة عن ابن أبي لحية في نطاق النظرة التي كان يحملها سكان المناطق الواحية حول السلطة 
المركزية المتتصبة في تونسء حيث ينظر إليها بوصفها جهارًا تعسفيًا ومستبدًا وظامًا ولا يراعي الأولياء الصالحين والطرق الدينية ولا يعير 
الحقوق أي أهمية. لكن الكتاب يبرز في الوقت نفسه صورة أخرى عن السلطة الحاكمة» موازية ومغايرة تمامًا للصورة التي سبقت 
الإشارة إليها. 


تكتسى الصورة الثانية التى رسمها مؤلف نور الأرماش خصائص إيجابية؛ حيث قدّم يوسف داي الذي تولى أمر الإيالة سنة 
0 باعتباره الحاكم الحريص على حسن العلاقات مع الولى أبي الغيث القشاش ومع فقراء زاويته» ونسب إليه قولا يثمّن فيه دور 
هذا الولي الصالح بأسلوب واضح ودقيق» مخاطبًا العسكر التري والديوان: "هل فيكم من بنا [كذا] مسجدّاء أو كسا عريانّاء أو سقا 
[كذا] عطشاناء أو أخرج أسيرًا من يد التصارىء أو فداه بماله [...] إن الشيخ أبو الغيث [كذا] يسدّ عليكم جميع الأبواب الى لا تق ”ا 
[كذا] على سدّها"69©. فحسب هذا القول» يبرز حرص الداي وسلطته على التعامل مع المشاكل الاجتماعية بواقعية» وكذلك اقتناعه بأن 
مصلحة الدولة تقتضى السماح بمجال من حرية النشاط والتحرك للطرق الدينية في إدارة الشؤون العامة. 


وفي هذا السياق ذاتهء أبرز ابن أبي لحية خصالا لمراد باي المحلة» رغم أنه في موضع آخر أشار إلى مسؤولية الباي نفسه على سجنه 
بغير وجه حقٌء معتيرًاً ذلك مظلمة سلطت عليه من دون موجب وجيه. وقدّمه على أنه الحاكم الذي يتقبل شكاوى سكان المناطق 
الداخلية» حتى إن استهدفت مسؤولين جهويين أتراكا. وقد وصل الأمر بقائد المحلة مراد باي إلى حدّ سجن القائد التري بمدينة قفصة 
وتسليط غرامات ثقيلة عليه!0. 


رسم مقدم الطريقة القشاشية» من خلال ما دوّنه حول الداي وكذلك الباي» صورة السلطة المركزية التى تعمل على ردّ الحقوق 
وعلى رفع المظالم عنهم. وهي التي تراعي مجال التحرك المسند إلى شيوخ الطرق الدينية وتأخذ في الاعتبار الهياكل الجماعوية المحلية 
في إدارة الشأن العام. 


5 المرجع نفسه. ص 458. 
6 المرجع نفسه. ص 450. 
7 المرجع نفسه» ص 456. 
8 المرجع نفسه. ص 141. 
9 المرجع نفسه. ص 428. 


69 





20 


العدد 12 


ور 
بطل تموز / يوليو 2020 
| ف 
مك 


0910101 


يم 


إنْ التناقض بين الصورتين المرسومتين لسلطة الدولة في نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشرء من خلال كتاب 
نور الأرماش لا يعدو أن يكون ظاهريًا. فالصورتان ضروريتان بالنسبة إلى استراتيجية ضمان ولاء السكان وخضوعهم للدولة؛ حيث 
تثير أجهزة الدولة لدى سكان المناطق الداخلية الخوف من إمكانياتها في استعمال القوة والتصرف في الوسائل الردعية» ولكنها تظل 
في الوقت نفسه ملجأهم عند حصول تجاوزات وانتهاكات تطال حقوقهم من قبل أعوان الدولة في المستوى الجهوي والمحلي. كما أن 
هذه النظرة الثنائية لدى سكان الدواخل تعكس الحذر من قبولهم حكم "الترك " الغرباء عليهم» وفي الوقت ذاته الوعي بالحاجة إليهم 
لضمان الآمن والاستقرار من دون الاستعداد لقبول التفريط في مجال الاستقلالية الضروري لاشتغال الببياكل الجماعوية المحلية. وقد 
خضعت هذه التصورات حول الدولة للتطورء مواكبة تحولات الواقع وتغير الذهنيات في الفترات اللاحقة. 


2 تمثل المركزي في المحلي 

المصدر الثاني الذي اعتمدناه في هذه المتابعة على المدى الطويلء كما سبقت الإشارة إلى ذلك» هو كتاب مؤنس الأحبة فى أخبار 
جربة*». ويعتبر مؤلفه, محمد أبو راس الجريء نفسه كاتبًا للتاريخ» اعتمادًا على كتابات سابقة وعلى أخبار منقولة "عن الثقاة" [كذا] 
وعلى أحداث عاشها في النصف الثاني من القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر». وقد اشتغل عليه المؤرخ محمد المريمي 
المختص في تاريخ جربة والجماعات الإباضية في الفترة الحديثة'42». وركزنا الاهتمام على دراسة الكيفية التي تمثّل بها محمد أبو راس؛ 
أصيل جزيرة جربة والمقيم بهاء السلطة المركزية وعلاقتها بللجتمع المحلي. علمًا أن هذه الجزيرة موجودة في الجنوب الشرقي للإيالة, 
وتبعد عن العاصمة مئات الكيلومترات. ْ ْ 


تتميز جربة بوجود تقاليد استقلالية لدى أهلها بحكم الموقع الجغرافي لهذه الجزيرة والانتماء المذهبي لأغلبية سكانها (من أتباع 
الإياضية) والتجاذب المتواصل بين عسكر تونس وعسكر طرابلس في بسط السيطرة عليها. وخلال سرده لتاريخ جربة وأهلهاء استعرض 
أبو راس أحدانًا سابقة لعصره بطريقة تعكس ثبات فكرة الدولة المركزية والوزن الطاغي للمركزي على حساب المحلي. فقد حرص على 
استعمال "صاحب تونس "3, وهو يشير بذلك إلى المتحكم في السلطة المركزية الذي يخضع له سكان المناطق الداخليةء إن كان 
السلطان الحفصي أو الباشا (من دون ذكره) أو عثمان داي أو الباي علي باشا أو حمودة باشا الحسينيء؛ والذين ذكرهم بالأسماء في مؤلفه. 


وأفرد حمودة باشا بعبارات التعظيم» حيث نعته ب "المعظم" و"أمير عصرنا"49) معبّرًا عن انخراطه في فكرة الدولة المجالية الخاضعة 
لركز الحكم في تونس والتي تتحرك في مجالها المحلة بتعليمات من رأس السلطة77'. واعتبر أبو راس أهل جربة من رعية "أمير تونس ", 
007 الشبخ أوالعامل بهذه الحزيرة بعيّن وعزل تقرارمثه وأنّهما مسؤولان عن سياستهما أمام هذا "الأمير "49 .و اق أبو راس ضمتنا 
اكتساب الرعية» بصفتهم تلك» لحق التشكي من تجاوزات المسؤولين المحليين أمام الباي» الذي يصبح مطالبًا بالتفاعل مع تشكياتهم 


0 الجربي. 
1 المرجع نفسه. ص 69. 
2 محمد المريمي؛ إباضية جزيرة جربة خلال العصر الحديث (تونس: كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة» 2005)؛ 
© 0 411:65 !7 01520170071165 111671101765 عزلتء 0 © 2011517111011 94[ آ© كنع[ نتم 4ق 10077110[ كه 11111 -أه 011 1رنره الى ع0 770711101165© كط" ,تلمع كل8ة .3/1 
283 الل عك 12طع]ط 10لمتتقطاع0 طخل باع1000/! 1 .خ ,12/ 7151011092702 1© 71116710176 ,10711116 7ع هل[ لال 1١17151017‏ 06 1711117165 خطآ "روطىء 12 ء0 
.39-7 .22 و(2007 ,58581] ,11111231265 5ع656ع5016 و5عل أهء 5ع اماع[ 5ع 116ناعة]آ 12 ع0[ املغخدعء1اطباط :وطق ظ][) (.00010) 
3 الجر بي» ص 113. 
4 المرجع نفسه.» ص 122. 
.6 ,01ااع]171 45 


46 الجربي» ص 114: 119. 


/)0 


حضور الدولة وتمثلاتها في المجالات الطرفية 4 
إيالة تونس في الفترة الحديثة 55 


وبرفع المظالم التي تطاول الرعايا. وفي هذا النطاق» رسم صورة "الدولة الراعية" التي لا تتردد في الضرب بكل قوة على أيادي من "سار 
سيرة سيئة ولم يحسن التصرف في الرعية". فلمثل هذه الأسباب» يورد أبو راس في كتابه أنّ علي باشاء وبعد رفع الرعية أمرّها إليه» يسارع 
إلى عزل الشيخ محمد بن صالح ويأمر بسجنه ومصادرة أمواله وتهديم منزله(7». 

تدل الاستعمالات المتتالية للفظ "الرعية" من مؤلف مؤنس الأحبة على المعنى الذي يعطيه لهاء حيث يبدو مفهوم "رعية الباي". 
من جهةء كأنّه يلغي التمايز بين أتباع المذهب الإباضي والمذهب المالي لكي يجعل منهم في الإطار العلائقي نفسه مع السلطة المركزية!8. 
ويشيرء من جهة أخرىء إلى الأقلية اليهودية المقيمة في جزيرة جربة باعتبارها من أهل الذمة ومن رعية الدولة الحسينية. ومن خلال 
هذه القراءة يمكن القول إن المجال الجربي أصبح في القرن الثامن عشر مجرّد جزء من مجال الإيالة» وإنّ السلطة المركزية تمسك 
بخيوط الشؤون المحلية» وإنّ واجبات الدولة تحددها استحقاقات الرعايا وانتظاراتهم. وقد تبلورت هذه الصورة ذاتها في الأذهان مع 
وضوح أكثر في تحديد استحقاقات الأطراف المعنية بممارسة السلطة في النصف الثاني من القرن التاسع عشرء وهذا ما سنبيّنه من خلال 
الوثيقة الثالثة. 


3 السلطة بوصفها جزءًا من المعيش المحلي للسكان 

تتمثل الوثيقة الثالثة» التى اعتمدناها فى هذه المتابعة للتمتّلات التى تشكلت لدى سكان بعض المناطق الطرفية حول الدولة» فى 
رسالة صادرة عن جماعة قفصة: إلى مجلس الأعيان: إلى الوزير الأكبر المتنثذ مصطفى خرندار (1878-1817) سنة 864:اه». ,01 
موضوعها بجدال خول تعيين قايد على هذه المدينة الواحية (الجنوب الغربي للإيالة) في فترة اضطرابات سياسية؛ حيث كانت ١.١‏ | 
الي سر لحريس ] مايه روا ب ل ل لم د ل وكات كيدها "الإعانة") شملت الوسط القبلي 
والقروي والمديني. 

وقد حدث خلاف ضمني بين أعيان المدينة حول وجاهة هذا التعيين الذي يهم قايدًا من أصول قبلية» أحمد بن يوسفء وهو من 
الأعيان المتنفذين بأولاد 5 أقوى.عروش الهمامة .وهو ما آثار عنيظة فق مهم من أعيان المدينة. ولذلك جاء خطاب الرسالة 
حجاجيًا ويهدف إلى الإقناع بسلامة قرار التعيين» مع الحرص على سحب البساط من منتقديه من منظور الفاعلين المحليين. وتساعد 
قراءة هذه الرسالة وتحليل خطابها ومساءلة المصطلحات المستعملة فيها على فهم نوعية الثقافة السياسية السائدة لدى الأعيان المحليين 
وتمتّلهم للدولة ولعلاقتها بالسكان. 

ورد في نصّ الرسالة استعمال لعبارات تعدّ مستحدثة» نوعًا ماء مثل "المصلحة العامة" و"مصالح الدولة السعيدة" و"مصلحة 
الوطن"79) (بمفهوم المنطقة). ووقع التأكيد فى هذه الرسالة على أن الحكم على أى قرار سياسى محدد ينبنى على مراعاة هذه المعايير» 
أي مدى تطابقه مع هذه المستويات الثلاثة» المتداخلة والمتكاملة. وقد حدّدت الرسالة بوضوح الانتظارات الأساسية للسكان من السلطة 


7 المرجع نفسه.» ص 119. 
6 .2 والطااء171 48 
9 الجمهورية التونسيةء الأرشيف الوطني التونسي» السلسلة التاريخية؛ ملف 230: إضمامة 20» خزانة 1 وثيقة بتاريخ 10 رجب 1281ه. 
0 مصطفى التليل: منطقة قفصة والهمامة في عبهد محمد الصادق باي: 1882-9 (تونس: دار صامد للنشرء 2004)؛ 
:117 نان 7014/1 ©1217 :12 "رعاء516 ع1 11 11181 1ه111ج2 ع0 ع20121 مكل 161261211 .3 تتممصحداط دعل 1ع155املاآ ماعظ لعتصطخ" ,11111 حطممأكس/1 


217-24 .م76 ,(2006 ,ع2105][ عك ع7لاع11315022--)1ل115 :15ية) (.1ل0) 12طاع]1 0 تممتقطاعل طق ,دء 710105111417 0117/721171"0110115© 065 11011071110116 


1 تستعمل كلمة "الوطن" (بالسكون على الطاء والنون) بمعنى الجهة أو النطاق الإداري الجبائي المنسوبة إلى موقع جغرافي أو قبيلة مثل وطن جربة أو وطن ورغمة أو 
ل 


/1 





ماله 


ع 


العدد 12 


بطل تموز / يوليو 2020 
حلم 


0910101 


المركزية وأعوانها المحليين» وتمثلت في حماية المدينة» خاصة من غارات المجموعات القبلية» "العربان": ومن "تعب البوادي"» وتحقيق 
الأمن والاستقرار. وعرضت في الرسالة استحقاقات السكان المرجوّة من الدولة» وقدّمت على أنها مشروعة مقابل الالتزام ب "مطالب 
الدولة" وهي ضمان "طاعة" السكان للدولة الحسينية وامتثالهم لها وخلاص "جميع لوازمهم" من الأداءات المرتبة عليهم. وفصّلت 
الرسالة ذلك بوجوب إحضار مونة المحلة وخلاص القانون (أداء على الزياتين والنخيل) والإعانة أي المجبى (أداء على الذكور البالغين) 
إلى خزينة البايليك. 

بيد أن هذه الرسالة» استعملت فيها مفردات مثل "العبيد" و"الخدام" و"مبادرة العبيد للسيد" بما يمكن أن يوحي بنوعية معينة 
من العلاقات التي تربط الأعيان بنظام البايليك. لكن استعمال تلك المفردات يُعزى أكثر إلى متطلبات الخطابات المعهودة الموجهة إلى 
الباي ووزرائهء وهي أقرب إلى مجرد إعادة لصيغ جاهزة تُساق عادة في مثل هذه المراسلات» وهي لا تعكس حقيقة طبيعة العلاقة بين 
الدولة ورعاياها بأي حال. وفي جميع الأحوال تبدو الدولة» من خلال نص الرسالة» حاضرة في أعين السكان في المستوى المحلى وفي 
الشأن اليومي لحياتهم بواجباتها تجاههم وحقوقها عليهم التي تحددها اتفاقات ضمنية بين الحكام والمحكومين. 

وفي هذه الحالة» يبدو الاتفاق الضمني بين السلطة المركزية والجماعات الواحية كأنه أصبح مُمأَسسًا مع تطابق في المصالح وتبادل 
للالتزامات: أي إنّ هناك وجودًا لقواعد تمارس على أساسها السلطة وتخضع للتفاوض ولاستنباط التوافقات والتسويات50), والتي تتعزز 
بها مشروعية الدولة. لذلك يمكن القول إِنْ الإصلاحات السياسية والمؤسساتية التي شهدتها إيالة تونس في النصف الثاني من القرن 
التاسع عشر (عهد الأمان ودستور 1861) لم تكن معزولة عن التحولات الميدانية التي شملت علاقة الدولة برعاياها في مركز الحكم وفي 
المناطق الطرفية. 


خاتمة 


تستى الدولة في المركز فحسبء بل كذلك في الأطرافء ولكن بحسب نسق متفاوت وفي تفاعل متواصل مع انتظارات السكان 
وردود أفعالهم . ويقاس مدى تماسك الدولة بحضورها في المناطق الطرفية عبر مؤسسات وآليات ورموز. وتدفع ضرورة مواكبة روح العصر 
ومستجداته ومتطلباته إلى تغيير نمط ممارسة السلطة وتطوير آلياتها وتجديد جوانب من الخطاب السياسى لدى الحكام والمحكومين. 
ويظل مسار بناء الدولة مرتبطا بمدى مقبوليتها من رعاياها الذين يوفرون لها المشروعية التي تكون في حاجة دائمة إلى التعزيز والتجديد. 


وتكون العلاقة بين المعطى المحلى والسلطة المركزية جدلية» فيها التجاذب والتفاوض والتوافق والتنافر. وهي محكومة بالبحث 
المتواصل عن توازن غير دائم بين تمسّك الجماعات المحلية بمجال من الاستقالالية وحاجتها إلى حضور الدولة وإلى المركزة السياسية. 
وتُفرز تطورات الواقع المادي وخصوصياته تنوعًا في مسارات بناء الدولة حتى بين بلدان متشايهة في وضعها السياسي العام» مثلا بين 
مقاطعات بلاد المغرب التابعة للدولة العثمانية في الفترة الحديثة (إيالات تونس والجزائر وطرابلس). ويبقى الجدل متواصلا ومتجدّدًا 
حول تناول موضوع الدولة بين المشروعية والشرعية وبين المركزية والتشاركية في الفترتين الحديثة والمعاصرة. 


و(2015 ,160265 تحتل 1')01 :ك0من1 ) 111711516 211 11711101011 ©0 701111011 1111هأاكى لأ 1111071110116 :110[:©71© 1 1© أء[لاى ع1 ,767 ©[ ,116013 10متقطاعل0طم 52 
107-2 .2 


و 


حضور الدولة وتمثلاتها في المجالات الطرفية غُ ير 
إيالة تونس في الفترة الحديتة ١‏ را 5ل دراسات 


القصبة بمدينة قفصة فى بداية القرن العشثرين 





برج الغازي مصطفى بجزيرة جربة 





المصدر: الرصيد الفوتوغرافي لجمعية صيانة جزيرة جربة. 


03 

















العدد 12 ]1 تموز / يوليو 2020 


المراجع 
العربية 
٠‏ ابن أي الضيافء أحمد. إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان. تونس: كتابة الدولة للثقافة والأخبارء 1963. 


٠‏ ابن سليمان» فاطمة. الأرض والجوية: نشوء الدولة الترابية فى تونس 1881-1574. تونس: جامعة تونس - كلية العلوم الإنسانية 
والاجتماعية» 2009. 


٠‏ الأرشيف الوطنيء الدفاتر الجبائية بين 1676 و1881. السلسلة التاريخية. 
!رشيف الوطنىء الدفتر غدد 391 و555. السلسلة التاريخية. 
:. الأرشيف الوطني» الدفتر عدد 645 و1679. السلسلة التاريخية. 


. التليلىء مصطفى. قفصة والقرى الواحية المجاورة حول الحياة الجماعوية: من بداية القرن 18 إلى 1881. تونس: جمعية صيانة 


مدينة قفصة: 2009. 


. منطقة قفصة والهمامة فى ععهد محمد الصادق باى: 1882-1859. تونس: دار صامد للنشرء 2004. 


٠‏ الجربيء محمد أبو راس. مؤنس الأحبة في أخبار جربة. حققه ومهد له وعلق عليه محمد المرزوقي. تونس: المطبعة الرسمية؛ المعهد 
القومى للاثار والفنون: 1960. 


٠‏ الجحمهورية التونسية. الارشيف الوطنى التونسى. السلسلة التاريخية. ملف 230. إضمامة 20. خزانة 1. وثيقة بتاريخ 10 رجب 1281ه. 


٠.‏ خوجةء حسين. ذيل بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان. تحقيق وتقديم الطاهر المعموري. طرابلس» ليبيا/ تونس: الدار 
العربية للكتاب» 1975. 


٠‏ السعداوي» إبراهيم. "تطور عائلة مخزنية بتونس في العصر الحديث: آل بن عياد بين سنوات ©1837-1740". رسالة دكتوراه غير 
منشورة. كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية» جامعة تونس» 1999. 


.2015 الشايء على. تاريخ الشابية خلال العهدين الحفصي والعثماني. تونس: دار النقوش العربية»‎ ٠ 
.1982 عرفة الشابي: رائد النضال القومى فى الععهد الحفصى. تونس: الدار العربية للكتاب؛‎ . ٍ 


٠‏ الشريف» محمد الهادي. تاريخ تونس: من عصور ما قبل التاريخ إلى الاستقالال. ترجمة محمد الشاوش ومحمد عجينة. تونس: 
دار سراس للنشرء 1980. 


٠.‏ قأسم» أحمد. إيالة تونس العثمانية على ضوء فتاوى ابن عظوم 1600-1574. زغوان: مؤسسة التميمى للبحث العلمى 
والمعلومات, 2004. 


لقغفصي» المنتتصر بن المرابط ان ابي لحية. نور الأرماشس ف مناقب القشاش. دراسة وتحقيق لطفي عيسى وحسين بوجرة. تونس: 
المكتبة العتيقة.» 1998. 


/4 


حضور الدولة وتمثلاتها في المجالات الطرفية 4 
إيالة تونس في الفترة الحديثة 55 


.2005 المريمي» محمد. إباضية جزيرة جربة خلال العصر الحديث. تونس: كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة»‎ ٠ 
.2012 هنية: عبد الحميد. تونس العثمانية: بناء الدولة والمجال من القرن السادس عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر. تونس: تبر الزمان»‎ . 


الأجنبية 
ع111/اغ أء 1/11 311:2 15نا ]1 3 '©1261155 221650116 011112 20251111611011 بآ :11323115993 :311 111165 105" .53101 ,8231530111 ٠‏ 
.(2005 7إ011131ء "[) 1 .120 ,60 .701 .كه 50141 52167225 ,11151017 .471110105 ".وع1ع516 
1 و0'3811 1315015 :51311 :123115 .1989-1992 ©170772 © ءو1/6م) عل 15لامن) :1/1041 '] “الى .ع:11ع21 ,ناء8011101 ٠‏ 
,115 ن) :820115 .لء7/عهلر/ا[ لاه 162111711116 1© 70111017 ,1/1165 .31 أء .أعطاء11 ,اهمون ٠‏ 


-1820) 1'132>31565 81301101165 11510110 12011025 وعب[آ :عطمع2200 غواع'! عل دعطاع 1ه و5ع[" .111711 81165-0طن) راأعطهط2ةن) ٠.‏ 


.(1993) 1 .7701 .1707116 06 17071141356 10016" | 0 170115هء 1أطرسس ".(0و19 


10 لطاع لطم بطع 101100 1آ عمهةطططة 1ع 0 حال .112/م 27:0 115107:10/ 1© :1116711017 ,102111116 :7ع هل/|[ لال ٠ 171111765 06 ١171151017:‏ 
و5 11] و5عع25ع501 وع0 أهء دع تااع.ا 5ع 6الباعة1آ 12 ع0آ 1102وه611ناظ :321] .(.00010)) 002قطلمع8 مصتطة تمع لطم ع و1امع1] 


.2007 
برأعك[ع20 وعووع1821 :123115 .10210111 ©0 011071111011[ هرا .81011 ,181135 ٠‏ 


-11010 :متتوط .(ختل) متمعآآ لتممتمطاعلطكق .كعرنه1] 10141 2110115 "تلاك 011/7 ك6 011 7711م زر[ «طاء7[ع هل[ ننه 10141 ©1817 . 


.6 21056[ ع 112315011111176 
11 1.1 :0 .1/12/2015 .0711101104125 "81017 '! عنان عع -أذء 011ل" ,لاع1ط 1131 ,راكنا ٠‏ 


طتنا) 118 .7701 .ك10/9ع50 5016712205 1ه ©76/7©7/[1 10 06 د5ء1ء24 ".27200612 غوا8'! عل عوممعع 12" .عم متاتطظ -طوعل ,اقمع ٠.‏ 
«(1997 


203 ,راع تتلا ظ :كته 8 .7011110112 17151/1411011مء 110110211 ©0711 :12101-11011011 '] 41765 .1111512 رك حطمعط 113 ٠‏ 


1غ أء 7/1116 11 11121516 طء 100215 00122121111211165 145 5111 أء 0315 00115011 1ل ع16ع1عء' .1" .0 ا[لمتقطاعلطخ هتمع ٠‏ 


.(2003) 10.1 ,115 .1701 .1201112 06 ©115 17171 لمعن '! 06 دعت 1/6117 ".وع1ن516 


نكل 1')(1 :15لذا1' .111111512 11© 1101011 1710'] © 7011110112 1111 اك 1الن 10101101111011 :110[0©71© 12 1© 511761 ©1 ,©7676 16 . 


161125, 


علمحتتمم عامعظ'!1 عل ومتكدعتآاطداط :حتمدآ' .(1880 -6ج6) 11/15 ع0 ع[أآره8 ء1 عءداه 70770715 5065 :76710 126 . 


.0 ,111215 ع0 ع1لاع6011م511 


5 غ[ناعة1 12 ع0آ 21610ع11طاناظ :ةطاناممطق اط .07171111275017 ©70 5011 02 10171كوع 12 0 10151 0 :1/0/1071 هن 07/15 1/161071265 ٠.‏ 


,1.1115 
9 ,100010 .[ .1100 :15مذ[' . (1450-1592) مآططس[ن) كه! 1© 10170110171 :121701141101565 111105 .حان) ,أكتامعتطعدهك81 ٠.‏ 
.ب ,011[15) 12١3115:‏ . 0711550175[ 025 ©0176) ©.,! .016 طك ,3370000] ٠‏ 


©/ 6107 101 ع0 كءونء 510 كن ]| 1لاى 161110701165 1111127 ©1/لأء-51© 1007116[ 1 اط لل 71011011 هط" .160611 [1-موع[ ,مالتقطعكد ٠‏ 


.(2005) 1-2 .20 ,46 .1701 .ءككلل 101:0[ اال كنرك 21/11 ". :1151017 11© ©601117017:01151 


أء 1/111 ,هع11/آغ عتناه (©112151 ) 03152) ع0 02516215 001017111211165 5ع]1 1لا :20115011 ال عف1علاععرء' 1" .قطمة كط ,1111 ٠‏ 


.(2012) 46 .7701 . 510711010210115[ 471110195 "'.131]105طء165م©1 أء 2136101165 :وع1ع516 2126 


90 ,]613) :1111011عام 5 :ع116ل) .5102/2 1-022[ ::20111017 011 5[:111801101/125 77001/16110115 كت[ .(.011) 2111161[ ,1مء1185ا 1" ٠‏ 


20 


محبوبة مجيدزادة | طع2230لعءز3ل/ا لاعطههطط تال * 


الحريم الصفوي: إضاءات جديدة 


أطاع1! 2577 3 ا مع :1ط 5313510 عا أ 25ك[00.] 





يُعد موضوع الحريم محورا رئيسًا في جملة أعمال المستشرقين والرخالة الأوروبيين» نسجوا حوله خيالات تجاوزوا بها 
الواقع وأسقطوا عليه تمثلاتهم الثقافية, فتارة صوّروا المرأة الشرقية مقموعة وَمُقيّدة, وتارة أخرى انتقدوا دورها 
بصفتها فاعلا سياسيّا. وجعلوها أحد العوامل الرئيسة في انهيار الإهبراطوريات الإسلامية, وفي هذا السياق حظيت بلاد 
فارس بفيض من تلك الرحلات. تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على حضور المرأة الصفوية في المشهد السياسي, 
والمكانة التي حظيت بها في البلاط الصفوي بين الواقع والخيال: وتدعو إلى قراءة النصوص التاريخية بمعطيات معاصرة, 
وتجاوز الصورة النمطية بشأن حكم الحريم: ومحاولة رؤية الدور الذي قامت به المرأة أيضا في الحفاظ على بنى الدولة 
وتيسير الانتقال من حاكم إلى آخر بسلاسة, عبر عرض نماذج نسائية مارست المرأة فيها تأثيرًا سياسيًا جوهريًا في البلاط 
الصفوي. وقد لا تنطبق هذه الرؤية على النماذج كلهاء بيد أنها تنسف الفكرة الشائعة بشأن عدم أهلية المرأة لخوض 
غمار الحكم. كما تعرض الدراسة مسيرة المرأة ووضعها في ظل القيود المفروضة عليها ودورها في ازدهار الحضارة 
الصفوية. 

كلمات مفتاحية: الرحالة الأوروبيونء: الحريم, الدولة الصفوية: الدور الحضاري. 

لعأوعك اع12 .ولع 1اء131 وعم 0تتاط 320 21211515ع011 01 70112 عطا م1 21امعءه 135 بطمعتقط عطا 01 ع16مه1 عط]ل' 
أث .111611565 0772 تاعط) 7ا6 ل0ع220ع كما 7إاعع131 320 157لدع1 3056200 أهقطا باعتقط عطا أنامطج 132]05165 
101 “عط 116161760 15ع012 عالط لعمتحنتتاقع1 320 0ه1655مم0 35 طتقطح0طه7 لمامعء11ه0 عطا 01350م تإعغطا ,وعلطلا 
.115 15131016 عطا 01 ع5م0113ء عطا 10 عطتلوع]1 5امعمطعاء ع1 عطلا 01 عطه غ1 0ع611مع10 مله 1ماعة 00111651 2 05 
اع 53615 عغطا 320 عمعء5 7011631 غطا 12 تاعحطه0؟ 52105101 01 ععطووع1م عطا زه غطاع1! ل0عطد ما دكاعء5 ع1ء2161 115 
062155 ,1313 60116122013177 77111 قاءدعا 2151011221 125ل0دع1 101 2115 ناعم3م كتلط 1 .5تتنامء 53135710 عطلا ما لع تكاععع] 
0 ,5111101165 5121 ع0اكاعوع1م ا 1350م لاعطا 101 عطا 320خ]15ع120ا 10 عطاتكتا لطه ,ع101 مسعتهط 01 عمجامعنعأة عطا 
220 1770 تعحط0 01 5م101 عط ع مطتاتلاع71ع7 597 ع2مل ع5 7111 115 “متعطامطة م1 اع11011 عه 1م 16005آكمةا ع11]216اع12 
5 1 ,77012611 211 10 2201597 1201 12357 115 111 ,ركتتتامه 523135710 عط ما ععمع الما لوع111ه0م لمكمماةطند لعترععءء 
كا 210 77012611 01 5155 210 ع1 15716115 2150 031 11215 .505711 10 1121151011157 5012615 20111 1062 مططتمدامه عطا 


111 16 01 1101111511285 عغطا ا ع101 50121 تتاعطا 0ه بماعطا ذه 0560م122 كأطله511م0ت0 عط مع120ا كتطدأ؟ 


”5 ,51216 5313110 ولاعتةطط ,رواعاء 1135 وعم تتا :25550105 >1 


3 


باحثة في التارييخ.الايراني. 
,1501لا مماصقءا مأععاءنوعدع؟] 


/6 


الحريم الصفوي: إضاءات جديدة 0 / 3 


انَجه الفكر الأوروبي في أواخر القرن السابع عشر نحو دراسة الثقافة الشرقية بما تحويه؛ وتجلى هذا الاهتمام من خلال رحلات 
الأوروبيين إلى الشرق عمومّاء بما فيه البلاد الإسلامية. وقد حظيت بلاد فارس ومناطقها بعدد وافر من زيارات هؤلاء الرخالة الذين 
انّسموا بسعة اهتمامهم ورغبتهم في استكشاف المجتمع الفارسيء وكان موضوع الحريم من الركائز الأولى لكتاباتهم» وغذّتها هالة 
الغموض التي كانت تُحيط بالحريم في الثقافة الشرقية", وقد كان انجذاب هؤلاء الرحالة نزوعًا طبيعيًا وليد الفضول الغربي نحو كل 
ما يخص الشرق. وفي سياق الحضارة الإسلامية» كثيرًاً ما فْهمّت المرأة الشرقية على نحو خاطئ؛ إذ هناك من نسجوا أوهامًا وخيالات 
غنها تجاوزوا وها الحدود كلها تقدموا صورة #تمضور بخول الحريه باعتاره مكانا متعزلا» .ويشا النقاطات الى تمان 1" 
وأظهروا فيها المرأةَ مضطهدةٌ ومُقِيَدةٌ بأغلال الرّجلء تسعى لإرضاء شهواته البهيمية» وحالها يُرئ لهاء ولم يُنظر إلى نساء الحريم 


وعلى الرغم من ظهور نماذج نسائية تميزت بالذكاء والثقافة العالية والقدرة على إدارة شؤون الدولة بحزم وتشكيل السياسات 
الحاكمة» فإن الفكرة الغربية المتجدّرة في عقول الرحالة أنكرت هذا الظهورء وسارعت إلى انتقاد الدور السياسي لنساء الحريم اللي 
في التاريخ الصفويء بل أرهق المستشرقون كاهلها بفشل التجربة» فكانت تداعياتها إضعاف الدولة وانهيارها وإغراق البلاد في 
بحر الفسادء من دون محاولة التعمّق في طبيعة تلك الممارسات ومبرّراتها في المجال السياسي. قد تكون تلك الأفكار جاءت لتخدم 
الفكر الأيديولوجي والصراع الثقافي السائد بين الشرق والغرب في تلك الفترة؛ فمثلا وصف جون فرير 8/6 صطه1 (1733-1650): 
باستخفاف, النساءً الصفويات باعتبارهن يفتقرن إلى العقول المستقلة» وأنهن لم يُرئين إلا على "أمور الفراش [...] والرفاهية, 
والخضوع البهيمي "» ولم يُسمح لهن بالتدخل في "شؤون الدولة"7. وهي نظرة إثنومركزية تحاول تأكيد الصورة النمطية المترسّخة 
في الأذهان» في حين كان من قواعد البلاط الصفوى تعيين معلم لكل أميرة» يُلقَبِ "دادا", مهمّته تعليمها وإعدادها لأداء دورها 
2 خدمة الإمبراطورية!4. قِ حين روى كمبفر 81 ممعة]1 روط [ءعص8 ([1716-1651) وسانسون 0 .111 (1743-1663) كيف 
تلقت نساء الحريم بعض العلوم» وأهمها الأدب والرياضيات والتاريخ: فضلا عن الشعر وفن الخط والرماية7©. 

وقد ذكر جان باتيست تاورنيه تعتطاء137' ع1قنامة8 -موعل (1689-1605) "أنه ما إن تالاحظا نساء الحريم بلوغ الشاه ا 
ينشغل فيه بأمور المملكة ويسعى لممارسة سلطته في حكم البلاد [...] حتى يشرعن في تدبير المؤامرات للتخلص منهء حتى يصعد إلى 
العرش شاةٌ آخر يافع لا يهتم إلا باللهو معهن"». وهذا التصور خاطئ ويتعارض مع التقاليد الصفوية التي تقضي بعزل نساء الشاه 
1 الحريم: مصطلح متعدد الدلالات» يشير في آن واحد إلى الفضاء المخصص لإقامة النساء في القصرء ويُسمى عند الفرس "حرمسرا" وعند الأتراك "الحرملك"؛ ويشير 


كذلك إلى النساء القاطنات فيه. 

2 رونالد فريرء "المرأة في إيران الصفوية: شهادة الرحالة الأوروبيين" في: غافن هامبلي (محرر)ء المرأة في العصور الوسطى الإسلامية» ترجمة أحلام عثمان [وآخرون] 

(بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشرء 2014)ء ص 455-453. 

,50167 الإتاأكلة1]ط :20020م[) 3 .701 ,(.0ع) ع01001) ج2ة1111/لا ,1672-1681 ,كأءمحه 1 'كتتوعلا 1116( نو 21 110ك 171010 أكوط [0 40011111 ند 1ل كل راع157 1 متطامل 3 

.2 و(1915 

1 .31,110 .1701 ,1170111671 2451077 ,11310 111 157715102أع لم د طع ج110 23101 1011621101 5'ع ج110 مععتاء6 مالتطمكط1210اع] 11501121 عط 1" ,لطع ه810 اع زهمرمك 4 
571107 /1ع. 500 //زومطط :31 ,3/3/2018 01 5560ع260 ,7-8 .م0 ,(2015) 

5 انكلبرت كميفرء سفرنامهء كميفر (رحلات كمبفر)ء ترجمة كيكاووس جهاندارى» ط 3 (طهران: شركة سهامى انتشارات خوارزمى» 1363ش)ء ص 226؛ مارتن 

سانسون» سفرنامه سانسون [رحالات سانسون).ء ترجمة نقي تفضلي (طهران: كتابفروشي ابن سيناء 6 ش)ء ص 119. 

6 زان باتيست تاورنيهء سفرنامهء تاورنيه (رحالات تافرنييه)ء ترجمة حميد شيراني ([د. م.]: انتشارات نيلوفرء 1383 ش)ء ص 210. 


7 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


في قسم بعيد حال وفاته'» وينافي تعاليم الدين الإسلامي بشأن علاقات المحارم» باعتبار أن الوريث الجديدء عادة» هو ابن الشاه. 
00 عليه اللهو مع نساء أبية. ويناء عليهء ل تستفيد نساء الشاه من التآمر عليه والتخلض مته. 


اعتبر فلاديمير مينورسكي /0:51ه1ف]/1 'تندز77120 (1966-1877) أن "حكومة الظل المتمثلة في الحريم والملكة الأم» ساهمت 
على نحو كبير في تمزق الأسرة الصفوية". كما أن هيمنة الملكة الأم في عهد أحد الشاهات الضعاف وتدخلها في إدارة شؤون الدولة 
لا يعنيان بالضرورة هذا التعميم الكاسح» فهناك نماذج ساهمت أيضًا في تقوية أواصر الأسرة الصفوية» مثل السيدة تاجلو بيكم والدة 
الناه طهماسب. 

لكن» ظهرت في الآونة الأخيرة كتابات برؤى جديدة تسعى لإلقاء الضوء على أدوار النساء في تلك المجتمعات» وكيف تعاملن 
مع المواقف والصعوبات والموقع المحوري الذي تبوأنه في مختلف مجالات الحياة» وكيف انبثقن من خلف ستار الحريم ليتحوّلن إلى 
فاعلات أساسيات في تاريخ أممهن". بيد أن هذه الجهود المبذولة لا تزال بعيدة عن تقديم مساهمات جادّة في هذا الصدد؛ إذ 
يعتري دراسة تاريخ النساء في فارس كثيرٌ من الصعوبات وشح في المصادرء ولم تولٍ المصادر الأساسية المكتوبة بالفارسية من مؤرخين 
رجال قدرًا كبيرًا من الاهتمام بالمرأة والدور السياسي والاجتماعي الذي قامت به على غرار الرجل. وقد يرجع ذلك إلى الأطر الأبوية 
والقيود الاجتماعية التي فرضت على المرأة وعلى الحريم باعتباره مكانًا؛ إذ يُعتبر منطقةً محظورةً ينبغي عدم الاقتراب منها احترامًا 
3 ل اوصيته ومراعاةٌ لشرف صاحبه. ظ 

من هناء كان التوجّه إلى كتابات الرحالة الأوروبيين عن عالم الشرق الفاتن والغامض في آنء التي كانت بمنزلة وسيط عملي» 
تجلى في جملة أعمالهم ومشاهداتهم التي رصدت ملامح الحضارة والتثاقف الفكري» وعكست الخصوصيات الاجتماعية في بلاد 
فارس©". ومن هذه الكتابات» أعمال السفير الإسباني دن كارسيا فيكوثروا 00رعناعة؟ هذه:ة0 .2 الذي زار فارس في عام 1614 
وعاش فيها أكثر من ثمانية أعوام» عاصر فيها فترة حكم الشاه عباس الكبير (1629-1588)؛ والرحالة الإيطالي بيوترو دلا واله 
116 118 هناء زط الذى زار فارس في عام 1618؛ والمستشار الألاني آدم أولياريوس 5ناتنة»01 دمول4. الذى رافق البعثة الدبلوماسية 
الألانية إلى فارس في عام 1635 خلال فترة حكم الشاه صفي الدين (1642-1629)؛ والقس المسيحي سانسون الذي زار فارس في 
عام 1683: خلال حكم الشاه سليمان الصفوي (1694-1666): وعاش فيها أعوامًا عدةء يدعو فيها إلى الدين المسيحيء وغيرهم 
من الذين عاصروا الدولة الصفوية وعاشوا في ظل حكومتها ودونوا مشاهداتهم عنها. 


دوّن الرخالة والمستشرقون ما أرادوا أن يراه الأوروبيون ويقرؤوهء وحشوا كتاباتهم بركام من الأحكام على سلطة النساء في 
المجتمعات الشرقية» مبنيّة على الحكايات والأساطير وخلفيات ثقافية مغايرة. وأصبح المؤرخون الشرقيون يبحثون في تلك النصوص 


: ذكر شاردن منل مو أنه ف حالة وفاة الشاهء 5 تسمع أصوات بكاء النساء وعويلين قْ الحريم» ليس حزنًا على الشاه فحسبء بل تأشنا على مصيرهن المحتوم» فمن 

التقاليد الصفوية اف يتم عزل نساء الشاه المتوق مع أبنائئهن قْ قسم بعيدء ولا سمح لهن بممارسة النشاطات التي كن يمارسنها من قبل. ينظر: شاردن شيفاليير» سياحتنامه 

شاردن سازمان نظامي وسياسي ومدني إيران (رحالات شاردن المجتمع المدني والسياسي قْ إيران)» ترجمة محمد عباسي» ؛ءج 8 (طهران : مؤسسة جاب ب وانتشارات أغيد 

كبير» 1966). ص 392-369. 

6 51165 701131طع7/1 016 /أالط ,(لعطتة1امعء لطلة عد اكطةا) 7ك015[1ط1الطا كتمطتل ه71١‏ ,1107 77117:1517ل ل انتم زوك زه امنتتتعلر! ل عال/!- ال 7007/01 8 
.6 ,و(1943 .000 320 ع1173مآ :02002.[) 

9 مثل كتابات نابيا أبوت 0ك 21315 وآن ك. لامبتون دماطاسم.آ .1.5 مسف والمرأة فى العصور الوسطى الإسلامية لغافن هامبل 1132017 63710.: وإمبراطورية 

الحريم لليسلى بييرس عع6ء21 16اوع.1آ. 

0 بهاء بن نوارء "الرحلات الاستشراقية وصورة الذات العربية: قراءة في صورة الحريم": مجلة رؤى فكرية:ء العدد 2 (2015): ص 30» شوهد في 2018/7/11: في : 

19000177 020 1ظ1 


/6 





00 
الحريم الصفوي: إضاءات جديدة لطبور دراسات 
سطس 


التاريخية عما يريدون أن يروه هم بحسب ما يفرضه عليهم واقعهم الذي قد لا يعكس الحقيقة في إطارها التاريخي» وصار من 
عادتهم الاعتماد على تلك الأحكام التي رسخت في عقولهمء وبات التحرّر منها أمرّا عصيًّا ومشكوكا فيه. لذاء ينبغي تقويم تلك 
الكتابات بأناة» والحذر عند الأخذ منهاء مع إعمال العقل في تتبع معطياتها وتفخصهاء واضعين نصب أعيننا حدود فمُم أولئك الرخالة 
الناتج من عدم قدرتهم على الاتصال مباشرة بالنساء في تلك الفترة”". وبناء عليهء يتطلب الأمر تجاوز المقاربات الشكلية والغوص 
في الأعماق وفهمها على نحو أفضلء وتقضّي بعض الحالاتء مثل تلك التي نحللها في هذه الدراسة حتى نتجتّب المساهمة في 
الانتقاص من مكانة النساء وإنجازاتهن وما قدّمنه لمجتمعاتهن. 


وفي هذا السياق البحثي: تسعى هذه الدراسة للكشف عن جوانب من تاريخ المرأة في فارسء» وعلى وجه الدقة في تاريخ الدولة 
الصفوية» نتأمل من خلالها دور النساء في إطار ديناميات البلاط الإمبراطوري وتفاعلاته» واشتراكين في صوغ سياسة الدولة 
وتخطيطهاء وانعكاسات ذلك على البلاط الصفوي والمجتمعء ونحاول إعادة النظر في الأفكار التي تفشّت مروجة لعدم أهلية المرأة 
لخوض غمار الحكم» ووجهة النظر التقليدية القائلة إن تدخل النساء وحكم الحريم هو أحد العوامل الرئيسة في انهيار الإمبراطوريات 
الإسلامية وتقهقرها بصورة عامة» والصفوية على نحو خاصء وسيرها نحو الأفول والتفشخ!*". 


تسعى هذه الدراسة أيضًا لتجاوز الكراء الكلاسيكية التي تداولتها الدراسات السابقة ردحًا من الزمن؛ وتصوغ ضمن هذا المعنى 
سؤالها الرئيس: ماذا لو كان حكم الحريم قد أدَّى أيضًا أدوارًا رئيسة في الحفاظ على بنى الدولة وتيسير الانتقال من حاكم إلى 
حاكم بنوع من السلاسة» حتى لو انتهى الأمر بالصراع مع الحاكم الجديد بعد استتباب الأمر له؟ قد لا ينطبق هذا الوضع على كل 
الحالات» لكن وجوده ينسف الفكرة الشائعة» ويدعو إلى المزيد من البحث في الاتجاه نفسه. 


وعلى هذا المنوال» نطرح أسئلة فرعية عدة» لعل أبرزها: كيف تطور مفهوم الحريم في الإمبراطورية الصفوية؟ وأين يكمن مف هوم 
الحريم بين الواقع والخيال والتصورات التى دارت في خلجات كتّاب الغرب؟ وكيف كانت مسيرة المرأة في ظل الحكم الصفوي؟ وما 
نوضية القيوذ الى فرضت فل النساء مع الانتقال .من الظريقة إل'الدولة؟ وأكانت المرأة قهانة كما صورها المستشرقون: أم < اد 
إثنومركزية متأصلة نحو كل ما يخص حياة الشرقيين؟ وما أهم المنعطفات التاريخية وأبرز الشخصيات النسائية التي لمعت في تاريخ 
السلالة الصفوية؟ وكيف ساهمن في إثراء الإطار الحضاريى لمجتمعاتهن؟ وهل تُعيئنا المعطيات القليلة المتوافرة في البحث والتعمق 
في قراءة الوقائع ودراسة تاريخ المرأة في ظل تهميش المؤرخين لها؟ 


لم يعارض المجتمع المسلم تأثير المرأة في سدة الحكمء ولو رمزيا؛ فمنذ العصر العباسى الأول ظهرت نماذج نسائية ملكت 
السلطة والنفوذ من وراء الستارء مثل الخيزران» جارية المهدي المفضلة؛ وأم هارون الرشيدء خامس الخلفاء العباسيين» التى حاصرت 
بوادر الاضطرابات في البلاد وحافظت على العرش لأبنائها"؛ وأروى الصليحية (1138-1091) التى حكمت اليمن قرابة نصف قرن 


1 كائثرين بابايان» "عقائد النساء: نظرة على النساء الصفويات فى الثقافة الأصفهانية المحلية" فى: هامبى (محرراء ص 419-417؛ ينظر أيضًا: 
.6 و(2012 ,.10نط 00) عك 1313115" .1.18 :011لا تككع ا1) 1711717 171 1ر12 0 1217:1/7 170411 50/0010 ,لتق مطاتكء الا عتمم 


2 بلاد فارس هو الاسم التاريخي الذي كان يطلق على عموم الأراضى الإيرانية» التى تحوّلت إلى إيران في عام 1925 مع صعود الأسرة البهلوية. سيتم استخدام كلمة 
فارس للمحافظة على السياق التاريخي. 


3 سوالف حسن.ء دور الجواري والفهرمانات ف دار الخلافة العباسية, 656-132ه/ 1258-749م 500 صفحات للدراسات والنشرء 3 ص 80-77. 


00 





العدد 12 2 تموز / يوليو 2020 


نيابة عن خلفاء الدولة الفاطمية الشيعية*"؛ وضيفة خاتون الأيوبية السُنّية (1242-1236) الملقبة ب "الستر العالي" ملكة حلب التي 
تمتعت بعلامات الملك في فترة حرجة من تاريخ الدولة الإسلامية”"؛ وتركان خاتون التي حكمت كرمان في الجنوب الغربي من 
فارس وحظيت بتأيبد من الإليخان هولاكوء وخرجت من عباءتها الملكة أبيش خاتون (1287-1263) التي حكمت المملكة الفارسية 
على امتداد نصف قرن267. وف الدولة العثمانية» ظهرت نماذج حيوية مثل السلطانة خُرم أو ركسلانة (1558-1520) زوجة السلطان 
سليمان القانوني (1566-1494) التي كانت لها مساهمات إيجابية في الحياة السياسية وتبادلت الخطابات مع الملوك7. 


كثيرًا ما حظيت نساء البلاط في المجتمعات المسلمة بفرصة للتأثير في الشؤون العامة» وأظهرن تفوّقًا بصفتهن فاعلات سياسيات 
حكمن ممالك ازدهرت في المجالات كلها وعاشت عصورًا ذهبية. وفي واقع الأمرء عند تركيز عدسة التاريخ المجهرية على أحداث 
0 دقيقة؛ نجد حالات ونماذج لنساء كن صادقات مع أنفسمن حين أدركن عدم قذرتهن عل إذارة شؤون الدولة؛ .واتخذن 
قرارًا بالتنخي عن الإدارة والسماح لمن له القدرة على إدارة شؤون البلادء وخير مثال على ذلك دولت خاتونء الحاكمة الرابعة عشرة 
من سلالة بني خورشيد التي حكمت مقاطعة لورستان في الجنوب الغربي لبلاد فارس وتنازلت عن العرش لآخيها في عام 0801316؛ 
والسلطانة خديجة طورخان (1656) في الإمبراطورية العثمانية التي بحثت عن مستشار من خارج القصر يتمكن من إدارة أمور 
البلادء فوقع اختيارها على محمد باشا كوبرلو (1661-1656) ليبدأ عصر حكومة آل كوبرلوء وانسحبت بهدوء» على الرغم مما تمتّعت 
به من ذكاءء لتتفرغ لأعمال الخير 090. 


يدعونا ظهور تلك النماذج في التاريخ الإسلامي (المبكر والوسيط)ء من دون اعتراض المجتمع على حكمهن. إلى التأمل في 
أدوارهن والتساؤل: هل حُكم المرأة مساحةً صغيرةٌ مقبولٌ من المجتمعء بينما امتداد نفوذها لحكم إمبراطورية مرفوض؟ أم هل أن 
نظرة المجتمع إلى حكم النساء بدأت تتغيّر مع ازدياد رحلات المستشرقين وانتشار رؤية متباينة ترى حكم النساء إحدى العلل الرئيسة 
لانهيار الدول؟ حتى إن المؤرخين المسلمين ما برحوا يُردَدون تلك الرؤية من دون تفحيصء وأقدم المؤرخ التري أحمد رفيق على نعت 
تدخل النساء في الحكم ب "سلطنة الحريم"0©. وذكرت هذه المسألة في المصادر العثمانية» وخصوصًا رسائل النصيحة» مثل رسالة 


حاجي خليفة ولطفي باشا وقوجى بك ... إلخ. 


14 فاطمة المرنيسي» السلطانات المنسيات: نساء رئيسات دولة ف الإسالام, ترجمة جميل معلى وعبد الهادي عباس ادسقق: دار الحصاد للنشر والتوزيع» اتن [اء 

ص 195-189. 

5 جمال الدين محمد بن سالم بن واصل» مفْرّج الكروب قْ أخبار بني أيوب: م جمال الدين الشيّال وحسنين ربيع» مراجعة سعيد عاشور» جِ 5 [القاهرة: مركز 

تحفيق التراث بدار الكتب المصرية» 21957 » ص 268 ؛ كمال الدين أبو القاسني عمر بن أخمة بن هبة الله ابن العديم» » زبدة ؛ الحلب من تاريخ حلب» غَني بنشره وتحقيقه 

ووضع فهارسه سامي الدهان» ج 3 افمقة: الممهد الفرسي للدراسات العربية» 8) .ص 235؛ ينظر يخا 

27-55 .2 ,(2000) 042071,120.15ل /0 471711015 تارمل ",.0مآ.طة 1242 - 1236 /.1.خ 640 - 634 0ممع1خ 01 (طعع01) 10صطا ناوث ,متتطتقطكا 1035712" ,تتماجخ أذ زعن [' 
ذطكختطناج5://011.17/3مطط :21 ,28/6/2018 طه 266065560 

6 غافن هامبل: "تبديات المرأة المسلمة قْ العصور الوسطى التاريخ والتأريخ". في: هاميلٍ (محرر)ء ص 35-31. 

02 26065560 ,231-248 .مم ,(2005) 2 .20 ,5و .701 ,07/!0!! :17أكعلل! 17 "باقة8 عطا 01 عوو5ع17ممطظ أقعادءع01) ع1 :1060:0102" ,مكلمع1مطمتتعلا ممتله0 17 

[5://011.17/21901م :21 ,23/4/2018 

18 المرنيسي» ص 177. 

9 نسيبة عالاوي» "دور آل كوبرلو في إصلاح أوضاع الدولة العثمانية, 1702-1656م", مجلة أبحاث كلية التربية الأساسية, مج 6» العدد 2 (2007)؛ ص 2269-244: 

شوهد فى 2018/2/28: فى : ع7طنه0:/ز25 //إ[.ذ// :وماغط 

ل ”يات الراة|ليلمة” ع وه. 


80 





الحريم الصفوي: إضاءات جديدة 0 / 3 
يم ي: إضاءات جدي أ 015 دراسات 


تزداد القيمة العلمية لأي بحث أكاديمي عندما يهدف الباحث فيه إلى الحقيقة التاريخية النسبية» ويتّسم بروح نقدية ويسعى 
وراء الأحداث والوقائع التاريخية بمعزل عن أي مُسلّمات أو أفكار متوارثة©. ومن هذا المنطلقء حاولنا دمج التفصيلات الصغيرة 
المتنائرة المتعلقة بعدد من نساء الأسرة الصفوية اللاي مكنتهن الظروف من ممارسة السلطة السياسية» والدفع بسيرهن إلى متن 
السياق التاريخي. 


أولا: نشأة الدولة الصفوية (1722-1501 
9 9 ل ( 


من المفيد قبل دراسة تاريخ النساء في الدولة الصفوية أن نلمّ بإيجاز السياق التاريخي الذي نشأت فيه الأسرة الصفوية» حيث تعود 
أصولها إلى الشيخ صفي الدين إسحاق الذي تمكن حفيده الشاه إسماعيل الأول من توحيد بلاد فارس كلها تحت حكمهء ونوج على 
العرش في عام 9607ه/ 1501م» وأعلن تحوّل البلاد إلى المذهب الشيعى الإثنى عشرى 2©. 


لم يمثل صعود نجم الدولة الصفوية لحظة تحولٍ في تاريخ فارس فحسب. بل في تاريخ الشرق الأوسط؛ إذ برزت في إطار منظومة 
فارسية شيعية تسعى لإيجاد مدينة فاضلة على أرض فارس. وعلى الرغم من أن اصطباغ البلاد بالصبغة الشيعية شكل مزيدًا من القيود 
الاجتماعية على النساءء فإن ذلك حصل بدرجات متفاوتة في سياقات أتاحت للمرأة آفاقًا استطاعت العبور منها والقيام يبعض ١١‏ 1 


ثانيًا: تطور مصطلح الحريم "حرمسرا" 


اشتقت احير لاحر رع اس ص ري سر سر امن ذمة وحق» وتعني أيضًا 
أهل الرجل. ومن هنا جاء لفظ الحريم بمعناه العام» ويعني المكان المقدس باللغة الفارسيةء وهو المكان المصان حرمتهء ومنه "الحرم 
المي" و"الحرم النبوي", حيث يُحَرّم على غير المسلمين دخوله!*). بينما يطلق عليه الأتراك لفظ "سراي". أي القصر الكبير. والإشارة 
هنا إلى الجزء الذي تعيش فيه النساء ولا يُسمح بالدخول إليه لغير افراد العائلة نفسهاء وهو عبارة عن مبنى باسوار عالية يحمي من في 
داخله من عيون المتطفلين» وكان يحتوي على قاعات كبرى لاستقبال النساء والإعداد للاحتفالات وحدائق غنَاء مُزدانة بالأزهار العطرة 
ونوافير المياه لترطيب الأجواءاتة'. 


1 عمرو عثمانء "التاريخ العالمي: موضوعه ومناهجه ودراسته من خلال تاريخ الأشياء". أسطور, العدد1 (كانون الثاني/ يناير 2015)ء ص 19. 

2 الشيخ صفي الدين إسحاقء مؤسس ما يُطلق عليه "الطريقة الصفوية" التي ظهرت في القرن الرابع عشر الميلادي في مدينة أردييل شمال غرب إيران» حيث كانت 

فارس في ذلك الوقت تمر بإحدى الفترات غير المألوفة من التجرَوْ السياسي واللامركزية. ينظر: إدوارد جرانفيل براون» تاريخ الأدب في إبران من بداية الحكم الصفوي حتى 

نهاية الحكم القاجارىء ترجمة أحمد كمال الدين حلمى وإبراهيم أمين الشواربي ومحمد علاء الدين منصورء ج 4 (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة» 2005)؛ ص 80-54؛ 

506131 1ه 60 11612361031 عطا 216 01 تع م23 "0م 52125710 ع1 0111128 513615 5'طعططه110" ,رلأعقطكا طاقطقطك عكى طع10ل0مقطلد[ 1/112 

101111511 310 713111136111118 رععطع202718) 0151631[ ,ععمع1ء5 506131 12 وعطعتتهعءوع] اأماععع 1" ععمع 0011 ) 10151101 320 7الامصمعط 506121 ,ععمعاعهد 
0ل جلآط4/اع.2]]05://500 :31 ,28/2/2018 01 26065560 ,137-142 .220 ,2011 ,27-29 11337 ,1م50 

3 بابايان» ص 418. 

4 (<ن كارسيا فيكوثرواء سفرنامه دن كارسيا فيكوثئروا (رحالات داسيلفو فيغويرا)ء ترجمة غلامرضا سميعي (طهران: نشرنوء 1363)ء ص 101. 

5 عمادالجواهرىء "الحريم السلطانى ودوره فى الحياة العامة من تاريخ الدولة العثمانية". مجلة العلوم الاجتماعية» مج 7: العدد 2 (و197)» ص 64-63: شوهد فى 

8 وف في : 901708-آ2/ز5://161مناط؛ ماجدة مخلوف, الحريم في القصر العثماني (القاهرة: دار الآفاق العربية. 1998)ء ص 6 10. / 


081 





العدد 12 إلا طور تموز / يوليو 2020 
وده 
16101 


د لاختلف تنظيم قسم الحريم فى البلاط الدد .307 التسف وإنتزانقة النبعة ى البلاط العثماني؛ فإضافة إلى النساء والأميرات, 
هناك "الكنيزكان" (الجواري) والخواجات السود والبيض (الخصيان)» وتعيّن مخصصات مالية وعينية لجميع العاملين في الحريم!*. 
ويذكر الرحالة والصائغ الفرنسي جان شاردن صنل تق صوع[ (1713-1643): الذي زار فارس 2 عام 1666 وكتب مشاهداته عنها ف 
عشرة مجلداتء أن كلمة حرم من الاتساع» حيث تشمل أكبر صومعة للراهبات» وحيث تجد النساء كل ما تحتاج إليه في هذا القسم 
من وسائل تسلية وأماكن لممارسة الأعمال اليدوية ومسجد للتعبّد والصلاة» وحتى مقبرة العائلة موجودة في الحرم. وكان الشاه هو 
الرجل الوحيد الذي يدخل عند الحريم» إضافة إلى بعض أفراد العائلة» وكان يسمح للأطباء والمنجمين دون غيرهم بالولوج إليها”'. لذاء 
لم يتمكن الرحالة الأوروبيون من الدخول إلى منطقة الحريم» واعتمدوا على روايات الخدم أو من سنحت لهم فرصة الدخول إلى ذلك 
العالم» مصدرًا للمعلومات: إضافة إلى الحكايات التي حاكها خيالهم الخصب عما يدور خلف تلك الأسوار الشاهقة!:. 


ثالنًا: من الزواج السياسي إلى نظام الجواري 


سعى الجيل الأول من حكام الدولة الصفوية في بداية نشأتها لتطعيم الأسرة الصفوية عبر التزاوج وإيجاد روابط دم مع قبائل 

القزلباش؛ وذلك لتوطيد العلاقات واكتساب دعم وحماية القبائل التي كانت تتشارك معهم زمنيًا في تولي السلطة29). وقد شكل زواج 
الشاهات ببنات القزلباش موردًا مهما لتزويد الجيش بالرجال والفرسان من جهة» وتحسين السلالة الصفوية من جهة أخرى. وكانت 
البداية مع زواج الشيخ جنيد (1460-1447)» الذي لقب بالسلطان سليل الشيخ صفي الدين» بخديجة بيكم» أخت الزعيم أوزون حسن 
[1478-1423) 630 ثم تبعه زواج الشاه إسماعيل الصفوى [حكم بين عامي 1 و1524) بحفيدته تاجلو بيكم67. واستمر هذا النمج 
من الزواج بين أفراد البيت الصفوى من الرجال والنساء إلى بداية عهد الشاه عباس الأول. وتلبيةَ لتطورات المرحلة الجديدة» استدعى 
11 نوجه شاهات الأسرة الصفويةء كما فعل نظراؤهم من سلاطين الأسرة العثمائية» إلى مصاهرة الحكام وأمراء الكيانات السياسية 


المتاخمةء لضمان ولاء أولتك الحكام الذين يُحتمل أن يشكلوا مركرًا منافسًا في وجه الامتداد والتوسع الصفوى وكسب روافد جديدة 
للدولة. بيد أن التباين كمن في توجه السلاطين العثمانيين إلى الزواج بالكتابيات» فمثلًا تزوج عثمان الأول (1326-1258) بكيليكياء 


6 شيفاليير» ص 376» 389-385. 
9 احسن أزادء كوشه هاى از تاريخ اجتماعى إيران: يشت يردههاي حرمسرا (زوايا من التاريخ الاجتماعى لإيران: خفايا الحريم) (أرومية: انتشارات انزلى» 
7 ش)ء ص 39-37. 
8 يعتقد شاردن ضََ القيود المفروضة على الحريم ف بلاد فارس تفوق كل القيود المفروضة قْ الدول الأخر: مثل تركيا والمغول. ومن وجهة نظرهء لهذا علاقة بطبيعة 
الهواء والطقس الحار قْ فارس» التي ت: تتسبب بإثارة المشاعر الجياشة التي من الصعب السيطرة عليها ٠‏ ورجال الفورس غيورون على نسائهمء لذا كانت القيود المفروضة أشل 
ويبدو أنه اكات مقاترا بنظرية مو يفكي 00 التانيراك السلبية للمناخ 2 طبائع البشر؛ إذ ركزت النظرية عل أو المناخ الحار يؤدي إلى الكسل والبلادة وإلى إثارة الرغبات لدى 
الأفراد. وفي هذا الطرح مغالطات قائمة على حدود معرفة الرحالة بالحريم» ونظرة إثنومركزية نحو الشرق مقارنة بالغرب. ينظر: شيفاليير» ص 372-369. 
9 تعني كلمة القزلباش أصحاب القلانس الحمر أو الرؤوس الحمراء. وهم جماعة من الصوفية المتشيّعين الذين لقبوا بهذا اللقب نظرًا إلى القبعات أو القلنسوات الحمراء 
التي كانوا يلبسونها على رؤوسهم وعليها العمامة التركية الملفوفة بائنتي عشرة لفة» وبشكل مخروطي لتدل على ائمة الشيعة الإثني عشر. ينظر: براون» ص 53. 
30 أررون حسن (1423 -1478) هو أبو النصر حسن بك بن عل بن عثمان بن قتلغ بن حاجي بيك. اشتهر بأوزون حسن نظرًا إلى طول قامته, وتعني كلمة أَوَرقَن بالتركية 
طويل كان زعيم قبيلة الآقٍ قوينلو (الشاة البيضا ) السنية المذهبء وهي من أشهر القبائل التركية التي أسست إمبراطورية قصيرة في إيران والعراق وشرق الأناضول وأزميتيا 
وأذربيجان: وأدّت دورًا فاعلا قِ الحياة السياسية قْ إيران 2 القرن الرايع عشر. ينظر: محمد سهيل طقوشء تاريخ الدولة الصفوية (في إيران)» 1148-7ه/ 1501- 
6 أبيروت: دار النفائس: 9و200) .ص 26: 30؛ وينظر: 

500.51/001218111 // :مط :أ ,10/6/2020 2ه 0ع55ععع2 ,18971107111120 4 آللع ماعن 271 ,11111 مع مكنا 1 ممومدط تبجنا" 


رووع21 011لا 177[ 01 85157 تكلمنا علةا5 :0112لا تع [1) 5012115 510471111[ 171 111011011© 521-1271765 0710 ,1201701109 ,170771671 ,(.0ع) وعاع115ظ! 10[طاعتتة1 31 
,130 .00 ,(2000 


82 





الحريم الصفوي: إضاءات جديدة 0 طور دراسات 
سطس 


وزوّج ابنه أورخان بفتاة يونانية اسمها نيلوفرا2*. واتّجه الحكام في العهد الثاني للأسرتين إلى إدخال عناصر جديدة في الحريم؛ فاتّخذوا 
المحظيات من الجواري في ععهد الشاه طهماسب (حكم بين عامي 1524 و1576)» وبات حكام المقاطعات يحرصون على إرسال بناتهم 
إلى البلاط الصفوي كهدايا لنيل شرف مصاهرة الشاهات67. ولاحقًا انتقلت الدولة إلى مرحلة شراء الجوارى الشركسيات والجورجيات 
اللائي كان لهن دور بارز في البلاط الصفويء وأمهات للشاهات لاحقًا6. 


غالبًا ما كانت النساء هن أكثر فئات المجتمع تأترا بالتغيرات الاجتماعية والسياسية» فكلما انتقل الحكم إلى أحد الشاهات» كانت 
باكورة أعماله فرض قوانين جديدة لتقييد المرأة وإثبات سيطرته؛ فعانت النساء في الدولة الصفوية في ظل حكم غالبية الشاهات. وعُغرف 
الشاه إسماعيل الأول بقسوته الشديدة وتديّنه» وألقت مرجعيته الصوفية بظلالها على النساء؛ فبتن محرومات من الخروج من بيوتهن 
لا للضرورة» وكنّ هدفًا يستعرض الشاه من خلالهن قدراته وانتصاراته» ويأمر أتباعه بقتل النساء وبقر بطون الحوامل منهن عند هزيمة 
أعدائه وسقوط المدن» وطغى مققته النساء العاهرات في تبريز أن أمر بتقطيع ثلاثمئة امرأة نصفين في الميدان ي يكنّ عبرة لغيرهن 650. 


عانت المرأة الأمزين في عهد الشاه طهماسب على الرغم من انتشار دور الدعارة في أرجاء البلاد وإصدار القوانين بتسجيل العاهرات 
والزامهن بدفع الضرائب6©9. بيد أن دجلاب اسه جا رآهء وقرر التديّن وتعزيز القيود على المرأة وتوثيقها في شكل سبعين مادة 
قانونية» أطلق عليها قانون طهماسب. وفي هذه القوانين ألزمت النساءء بمن فييهن العجائز وكبيرات السنء بعدم الخروج من المنزل 
إلا للضرورة القصوىء ولم يُسمح لهن بالسير في الطرق العامة» بل مُنعت نساء الصفوة من ركوب الخيل والرماية بناء على نص القانون 
الثالث والستين©. واستمر مسلسل القمع وتكبيل النساء أكثر فأكثر في عهد الشاه صفي الأولء أو الشاه سليمان» كما أطلق على نفسه 
لاحقًا (حكم بين عامي 1629 و1642) الذي فرض عليهن تغطية أنفسهن بالكامل في الأماكن العامة» وكان لعويًا مولعًا بالنساءء وتملك 
يمينه أكثر من ثلاثمئة امرأة من الحسناوات في حريمه. واعتاد إهداء الفتيات إلى الأمراء بعد أن يقضي معهن ليلة واحدة» وكأنهن سلعة 


ياخذ منهن مبتغاه ثم يُزْوّجهن بالامراء'*. 


لم تسام قريبات الشاة من ظلمه؛ فهذه عقتة مريع ييكمء أرملة أحن الأعيان+ تعلق قليها بأحد قورجيان الشاه وكان 0 
ساروتقى 9, فأمر الشاه بقطع رأسه على الفورء واستدعى عمّته وأنْبها على تصرفها وأمرها بضبط سلوكها. بقيت العمّة حاقدة عليه؛ وبعد 


رععدآء 21 ,(1993 ,دوع 121 51157آ1ع تكلم لآ 207:1010) :0112لا تت أ ) :1711717 2110111071) ©1/71 171 مر9111 5016721 07110 110111©171 :1707:2711 177127101 ©7171 رععتاعء2 مع1أوع1 32 
11013011 

3 أزادء ص 242. 

4 بابايانء ص 436؛ جملي كارري وجوواني فرانجسكوء سفرنامه كارري (رحلات كارري)ء ترجمة عباس نخجواني وعبد العلي كارنك [تبريز: اداره كل فرهنك وهنر 

آذربايجان شرقي» 1348ش)» ص 149. ْ 

5 أزادءص 228. 

6 فريرء ص 467-466. 

7 مهناز شايسته فر ومحمد خزايى وشهين عبد الكريميء "بررسى جايكاه اجتماعي زنان وكودكان در دورةُ شاه طهماسب صفوى (983-930ق) براساس تطبيق نكاره 

هاى نُسخ شاهنامهة طهماسبى وهفت اورنك جامى" ("دراسة الحالة الاجتماعية للمرأة والطفل في ععهد الشاه طهماسب الصفوى (983-930ه) بناء على تطبيق نسخ من 

صور شاهنامة طهماسب والهفت أورنك جامى"): زن در فرهنق وهنرء مج 6, العدد 2 (1393ش)ء ص 190-189 شوهد ف 08 :؛ في: م5117 616.157/3917// : وماخط 
.9 .6 ولأعقط كا عكى طع010مقطة1[ 38 

9 قورجيان: كلمة تركية مُركبة من كلمة "قور" وتعني السلاح و"جى" أي دارء وهو المسؤول عن مخزن الأسلحة. وتشير إلى فرسان القبائل التركمان الذين كانوا لا 

يتحركون من دون أسلحتهم التي تشمل السهم والقوس والسيف والخنجر والمطرقة» وكأن الفارس منهم مخزن أسلحة متنقل. وهم ينتمون إلى قبائل القزلباش ذوي 

القلنسوات الحمر. ينظر: على أكبرء لغت نامه دهخدا: شماره مسلس: 79 حرف ف (معجم دهخدا) (طهران: جايخانه دانشكاه تهران» 1341ش)ء ص 516. 


53 





العدد 12 إلا طور تموز / يوليو 2020 
وده 
16101 


7ت عن ذلك الحقد الدفين ؛ فرخحت ابه 25 8207|[ كيه والمختل نفسيًا ليخلفة عل العرش بدلا من ابنة الآخر 
كان ميرزا الذى تميز بالشجاعة والذكاء©6, 


شهدت المرأة أصعب الفترات خلال حكم الشاه عباس الثاني (1666-1642) الذي كان قاسيًا جَلِقَا مختل النفسء تفرّن وتلذذ 
بتعذيب النساء وارتكاب أشنع الجرائم فيهنء مثل حرقهن أحياءء وأنشأ أفرانًا خاصة لحرق الناس. ففي أحد المواقع أمر الشاه ثلانًا من 
محظياته بشرب الخمرء فأبين فعل ذلك على الرغم من تكرار الأمر؛ فأمر بإلقائهن في نار متوهجة وإحراقهن أحياء”. 


لم يشهد وضع المرأة تحسنًا إلا خلال حكم الشاه عباس الأول (1629-1588) الذي أمر بتخفيف القوانين لتتمتع النساء بشيء 
من الحريةء وسمح للنساء من غير الطبقة العليا بحرية الحركة والتجول» إضافة إلى تخصيص ليلة لهن يتجولن فيها بحرية ومن دون 
وضع نقاب» وينعمن بمشاهدة الألعاب النارية والاحتفالات في الشوارع» وفي تلك الليلة يُمنع الرجال من التجول حتى تتمكن النساء من 
الاستمتاع من دون وجود عيون متربصة في الأجواء» وإذا شوهد أحدهم يختلس النظر يُقتل مباشرة» وخصص يوم الأربعاء من كل أسبوع 
للنساء ليُتاح لهن اللهو بحرية ومن دون وضع النقاب في حدائق جهارباغ وعلى جسر الثلاث والثلاثين فتحة في العاصمة أصفبهان40. 


وعلى النقيض من وضع المرأة العام» تمتعت النساء في البلاط الصفوي بقدر من الحرية» وسُمح لهن بركوب الخيل والرماية 
والصيد*؛ وشاركت زوجات الشاه إسماعيل الأول في الحروب ضد العثمانيين مثل تاجلو بيكم وبهروزه خانم). ومارست النساء أدوارًا 
مهمة في الحياة السياسية في فترة حكم الشاه طهماسب؛ فكانت تاجلو بيكمء والدة الشاهء السند والوصي في بداية حكمه: ثم باتت أخته 
شاهزاده سلطانم مستشارته الخاصة» وأخيرًا عيّن ابنته المفضلة يرى خان خانم في منصب مستشاره الأول والذراع اليمنى له9. وباتت 
الملكة الأم دلارام خانم» والدة الشاه صفي الأولء العقل المدبر والحاكم الفعلي للبلاد ولا سيما أنها السبب باعتلائه عرش المملكة©9. 


بطبيعة الحال» لم تشغل نساء دوائر الصفوة فضاءً الحياة الاجتماعية في المجتمع الفارسى في عهد الدولة الصفوية؛ فالقطاع الأكبر 
كانت تمثله الريفيات اللاتي يعشن ضمن جماعات أو قبائل في القرى والمدن الصغرى» وعاشت زوجات الحرفيين والعاملين في النشاطات 
الصناعية بطريقة أكثر تنظيمًا ونمط حياة اختلف باختلاف أوضاعهن الاجتماعية» يضاف إليهن عددٌ لا يُستهان به من النساء المتزوجات 


بعقود زواج مؤقتة(. يليهن في نهاية السلم الاجتماعى الإماء والعبيدء فضالا عن فئة عاشت في قعر المجتمع» انتشرت في غالبية المدن, 
وهن العاهرات» ووفقًا لما يرويه فريرء "ناهز عدد العاهرات في أصفهان أربعين ألا "(48. 


0 غلامرضا كلي زواره» "زنان وزمامداران صفوي", ماهنامه ييام زن (النساء والحكام الصفويين)ء مج 161, العدد 5 (1384ش)» شوهد في 2018/3/1 في : 
112 1 10<20ظ1 
1 ينظر: فريرء ص 472؟ 138 .7 ,لع !1 ع جاع10202010. 
2 نصر الله فلسفي» زندكاني شاه عباس أول خصوصيات جسمي» روحي» أخلاقي وذوقي أو (حياة الشاه عباس الأول خصائصه الخلفية والخلقية والروحية 
والمعنوية). ج 2. ط 4 اهران : انتشارات دانشكاه تهران» 1347ش)ء ص 282-281؛ 138 .7 ,قاع 18 عك جاء10لصقطه1. 
3 ماريا زوبء "جواهر العجائبء السيدات المتعلمات» والأميرات © السيياسيات قِ مقاطعات إيران إبان الحكم الصفوي" ٠‏ في: هامبلٍ (محرراء .ص 412: 416. 
44 مصطفى شرفء "دور نساء البالاط الصفوي قِ تاريخ الدولة الصفوية", مجلة رسالة المشرق. مج 27. عدد خاص (جدهداء .ص 196؟؛ يد الله شكرىي (محرر) » عالم 
آراي صفوي (تاريخ عالم آراي الصفوي) (طهران: انتشارات بنياد فرهاد, 6ق اء »ص 502-501. 
1[ط1 0777 157/27 1آما//:ومطط :كه ,23/03/2018 02 36065560 ,20/7/2009 ,1701110 104ل جماعنن 21 ",01/1 الخ جا االذ؟ع]1 1خ" ,232530151 خداءةنامة11 45 
6 فربرء ص 475-474. 
7 الزواج المؤقت (المتعة) عند الشيعةء هو زواج محدد بمدة معينة» وله شروطء» وينبغى تسجيله أمام المحكمة حتى يتم الزواج» ويترتب عليه مجموعة من الحقوق 
والواجبات. ينظر: المرجع نفسه. ص 459. 1 
//ز5 مقطا :1ه ,23/04/2018 02 معو5وعععة ,نزاء 501 070711827) 17071 ,113 531357101 ع1 ا ماعططه11 تمدخ[ 01 1151017" بتعتتعء] .17لا 210مه0ظ] :129 .م ماعط 48 
200/1111 


54 





الحريم الصفوي: إضاءات جديدة 0 طور دراسات 
سطس 


زابعا: نماذج لممارسة السلطة من نساء صفويات 


ساهم التعليم في صقل قدرات النساء في البلاط الصفوى: حيث اكتسبن وسائل فكرية للتعامل مع المشكلات السياسية» وتمكنّ 
من ولوج عالم السياسة وممارسة السلطة» دفعهن إلى ذلك رغبتهن فى المساهمة فى النشاطات الاجتماعية من جهة؛ وصعود عدد من 
الحكام ضعاف الشخصية غير القاذرين عل إدارة شؤون المملكة من جهة أخرى. فشكلت المرأة السياسية نموذجًا قويّاء وظهرت أء ١لا‏ 
وزوجات صفويات كثيرات ممن كان لهن دورٌ سياسي وعسكري بارز”*". وفي ما يل نماذج منبهن 


1. تاجلو بيكم 


زوجة الشاه إسماعيل الصفويء مؤسس الدولة» وهي أيضًا أم الشاه طهماسب. عُرف عنها قوة الشخصية والجلّدء وتمكنت من 
اكتساب ثقة الشاه إسماعيل؛ فكان يستشيرها في الكثير من أمور الدولة» وشاركت إلى جانبه في ميدان الحرب, وقاتلت العثمانيين في 
معركة غالديران (في عام 1514)» وعند وقوعها في الأسرء تمكنت ببراعة من تحرير نفسها والعودة إلى فارس*5. وكان لها الفضل في 
تنصيب ولدها الشاه طهماسب على العرش على الرغم من صغر سنّهء فساندته وحافظت له على العرش في فترة كانت المملكة فيها لا 
تزال فتية وبنيتها ضعيفة ومحاطة بالأعداء والطامعين» إلى حين اشتد عوده وتمكن من حكم الإمبراطورية؛ فكافأها بالحدّ من نفوذها 
ونفيها إلى شيراز لتموت هناك وحيدةً(6. 


2. شاهزاده سلطانم (مهين خانم) 


الأخت الصغرى للشاه طهماسبء كان لها دور مهم في تسيير الشؤون السياسية في البلادء نظرًا إلى ثقافتها العالية وقدراتها 
المميزة» كانت تتبادل الرسائل الرسمية مع السلطانة خحُرم» زوجة السلطان العثماني سليمان القانوني» لتعميق الروابط وتوثيق العلاقات 


وإرساء أواصر السلام بين الدولتين» وكان الشاه يستشيرها في الكثير من الأمورء ويعتمد على رأيها في شتى مناحي الدولة» السياسية 
والاقتصادية والتجارية. وكانت تسعى للخير وتوثيق عُرى الصداقة؛ فمثلا تمكنت من إقناع الشاه الذئ كان مترددًا فى تقديم يد ١|‏ 9 


إلى همايون بن ظهير الدين محمد بابر - نظرًا إلى مذهبه السُنّي - حين لجأ إليهء فرضخ الشاه لمساعي أختهء وخصوصًا بعد أن نقلت إليه 
الرباعية التى كتبها ظهير الدين» فقدّم إليه المساعدات اللازمة62. وبعد وفاة أخيها بهرام ميرزاء تكفلت برعاية أبنائه الثلاثة» وتفرّغت 


9 زوبء. ص 405-404. 
0 تورد المصادر العثمانية والدراسات الحديثة معطيات وتفصيلات أخرىء وهي أن السلطان سليم أمر بتسليم تاجلو بيكم لتاجيزادة جعفر باي» قاضي العسكر في 
الأناضول» ورفض إطلاق سراحها. قد تكون هذه النظرية صحيحة؛ لكن على الأغلب المشار إليها هنا هي بهروزة خانم» الزوجة الثانية للشاه إسماعيل» التي وقعت في 
الأسر وما عادت إلى فارس بعد المعركة. بيد أن هناك دلائل على صحة رواية عودة تاجلو بيكم؛ منها حملها بابنها الثاني من الشاه بهرام ميرزا بعد المعركة بثلاثة أعوام» كما أن 
مشاركتها في تنصيب الشاه طهماسب على العرش» وأعمالها الخيرية من منشآت وموقوفات حضارية ورعايتها المزارات المقدسةء وأخيرًا ترحيلها إلى شيراز ووفاتها هناكء كلها 
إشاراك توك د سنحة الروارة ارا يقار : 
.500 //: ماق :3 ,23/03/2018 01 3260685560 ,19/1/2012 ,17:011120 702010 ماعن 21 ",1 7الكخطذد 1 بآ[ ' خشاك" ,15ها؟ اوتا .1 أعمتطخ ع 5310159 .11 عع 110 
15 11أ2 
.كلي زواره :.1514 51 
2 عبد الحسين نوائيء منابع تاريخي وجغرافياي إبراني 36» شاه طهماسب صفوي: مجموعة اسناد ومكاتبات تاريخي همراه با ياد داشتهاي تفصلي (المصادر 
التاريخية والجغرافية لإيران 36 الشاه طهماسب الصفوي: مجموعة من الوثائق والرسائل التاريخية مع مذكرات تفصيلية) (طهران: انتشارات بنياد فرهنكى, 
150ش)ء ص 77-75؛ شرف» ص 197-196. 


055 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


الرضاء الإمام الثامن للشيعة69. 


3 يري خان خانم 


هي الابنة الثانية للشاه طهماسب وحفيدة تاجلو بيكم» ورثت عن جدتها الذكاء والفطنة» وتمتّعت بالقدرة على استشراف الأمور 
السياسية؛ فباتت اليد اليمنى في مجلس والدها وكاتمة أسراره» على الرغم من وجود كبار الأعيان والأمراءء حيث كان يسعى لاستشارتها 
قبل اتخاد أئ قرار ومنحها الثقة والامتياز قِ انتقاء السفراء وإرشالف 4 كما أكسكها رجاحة عقلما وغزارة علمها ثقة زعماء القزلياش 
الذين كانوا يلجؤون إليها لاستشارتها في مختلف أمور الدولة» ثقة برأيها وحرصًا على اكتساب رضاها”. وفور وفاة والدها تعّضت 
للسجن؟6 على يد أخيها حيدر ميرزاء الذي انتهز فرصة قربه من الشاه في أثناء مرضه ليُعلن نفسه ورينًا للعرشء نظرًا إلى خشيته من 
نفوذها وقدرتها على الاستئثار بحكم البلادء فراوغته وتخلصت منه بمكيدة بين ليلة وضحاها(”). ومكنها طموحها وكفاءتها العالية من 
إدارة شؤون الدولة بجدارة في الفترة الانتقالية بين حكم أخويهاء إلى أن تسلم أخوها إسماعيل ميرزا حكم البلاد. فحاولت إرساء عُرف 
جديد تقتسم بموجبه النساء والرجال من السلالة الحاكمة العرش إلى أن يعتاد المجتمع تدريجيًا وجود امرأة في الحكم69. لكن قطع 
أخوها الشاه إسماعيل الذي لم يرقه تدخّلها في أمور الدولة هذا المنحى؛ إذ كان ضدّ تدخل المرأة في الحكم ويعتقد بعدم أهليتهاء فأمر 
بإقصائها عن دائرة الحكم والنفوذ وعمل على تجريدها من مخصصاتها المالية ومصادرة ممتلكاتها ومعاقبة من يلجأ إلى مشورتها من 
الأمراء وكبار رجال الدولة» فلم تجد مناصًا سوى التآمر ضد أخيها ونجحت في القضاء عليه» لتعود إلى مسرح الأحداث السياسية وتسيطر 
على مقاليد الأمور بكل براعة وتحافظ على العرش وعلى خزائن الدولة. 


تورد المصادر أن بعضًا من كبار أعيان القبائل طلب منها تولي الحكم والجلوس على العرشء لكنها رفضت بحجة وجود أخيها 
الأكبر محمد خدابنده (حكم بين عامي 1578 و1587) وأحقيته في الحكم2). وأدركت» بفطنتهاء أن توليها العرش قد يتسبب في إثارة 
موجة من الاعتراضات» فاعتقدت أن الحل الأمثل هو استدعاء الأمير خدابنده الذي يعاني ضعفًا شديدًا في بصره» إضافة إلى شخصيته 


الضعيفة» وبذلك ستتمكن من الحكم من خلف عباءته. بيد أن القدر لم يُمهلها؛ إذ حاكت زوجة أخيها (مهد عليا) الطامعة هي أيضًا 
في كرسي العرش» مؤامرة للتخلّص منها والاستفراد بالسلطة©». بصرف النظر عن صراعها مع إخوتها الحكام» برهنت يري خان خانم 


53 نوائي» ص 77-75. 
102-106 ,51 .62 و2015 ,7110265631 ,1/211615157] 71600111 رناوعط1 تمعأا1128 رمق[ 5313510 12 20111621 لعنة طتعططهم11 103:31" ,ت115لمدا8 علوجةل١1‏ 54 
3[اخذط/اع.500 //:5ماغط :31 ,28/2/2018 5ه 0عوو5عع26 


55 كَل زواره. 
6 كانت يري خان خانم نقيم قِ قصر خاص خارج منطقة الحريم» وتملك حرسًا وجواري تابعين لهاء وكانت هذه ظاهرة نادرة وخارجة عن المألوف قِ ذلك السياق الزمني» 
وتدل على مدى الثقة التي تمتعت بما الأميرة ليتركها والدها الشاه تعيش قِ منطقة أخرى غير الحريم. ينظر: بابايان»ء ص 427-426. 
.61-63 .26 181113001181 57 
8 إسماعيل ميرزا ٠‏ كان سجيئًا في قلعة قمقهة أكثر من ثمانية عشر عامًا #تافغل أوافر الشاد انظرا ال سلوكه لجمايعه أولاسدوكف يدم غن تنيت الثامن وتدميع السو 
لحاربة العثمانيين ثانيًا. ٠‏ بقي 2 القلعة إلى ا بلغه أضو اتفاق قبائل القزلباش على اختياره حاكمًا فعليًا على البلاد. ينظر: جوزافا بارباروء سفرنامه هاى ونيزيان در إيران 
(رحلات البنادقة في إيران) , » ترجمة منوجهر اميرى (طهران : شركت سهامي انتشارات خوارزمي» 31 ش) .»ص 464 ينظر أيضًا: 
و(1995) 3-4 .820 ,28 .101 ,31110165 170711071 /[0 نزاء1ع50 177177101101141 "رووع2110 52135710 212511111 ث :113101112 مقطلا تن" ,تطاكلته15مطات) تاعتامطد 
20015720 /11.1597//: 5 :31 ,31/3/2018 02 266065560 ,149-150 .م 
9 بابايان» ص 433. 
.102-66 ,64-69 .06 :18113001183 60 
.148 .6 رت010150116 61 


056 





00 
الحريم الصفوي: إضاءات جديدة لطبور دراسات 
سطس 


عن مهارتها في المجال السياسي وقدرتها على اكتساب ثقة زعماء القزلباش وحكم البلاد.ء ونجحت في المحافظة على العرش في لحظات 
انتقال السلطة بسلاسة؛ فكانت حلقة الوصل بين سلسلة من الحكام من دون أن تتأثر الإمبراطورية أو يُصيبها الوهن» لتؤكد بتجربتها 
وذكائها قوة حضور المرأة في المشهد السياسي . 


4. مهد عليا (خير النسا بيكم) 

هي زوجة الشاه خدابندهء وابنة أحد الحكام الكبار في مازندران. تمكنت من الهيمنة على مقاليد الأمور في الدولة الصفوية» بعد 
أن حاكت مؤامرة للتخلص من منافستها ير خان خاتم, ابئة الشآه ظهماسب وأخت الشاه خدايئدهء وعمدث إلى التخلص من 77 
مخالفي حكمها في البلاط. كان زوجها الشاه خدابنده ضعيفًا وغير جدير بتولي مسؤوليات الحكم؛ فانتهزت مهد عليا الفرصة لمد نفوذها 
والتدخل في الحكم باسمه» وبرعت في ضبط الشؤون الداخلية والخارجية في البلادء وباتت تتدخل في الأمور العسكرية وإعطاء الأوامر 
في أثناء المعاركء من دون الالتفات إلى رأي الأعوان أو مشورتهم» فكانت عنيدة متصلبة الرأي» أثارت جدلا واسعًا بين زعماء قبائل 
القزلباش في البلاط الصفوي؛ إذ لم يتقبلوا تدخلها المفرط في إدارة الدولةء فلجؤوا إلى الشاه خدابنده للتدخل وحل الإشكال والوقوف في 
وجه زوجته وطموحها اللامحدود وإقصائها في محاولة لإرجاعها إلى عالم الحريم!©. 


لم يقبل الشاه هذا العرض» ووصل الأمر إلى مهد عليا التي استشاطت غضبًا وأرسلت إليهم» مُحذْرة إياهم ومُهدّدة الجميع بأبنائها 
الأربعة الذين سينتقمون لها شر انتقام إن تعرّضت لأي مكروه. حسم الزعماء أمرهم واجتمعت القبائل على سيف واحدء وجرى اغتيالها 
والتخلص منها بعد أن حكمت مدة سنة ونصفء حافظت خلالها على الدولة وبناها من طمع زعماء القبائل في ظل حكم حاكم عليل7©. 
وهذه حالة أخرى تبرز قدرة المرأة الصفوية على حكم البلاد بجدارة والتخلص من قيد التقليد الذي يعرقل تقدّمها ويحكم عليها بالإقامة 
في الفضاء الخاص (الحريم)» وأهدت مهد عليا الإمبراطورية أحد أشهر شاهاتهاء الشاه عباس الكبير الذي ورث ذكاء أمه السياسي ونقذ 
وعيدها؛ فانتقم لمقتلهاء وشهدت البلاد نسائم التحديث في ظل حكمه» فكان أعظم شاهات الأسرة الصفوية. 


.اه ل 
5. زينب بيكم 
ابنة الشاه طهماسب من زوجته حوري خان خانم» رُوَجت بأمر الشاه إسماعيل الثاني (حكم بين عامي 1576 و1577) بعلي قلي خان 
شاملو» لكنها بقيت في البلاط الصفوى ولم تنتقل إلى هراتء نظرًا إلى سوء الأوضاع فيهاء وانتفت هذه الزيجة بوفاة الزوج0). كانت 
زينب ذات شخصية قوية» وحازت ثقة أخيها الشاه خدابنده؛ فكان يستشيرها في غالبية شؤون الدولة» وأطلق يدها في الحريم» وشاركت 
قْ مجالس الشورى لإدارة شؤون الدولة أو تجهيز الجيش7. 


تولت تربية ابن أخيها الشاه عباس الأول ورعايته منذ نعومة أظافره؛ فكانت الآمر الناهي والقائد الحقيقى في المعارك العسكرية 
ضد الدولة العثمانية. ونتيجة قوة نفوذها وعظيم سلطتها في إدارة البلاد؛ قرر الشاه الحدّ من ذلك النفوذء فأمر بإخراجها من أصفهان 


2 طقوشء. ص 117-115. 

3 آزادء ص 251؛ ينظر أيضًا: 

ر(2009 ,56010165 عتلطاع لدعمل كلكتتهة 1 :011لا 11777 00م ط) ع71ملء ع1 أمنته 011شقو1أع 1 بتع م120 :17071 10نته 50 171 2011115 إن عع 11عه:2 ©7177 باأعطع تلطا متامه 
2 .1 

4 كان الصفويون يزوجون بناتهم إما من القزلباش وإما يحتفظون بهن في العائلة» ولم يكن يُسمح للأميرات بالزواج بأبناء عمومتهن أو أخوالهن» لإغلاق أي قناة يمكن 

أن توصل إلى تركيز الدماء الملكية في فرع أبوي واحد. ينظر: بابايان»ء ص 436 (الهامش). 

5 كل زواره. 


057 





20 


العدد 12 


م 
بطل تموز / يوليو 2020 
1م 
لم 


0910101 


ددا 


وإرسالها إلى قزوين©. وبعد فترة قصيرة» تم الصلح بينهماء وعادت زينب إلى تعبئة دورها بصفتها مستشارة للشاه. وفي عام 1015ه/ 
6م كان الشاه عباس متردّدًا في إرسال الجيش لقتال العثمانيين» نظرًا إلى قلة العدد والعُددء مقارنة بالجيش العثماني» لكن زينب 
بيكم نصحته بعدم التردّد وإرسال الجيش الذي تمكن من الانتصار على الجيش العثمانيء فزادت ثقة الشاه والجيش برأيها؛ وهكذا 
باتت المستشار الرسمي للدولة في الشؤون كلها. وكانت تحضر مجالس استقبال السفراء واستلام الهدايا(©). 


ورد في مذكرات دون كارسياء السفير الإسباني في إيران في عام 1028ه/ 1619م أن من عجائب الأمور التي شاهدها في مجلس 
لاس الأول هوحضور امرأةشابة بين أعضاء الجلس» كانت مرقدية "الجادر" (رداءافضفافى يغطى كامل النسيم) وتضغ النفات 
اقء كعادة التساء فى فارسء غير أنها كانت مكشوفة الوجهء اكّسمت بالوقار والاحترامء وكانت تتمكن فى هذايا السفير للشاهء تحيط 
بها مجموعة من العسكر التابعين لها. هذه السيدة هي زينب بيكم» عمة الشاه عباس التي كان يثق برأيها ويستشيرها في جل أمور 
المملكة» حتى العسكرية منها”»». ويعدٌ ظهور النساء والمشاركة في مجالس الرجال من الظواهر النادرة التي اختص بها البلاط الصفوي. 


وفي عام 1029ه/ 1620م» تعرّض الشاه لوعكة صبحية |فعزؤة في الفراش؛ فهاج زعماء قبائل القزلباش واختلفوا في ما بينهم» 
فأشارت زينب بيكم على الشاه بالخروج عليهم لمنع وقوع حرب بين القبائل» فتمالك الشاه نفسه وخرج على الملأ؟ فكان لهذا التصرف 
سحر "المرهم" على | , لجميع: : فسكنت القلوب برؤيته وانتمت الأزمة69). 


استمرت زينب بيكم بممارسة نفوذها حتى وفاة الشاه عباس الأول في عام 1038ه/ 1629م: وفي عهد الشاه صفي الدين» أمر 
بطردها من البلاط الصفوي وحدّ من نفوذهاء فبقيت آخر عشرة أعوام من عمرها تعيش في عزلة» بعيدًا عن الأضواء إلى أن وافتها المنيّة. 

اهتمت زينب بيكم بأعمال الخير؛ فخلفت الكثير من الآثار والإنجازات المتمثلة في إصلاح المباني ورصف الطرق» وخصصت جزءًا 
من أموالها لإقامة المدارس وأماكن الضيافة©7. 


تؤكد هذه النماذج الدور الفاعل الذي اضطلعت به نساء الأسرة الصفوية» ونجاحهن في المحافظة على بنيان الدولة في فترات 
حرجة؛ إذ تمكنّ من تيسير الانتقال من حاكم إلى حاكم» إما لصغر سن الحاكم أو لإصابته بعلّة تمنعه من الحكمء أو لغيابه عن 
البلاط الإمبراطوري» فنجحن في تمييز أنفسهن باستخدام قوة شخصيتهن والسلطة التي يملكنها في فارس في القرن الأول من الحكم 
الصفوي؛ فبرزن فاعلا سياسيًا في المجتمع؛ على الرغم من القيود المفروضة عليهن. 


وإن كان نموذج المرأة القوية قد تمثّل في شخصية السلطانة الأم التي كانت تسعى لضمان وصول ابنها إلى كرسي العرش في 
الإمبراطورية العثمانية» فبإمعان النظر نجد أن النساء الصفويات تألقن وأذّين أدوارًا جوهرية في المحافظة على استقرار أركان الإمبراطورية, 
ولم تكن ممارسة السلطة حكرًا على الزوجة أو الملكة الأم فحسب, بل أدّت الأخت والابنةء فضالا عن العمة والجدة» أدوارًا محوريةً في 
تغيير سياسات المملكة. واتّسم البلاط الصفوي بولوج نساء من أصول ملكية عالم السياسة» وفي المقابل» كان أبرز اللاتي ولجن عالم 
السياسية في البلاط العثماني من أصول غير ملكية. ولم يقتصر دور الحريم الصفوي على إدارة شؤون الحريم وتبادل الرسائل وممارسة 


6 بيترو دلاواله.ء سفرنامه ييترو دلاواله: قسمت مربوط به إيران (رحلات بيترو ديلافالي: القسم المتعلق بإيران)» ترجمة شعاع الدين شفا (طهران: شركت انتشارات 
علمي وفرهنكي: 1370ش)ء ص 364. 

67 وتوا ص 271. 

8 المرجع نفسه. 

9 كل زواره؛ فلسفيء ص 281. 


0 شرف.ء ص 198-197. 


06 





الحريم الصفوي: إضاءات جديدة ل دراسات 


السلطة من خلف الستار؛ إذ فاقت المرأة الصفوية نظيرتها العثمانية بمشاركتها في مجالس الشورى وميدان القتال ومحاربة الأعداء 
إلى جانب الشاه. وعلى الرغم من هذا الوضعء فإن الخصوصيات المرتبطة بكل حالة» قد تجعل الوصول إلى تعميمات عن الصيرورة 
التاريخية أمرًا متعذرًا لا ينطبق على النماذج كلهاء بيد أنه ينفي النظرة التقليدية القائمة على المسَلّمات. 


خامسا: الدور الاجتماعي للنساء في البلاط الصفوي 


من أهم الأدوار الاجتماعية التى فرضت على نساء البلاط الصفوي هو تقديمهن بوصفهن هدايا ملكية إلى حكام البلدان الأخرى, 
مثل الآق قوينلو» أو إلى الأمراءء مثل زواج خير النساء بيكم» ابنة إسماعيل الصفوي» بالأمير حسام الدين» حاكم فومن ورشتء وزواج 
شاهزاده بيكم» ابنة الشاه عباس الكبيرء بميرزا محسن رضوىء حاكم مشهدء أو إلى كبار الأعيان المحليين أو رجال الدين» مثل زواج 
ملك نسا بيكم» الابنة السادسة للشاه عباس» بميرزا جلال شهرستاني مسؤول العتبات الرضوية» في إطار ما يُعرف بالزواج السياسي (أي 
اعتبارهن أدوات سياسية)ء وخصوصًا في بداية نشأة الدولة الصفوية» وذلك لتقوية الروابط أو لتأمين الدولة من خطر أحد الحكامء أو 
كونه بندَّا ضمن إحدى المعاهدات أو العقود, أو للاقتراب من السكان المحليين وكسب ثقتهم ودعمهم» مثل زواج خانش ييكمء ابنة 
الشاه إسماعيل الأول وأخت الشاه طهماسب. بالشاه نعمت الله يزدي77. ولم يكن للمرأة الحق في إبداء رأيها في اختيار الزوج أو الحق 
في تقرير مصيرهاء فهي طوع أمر الشاه. وكان على النساء اللاتي يخرجن من البلاط الصفوي القسم بكتمان أسرار الحريم وكل ما يتعلق 
بالعللاقات بالشاه72. 


اختلف طول الفترة الزمنية في تفعيل نظام المصاهرة بين الوعد أو عقد الزواج» وانتقال العروس إلى بيت زوجها باختلاف الحاجة, 
حيث يُعزّرْ التحالفات السياسية لتوطيد السلطة ودعمها شرعيًا؛ فدخول الأمر حيّز التنفيذ كان يتم حيئًا فور الاتفاق» ويتأخر حينًا آخرء 
أو لا يتم تنفيذه مطلقًاء مثل زواج يري خان خانم بابن عمها بديع الزمان الذي لم يدخل حيّز التنفيذ:7. وفي أحيان كثيرة كانت هذه 
الزيجات تنتهي بنشوب النزاعات وتداخل مصالح الطرفين؛ فكانت النساء ضحية هذه الخلافات, كما حدث مع عمة الشاه عباس 
الأول» مريم سلطان بيكم» التي كانت متزوجة بالأمير خان أحمد حاكم كيلان الذي قتل في أعقاب التمرد ضد الشاه عباس 60. 


على الرغم من خروج النساء من البلاط الصفويء فإن ولاءهن كان مستمرًا للشاهء وكنّ بمنزلة عميلات سرّيات له في البلاطات 
الأخرى: يمددنه بالأخبار فور اندلاع بوادر للتمرد ضدّهء أو فور إحساسهن بأي خطر يُحدق بالبلاد أو بمصلحة الشاه؛ ففي عهد الشاه 
عباس الأول كانت ابنة الآمير إسماعيل» شقيق الشاه عباس» متزوجة بالشاه وردي خانء حاكم اللوريستان» الذي ثار وتمرّد ضد الشاه 
ولم ينصت لتوصيات زوجته» بل عتّفها وضربهاء فأخبرت على الفور» وفي سرية تامةء عمها بخطة زوجهاء فتمكن الشاه من تدارك الأمر 
والقضاء على هذا التمردة©. 


1 فاطمة دانشء» "خانش بيكمء بانوى شيعه در يزد (ييوند از تصوف تا سلطنت)" ("خانش بيكم» سيدة شيعية في يزد (اتحاد من الصوفية إلى الملكية"). راسخون, 
0 وششوهد في 2019/12/19, في: "11551م30//إ1.كذط//:وصغط 
2 كميقرء ص 227 
. .2 18111301181 73 
,1015 عك 1131261 :02001آ لك1آهلا 11577) (.خطةا) 5138 2[ .©) ,1560-1604 2110/11ن) [ه' آذك 271 /0 211471 100171 جاع20177 جاعع811 عك ,1055 .1 74 
.-214 .22 ,(1568 
.6 .م ..1010 75 


09 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


سادسا: مساهمات النساء في الشأن الحضري والأعمال الخيرية 


مقارنة بالفترات السابقة عليه أنصف الدين الإسلامي المرأةء فحازت حقها في لميراث أسوة بإخوتها الرجال» وعلى الرغم من أنها 
ترث نصف ما يرثه الذكرء فإنها تمبّعت بالسلطة التامة على نصيبها من الميراث» إضافة إلى ما فرض على الزوج باعتباره حقًا للزوجة من مهر 
ونفقة» فضالا عن المخصصات الالية للنساء في الحريم. وفي هذا السياق» باتت نساء البلاط الصفوى ينعمن بدرجة كبيرة من الاستقلالية 
المادية» وبذلك انخرطت المرأة الصفوية في النشاطات الاقتصادية المنوّعة» رغبة منها في المساهمة في ازدهار الحضارة الصفوية؛ فعمدت 
إلى رعاية الفن والهندسة المعمارية» وتجلى هذا الاهتمام بتخصيص جزء من ثروتها في سبيل الخير ووقف الكثير من الأبنية. وكان 
لإعلان المذهب الشيعي مذهبًا رسميًا للبلاد انعكاسه على النساءء حيث أَذَّين دورًا جوهريًا في المحافظة على المعتقدات الشيعيةء وسارعن 
إلى التباري في إقامة المدارس الدينية والإنفاق على العتبات المقدسة؛ فحظيت الأضرحة في المدن الدينية قم وأردبيل» حيث ضريح الشيخ 
صفي الدينء؛ بتمويل زاخر؛ إذ بلغ مجموع الأوقاف المخصصة لهذا الضريح أكثر من 20 في المئة من أوقاف النساء©7. ويكشف لنا الدور 
الذى قامت به النساء عن مدى وعيهن وحرصهن على تأسيس مؤسسات الأوقاف وإقامة المشروعات الخيرية في الوقت الذي كان بعض 
الحكام لاهين عن إدارة أمور الدولة وغارقين في الملذات الحسية77©. 


وفي واقع الأمرء وعلى الرغم من طغيان عُرف احتجاب النساء (يشت يرده) في المجتمع الفارسي والموروثات الاجتماعية تجاه 
النساء باعتبارهن شرف الرجالء فإنهن استطعن أن ينقَذْن عبر ما كان يوحى ظاهره بأنه حدود واضحة بين العام والخاصء» وتمكنّ 
لوضعة أنفسهن داخل هذه الأطر الثقافية: ولم تتحصر هذه المشاركات فى طبقة الصفوة من النساءء بل اسعت لتشمل التساء من 
الطبقات الأخرى. 


لا يشّسع المجال هنا للتعرض بالتفصيل لمساهمات النساء الحضارية» بيد أنه لا بد من سرد بعض النماذج؛ فكما عُرفت السلطانة 
خرم زوجة السلطان سليمان القانوني بخدمة المجتمع وتوظيف أموالها الخاصة لبناء الوقفيات الخيرية مثل "مجمع خاصكي " والأسبلة 
والقنوات 78 عُرفت في المقابل تاجلو بيكم» زوجة الشاه إسماعيل الأول باهتمامها أيضًا بالخير وتخصيص الكثير من الموارد المالية 
لإنشاء المزارع والحدائق والقرى» وتعوّدت بإعادة بناء قبة ضريح حضرة السيدة فاطمة المعصومة أخت الإمام الثامن للشيعة الإمام الرضا 
في مدينة قم» إضافة إلى توظيف جزء من ثروتها لبناء جسر "دختر" على نهر قزل أوزون وترميمه» وإعمار بناية "كنبد عالي"» حيث ضريح 
الشيخ صفي الدين» المعروفة ب "جنت سرا"(9. 


اهتمت دلارام خانم والدة الشاه صفي الدين وجدّة الشاه عباس الثاني» بالتخطيط المدني؛ فوظفت جزءً كبيرًا من أموالها للاستثمار 
في الأبنية المعمارية» في العاصمة الجديدة للدولة الصفوية أصفهان التى أسسها الشاه عباس الأولء لتنال النصيب الأكبر في المشروعات 
الخيرية» فأنشأت نزلينء ويُعدَ نزل الجدة الكبيرة من أروع مشروعاتها وأكبرهاء وعلامة فارقة في المدينة وعنصرٌ جذب للتجار**. كما 


37-9 .06 :821113001131 76 
7 هامبل» "تبديات المرأة المسلمة". ص 24. 
8 جان ألبجونج: السلطانتان خرم ومهرماه: قرينة القانوني وسليلتهء ترجمة وليد عبد الله القط (القاهرة: دار النيل: 2014)ء ص 21-20. 
متقاوةء 2 01 عانتاقط[ لاأك غلا :00م ط) تبه[ برعو مار برا تفط :11 “إعندد20] 2110 :122112101 ,11172 472/1112 : ©5/171:171 1010114511 30/0110 ©17 ,117601 عن 5ك[ 79 
,239 .2 ,10]1655710310 :72 .2 و(2011 ,51010165 


0 ستيفن بليكء» "إسهامات المرأة في المشهد الحضري: البناة من النساء في أصفهان الصفوية» وشاه جهان آباد المغولية", في: هامبلي (محرر)ء ص 499-469. 


90 





الحريم الصفوي: إضاءات جديدة 0 طور دراسات 
سطس 


اهتمت ببناء المدارس الدينية التي ما زالت قائمة في أصفهان إلى اليوم» وحرصت على وقف المباني ضمانًا لاستمراريتها(*). ومما لا شك 
فيه أن الدخل السنوي د للجدة كان العامل الرئيس الذى مكنها من بناء تلك المباني ورعايتها. وفي المقابل» اهتمت السلطانة 
كوسمء زوجة السلطان العثماني أحمد الأول (حكم بين عامي 1603 و1617).؛ بإنشاء الخانات والمساجد ومدرسة الوالدة. وعُرفت 
كلتاهما بنفودهما القوي ني البلاطين الصفوي والعثماني ونجاحهما في تشكيل دولة ظل تحكم فيها من خلف الستار وبالتحالف مع 
الصدور العظام. 


خاتمة 


صفوة القول إن مسيرة المرأة في العصر الصفوى شهدت الكثير من التناقضات. والمثير للاهتمام كيف تأثرت الأسرة الصفوية في 
القرن السادس عشر بالتصور المغولي التركماني؛ وذلك نتيجة انتهاج سياسة الزواج التي اتبعها شيوخ وشاهات الدولة الصفوية للحصول 
على دعم قبائل القزلباش وتوثيق أواصر العلاقات وكسب ولائهم» فامتزجت الأعراف والتقاليد التركمانية مع المواقف والممارسات 
الفارسية لتخرج لنا بتوليفة فريدة من نوعهاء انعكست على مسيرة الدولة الصفويةء فظهرت في صورة صراع الأبناء بشآن وراثة العرش, 
وفي الدور الذي قامت به النساء في البلاط الصفوي» وعرّزت الرؤية السياسية للمرأة في المجتمع الصفويء وأثراه الاعتقاد بآن الله منح 
جميع أفراد الأسرة الصفوية القدرة على القيادة» من هنا كان الاهتمام بتعليم المرأة منذ نعومة أظافرها وتهيئتها للمشاركة السياسية: 
حالها حال الرجلء لتنحصر السلطة في السلالة الملكية. وفي الواقع مارست نساء الأسرة الصفوية السلطة على نحو مباشر في البلاط 
الإمبراطوري حين تهيأت لهنّ الظروفء أو غير مباشر بوصفهن أداة سياسية في بلاطات أخرى انتقلن إليها بحكم الزواج» أو بصفتهن 
أمهات السلالة الملكية. 


مع حلول القرن السابع عشرء بدأ الاتجاه إلى تغيير هذا التقليد وحجب الأميرات» أسوة بالأمراء حتى لا يطالين بسدّة الح ! 
واللاقت هوق اجع ظهور المراةيضقعها قاعلا ساسا فى محري الكحهداث الى ترامنت مع بدايةاقيدف الدولة واتجاهها تسر 1 07 
بعكس ما افترضته الرؤية التقليدية من اقتران تدخل النساء في الحكم بتردي حال الدولة وانحدارها. 

إلى جانب ذلكء ألقى انتشار التشيع ظلاله على مسيرة المرأة في فارس وحدّ من نشاطاتهاء وحصرها في فضاءات معيّنة وقيّدها 
بقوانين فرضت عليها باسم الدين» لكنهاء على الرغم من تلك الأغلال» نجحت في فرض شخصيتها واستطاعت أن تجد لنفسها 
مساحات تنفذ من خلالها إلى معترك الحياة الفكرية» ومن ثم المجال السياسي والاجتماعي والميادين كلها التي كانت حكرًا على الرجال 
في فارس. 


أخيرّاء وفرت ندرة المعطيات عن المرأة الصفوية في كتابات المؤرخين الذكور المعاصرين لهاء والغموض الذي كان يحوم حول 


0116 وغيرهم . وتعرّضت المرأة الصفوية لإجحاف كبير تجلى في اتهامها بالمسؤولية عن انحطاط الأسرة الصفوية وانهيارها في نهاية 
الأمرء متغاضين عن الدور الحضاري والفكري والسياسى والاجتماعى الذى قامت به وسعيها الحثيث للمحافظة على المملكة التى 


ورثتهاء حالها حال الرجال. 


31 أكرم أرجحء "موقوفات زنان در دوره صفوى وعثماني" ("أوقاف النساء في العهدين الصفوي والعثماني")ء فصلنامة تاريخ روابط خارجي. العددان 52 و53 (1391ش)» 
ص 5-4. 
.6 رع11ع 2‏ 82 


01 





20 


العدد 12 


م 
بطل تموز / يوليو 2020 
1م 
لم 


0910101 


ددا 


إن مسيرة المرأة ومشاركتها السياسية لا بد من عرضها بكل ما فيها من نجاحات وإخفاقات» من دون التركيز على الجانب المظلم 
والتنضّل من الجوانب المشرقة. فصعود عدد من الحكام ضعاف الشخصية وغير المؤهلين لإدارة شؤون البلادء نتيجة قواعد واهية 
وتضافر عوامل تمخضت عنها ظرفية حكمت بحبس الأمراء في منطقة الحريمء لا يبرر هيمنة آراء تقليدية تستخدم المفارقات التاريخية 
وتستحضر الدين ذريعة في محاولة لإثبات عدم صلاحية حكم المرأة والخروج بتعميمات تجعلها عاملا رئيسًا في انهيار الدول. قد لا 
لكان ذلك عل جل الحالات» حيث برزت نماذج مضيئة وقوية تفوقت غل الحكاء الضعاف وتمكنت من إذارة أمور العباد بذكاء وفطنة, 
لكن مآلها كان القتل بطريقة عنيفة أو النفي أو النسيان في إثر حدوث التغييرات في مناخ السياسات في البلاط الإمبراطوري. ويدعونا ذلك 
كله إلى إعادة النظر وتحرير فكرنا من تلك القوالب التقليدية. 

وفي ضوء ما ذكر, قد تشكل الدراسة تحديًا يؤدي إلى المزيد من البحث والتقصي في أعماق المصادر لاستنطاقهاء إما لتأكيد وإما 
لنفي تلك المفارقة الجوهرية والصورة النمطية لحكم النساء أو تغييرهاء وفتح نافذة جديدة على رؤية مغايرة تُبيّن أيضًا دورهن في المحافظة 
ة الدولة ومؤسساتها ومساهمتهن في استمرارية الإمبراطورية. 


902 


الحريم الصفوي: إضاءات جديدة 0 طور دراسات 
سطس 


المراجع 
العربية 


٠‏ ابن العديم» كمال الدين أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله. زبدة الحلب من تاريخ حلب. عُني بنشره وتحقيقه ووضع فهارسه 
سامى الدهان. ج 3. دمشق: المعهد الفرنسى للدراسات العربيةء» 1968. 

.ابن واصلء جمال الدين محمد بن سالم. مُفْرَّجٍ الكروب في أخبار بني أيوب. تحقيق جمال الدين الشيّال وحسنين ربيع. مراجعة 
سعيد عاشور. ج 5. القاهرة: مركز تحقيق التراث بدار الكتب المصرية» 1957. 

. ألبجونج». جان. السلطانتان خرم ومهرماه قرينة القانونى وسليلته. ترجمة وليد عبد الله القط. القاهرة: دار النيل» 2014. 

٠‏ براون» إدوارد جرانفيل. تاريخ الأدب في إيران من بداية الحكم الصفوي حتى نهاية الحكم القاجاري. ترجمة أحمد كمال الدين 
حلمى وإبراهيم أمين الشواري ومحمد علاء الدين منصور. ج 4. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة, 2005. 


٠بن‏ نوارء بهاء. "الرحلات الاستشراقية وصورة الذات العربية: قراءة فى صورة الحريم". مجلة رؤى فكرية. العدد 2 (2015). فى: 
0ه57/390000. خط // :وماغخط 


2 الجواهريء عماد. "الحريم السلطاني ودوره في الحياة العامة من تاريخ الدولة العثمانية". مجلة العلوم الاجتماعية. مج 7: العدد‎ ٠ 
(79و19). فى : 901708-آ611.1577:/2//:ومخط‎ 

٠‏ حسنء سوالف. دور الجوارى والقهرمانات فى دار الخلافة العباسية؛. 656-132ه/ 1258-749م. دمشق: صفحات للدراسات 
والنشرء 2013. 

٠شرف»‏ مصطفى. "دور نساء البلاط الصفوى في تاريخ الدولة الصفوية". مجلة رسالة المشرق. مج 27. عدد خاص (2011). في : 
7 كطند 157/2 .ختط// : وماغخط 

.2009 طقوشء محمد سهيل. تاريخ الدولة الصفوية (فى إيران)؛ 1148-907ه/ 1736-1501م. بيروت: دار النفائس.‎ ٠ 

.)2015 عثمان» عمرو. "التاريخ العالمى: موضوعه ومناهجه ودراسته من خلال تاريخ الاشباءة. أسطور. العدد1 (كانون الثاني/ يناير‎ ٠ 

,6 علاوى» نسيبة. "دور آل كوبرلو في إصلاح أوضاع الدولة العثمانية, 1702-1656م". مجلة أبحاث كلية التربية الأساسية. مج‎ ٠ 


العدد 2 (2007). فى: عتطنه25 / تجا ختط//: وماخط 


وو 


. مخلوفء ماجدة. الحريم فى القصر العثماني. القاهرة: دار الآفاق العربية» 1998. 
.المرنيسي» فاطمة. السلطانات المنسيات نساء رئيسات دولة في الإسلام. ترجمة جميل معلى وعبد الهادي عباس. دمشق» دار 


٠‏ هامبلء غافن (محرر). المرأة في العصور الوسطى الإسلامية. ترجمة أحلام عثمان [وآخرون]. بيروت: الشبكة العربية للأبحاث 
والنشرء 2014. 


53 


العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


الفارسية 

. آزادء حسن. كوشه هاى از تاريخ اجتماعي إيران: بشت يرده هاي حرمسرا (زوايا من التاريخ الاجتماعي لإيران: خفايا 
الحريم). أرومية: انتشارات انزلى» 1357ش. 

. أرجحء أكرم. "موقوفات زنان در دوره صفوى وعثماني" ("أوقاف النساء في العهدين الصفوى والعثماني"). فصلنامة تاريخ روابط 
خارجي. العددان 52 و53 [91و13اش). 

٠‏ بارباروء جوزافا. سفرنامه هاى ونيزيان در إبران (رحلات البنادقة في إيران). ترجمة منوجهر اميرى. طهران: شركت سهامي 
انتشارات خوارزمى» 1381ش . 

٠‏ تاورنيه» زان باتيست. سفرنامهء تاورنيه (رحلات تافرنييه). ترجمة حميد شيراني. [د. م.]: انتشارات نيلوفرء 1383ش. 

٠.‏ دانش» فاطمة. "خانش بيكم» بانوى شيعه در يزد (ييوند از تصوف تا سلطنت|" ("خانش بيكم» سيدة شيعية في يزد (اتحاد من 
الصوفية إلى الملكية)"). راسحون. 2018/9/30. في : 11517م157/30.ختط// : ومغخط 

. دلاواله» بيترو. سفرنامه ييترو دلاواله: قسمت مربوط به إيران (رحلات بيترو ديلافالى: القسم المتعلق بإيران). ترجمة شعاع 
الدين شفا. طهران: شركت انتشارات علمي وفرهنكي, 10ش. 

٠‏ روملو» حسن بيك. أحسن التواريخ (أحسن التواريخ). عبد الحسين نوائي (محقق). طهران: انتشارات بابك» 1357ش. 

. سانسونء» مارتن. سفرنامه سانسون (رحلات سانسون). ترجمة نقي تفضلى. طهران: كتابفروشي ابن سيناء 1346ش‎ ٠ 

ساستة فرء مهناز ومحمد خزايى وشهين عبد الكريمي. "بررسى جايكاه اجتماعي زنان وكودكان در دورة شاه طهماسب صفوى 
(983-936ق) بر اساس تطبيق نكاره هاى نسخ شاهنامهة طهماسبى وهفت اورنك جامى" ("دراسة الحالة الاجتماعية للمرأة 
والطفل في عهد الشاه طهماسب الصفوي (983-930ه) بناء على تطبيق نسخ من صور شاهنامة طهماسب والهفت أورنك جامى"). 
زن در فرهنك وهنر. المجلد 6. العدد 2 (1393ش). في : 39375171770 /11.157ص/ / :وماخط 

: شكرى» بد الله (محرر). عالم أراي صفوىي تاريخ عالم آراي الصفوىي). طهران: انتشارات بنياد فرهادء 1363 ش. 

٠‏ شيفاليير» شاردن. سياحتنامه شاردن سازمان نظامي وسياسي ومدني إيران (رحالات شاردن المجتمع المدني والسياسي في 

. فلسفى» نصر الله. زندكانى شاه عباس أول خصوصيات جسمى:. روحىء أخلاقى وذوقى أو (حياة الشاه عباس الأول خصائصه 
الخلقية والخلقية والروحية والمعنوية). ج 2. ط 4. طهران: انتشارات دانشكاه تهران» 1347ش. 

. فيكوترواء دن كارسيا. سفرنامه دن كارسيا فيكوئروا (رحلات داسيلفو فيغويرا). ترجمة غلامرضا سميعي. طهران: 
نشرنوء 1363ش. 

انكليرت: سفرنامةء كميفر (رحلات كميفراء ترحية كيكاووسن جياتداي: ط 3 طيران: شكة شياصض انتشارات 
خوارزمى» 1363ش . 


024 


الحريم الصفوي: إضاءات جديدة 0 / 3 
يم ي: إضاءات جدي أ 015 دراسات 


٠‏ كاررى» جملٍ وجوواني فرانجسكو. سفرنامه كارري (رحلات كارري). ترجمة عباس نخجواني وعبد العلى. تبريز: اداره كل فرهنكقف 
وهنر آذربايجان شرقي: 1348ش. 

٠‏ كَللٍ زوارهء غلامرضا. "زنان وزمامداران صفوي" ["النساء والحكام الصفوين")ء ماهنامه ييام زن. مج 161: العدد 5 (1384ش). 
فى : 11.17/2785712ا// :نومخط 


٠نوائيء»‏ عبد الحسين. منابع تاريخى وجغرافياي إيراني 36» شاه طبهماسب صفوي: مجموعة اسناد ومكاتبات تاريخى همراه 
بايادداشتهاي تفصل (المصادر التاريخية والجغرافية لإيران 36 الشاه طهماسب الصفوي: مجموعة من الوثائق والرسائل 
التاريخية مع مذكرات تفصيلية). طهران: انتشارات بنياد فرهنك». 1350ش. 


الأجنبية 
[0 4711015 تارمل ".(1.خ4 1236-1242 /.1.خ 634-640 0ممع1اخ 01 طعع1ا0) 10طانتكتجخة ,متطقطكا 103512" .1ع13 ,تتمطحث اخ ٠‏ 
ذظكمخطناج05://016.197/3مطط :1 .(2000) 15 .20 .2071 0ل 


7102131 ,211715117ل] ا1اناع/طا .ذاوعط 1 اعأة1/123 ".هآ 5313510 12 2011121 لطتة طاعصطه1 1015721" .علوجحةا 81113001131 ٠.‏ 
2 خطل /اأع. 500 //:5مطط :216 .2015 


5611-7 7/2آ1.1 :5ل نه .17071120 010 020لعن 11[ ٠١‏ 
1130311[ /أع. 500 /:5 اطاط :1ه .نراء 501 :2770711827 17-071 ".112 531835710 عط ا ماتعمطه/11 مدخ[ 01 ك1م1ة 11" .117 00210 عاتن ] ٠.‏ 


:1010010 .(.0ع) ع1001) 11711113132 .1622-1681 ,كأ نتق :11 7م[ ©7171 ب 121 :1ك 171010 [ك مط /[0 11711مع 2 ار نلك 7 ك . تط0ل نتع ك1 ٠‏ 
.5 ,506016157 ]90 لاأكلة1آ1 


701 /0 7زاء1ع50 17717710110110/1 ".21155 5313510 انتااع 11351 ذخ :7لتتمتقطكا مقطا نو" .طاعنتطمطكد ,تطكلنةتهدىا[مط0 ٠.‏ 
200721570 /5://11.157 :31 .(995) 3-4 .20 ,28 .7701 .31110165 


عطا غه 0عاأمعوع1م اعوط ".22100 5313510 عغطا 0111128 513615 5'معمطه11" .لعقطكا اقطقطك عكى 32/113 ,حاع10ل مقطول ٠‏ 
506181 2[ دعطاء تهع5ع] أاععع ]1 " عع2ع1ع021 10151121 310 0201257ه1 506191 رعع2ع501 506131 02 ععطعلء 001 ) 11102610221 
0ل 7لآط4 /أع.05://500اأط :31 .2011 ,27-29 11357 ,50211 ,101111512 320 111125ع21113ة]/طا ,ععاعع 02771 10121601 ,ععمع 01د 


17011 11677 /10 00م[ .12/210712 10ته 12101ل2 1 1ءن201] :17271 أمآنتؤهذ 17 20/111125 /0 271211 ©7177 .1102امن واأعطء اكز ٠.‏ 
.9 ,5610165 ع1لاع20ع م 311115 1 


".1121 11 1571510أع ل 11/0175 310 801162610 5'تطعحطه/11 عع اع متطمط1210ع]] لوع15]011ط عط 1" .طاع:5012355 ,تاع 1102 ٠‏ 
1/5171][)01ع.05://500اق :31 .(2015) 1 .20 ,31 .7701 .110111671 4151011 


.لامآ 00) عك كاتتلتهة 1 .1.8 :0112لا 1337[ . :1711217 126751071 0 12217177 17071 37/10 .01 طث ,متقصطاتكء ا ٠‏ 


07100 17011 تت 11 .1771717 021101110711 ©1776 111 5012672191711 0710 110111671 :1076711 /710©م171 ©7177 .16اأوع[ ,ععتاعط . 
.93 ,رؤووع21 215761517ل1آ 


001[ .17071 07171 كرا[ مر 7ط 111 102011021 0110 12211251011 ,1117 47/1112 :5/1717 10101105112 50/0110 17 .11512531 ,1517901 ٠‏ 
5110165 215132 01 12511116 لأ 


لك[01لا 6577 1] .(.325) 56308 هآ .©) .1560-1604 ن2170116) 07 1/كل 26151 /0 071لال 10011 ماع20 اعم 11 عكى .1 ,055] ٠‏ 
.568 ,8101615 عك لم131 :200م.] 


95 


العدد 12 14 تموز / يوليو 2020 
د ا 2 تموز / يولي 


علة اك 011لا 1837[ .50161105 151071112 171 12671©5©711011011-/5©1 0710 ,2017011026 ,17077171 .(.ل0ع) 4ا1تلطعتلةآ ,وعاعع11] ٠‏ 
.000 2 رؤووع21 عملا نه[ 01 015715157لآ 


17[ .(لعمطتمامعء 00 ع2 أقطهة) 015[157 اا كتحطتل ١71‏ .071117115121101 2 وأنحموك زه اسننتتتمل! ل :الالال 01 100/71/11 ٠‏ 
..00)0) 310 ©1173[ :020011]آ .16 وعااع5 1131ممطعكل8ة 1ن 


.(2005) 2 .20 ,وو .701 .ل!07!! 1711أكنا/[ ©7177 ".1351 عطا 01 عووع17مصطط أزعأدع01) عط[ :102013223" .91122 ,معلطع 1م لمعلا ٠.‏ 
[97/261901آ01.1//:ومطط :1ه 


06 





الإستوغرافيا وبناء الدولة الوطنية الحديثة في تركيا 
-31101[ لتاعل110 عطا ع تناع نتتاقمم) لله كطمونك 111510110 
11111237 12 5101 


وجدت الدولة الحديثة في تركياء منذ إعلان مصطفى كمال عن قيامها سنة 1923, نفسها أمام إشكالية بناء الوطن الجديد 
من حيث دعائم هويته الأساسية. وفي سبيل البحث عن الرابط بين البعد القومي والجغرافي. وظف التاريخ لخلق تلك 
اللحمة الضرورية بينهما. فبات مجالا للتأويل ومنهلا لنسج معالم أيديولوجية الدولة الوليدة. أحدث المشروع الكمالي 
قطيعة مع الماضي العثماني, وضمن هذا الإطار جاءت "أطروحة التاريخ التركي" لتعيد النظر في ماضي الترك بما يخدم 
أيديولوجية الدولة. ولتحقيق ذلك تم تأسيس "جمعية التاريخ التركي" التي جُنْد لها جماعة من المؤرخين كانت مهمتهم 
الأساسية إثبات الصلة بين الأتراك والأناضولء وتأويل التاريخ في انسجام تام مع هدف الدولة لصهر المواطنين ضمن 
قالب هوياتي واحد. قدمت "أطروحة التاريخ التركي" رؤية شوفينية لتاريخ الترك. فهم صناع الحضارة حيثما حلوا وارتحلوا؛ 
وأسلاف كل الشعوب القديمة: بل هم أقدم ساكنة الأناضول. لقد شكلت هذه الأطروحة إطارا للتاريخ الرسمي للدولة 
الكمالية. وتجدر الإشارة إلى أن عملية إعادة كتابة التاريخ التركي تجاوزت التاريخ القديم لتشمل القريب منه, حيث حرص 
مصطفى كمالء عبر خطاب "نطق" الشهير: على فرض روايته لملابسات حرب التحرير. كما أن المراجعات التي شملت العلاقة 
بالماضي الإسلامي بعد وفاته سنة 1938 وظفت الإسلام للإعلاء من دور العرق التركي في تاريخ الإسلام. 
كلمات مفتاحية: مصطفى كمالء أطروحة التاريخ التركي, نطق الترك والاسلام. 
:56101 1511 10120 ه1111 01 م5121 1ع1200 علا بأاعممطة 1اطماةء 15 01 0ه تتهاعع0 1923 215 تطعا 151212ل/ط عماتكده011آ1 
أ12261022115 ع1 قاعع0011© غأهط17 125511531128 2[ .1062611 22110221 ع متاعلء1 15 01 111315م عطلا عمتاععك 01 عناوذ1 عطا 
عططتوعه2 7إآطع1ع] غ1 .150 عط مععككاء6 مردع عطا ع51108 10 35 50 1001057:60ه 15 21510197 رع 1اموتعمع5 عطا 10 هاممعم1ل 
7011 أوعا1ع010ع10 51915 116081128 عط 01 اعطاعع10]-7128كدء177 عطا 101 عع50111 32 310 5مأماع1متعاما 01 110 2 
5 11151017 1111151 عطا ,1121261011 1215 111 ,320 0251 لطتمحطم )0 عطا 7111 111 2 0ه115وه أعء[10م الوطرع ]ا ع ]”' 
5 عك1ل123 10 .قلاعتء 01 23110117 عتهاأة عطا لعتكاع5 أقطا :7735 2 ا ككاكنا!' عطا 01 7لام]اقاط عطا عمتمصدععع؟ 16 لمعم 1عماء 
1 7111 لع]1نتاعع1 علاء:17 11510113125 01 2111261 2 طأع لط 101 بلعط5 1أطواةء 735 "5اع501 115]0157ط] داو كعاتن 1" عطا ,ع1 0551م 
11 10121 11 21510157 12110111128 3201 ,210113 مث 0طلهة ككعاكنا 1 عط عع 'تكاء6 علط 1] علا ع 1071م 01 عتكلاعء [0 11103157م 
111510177 طاوكاكن1 عط1 .1026157 01 220101 ع1ع5128 2 متطأ1؟؟ تتعطاعع 10 قطع117ه 211 115125 01 عتكلاعء[06 عنهاة عطا طتتىر 
ماع77 1177 ملع ط 7715177 171117231101ه 01 15ع1110ا عطا عاء:1 نلعا :1115 عطا 01 7715101 1015112 تكتتهطء 2 0م015 15وعط 1" 
2 لعأمعله 15وع) 1115 .10113قمكث أأطقطما م1 عله راعة1 ما ,رأقع010 عطا لممحدعاممهم لمعاعصة لله 01 5تتعطتواع.10 عطا 
111115 16771161118 01 2106655 ع1 121 2110111118ع27 قتتدع0 غ1 .ع1ة]5 اا2مطاع كا عط 01 تكتماقاط 015121 عط 101 ع1:1م؟تتع ه11 
60 الأعتهه 735 لقططع كا 8/1511 عتتعط7؟ ,أقهم أمععع] عط 0ع بتتاعص1ا لطتة 7لام]اقلط أمعاعصة لطمتزعا لعلمعهء حامأاقاط 
15 م1أععهم5 "اننال" ك5لا0حطج1] عط 01 177337 07 ,110ه1ء116 01 7731 عط 01 5ع11215122اء11ه علا 01 22110117 قلط 1102005 
0 151320 01 ع115 ع1220 ,1938 12 اتوعل قلط ناعا1ة ,]35م عت1تطهأذ] عطا 10 متطمطه تواع عط ل0ع1110ع10 أخقطلا 5ع اكع علا ,عمط 
1510177 151212016 71112 اا1عتمطاء طامكاكن 1 عطلا 01 عم 1أوء1م عطلا ع1015 


320 5ك11نا1 بكلتطتالظ ,رو1اوعط 1 111510137 دأدك11نا1 ,الماع ا 151212/طة :5755:01:05 >1 


أستاذة باحثة, الرباط. 
.+363 مأععطءجع5ده 300 ؛مووع01م 


527 


العدد 12 14 تموز / يوليو 2020 


ما إن تم الإعلان عن قيام الجمهورية التركية سنة 1923 تحت قيادة مصطفى كمال أتاتورك (2)1946-1923: حتى وجدت الدولة 
الجديدة نفسها أمام تحدي بناء الوطن وتحديد أبعاده بل صناعتها أحيانًا. فبعد أن اتخذ الانتماء إلى الوطن طابعًا رومانسيًا خلال القرن 
التاسع عشر"؛ دفعت معطيات الربع الأول من القرن العشرين في اتجاه إعادة تشكيل الهوية بأبعادها الجغرافية والتاريخية واللغوية. 
وبعد أن تبينت الجغرافيا النهائية لتركيا إثر معاهدة لوزان في تموز/ يوليو 1923» انخرط أتاتورك في سلسلة من الإجراءات التحديثية 
الثورية التي أحدثت قطيعة مع الماضي العثماني بأطره السياسية ورموزه الثقافية» فتناسلت إشكالات عدة كان الدافع من ورائها خلق 
لحمة بين الدولة والمجتمع عبر إنتاج ثقافة جديدة من شأنها نسج روابط بين الدولة الجديدة والثقافة الوطنية. 


ديق ذللقه كان التاريك محال نيلت مه الدولة الحديعة لذرحاة تلك اللحمة الخبرووية الى تل مجموعة من اللواطنين 
يشعرون بالانتماء إلى الوطن بمفهومه الحديث. وفي الحالة التركية نلمس تأثرًا كبيرًا بالحركات القومية التي عرفتها أوروبا منذ القرن 
الثامن عشرء وما نتج منها من انتقال من الملكيات المطلقة نحو الجمهوريات الحديثة. وقد واكب ذلك توظيف كبير للتاريخ» سواء في 


بعده الأكاديمىء أو في بعد الاحتفاء بالذاكرة الجماعية القريبة أو البعيدة. لذلك» فإن أبرز الإشكالات التى طرحت في الطريق نحو بناء 
الدولة الوطنية المركزية الحديثة في تركياء هي العلاقة التي ينبغي نسجها مع الماضي وموقع التاريخ من كل ذلك: خاصة في مرحلة من 
مراحل تطور الحضارة الإنسانية تم فيها تجاوز النظرة إلى الذات الجماعية كمركز للكون ولخريطة العالم2: حيث أصبحت الدولة 
119 تدرك حدود رقسها الجغراقية ضمق خريظة تضم .دولا أخرى ذات حدود معاومة: 


بالنسبة إلى مجال هذه الدراسةء كان من الضروري أن ترسي الدولة الكمالية أسئنا واضحة لهويتها التي أصبحت موقع جذب 
بين الوطنية في بُعد الارتباط بالأرض بحدودها الجديدة» وبين البعد القومي الذي فرضن شرورة وجرد رايط بين الأرض والشعب الذي 
حش فوقهاء خاصة أمام الإعلاء من الانتماء إلى عرق دون آخر ضمن مجالات تعرف تعددية إثنية. مما طرح عدة إشكالات وجدت 
في التاريخ مجالا خصبًا للتأويل لأغراض سياسية أو لبناء الشرعية. وبالنتيجة» فإن إعادة كتابة التاريخ الجمعي لبناء الحاضر بالنسبة إلى 
فى طور البناء شكلت أحد أعمدة بناء الهوية الجديدة6. ْ 


ويرى برنارد لويس ([2018-1916)» أن الدولة الوطنية الحديثة في عدة أصقاع من العالم) وجدت نفسها أمام "تاريخ متذكر" 
1115013 لعنء 0 سعدع]: لا يزال يشكل جزءًا من الذاكرة الجماعية للمواطنين» وتاريخ آخر مسي استدعت ضورورة بناء الدولة تذكره» 


تأثر العثمانيون في القرن التاسع عشر بالنزعات القومية التي ظهرت في أوروبا بعد الثورة الفرنسيةء حيث أصبح الانتماء القومي القائم على العرق والتراب والتاريخ 
عناصر جديدة للهوية الجماعية اتخذت لها تعبيرات في الشعر والمسرح. حول تطور الهوية وظهور مفغهوم الانتماء إلى الوطن خلال القرن التاسع عشرء ينظر: سعاد 
بنع » "الهوية 2 عالم متغير: الدولة العثمانية وإيران خلال القرن التاسع عشر". هسبريس-تمودا. مج 1 العدد 51 (2016)» ص 172-151» شوهد قِ 7/5 2:؛ 
في : [7/360159إ011.1//:وصاغط 
2 نسحت الحضارات القديمة نظرة مبنية على الاعتقاد بأنها مركز للعالم. وقد استمر هذا الاعتقاد لدى البعض إلى حدود بداية العصر الحديث عبر تبني أطر مرجعية» قِ 
معظمها دينية» تجعل من شعويهم محركًا للتاريخ» ينظر: 
210055011 .5 .0 القطاوتة/1 نط1 "رتكلمخاة 1ط 01 طلطط عطا كه د5عكاء75اعط 1 عع5 3005لظ :مدالطا عط 1ه تعاخمعن) عطا مآ" ,ممدع 2100 .5 .© المطئتتد/1 
,21255 1117615117ل] 01108 ططون) :ع1108طمتةن)) (.اعدهمن) عك .1210 ,.0ع) عكاتناظ 0ممطتلظ ,نم1 1ط ل71م!1! 710ه ,0711 1ك[ ,عم 70لا 011 كنرف ككط :نو715107] اوضر 
29-4 .7 ,(2002 

3 حول توظيف التاريخ في بناء حاضر الدولة الوطنية الحديثة» ينظر: 

.(1975 ,216355 1517 0157لا لاماععط211 :ل!ل] بامأاععطة1) 171127110 ,12201670 ,12711671182720 :2715107 ,7715اع[آ 210 مآ 
1 كر"برنارد لويش" قِ دراسته لعلاقة الدولة الناشئة بالماضى المنسى على نموذجى إيران وإسرائيل» وعلى هامشهما قدم أمثلة متعددة شملت الولايات المتحدة الأميركية 
وإنكلترا وروسيا وصربيا وتركيا ومصرء ينظر: 3-41 .مم ..1510. 0 ْ 


08 





ا 
الإستوغرافيا وبناء الدولة الوطنية الحديثة في تركيا لطور دراسات 


وهو "التاريخ المستعاد" 1115101 0ع1000761: الذى بات محط دراسة ونبش فى حفرياته ونقيشاته. وتتجلى خطورة هذا النوع من 
التاريخ فى ظهور نوع جديد على هامشه كاستمرارية لعملية الاستعادة. ويتعلق الأمر ب "التاريخ المختلق" :1115017 160م»105» نتيجة 
لختلف التأويلات المرتبطة بالتاريخ المستعاد من أجل خدمة أهداف بناء الوطن الجديد». فهل نجت الدولة الوطنية الحديثة في تركيا 
من محاذير تأويل التاريخ المستعاد؟ 


أولا: أطروحة التاريخ التركي 


كان عقد المؤتمر الثالث لحزب الشعب الجمهوري سنة 1931 بداية لتبلور مشروع أتاتورك الوطني ولصعود الكمالية»ء وضمنها ما 
عرف بأطروحة "التاريخ التري" 1621 انه ع1:ت1. ومن أجل توضيح الخطوط العريضة لهذه الأطروحة ودراسة عناصرها تم تأسيس 
"جمعية دراسة التاريخ الترى " ناءتإتصعه علعلاء] طتتها ع1ننة1 خلال السنة نفسها"؟ا. والتي ضمت مؤرخين ومثقفين على رأسهم يوسف 
أكشورا #تناجكاة #ناودة؟ (1935-1876) ورشيد غالب مثله© )نوع (1934-1897)ء وفؤاد كوبرولو تاانومة] هنظ (1966-1890) 
إضافة إلى ابنة أتاتورك بالتبني عفت إنان صمهم1آ ]ع (2)1985-1908. 


انطلق مشروع أطروحة التاريخ التري من ضرورة إعادة النظر في ماضي الأتراك خدمة لأهداف المشروع الكمالي الذي سعى لصياغة 
هوية جديدة» عمل من خلالها أتاتورك على إثبات مشروعية وجودها بصفتها معطى طبيعيّاء خاصة أن الأتراك اضطروا إلى تبرير ثلاثة 
انتماءات: الانتماء إلى الأناضول من جهة» وإلى آسيا الوسطى الموطن الأصلى من جبهة أخرىء إضافة إلى الماضي العثماني القريب الذي 
شكل امتدادًا لنموذج الإمبراطوريات الإسلامية في العصور الوسطى*. لذلك» فإن أول مهمة كلف بها أتاتورك جمعية دراسة التاريخ 
التري هي التصدي لما سمي ادعاءات الغرب حول انتماء الأتراك إلى العرق الأصفرء وعدم انسجام جذورهم مع وجودهم في الأناضول9. 


لتحقيق ذلكء وجد أتاتورك أرضية جاهزة انطلق منهاء خاصة أن الجمهورية التركية في بداياتها احتضنت مجموعة من الباحثين 
في الدراسات التركية. كان هؤلاء نتاجًا لموجات الهجرات التي عرفتها الدولة العثمانية عبر دفعات» ابتداء من أواخر القرن التاسع عشر 
نتيجة للتوسع الروسي في تركستان. فقد ساهمت السياسة القيصرية الروسية ضد الدولة العثمانية في تقوية الوعي بوجود رابطة تجمع 
الترك في آسيا". وضمن هذا الإطارء عرفت إسطنبول تشكل نخبة من هؤلاء اللاجئين تبلورت لديها نزعة قومية تأسست على رفض كل 
ما له علاقة بالثقافة الإسلامية» سواء كانت عربية أو فارسية أو عثمانية التي اعتبرت "كوسموبوليتية " هنهناهم0م:205» ومن ثمّ فإنها 
غير صالحة لأن تكون اماما لأى رابطة قومية0". 


11-12 .مم ..1010 5 

6 غير اسم الجمعية بعد ذلك إلى مؤسسة التاريخ الترى باحصدصدا طته1 16:ن11» ينظر: 
50-1 .262 ,(2006 ,101111086 :011لا #تتع 1[ 310 00م ط) 2عسدا! ه كآ 0[ :نرعع!17 1 11001171 :11 0417014115111 07110 ,27157111 ألاع 5 ,0711 151ل ,تكةأموع 2 5011 
50 ...1510 7 
00.38-9 ,16115 8 
.136-69 .20 ,000161 9 


,01115 :حلتة2) (1931-1923) 11011011011516 111510110970211 ©1171 ©كنرزأه71ل :11/701165 71011011 10 06 167185 1© 1257065 ,عتتتةعم00) عممع نط1 10 
.6 ,(1997 1]01610265 


11 110... 4 


99 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


فتحت الصحف والدوريات المنشورة آنذاك المجال لنشر مقالات هؤلاء. وقد سارت الكتابات المنشورة منذ أواخر القرن التاسع 
عشر في اتجاه النبش في تاريخ الترك القديم ما ساهم في نسج معالم أطروحة تقوم على أن أصل اللغات اللاتينية هو اللغة التركية2©, 
وتفوّق العرق التري على غيره من الشعوب المجاورة» "ففي الوقت الذي كان فيه الأتراك والمغول سادة الأممء كان العرب والإيرانيون 
والصينيون واليونان والرومان محصورين داخل حدودهم وغارقين في الجهل"3". تبتّى أتاتورك أفكار هذه النخبة وأسند إليهاء في إطار 
مؤسسة التاريخ التري» مهمة إنتاج كتابة تاريخية تتوخى تبرير وجود الترك في الأناضولء والانخراط في عملية تأويل مساراتهم عبر 
مراحل زمنية بما ينسجم مع الخط الأيديولوجي للمشروع الكمالي. 


اتضحت معالم أطروحة التاريخ التري» منذ مؤتمر التاريخ الأول الذي انعقد في أنقرة في الفترة 11-2 حزيران/ يونيو 1932 برئاسة 
يوسف أكشورا المشتهر برؤيته للوحدة الطورانية7"". وقد طمح المؤتمر إلى بناء قاعدة صلبة من الأطر التاريخية» عبر قيام أساتذة التاريخ 
بدور أساسي في ذلك» من خلال نقل العناصر الأساسية للأطروحة إلى الكتب المدرسية التي ألفت بعد ذلك. وتعتبر عفت إنان من أبرز 
المساهمين في وضع معالم أطروحة التاريخ التري. ففي ورقة قدمتها خلال المؤتمرء أكدت أهمية التاريخ في التربية على المواطنة» ومن 
ثم فإن كتابة التاريخ هي مهمة وطنية أيضًااة». ومن أجل شرح العناصر الأساسية للأطروحة» انطلقت من عناصر أساسية©". وهذه 
العناصر هى: 


وو 


الترك أسلاف لكل الشعوب القديمة» بما فيها الشعوب الهندية - الأوروبية. 
© العرق التري هو صانع الحضارات في كل الأراضي التي حطوا فيها الرحال. 


© الترك هم ورثة أمجاد السومريين والمصريين واليونان» ومؤسسو الحضارات الأوائل قِ الأناضول من خلال وجود "الحثيين" الذين 
اعتبرتهم إنان حضارة تركية. 


© الترك هم سكان الأناضول الأقدمون» ومن ثمّ فالأناضول أرض تركية. 

والجدير بالذكر أن عفت إنان خلال تلك المرحلة سجلت أطروحة للدكتوراه في الأنثروبولوجيا تحت إشراف أوجين بيتارد(”" 
حول العرق التري عملت من خلالها على الإجابة عن مجموعة من التساؤلات صبت في اتجاه إثبات انتماء الترك إلى الأعراق 
الهندية - الأوروبية» ووجودهم القديم في الأناضول» ودورهم في نقل الحضارة إلى شعوب العالم*. وهي الخطوط الأساسية نفسها 
التي قامت عليها أطروحة التاريخ التري التي شكلت الإطار الأساس للمؤتمر وللكتب المدرسية التي صدرت منذ ذلك الوقت. 


12 0328530137, 2.0 

13 )0026 83117, 2. 

04 يوسف أكشورا (1935-1878). من تتار روسيا المهاجرين نحو تركيا حيث انضم إلى القوميين بالأناضول» وأصبح عضوًا في حزب الشعب الجمهوريء بعد تأسيس 
الجمهورية التركية» كما تولى رئاسة مؤسسة التاريخ التري» ينظر: 

ر(2003 بكلتااعط33:1ئ9 مطاولاء11 :اناطامهنأ؟1) (1929-19227) 1171111ي/ا 0 162171177" 1071/1 12651111 0 1117/2 :1071/1 © 1/7007 ,المطدواظ وتاجنا8 :44-45 .2 مكتتتوء م00 

2. 175- 

.7 .2 ملآآمطة115 15 

16 0385301337, 1. 


7 أوجين بتارد (1962-1867)» أنثروبولوجي سويسري يهتم بأنثروبولوجيا ما قبل التاريخ» ينظر: 
70 ,©2009702/11 06 2211610156 16انا2 1 :2/05 ©[ ",1867-1962 21310 عطغع تنظ" ,اعوططع [اء([-اعع1].0051] وعع0601) ع اعوطامع1[ء1-10ع00518.] ع111عتع 1/131 


لتتطناك 5://11.197/38 اط :31 ,1/7/2020 01 26665560 ,22-25 .مم ,(1962) 102 
.2 وألمطة115 18 


1000 





بير 
الإستوغرافيا وبناء الدولة الوطنية الحديثة في تركيا للم دراسات 
4 5 


أما رشيد غالب فقد خصص ورقته لإلقاء نخارة 818818 إل وار لمخارة الترك من أجل إثبات اتعدام وجود 00002 
الترك والمغول» وانتماء هؤلاء إلى العرق الأصفر في الوقت الذي ينتمي فيه الترك إلى العرق الأبييضء متأثرًا في ذلك ببعض الدراسات 
الأنثروبولوجية حول تركيا!9". 


تعرض التصور الإستوغرافي الجديد كما طرح في المؤتمر لانتقادات بعض المشاركين فيهء خاصة فيما يتعلق باستناده المفرط إلى 
أطروحات غربية» ودعت إلى عدم التسرع في التأويل والانزلاق وراء تبني افتراضات باعتبارها أجوبة نهائية. وهو ما فجر سجالا محتدمًا 
في اليوم الثاني للمؤتمر على هامش عرض رشيد غالب لورقته التي نقدها زي وليدى توغان صدوعه1 1101101 عاء2002, حيث دعا إلى 
التروي والحذر؛ الثيء الذي لم يتقبله الساهرون على تنظيم المؤتمر الذين أرادوه أن يكون منصة لوجهة نظر وحيدة أكثر من مناسبة 
فتح باب النقاش العلمي الرصين» ولا سيما ان جمهوره كان يتشكل في معظمه من أساتذة التاريخ للمرحلة الإعدادية والثانوية إضافة 
إلى بعض الجامعيين. وهو ما يعطي الانطباع بأن وظيفة المؤتمر كانت تقنية محضة:؛ وتدخل في إطار شرح وتقديم الأطر المرجعية لمقررات 
رمعب ْ 


كان فؤاد كوبرولى*) بدوره من أشد المنتقدين لأطروحة التاريخ التري خلال المؤتمرء حيث دعا إلى تحري الدقة في استعمال 
الوثائق التي ظهرت إلى حدود تلك الفترة© مشككًا في المصادر التي اعتمدتها عفت إنان في ورقتها. وأنها لو كانت موجودة فإنها 
للفحص والدراسة» وليست لاستخلاص نتائج متسرعة. وفي هذا الصددء دعا إلى الانفتاح على الوثائق الصينية ودراستها؛ إذ لا يمكن 
بناء أطروحة للتاريخ في غيابها. لذلك فإن أول خطوة ينبغي للدولة التركية أن تقوم بهاء بعد تحقيق الاستقلال الماديء هي الانتقال نحو 
الاستقلال المعنوي الذي لن يتمء إلا عبر جمع كل الوثائق التي تخص تركيا في الخارج واسترجاعها!**. 


تحدث كوبرولى من منطلق المؤرخ العالم العارف بالتاريخ ومناهجه» ومن باب حرصه على عدم تسييس الأطروحة. وهو ما اتفق 
معه فيه زي وليدى توغان الذي اعتبر التاريخ علمًا لا ينبغى للمؤرخ أن يخضع فيه للضغوطات السياسية257©. وبالنسبة إلى دولة في طور 
التاسيسء» وتنطلق من منطلقات قومية» فإن خلق "ماض رسمي " يصبح اولوية من اولوياتها. لذلكء فإن السياسي المؤرخ ليس ظاهرة 
خاصة بتركياء خاصة خلال المرحلة التي تحول فيها رجال السياسة إلى مؤرخين» وأصبح التأريخ مهمة سياسية29. 


ثانيا: "نطق" شهادة سياسي للتاريخ 


لم تكن أطروحة التاريخ التري وحدها الوسيلة لبناء خطاب تاريخي يروم استيعاب وتحقيق الأهداف الأيديولوجية للدولة الكمالية. 
كما لم يكن المؤرخون وحدهم الأداة الوظيفية التى خضعت للتوجيه السياسى خدمة لها. فرئيس الدولة نفسه عمل قبل ذلك على 


.1 ,035301337 19 
0 زكي وليدي توغان من أتراك روسيا الذين غادروها بعد الثورة البولشفية نحو تركمانستان وإيران والجند ثم باريس» ليحط الرحال في تركيا سنة 2924: وهناك درس في 
جامعة إسطنبول» ومارس مهمته بصفته مؤرخاء من اهم اعماله كتابه التاريخ العام لتركيا الصادر سنة 1928. ينظر: 47 .2 ,اهعم 00. 
.67-68 .مم ..1510 21 
2 فؤاد كوبرولى من المعارضين لأطروحة التاريخ التري وفرضياتها التاريخية القومية المتطرفة» ينظر: 153-159 .م2 ,تاطهو8. 
.5 .2 ..1010 23 
.156-57 .2م ..1510 24 
.5 .6 ..1010 25 
1108-9 .مم ..1010 26 


101 





العدد 12 إلا طور تموز / يوليو 2020 
وده 
16101 


تقديم روايته للتاريخ الراهن للحركة الوطنية التركية وبدايات العهد الجمهوري. فأتاتورك يرى أن كتابة التاريخ تكتسي أهمية صناعته 
1 ياء خاصة أنه أحذ أبظاله الأساسيين المساهمين في هذه الصناعة. لذلك يعتبر الخطاب الذي ألقاه أتاتورك سنة جدود فى الفترة 
5 تشرين الأول/ أكتوبرء داخل المجلس الوطنى الكبيرء والشهير ب "نطق" علننلاء محاولة منه لتقديم شهادته للتاريخ باعتبارها 
الحقيقة الوحيدة التي لا تناقش» والمرجع الأساس لتاريخ تركيا فيما يتعلق بحرب التحرير وميلاد الجمهورية6”7. 


اعتكف أتاتورك على كتابة الخطاب بأنقرة وأتمه في إسطنبول بقصر "دولمه بخجه" 6؟ه20دماه2, وخصصه لتاريخ تركيا الجديد 
منذ حرب التحرير (الاستقلال) في أواخر أيار/ مايو 1919 إلى حدود تاريخ إلقائه سنة 91927©. وقبل تناول العناصر الأساسية لهذا 
الخطابء لا بد من وضعه ضمن السياق التاريخي الذي دفعه إلى القيام بخطوة من هذا النوع» والتي تشبه إلى حدٍ ما ما يقوم به 
السياسيون عادة عبر كتابة مذكرات. غير أن الأمر هنا يختلف بعض الشيء؛ فخطاب "نطق" كان أشبه بمرافعة من دون مدع عام: 
نضَب فيها نفسه شاهدًا وحيدّاء ليتحول السياسي إلى مؤرخ فرض روايته للأحداث وجعل منها رواية رسمية عمل على تصريفها عبر 
مؤسسات الدولة بدءًا من "مؤسسة التاريخ التري" دحصدصد! طنمة1 غ1هنة1» وانتهاء بالمقررات الدراسية التي وضعت منذ الثلاثينيات. 


إن فهم الدواعي التي كانت وراء خطاب بهذا الشكل يفرض خرورة العودة إلى الأحداث والملابسات التي أحاطب بهء خاصة 
١‏ لجاء في مرحلة علا فيها صوت معارضة المشروع التحديثي الكمالي» منذ الاعلان عن تفاصيله وتوجهاته الكبرى. كما تحول رفاق 
أتاتورك القادة في حرب الاستقلال إلى معارضتهء فمن داخل البرلان وحّدت المعارضة السياسية» ذات التوجه الليبرالي المناهض لمركزية 
السلطةء صفوفها في إطار الحزب التقدمى الجمهوري سنة 1924, كما عرفت المناطق الكردية ثورة الشيخ سعيد سنة 1925. يضاف إلى 
ذلك محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعر ص لها أتاتورك صيف 901926©. 


دفعت الأحداث السابقة أتاتورك إلى الشروع في كتابة خطابه بعدها بأشهر قليلة. وقد خصصه في معظمه لانتقاد المعارضة وزعمائها. 
وفي هذا الإطار» حظى حسين رؤؤوف أورباي (1964-1881) زعيم الحزب التقدمى الجمهورىي بالحظ الأوفر من هذا النقدء حيث اتهم 
بمحاولة الانقلاب على النظام. لذلك من الطبيعي أن ينهي خطابه عند بداية 1925 تاريخ سحق المعارضة. أما الأحداث التي تلت ذلكء 
فقد لخصها في فقرة واحدة ركزت على القضاء على المتمردين وفضل قانون الحفاظ على النظام في إنقاذ الجمهورية من أعدائها(6. 


من الواضح أن أتاتورك» من خلال هذا الخطابء أراد أن يضفى طابع المشروعية على مختلف الإجراءات التى من شأنها أن 


حزب الشعب الجمهوري في قيادة المرحلة على أنها استمرارية لحرب التحرير؛ وهو ما مهد لمرحلة أعلن فيها عن الحزب الوحيد بصفته 
نظامًا للدولة. 


ويلخص إريك زوركر انتقاداته للرواية التاريخية التى تضمنها الخطاب فيما بى:6: 


27 000161, 2. 6. 


1.8 :011لا 15377[ عك 0120101 ط) رع /17 1 1411/7/5 10 17112176 2110111071 116 170171 :1712 1آلاقا 7/1101 710ه نرعموء اط 117/1 1112مآ ©7117 ركع كناك .ل عللو1 28 
.6-7 .02 و(2010 ,311115 1" 


9 حول الاتجاه نحو مركزة السلطة وسياسة الحزب الوحيدء ينظر: 
.(1981 ,9785711311 971111 773121 طتكه 1 ' :نه تمعلططل) (1923-1931) 1217111111051 011611711171[ 0715م ع1 710 11711/71171211 نرق /71117 ,357>ج2نا1 عاع1/1 
.6 راععاتنا# 30 
.14-5 ...1010 31 


102 





ل 
الإستوغرافيا وبناء الدولة الوطنية الحديثة في تركيا أ ل دراسات 
حلمو 
2 


غموض الصلة بين نهاية الحرب العالمية الأولى والحركة الوطنية. 
تحديد الهدف من الحركة الوطنية في بناء الدولة الوطنية التركية» في الوقت الذي كان شعارها يتلخص في تحرير ما تبقى من الدولة 
العثمانية وحماية الخليفة الذي استمر الاحتفال بعيد ميلاده بأنقرة إلى حدود سنة 1922. 
تماهي الحركة الوطنية مع حزب الشعب الجمهوري وكأنه ممثلها الوحيد. 

ومن أجل تمحيص المعطيات الواردة في الخطابء لا بد من مقارنتها بمختلف الوثائق المتعلقة بحرب التحرير وميلاد الجمهورية 
التركية. لذلك ينبه زوركر إلى ندرة المعلومات المتوافرة حول تلك المرحلة داخل أرشيف رثئاسة الوزراء وعدم سهولة الوصول إلى المجموعات 
الخاصة ك "أرشيف أتاتورك" الذى لا يسمح بالاطلاع عليه لعموم الباحثين6. أما الصحافة» فلا يمكن الاعتماد عليها بعد القمع 
الشديد الذي تعرضت له المعارضة. لذلكء فإن الحل الوحيد هو الاستئناس بالمذكرات التي نشرها رفاق أتاتورك المعارضون في ظل 
الانفراج السياسي الذي عرفته تركيا خلال مرحلة التعددية الحزبية» ومقارنتها برواية الأحداث كما وردت في "نطق "6 

انطلاقًا مما سبق» نفهم جيدًا مكانة التاريخ في صناعة حاضر الدولة الوطنية في تركيا من جهة» وفي الأيديولوجية الكمالية من 
جمة أخرى. فقبل تقديم أطروحة التاريخ الترق» كان لايد من تصفية الحسابهمع تاريخ تقرض راهنيده مجاوز نترات من ذا 001" 
مسار بناء الهوية الوطنية الحديثة. ومن أجل ذلكء سارع أتاتورك إلى تقديم رواية رسمية للأحداث التي عايشها وساهم في صناعتها. 
في نفس الوقت دفع في اتجاه اعتبار الدراسات التاريخية من أهم وسائل إدراك الشعب التري لهويته وقوميته64, ووسيلة تحقيق ذلك 
هي العودة إلى الجذورء أي إلى آسيا الوسطى من حيث جاء الأتراك. فماذا عن التاريخ العثماني» ذلك الماضي القريب الذي اعتبر صفحة 
لزم طيّها من غير رجعة؟ 


ثالنًا: الترك والاسلام: خطوات نحو المراجعة 


هش مؤتمر التاريخ الأول التاريخ العثماني وتاريخ الترك في علاقتهم بالإسلام. ومما فرض ذلك السياق العام الذي جعل من 
التغريب شرطًا من شروط التحديثء ومن ثمّء فإن أطروحة التاريخ التري تتعدى مجرد إثبات للذات في بعد هوياتي وطني محض» حيث 
كانت أداة من أدوات تحدي الغرب وأطروحاته؛ الشىء الذي استدعى تبني مشروع استهدف تحسين الصورة عبر تقديم كل ١|‏ 
والبراهين التي من شأنها إبراز الترك بصفتهم حامل مشعل الحضارة» وعنصرًا فاعلًا فيه وليس مجرد متفاعل مستجد لا أصالة له. 

بعد وفاة أتاتورك سنة 1938 والانفراج السياسي الذي تلا ذلك منذ منتصف الأربعينيات» خاصة مع الانتقال من نظام الحزب 
الوحيد إلى التعددية الحزبية» حدث تراكم نتج منه السماح ببعض الحريات الدينية الت منعت سابقًا. وقد أفرز ذلك تيارًا فكريًا دعا إلى 
ضرورة خلق نوع من المصالحة مع الماضي الإسلامي الأتراك. إلا أن ذلك لا يتبغي أن يفهم على أنه مؤشر على التراجع عن الأبدير ا .1 
الكمالية في خطوطها الأساسية وعلى رأسها العلمانية» بل يتعلق الأمر بتيار نتج من مراجعات فكرية دعت إلى فتح نقاش هادئ حول 
ضرورة إعادة النظر في التغريب المتطرفء وفي العلاقة مع مكون أساسي من هوية التركء خاصة أن هؤلاء كانوا قادة لأجزاء واسعة من 
العالم الإسلامي من خلال الدولتين السلجوقية والعفمانية "© 


32 1010... 2.1. 


3 ناقش زوركر روايات أتاتورك من خلال بعض المذكرات» ينظر فى هذا الصدد: 17-25 .م7 ,.1010. 
178-99 .20 ,6000161 34 
5 إيريك زوركرء تاريخ تركيا الحديث. ترجمة عبد اللطيف الحارسء مراجعة سعد ضاروب (بيروت: دار المدار الإسلامى: 2013)» ص 412-411. 


103 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


ضمن ذلك الشياق؛ جيل حديد من اللو حر 201 802 الس عد جيل الثلاثينيات من الروادء'تن أطروحة جديدة 
قامت على خلق تركيب بين المكون التري والإسلامي للهوية الوطنية. ويعتبر إبراهيم قفص أوغلو9© بداقهدوع1]22 مصنطةء10 (1914- 
4» تلميذ فؤاد كوبرولى وزي وليدي توغان» من أبرز المدافعين عن هذه الأطروحة. لم تحد دراساته التاريخية عن أطروحة التاريخ 
الترق الكمالية» غير أنه قدمها في قالب أكثر موضوعية وتشذييًا؛ ما ساهم في تقريبها من العامة677. 


يعكس المقرر الدراسي» الذي سهر قفص أوغلو على إصداره سنة 21976 إرادة تقديم هذه الرؤيا عبر قناة التعليم الثانوي. وهو 
المصدر الذي أصبح مرجعًا للمقررات التي اعتمدت بعده*©. وضمنه أكد على التفاعل الذي جرى بين الإسلام» باعتباره مكونًا من 
مكونات الثقافة الوطنية التركية» والعنصر الترى. وهى علاقة أحدثت فارقا بحكم أن الأتراك أضافوا إلى الثقافة الإسلامية الكثير. 
وفي هذا الإطار ميز إبراهيم قفص أوغلو بين الدولة الإسلامية والدولة الإسلامية التركية؛ بحكم أن هذه الأخيرة أحدثت قطيعة مع 
الأولى التى كان العنصر العربي فاعلا أساسيًا فيها. فالترك» على خلاف العرب» حققوا تراكمًا امتدّ عبر الزمن فيما يخص تنظيم الدولة 
والمجتمع؛ ما جعل الدولة التركية الإسلامية تتميز بطابعها الخاص في تسيير شؤونها وتنظيمهاء إضافة إلى طابعها العسكري وتطور 
منظومة للحقوق الاجتماعية فيها!69. 


لقد تجاوز الأمر ذلك نحو الحديث عن بذور العلمانية في الدولة التركية الإسلامية. فبحسب إبراهيم قفص أوغلوء فإن الدولة 
السلجوقية©» عرفت فصلا بين السلطة الدينية والزمنية على خلاف الدولة العباسية. إضافة إلى التسامح الدينى والتعددية التى عرفتها 
المجتمعات التابعة لهال». وهكذاء فإن الإصلاحات الكمالية تعود بتركيا إلى خراسان حيث اكتشفت ألواح أورخون42, وإلى مختلف 
كل التى شكل فيها الترك دولتهم. وني ضوء ذلك» فإن أوروبا ليسث المرجع الوحيد للقيم الحضارية الكبرى 69 


شملت المراجعات التي عرفتها أطروحة التاريخ التري منذ الأربعينيات الدولة العثمانية» التي كانت محط علاقة متوترة وبالغة 
ضمن الأبديولوجية الكتمالية. فى الماقى :اللراد الاتسالاة عنه للحاق يركب الحضارة.-وضمن هذه الراخنات .صدرت 
دراسات تناولت هذا التاريخ بأكثر موضوعية. ويعتبر عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1909-1876) المرحلة الأكثر تجسيدًا لذلك: 


5 اعتبرت من صفحات تاريخ تركيا "السوذاء". لذلك تمت إعادة تقييم غعهدة» بما لهنوما غليهء ضمن نظرة مقوازئة اعتبرت غهدة 
امتدادًا للتنظيمات التي تبلورت أكثر خلال مرحلة حكمه. بل إن المرحلة الكمالية انبنت على إرث التنظيمات عامة» وجهود السلطان 
عبد الحميد بخاصة44. 


6 حول دور إبراهيم قفص أوغلو في الإستوغرافيا التركية» ينظر: 251-253 .مم ,تتهءم00. 
.8 ...1510 37 
.1510.2 38 
.5 ...1610 39 
0 يعتبر إبراهيم قفص أوغلو من المتخصصين في الدولة السلجوقية» ومن أهم دراساته في الموضوع: 
١‏ و(2014 ,115781وع اا طاععلنةاة :لتاحاطهأ؟[) “47091117114147 112271716 :1071/11 اال /لا؟[ 52 2( :1107ل /11؟/©5 ,نااك ه5ء1]21 مستطةط] 
.187-88 .00 ,كتتلوءع م000 41 
2 ألواح أورخون اكتشفت بعد الحفريات التي أجراها علماء الآثار الروس. وتعتبر أول وثيقة مكتوبة للترك. كتبت على مجموعة من الصخور تم العثور علبيها جنوب بحيرة 
بايقال قرب نهر أورخون حيث توجد منغوليا الحالية. حول أهمية اكتشاف ألواح أورخون 2 التاريخ التري. ينظر: 20-21 .م2 ,اتتهءعم00. 
.5 ...1010 43 


21010 :07::1010)) 121 0011011071 ©1هرطا ©1[1 1711 01111111171110 © 0710 ,11/1هر ,©5121 ,1071111 120115171211712 :1510711 /[0 0/1111201101م 11 ,لومتة كا [دمطع>ا 44 
71171 "معط تنلمعاءععقع<[ عزظ عستعحنا أ5 1اأعطتنه1 نمسعمة70آ1 ل تسمط 0ط .11 نأع10مع10 7 طتته]' ,عختممعل1100" ,عاءع م02 خنلد!8! :(ده0ه2 رووءعءط 'وازوء كتملآ 
71-00 .2 ,(2004) 120.1 ,2 .1701 ,آكة و10 1112701117 :417091177110107 


104 





د 
الإستوغرافيا وبناء الدولة الوطنية الحديثة في تركيا لطبور دراسات 


إن التصالح مع الماضي الإسلامي تجاوز العمل الأكاديميء الذي أطرته مؤسسات وضعت تحت الإشراف المباشر للدولة» نحو 
الاحتفاء بالذاكرة الجماعية يما يخدم رؤية الدولة لتحديت المجتمغ. فمن أجل بناء ذاكرة جماغية تساهم فى تزكية الانتماء ٠‏ 09 
القومي والحدائيء تم انتقاء أحداث من الماضي لتخليد ذكراها سنويًا. وضمن هذا السياق» نستحضر الاحتفاء بالذكرى الخمسمئة لفتح 
القسطنطينية منذ سنة 1453, والذكرى التسعمئة لمعركة ملاذكرد منذ سنة 1071 وقد اعتبرت هذه الأخيرة نقطة تحول في تاريخ الترك 
والأناضول مكّاء وشهادة ميلاد للآناضول التركية49. 


وإذا كانت المراجعات التى عرفتها أطروحة التاريخ التري» ابتداء من منتصف القرن العشرين» تصب في اتجاه إعادة النظر في 
العلاقة مع مكون أساسي في هوية تركيا المعاصرة» فإنها وظفته هو الآخر في سياق إثبات التمايز عن الغرب الأوروبي والرد على أطروحاته 
عبر تقديم الأدلة على تركية الأناضول. ليصبح مكون الإسلام مؤشرا آخر على دور العنصر التري الريادي في العالم الإسلامي والغرب. 
وهذا الأخير الذي كانت أجزاء كبيرة منه ضمن الممتلكات الترابية للدولة العثمانية. 

إن وجود تركيا في قلب مشاريع التحديثء منذ تأسيس الجمهورية: جعلها تدخل في عملية تصفية حساب مع الماضي وإعادة بناء 
مراحله وأحداثه على نحو يصب في اتجاه انتقاء كل ما من شأنه أن يقدم مشاريعها التحديثية بصفتها مشاريع أصيلة. فهى ليست مجرد 
تقليد للغرب» ما دام ماضى الأتراك يحمل في طياته بذور الحضارة47) التى تعرضت للطمس في إحدى دوراتها. لذلكء فإن مشروع 
جمعية البحث في التاريخ التري كان محاولة لاستعادة ماض منسي لسبب أو لعدة أسبابء ثم الدخول في عملية إعادة لكتابة التاريخ كان 
الانتقاء والتأويل أداتيها الرئيستين. ويدخل ذلك ضمن مساعي تحقيق أهداف المشروع الكمالى الذي جعل من الإستوغرافيا أداة من 


45 165115, 0. 

6 انتقد برنارد لويس محاولات الدول الوطنية الناشئة توظيف التاريخ في اتجاه البحث عن وجود عناصر في التاريخ القديم» من شأنها تقديم تلك الدول ذات سبق في 

مجالات الحرية وحقوق الإنسان والتعددية وغيرها من المفاهيم المرافقة للمجتمعات الحديثة. فهو يرى أنه من المبالغ فيه نعت قبائل بدوية عاشت على الترحال في وسط آسيا 
بالديمقراطية»ء ينظر: 67-68 .م2 ,715”اع.آ. 


105 





العدد 12 ]1 تموز / يوليو 2020 


المراجع 
العربية 


51 بنعلى» سعاد. "الهوية في عالم متغير: الدولة العثمانية وإيران خلال القرن التاسع عشر". مجلة هسبريس-تمودا. مج 1 العدد‎ ٠ 
في : 157 360/إ1.خذم// :وصغط‎ .)2016( 


.2013 زوركرء إيريك. تاريخ تركيا الحديث. ترجمة عبد اللطيف الحارس . دار المدار الإسلامى»‎ ٠ 


الأجنبية 
.115101 110710 07110 510111[ ,111702 011 كنز0 كك :111510100 0017/0 121/1171/17112 .(.1اعطهمن) عك .120 ,.لع) 70تامصلط ,ععتتبرظ ٠.‏ 
م,ؤ5وع21 2157615117ل] 211086 20ون :ع01108مطنون .111 


272011 تل 1[ عك 02001[ 111712 4ه ك1 0[ :نوع !117 1001771[ 1711 ١4110119115111‏ 0710 ,5©11/107:15111 ,1510711 اع500 ,تاكماموع 3 ٠‏ 
.6 ري110116086 


متاولاء!1 :لناطامهاة] .(1929-19327) 77111لايلا] 0 162171171 '” 1071/7 12057111" عل" ءنر!/11/7 :1071/1 ©( 1/1007 .811513 ,تلمطوواظ ٠‏ 
,بعآل111 733:12 


.1 15101:10971-0/11/ ©1111 0 ,© كنرأ »١ك‏ . (1831-1923) 11/101125 11011011 10 ©0 12111725 1© 5©© 1520 . 1116111 ,10152 م00 ٠‏ 
.7 ,1011015 01115 :23115 


/7ا5://10.8اخط :1ه .(2002) 52 / 18 .101151 1127/21 47091177110 41011171 ".357151 الث 11د 1 ممتناككا تكد خف" .اعلة7 ,معاة0 ٠.‏ 
2771019 


4 بأه كلاو 1[ ماععلنتاة بلتاحطصهاة] .“تله ««تتتايه كل عتررععلا :107111 لاأعألتجاءثى عدا “تدانناء/لجاء5.مستطةط] ,اومدعلة؟] . 


01 ©111 1711 2011171111/1111[0) 0710 ,011/7 1 ,©121ذ :10711110 1)©011517:11/2117112 :15107111 [0 011112011011م ©7177 .31ط0طع كا ,1م131 ٠‏ 
,121655 167151117 لآ 207:21010) :207:21010) .©5121 01101110171 


.ب ,121655 111761517ل] 01أع12112 :[1[آ ,10ماععط1]] .1711:7110 ,0 :126201267 ,[1©111©17112©70 :127151010 .18112310 ,715ع[ ٠‏ 


:0102 ع[ ".1867-1962 21310 علغع نا" .0601865 رطاعوطمع 1 اء10آ - 7ع00518-] عكى ع1116ع1اع 1/131 ,لاعوطامع 1اء12 - تتعع0051.] ٠‏ 
101117نا؟ 11]05://11.177/38 :31 .(1962) 102 .7701 .5600970212 06 2611610156 161116 


".تلمع انعقء12 عزظ :عستعجنا 51 1[ أعطعمهة1' نمسعمة<آ لتسمط لالط .11 نأع10مع10 ع7 طتمه1' ,عختممع8100" عنلدا! ,عاءعمط02 . 


.(2004) 10.1 ,2 .1701 .151و 102 1112741117 :7091177110107 عنزل/117 1 


91311 لأكلة؟؟ طلتة1' :3تهعلمظ .  )1923-1931(‏ 111:11/711051! 7011611711171[ 707:11 ع/©1  )211111/1117:11:211710©‏ 1711/17/06 .عاع11 ,110357 ٠‏ 
533711311 


هآ .نرعع !17 1 141117:/5 أ 10 :17711217 21101110:11) ©1771 7:0111/ 15111101712 71211011 710ه نرعوعه! 11171 011112[ ©/1 .ل علتاظ ناععا تلاك ٠‏ 
1311115 .1.8 :011لا تع الا عى 


106 


محمد غاشي | أطعدن لعصحدجطهالم* 





تحولات الكتابة التاريخية: من تاريخ النخب إلى تاريخ الهامشيين 
المدرسة البريطانية مثالا 

121510157 ع11أء 012 :كط مولع 111510110 12 22510111261015ة] 1 

2315121170 عط 01 17م أق1ط 2 1015:2310 

07 عكقه 2 35 [أ0مطء5 طن لم8 ع1 


هر ردح من الزمن استحلت فيه عبارة "عقدة البطل" روح المعرفة التاريخية برفتهاء والتي تحولت مع تقادم الزمن إلى ما يشبه 
الأيقونة أو "الجوكر" المفسّر لمجرى كل الأحداث والوقائع التاريخية. بيد أن فترة ما بين الحربين العالميتين وما بعدهما - زمن 
الحداثة المتداعية - اتسمت بوجود مسعى فكري حرص على نقد هذه البقعة السوداء التي بصمت الاستوغرافياء وفي الآن ذاته 
تقديم مقاربة منهجية جديدة في التأريخ, منهجية تعيد الاعتبار لوعي المهَمّشين وتستعيد مكانتهم في التاريخ بصفتهم 
فاعلين في مسرح التاريخ ومشاركين في دراما أحداثه بقدر ما يُعتبرون ضحاياه الصامتين, الذين أريد لهم أن يظلوا في كهف 
معتم بعيدا عن نور السؤال التاريخي. وهو ما تجسّد بصورة جلية ضمن أطروحات المدرسة البريطانية: التاريخ من أسفلء التي 
خرجث من رحم الحوليات وسارت على هديها في منح حق المواطنة التاريخية لعوام الناس. ولإنجاز ذلك كانت المدرسة خارج 
كل نزعة تقليدية, وجعلت من التعدّد في الاختصاصات عقيدتها. تسلط هذه الورقة الضوء على المدرسة البريطانية التي 
رسخت تقليدا علميًا متميّرًا وملهما - التاريخ من أسفل - في عملية الكتابة التاريخية. كما تسعى إلى تحليل طبيعة العلاقة بين 
التوجهات البحثية للمدرسة, ومدى تأثرها بالتحولات الهائلة التي شهدتها البشرية خلال القرن الماضي على المستويات كافة. 
فضلا عن استنطاق بعض الوشائج المعرفية والتواصلية التي ربطها هذا التيار الإستوغرافي بالتخصصات المعرفية الأخرى. 


كلمات مفتاحية: المدرسة البريطانية: التاريخ من أسفلء الإستوغرافياء المهمشون. 


01 50111 نالع عط لم71 715001 211021عك2ه0ه 5ه لعاأامععع32 طاععطا كه[ كزع[ محطمك 10'5عط" 55102ع1م<ه عط ,عمطلا عمه1 ج :هآ 
65 ه0331 2310© 1ع01[ :01 02ج2115] 01 5011 2 1210 6701170 ]1 رعمطتتا 01 عع02553 عط اء؟20) .عم لع2011كعا أو11ماق1اطا 
علارطراعط) 101101108 ممه كتتنهة11 11/0110 150 عطا اعع؟كاء5 01100 عطا عمتتنال باعلا .17ماقاط مضا متمعتك 11ج 01 عكتتتامء عطا 
0 خطاع5011 أقطا تاماه لمتاعع11اء]101 نه 01 ععمووع1م عط 077 0ع117ع1ع213ط» عمطوععطا 1-11 متاع17200 ع ماعل طناه1 01 1100عم 
111000105121 2377 2 لع011 10 112 عمتدد عط غ2 0ه ,تتطموع 11510110 01 101ع1 عطا طممنا العا عتتدمحط عاعما0 5لطا عناوتاتن 
5 320 172315112211260 عا 01 عع27ع11ءمتء عطلا 15اع2510م0عع1 131 1210001057 2 :1510157ط 01 005اة عطا 10 اعدم1اممة 
5 51161 35 11أ:؟7 35 ,01311235 115 12 231161031115 310 11510157 01 ع5]128 علا مه 15ماع3 35 طأاهط عمتلصدأة 15101121 تتاعطا 
3117ع01 128أع5052 15 1115 .32315515 1151011291 01 أداع1! عطا 1010 نتد1 رووع مك02 عطلا ها حائتتاعطذآا 10 لع محطعلمم» تكتمأق1ط 01 
101 #تتع51 77111 ,210377 1012 11510157 15 515عط1 طاعددد عم0) .1[م0مطاعد املاظ عطلا 01 دعدوعطل) عطا متطغ 0ع01مطممء 
ع0 10 ]17211511261م0ع26 قلطا ناه 1 .(تطمطع7 1ه لدع15]011ط ما غخاع 1 عطا ع1ممعم 211 أممتع م1 ع07ئاأة تنه 1[م0مطعة دع اوممخ عطا 
5 .ماع00 121101510112315 حتة 101310 310 1123161015عط1 ]15201610031151 جام :3533 511160 أممطءد5 عطلا رعاط1وومم 
-11201]10 56162111 110131مع26ه طتة 01 11285اعطأع طعتتاة 115 320 512001 لامتكختاظ عطا أداعالطاعتطا ما وكاعء5 اعمهم داعتوعوع] 
510 عط 01 عتتطهط عطا ع22197 10 أمدطعج وكلج 11 .اطموئع 1150110 01 1710 علا متطاحجتدماعط ممم تكتماقاط 
25517 ع2[ /ا6 رقاع0ع1 211 02 بلعاع0م122 عتته لاعلا ماعتط77؟ ما أمعكدء عطا 210 21055 متتاعم!ا ع1أ0125طاء5 1'5م0م0طعءعد5 عطلا عع كاعم 
005211157 ع[ 01 5012 111611085231118 12121101 10 201 ,اكتتطمعه ]1351 عط تاع01 777126550 135 311157 تقتتاطا 172361025م1آقمة :نا 

.27710 01 وعطتام1ه015 تتعطلاه ممه ماعنا 115101121 قلطلا عع ؟ككاء6 5ألماعمطع اع 121اء :162115لتتمتصحامك مله 


111510110513115 ,1015ع8 جم 11510157 ,اممطعد حاس 8 : 01:05 تكو >1 


باحث في التاريخ الدوليء يحضر الدكتوراه بجامعة محمد الخامس.ء الرباط: المغرب. 
.1/1000 ,331 ما لإأأئاع/زامنا /ا لع مم دطمالط غ3 هدنك أهده أ وططاع]صا ماعغ0103لمقء اومغه00 لم3 ععاءوعوع؟] 


107 


العدد 12 ]1 تموز / يوليو 2020 


قبل أن تعرف المعرفة التاريخية طريقها نحو العلمية بالمعنى الحديثء مرّ الفكر التاريخي بسلسلة من التحولات العميقة. حصل 
خلالها تراكم إيستيمولوجي. وكان من نتيجة هذا كلهء "ثورة تاريخية": تحقق خلالها من التقدم في مجال الكتابة التاريخية» ما لم 
يتحقق منذ عصر هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد. وتجلى هذا المسعى المعرفى في ظهور مجموعة من المدارس المجددة بحق ما 
سبقهاء والتي نحت إلى البحث عن التاريخ في كل جزئية من جزئيات المجتمع» فالذين يصنعون التاريخ ليسوا أفراد النخبة فقط مهما 
علا شأنهم» وإنما المجتمعات برمّتها هي التي تصنع التاريخ. وإلى جانب الحوليات الفرنسية - ذائعة الصيت - برزت المدرسة البريطانية: 
التاريخ من أسفلء التي قامت ردة فعل على الثوابت الصلبة والمنغلقة للتيار الوضعاني» الذي أقصى عوام الناس وعزلهم في سراديب 
الذاكرة المأفونة,» ولأجل ذلك كابد آباؤها المؤسسون: إدوارد بالمير تومسون «هدمدوط1 #عدماوم 2000ء وإريك جون هوبزياوم 
و11 عترقاء من أجل إعادة مساءلة التاريخ البريطاني وفق مقاربة جديدة تجعل من الهامش منطلقًا لدراسة المركزء مساهمين 
بذلك في تأصيل تقليد إستوغرافي غني وجذابء جرت تسميته "التاريخ من أسفل". 


ويهدف هذا البحث بصورة خاصة إلى التعريف بالمدرسة البريطانية: التاريخ من أسفلء» بوصفها حلقة مهمة ضمن دائرة التجديد 
الذي شهدتها الإستوغرافيا العالمية» وذلك من خلال خمس نقاط رئيسة: 1. السياق» 2. الماهية» 3. في الجينيالوجياء 4. المرجعية 


الكرية 5. الخصوصيات. 


أولا: السياق 


لعله من المفيد الإيماء منذ البداية إلى أنه لا يكفي للتعرف إلى توجه أو مدرسة أو تيار فكري: أن ندخل عالمه من باب واحدء أي من 
خلال التوجه مباشرة إلى نصوصه. كما بشّرت بذلك البنيوية التي رفعت شعار "ألا خلاص خارج النص "1". بل يلزمنا التنبه للسياق» لما له 
من أهمية في إنتاج المعنى ؛ فالمقولات والأفكار والنصوص غير مقطوعة الصلة عن المحيط الاجتماعي والاقتصادي والنفسي الذي تولدت 
بين ظهرانيه. إنّ السياق» على هذا الأساسء يؤثر كليّا أو جزئيًا في بناء النّص وتحديد توجهات المدارس والتيارات الفكرية. 


على هذا النحوء انطلق القرن العشرون كما هو معلوم وفق ترنيمة متشائمة وغير واعدة» لقد جاء نصفه الأول مثخنًا بالجراح 
وبدا كأنه يتعجل نهايته وغير قادر على إتمام دورته من فرط ثقل التجارب» حربان عالميتان كشفتا عن وجه آخر لهذا المشروع الكبير» 
وجه ملؤه البشاعة والرعب والسواد. فأمام هذا الموت والخراب الذي حل بالعالم» تهاوت فكرة المركزية الأوروبية» وافتقد الناس الثقة 
بالمبادئ الموروثة عن عصر التنوير» وشعروا أن التاريخ لا يسير إلى الأمامء كما أوحى بذلك الفيلسوف الأللاني أوزفالد شبنغلر في كتابه 
سقوط الغرب ”. 


-عخطتة 5) 11116707116 هسل ,(.605) 0310اع "1 151037 ع 111101 ع01115آ :12 ",1166121 12 ع0 50610-56501001011 010016122610116 نا 2011" 320037511[ 111 1 
95-115 .62 ,(1991 ,3531[آ 15116ع لمتكا عل وعووع:2 :1]"02 


.(1926 ,112001 .ذخ 10خ :011لا تكء[8) (.11325) 1[12501كا داعمطتة1آ 5ع1ت1هطن) ,أىء77 0/17 ©1771اع2! ©7117 ,11م معم5 051210 2 


106 





تحؤلات الكتابة التاريخية: من تاريخ النخب إلى تاريخ الهامشيين 4 - 
المدرسة البريطانية مثالا ل 


هكذاء لم يعد الجحيم هم الآخرين وفق عبارة الفيلسوف جان بول سارتر 58262 2811 موع1: بل الأنا نفسها باعتبار أن المتسبب 
قِ الحرب ذات غرييّة!0. تجلى هذا الإحساس بالضياع في موقف المؤرخ الإنكليزى جفرى براكلاف 81011297 نإ©:061 الذي كتب: 
"إننا مهاجمون بإحساس من عدم الثقة» بسبب شعورنا بأننا نقف على عتبة عصر جديدء لا تزودنا فيه تجاربنا السابقة بدليل آمن لسلك 
دروبه» وإن إحدى نتائج هذا الموقف الجديد هو أن التاريخ ذاته يفقد - إن لم يكن قد فقد - سلطته التقليدية ولم يعد بمقدوره تزويدنا 
بخبرات سابقة في مواجهة المشكلات الجديدة"7). يتضح من قول براكلاف هذا صوت التاريخ» الذي يبي عجزه عن تفسير المتغيرات 
الجديدة؛ إذ أبانت هذه التحولات عن "إفلاس التاريخ - المعركة أو التاريخ السياسي العسكري الذي لم يعرف أن يمنع البربرية"31. 


هكذا يتجلى لناء من خلال ما تقدّم» تزايد الشكوك في صدقية الحضارة الغربية وديمومتهاء واهتزاز الإيمان بالتقدم الموروث عن 
عصر التنوير. وأمام هذا الوضع» كان لا بدٌ من الشروع في مراجعات نقدية شاملة للمرتكزات المؤسسة لهذه الحضارة: ويآتي التاريخ على 
رأسها. هكذاء وجد المؤرخون أنفسهم أمام المعادلة الشكسبيرية "نكون أو لا نكون". فمصير الكتابة التاريخية بين أيديهم وهم من 
يحدد هذا المصير باختياراتهم ورهاناتهم لجبر ذلك الانكسار واستئناف المسير. 


هكذا استجاب المؤرخون لهذا التحدّيء من خلال تجديد مقارباتهم وأدواتهم قصد استيعاب المتغيرات الجديدة. في هذا السياق, 
توضّل المؤرخ الفرسي جان كلود شميث ااأنصطء5 ع10ه1ن0 مدعل إلى أن الكتابة التاريخية قد شهدت ذروتها في فترة ما بين الحربين 
العالميتين وما بعدهما"). ومن آيات ذلك. ظهور مجموعة من المدارس التاريخية - الحوليات» والمدرسة الماركسية البريطانية ... إلخ - 
التي انخرطت من دون مواربة في عملية تجديد الإستوغرافياء لتغدو أقدر على إعادة قراءة الواقع» والتفاعل معه وفهمه بعمق. 


والحق أنّ المدرسة الماركسية البريطانية» التى تعود انطلاقتها الفعلية إلى سنة 1952: لحظة تأسيس مجلة ماض وحاضر 
1 6 0110 20451 » تعذ حلقة مهمة ضمن النسق الإستوغراقي العالمى. فقد اجتهد أباوها المؤسسون: إدوارد بالمير تومسونء وإريك جون 


هوبزباوم» وكريستوفر هيلء» ورودني هيلتون» وجورج رودي وغيرهمء بالتعاون مع عدد من علماء الاجتماع والانثروبولوجياء في النحو 
بالكتابة التاريخية بعيدًا عن الشرب الأكاديمى العام السائد ق بريطانيا "التقليك الوضعانى" 0511 مزيحة البساط من تدا ١‏ 


وفي الحصيلة» يجوز القول إنّ النصف الأول من القرن العشرين الذي شهد إيقاعات مجنونة - تسارع إيقاعات التاريخ - قد أدى 
دورًا مهما في تحول الكتابة التاريخية وتحديد توجهات عدد من المدارس ومن ضمنها المدرسة البريطانية. فمن يطالع أعمال روادهاء 
يجدها ردة فعل على الواقع الاجتماعي» وتعبيرًا عن قلق المرحلة التي دفعتهم إلى مساءلة التاريخ والاقتراب من نبض المجتمع» ومنح 
الكلمة للذين حرموا منهاء بفعل تضافر دوائر الحجب وقبضة سلطة تفرض هيمنتها على الجميع. 


غير أنّ هذا ليس كل شىء» ثمة عامل آخر حدد توجهات المدرسة» هو أنّ عددًا من المؤرخين المنتسبين إلى هذه الجماعة العلمية 
اكتسبوا خبرة في ملاحقة الكذب والخطأء لا تتمثل فقط في حذقهم بصفتهم مؤرخين فحسب. وإنما أيضًا عبر انخراطهم في "التجنيد": 


0ع55عع26 ,(1998 111111 /1112ل) 21 .120 ,11111110171165 3016772©5 ,21111121165 560162665 0165 111103111531101[ :51161 311 511161116 123 10" ,ع12055آ1 015جمة11 3 
05://11.157/277 :3 ,17/6/2020 اه 


4 قاسم عبد عوض المحبشي» "أزفة العلوم الإنسانية والتحديات الراهنة". شبكة ضياء, 2016/6/27»: شوهد ف 57:؛ في: م1.157/3718217أط// :وماخط 

5 وجيه كوثراني» تاريخ التأريخ: اتجاهات- مدارس- مناهج (الدوحة/ بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» 2012)» ص 200. 

6 جون كلود شميثء "تاريخ الهاشميين". في: التاريخ الجديدء إشراف جاك لوغوفء, ترجمة محمد الطاهر المنصورىي (بيروت: المنظمة العربية للترجمة» 2007)ء ص 438. 
20-7 .60 ,(2004 ع ]طامطعءة([) 12/0111811011ل 1/4011[ عل "'رع:15]011'! اهم عأذع11مد/طا" ,مصكحكهطوط10 عترط 2 7 


109 





العدد 12 ]1 تموز / يوليو 2020 


الذي مكن من إزاحة الحدود وتحرّى الحقيقة واكتشافها من الداخل؛ هكذا تم تقويض الشعبية الساذجة لملوك بريطانيا والتاريخ 


سيىء الذى يخبرنا بأن تاريخ بريظانيا ضنعه ملوكهاء بينما آلاف من الجنود الضغار والمتطوعين هم الذين شكلوا القوة المتدفقة: 
ولولا تضحياتهم لظلت تلك الانتصارات محض افتراض وفق عبارة بلبغة لتوميون 0 


المفهوم في أبسط تعريفاته هو طريقة في التمثل» إنه منظومة إشارات لا تنفصل عن المجال التداولي الذي تولدت بين ظهرانيه, 
وبهذا المعنى يتراءى لنا أنّ لهذا الضرب من ضروب الكتابة التاريخية تاريخًا دقيقًا وجغرافيًا خاصة به؛ على نحوء يدفعنا إلى القول إِنّ 
التاريخ من أسفل تاريخ نحت في بريطانياء بلاد الثورة الجليلة والثورة الصناعية» والرواية الحديثة. بيد أنه يتعين أن نبتدر إلى التأكيد 
ل كوننا أمام مفهوم مطاطي عَمَنْ على الحدء وحمال دلالات متعددة. إذ لم يكن مع ذلك مخط توافق بين الباحثين» وذلك راجع 
بالأساس إلى اتساع دائرته, سردات ما حدا بالمؤرخ بيتر بور في هذا المقام إلى الإقرار بأننا: "أمام وضع أشبه ما يكون بتقليد 
لعلماء اللاهوت» عندما واجهتهم مشكلة تعريف الإله خلال العصر الوسيط "8ا. 


عطفًا على ما مرّء يعتبر المؤرخ الفرنسى ألبرت سوبول اناهط50 415616 أول من استعمل مصطلح التاريخ من أسفلء» في سياق 
نه لتاريخ الثورة الفرنسيةء التى كان عوام الناس ذوانًا فاعلة فيها"". بيد أن أول من نحت مفهوم التاريخ من أسفل نحنًا كاملاء 
وأدخله إلى العوائد التخاطبية للمؤرخين» هو المؤرخ الإنكليزي إدوارد بالمير تومسونء الذي وسم به واحدًا من أشهر أبحاثه, مقدمًا إياه 
بصفته حقلا معارضًا ومضادًا كليّا للكتابات الكلاسيكية أو ما عرف بالتاريخ الوضعاني ذي الطابع السياسي/ الحدثي» وذلك بتوجيه 
البوصلة إلى الاهتمام أساسًا بالهامشيين والمنسيين والمقصيين والمبعدين وكل المسكوت عنهم في مدارات التاريخ7". وفي السياق ذاته: 
11 الناسء التاريخ الراديكالى"2. 


يبدو هذا التعريف الأخير محيرًا ومحفْرًا على إثارة جملة من التساؤلات: كيف يمكن أن يكون التاريخ الشعبي مرادفا للتاريخ 
الراديكالي؟ والشيء الغريب الآخر هو هذا التعريف الجامع "تاريخ عامة الناس" وهو ما يستدعي التساؤل أيضًا: هل تاريخ النخب 
جزء من تاريخ عوام الناس؟ وارتباطًا بذلك» تساعدنا رباعية هوبزياوم!"» الشهيرة حول القرن التاسع عشر الطويل على الإجابة» حيث 
سيكتشف القارئ الذي أنه لا يقصي أحدًا من التاريخ وإنما يؤسس لوجه آخر للتاريخ غير ذلك الذي صاغته وسوقته الدوائر الرسمية: 
الذي يتميّز بالنزوع لأسطرة التاريخ والتغني بتاريخ الإمبراطوريات الحافل بإنجازات الأباطرة والملوك والأمراءء وإهمال وتهميش 
الشرائح الأخرى التي تشكل الفئة الواسعة التي قامت على سواعدها الحضارة وتطورت الصناعة. 


2279-0 .22 ,(7/4/1966) 3345 .110 ,51122/27112111 :1116707 717715 ,81077 012 11510157" ,ه0دمتطمط 1 "تعمطلوط 101120 8 
9 بيتر بوري» "فاتحة التاريخ الحديد: ماضيه ومستقبله", في: نظرات جديدة على الكتابة التاريخية. تحرير بيتر بوري» ترجمة قاسم عبده قاسم [القاهرة: المركز القومي 
للترجمة. 2010): ص 23. 
0 إبراهيم القادري بوتشيش» "تغير مجالات اهتمامات المؤرخ لدراسة التاريخ من أسفل: تاريخ المهمشين نموذجًا", أسطورء العدد 4 اتمور/ يوليو 16).ء ص 283 . 
.279-80 .22 ,1201025011 11 
.2 و(1997 رؤووع21 55[ عط [1' :011لا تع [1[) :715101 011 ,لككقطاوطاه0ط عترط 12 
3 رباعية هوبزباوم: ضمن مجموع أعمال المؤرخ البريطاني جون إريك هوبزباوم الكثيرة والمتميزة من حيث طرحها العلمي» تُعدّ رباعيته حول ما أسماه القرن التاسع عشر 
الطويل هي أكثر ما ميزه وبصم شهرته؛ وهي على التوالي: "عصر رأس المال": و"عصر الإمبراطورية": و"عصر الثورة"» ثم "عصر التَطرُفات". 


110 





تحؤلات الكتابة التاريخية: من تاريخ ١‏ لنخب إلى تاريخ الهامشيين 


المدرسة البريطانية متالا 0( 1 7 
جحل 


هكذاء مع المارسة البريطانية» صار التاريخ من أسفل من جنس المفاهيم. ثم راحت تشق طريقها بصفتها عملية قراءة 055 
للتاريخ من زاوية نظر النفر لا القائد الكبير. لقد اتخذت سبيلها لتصحيح المجرى العام للتاريخ» من خلال إعادة بناء هويات الطبقات 
الدنياء وإقناع أولئك الذين ولدوا منّا من دون ملعقة فضية في أفواههم» بأنّ لهم ماضيًا وبأنهم جاؤوا من مكان مال"". 


التاريخ من أسفلء» إذاء مفهوم زئبقي ضاجٌ بالحركة وحمّال أوجهء ربما هذا هو الشيء الذي حمل هوبزباوم على الخروج من 
فتنة المفاهيم إلى الإقرار أن الأصل المشترك لماهية هذا الحقلء إنما يوجد أساسًا في مستوى المقاربة والرؤية والمنهجء بعبارة موجزة 
"|| لَه الفكرية"151. 


وفي الحصيلة» فإنّ ماهية التاريخ من أسفل لا تدرك إلا بالتثنية» أي بالمقابلة بين الشيء ونقيضهء على نحو يدفعنا إلى القول 
إنه عملية تحويل لبوصلة الكتابة التاريخية من أعلى الهرم الاجتماعي نحو قاعدتهء حيث القارات المجهولة التي 1 تطأها بعد أقلام 
المؤرخين؟ ففي الهامش تنشط حياة بأكملها. وهو ما ترتّب عليه تحولان مترابطان؛ فعلى مستوى خارطة الأشخاص تم الانتقال من 
تاريخ الحكام والأبطال والقادة إلى تاريخ العامة من محكومين ومهمّشين» أما على صعيد الجغرافيات والأمكنة فتم الانتقال من المركز 
إلى الهوامشء ومن القصور والمجالس الوزارية والبلاطات إلى المعامل والمزارع والساحات العمومية والفضاءات المحظورة"". 


نآتي الآن ضمن هذه الإلامة» لنجمل هذه الملاحظات فنقول: إنّ التاريخ من أسفل هو تاريخ للجميع» ليس من مهمّش إلا وارده 
بجرعة ما. 


ثالنًا: في الجينيالوجيا 


صيغت قاعدة في الدراسات الإستيمولوجيةء تكشف عمق ارتباط كل حقل معرثي ناشئ بشجرة أنساب [جينيالوجيا)ء على النحو 
التالي: "إن كل اختيار علمي هو اختيار متورط في تصور نظري قبل معين» أي تمأسس على تراكم عميق مما جعل وجوده ممكنًا"!17. 
في هذا الإطارء يؤثر عن الفيلسوف الفرنسى غاستون باشلار 821:4 628100 قوله: "إن تاريخ العلم قبل أن يكون تاريخ أخطاءء هو 
تاريخ تراكمات معرفية» فالعقائد والنظريات الجديدة لم تتطور من القديمة إلى الجديدة» بل إن الجديد نفسه احتوى على القديم "!0. 


وبناء عليهء جرت العادة أن كل "جماعة علمية" تبحث لنفسها عن موطئ قدم في الساحة الفكرية» لا بد لها من أن تستند إلى 
التراكمات المعرفية الحاصلة في ذلك المجال» بغية استنبات براديغم جديد. هكذاء نجد مدرسة التاريخ من أسفل البريطانية بدورها لم 
تخرج عن هذه القاعدة؛ فغدت تبحث لنفسها عن شجرة أنساب (جينيالوجيا)ء أي أن تبنى تصورها كما لو كان تقليدًا قديمًا راسخًا له 


جذور. وهو ما نستقيه من كلام أحد الآباء المؤسسين هوبزباوم» الذي يعود بهذا الضرب من الكتابة التاريخية إلى رومانسية القرن التاسع 


4 جيم شاربء "التاريخ من أسفل". في: نظرات جديدة على الكتابة التاريخية. ص 69. 

.6 ,27151070 0711 ,لاتككق 1105 15 
6 بوتشيش.» ص 284. 
17 عادل حدجاميء "الرهان القديم لعالمنا الجديد": مقالات» مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاثء 2014/5/22: شوهد في 2020/6/17 في : 3081277 /:إ1.)ذم//:دماغط 
8 غاستون باشالار, تكوين العقل العلمى: مساهمة فى التحليل النفسانى للمعرفة الموضوعية: ترجمة خليل ا خليلء ط 2 (بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات 
والتوزيع والنشرء 2 ص 14-13. 1 1 1 


111 





20 


العدد 12 


غ 
طي ل تموز / يوليو 2020 


0910101 


ددا 


عشرء رابطًا إياه بكتابات المؤرخ الفرنسى جول ميشليه 1/1:60166 105ما[ حول الثورة الفرنسية» خاصة في كتابه الشهير الشعب الذي عمل 
فيه على إبراز الدور الذي اضطع به البسطاء وعوام الناس في صناعة تاريخ بلدهم (فرنسا)!"". 


وبناء عليه» تُعدَ كتابات المؤرخ الفرنسي ميشليه نواة أولى لمشروع كتابة تاريخ جديد من منظور مغاير كما نبه فرانسوا دوس """. غير 
أن "التاريخ من أسفل"» من حيث هو حقل إستوغرافي مستقل له رواده ومؤسساته والتمويل الخاص بهء سيترسخ في خمسينيات القرن 
العشرين في بريطانياء مع جماعة المؤرخين الماركسيين الذين التفوا حول مجلة ماض وحاضرء لإنجاز سلسلة من الأبحاث والدراسات 
ذات منحى منهجي ومقاربة موحدة» تجعل من قاعدة الهرم الاجتماعي منطلقًا لكتابة التاريخ كما سنآتي على ذكره. 


حري بالذكر أن كتابة "التاريخ من أسفل" لم تكن ممكنة قبل هذا التاريخ - الثورة الفرنسية - وذلك راجع إلى كون هذا الحدث 
الكبير» جمع بين اثنتين من الخصائص التي نادرًا ما تحدث مجتمعة!”). يتعلق الأمر في المقام الأول: بكونها ثورة كبيرة جلبت فجأة 
أعدادًا هائلة من جماهير الناس العاديين الذين انخرطوا بقوة في صنع الحدث؛ وأسهموا على نحو فعال في نجاح الثورة ولا سيما مع حركة 
اليعاقبة» والتي كانت ستبقى من دون عملهم محض افتراض 'ت6. وفي المقام الثاني: نجد التوثيق المؤسساتي الذي خلف مخزونًا أرشيفيا 
مهمّاء ونّق أفعال عامة الناس» وهذا التوثيق وفر مخزونًا غنيًا للمؤرخين» وهو ما لم يكن متاحًا بالقدر المطلوب قبل هذا التاريخ» كما أنه 
كان واضح القراءة على نحو جيد على خلاف الأيدي التكدة التي كانت تكتب قبل هذا التاريخ |"ا. 


وفي حقيقة الأمرء ليس المؤرخ ميشليه وحده من تشكلت عنده النواة الأولى لفكرة كتابة التاريخ من أسفل» بل نجدها أيضًا حاضرة 
في مراسلات الجندي وليام هويلرء الذي يؤرخ لمعركة واترلو (1815) من جانبها القاسي» أي من وجهة نظر التفر لا القائد الكبير. وفي هذا 
الإطارء كتب وليام هويلر في إحدى مراسلاته إلى زوجته في إنكلتراء قائلا: "انتهى القتال الذي استمر أيامًا ثلاثة» وأنا بخيرء وهذا يكفي, 
وسوف أكتب الآن وكلما أتيحت لي الفرصة عن تفاصيل هذا الحدث الكبير» أي ما عشته أنا بنفسيء: فقد طلع علينا صباح يوم 18 يونيو 
وقد غمرنا المطرء وخدّرنا البرد وأدخل الرعشة في أجسادناء وغالبًا ما كنت تصبّين على اللوم لأنني كنت أدخن كثيرًا العام الماضيء عندما 
كنت في انجلتراء لكن يجب أن أخبرك الآن أنه لو لم أكن أملك ما يكفي من التبغ تلك الليلة» لكان حتمًا أن أسلم الروح إلى بارئها"!#". 
تظهر أهمية مراسلات هويلر في كونها تمثل الشهادة المباشرة من جانب صناع الأحداث أنفسهم؛ ما شكل علامة ومصدرًا مهمّين على 
طريق كتابة التاريخ من هذا المنظور. 


كما عكست قصائد الشاعر البلجيى برتولد بريخت إداءء:8 861016 (1956-1898): هذه الرغبة فى تاريخ بديل» خاصة القصيدة 


الموسومة ب: "تساؤلات عامل يقرأ". التي اعتبرها المؤرخ الأميري جيم شارب بمنزلة صرخة للحاجة إلى منظور بديل لما يمكن أن نصطلح 
عليه تاريخ القابعين قْ القمة اتا ومما جاء قْ الم لقصيدة : 


.6 ,7151010 011 ,لتككة 1105 19 
.6 ,(2005 ,16أ1ع 10601157[ 2[ :حتتة1) 1151017 5! !7101112 4[ 2 4717110125 05[ :111161165 11© 1171510176 رع12055آ 15معطمة11 20 
2203-4 .00 ,27151017 0711 وتطتككق 11056 21 
4 ...1010 22 
.6 ,11151010 ,1101205011 23 
4 شارب» ص 51. 


5 المرجع نفسه. ص 52. 


112 





تحؤلات الكتابة التاريخية: هن تاريخ النخب إلى تاريخ الهامشيير ©“ 4 
تحوق ريخية: من تاريخ الالتطرين الوا مسيين م 
المدرسة البريطانية متالا ل 


من بنى طيبة ذات البوابات السبع؟ 
في الكتب ستجد أسماء الملوك 
فهل حمل الملوك كل تلك الأحجار؟ 
وبابل التي دمرت مرات عدةء من شيدها كل هذه المرات؟ 
سور الصين؟ روما العظيمة مليئة بأقواس النصرء فمن أقامها؟ وعلى من انتصر القياصرة؟ 
الإسكندر الشاب غزا الهندء فهل كان بمفرده؟ 
وقيصرء انتصر على بالاد الغال فهل كان وحيدًا؟ 
كل صفحة انتصارء فمن طبخ وليمة المتتصرين؟ 
تقارير كثيرة وأسئلة كثيرة؟201 
تعتبر هذه النماذج التي أشرنا إليهاء بمنزلة البذور الأولى المخصبة لكتابة التاريخ من أسفلء على الرغم من أنها شكلت بدايات 
متواضعة» كما أنها ليست هي النماذج الوحيدة التي استندت إليها التجربة البريطانية» بل هي عديدة لا يتسع المجال لذكرهاء في فرنسا 


برز المؤرخ هنرى بير :800 :م11 الذي أدخل مفهوم التحليل التاريخى المركب القائم على العلاقة الثلاثية المتبادلة بين التاريخ والفلسفة 
وعلم الاجتماع (27. 


بيد أن الذي أثْر في المدرسة البريطانية» على نحو أساسي وباعتراف مؤسساتي» هو مدرسة كانت معاصرة وقريبة العهد بهم؛ يتعلق 
الأمر بمدرسة الحوليات الفرنسية ذائعة الصيت التي عدت التربة التي نبتت على تراكماتهاء وهو ما أشارت إليه افتتاحية العدد الأول 
من مجلة ماض وحاضر!”. فالفضل يعود إلى الحولياتيين في طرق مواضيع جديدة» كان المؤرخون حتى وقت قريب ينظرون إليها بنوع 
من العزوف والاحتقار, مثل: "تاريخ الهامشيين". والدعوة للاهتمام بتاريخ الضعفاء إلى جانب تاريخ الأقوياءء "فالفلاح المغمور الذي 
يحسن تقنية الاجتثاث» هو فاعل تاريخي يساوي من حيث الأهمية ذلك الضابط الذي ينتصر في معركة ما"!#). 


عطفًا على ما سبق» كشف السياق المار ذكره عن منعطف إيستيمولوجى - التاريخ من أسفل والاهتمام بالهامش والمهمش - أخذ 
يخترق فضاء الكتابة التاريخية منذ القرن التاسع عشرء بدءًا بكتابات ميشليه مرورًا بمدرسة الحوليات وتاريخها الجديدء وما أفرزه من 


نقاش جدلي يسائل مسيرة الإنسان في التاريخ» من حيث كونها ذانًا منتجة للتاريخ مستوعبة لشروطه متحررة من وصايته وهيمنته: 
بحسب المؤرخ جيرارد نوراييل 161:ذه71 50 1"'ء وصولا إلى المدرسة البريطانية التى جعلت منه حقلا إستوغرافيًا متميرًا له رواده 


ومقارياته والتمويل الخاص والمرجعية الموجهة والمنهج المؤطر لأبحاثهء كما سنعمل على إبرازه في الصفحات القليلة الآنية. 


6 قصائد برتولد بريخت,. ترجمة امد حساثة [بيروت: 0١‏ الفارلي» 6) ص 139. 


عطا 21 ععطة2 12 تلع 5061010 لطلة 115101577 اعع15اء5 متطمط120ع]1 عطا لطهة تاعع8 تتمعط :15دعطام5 1دع815011 01 2ع10 عط1" ,ككعط 15426 ع001) .10 27 
0ع55عع26 ,(2005 7/1311 ,8 .0ط 5708 ,5ع5]101 50610108397 01 أطع210مع12آ ,11626105طناظ 117و1ع7ك1طلآا 5266110 '',كتتطمعن) لطاع مع :]1 عطا 1ه ع متمماعء] 
مامت[ 011.17/2101//:ومطط :2 ,6/7/2020 مه 


.6 ,1715101 0717 ,تطتككق 11056 28 
9 محمد حبيدة: الكتاية التاريخية: التاريخ والعلوم الاجتماعية (الدار البيضاء: أفريقيا الشرق» 215 ص 188-187. 


ممتااكن الشيخ» "حوار مع جيرار نوراييل: في تحولات مهنة المؤرخ". حوارات: مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث: 20142 : شوهد في 2020/6/17» في : 
211313107 /11.1597//نوماغط 


1132 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


رابعا: المرجعية الفكرية 


سارت المدرسة البريطانية على هدي الحوليات» بعد أن استشعرت أن التأريخ للمهمش والتابع يستوجب على المؤرخ كسر عقلية 
التخصص الضيق» أي تجاوز نيج التاريخ الوضعاني - الذي يميل إلى الانفلاق داخل جزئيات علمية ضيقة - نحو الانفتاح على 
التخصصات العرفية والاستخدام المكثف والممنهج للعلوم المجاورة» وهو ما عبر عنه إريك جان هويزياوم ب "التاريخ ال مخصب 
بالعلوم الاجتماعية"!". 


تعكس هذه القولة انفتاح التاريخ على بقية جيرانه في العلوم الاجتماعية» وإن كان يصعب حصر التخصصات والحقول المعرفية 
التي انفتحت عليها المدرسة البريطانية» وتفاعلت معها وأفادت منها؛ نظرًا إلى تشعيها وتجددها باستمرارء وهو ما تنبّه إليه المؤرخ 
عبد الله العروي» قائلا: "يحتاج القاضي دائمًا إلى خبراءء وعددهم يتكاثر مع تقدم العلوم» كذلك المؤرخ يستغل كل خبرة جديدة يتحقق 
من نفعها له"1"'. فإن أبرز التوجهات التي تحاورت معها المدرسة البريطانية هي: الماركسية» وعلم الاجتماع» والأنثروبولوجياء وما بعد 
الحداثة» ثم التاريخ الشفهي. 


1. الماركسية 


تعتبر المدرسة البريطانية ماركسية الإلهام؛ إذ وجدت في الماركسية أداة جيدة لفهم مجريات الواقع الاجتماعي وتفسيرهاء وإن كان 
لا يمكن الإقرار بتبعية من درجة اللزومء إِذ استخدم روادها المقولات والمفاهيم الماركسية بمرونة وحرية» من دون قيود حتمية» ولا قوالب 
دوغمائية!:*). وتدين هذه المدرسة فكريًا بالدرجة الأولى للمفكر الإيطالي أنطونيو غرامثي أعقدة01 وندماهكث الذي كان لكتاباته صدى 
وتأثير قوي في المجموعة: في محاولة النأي بالماركسية عن القراءة الستالينية الأرثوذكسية!*ا. خاصة أن غرامشي كما هو معلوم كان له 
نزوع فلسفي لتقديم مقاربة جديدة» تقوم على دمج مباحث الاقتصاد بمباحث الثقافة في التحليل. 


وتؤكد افتتاحية العدد الأول من دورية ورشة عمل التاريخ (صيف 1976) التي احتضنت المؤرخين الماركسيين البريطانيين» على 
هذا الحضور القوي للتصور الماركسي في قلب اشتغال مؤرخي "التاريخ من أسفل". والتي جاء فيها: "إن اشتراكيتنا فرضت علينا الاهتمام 
بعامة الناس في الماضيء وحياتهم وأعمالهم وأفكارهمء على المستوى الفرديء وكذلك الاهتمام بالسياق والأسباب التي شكلت تجربة 
طبقتهمء إلى جانب الاهتمام بنشأة الرأسمالية"51. 


ثم إن ما يحتفظ به التاريخ من أسفل البريطاني للماركسية هو السبق إلى تقديم قراءة شمولية للتاريخ» وهذه المزاوجة بين التاريخ 
والتحليل الماركسي هي التي دفعت أحد كبار التوجهء هوبزياوم» إلى إعادة نشر كتاب كيفية تغيير العالم: حكايات عن ماركس 


.7 715101 0011 ,570كة 1105 31 

2 عبد الله العروىء مفهوم التاريخ: الألفاظ والمذاهبء المفاهيم والأصولء ط + [الدار البيضاء: المركز الثقافي العرربي» 2005)» ص 82. 
تعاذعطاعمة اا :تاعاةعطاع مه الطا) بوبمء 1 710ه 115101 نول 11زء-1110©7111©1/1 1711 اعممو 1 لم111 ك4 ::115101 /[0 كءكنلا10 ©7117 ,0نه110:' .ا عكى ماعع01 .خم 33 
.6 ,(1999 رووع21 1/015615157 


4 ديبيش شاكرابارتي» "دراسات التابع والتأريخ ما بعد الكولونيالي": ترجمة ثائر ديب: أسطورء العدد 3 (كانون الثاني/ يناير 2016)» ص 12. 
35 شارب» ص 62. 


114 





تحؤلات الكتابة التاريخية: هن تاريخ النخب إلى تاريخ الهامشيير ©“ 4 
تحوق ريخية: من تاريخ الالتطرين الوا مسيين م 
المدرسة البريطانية متالا ل 


والماركسية9", الذي عُدَ دراسة في تطور فكر ماركسء وقد جاء في مقدمته "نحن في حاجة إلى أن نحسب ألف حساب لكارل ماركس 
اليوم بعيدًا عن جبة المفشرين الأرثوذكس". وهو أمر كان عبد الله العروي قد تنبّه إليه حين اعتبر الاشتراكية ليست دائمًا ماركسية!”. 


ومن يقرأ المنجز العلمي للمؤرخ تومسون خاصة كتابه تكوين الطبقة العاملة في إنكلتراء يجد هذا الأخيرء وهو يحلل مسائل 
الثقافة الشعبية ووعي الطبقة العاملة, فإنما هو مدين بذلك لآليات التفكيرء التي سنّها غرامشي» خاصة مفهوم "الهيمنة". وفي السياق 
ذاتهء ذهب هوبزباوم إلى الإقرار باننا في حاجة دائمة إلى غرامثي» لهزم اسئلة الثقافة الشعبية والاقتراب من الهامشيين وفهم ذهنيتهم 
ومقاومتهم**. هاهناء كما أشرنًا سابقًا يرجع الفضل إلى غرامشي في التقعيد لطرح جديدء يزاوج بين ما هو اقتصادي وما هو ثقاني» ولا 
يفضل أحدهما على الآخر في عملية التحليل. ٌْ 

ختامّاء إنّ التأثير الذى أحدثته الماركسية في دراسات التاريخ من أسفل لا يمكن أن نضعه في خانة التجاهل أو نغض عنه الطرف؛ 
إذ شكلت المفاهيم والمقولات الماركسية مصدرًا ثريا وخصبًا للمدرسة البريطانية كما أتينا على ذكرهء وهو ما أسعفها في إثراء مكتسباتها 
التفسيرية. على أن هذا التلاحم المعرفي يجب ألا يقرأ من باب التطابق في الطرح والتجانس في التحليل؛ وإنما يوضع في مرتبة التفاعل 
والتأثير؛ فالمدرسة البريطانية على الرغم من كونها ماركسية الإلهام» فإنها انخرطت في جهد نقدي يروم تجاوز القراءة الماركسية 
الأرثوذكسية من جهةء ومن جهة أخرى عملت على أنسنة الماركسية وتحرير الناس من الحتمية الاقتصادية» فما كان يرد إلى عامل 
أحادي بحت (الاقتصاد) أصبح بحسب التوجه الجديد يرد إلى عوامل متعددة» فإلى جانب الاقتصاد تكتسي الثقافة والأفكار دورًا مهما 
في التفسير والتحليل !"ا. ْ 


2. هما بعد الحدائة 


ساهمت نظرية ما بعد الحداثة التي شككت في الطريقةء التي تنجز بها الدراسات التاريخية في الغرب7©. في الدفع بهذا 
الصنف - التاريخ من أسفل - من الكتابة التاريخية إلى الواجهة وبقوة وخصوصًا كتابات الفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا ليوتار 77 
نهر وذموسهدتاء التي أعلنت عن إفلاس خطابات الشرعنة» وقوّضت السرديات الكبرى مثل: مفهوم اللاوعي عند فرويد أو البنية 
ار وار ا رن ا ْ 


ويمكن النظر إلى تأثير نظرية ما بعد الحداثة في مشروع التاريخ من أسفل من خلال ثلاثة نماذج: الأول» يتجلى في كون هذه 
الرؤية لمنفتحة حررت المؤرخين ودفعتهم إلى خوض غمار تجربة كتابة التاريخ» من وجهات نظر مشتلفة, تختلط فيها الألوان وتتمان ٠‏ 
والثاني» يتعلق برفض هذه المجموعة فلسفة التاريخ, مذكرة المتكهنين بنهاية التاريخ (فريدريك هيغل» وكارل ماركس» وأرنولد توينبي: 
وفرانسيس فوكوياما وغيرهم) بأن التعميم اليقيني المؤكد هو أن التاريخ سيمضي قدمًا بلا نهايات ما دام الجنس البشري باقيّا"/. 
والثالث» يتمثل في كون عدد من كتابات المؤرخين الماركسيين البريطانيين تكشف عن تقاطعات بين التاريخ والأدب. خاصة أعمال 
تومسونء وفي طليعتها "أوراق سيكاوس " و1ع م23 5/1805 . 


6 إريك هوبزباوم» كيفية تغيير العالم: حكايات عن ماركس والماركسية., ترجمة حيدر حاج إسماعيل [بيروت: المنظمة العربية للترجمة» 2015)» ص 330-329. 
7 عبد الله العروي» العرب والفكر التاريخي [بيروت: المركز الثقافي العربي» 1992): ص 9-8. 
8 هوبزباومء كيفية تغيير العالم. ص 330-329. 

.6 ,(1966 ,800165 ع710128١‏ :011لا تع [1) وكملء ص 1001/11 [كتأع 1ط 0/17 4/17112//[ ©7177 ,50م تطهطا]' "تعمطلوط 20ه كل 39 
0 هايدن وايتء "التاريخ وما بعد الحداثة". ترجمة محمد حبيدةء ترجمات. مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث» 8 شوهد في 2020/6/17 : في : 
75 اط 
1 إريك هوبزباوم, عصر التطرفات: القرن العشرون الوجيز 1991-1914: ترجمة فايز الصياغ (عمان: مؤسسة ترجمان ؛ بيروت: المنظمة العربية للترجمة» 2011)» ص 42. 


115 





العدد 12 2 تموز / يوليو 2020 


3. علم الاجتماع (مدرسة شيكاغو) 

حاول التاريخ من أسفل» أن يقترب من علم الاجتماع» خاصة مع تيار شيكاغو في الولايات المتحدة الأميركية» الذي نشط في النصف 
الأول من القرن العشرين» بفضل أعمال وليام إسحاق طوماس 1205085 19886 11/111130 إلى جانب روبرت بارك علمه© 6رءوطهح1» اللذين 
تركا بصماتهما الواضحة على مجموع السوسيولوجيا الأنكلوسكسونية» بإخراجها من المكاتب إلى مواجهة الوقائع في الميدان عن طريق 
البحث ابر ويعذٌ كتاب الفلاح البولوني ق أوروبا وأميركا 1711110 0110 1117076 111 22050111 5[1ذ[0ط 1116 أفضل ما كتب 
في هذا الاتجاه الذي يعرض وضعية الفلاحين البولونيين المهاجرين إلى أميركا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين» ومحاولة 
الكشف على نمط عيشهم في موطنهم الأصلي وأيضًا التغيرات التي حصلت في علاقاتهم بعد الهجرة» فيما بينهم ومع مختلف المهاجرين 
إل الأعراق والأجناس الأخرى غل حد سواءء وأتدكاسات ذلك عل مجمل القيى 1 هكذاء فإن .ما يذين به المؤرخون لثيار 
شيكاغو هو السبق إلى إعطاء الهامش مكانة» باعتباره قادرًا على فهم العالم المحيط به وصنعه. وفي هذا الصددء نشير إلى مقالة شهيرة 
عنوانها "العالم الذي صنعه العبيد" لجيوفاني جينوفيز الذي ينتمي إلى التقليد نفسه!»). 


وأكد المؤرخ هوبزباوم» هذا الاحتكاك القوي بين المنهجين التاريخي والسوسيولوجي» واعتبرهما بعدّين متكاملين ووجهين لعملة 
واحدة» يزاوج بينهما في كتاباتهء حتى إنه لم يتردّد في التصريح بأنه لو لم يكن مؤرحًا لكان عالم اجتماع!*. كما أشار الباحث في التاريخ 
الاجتماعي» باتريك جويس» إلى أهمية السوسيولوجيا في تغيير رؤى المؤرخين» فضلا عن توفير الأدوات اللازمة للبحث في التاريخ 
الاجتماعى لبريطانيا(»). 


ختامًاء فإن ما يؤكد مفاصل هذا التفاعل بين التاريخ وعلم الاجتماع هو حضور عدد من السوسيولوجيين ضمن هيئة تحرير مجلة 
ماض وحاضر. وبالتزامن مع ذلك» نظم معهد "ماضٍ وحاضر" مؤتمره السادس حول العلاقة بين التاريخ وعلم الاجتماع سنة 1963, 
وهو ما يعكس قوة التلاقح بين الحقلين!©). ثم إنّ هذا التأثير لم يقتصر على المؤرخين فحسبء وإنما نجد تأثيرًا معكوسًا؛ إذ إن عددًا من 
علماء الاجتماع خلال الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرمء تاثرو| بعدد من المقولات والمفاهيم التي كان هوبزباوم قد ارسى دعائمها 
في كتاباتهء ومن بينها مفرهوم "العصيان الاجتماعي " الذي عوض ما كان يعرف في الكتابات الكلاسيكية ب "الجريمة الاجتماعية"!8). 


4. الأنثروبولوجيا 

أَدت الأنثروبولوجيا دورًا فعالا في ارتقاء حقل التاريخ من أسفل؛ إذ فتحت أمام المؤرخين آفافًا كثيرة ووفرت لهم الأدوات للبحث 
في مواضيع جديدة كان ينظر إليها حتى وقت قريب على أنها مواضيع محظورة وخسيسة ضمن مدارات التاريخ. لقد أتاح البحث 
الأنثروبولوجي لكاتب التاريخ من أسفل المتنفس لاستكشاف قارات بحث جديدة؛ إذ يمكن الاستفادة إلى حد بعيد بما يعرف بالوصف 
المكنف, الذي يعود الفضل في ابتكاره إلى كليفورد غيرتز 66:12 0115054 في كتابه تأويل الثقافات!”). إن الطريقة التي يثيرها مثل 


2 عبد الرحمن المالىء» مدرسة شيكاغو ونشأة سوسيولوجيا التحضر والهجرة (الدار البيضاء: أفريقيا الشرق» 2016)» ص 95. 
3 المرجع نفسه. ص 97. 
4 شارب. ص 68. 
5 إريك هوبزباوم, عصر مثير: رحلة عمر فى القرن العشرين. ترجمة معين الإمام (دمشق: دراسات المدى» 2007)» ص 366. 
.6 ,(2010 1"6111317) 1 .20 ,206 .7701 ,111ءت6 27 عل ]215 "111510157 50121 12 50131 عطا 15 غقط 17لا" رعه1097 عاأعتتوط 46 
.7 .7 و(1983 اأقناع لتك ) 1 .120 ,701.100 ,انزع و27 عل [20151 ,157مأ15ط تتعاهط" ,001 عناآ 5عناوعول 47 
8 إريك هوبزباومء عصر الثورة: أوروبا (1848-1789)» ترجمة فايز الصياغ (بيروت: المنظمة العربية للترجمةء» 2007)ء ص 12. 
.(1973 ,800165 عامو8 0112لا تت ا[ ) 1117 الار) [0 171127717101101 ©1711 ,117عع0 001111010 49 


116 





تحؤلات الكتابة التاريخية: من تاريخ النخب إلى تاريخ الهامشيين 4 - 
المدرسة البريطانية مثالا ل 


هذا الأسلوب مفيدة لدارس التاريخ الاجتماعي: من أجل معالجة الظاهرة في سياق كامل عن طريق التأويل الثقافي للوصول إلى فهم 
أعمق للمجتمع!". أضف إلى ذلك أن الأنثروبولوجيا منحت المؤرخين عدّة معرفية ومنهجية لكتابة تاريخ المهمشينء. من خلال نقد 
الزعم القائل بالتفوق والصفاء العرقي» وهو ما ساهم في إعادة بناء هويتهم التاريخية!". 


وفي السياق ذاتهء كشفت المجموعة مدى قوة الترادف بين الحقلين وذكرت أن: "تعاطى المؤرخين مع تاريخ الهامشيين شبيه 
بالأساس مع تعامل الأنثروبولوجيين مع فترات وموضوعات نائية» كاستقصاء أحوال مجتمعات بابوا الجبلية"1"'. وإلى جانب ذلك نجد 
هوبزباوم أقر أن كتاباته حول ما أسماه بالقرن العشرين الوجيز استند فيها إلى معرفة تراكمية وذكريات ملاحظة "كمراقب مشارك " 


بلغة الأنثروبولوجيين!:. 


ويمكن أن نشير كذلك إلى أن مجلة ماض وحاضرء لسان حال جماعة المؤرخين الماركسيين البريطانيين» قد أولت الأنثروبولوجيا 
مكانة خاصةء ضمن أعدادها وجعلتتها في قلب النقاشات الدائرة؛ ما وجّه المؤرخين نحو تاريخ الذهنيات والعادات والمعتقدات والثقافة 


الشعبية والحياة اليومية أو ما يعبر عنه بالفلكلور”". ثم إن وجود أنثروبولوجيين ضمن هيئة تحرير ماض وحاضر مثل: ويلفر بولي» 
إضافة إلى تحول المؤرخ آلان ماكفرلين إلى الأنثروبولوجياء كلها مؤشرات على الاحتكاك القوي بين الحقلين!:. 


5. التاريخ الشفهي 


استفاد التاريخ من أسفل من صعود التاريخ الشفهي في الولايات المتحدة الأميركية!"ا. من خلال توجهين بحثيين هما: "تيار 
كولومبيا" و"تيار شيكاغو"» خاصة الأخير الذى انصبت اهتمامات رواده على تاريخ المهمشينء والأقليات: والكادحين» والمهاجرين؛ ما 
وفر الأدوات والمصادر اللازمة لإعادة بناء ماضي الهامشيين خاصة مع انتقال هذه الموضة (أي التاريخ الشفوي) إلى بريطانيا في مطلع 
ستينيات القرن الماضي /”ا. ذلك أنه بفضل البحث في المروي» يمكن أن يلج المؤرخون دوائر ومواقع اجتماعية لا تكشف عنها الوثيقة 
المكتوبة؛ ما يساعد على سماع أصوات المهمشين في التاريخ» الذين نادرًا ما يظهرون في النص المكتوبء إلا عبر نظرة الآخرء العدائية 
في الغالب(0. 


140 .2 ,(2003 97آ3101181[) 2 .10 ,38 .701 بنراءعاعء!1 /هع201111 110ك 2201101111 ",810777 ج110 111510157' 7111 عمه0 ١1‏ خمع/1ا غمط اا" ,الطدظ تححمكا 51 
2 هوبزباوم. عصر مثير.ء ص 23. 
3 إريك هوبزباومء عصر رأس المال (1875-1848): ترجمة فايز الصياغ (بيروت: المنظمة العربية للترجمة» 2008)» ص 29-28. 


57) 1 .120 ,239 .701 ,27656111 عل 20451 '"رااعوع21 لطة ]2351 12 101كلاه'1 320 ,لاع010م0تطاصمك ,تكاهأ15 :251 عطا م1 ع10شول8" ,تقع2001 .0) 11/111130 54 
.6 .2 و(2018 


5 شارب». ص 61. 

6 التاريخ الشفهى: يحدد في أهم تعريفاته بأنه "منهج بحث وظيفته دراسة الماضىء» من خلال ذاكرة منطوقة قوامها روايات الأفراد واستحضاراتهم عن حيواتهم 
وخبراتهم [...] وتحمل هذه الروايات والاستحضارات ترتيبًا كرونولوجيّاء وغالبًا ما تكون مرقطة بالتأويلات". ينظر: فتحي ليسيرء تاريخ الزمن الراهن: عندما يطرق 
المؤرخ باب الحاضر وس دار محمد عل للنشرء 2012)ء ص 123. 

7 المرجع نفسه.» ص 124-123. ْ 

8 محمد حبيدة» كتابة التاريخ: قراءات وتأويلات (الرباط: دار أبي رقراق للطباعة والنشرء 2013)ء ص 46. 


117 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


يشترك عمل الباحث في التاريخ من أسفل والتاريخ الشفهي في أنه يمنح المهمشين وغيرهم من المنسيين حق المواطنة التاريخية؛ 
ما حدا بالمؤرخ فرانكو فيراروتي إلى الإقرار في هذا المقام بأن التاريخ الشفوى هو نفسه التاريخ الآتي من الأسفل!”). هكذا ساهم البحث 
الشفهي في تطور حقل التاريخ من أسفل» والكشف عن جوانب مهمة من حياة الهامشيين!"'. وهو ما استجاب لتطلعات الباحثين 
في هذا الحقل؛ إذ وجدوا في الشهادات الشفهية الوسيلة الفعالة لملء نواقص وبياضات المصادر المكتوبة» مما دفع عجلة هذا الحقل 
التاريخي إلى الأمام» على الرغم من الجدل الواسع حول استعمال المرويات الشفهية» وما تطرحه من صعوباتء والتي حددها المؤرخ 
محمد حبيدة في ثلاث مشكلات رئيسة: الأول متصلة بسلطة الوثيقة المكتوبة» والثانية مرتبطة بمورفولوجية الحىء والثالثة مرتبطة 
بالزمن» وتحديدًا بالكرونولوجيا!"). 


ختامّاء كانت هذه وقفة مقتضبة مع بعض أهم التوجهات الفكرية التي انفتحت عليها المدرسة الماركسية البريطانية وتفاعلت معها 
بعمق؛ ما اثمر ابتكار براديغم جديد يقوض السلالم الهرمية للتاريخ التقليدي وينحاز إلى التاريخ للهامش والمنسي والمسكوت عنه. وهو 
ما تعلمنا إياه القاعدة الذهبية لتاريخ الأفكار فالتفاعل منفتح» وكل محاولة لإغلاق المذاهب والتخصصات بعضها فى وجه بعض الآخرء 
لا تكون إلا مناهضة للتاريخ الفعلي للأفكارء ومعيقة للابتكارا©". 


خامسا: الخصوصية 


ليس ثمة شك في أنّ التاريخ من أسفل البريطاني قد شكل حلقة مركزية ضمن النسق الإستوغرافي العالمي» كما أتينا على ذكره. 
وذلك بفضل جهود رواده في توسيع دائرة المعرفة التاريخية» وقلب بوصلة الكتابة التاريخية من أعلى الهرم الاجتماعي في اتجاه قاعدته, 
فضلًا عن اقتحام مواضيع جديدة كتاريخ المهمشين الذي أهمله المؤرخ الكلاسييء وتلك هي الفكرة التي عبّر عنها شميث بقوله: 
[ !]وات المنمشين غات مكتومة بصورة كلية من طرف أصحاب السلطة الذين يتكلمون عن الهامشبين ولكنهم لا يسمحون لبهم 
بالكلام"!©). وعكس هذا الخطاب الكلاسيي الذي يجافي بسطء الناسء أولت المدرسة البريطانية أهمية للهامشيين» معتيرة إياهم لا 
[ كت ف الأطراف أو مجزد عبء على السلطة» وإنما ذوات فاعلة وصائعة لهذا التاريخ, بمعنى أنهم فى مركز الأحداث التاريخية, وإن 
عل الهامش ف الدراسات التاريخبية - ضحاياها المسكوت عتهم - كما نوهت سابقًا. 


هكذاء نكون أمام تاريخ "مناضل" قام على أساس منح عوام الناس حق المواطنة التاريخية» في ضوء تزايد الطلب الاجتماعي 
على دمقرطة المجتمع» الذي لم تكن العلوم الإنسانية» ومن ضمنها التاريخ» بعيدة عن حلبته. وبناء عليه اجتهدت المدرسة ي لا يظل 
التاريخ في يد علية القوم» على اعتبار أنّ الذين يصنعون التاريخ ليسوا أفراد النخبة» وإنما المجتمعات برمتها؛ إذ لا يمكن أن يبرز الفرد 
إلا في ظل مجتمع يسمح له بالبروز أو يمكنه منه. بيد أن المدرسة البريطانية لم تقتصر على تدوين تاريخ الهامشيين: وإنما سعت أيضًا 
إلى تصحيح الصور النمطية/ السلبية التي نسجت حولهم. وهو ما عبّر عنه تومسون بقوله: "إن واحدة من مهمات دارس التاريخ من 
1617110176 أ© 2701671165 ,77011015 1:65©7112ج 1277125 11 11171500176 فكت دك :01 "روعع 16م وعد أء كأناماة وع5 :5ط دع '0 أمتقدة؟؟ عكزماقتط'آ" ,تزعانميه0) اأممءع8 2 59 


1111 0 711/121171 ,417115 22071127117017 712771101765 .(.011) 2011111 عمم[1ل[0لطط اه 1110لا عع1ه5 ,1997 101100[ ج1ع51018[11مقت عنانوه1امء حل وعاعم 
.25-28 .مم .(1998) (ع11ع5 11015) 5 .20 ,©20111©7117017:0171) 0171510176 


0 خالد طحطح. البيوغرافيا والتاريخ (الدار البيضاء: دار توبقال للنشرء 24 ص 51. 


2 بناصر البعزاتي» "مفاصل التفاعل بين المعارف", مجلة فكر ونقدء العدد الأول (أبلول/ ستمير جووذاء شوهد فى 2020/5/17: فى : الدم :2111 /إ[. كذ //:ومخط 
3) شميثء. ص 4173. 


116 





تحؤلات الكتابة التاريخية: من تاريخ النخب إلى تاريخ الهامشيين 4 
المدرسة البريطانية مثالا 1 بلطور دراسات 


أسفل إسماع أصوات الناس العاديين» لمساعدتهم على إضفاء المعنى الأخلاقى لحياتهم وإنقاذهم من براثين الإهمال ومن نظرات المنّ 
والاستخفاف من الأجيال المقبلة"0"). وهو ما أكذه هويزياومء قائلا: "لا تتوقف مهمتنا عند اكتشاف ماضى الهامشيين» بل يح ١‏ 
نخرجها من نطاق الرؤية التقليدية/ العدائية" اقتناعًا منهم بأن هوية الشعوب لم تتشكل على أيدي الملوك والقادة» وإنما على أيدي 
جميع أطراف المجتمع» وهو ما من شأنه أن يمنح إحساسًا بالهوية المشتركة(©). 

ولئن كان التاريخ من أسفل قد عمل على دمقرطة التاريخ» فإنه سعى أيضًا إلى توسيع عدد جمهور المؤرخ» فمبدأً الديمقراطية 
يقتضي أيضًا نقل المعرفة التاريخية إلى الجمهور خارج جدران الأكاديمية!». وفي هذا الإطارء دعت المجموعة» من خلال افتتاحية ماض 
وحاضرء إلى أن تكون عملية إنتاج المعرفة بلغة مفهومة وسلسة لتسهيل عملية نقلها إلى الجمهور غير المتخصصء ي لا يظل التاريخ 
حبيس جدران الجامعات والأوساط الأكاديمية !ا وحتى يصل إلى الجمهور المتعطش "لإرضاء فضوله بشأن ماضيه الوطنى "!69 . 


ومنتتهى القولء كانت تلك هي بعض أهم خصوصيات المدرسة الماركسية البريطانية» على نحو يدفعنا إلى القول إن التاريخ من 
أسفل قام أساسًا عل منح المواطنة التاريخية والكلمة من حرموا منها. إنه تاريخ بنى على شاكلة المجتمع القرى السائر تحو الديد. 01 
والمنتتج لخطاب حولهاء ومن ثم وجب الشروع في دمقرطة التاريخ. 


64 1102005010, 1151010, 6. 

5 شارب. ص 67. 
.6 ,11151010 ,501م1022 1 66 
.7 .2 و(2002 تلع طلاع11077) 1 .120 ,701.177 ,1تدء و27 عل 2051 ",11510157 ماع11[ ل" ,ماككة 10656 111 67 


8 إريك هوبزباومء عصر الثورة: أوروبا و1848-178» ترجمة فايز الصباغ وتقديم مصطفى الحمارنة (بيروت: المركز القومي للترجمةء 2007)؛ ص 23. 


119 





العدد 12 ل تموز / يوليو 2020 


ها 
ْ 


المراجع 
العربية 


. باشلارء غاستون. تكوين العقل العلمي: مساهمة في التحليل النفساني للمعرفة الموضوعية. ترجمة خليل أحمد خليل. ط 2. 


. البعزاتي» بناصر. "مفاصل التفاعل بين المعارف". مجلة فكر ونقد. العدد الأول (أيلول/ سبتمبر 1997). في: الصدم2171/ن1.)زم//:ومااط 

4 بوتشيش» إبراهيم القادرى. "تغير مجالات اهتمامات المؤرخ لدراسة التاريخ من أسفل: تاريخ المهمشين نموذجًا". أسطور. العدد‎ ٠ 
.)16 (تموز/ يوليو‎ 

. التاريخ الجديد. إشراف جاك لوغوف. ترجمة محمد الطاهر المنصورى. بيروت: المنظمة العربية للترجمة» 2007. 

. حبيدة» محمد. الكتابة التاريخية: التاريخ والعلوم الاجتماعية. الدار البيضاء: أفريقيا الشرق» 2015. 
. كتابة التاريخ: قراءات وتأولات. الرباط: دار أي رقراق للطباعة والنشرء 2013. 

٠‏ حدجاميء عادل. "'الرهان القديم لعالمنا الجديد". مقالات. مؤمنون بالاحدود للدراسات والأبحاث . 2014/5/22 . في : 308711177 //إ6.1زم// :وماد 

.)2016 شاكرابارتي» ديبيش. "دراسات التابع والتأريخ ما بعد الكولونيالي". ترجمة ثائر ديب. أسطور. العدد 3 (كانون الثاني/ يناير‎ ٠ 

.2014 طحطح. خالد. البيوغرافيا والتاريخ. الدار البيضاء: دار توبقال للنشرء‎ ٠ 

: العروى, عبد الله. العرب والفكر التاريخي. بيروت: المركز الثقافي العربي» 2. 

. مفهوم التاريخ: الألفاظ والمذاهبء المفاهيم والأصول. ط +. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي» 2005. 

. قصائد برتولد بريخت. ترجمة أحمد حسان. بيروت: دار الفارابي» 1986. 

. كوثراني» وجيه. تاريخ التأريخ: اتجاهات- مدارس- مناهج. الدوحة/ بيروت: المركز العربي الأبحاث ودراسة السياسات» 2012. 

.2012 ليسيرء فتحي. تاريخ الزمن الراهن: عندما يطرق المؤرخ باب الحاضر. تونس: دار محمد على للنشرء‎ ٠ 

.2016 المالء عبد الرحمن. مدرسة شيكاغو ونشأة سوسيولوجيا التحضر والهجرة. الدار البيضاء: أفريقيا الشرق»‎ ٠ 

. نظرات جديدة على الكتابة التاريخية. تحرير بيتر بوري. ترجمة قاسم عبده قاسم. القاهرة: المركز القومي للترجمةء 2010. 


٠‏ هوبزباوم» إريك. عصر التطرفات: القرن العشرون الوجيز 1991-1914. ترجمة فايز الصياغ. عمان: مؤسسة ترجمان؛ بيروت: 
المنظمة العربية للترجمة» 2011. 


.2007 عصر الثورة: أوروبا (1848-1789). ترجمة فايز الصياغ. بيروت: المنظمة العربية للترجمة»‎ . ١ 
عصر الثورة: أوروبا _ ل ا ا ا‎ . : 


5 . عصر مثير: رحلة عمر فى القرن العشرين. ترجمة معين الإمام. دمشق: دراسات المدى», 2007. 


1200 


تحؤلات الكتابة التاريخية: من تاريخ النخب إلى تاريخ الهامشيين 4 - 
المدرسة البريطانية مثالا للم دراسات 
مل- 2 ل 
65910101 
1 . عصر رأس المال (1875-1848). ترجمة فايز الصياغ. بيروت: المنظمة العربية للترجمة» 2008. 
1 . كيفية تغيير العالم: حكايات عن ماركس والماركسية. ترجمة حيدر حاج إسماعيل. بيروت: المنظمة العربية للترجمة»؛ 2015. 


٠‏ وايتء. هايدن. "التاريخ وما بعد الحداثة". ترجمة محمد حبيدة. ترجمات. مؤسسة مؤمئون بلا حدود للدراسات والأبحاث. 
8 للد[ ف : 2818075 /011.177/ / :خط 
الأجنبية 


2 .ه20 ,38 .701 بنراعاعء!! أسء 120/1111 0110 22601101111 ".'10177ع8 جطه1 111510157 اا عمم1ا خمع/1ا غخهط/1ا" .#تقصالا ,لطوظ8 ٠.‏ 
.(2003 311131597ل1) 


1 .110 .17111110171165 35061©71©5 ".21112211165 560161265 065 11112311531101[ :أة[511 311 5111610116 13 ه10" .1100015 ,12055 ٠‏ 
[111116١ 1998(. 2: 1.17/27‏ /طتتال) 


ور062010117116آ هب[ :131515 .771510172 710112[195 14 2 471710125 65[ :111161165 11© 71510176/ن1 . 
,1800[5] عاكو8 :011لا تك ا[ . 1172]|ال2) /[0 171167712141101 ©1711 .01111010 ,7ا1عع0) ٠‏ 


.17201 0710 151077 لط 111110 )-111©1111©1/1 1711 *0©7 1202 /ه071112) 4م :117151011 /[0 ك©كلا10 ©1717 .11011 >[ عكى .ذخ ماعءع01 ٠.‏ 
.9 ,ؤوع21 0157715157لآ تتعاقعطعمدلطا :تعاةعطعمد/ا 


.(2002 ل طططء8107) 1 .20 ,1701.177 .111ء و27 عل 2051 ".111510157 مل 11[ خر" 112 رماكحكواوط هط ٠‏ 

.7 برؤووع21 ال[ عط 1" :011لا تع اا .7151010 01 . . 

.(2010 01113177ع"1) 1 .20 ,206 .1701 .111ءت27] عل [205 "111510157 506191 12 1له1اع50 عطا 15 أقط/11ا" .عاعاتطة2 رعه09ل ٠‏ 
35731[ 5116آء تكلطنا"! عل وعووع21 :0177 [-عاطتة5 .11116707116 سرلا .(.05ع) مقطا 1 0597ظ] ع 01115[ ,1411101 ٠‏ 
.(1983 قناع للخل ) 1 .20 ,7701.100 .27561711 عل 2051 ".111510157 1ع21 ا" .1165نع3[ ,0011 عن[ ٠‏ 


320 1115101597 اعع:7اه5 «متطوكط1260ع]آ عطا له “تعع8 تتصعاط :15دعطام؟5 لوع1151011 01 وعل10 عط1" .م01 .نآ تتتعط 6/< ٠.‏ 
11 211116211015 215715157لآ 10ع111ع52) ".تكتتطمعن) لالأعغخمع11 عطا 01 ع تطتمساوء8 عطلا غ2 ععمهةط 11 50610107 
5://1.197/2101111111م :]3 .(2005 طاءع1ة/طا ,8 .20 57008 ,561015 7اع5061010- 01 


101 .1135110119116 0110013 تحتل وعاع لل .1677110172 1© 270516111©5]/ ,0115 7/011 17117© 21:05[ 1211125 011 1١171510176‏ 051 611 011 . 
177 11111111 ] ع0 112117/ااق ,017115  )20711©111701:‏ 19771101765 .(.011) 20111161 عممتاتطط عكى 1717/01112017 عع1ء5 .1997 
.(1998) 5 .110 .01116711701:01116) 


1 عل 2051 ".1ماعوع21 3201 2351 12 1011101 30 ,لاع06010تطاخصمكث ,11510157 :2251 عطا 10 15لا" .0) 111111320 ,تزعاموط ٠.‏ 
.(2018 113397) 1 .20 ,239 .1701 


.6 ,2021 . ذخ 0ع11خ4 :011لا 11657 .(11305) 501 كلظ داعمة11] 211»5ن) .771 0/176 ©171لاع6(! ©7177 .0511310 رتعاع م5 ٠‏ 
.6 ,50015 7101386" :011لا تع ا[ .وهال 101/1712[ [كأاعداط 01/17 712 لهل 17 .اعمطلة2 1015310 ,مدوم ططمط ]1 ٠‏ 


.(7/4/1966) 3345 .20 .51122/61116711 11167070 777715 ".10757ع8 ج10 111510157" . 


163 





ك ‏ »)| الل تت لت له 
الثورة الجزائرية في الأمم المتحدة 
1١5‏ 0ع21/] ع1 1 15701110 ممتمعع أذ عط 1 


ظهرت. في أعقاب الحرب العالمية الأولى 1918-1914, حقائق سياسية جديدة. منها الاستناد إلى مرجعية دولية تتعالى 
على الدول والوحداتث السياسية الوطنية لفض نزاعات وأوضاع استعمارية. فقد سعت الحركة الوطنية الجزائرية إلى 
التماس الشرعية الدولية باعتبارها أفضل سبيل إلى استحقاق الاستقلال واستعادة السيادة وتصفية الاستعمار. عانت 
الجزائر الاس تعمار الاستيطاني الفرنسيء؛ وخاضت ضده مقاومة شعبية مسلحة, ثم نضالا ثوريًا وسياسيًا ودبلوماسيًا 
بداية من أول تسجيل لقضيتها في الأممه المتحدة عام 1955. تهدف الدراسة إلى التأكيد على عدة اعتبارات من بينها دور 
المرجعية السياسية الدولية في إضفاء الشرعية على مطالب الاستقلال واستعادة السيادة وتصفية الاستعمار: ودور 
القضية الجزائرية في الأمم المتحدة ومس اهمتها في تكريس مبدأ الااستقلال وتصفية الاستعمار, وأهمية المقاومة 
السياسية والدبلوماسية بوصفها امتدادا للصراع الثوري المسلح: ونجاعتها في التأسيس اللاحق للدولة الحديثة وفق 
مقتضيات القانون الدولي العام الذي يحكم الشعوب والأمم والدول» وترسيخ مبداً الأمن والسلام الدولي بوصفه مبررا 
لوجود منظمة الأمم المتحدة. 
كلمات مفتاحية: الثورة الجزائرية: الأمم المتحدة, الاستعمار الفرنسيء الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. جبهة 
التحرير الوطني. 
0 10 ععداع17ع1ع0 121110125 ,(1914-1918) 11/52 11/0110 111516 عط 01 عكلة17 عط ما عم 17عططء 11165لوع1 011621م كع ار 
340 5أ1116ممه ع11موع1 10 0101 12 ركاتطنا 21ه0111م 223610081 له 5ع5136 201 115128 ,211101157 11102610081 
551 عطا 35 :16811112229 12161122610121 ]501111 10 أطاع5011 أطع12077:612 226101131 موتاعع [آاخ عط ]1 .5151261005 1021231م051]6م 
0 أع[511 7735 415113 .06601011231101 31651285 320 ,2111101117 12110125عع1 ,عع طع20ءمع120 12117128 01 قطوع12 
1013177 2 تاعطا رعع2ة]15د5ع1 :11131م20 31500 له 01ع7728 7ك1أقطنامه عطا لاعلطن؟ا 1251دع3 رحد لقتممامع تع 1نماء5 طاعمعء] 
.د 125 1311015 0ع011لآ] عط 1غ1؟ا عنادذ1 عطلا 01 تكتاقاعع1 1151 عطا 7116 مدعءع 1216) عاع5]115 ع1022261م1ل ممه لدء0111م 
1 211101117 20111631 123110231ع]مآ1 01 م101 عط 121110128 ,60251061061005 101ء77ه5 211112ه0» م1 وططتة تإالناة كلط 1 
ع0 01 ع1]01 عطا :1051736100معع0 لمطة 50711217 121120128اعع1 :101 ,رععطع0مءمع120 101 15لوه 10 ([ع1611023ع16 128أمطو1ع 
3240 ع7620626مع120 01 5ه16م1121م عطا 128ط115طواةء 10 2011111105 115 320 51361025 0ع01نا عطلا ط1 عنا155 متمااعع آم 
167011110112317 31120 01 25101ع1© نه 35 رعع2ة]515ع1 ع1025231م01 لطهة 2011621 01 ع01132م122 عطا جه نوجتمه1معع0 
عط 711 عع01032ع26 2[ رعأها؟ طاع2200 عطا 01 أمعمططة1اطماةء اأمعناوء515 عطا 12 ووعطع "1اععاء تاعطا 320 ,اء1اكممه 
01 أمعع0»02 عطا 5011011108 320 ز5عغ5]21 220 ,226105 ,560015 م1 30115 16 35 135 001212011 2610231 تلع 101 01 205ص ممعل 
.151 '8]1361025 0ع21لنآا عطا 101 كلتطتاماع 35 1177تتاعة5 10161122610121 نه 5كأء501 


مقلع لم عطا 01 3071111 11211111 ,001021311510 طأعمع1 1 ,8131005 ل0ع011لنا ,م0 نامكع] ممترعع اخ :125550105 
.(للمآط) 110 111260 82610021 ,12| تامع ]1 


* أستاذ بجامعة الأمير عبد القادر الجزائري, قسنطينة, الجزائر. 


اع أخم ,0251311 لأ لإأأواع/اأصلا مع30»! اع لطم 1أماع غ31 1مووع1م/مط 


1-2 


الثورة الجزائرية في الأمم المتحدة ل دراسات 


أولا: الحركة الوطنية الجزائرية: البحث عن المرجعية الدولية 


مفهوم السيادة هو مفهوم متداول في الفكر السياسي الحديثء وطبّقته الدول الأوروبية على فترات تاريخية متواليةء خصوصًا 
خلال القرنين التاسع عشر والعشرينء وآن له أن يُطَبْق أيضًا في المجتمعات والبلدان التي تعاني الاحتلال والسيطرة الأجنبية. و٠‏ © 
بُساهم ظهور تنظيم دولي فوق الأمم والشعوب في تقويض أركان النظام الاستعماري ويفتح جبهة أخرى من النضال السياسي والثوري 
والمسلح امام الشعوب المحتلة؛ إذ يدعو المجتمع الدولي في القرن العشرين إلى وحدات سياسية وكيانات اعتبارية وقانونية» تاخذ جزءًا 
كبيرًا من شرعيتها من التنظيم الدولي: عصبة الأممء ومنظمة الأمم المتحدة. ومن هذه الجبهة» تكون المنظمة الدولية قد ساءا © ' 
بشكل فاعل وحقيقي» في تحقيق استقلال الشعوب وبناء كياناتها السياسية. وعصبة الأمم - على غرار منظمة الأمم المتحدة - تنظيم 
دولي وعالمي» وهي تضم الدول» وذات بعد كوني لكل بلدان العالم» وآخر إنساني لجميع شعوب العالم على اختلاف أجناسهم وأصولهم 
ودياثاتهم: ووجدت الشهوب المستعمرة التى تعاني اللاأمن وعدم الاستقرار غرضها الوجودي في التماضن الشرعية من المنظمة ١‏ 7 
التي كان مبرر وجودها الأصلي هو حماية السلام والأمن وصيانتهما في كل العالم. 


كان أيار/ مايو 1945 شهر خروج العالم كله من ليل طويل لم تشهده الإنسانية من قبل» ففى هذه اللحظة تحديدًا بدأ أول فصل 
في تاريخ جديدء يعنى هذه المرة شعوب العالم المستعمّرة التى واتتها فرصة نهاية الحرب العالمية ونشأة منظمة الأمم المتحدة ي تنخرط 
في صراع مرير ضد الاستعمار بأشكاله كلها التي تعوّق تحوّل التاريخ إلى تاريخ معاصر تصنعه الدول وحركات التحرر المتطلعة إلى بناء 
الدول الحديثة. فلسياق ما بعد الحرب العالمية الثانية مغرّى مكتّف بالنسبة إلى الثورة الجزائرية لم يُفصح عن كل مكنوناته ودلالاته 
في لحظتهء بل يحتاج الأمر إلى إعادة قراءة تاريخية» خاصة عندما يتعلق الأمر بالجزائر وفرنسا؛ أي إِنّ بحث تاريخ الثورة التحررية 
من الجانبين يفيد في فهم التاريخ المشترك بينهماء فقد كانت فرنسا دولة مستوطنة في الجزائرء والجزائر مستعمَّرّة فرنسية» وإن التاريخ 
الحديث والمعاصر هو السياق الذي تحررت بفضله الجزائرء كما كان أيضًا السياق الذي هُزمت بسببه فرنسا. وهكذاء لا يمكن قراءة 
حدث الثورة بمنأى عن سياقه التاريخىء ولا بعيدًا عن السياسة الفرنسية» كما أن الثورة هى ذروة ما آلت إليه الحركة الوطنية الجزائرية 
في تعبيراتها وتشكيلاتها كلها. 

ساهمت منظمة الأمم المتحدة" في توضيح حقائق التاريخ الاستعماري في عصر جديدء هو عصر تصفية الاستعمار الذي اتسم 
بنوعية جديدة في العلاقات الدولية» خصوصًا الشرعية الدولية» وهى النظرية التى ارتقت إلى مبدأً يحكم الدول والمؤسسات الدولية 
لحظة ما بعد الحرب العالمية الثانية» وسارت على منواله البلدان المحتلة من حيث التماسه في وجه الاستعمار وأمام الأمم المتحدة. كما 
ساعد وجود المنظمة الأممية في إعادة قراءة التاريخ الاستعمارى في سياق مرحلة جديدة قوامها أن هناك هيئةً دوليةَ مهد إليها حفظ 
السلام والأمن في العالم. و"الحقيقة" التى كثيرًا ما التمستها السلطة الفرنسية أمام الأمم المتحدة» والقاضية بأن المسألة الجزائرية تُعدّ 
مسألة داخلية وشأنًا فرنسيًا صرفاء لا تعنى بأيٌّ حال المنظمة الأممية؛ فالجزائر» منذ عام 1834 هى مجال فرنسيء أي طوال أكثر من 
قرن» ولا يمكن السماح لأى طرف آخر أن يتدخل في قضية تخص السياسة الداخلية الفرنسية. 
1 منظمة الأمم المتحدة هي المنظمة التي جاءت قْ أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية ف عام 1945: بعدما أخفقت عصبة الأمم (1945-1919) قِ حفظ السلام خلال 
عشرينيات القرن العشرين وثلاثينياته. وقد جرى التفكير في المنظمة الأممية في سياق الحرب في عام 1943, خلال مؤتمر سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة الأميركية. 
أهم هياكل المنظمة مجلس الأمن الذي يضم الدول الخمس الكبرى في العالم» والجمعية العامة التي تضم الدول كلها التي استوفت الشرعية الدولية. كان لمضمون ما جاء 


في ميثاق الأمم المتحدة الدور المحفّز لبلدان العالم كلها في السعي لانتزاع الحق في تقرير المصير واستقلال الشعوب المستضعفة والمستعمرة» ومنها خصوصًا الجزائر؛ إذ أخذ 
قادة الحركة الوطنية يقدمون الدليل تلو الآخر على أن ما يجري في الجزائر احتلال» وأنّ الجزائر تتوافر فيها كل مقومات الأمة التي تجعلها ذات حق لإرساء دولة حديثة. 


123 





العدد 12 إلا طور تموز / يوليو 2020 
وده 
16101 


إن تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية» هو تاريخ البحث الدائم عن الاعتراف الشرعي بكيان جزائري قائم على ملامح أمة وشعب 
ومجتمع. كانت الحرب العالمية الأولى (1918-1914) حدثًا تاريخيًا غير مسبوقء» انتقل العالم بعدهء من الحقبة الحديثة إلى المعاصرة. 
ات آثائها ونتائجها بلدان الكرة الأرضية كلهاء على مختلف الصضعد والجوانب والمجالات. وكانث الحرب الكبرىء كما كان يطلق 
عليها في ذلك الوقت حتى عام 21939 حربًا أوروبية في بدايتها وتطوراتهاء لكنها انتهت إلى حرب عالمية» بعد أن اتسعت رقعتها إلى كل 
شعوب العالم» المستعمر والمستعمّرء في أوروبا كما في أميركا وآسيا وأفريقيا. ولعل من أهم نتائج هذه الحرب إرساء منظمة دولية جديدة 
تعمل على حفظ السلام والأمن في العالم. وبداية من مؤتمر السلام في باريس في عام 1919» أصبحت شعوب العالم تتطلع إلى التحرر 
5 ستقلال وبناء الدول القومية. 


حدت خراوة الحرب 00 قادة 00 قِ ذلك ا 30 تسحير 0 سياسة 00 تحنْب الإنسانية 7 أخرى تفلت من 


ات - قوى وفاععل د تحديد د مقومات السياسسة ا لويد وخصوصًا مدأ تفربر المصير 0 إل مؤسسة دولية 


جديدة عُرفت بعصبة الأمم ومقرّها مدينة جنيفء مركز العالم. في سياق ذلك التاريخ المعقد والمأزوم» شرعت الشعوب المستعمّرة عبر 
رموزها السياسية ومثقفيها ومحاربيها في الكفاح الوطني من أجل التّحرر والاستقلال» وأخذت تشكل الحركات الإصلاحية والوطنية 
من أجل الاعتراف بها باعتبارها كيانات وطنية ذات سيادة تستحق العضوية في المجتمع الدولي الآيل إلى التشكل والتكوين 


كانت الجزائر مستعمرة فرنسية» والجزائريون من الشعوب: التي شاركت في الحرب الكبرى ذقاعًا عن الإمبراظورية الفونسية: 
ومن وحي هذه التجربة التاريخية في حياة الجزائريين» اجترح بعضهم النضال والكفاح السياسي للمطالبة بالإصلاحات السياسية 
والاقتصادية, أو بتحقيق الاستقلال الوطني. ومنذ تلك الحقبة المدلهمة في حياة الجزائريين والعرب والعالم» لم ينقطع الجزائريون عن 
النضال والكفاح السياسي, ثم المسلح» وعن المطالبة بالاعتراف الدولي بالكيان الجزائري كأمة ومجتمع ودولة. وكانت الحركة الوطنية 
الجزائرية تملك الوعي بحقيقة السيادة» وعلى دراية بمفاهيم السلطة والاستقلال والدولة التي بلورها الفكر السياسي الحديث والمعاصر. 
انك الحركة الجزائرية تتحرك من قلب الحدث» ومن صلب التجربة التاريخية الحديثة» تناضل وتكافح ضدّ سلطة استعمارية» وأي 


2 تقدم الرئيس الأميري توماس وودرو ويلسون 1171502 :1110001015 35دمط1 بالنقاط الأربع عشرة إلى الكونغرسء في 8 كانون الثاني/ يناير 1918» في سياق نهاية الحرب 
العالمية» كمبادرة منه لترتيب الوضع العالمي ما بعد الحرب. وكانتٍ هذه المبادرة هي الإطار المرجعي الذي استند إليه زعماء العالم في مؤتمر السلام في باريس» ثم صارت الوثيقة 
المرجع في إرساء علاقات دولية جديدة في اطار تنظيم دولي جديد اطق ” عليه عصبة الأمم 5م2360 وع0 616ز500. وجاءت النقاط الأربع عشرة على النحو الأتي: 

. تقوم العلاقات الدولية على مواثيق غامةء وتكون المعاهدات علنية بة وغير سرية. 

: تأمين حرية الملاحة في البحار خارج المياه الإقليمية في السلم تعد إلا ما ينص عليه الاتفاق الدولي خلاف ذلك. 

. إالغاء الحواجز الاقتصادية بقدر الإمكان» وإيجاد المساواة بين الدول المتعاونة في المحافظة على السلام‎ ٠ 

٠‏ خفض التسلح إلى الحد الذي يكفل الأمن الداخي. 

وضع إدارة عادلة للمستعمرات تنقّ ما يحقق مصالح سكانها. 

٠‏ الجلاء عن الأراضي الروسية كلها والتعاون مع أي حكومة روسية يختارها الشعب. 

الجلاء عن أراضي بلجيكا وتعميرها. 

٠‏ الجلاء عن فرنسا ورد الألزاس واللورين وإعادة إعمارهما. 

' إعادة النظر قي حدود إيطالياء حيث تضم جميع الجنس الإيطالي. 

ْ منح القوميات الخاضعة للإمبراطورية النمساوية حق تقرير مصيرها.‎ ٠ 

٠‏ الجلاء عن صربيا ورومانيا والجبل الأسودء وإعطاء صربيا منفذا إلى البحر وإقامة علاقات جديدة بين كل دول البلقان مبنية على أسس قومية وتاريخية» وضمان 

حريتها السياسية والاقتصادية. 

ا 

بعث الدولة البولندية» حيث تضم العنصر البولندي كلهء وإعطاؤها منفذا على البحر وضمان استقلالها السياسي والاقتصادي دوليًا. 

. انناءخضصةالامم. 


124 





الثورة الجزائرية في الأمم المتحدة ل دراسات 


انتصار عليها يساعد في دفع باقي الشعوب المستعمّرة إلى الشروع في المطالبة بالحقوق والحريات والسيادة الوطنية. ولعل هذا الدور الذي 
اضطلعت به الحركة الوطنية الجزائرية بعد الحرب الكبرى هو الذي ساهم بعد الحرب العالمية الثانية في تأكيد حق الشعوب في النضال: 
باعتباره أفضل سبيل إلى استعادة الاستقلال» أو تحقيق شرعية بناء الدولة القومية الحديثة. 


حفل سجل التاريخ السياسي الجزائري طوال وجود الحركة الوطنية بمبادرات إلى المؤسسات الدولية والالتماس منها حق تقرير 
المصير والاعتراف الشرعي بالاستقلال. ومن المبادرات المبكرة في مجال المطالبة بحق الاعتراف بالكيان السياسي وتحقيق المصير هذه 
الرسالة/ المذكرة التي بعثت بها اللجنة الجزائرية - التونسية إلى لجنة تحضير مؤتمر السلام قبل عقده في 18 كانون الثاني/ يناير 1919, 
موجهة إلى الرئيس الأميري ويلسون نفسه. تذكر الرسالة التي كتبت بالفرنسية» بوحدة الشعبين التونسي والجزائري عبر التاريخ الطويل, 
كما تذكر بالأوضاع السياسية والوقائع التاريخية التي تسوّغ الحق كله للشعبين بالمطالبة بالاستقلالء وتختم بهذه الفقرة المكنفة حول 
غرض اللجنة الجزائرية التونسية من التماس مؤتمر باريس باعتبارها هيئة عليا من أجل تحقيق مطالب الشعبين التونسي والجزائري: 
"إن هذا الوضع - حرمان الشعبين التونسي والجزائري من حقوقهم [ كذا] الشرعية - يجب أن ينتهي» وإن سكان شمال أفريقيا يجب 
أن يتحرروا من الهيمنة التي فُرضّت وكرّست بالقوة الغاشمة. إن الشَّعبِين الجزائري والتونسي ضحَّيا بدمائهما في هذه الحربء كما 
ساهما في تحرير فرنسا وبلجيكا وتحرير الشعوب المسحوقة والمحرومة. أليس من العدل أن يخرج الشعبان الجزائري والتونسي من 
القمع ويتحرّرا من هيمنة القوة؟ لقد شاركاء منذ اللحظة الأولى في الحرب العالمية» ومن حقهما أن يشاركا في صنع السلام. وهل من 
العدل منعهما من أن يرسلا ممثلين عنهما إلى مؤتمر السلام من أجل المطالبة بتحرريهماء في الوقت الذي نجد لبعض البلدان مثل 
صربياء بولونياء تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا ... والذين سعينا إلى تحريرهم [...] ممثلين في هذا المؤتمر؟ 


طالب الشعبان الجزائرى والتونسى بالاستقلال التام. ويلتمسان من الضمير العالمي الاعتراف بحقهما في تقرير مصيرهما بكل 
حرية» ويتوجّه بمطالبهما الشرعية إلى مؤتمر السلام الذى سينعقد في غضون الأيام القادمة من أجل إعادة رسم خارطة العالم وصياغة 
المبادئ الجديدة من أجل صيانة حقوق وشرف الشعوب"©. 


بعد هزيمة ألمانيا وحلفائها في الحرب العالمية الأولى» عُقد مؤتمر باريس في عام 1919 لرسم مرحلة السلام المقبلة في أوروبا والعالم» 
على أمل تسخير كل ما يلزم لتفادى حروب في المستقبل. وهيمنت على المؤتمر فلسفة الرئيس الأميري ويلسون ومبادئه. خصوصًا 


3 رساك هذه الوثيقة تحت عنوان "مذكرة موجهة إلى مؤتمر السلام من اللجنة الحزائرية - التونسية» جانفي [كانون الثاني/ ناير ] 9" وتكشف الول على النحو 
الذي م صيغت بهء بوضوح 2 الوعي السياسي الذي امتلكه التونسيون والجزائريون في ذلك الوقتء كما تؤشر إلى بداية سليمة لاجتراح حركات وطنية تُطالب بالسيادة 
لشيخ صا الشريف التوقنيء مانن ل جافع الرخونة: توفين . 

0 حسين» مدرّس في جامع الزيتونة. تونس . 

محمد مد الشابي التونسي. 

محمد براز الجزائري. 

محمد بن علي الجزائري. 

امات عا الم العام 2 ا لكر كر لوحال 


25-9 .22 ,(1981 ,لآ]02 :ناعع اخ ) .0ن 2536 , له 1912-195 6165 1) 041267111 1101101101 71101/12111111 ,ل ملتتاعط اع طهخ1-مدع1 عى 0011016) ع110ه1ت 


125 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


ما عرف بالنقاط الأربع عشرة. وفي هذا السياق» تقدم الأمير خالد برسالة إلى الرئيس الأميري بصفته ممثل القوة العالمية الجديدة: 
الولايات المتحدة الأميركية» وعرض عليه المسألة الأهلية» وقضية الجزائرء ككيان يعاني الاحتلال والاستعمارء بالمعنى الذي تشير إليه 
النقاط الأربع عشرة» المتضمنة إمكان تجاوز العصر الاستعماري عبر مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها"). جاء في رسالة الأمير: "إننا 
تطالب بإرسال مندوبين عنّاء نقوم باختيارهم من أجل تقرير مصيرنا في المستقبل» تحت رعاية عصبة الأمم. وإن النقاط الأربع عشرة 
بشأن السلام العالمي» يا سيادة الرئيسء التي صادقت عليها وتَبنّها القوى الوسطى والحلفاءء يجب أن تؤخذ كأرضية من أجل انعتاق 
الشعوب الصغيرة وتحرّرهاء من دون تمييز في العرق ولا في الدين"©). والتوجّه إلى الرئيس الأميري على هذا النحوء ينمّ عن قيام الأمير 
بالتماس طرف اخر أعلى» يدعوه إلى التجاوب مع مطلب الجزائريين» بعد أن اعياه خطاب المطالب إلى الإدارة الاستعمارية والسلطة 
إكاباني باريس©. 


ثانيًا: الشرعية الدولية وحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره 


تمخضت فترة ما بين الحربين» ثم ما تلا مباشرة الحرب العالمية الثانية في عام 1945» عن مجموعة من الوثائق الدولية» حاولت 
أن تُخاطب الضمير الإنساني وتُشَرع لشعوب ودول العالم كلهاء وكانت ترمي إلى صوغ قانون دولي عام يحكم علاقات أمم المجتمع 
الدولى الجديد ودوله. في الوقت نفسهء رافقت هذا المنحى الجديد خطابات وأدبيات وشروحات فقهية وقضائية توضح المعاني الجديدة 
التي تنطوي عليها مفردات القانون الدولي الجديدء في ضوء العرائض والشكاوى والتظلمات التي تقدمت بها منظمات المقاومة وتحرير 
الشعوب المستعمّرة؛ إذ ما عاد القانون الدولى قاصرًا على الأمم المتطورة والقوية التى لها القدرة على التصرّف خارج حدودها القارية» بل 
صارت للأمم والشعوب الصغرى أيضًا القدرة على فهم وتقديم ما يشفع مطالبها من أجل الحق في إقامة الدولة الحديثة» وفق ما تقتضيه 
لكللبات الحياة السياسية الحديثة والمعاصرة©. 


سس منظمة الأمم المتحدة في عام 1945 في نهاية الحرب العالمية وبداية عملية السلام في العالم» عبر البحث والتماس مبادئ 
الشرعية وأسسها لتبرير وجود الدول في العالم وتعزيزها من أجل استحقاق مكانتها في المجتمع الدولي الآيل إلى التشكل. ومن النتائج 
المهمة التي رافقت نشأتها ونشاطها اللاحق» زيادة حدّة الوعي السياسي والقانوني بقيمة الاستقلال والحرية والسيادة التي صارت 
تُماتس على إقليم له حدود شرعية دوليةء سواء على اليابسة أم الأجواء أم المياه. وكان نصيب الجزائرء خصوصًا على صعيد الشعب 
إلكة الحركة الوطنية والإصلاحية» كبيرا جدذًا: أحداث أيار/ مايو 1945 وتذاعياتها على سياسة فرنسا الاستعمارية: وبداية أفول 
لاراطوريات الاستعمارية!6. 


4 الأمير خالد (1936-1875)» حفيد الأمير عبد القادر الجزائريء رائد المقاومة المسلحة. خاض تجربته السياسية على خلفية عسكرية نظامية سمحت له بأن يكون مرجعًا 
للإدارة الفرنسية والأهال على السواء. مثل الجزائريين 2 الهيئات البلدية وناضل قْ سبيل تمكين المسلمين من الحق 2 المواطنة. نفته سلطات الاحتلال إلى الخارج سبب 
مواقفه السياسية الجريئة خاصة توجيهه رسالة مطالب إلى الرئيس الأميري ويلسون» نوه فيها بوجود حالة استعمار في الجزائر» وبأنّ الجزائريين يمثلون أمة تستحق السيادة 
والاستقلال بدولة مدنية حديثة. حول تجربة الأمير خالد السياسية» يمكن العودة إلى: نور الدين ثنيوء "الأمير خالدء الهجرة والتجربة السياسية": مجلة الهجرة والرحلة, 
العدد1 (نيسان/ أبريل 2005)» ص 39-19. 

5 نور الدين ثنيوء إشكالية الدولة في تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية [الدوحة/ بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» 2015)» ص 155. 

6 ينظر ترجمة هذه العريضة والتعليق عليها في كتاب المؤرخ: أبو القاسم سعد الله» أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر, ج 2 (الجزائر: المئؤسسة الوطنية للكتاب:. 1986)» ص 
61-49. 

7 ثنيوء إشكالية الدولة. ص 155. 

8 المرجع نفسه.» ص 257. 

9 المرجع نفسه. ص 258-257. 


126 





الثورة الجزائرية في الأمم المتحدة 1 1 
رة الجزائرية في الأمم أ 015 دراسات 


كان حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية”"" أكثر التنظيمات الحديثة التي سعت بإلحاح شديد لأَنْ تبحث لنفسها عن موقع 
ضمن الحركات الوطنية في العالم التي ترنو إلى الاستقلال وبناء الدولة الحديثة؛ إذ قدّمت مجموعة من الوثائق السياسية© كشفت 
فيها عن فضائح الوجود الاستعماري الفرنسي في الجزائر» وحللت وخَلصت مع التبرير إلى أحقية الشعب الجزائريء في السياق الدولي 
الذي خلفته الحرب العالمية الثانية» في الاستقلال» الشرط الذى لا بد منه» من أجل بناء مؤسسات الدولة الجزائرية الحديثة. وكان أهم 
مسوّغ قدّمته حركة انتصار الحريات الديمقراطية وجود أمة جزائرية قائمة على ما تعارفت عليه وحدات المجتمع الدولي طوال النصف 
الأول من القرن العشرين: فالظاهرة الاستعمارية في الجزائرء عملت أكثر على إفراز التباينات والفروق والاختلافات بين الجزائريين 
المسلمين والفرنسيين» ولم تستطع فرنساء خلافًا لما زعمت**, أن تستدرج الجزائريين إلى الحياة الحضارية والمدنية الحديثة» بل وسّعت 
البون بين المجتمعين إلى حد الاحتكام إلى العنف والثورة. وهذا الاختلاف الجوهريء هو قوام شرعية استقلال الجزائريين لإدارة 
شؤونهم العامة بأنفسهم!3". 


وجدت حركة المقاومة الجزائرية سياقها في تاريخ العلاقات الدولية الجديد لما بعد الحرب العالمية الثانية من أجل الاستعجال بإرساء 
مؤسسات النظام السياسى القائم على إرادة الجزائريين» بعيدًا عن كل إكراه ومنَعْصات أو استبداد في الحكم. ففي أتون هذا الكفاح 
الطويل» تشكلت أكثر خصائص الأمة الجزائرية ومقوّماتها في مدلولها السياسي الحديثء ومن ثم أعطى المبرر القوي من أجل نيل 
حياة حرّة وكريمة. وهذا ما سجّلته وثيقة "الاعتبارات العامة" لحزب الانتصار: "فقد رافق وجود الأمة الجزائرية التي خضعت للاستعمار 


الفرنسي كفاح من دون هوادة» سعى الشعب الجزائري من خلاله لتحقيق تطلعاته المشروعة من أجل حياة حرة"7". ثم واصلت الوثيقة 
تأكيد هذا الحق استنادًا إلى الاعتبارات التالية: فمن خلال العودة إلى القانون الطبيعي الذي كان المرجع الحقوقي والفلسفي للفكر 
السياسي الحديثء وبناءً على الأخلاق العالمية» لم يعُد هناك من يقبل استغلال إنسان لإنسان» أو احتلال شعب شعبًا آخر. وتوالى 
"مسلسل" استقلال الشعوب والأمم بداية من العقد الثاني من القرن العشرينء إلى اليوم» حيث يثور الضمير الإنساني ضد الاحتلال 
الفرنسي للجزائر. كما أن حق الشعب الجزائري في الاستقلال قائم على مبدأ القوميات» وما ترتب عليه من حق الشعوب في تقرير 
مصيرهاء بحسب المقولة التي تنصّ على "أن لكل قومية الحق في أن تولي وجهتها نحو تشكيل دولة» وأن تحكم نفسها بنفسها بكل 


60 تنظيم سياسي ظير قِ عام 1946 باعتباره غطاءً شرعيًا لحزب الشعب الجزائري المحظور. تزغمه السيد مصالي الحاج حتى عام 1954.: بداية الثورة التحريرية. نشب 
خالاف قِ عام 21953 قِ ما غرف بالنزاع بين المصاليين مناضلي الخارج والمركزيين مناضلي الداخل مل حزب انتصار الحررات الديمقراطية لتيار النزعة الوطني 81 
2 الحركة الوطنية الجزائرية. 
31 المقصود هو مجموعة الوثائق التي صاغها المحلس المركزى الإعلام والوثائق التابع لحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية قِ الجزائر, قِ عام 1951» قِ ساد ا 
دولي لما بعد الحرب العالمية الثانية» والكثار والتداعيات السياسية والقانونية التي رافقت العلاقات الدولية» خصوصًا قسالة الشرعية الدولية؛ إذ عمد حزب مصالي الحاج إل 
تقديم ما يشفع للحزائر أ تحوز استقلالها الذي يؤّهلها إلى إرساء الدولة الخزادرية الحديثة. ووردت سلسلة الوثائق تحت عنوان "المشكلة الجزائرية" عى الحو التالي: 
6 1ل ,1/1110 ,0220610610115 وغااءط11 وع0 عطم د10 ع1 20111 اللاعططاع؟120111 جحل 12610طعمطدهعه0ك عل أء 26101 مطتم كمال عل1نخطعه 1م1دة [متططام) 
,1510711 '! 0 411217116 :4-45 .0م ,©10711157111ل1© ك0 أ0 70/111011 :3-46 .م ,212671211 /710110110 771011127116111 ©] :2-31 .مم ,كه 56071671 0115 11ه201151067) :01567101 
11 مط[ :تعتطغع 1ل ) .48 .م ,ركع آدرنا كلره11ه!! عدلاه أءمصك :63 .6 1١17017111112,‏ 06 070115 1ه 411617116 :6-50 .0م ,620710111101165 920/01104110115 '! :5-31 .مم 
.(1951 رع8606101 
2 وردت قِ وثيقة الاعتبارات العامة مجموعة من المزاعم التي نين عليها المشروع الاستعماري الفرنسي» » وهذه المزاعم هي : 1. المهمة الحضارية» 2. إنكار وجود أمة 
جزائرية» 3. الازدهار الاقتتصاديء 4. الزيادة الديموغرافية سبب تقدم الخدمات الصحية؛ء 5. سياسة الإاجحاف والظلم والعضرية (القوانين الاستثنائية) 6 الا 
الاندماجية. ينظر: 


19-20 .20 ,212671271 7705161116 ©[ 
3 تثنيوء إشكالية الدولة. ص 259-258. 
.6 ,012567171 7705167116 16 14 


127 





العدد 12 تموز / يوليو 2020 


0 
جح 
دح , 


0 


استقلالية"57. والأسس التي تقوم عليها الدول الحديثة» هي خلاصة تجربة الدول والإمبراطوريات الأوروبية في صراعها مع الشعوب 
المستضعفة والمستعمّرة؛ بمعنى أن حركات المقاومة ترنو إلى تطبيق الشرعية السياسية والقانونية وفق ما عرفته الدول/ الأمم الأوروبية, 
منذ بداية القرن السادس عشرء وليس انتهاءً بالدول التي تمخضت عن انهيار الإمبراطوريات الالمانية والعثمانية والنمساوية - المجرية, 
بعد الحرب العالمية الأولى (وثيقة ويلسون حول النقاط الأربع عشرة)ء ثم الحدود السياسية والجغرافية الجديدة لما بعد الحرب العالمية 
الثانيةء خصوصًا ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص في المادة الأولى» في الفقرة الثانية» على "تنمية وتطوير علاقات ودّية بين الأمم, قائمة 
على مبادئ الشرعية وحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسهاء واتخاذ التدابير كلها من أجل تعزيز السلم في العالم"©". وهكذاء كما 
تخلص الوثيقة» بناءً على هذه الاعتبارات وغيرهاء فإن للأمة الجزائرية الحق الكامل في أن تظهر باعتبارها دولة ذات سيادة مستقلة 
عن فرنسا!”". 


بالتساوق مع ما جاء في وثائق المنظمات والهيئات الدولية التي حرصت على تمكين الشعوب والأمم من الوحدات السياسية التي 
نا المجتمعات الصغيرة وتصونها في ظل الشرعية الدولية المستجدة: توه السيد مصالى الحاج بنداء68 إلى الأمم المتحدة التي كانت 
تعقد جاستها في عام 1948 في قصر شايوء باريس» ضمنه مجموعة من الاعتبارات والحقائق التاريخية والسياسية التي تبرّر استحقاق 
السيادة واستعادتها. واستهلٌ النداء بتوطئة تاريخية خصّها بعرض لمراحل الكفاح الذي خاضته الجزائر طوال القرنين التاسع عشر 
والعشرين. وذكر بعظمة رجالاتها الذين يذكرون النظام الإمبريالي الفرنسي ويبرهنون للعالم المتحضّر بالإرادة الشديدة للجزائر في أن 
سس حرة: ورفضها المعاناة تحت أي طائل» أو أي عدوان خارجى (69. 


بعد العرض التاريخي» ينتقل مصالي الحاج إلى تعزيز ندائه بالحيثيات الشرعية والقانونية التي تضمّنتها المنظومة الأممية ويذكرها 
بميثاق الأطلنطيء حيث نضّت المادة الثانية على ما يلي: "إن مُوقعي هذا الميثاق» يحترمون حق كل شعب في اختيار الحكومة التي يرغب 
العيش في كنفها. كما يرغبون في متح حقوق السيادة وحرية ممارسة الحكم إلى أولئك الذين حُرموا منها بالقوة". فالميثاق الأطلسي 
[1943) الذي صاغه كبار العالم في أثناء الحرب» وضع البنان على أصل الكارثة التي حلّت بالعالم: "مسألة السيادة". كما يذكرها بما جاء 
في نص ميثاق الأمم المتحدة ذاتهاء حيث ورد في المادة 73: "إن أعضاء الأمم المتحدة الذين اضطعواء أو سيضطلعون بمسؤولية إدارة 
أقاليم لا تديرها شعوبها بشكل كامل» يعترفون بمبدأ أولوية مصالح سكان هذه الأقاليم» ويقرُونء كمهمة مقدسة» واجب التفضيل 
الكامل لترقية هذه الشعوب وازدهارهاء في نطاق السلم والأمن الدولي الذي رسمه هذا الميثاق لهذا الغرضء وذلك كما يلي: 


وعدل وحمايتهم من كل التجاوزات. 


تنمية قدرتها (الشعوب المستعمّرة) على إدارة شؤونها بنفسهاء مع أخذ تطلعاتها السياسية في الحسبان ومساعدتها في تطوير مؤسساتها 
السياسية بحرّية» وبشكل متدرّج» تماشيًا مع مقتضياتها الخاصة بكل إقليم وسكانه» وبحسب مكانتها في سلم التنمية. 


.110.2 15 
...110 16 
7 ثنيوء إشكالية الدولة. ص 260-259. 
.8 .6 ,ك711) ١2110115‏ عدلاق أعممك 18 
4 19 


126 





الثورة الجزائرية في الأمم المتحدة 0 طور دراسات 
سطس 


© دعم السلم والأمن الدوليين» والعمل على نشر الوسائل الْبنّاءة للتنمية» وتشجيع أعمال البحث في ما بينهاء وإذا اقتضت الظروف ف 
امتغاماف الدولية المخصصة يبرسم الوضول الفعل ال الاحداف الاجتماعية والاقتصادية التى وردت في هذه المادة. 


موافاة الأمين العامء بانتظامء وعلى سبيل الإعلام بالبيانات الاقتصادية والمعطيات الإثنية كلها المتعلقة بالظروف الاقتصادية 
والاجتماعية والتعليم في الأقاليم التي تحت وصايتهم ومسؤولياتهم» غير تلك الواردة في الفصلين الثاني عشر والثالث عشر". أما المادة 
4 كما أضاف مصالي الحاج. لتبرير أحقية الشعب الجزائري في السيادة: فتشير إلى ما يلىي: "يعترف أعضاء المنظمة الأممية بوجوب 
قيام سياستهم على مبدأ حُسن الجوار في المجال الاجتماعي والاقتصاديء سواء في الأقاليم التي تدرج في نطاق الفصلين 12 و13» أو في 
أقاليمهم المتروبولية» مع مراعاة مصالح باقي العالم وملكياته"!. 


تلازم وجود هذه المنظمة الأممية مع تطلع الشعب الجزائري وباقى الشعوب في العالم إلى التماس مبدأ الشرعية الذي يضفى أحقيته 
في الوجود كدول ذات سيادة. وقد عمدت المنظمة إلى إنشاء مجلس الوصاية الذى ينظم ويرتب مرور المجتمعات والأمم المستعمّرة إلى 
دول ذات سيادة» ومن دول نحثت الوصاية إى دول 0 


ثم تنتقل الوثيقة» حرضًا منها على توضيح مسألة الدولة الجزائرية المنشودة والشروط الملازمة لهاء كي تشفع لها أحقيتها في كيان 
سياسي جديدء يضفي الشرعية على إرادتهاء أي قدرة الجزائريين على العيش معًا في إطار القوانين والواجبات وتداول الحياة الاجتماعية 
والاقتصادية والسياسية: الإجماع الوطني. ولعل أبرز العوامل التي صنعت هذه الإرادة الجماعية: كما تذكر الوثيقة» هو تاريخ حركة 
المقاومة التى شْنَت ضد الاحتلال طوال القرن التاسع عشرء ثم المقاومة السياسية ضدّ النظام الاستعماري2©. وكان تاريخ هذا الكفاح 
يستند بِرّمّته إلى حقيقة واحدة هي "الرّفض". والوقوف كطرف منافٍ للمستعمر»ء ومن خلاله تمخضت منه ملامح استقالال الشخصية 
القاعدية الجزائرية» وفي الوقت نفسه وصمت تصرّفات الإدارة الفرنسية وممارساتها بالاحتلال والاستعمار ومظاهر الاعتداء كلها 
على الشعب والمجتمع”*). وجاء الشعور بالاستقلال والوعي بهء نتيجة مقاومة القوانين المجحفة في حق الجزائريين التي أطلق عليها 
"القوانين الاستثنائية ". تمييرًا لها من القوانين المدنية والسياسية التى تساعد في بلورة سبل الانخراط في الفضاء العام» ومن ثم استحقاق 
حق المواطنة في الدولة المدنية الحديثة. وكان الرفضء أيضًاء على مستوى فهم القوانين وكشف الزَّيف والظلم المجحف فيها. وكانت 
المقاومة على هذا الصعيد تنم عن قدرة فيم سياسي وفع قانوي ومدبي أذى كله قِ نهاية المطاف» إل ضرورة فهم الوجود الفرنسي قِ 
الجزائر باعتباره نظامًا استعماريًا ينطوي على منظومة تنتج الظلم والتناقضات المنافية لروح العصر الجديد. ولعل في الفقرة التالية من 


00 سعت النزعة الوطنية؛ منذ جمعية نجم شمال أفريقياء أول تشكيلة سياسية ونقابية مات الجزائريين في فرنسا في عام 1926, لالتماس الشرعية والبحث عنهاء في إطار 
الظروف الدولية ٠‏ ونشأ نجم شمال أفريقيا قِ سياق التوصيات الاليفية الشيوعية التي عئرت عن طموحات الشعوب المستعمرة إلى الاستقالال والانعتاق والحرية. وبناءً عليه» 
حاول نجم شمال أفريقيا استغلال كل مناسبة دولية لتوكيد شرعية الكفاح وجدارة الجزائر لنظام سياسي ذي سيادة. وسبق له اف توجه برسالة إلى عصبة الأممء قْ ساد ا 
احتفاللات فرنسا بمرور مئة عام على احتلالها الجزائر. وانطوت الرسالة على بيان احتجاجي ضل هذه الاحتفالات التي وخزت الضمير الجزائري وحاولت ا تذكر العصبة بارا 
للجزائر : تاريخًا » كمأ ذكرت بالظروف التي سادت قبل الاحتلال» وزيادة منسوب الظلم والحيف والإجحاف باسم المعمة الحضارية الفرنسية قِ الحزائر. ثم سردت الوثيقة 
مكموع من الأرقام والمعطيات التي وفوخ الفروق الشاسعة التي أحدثها الاستعمار طوال مئة عام» قِ محال الزراعة والتعليم والخدمات. ينظر: 
71070-01710171 ©11011ارط رعطاع2316ع011) 171013120 عكى عطءة200 1 71310110 :12 ",1930 ,813605 وع0 غ161ه50 12 3 عطتدء2010-351 ع1اماط"'1 عل عنااء. 1" 

.51-5 .22 و(1994 ,]02 تتاعع 1خ ) معااغع21 12361022115126 جحل ع10ان'1 3 1اتكتع5 70111 161001513865 أء 1215ع10001111 
1 ثنيوء إشكالية الدولة. ص 263. 

.2 ,©011612316©12) ع عطعة13200 22 

3 ثنيوء إشكالية الدولة. ص 263. 


129 





العدد 12 2 تموز / يوليو 2020 


وثيقة الاعتبارات العامة ما يوضح درجة الوعى بحقائق الدولة المستقلة ومبرراتها التاريخية9©): "كان الغزو الاستعمارى (1830) للإقليم 
1 ائرىء من دولة أجنبيةء لا يُعلٌ مسا بالسيادة الجزائرية فحسب: يل اختراقًا سافرًا لقانون الأمم والأخلاق العالمية أيض|"69. 


هناك عامل آخر ساعد حركة المقاومة في التعبير عن إرادة وطنية منافية للنظام الاستعماري» وقد شكلت في ما بعد مادة اجتماعية 
ل "الإجماع السياسي"» من حيث التمسك بالثوابت التاريخية والحضارية: الدين واللغة العربية والعادات والتقاليد"©, وغير ذلك, 
وبتعبير الوثيقة: "لم تُجْدِ أصناف الاضطهاد السياسي والاجتماعي كلهاء من ظلم وجور ولامساواة» والاختراقات المتكررة والمختلفة 
لكرامة الشعب ولغته ودينه» كل ذلك لم يلجم الضمير الوطني عن الإفصاح عن نفسه. بل عزّزه ومنحه قوة الوجود الفعلي"/*'. ثم 
تُضيف الوثيقة» في فقرة لاحقة» ما يشبه الخلاصة المكثفة لظاهرة الاستعمارء كما أكدتها التجربة في الجزائر: "يساهم الفعل الكولونيالي, 
بدورهء في ظهور القوى المعادية لهء عبر إيقاظ الطاقات الكامنة؛ إذ خاض الشعب الجزائري امتحان البؤس والفقر والمعاناة» ولم يتوقف 
عن إبداء كرهه الشديد للنظام الاستعماريء وذلك في وقت عبّر فيه عن رغبته القوية في السعادة والحرية» ما جعل النزعة الوطنية تأخذ 
شكلا ديناميّاء وتتوجّه أكثر إلى الصراع» من دون هوادةء ضدّ قوى الاضطهاد والاستغلال» وهو ما تجسّدء في نهاية المطافء في الشعور 
الوطني الثوري للشعب الجزائري القائم على الكفاح من أجل التحرر"280. 


إن النظام الاستعماريء بناء على تحليل الوثيقة وخلاصتهاء يجب أن يتوارى ويترك مكانه للمجتمعات والشعوب المستعمّرة من 
أجل أن تستأنف حياتها الجديدة في إطار من المؤسسات الوطنية والدولية» القائمة على احترام الشرعية في مدلولاتها الحديثة التي 
تؤكد نبذ الحروب والاعتداء على الشعوب والأراضي والقوميات؛ وتؤكد في الوقت ذاته الاستقلال والتحرر واحترام السيادة(©. وفي هذا 
السياق» كما تخلص الوثيقة» فإنّ "الاستقلال يسمح للشعب الجزائري بأن ينتظم داخل المؤسسات السياسية» الاجتماعية ومن ثم 
التوجه نحو المستقبل"69. وهكذاء و"اعتبارًا لما سبق» فإننا نطلب باسم الشعب الجزائري» وتماشيًا مع الميثاق الأطلنطي وتوصيات 
الملدتين 73 و74 من ميثاق الأمم المتحدة: بضرورة تدخل المنظمة الأممية من أجل إيجاد حل للنزاع الذي يعترض الجزائر مع النظام 
الإمبريالي الفرنسي ". 


4 المرجع نفسه.ء ص 264. 
.8 . ,01267171 770516716 216 25 
6 ثنيوء إشكالية الدولة. ص 264. 
4 .5 ,012671671 770516716 116 27 
.1510 28 
29 2 ثلاثينيات القرن العشرين» خصوصًا مع المد الفاشي والنازيء يذ الوعي با الاستعمارء باعتباره ظاهرة تاريخية؛ يد يستنفد غرضه» وأنه أيل إلى زوال» وأنه ما عاد 
يتماشى مع عصر التطلع إلى الاستقلال والحرية. وف هذا المحال كتب السيد سعدون يحيى قِ عام 1937» قْ جريدة الأمة: "إن القمع الاستعماريٍ الذي طحن بوقع أقدامه 
شعوب المعمورة» وصل إلى نهايته المحتومة ويوشك على دورته الأخيرة. ٠‏ ويجحب أن يترك مكانه إلى علاقات أكثر إنسانية» منسجمة مع لمر الثابت الذي لا يتقادم: 


مساواة الأمم القائم على القاعدة الركينة للأخوّة بين الشعوب. إِنّ هذا المصير محتوم ولا بد منهء إِنْ بالعمل السلمي» وهذا محتملء أو بالعنف» وهذا مؤكد جدًا. والخلاصة, 
أننا نرى أن النظام الاستعماري برمته هو اليوم موضع رهانء وأنه مهدّد, وقد أعلن إفلاسه. وأننا لم نعد نتعلق بالثّرهات والتّفاهات التي عبئًا يحاول الاستعمار إقناعنا بأن 


الأمن صار مصونًا. لابل» كل الدلائل تشير إلى أن النظام الاستعماري سوف ينهار غدًا". ينظر: 


.(1937 67111 '[ 20) 07714 آم "'روعلوعة6 أء 5ع111 2211005 5ع علا ع11اء:20111 عتنا ة عع13م 12 7ع0م» 0016 0111 ع 01001211527 ع1 نكناد" رمجا52100 وتخطولا 
.4 30 
١01110115 1071165, 6.‏ عدران 4721 31 


130 





00 
الثورة الجزائرية في الأمم المتحدة لطبور دراسات 
0-7 


ثالثًا: من المسألة الجزائرية إلى القضية الجزائرية 


كانت المسألة الأهلية عمغع01ه1 «متاؤعس 12 تطرح في أدييات الإدارة الاستعمارية للإشارة إلى حالة الجزائريين المسلمين في 
المستعمرة» كما كانت تشير إلى إشكالية مخاطبة قوانين الأهالي المسلمين في الجزائر» أو مدى امتداد هذه القوانين إلى الإقليم الجزائري 
وسكانه المسلمين على وجه التحديد. وكانت تصدرء طوال القرن التاسع عشرء مجموعة من الدراسات والتقارير التي تؤكد كلها أنّ الوضع 
ف الجزائر يُطرح دائما تحت موضوعة المسألة الجزائرية: وبعدها صارت المسألة نفسها ُطرح على أساس المسألة الأهلية فى ٠١ ١|‏ | 
وتشير هذه الأخيرة إلى وجود مجموعة من اللوائح والتدابير والإجراءات الردعية والقمعية والزجرية التي تنفذ على الأهالي المسلمين في 
حالة مخالفتهم الوضع القائم في المستعمرة. وتوالت ترسانة كاملة من هذه القوانين الاستثنائية, عُرفت بمدؤّنة "قانون الأهالي" 046 
ع1 وأضحت تحكم المسلمين الجزائريين في موازاة قوانين الدولة الفرنسية التي تحكم المواطنين الفرنسيين» إِنْ في فرنسا 
أو في الجزائرء ويهدة التسمية والوضف» يكس المصتطلح خالة سكان لايخضعون للمدثية الخديثة: بقدرما ثقار اليهم بان 7" 
أصليون مستقرون في الجزائرء يخضعون لمجموعة من التقاليد والأعراف والشريعة الإسلامية» ويكرّسون رتابة تاريخية لا تتماشثى مع 
العصر الحديث. 


كان الجزائريون يطرحون المسألة الأهلية للتعبير عن وضعهم السياسي والمجتمعي» وكانوا يختزلونها في المطالبة بحق المواطنة, 
مع الاحتفاظ بنظام الشريعة الإسلامية في جانبها المتعلق بالأحوال الشخصية: أ نظام الأسرة ومتعلقاتهاء إضافة إلى العبادات وبعض 
حالات في المعاملات. كما جاءت في المذهب المالي. لكن تطوّرت السياسة الاستعمارية في اتجاه تكريس حالة من الفرقة والتمايز 
بين ل : الجزائرى" و"المستوطنين الفرة مي" الى وكانت 5 التشريعات الك 0 بالأهالى دوو دائرة 1 نة ومقيات” تملا 
مجتمعًا قائمًا وحده 005 أو على هامش الدولة الفرنسية. كان السيد فرحات عباس (1985-1899) يقول دائمًا إن الاستعمار وحده 
هو المسؤول عن الوضع الذي آلت إليه الجزائرء حيث يعيش مجتمعان تحت حكم واحد. وخلاف الموقف الفرسىء كان ممثلو الأهالى 
ومثقفوهم يطرحون المسألةً الأهلية في أفق التقارب بين الفرنسيين والجزائريين المسلمين كأفضل سبيل إلى المجتمع الواحد وإن تعدّدت 


إن الاستعمارء كما كان يرى الفيلسوف الفرسي جان بول سارترء منظومة تحكم وتفرز طريقة ونتائج في الحكم. وطريقة 
الاستعمار في الحكم أنه يعمل على التميّز وفرز عناصر السكان والتشديد على الاختلاف» ومن هنا وُصف بالنظام العنصري. لكن مع 
سياق ما بعد الحرب العالمية الثانيةء خصوصًا أحداث أيار/ مايو 1945: في الشرق الجزائرىء التى أعرب فيها الجزائريون عن تحفزهم 
إلى الحرية والعدالة» تغيرت الأطر التى كانت تُطرح فيها قضايا المجتمع الجزائرىء بسبب الوعى الجديد الذي امتلك الجزائريين 
ونوعية العلاقات الذولية» ولا سيما مع وجوة منظمة الأمم المتحدة باعتبارها سلظة عليا يمكن الرجوع إليها والتماس المساعدة ال ١‏ 7 
منها ومطلب شرعية تحقيق السيادة والاستقلال. وعمد مناضلو الحركة الوطنية الجزائرية» كما أشرنا في السابق» إلى رفع التقارير تلو 
التقارير لوصف ما يجري في الجزائر باعتباره استعمارًا تمارسه فرنساء وتأكيد أنّ هناك جزائريين يتعلقون بالوطن الجزائري ويسعون 
لرفع الظلم ويتطلعون إلى التحرر والانعتاق. إن الجزائر» مثلما ورد في وثيقة حركة انتصار الحريات الديمقراطية "من أجل الحريات 
الديمقراطية": أَمَّدَ قوامها اعتبارات من التاريخ القديم والحديثء كما أن المقاومة الجزائرية - في ظل الاحتلال الفرنسى - أبدت بسالة 
وجهادًا زادا من رصيدها التاريخي لتستحق به التحرر وحق تقرير المصيرء على نحو ما ورد ذلك في المواثيق الدولية. 


ما عاد بوسع المستعمر طمس حقيقة ما يجري في الجزائر من ظلمء وحيف واستغلال؛ إِذ ظهرت جهة دولية» مؤسسة عالمية, 
ل ا اس 


131 


العدد 12 2 تموز / يوليو 2020 


نير الاستعمار الفرنسي. في هذا السياق الدولي الجديدء صار الطرفان» الفرسي والجزائريء» يسعيان في اتجاه متناقض ومتعاكس لتبرير 
(سسة المستعمرة الحزائرية. ففرنسا تعتبر القضية الجزائرية مسألة داخلية» بينما يعتبرها المناضلون الجزائريون قضية جزائرية تمثل 
شعبًا قائمًا بذاته يطمح إلى التحرر ويلتمس الشرعية من المجتمع الدولى» أي إِنّ قضيته قابلة للتدويل. 


الثورة الجزائرية» في مسار الحركة الوطنية هى تواصل وانقطاع. تواصلء لأنها تواصل النضال والكفاح الذي خاضته منذ 
عشرينيات القرن العشرين» وانقطاع» لأنها ملت بداية جديدة لا تقتصر على العمل السياسي فحسب. بل أردفته بالعمل الثوري المسلح 
والدبلوماسية القانونية على الصعيد الدولي. فمع صدور بيان أول تشرين الثاني/ نوفمبر 1954 تلازمت في لحظة واحدة الحركة الثورية 
ارك السياسية والقانونية في اتجاه توكيد "الحقيقة الجزائرية" التي أضحت قضيةٌ وطنيةٌ يجب أن تغرف بها السلطة الاستعمارية, 


ويطلع عليها الرأي العام في العالم؛ من أجل حيازة الشرعية الدولية. الجزائرء بداية من 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 1954 هي أرض لمعركة 
مسلّحة ومجال عارك سياسية وقانونية في الداخل ونضال دبلوماسي في الخارجء وهذا ما رسمه بيان أول تشرين الثاني/ نوفمبر 1954, 
الصادر عن الأمانة العامة لجبهة التحرير الوطنيء في فقرة تعرّف القضية الوطنية في أبعادها الحقيقية التي تأخذ بالمعطى الداخلي: 
كما أنها تولي المعطى الدولي اعتباره المهم في السياسة الدولية والتوجّه نحو التحرير والاستقلال: 'الأهداف الداخلية: 1. التطهير 
السياسيء بإعادة الحركة الوطنية إلى نهجها الحقيقي والقضاء على جميع مخلفات الفساد وروح الإصلاح التي كانت عاملا هامًا في 
تخلفنا الحالي. 2. تجميع وتنظيم الطاقات السليمة لدى الشعب الجزائرى لتصفية النظام الاستعمارى. الأهداف الخارجية: 1. 


تدويل القضية الجزائرية. 2. تحقيق وحدة شمال أفريقيا في الداخل في إطارها الطبيعي العربي والإسلامي62. 3. في إطار ميثاق الأمم 
المتحدةء نؤكد عطفنا الفعّال تجاه جميع الأمم التى تساند قضيتنا التحريرية". 


الثورة الجزائرية» بدايةَ من تشرين الثاني/ نوفمبر 1954» هي ببان سياسي إلى العالم كلّه من أجل توكيد الحقيقة الجزائرية باعتبار 
الجزائر كيانًا يستحق السيادة» وتأكيد الحقيقة الفرنسية باعتبار فرنسا كيانًا استعماريًا يجب التخلص منه. وتعني بداية الثورة التحررية 


الكبرى إصلاح الداخل الجزائري الذي يتعلق بالمجتمع الجزائري» لكنها أيضًا إصلاح الداخل الفرنسى*6 الذي يتعلق بضرورة تصفية 
الاستعمار والسعى لاحترام القانون الدولي وصوع غ قواعده بالقدر الذي يستفيد منه الجميع. وبناءً ا فإن تلازم الكفاح المسلح مع 


2 إشارة إلى الخلاف الكبير والشهير بين المصاليين (أنصار مصالي الحاج وزعامته) والمركزيين (أنضار اللجنة المركزية لحزب انتصار الحريات الديمقراطية) » وما نج مخ 
هذا الخلاف من توجهات ثورية ؛وأخرى إصلاحية وأزمة ف مسار الحركة الوطنية قْ بداية عام 1953. وق هذا السياق» جاءت الثورة التحريرية معطا لتخطي المأزق القاتل 
الذي آلت إليه الحركة الوطنيةء وهذا ما يشير إليه بيان أول تشرين الثاني/ نوفمبر بشكل صريح وواضح: "أمام هذه الوضعية (المرحلة الخطيرة ( التي يخثى أن يصبح علاجها 
اسحيلا رأت مجموعة من الشباب المسؤولين المناضلين الواعين التي تجمّعت حولها غات العناصر التي لا تزال سليمة ومصممة» أت الوقت كان قد حان لإخراج الحركة 
الوطنية من المأزق الذي أوقعها فيه الأشخاص والتأثيرات ن لدفعها إلى المعركة الحقيقية الثورية إلى جانب إخواتنا المغارية والتونسيين". 

3 التطلع إلى وحدة بين بلدان المغرب العري» أو شمال أفريقياء كما كان يطلق عليه في ذلك الوقت هو خيار تاريخي واستراتيجي في حياة شعوب تونس والمغرب والجزائر. 
وكانت جبهة التحرير الوطني تعي قمالة وحدة بلدان شمال أفريقيا باعتبارها مطلبًا لا بد منه 2 طريق تحقيق الاستقلال الوطني . خيار الوحدة 2 الإطار الطبيعي العربي 
والإسلامي هو الإطار الانمب لكل بلد من بلدان المغرب العربي وللاتحاد الذي ينجم عن تضافر إرادة شعوب البلدان الثلاثة. وكان الى الاستراتيجي لخيار الوحدة القرية 
هو ربط ستقبل البلدان الثلاثة بمصير واحد - لأنها سوف تسلك طريقة واعدة هي هاس النظام السياسي المرتقب - يجب أضّ يتحقق 2 ظل التسادة الوطنية والشرعية 
الشعبية. قفي سياق تناول لمم المتحدة القضية الحزائرية قِ خريف 7؛» وبعد استقالال تونس والمقرب 2 عام 6؛ كتبت صحيفة المجاهد: "إن اعتراف فرنسا 
باستقلال الحزائر هو مفتاح كل شيع سواء لتسوية القضية الجزائرية أو لإقامة علاقات جديدة بين فرنسا وشمال أفريقيا أو حتى لإقامة اتحاد دستورىي صحيح بين تونس 
والمغرب والجزائر" » ينظر: المجاهد, العدد 11 1957/11/1. 

الميكة أن فوالة السيادة ضمن إطار دستوري مع الآخر هي سالة ترافقت مع الثورة التحريرية. وخيار وحدة المغرب العربي هو ايها خيار من جملة خيارات أخرى كانت 
تُطرح قِ الحمة الجزائريةء كما قِ الجحمة الفرنسية. بشات موضوع المجموعات الكبرى زمن الثورة الجزائرية» يمكن العودة إلى الدراسة القيّمة للباحث والمؤرخ الأميري تود 
عار 

1113-4 .62 ,(2012 13157161) 1 .120 ,(ى) 71/0710 '',01151101 اع 310 ا -تهاظ'! ,عتتغع اخ '0 ع1اعناع 12 أء '122165ء55ه 013205" 5ع عتتاعط'1 خى" ,لتتومعطد 1000 
04 بشأن صلة الثورة الجزائرية» أو حرب الجزائر بالتأثير في السيادة الفرنسية الداخلية والخارجية» يمكن العودة إلى الكتاب امهم لتود شيبار: 


.(2012 ر5ع38 كلكا أء 10501 :كلت 1) ©7071[ 4 | 170715017116 04 ©012617:1©71711 ©7©71007116 1171106 01117116711© ,1962 لنت معطد 1000 


1 





الثورة الجزائرية في الأمم المتحدة ل دراسات 


النضال السياسى هو حالة جديدة في الواقع الجزائرىء وفي الواقع الفرسى أيضّاء والصلة بين الواقعين هي التى صنعت وفرضت البعد 
الدولي للقضية الجزائرية التي صارت تتكفّل بها جبهة التحرير الوطني منذ بداية تشرين الثاني/ نوفمبر 1954 ثم جيش التحرير الوطني 
بعد ذلك؛ وصولا إلى الحكومة الجزائرية المؤقتة في أيلول/ سبتمبر 1958. ولعل هذا ما أوضحته وثيقة الفاتح من تشرين الثاني/ نوفمبر, 
عندما أشارت إلى ما يلي: "إن جبهة التحرير الوطني» لكي تحقّق هدفهاء يجب عليها أن تُنجز مهمتين أساسيتين في وقت واحد: العمل 
الداخلى» سواء في الميدان السياسي أو في ميدان العمل المحضء والعمل في الخارج لجعل القضية الجزائرية حقيقة واقعة في العالم كله, 
وذلك بمسائدة حلفاتنا الطبيعيية , 


برهنت الجمعيات والحركات والأحزاب الجزائرية عن وعي سياسي يواكب ما يجري في العالم وما تتطلع إليه الشعوب والأمم 
والقوميات» وعبّر عن ذلك بصورة سلمية في حينه» فور الإعلان عن اندحار النظامين النازي والفاشي وانتصار القوى الديمقراطية في 
العالم» في أيار/ مايو 1945. وبناءً عليه» فإنَ كل هذه الفترة التي جاءت سابقًا تمثّل ما قبل تاريخ الثورة التحريرية والقضية الوطنية في 
شقها السلمي والإصلاحي والسياسي, وهي الحقبة الزمنية التي مثّلت الرصيد السياسي والأيديولوجي الذي توكأت عليه النخبة الوطنية 
التي أعلنت الثورة المسلّحة على النظام الاستعماري. ْ ٌْ ْ 


لم يمرّ عام على تاريخ اندلاع الثورة الجزائرية» عندما قَيّدت القضية الجزائرية في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة 
في عام 1955» حتى صارت القضية الجزائرية تطرّح في كل سنة» بتوسط عربي وأسيوى ف أغلب الأحيان(65. وفي شباط/ فبراير 1957: 
اتخذت الجمعية قرارًا يوصي الطرفين» فرنسا وجبهة التحرير الوطني» بالسعي للتوافق على حل سلميء عادل وديمقراطيء استنادًا إلى 
مبادئ ميثاق الأمم المتحدة. وبذلكء تكون القضية الجزائرية قد أخذت تسميتها الحقيقية» ليشفع لها إمكان تداولها في دوائر الأمم 
المتحدة والتنظيمات التابعة لها. "القضية الجزائرية" هى التسمية التى آثرتها جبهة التحرير الوطنى باعتبارها مصطاحًا عربيًا في مقابل 
المصطلح الفرنسي عد 218611 55ناز006 الذى يتواصل مع خطاب الحركة الوطنية لما قبل الثورة. لكن تنطوى القضية الجزائرية. 
بالضرورة» على قطيعة مع خطاب الحركة الوطنية» لتُعبّر عن القضية الوطنية» أي إنها صارت تأخذ مفهوم الوطن الذي يعبّر عنه في 
الخطاب السياسى الجزائرىي الداخلى بالقضية الوطنية وبالفرنسية 28602816 156ه0. وكانت فرنسا تعترض على أى تدخل في شأنها 
الداخلى» أو النيل من سيادتها في موضوع الجزائر التى تعدها امتدادًا لها. وبحسب رأيهاء لا يحق للأمم المتحدة» طبقًا للمادة الثانية 
من ميثاقهاء التى تحظر التدخل في الشؤون الداخلية للدول» أن تتدخل في القضية الجزائرية69. لكن قبلت فرنسا مناقشة القضية 
الجزائرية على مضضء ورفضت أن تتخذ في شأنها أي توصية. ومع ذلك فسّرت جبهة التحرير الموقف الفرنسي بأنه تطور مهم في مسار 
الدبلوماسية الجزائرية الصاعدة. 


استدرّجت القضية الجزائرية في الأمم المتحدة الرأيّ العام العالمي باعتبارها قضية استعمارية بامتياز ومسألة يمكتها أن ترشد إلى 
مايساعد فق قتصفية الاستعمار. وادرحث القضيية ها عرف بمرحلة تصفية الانتعمار..وق. هذا السياق» تُقَدَم القورة لجز 011 


35 قِ الدورة الحادية عشرة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة. تشرين الأول / أكتوبر 6؛ تقدمت مجموعة من الدول العربية والاسيوية إلى تسجيل القضية 
الجزائرية في جدول اعمال الجمعية:ء بعدما تلت نص المذكرة من وفد جبمة التحرير الوطني . وهذه الدول هي: الخانستات: إيران» العراق» الأرقنة لبئان: لببياء البا 005 
الفلبين» المملكة العربية السعودية» سورية» اليمن. وجاء في مذكرة جبهة التحرير ات "الشعب الجزائري كله على رأيٍ واحد لدعم طلب تسجيل القضية الجزائرية لدى جمعية 
الاممة لاعتقاده ا تدخل الأمم المتحدة 2 النزاع الفرسي الجزائري سوف يساهم قِ توفير الشروط الضرورية من أجل حل سلمي للمشكلة". ينظر النص الكامل للمذكة 
التي تقدم بها وفد جبهة التحرير الوطني إلى الجمعية العامة في دورتها الحادية عشرة في: 

.787-790 .62 و(2004 ,0161085:] للدامةن) :اع 1ل ) 1954-1962 271510176 1© 0011711167115 ,ارال ع1 راع 1طاتلع1/ظ تلع 011 عك [طتتوط لع ممتممتقطامل/1 
36 جاء 2 المادة الثانية» البند السابع: "ليبس قِ هذا الميثاق ما يسوّغ لض المتحدة' ان تتدخل قِ الشؤون التي تكون من صميم السلطة الداخلية لدولة ماء وليس فيه ما 
يقتضي اعت 0 يعرضوا مثل هذه المسائل عن تحل بحكم هذا الميثاق» على 0 هذا للا له يخل بتطبيق 5 القمع الواردة ف الفصل السابع". 


153 





العدد 12 تموز / يوليو 2020 


0 
جح 
دح , 


0 


بشأن تحقيق هذا العهد الجديد. وفي الوقت نفسه. كانت تُقدّم المدّل بشأن إمكان إخفاق الاستعمار في مواصلة احتلاله الشعوبء وتُقدّم 
الل أيضًا على نفاد مسوّغات الاحتلال: فضالا عن قرائن وبراهين تؤشر إلى أفول الاستعمار 67. 


كان الطرف الفرنسي يُسَخَرء دائمّاء مجموعة من الملفات ليدَّعي بها أمام الجمعية العامة للآمم المتحدة أن القضية الجزائرية 
شأنُ داخلي. فالوجود الفرنسي قائم في الجزائر من خلال وجود مليون فرنسي» ولأن فرنسا صارت تتعامل مع الوضع في الجزائر بناءً 
على القانون الإطار الذي يسمح بديمقراطية أكثر وتمثيل لجميع السكان في الجزائر والمستعمرات الفرنسية في ما وراء البحارء تجاويًا 
مع توصيات الجمعية العامة في دوراتها السابقة» والذي كان من وجهة نظر فرنساء تطبيقًا للتوصية القاضية بالحل السلميء العادل 
والديمقراطي. كي وحلنت ريا علق ملسم يو ” التي راح ضحيتها مئات من سكان هذه البلدة» على يد عناصر جبهة التحرير 
الوطني» على ما تزعم فرنساء وحجتها أن الجبهة ليست طرفًا أمينّاء ولا تضم في صفوفها إلا الإرهابيين و"الفلاقة" والمغامرين» وفي 
أغلب الأحيان لم تكن تعترف بالمناضلين الجزائريين» بل كانت تعتبر أنهم دون وضع التمثيل» وأنهم ليسوا في المستوى الذي يمكن أن 
تتفاوض فيه فرنسا معهم. بعد ذلك» صارت فرنسا تقدم حجة مواجهة المد الشيوعي والإمبريالية السوفياتية في منطقة البحر المتوسط. 
خصوصًا في مخاطبتها أميركا والغرب. 


هذا في ما يتعّق بالطرف الفرنسيء بينما كان الطرف الجزائريء ممثّلَا في جبهة التحرير الوطني التي لم تجلس بعد في مواجهة 
فرنسا في منظمة الأمم المتحدة» يتمسك - عبر من يُسند إليه تمثيل القضية الجزائرية - بتوصيات الأمم المتحدة وقراراتهاء ويحاول دائمًا 
تفسيرها على النحو الذي يوصل إلى ما تطمح إليه شعوب العالم من سلم وعدل وأمن» والتطبيق الواضح والسليم لمبادئ ميثاق الأمم 
المتحدة. فالنصوص المتعلقة بالسيادة والعدل والديمقراطية واضحة, لأن جبهة التحرير كانت ترى أن الرُهان على الاستقلال أمرُ متعلق 
بالقدرة على التواصل مع التطورات التي تحصل قِ العالم وصداها قِ لاه المتحدةء وما توصي به من مقرّرات ولوائح وتوصيات. وهذا 
ما أجملته صحيفة المجاهد خلال دورة الجمعية العامة في عام 1957: "إن الشعب الجزائرى لا ينتظر من هيئة الأمم المتحدة أن تصدر 
توصية أخرى مائعة تجد فيها فرنسا مجالا جديدًا للعدوان وحرب الإبادة. إن الأمم المتحدة يجب أن تشعر بقيمة مسؤوليتها أمام هذه 
المعركة» وأن تتذكر أنّ لها ميثاقًا يبرّر وجودها وهو إنصاف الديمقراطية والسلم والعدل الحقيقي. إن الشعب الجزائري يريد أن يعرف 
أن العالم يقف إلى جانبه في معركته العادلة. وأن من واجب فرنسا أن تعترف صراحة بأن العالم لا يُقرّ الإجرام الاستعماري ولا يشجعه 
[...] هذا ما ننتظره من الأمم المتحدة في هذا الامتحان ونرجو لها مخلصين أن تنجح فيه"69. 


فى موازاة نشاطها الأممى» كانت الجبهة تخوض أيضًا نشاطا مكتّفًا على مستوى الحياة الدوليةء خصوصًا مجموعة البلدان 
الافريقية والاسيوية» وهو ما كان يعرف بعمل الجبهة في الخارج. وفي بداية عام 1956: اصبح نشاط الجبهة في الخارج واضحًاء فعلاء 
ومعتبرّاء كما أصبح يؤازر السياسة التحريرية التى تنشدها الجبهة. وكانت تونسء والقاهرة أهم العواصم السياسية لجبهة التحرير 
7 بشأن الدعائم والاعتبارات التي سجّلتها جبهة التحرير الوطني كسند يشفع لها إقناع الجمعية العامة للأمم المتحدة أن ما يجري في الجزائر هو استعمار تمارسه فرنسا 
على الجزائريين الذيوخ يدافعون عن الفسيه وتطلعوق إلى السيادة والاستقلال» ينظر: مذكرة الوفد الجزائري كن الأمين العام للأمم المتحدة؛ 22 تشرين الأول/ أكتويو 
6. وفي ضوء تلك الحيثيات كلهاء تختم الوثيقة بهذه الفقرة: "كل ما ورد أعلاه يدفع لصالح تدخل الأمم المتحدة في المشكلة الجزائرية. ولأن الجزائريين يميلون إلى حل 
سلمي عبر المفاوضات المباشرة معهم ومع فرنساء يعتبرون أن وحده الضغط الدولي العام الذي تُعبّر عنه الجمعية العامة للآمم المتحدة» هو الكفيل بجعل فرنسا تقبل مفاوضات 
حقيقية مع ممثلي الشعب الجزائري وبحل سلمي للمشكلة الجزائرية". 


38 المجاهد, العدد 11: 1957/11/1. 


1134 





الثورة الجزائرية في الأمم المتحدة 1 1 
رة الجزائرية في الأمم أ 015 دراسات 


منذ أن سُجَلت القضية الجزائرية في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة» صار النشاطان الدولى والخارجي لجبهة التحرير 
الوطني لا يهدآنء وصارا يتوجهان كليّا إلى البحث عن دعم متزايد للقضية الجزائرية وتعبئة الجبهة المناصرة لتحرر الشعوب وتقرير 
مصيرها. ففى عام 1958» وهو العام الذي درست فيه الجمعية العامة القضية الجزائرية رابع مرة» توشعت دائرة المؤيدين والمتعاطفة 
معهاء إلى كتلة الدول الآسيوية والأفريقية والعربية وبلدان أوروبا الشرقية» إضافة إلى الاتحاد السوفياق» القوة العظمى الصاعدة التى 
صار لها اعتبار على الساحة الدولية» بوصفها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن ونموذجًا تنمويًا جديدًا لنصف الكرة الأرضية تقرييًا. وكان عام 
8» مهما ومصيريًا في حياة جبهة التحرير الوطنى في الداخل والخارج» وكان حاسمًا أيضًا في الحياة السياسية الفرنسية التى شهدت 
عودة الجنرال شارل ديغول إلى الحكم وعرض دستوره الجديد على الاستفتاء في فرنسا وفي الجزائرء بعد سلسلة متواصلة من سقوط 
الحكومات, عبرت عن الأزمة الحادة التى مُنيت بها فرنسا في سياق الثورة الجزائرية. 


تعزّزت مكانة جبهة التحرير الوطني في مؤتمر طنجة*" في 30 نيسان/ أبريل 1958 حيث اتفق على العمل المشترك بين بلدان 
المغرب العربيء ورُسمت توجّهات نحو اتحاد للبلدان الثلاثةء والأهم من ذلك كلهء بالنسبة إلى الجبهة هو وجود السند الدبلوماسي 
لدولتين من الجوار الشرقي والغربيء إضافة إلى ملاذ للعمل المسلح الذي يعود إليه المحاربون الجزائريون. وفي عام 1958» كان ثمة 
سجال بين فرنسا وجبهة التحرير؛ إذ لم تتوانَ فرنسا في حشد أنصار لها من القارة الأوروبية والأميركيةء خصوصًا الولايات المتحدة 
الأميركية في عهد الجمهوريين** المتحفظين على مبدأ تقرير مصير الشعوب. 

أصبحت القضية الجزائرية جزءًا مهما من السياسة الدولية؛ تستقطب الجبهة المعادية للاستعمارء وتسترعي اهتمام سياسات 
باقي دول العالم» إن بالتأييد أو التحفظ أو الرفضء وهذا ما أوضحته المذكرة التي بعثت بها جبهة التحرير الوطني إلى الأمم المتحدة 
في أيلول/ سبتمبر 1958: "منذ الدورة الثانية عشرة لهيئة الأمم المتحدةء أصبح رأي العالم معروفًا بوضوح في نقطة مهمة» وهي أن 
المشكل الجزائري مشكل علمي بطبيعته وبالعواقب الناتجة عن تطوّره» بل إنه في إمكاننا ان نصرّح بان هذا المشكل تحوّل منذ مؤتمر 
أكرا - أفريل [نيسان/ أبريل] 1958 إلى نزاع فرنسي - أفريقي بعد أن كان فرنسيًا جزائريًا"7. في ذلك السياق التاريخيء كانت أهم 
العواصم والمدن المناهضة للاستعمار المستقطبة لأنصار التحرر والاستقلال هي القاهرة وأكرا وباندونغ» إضافة إلى بعض المدن الأوروبية, 
الغربية منها والشرقيةء حيث تنشط الأحزاب اليسارية» والتيارات المناهضة للإمبريالية والاستعمار والرأسمالية الاستغلالية. وكانت 


9 جاء مؤتمر طنجة في لحظة نوعية وفارقة في حياة الثورة الجزائرية وفي حياة شعوب المغرب العربي وبلدانه» حيث لم تكف الجبهة عن التعلق بفكرة اتحاد بلدان لجال 
الأفريقي باعتبارها استراتيحية ومصيراً وحركة تساعد في تحقيق الاستقلال. وفي هذا الصددء جاء في وثيقة إعلان الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية: "إن الجزائر ليست 
وحدها في هذه المعركة. فليفكر المسؤولون الفرنسيون في هذا. إن وراءنا قبل كل شيء تونس والمغرب اللذين ارتبط مصيرهما بمصيرنا منذ أقدم العصورء ومن المنطق أن تُنشئ 
الجزائر التي هي جزء لا يتجزاأً من المغرب العربي مع شقيقتيها اتحادًا فدراليًا. وإن مؤتمر طنجة يقرر هذه الحقيقة التاريخية . فالحكومة المؤقتة للجحمهورية الجزائرية تحافظ 
بأمانة على روح هذا المؤتمرء لأنها تؤمن إيمانًا عميقًا بأن الاتحاد الفدرالي لبلاد المغرب العري هو الطريقة الوحيدة التي تمكننا من إيجاد حلول صالحة للمشاكل التي تواجهنا 
وتفتح أمامنا آفاقًا تتناسب مع أبعاد العالم الحديث". ينظر: "تصريح الحكومة المؤقتة للحمهورية الجزائرية' ', المجاهد, العدد 30 1958/10/10. 
0 على خلاف الجمهوريين» كان الديمقراطيون أكثر انفتاحًا على قضايا الشعوب المكافحة من أجل التحرر والاستقلال» خصوصًا موقف السيناتور كينيدي الذي برز 
نجمه» بصفته شخصية سياسية إنسانية» في تعامله مع قضايا العالم؛ إذ صرّح في 2 تموز/ يوليو 1957 أمام لجنة الشيوخ للعلاقات الخارجية بما يلي: "إن الجزائر لم تعد 
مشكلة تهم الفرنسيين فقطء ولن تكون كذلك أَبدًا [...] وعلى الولايات المتحدة الأميركية أن تسعى بما أوتيت من نفوذ من أجل التعجيل بحركة استقلال سياسي للجزائر 
٠.٠٠ [‏ ومن واجب الولايات المتحدة أن تَهيَئ شروط وقف حرب الجزائر. فالموقف الحيادي لا يعني أي شيء: خصوصًا في نزاع يستخدم السلاح والاعتمادات المالية أدوات 
للسياسة الفرنسية [. ..] إن حرب الجزائر تواجه الولايات المتحدة في الأزق السياسي الحاد منذ حرب الهند الصينية " . هذه بعض مقتطفات من خطاب السيناتور كينيدي الذي 
تلاه أمام لجنة مجلس الشيوخ للسياسة الخارجية» حيث أوضح فيه مجموعة من الاعتبارات 0 تدفع الولايات المتحدة إلى صرف سياستها عن دعم فرنساء وأن ال 5 
الجزائرية هي حركة حتمية نحو الاستقلال التي لا تملك لها القوة الاستعمارية أي فكاكء وأنها تدرج في مسار حرب الهند الصينية في عام 1954 وهو العام نفسه الذي 
انطلقت فيه الثورة الجزائرية. بشأن النص الكامل مع التعليق والتحليل للسياسة الأمركية حيال حرب الجزائرء ينظر: 

1181-2 .26 ,(1996 ,113112311813 نآ :115 17) 1954-1962 ,760717101550712 14 0 ©0716 77160171710155 4[ ©0 ,412671'! 1© 115(لا-كاواط دعر! بأقطاعةل/ظا 1181 وتامطودك 


1 "مذكرة إلى الأمم المتحدة". المجاهد. العدد 17. أيلول/ سبتمير 1958. 





155 





العدد 12 إلا طور تموز / يوليو 2020 
وده 
16101 


القاهرة مقر جامعة الدول العربية التي تعززت في 1 تشرين الأول/ أكتوبر 1958 بعضوية تونس والمغرب» ومصر ما بعد ثورة 1952. وكانت 
القاهرة مقر الحكومة الجزائرية المؤقتة التي أسّست في 19 أيلول/ سبتمبر 1958. لقد كانت العاصمة الغينية أكرا تعد قلب أفريقيا النابض 
بالنضال والكفاح من أجل كسر طوق العبودية والاستعمار والأنظمة الرجعية. أما باندونغ» فتُوّجت بلقب المدينة الرمز في عام 1955 عندما 
استضافت أول تجمع عالمى عرف بمجموعة دول عدم الانحياز. ومنذ ذلك الوقتء ما انفكت دائرة المناهضين والمعادين للإمبريالية 
والاستعمار تتسع, وتتوطد جمة الأفارقة والأسيويين والأميركيين اللاتينيين. وق هذه الأجواء. فحت جبمة التحرير الوطني عن نفسها 
بصفتها طرفا مهما في الحياة الدولية: "لقد اكتشفت الجزائر مركزها الحقيقي بين مختلف شعوب العالم» وخاصة بين الشعوب المتحررة 
أو المكافحة من أجل حريتها في قاريّ آسيا وأفريقياء كما اكتشفت الجزائر دورها الهائل الذي تمثّله في معركة التحرير العالمية"2. 


رابعا: حكومة الجمهورية الجزائرية المؤقتة والأمم المتحدة 


عندما عُرضت القضية الجزائرية رابع مرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة» كانت جبهة التحرير قد وصلت إلى نضجها السياسي 
الذي مَكنها من تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية» وهي الهيئة التي شرعت في العمل السياسي والدبلوماسي الشاق من 
أجل تعزيز الموقف الجزائرى في الأمم المتحدة ومساندتهء خصوصًا على صعيد الاعتراف المتواصل بالحكومة المؤقتة. وتمكنت جبهة 
التحرير الوطني من تأسيس الهيئة السياسية التي تفاوض الطرف الفرنسي والأممي. كان مبرّر وجود هذه الحكومة هو التعامل مع 
القضية الجزائرية في مرحلتها الدبلوماسية والسياسية؛ إذ سارعت في أول تصريح لها إلى الإعراب عن عزمها خوض غمار المفاوضات 
مع الطرف الفرنسي في ملفات القضية الجزائرية كلهاء بما في ذلك الأقلية الفرنسية في الجزائرء وجاء في هذا الصدد ما يلي: "لقد كنا 
1 نوكد رغبتنا فى حل القضية الجزائرية حلا تفاوضيًاء لكن الرفض المتعئّت الذى قابلت به حكومات فرنسا طلب المفاوضة هو السيب 
الرئيسي في إطالة أمد الحرب [...] أما الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية”*) فهي مستعدة للمفاوضة [...] في أي وقت"47. وقد 
دشّن هذا التصريح حراكا دبلوماسيًا مكتّفًا ومُضنياء في سياق افتتاح الدورة الثالثة عشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل الدخول 
في مفاوضات تتناول القضية الجزائرية مع الطرف الفرنسي بالأصالة عن الشعب الجزائري» وليس عبر تونس والمغرب» كما كان يجري 
قبل ذلك. وجاء التنظيم السياسي الجديدء أيضّاء ليمكن الثورة التحريرية من الابتعاد عن الادعاء الفرنسي المتمثّل بأن الجزائر قطعة 


2 "ثورة خلقت شعًا", المجاهد, العدد 31: تشرين الثاني/ نوفمير 1958. 


3 جاء في بيان ميلاد أول حكومة حرة للجمهورية الجزائرية ما يلي: "جبهة التحرير الوطني الجزائري» جيش التحرير الوطني الجزائري» باسم الشعب الجزائري. 
نظرًا للسلطات التى خوّلها المجلس الوطنى للثورة الجزائرية إلى لجنة التنسيق والتنفيذ (لائحة 28 أوت [آب/ أغسطس] 1957)» فإن لجنة التنسيق والتنفيذ قد قرّرت 
تكوين حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية» وقد حدذدت تشكيلها كما يي: رئيس الحكومة فرحات عباس؛ نائب رئيس ووزير القوات المسلحة كريم بلقاسم؛ نائب رئيس 
السلاح والتموين محمود الشريف؛ وزير الداخلية محمد بن طبال؛ وزير الاتصالات العامة والمخابرات عبد الحفيظ بوالصوف؛ وزير شؤون المغرب العربي عبد الحميد مهرى ؛ 
وزبر الشؤون الاقتصادية والمالية احهد فرنسيس ؛ وزبر الأخبار محمد يزيد؛ وزير الشؤون الاجتماعية بن يوسف بن خذة؛ وزير الشؤون الثقافية احمد توفيق المدني؛ كاتب 
الدولة الأمين خان؛ كاتب الدولة عمر الصديق؛ كاتب الدولة مصطفى اصطنبولى. إن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية مسؤولة أمام المجلس الوطنى للثورة الجزائرية. 
وهي تباشر مسؤولياتها ابتداءً من هذا اليوم الجمعة 4 ربيع أول 1378ه. الموافق ليوم 19 [أيلول] سبتمبر 1958م, على الساعة الواحدة بعد الزوال بتوقيت الجزائر. 19 
[أيلول] سبتمبر1958". ينظر: "نص بيان تشكيلة الحكومة المؤقتة مع تعريف بكل الطاقم الحكومى". المجاهد. العدد 19» أيلول/ سبتمبر 1958 (طبعة خاصة). 

4 المجاهد,ء العدد 30: 1958/10/10. 


1536 





الثورة الجزائرية في الأمم المتحدة 1 1 
رة الجزائرية في الأمم أ 015 دراسات 


من فرنساء بحسب ما جاء في دستور الجمهورية الخامسة لفرنسا في عام 1958: إضافة إلى أن هذه الحكومة» هى التمثيل الناضج 
والمتقدم للشعب الجزائري الذي كثيرًاً ما كانت السلطة الفرنسية تتحجج بعدم وجود طرف جزائري للتفاوض معه. 


الحقيقة أن الحكومة المؤقتة جاءت في سياق نشاط دبلوماسي وسياسي دولي حافلء لا يعبر عنه التوتر بين الكتلة الشرقية والكتلة 
الرأسمالية الغربية فحسب. بل أيضًا في الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة التي أخذت تدرس قضايا العالم الجديد الذي أفرزه 
مؤتمر باندونغ في عام 1955 أو ما سيعرف ب "العالم الثالث" في الجانب المتعلق بتصفية الاستعمار. وحققت القضية الجزائرية نجاعًا 
لافنًا على صعيد الاعتراف الدولي المتزايدء وعلى صعيد تقدم وضعها في الأمم المتحدة؛ إذ دخلت القضية المحفل الدولي باتفاق كامل مع 
الوفود العربية والأفريقية9 والآسيوية من أجل استخلاص لائحة تنال حظها من المناقشة الواضحة لا يشوبها أي غموضء كما كان 
يجري في السابق؛ أي توضيح أن ما يجري في الجزائر هو حرب بين فرنسا والجزائرء ومن ثم الحصول على اعتراف» ولو كان ضمنيّاء 
بالحكومة الجزائرية المؤقتة من الأمم المتحدة. كل ذلك يجب أن يدفع إلى الاعتراف بحق الشعب الجزائرى في الاستقلال !8 
ودعوة الطرفين إلى التفاوض لوضع حدّ لهذه الحرب. كما أن أعضاء حلف شمال الأطلسي لم يساندواء في المطلق» فرنساء بل امتنع عدد 
مهم عن التصويت» تعبيرا منه عن أن القضية الجزائرية ليست على ما تدّعي فرنسا!9. 


5 سارعت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية إلى تحريك دبلوماسيتها وسياستها الخارجية نحو الأمم المتحدة ف محاولة حثيثة لإقناع المنظمة الأممية بالقد ا" 
الجزائرية والإصرار العنيد عل اعتبارها قضية تتعلق بتصفية الاستعمار وحق تقرير المصير. ومن هذا النشاط الدبلوماسي المذكرة التي رفعها محمد يزيد إلى سكرتير اله 
المتحدة: وجاء فيما ما يلي: : "بناءً عل أمر من حكومة الحمهورية الجزائرية» أتشرف با ابعة لحم بجذه المذكرة. 

إن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد اتخذت ف جلستها الثالثة عشرة قرارًا جاء فيه 'تتمنى الجمعية العامة إجراء محادثات واستعمال وسائل خاصة للوصول إلى حل 
يطابق | أهداف ومبادئ الأمم المتحدة. 

لم نا الحكومة الفرنسية» لأسف ولو خطوة واحدة ف سبيل تنفيذ قرار هيئة الأمم الشعدة نقذ أن اتخذ ذلك القرارء» وبقيت كل طلباتنا قِ إيجاد حل شامل للقضية 
الجزائرية على طريق السلم بدون رد. | 0 

والحكومة المؤقنة للجمهورية الجزائرية ابت إلا ان تكون المفاوضة مع فرنسا مباشرة. لم تحدث المفاوضة» كما لم يوجد اي اتصال مباشر أو غير مباشر بين الطرفين. 

ولا بد للأمم المتحدة أن تتدخل ٠‏ فهي وحدها الكفيلة بأن تحمل فرنسا على إنهاء عدوانها الاستعماري في الجزائر» وذلك بالدخول في المفاوضة' . نيويورك في 21 [تشرين الثاني] 
نوفمبر 1958" . يراجع نص المذكرة الكامل في: المجاهد,ء العدد 32: 1958/11/19. 

6 كان أهم دعم حازته القضية الجزائرية هو ما جرى في تشرين الثاني/ نوفمبر 1958 في أكراء في مؤتمر الشعوب الأفريقية» الذي صدرت عنه لائحة بشأن الجزائر» جاء 
فيها: "إن مؤتمر الشعوب الأفريقية المنعقد قْ اكرا يوم الاثنين 8 إلى يوم 12 كانون الأول/ ديسمبر 8 (...): 

يؤكد حق الشعب الجزائري في الاستقلال» ويستنكر السياسة المسمّاة إدماج الجزائر في فرنسا. 

يرفض كل قيمة للانتخابات الجزائرية التي أعدّتها ونظمتها وراقبتهاء ف ظل أوضاع خاصة وشروط معيّنة, الإدارة الفرنسية التي لا يمكن 9 تكون طرفًا وخصمًا قِ 
ذات الوقت. 

يدعو فرنسا إلى الاعتراف للشعب الجزائري بحقه الطبيعي في الاستقلال. 

أ تجرى عاجلاء مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية التي هي المعبّر الشرعي الحقيقي عن إرادة الشعب الجزائري, مفاوضات لتحقيق الاستقلال ووقف إطلاق النار. 
يحدد للأمم الصديقة لفرنسا نداء مؤتمر الدول الأفريقية المستقلة المنعقد ف أكرا ف 22 سات أبريل] أفريل 28 5 ترفض من الان تقديم أي مساعدة إلى فرنسا من 
أى نوع كانت 2 حرب الإبادة التي تسلكها ضد الجزائر. 

يدعو بقوة ة الأمم المتحدة أن توصي في وضوح لإيجاد حل سلمي للمشكلة الجزائرية بإجراء مفاوضات مباشرة بين الحكومة الفرنسية والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية» 
وأن تُحدّد أجلا ره لفتح هذه المفاوضات» وَأ تتخذ ل الوسائل العملية الناجعة لمساعدة الحكومة الفرنسية على قبول حل المشكل الجزائري عن طريق المفوضات المباشرة 
في أرض محايدة تضمن الكرامة والحرية لكل طرف: وهذا من غير شرط مسبق من أي نوع كان. 

تدعو بقية الدول والحكومات الافريقية. خاصة الدول الافريقية المستقلة 'غاناء غينياء ليبيريا والحبشة' لالاعتراف بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. 

توجه نداءً حارًا |إى الأقطار الأفريقية لتنظم 2 الشهرين القادمين يومًا للتضامن الأفريقي مع الجزائرء يُقام ف أققاته جمع التبرعات الشعبية لمساعدة الضحايا الجزائريين 
للقمع واستنكار الحرب الاستعمارية ف الجزائر بواسطة المظاهرات الشعبية والاحتجاجات والالتماسات ... إلخ". ينظر: "لائحة أكرا حول الجزائر": المجاهد, العدد 234 
4 ... 

47 صوّتت اللجنة السياسية على هذه الفقرة: "إن 'الحكومة الجزائرية' على استعداد تام للتفاوض". ما يعد اعترافًا ضمنيًا بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. 

8 صوّتت ات الات أغلية التلدن - إل صوت واحد [كذا] - على الاعتراف بحق الشعب الجزائرى في الاستقلال. 

9 المحاهد. العدد 34. 


137 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


بلغة الأرقام والمداولات التي تمت في الدورة الثالثة عشرة للجمعية العامة» بين 8 و13 كانون الأول/ ديسمبر 1958» يمكن أن نقرأ 
المشهد على النحو التالي: موضوع حق الشعب الجزائري في الاستقلال: وافقت عليه 39 دولة» وعارضته 15 دولة» في حين امتنعت عن 
التصويت 23 دولة. وواضح أن القضية الجزائرية حازت فعلا قدرًا كبيرًا من التأيبدء وأن مسألة تحرير الشعوب على مبدأ ميثاق الأمم 
المتحدة حازت أيضًا تقدمًا معتبرًا يساعد الحراك التاريخي في العالم على مزيد من المطالبة بالاستقلال. أما الموضوع المتمثّل بأن ما يجري 
في الجزائر هو "حرب حقيقية". فقد وافقت عليه وأيّدته 55 دولة» وعارضته 7 دول» وامتنعت عن التصويت 17 دولة. وتكشف هذه 
النتيجة» بدورهاء عن تقدم في وصف الحرب وتحديد شروطهاء وأن وصف ما يجرى في الجزائر باعتباره حربًا سوف يدعو منظمة الأمم 
المتحدة إلى ترتيب النتائج المنطقية» ومنها على وجه الخصوص دعرة الطرفين الجزائري والفرنسي إلى الجلوس معًا والتباحث من أجل 
وضع حد للحرب القائمة وتسويتها بالصورة السلمية التي يوصي بها ميثاق الأمم المتحدة, فقد أِدتها 40 دولة» واعترضت عليها و دول: 
وامتنع عنها 20 دولة. ولعل هذا ما يتبيّن في الفقرة لمتعلقة بالتفاوض مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية؛ إذ حازت هذه المسألة 
تأيبد 32 دولة» وصوّتت ضدّها 18 دولة» وامتنع عن التصويت 30 عضوًا6. فالنتيجة» في نهاية المطاف» تؤكد التوجّه نحو تعزيز "الوضع 
الجزائري" 6,16ع1ى'! 6ل انها ه.آ في الأمم المتحدة؛ وفي الحياة الدولية على اعتبار الحكومة الجزائرية المؤقتة طرفا أساسيًا في بحث 
القضية الجزائرية وتقرير مصيرها. 

الحقيقة» لم يكن نشاط الحكومة المؤقتة السياسي والدبلوماسي» كما سبقت الإشارة» نشاطا 0 بل كانت تحكمه أصول 
وضوابط وسوابق كانت تقيس عليها حتى التجربة الفرنسية ذاتهاء خصوصًا محنة "فرنسا الحرة" لحظة توقيع المارشال بيتان الهدنة 
مع النظام النازي. فما إن تم تشكيل الحكومة المؤقتة حتى عمدت إلى رسم وتطبيق سياستها الخارجية من أجل التوضيح السياسي 
والقانوني» وفي أفق كسب مزيد من الأنصار والمؤيدين للقضية الجزائرية» وكان قوام هذه السياسة المحاور التالية: 


إعلان عدم اعترافها بالالتزامات التى عقدتها فرنسا باسم الجزائر لتطبق على الجزائر أيضًا؛ مثل انخراط فرنسا فى حلف شمال 
الأطلسي في عام 1948 وعضويتها في السوق الأوروبية المشتركة في عام 1957. 
عقد بعض الاتفاقات الثنائية مع بعض الدول التى اعترفت بالدولة الجزائرية» والتى كانت لها فائدة مزدوجة: لأنه يؤكد السيادة 
الجزائرية ويبرزها في الميدان الدولي بصورة عملية. ويؤدي إلى تسجيل الاتفاقات في الأمانة العامة للأمم المتحدة. 
#ه انضمام الجزائر إلى بعض الاتفاقات الدولية» مثل اتفاقات جنيف و51194. 

قبل أن نختم هذا المبحث المتعلق بالدورة الثالئة عشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القضية الجزائرية» نُسجّل الارتياح 
الذى أبداه الوفد الجزائرىء مثلما جاء فى تعليق صحيفة المجاهد, التى انتتهت إلى التحليل التالى: "إننا إذ نحلل هذا التصويت ونحلل 
معنى الامتناع عن التصويت الذي لجأت إليه بعض الدول» ونحلل الأغلبية التي وافقت على اللائحة» نجد أنّ هناك تحوّلا أساسيًا 
قد طراً على الموقف الدولى من القضية الجزائرية» كما نجد أن تشجيعًا واضحًا قد تحقق من شأنه أن يدفعنا إلى مواصلة الكفاح حتى 
الاستقلال. إن التأييد المنخلص الذى ساعدنا به أصدقاؤنا والتحرج العظيم الذى وجدت فيه فرنساء والامتناع عن التصويت الذى لفت 
50 جاء في اللائحة السياسية ما يلٍ: "إن الجمعية العامة بعد دراستها القضية الجزائرية» تذكر بلائحتها رقم 1012 (الدورة الحادية عشرة) » المؤرخة في 15 [شباط/ فبراير] 
فيفري 1957 التي عبّرت فيها عن أملها في إيجاد حل سلمي ديمقراطي وعادل للقضية الجزائرية بالوسائل اللائقة المتمشية مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة". وأذكر كذلك 
بلائحتها رقم 1184 (الدورة الثانية عشرة) المؤرخة في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1957 التي عبرت فيها عن رغبتها في بدء محادثات بين الطرفينء والأخذ بالأسباب اللائقة 
لإيجاد حل للمشكلة الجزائرية» تبعًا لأهداف ميثاق الم المتحدة ومبادئه» واعترفت بحق الشعب الجزائري في الاستقلال» وأعلنت قلقها العميق من جرّاء تواصل الحرب في 
القطر الجزائري» واعتبرت أن الوضع الحالي في الجزائر يكوّن تهديدًا للسلم والأمن العالميين» وسجّلت استعداد الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية للشروع في مفاوضات 


مع الحكومة الفرنسية» وأوصت - بإلحاح - ببدء مفاوضات بين الطرفين اللذين يهمهما الأمر قصد الوصول إلى حل يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة". 
1 "وضعية الجزائر الدولية ونواحيها القانونية": المجاهد,. العدد 38: 8 رمضان 1378ه. 


136 





الثورة الجزائرية في الأمم المتحدة 0 طور دراسات 
سطس 


الأنظار والذي قامت به دول كانت بالأمس القريب تؤيد فرنسا تأييدًا أعمى. إن كل ذلك علامات يجب أن نقبلها بارتياح» وإن كل ذلك 
لايمكن إِلَّا أن يزيد فى تصميمنا على مواصلة النضال إلى النهاية"7©©. هذا التجاوب الإيجابي بين الحكومة المؤقتة والأمم المتحدة || 


القضية الجزائرية ترئقي إلى الضمير العالمي+ وتتفاعل معه كل الشعوب التي تشرتبُ إلى التحرر والاستقلال: كما أوجد جوًا عاها .-' 
إلى تصفية الاستعمار وتراجع الإمبريالية وانحسارها من مواقع جغرافية من العالم. 


كان عام 1959 مفصليًا في حياة الثورة الجزائرية» كما في الحياة السياسية الفرنسية» فقد أعلن الجنرال ديغول في 16 أيلول/ 
سبتمبرء أي بعد مرور عام على قيام الحكومة الجزائرية المؤقتةء حق الشعب الجزائري في تقرير مصيرهء وسرعان ما ردّت عليه الحكومة 
الجزائرية ببيان تاريخي في العاصمة التونسية» تلاه رئيس الحكومة فرحات عبّاس في 28 أيلول/ سبتمبر و195» وكان له الوقع البالغ في 
الحياة السياسية الفرنسية» كما أضفى حضور الصحافة الدولية» ومنها الفرنسية» على لحظة قراءة البيان البعد العالمي للقضية الجزائرية, 
إضافة إلى تعديل المركز السياسي العام بين فرنسا والجزائرء حيث صار في الإمكان التخاطب والتحادث والتفاوض مًا. 


سججلت الثورة الجزائرية في هذا البيان موققًا نوعيّاء ساقها نحو التدويل» فغدت القضية التي يتابعها الجميع ويتعقبها إلى آخر 
فصولها ويرصد تداعياتها المحتملة. ولعل ما يؤكد ذلك التوصيات والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. وال 1 
أن بيان الجنرال ديغول؛ ورد وموقف الحكومة المؤقتة» أَسّسا لسابقة مهمة في حياة الشعوب والأمم والدول في أرجاء العالم كلهاء فقد 
عمد عدد كبير من قادة العالم المحتل والمناصر لقضايا التحرر والاستقلال إلى احتذاء تجربة الثورة الجزائرية ومتابعة النشاط السياسي 
والديلومافى القرقبى فى مرحلتها | لتدلقة بمريحاة تصفية الالتعمار. ا 


ماذا ورد في بيان الحكومة المؤقتة من حقائق؟ 


حق تقرير المصير الذي ما عاد حقًا أخلاقيًا ومعنويّاء بقدر ما صار يناقش ويتداول على أساس أنه قاعدة قانونية تضبط العلاقات 
الدولية: خصوصًا بعل وجود فاعل ا حديد يحكم الحياة الدولية: ونقصد الامم المتحدة. الطرف المرجعى العابر للدول. ودخول 
القضية الجزائرية على هذا النحو هو تحقيق لأحد أهداف بيان أول تشرين الثاني/ نوفمبر 1954 الذي عبّر عن تدويل القضية الجزائرية. 
وفي قيمة حق تقرير المصير وأهميته» جاء في بيان 28 أيلول/ سبتمير و195: "أنه وسيلة ديمقراطية سلمية يتوصّل بها الشعب الجزائري 
للاستقلال الوطني. إن حق الشعوب في تقرير مصيرها المنصوص عليه في الأمم المتحدة» أي حق الشعوب في التصرّف في شؤونها بنفسهاء 
يعيد إلى الشعب الجزائري ممارسة السيادة الوطنية التي اغتصبها منه - حينًا من الزمن - احتلال عسكري لا تنتج عنه شرعية"1"). تلك 
هى الحقيقة الأولى التى تمثل حجر الأساس الذي استندت إليه الدبلوماسية الجزائرية الناشئة من أجل استعادة السيادة والتعبير 
الشعبى عنها من خلال إنشاء الدولة الجزائرية. 


© الحقيقة الثانية التى أكدها بيان 28 أيلول/ سبتمبر هى مسألة الوحدة الجزائرية» ليس على مستوى التراب وحرمة الإقليم فحسب» 
بل إنه يجب التعامل مع الكيان الجزائري الناشئ على أساس هوية قائمة بذاتهاء على اعتبارات التاريخ واللغة والدين والتطلع إلى 
مصير مشترك أيضًا. وكل هذه الاعتبارات التى تصنع الكيان الجزائرى الذى يرنو إلى الاستقلال هي التى تحدده؛ يتعرف بها على 


نفسه وبها يعرفه الآخرون» ولا تحتاج إلا إلى إطار دولاني 116و1001 حتى تنصهر في بوتقة واحدة لحمايته من الاندثار والتشرذم. وفي 
هذا الصددء جاء في البيان: "إن الذاتية (الهوية) التى تكوّنها الجزائر والوحدة الاجتماعية لشعبها هى عناصر موضوعية جوهرية. 


2 المجاهد. العدد 34. 
3 المجاهد., العدد 52, 1959/10/5. 


119 





ماله 


العدد 12 


بطل تموز / يوليو 2020 
حلم 


0910101 


ع 


ولهذاء فمن الوهم تطبيق المصير بكيفية لا تقرأ حسابًا لهذه الحقائق أو تهدف إلى تمزيق هذه الذاتية وتجزئتها إلى مجموعات عنصرية 
ودينية. إن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تذكرء زيادة على هذاء بمبدأ لا يمكن النيل منهء وهو وحدة التراب الوطني» وتعبّر 
عن عزيمة الشعب الجزائري التي لا تقهرء في معارضة كل محاولة تقسيم"7*ا. واضح من هذه الفقرة أنها لا تؤكد مسألة وحدة الجزائر 
السياسية والاجتماعية والإقليمية على أساس من التاريخ والحاضر فحسب.ء بل كذلك مستوى الإجراء التكتيي والفكر الاستراتيجي 
الذي يجب أن يحكم المحادثات والمفاوضات مع الحكومة الفرنسية» ولا يستبعد أن تسعى لكل أساليب التقسيم والتفتيت والتلاعب 
بمصير الجزائريين وسياسة التواطؤ للنيل من الاستقلال وإفراغه من مضمونه. 

الحقيقة الثالثة التي أكدها البيان هي الحرية والسلام اللذان اعتبرتهما الحكومة المؤقتة عماد العمل السياسي الذي تخوضه مع 
السلطة الفرنسية في الداخلء كما في الخارج. فتوكيد حرية الاختيار والمبادرة والتفكير هي التي تضفي الشرعية على نوعية النظام الذي 
يختاره الشعب الجزائري عبر ممثليه» ثم إن السبيل الوحيد هو حرية تقرير المصير وتحقيق الاستقلال» كما توصي بذلك لوائح الأمم 
المتحدة وقراراتها. وجاء في البيان: "إن الاستقلال الذي ينتج عن استشارة الشعب الجزائري بكيفية حرّة لن يكون مصدرًا للفوضى 
والبؤسء بل إن هذا الاستقلال» بالعكس من ذلكء يتوقف عليه كل تقدم حقيقي [...] ويضمن حرية الأفراد وأمنهم» وهو أخيرا 
يسهّل تشييد المغرب العربي والتعاون الحر مع جميع البلدان". إِنْ فهم الحرية على هذا النحو هو فهم إجرائي وعملي وبراغماتي» يستفيد 
من كل ما يمكن أن تحقّقه الحرية في الآن والمآل» بمعنى أن تقرير المصير أمرٌ حرٌ يرتب أوضاعًا سياسية تحكم الطرفين الفرنسي 
والجزائريء إضافة إلى الوضعية الجزائرية بين الأطراف الفاعلة في الحركة الثورية الجزائرية بعد الاستقلال واستعادة السلم. فالحر 5 
والسلم اعتباران للشرعية السياسية ولتحصين الوحدة الوطنية من احتمالات خطرة غير مرتقبة» ومن تلاعبات محتملة مثل موضوع 
لادراءء والتعرات الجهوية. 


خاتمة 


إن البحث في الثورة الجزائرية ودراستها في إطار العلاقات الدولية الجديدة وتاريخ العالم المعاصر بداية من الحرب العالمية الأولى 
يضفيان شرعية أكثر على وقائع التاريخ الجزائري الحديث منه والمعاصر. ولعل هذا ما ينقص البحث التاريخي للوحدات السياسية العربية 
بعد تجربة طويلة من الاستقلال. فقد توجهت الحركة الوطنية الجزائرية» بعد تأسيس عصبة الأمم» عام 1919. إلى البحث عن مرجع 
دولي يكون سندًا لدعم شرعية مطالبها السياسية؛ في الاستقلال» واستعادة السيادة» وإحلال الأمن والاستقرار في ربوع العالم كافة. 
التزمت الحركة الوطنية الجزائرية في أول عهدها بالنضال السياسيء استنادًا إلى المرجعية الدولية؛ من أجل تجاوز الوضعية 
الاستعمارية» والانخراط في علاقات دولية حديثة بالنسبة إلى الجزائر وفرنسا أيضًا. فقد كانت الرسائل التي وجهها رجال الحركة 
الوطنية إلى المنظمة الأممية تؤكد تقرير المصير للشعب الجزائري» والتفكير في صيغة سياسية للحكم تستند إلى الشروط الشرعية الداخلية 
والخارجية» وما جاء في رسالة الأمير خالد إلى الرئيس الأميري ويلسون في مؤتمر فرساي 1919» وما سرده المناضل مصالي الحاج» ممثلا 
عن جمعية نجم شمال أفريقياء في مؤتمر بروكسل 1927 حول مناهضة الإمبريالية والاستعمار: 
استقلال الجزائر. 
انسحاب وحدات الاحتلال الفرنسي. 


4 المرجع نفسه. 


140 





00 
الثورة الجزائرية في الأمم المتحدة لطبور دراسات 
0-7 


تفاعل الجزائريون مع السياسة بمعناها النبيل الذي يؤكد المجال العام بوصفه أفضل فضاء للحصول على الاستقلال وممارسة 
السيادة وتمثيل الشرعية. وقد كانت المسألة التي مثّلت محور حواراتهم ومطالبهم وسجالاتهم هي المسألة الجزائرية» أو كما كانت 
تطرح بصيغ مختلفة تعني أيضًا المحتل: المسألة الأهلية» المسألة الاستعمارية» المسألة الوطنية» وكلها تعبر عن إشكالية بحث موضوع 
العلاقة بين الكيان الأهلي المسلم والسلطة الاستعمارية في الجزائر. وكان قوام هذه الإشكالية ومؤدّاها نيل الحق في المواطنة» مع 
الحفاظ على نظام الأحوال الشخصية. ولعل سنة 1936 كانت لحظة مفصلية في تاريخ الجزائر والعالم أيضًا؛ حيث صعد التيار اليساري 
ب قرنها إي الحكبربقياةة رئيس الوزراء الجفيه ليون بلوع: زعبل وضديق الحاجم العام السابق موريس فيوليت صاحي مدر 0 -” 
اكثر من 20 الف جزائري من الجنسية الفرنسية» إضافة إلى المؤتمر الإسلامي الجزائري الذي جمع اول مرة في تاريخ الجزائر تحت 
الاحتلال كل الفعاليات الجزائرية من أجل تحديد وضعهم ومصيرهم» فضلا عن الحرب الأهلية الإسبانية التي استقطبت العديد من 
أحرار العالم المعادين للفاشية» واحتلال القوات الإيطالية الحبشة» وما كان ينذر به المد النازي الصاعد الذي توجس منه الجميع: 1٠‏ 


على مستوى هيئة عصبة الأمم في جنيف. 


لكن كل شيء آل إلى مسار آخر بعد الحرب العالمية الثانية. وارتسم في أفق الجزائر خيار الثورة المسلحة من أجل انتزاع الاستقلال 
واستعادة السيادة واحترام الشرعية» بعد المجازر التي ارتكبتها قوات الأمن الفرنسية في بعض مدن الشرق الجزائري وحواضره؛ ١‏ 
أيار/ مايو 1945: الذى اعتبر يوم الثامن منه يوم الظفر العظيم في كل العالم. فقد بات مؤكدًا أن الركون إلى المرجعية الدولية لتبرير 
الخيار المسلح أفضل سبيل إلى تصفية الاستعمار. وتاريخيّاء تحدد هذا بلحظة الميلاد الشرعي لبداية الثورة التحريرية الكبرى في تشرين 
الثاني/ نوفمبر 1954. 

ما بعد سنة 1945 تاريخ تأسيس منظمة الأمم المتحدة» هو الخط الملازم والموازي لنشاط النزعة الوطنية الجزائرية لدعم كفاحها 
السياسي ومؤازرته» مع تبني الخيار المسلح. سجّلت القضية الجزائرية أول مرة في مداولات الجمعية العامة للآمم المتحدة عام 1955: 
وهي السنة التي شهدت التأسيس التاريخي لحركة عدم الانحياز في باندونغ (إندونيسيا). ومنذ ذلك التاريخ» صار للثورة الجزائرية 
جبهة سياسية ودبلوماسية لا تنقطع عن الكفاح والنضال من أجل الاستقلال. تعزز عام 1958 بتأسيس أول حكومة مؤقتة للجمهورية 
الجزائرية برئاسة السيد فرحات عباس الذي سبق له أن صاغ أول بيان أجمع عليه رموز الحركة الوطنية الجزائرية» ووجهه إلى السلطات 
الأميركية العليا عام 1942. 


ونجم عن انتقال الثورة إلى الآمم المتحدة الحقائق التالية: 
توسعت الثورة الجزائرية إلى حركة تاريخية استوعبت ما سبقها وأخذت مجراها السياسي والثوري والفكريء وتحدد مصيرها نحو 
الاستقلال واستعادة السيادة وتكريس الشرعية الداخلية والدولية. 


© تحوّلت الثورة الجزائرية إلى نموذج دولي يمكن اقتفاء أثره بالنسبة إلى كافة الحركات الوطنية في العالم التي تناضل من أجل دحر 
الاستعماز والتطلع إل يناف الدولة اللحديعة؟» كما يخاظبها القانوق الدول العاده وكما تقفضيه الءلاقات الدولية الجديدة. 


© أخذت الثورة الجزائرية البعد المؤثر في السياسة الداخلية الفرنسية» التي شهدت سقوط العديد من الحكومات» فضللا عن عودة 
الجنرال ديغول إلى الحكم والتصديق على دستوره المنشئ للجمهورية الخامسة. 


ربط النضال الوطني بالنضال الأممي بوصفه أفضل مسلك لتعزيز الشرعية ودعم حركة تصفية الاستعمار. فقد مدت الثورة الجزائرية 
ما بعدها وساهمت في تعجيل استقلال عدد كبير من بلدان القارة الأفريقية. 


141 


العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


الملاحق 


تشمل مقررات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تناولت القضية الجزائرية بداية من أول تسجيل لها عام 1955. ويمكن العودة 
إل النصوص الفرنسية كما وردت في كتاب الدبلوماسي الجزائري خليقة معمرء ينظر: 
(2010 ,©8716 :تععلط) (1962-ل كدو "عاد نع له «منلوء :0 " ع1[ ن معت كء آنا 114110115 دعا بتتعصدكة كتلمطك] 
الملحق (1): الدورة العاشرة: 20 أيلول/ سبتمير 1955 
رئيس الجمعية العامة: السيد جوزى مازا 2/1328 1056 .7/1 [الشيي) 
رئيس اللحنة الأول * السير ليسلل مينرو 1/150 ءذاوع.آ :51 (نيوزيلاند الجديدة) 
القرار رقم وهو (50) 
الحم لدان 
قررت عدم متابعة في جدول أعمالها "المسألة الجزائرية": وبالتالى عدم توليها لهذه النقطة في جدول أعمالها 
للدورة العاشرة. ْ ٌْ 
الجلسة العلنية رقم 548 
5 [تشرين الثاني] نوفمير 1955 
الجمعية العامة الونائق الرسيي: 
الملحق رقم 9 (3116-م) 


الملحق (2): الدورة الحادية عشرة: 12 تشرين الثاني / نوفمبر 1956 - 18 آذار/ مارس 1957 
رئيس الجمعية العامة: الأمير وان واتايايكون (تايلاند) 
رئيس اللجنة الأولى: السيد فيكتور بلوند [البيرو) 
[مشروع قرار مقدم إلى اللجنة الأولى من قبل 
الحفية العامة اللسنة الذول 113165خ1 مفه فقا سفان» العويية السعوةية ييزمانياء بسدلان» عضر لدو نيسياء 
العراق» إيران» الأردن» لبنان» ليبياء المغرب» النيبال» الباكستان» السودان» سورية» تونس» اليمن. 
الخد العامة 
اعتبارًا للوضع في الجزائرء وما يسوده من نزاعات واضطرابات تسببت بمعاناة إنسانية كبيرة وخلخلة النظام بين الأمم 
هج ,266 ,392) 
اعترافًا للشعب الجزائري بممارسة حقه في تقرير مصيره وفقًا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة (ه14 ,270 ,365) 
ترجو الجانب الفرنسى إلى تلبية رغبة الشعب الجزائري في ممارسة حقه الأساسى ف تقرير مصيره (104 ,340 ,332) 
تدعو فرنسا والشعب الجزائري إلى البدء الفوري بمفاوضات فورية من أجل وقف أعمال العنف وتسوية سلمية للخخلافات 
ستهما وفقا لمبقاق الأنم الممحدة: 
ترجو من الأمين العام أن يساعد الأطراف المتنازعة على مباشرة مفاوضات وإعداد تقرير بذلك إلى الجمعية العامة في 
دورتها الثانية عشرة. 
ملاحظة: سحب هذا المشروع بعدما تم رفق الفقرة 1 


142 


007 
الثورة الجزائرية في الأمم المتحدة ١‏ را طور دراسات 


4-01-1116 الفيليبين» نايلاند» اليابان. 
الحبد العامة 
اعتبارًا للوضع في الجزائرء وما يخلفه من معاناة إنسانية شديدة بسبب الاضطرابات وضياع في الأرواح [,180 ,425 
دج1د) 
تقديرًا أن الوضعية غير المرضية التي تسود الجزائر في الوقت الراهن» يمكن تسويتها بفضل تضافر الجهود المشتركة 
بين فرنسا والشعب الجزائرى من ا إيجاد حل منصف وفمًا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة [4ىا1 ,250 ,372). 
تُعبّر عن أملها في أن تبذل فرنسا والشعب الجزائري مزيدًا من الجهد عبر المفاوضات المناسبة» بقصد وضع حدّ لإراقة 
الدماء والوصول ال تسوية سلفية الضعويات القائمة فرع ,اود دوا : 
121167 هه الأرحقينء البرازول» كدياء [يطالناء ا لنيروء بجمريورية الدوميتيك: 
الجمعية العامة: قرار 1012 (501) 
مشروع توافق قدّمته: الأطراف المشتركة التى صاغت مشروع 4-01-1166 ومشروع 167:آ-1 0-لر: أئ الدول التالية: 
1 اليابان» الفيليبين» تايلاندء ْ 
2 الأرجنتين» البرازيل» كوباء إيطالياء البيروء جمهورية الدومينيك. 
تبنت بالإجماع 
المح عامل 
بعد الاستماع إلى تصريحات الوفود المختلفة ومناقشة "المسألة الجزائرية". 
اعتبارًا للوضع في الجزائر الذي يتسبب بمعاناة شديدة وفقدان في الأرواح: 
عرب عن أملهاء في إيجاد حل سلمي وديمقراطي وعادلء في كنف من روح التعاون» وذلك عبر وسائل مناسبة وفقًا 
لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة. 
الجلسة العلنية رقم 654 
5 فيفرى [شباط/ فبراير] 1957 
العمية العامة الوثائق الرسمية 
الدورة الحادية عشرة» الملحق رقم 727 3-م) 


الملحق (3): الدورة الثانية عشرة: 17 أيلول / سبتمبر - 14 كانون الأول / ديسمبر 1957 
رئيس الجمعية العامة: السير ليسلي مينرو [نيوزيلاند) 
رئيس اللجنة الأولى: السيد زلال عبده (إيران) 
1 مشاريع قرارات أو تعديلات قدّمت في اللجنة الأولى 
14 عمف افعاستان» الغريية السعودرة» يرماناء ملا نومص غاناء |ندوتسياء العراق» الارذي» لينات» ليا 
المغرب» النيبال» السودان» سورية» تونسء اليمن. 
الجيية العا 
بعد مناقشة "المسألة الجزائرية", 
وتذكيرا بقرارها 2 (71) المؤرخ ف 5 فيفرى [شباط/ فبراير] 2.2957 
تأسف لعدم تحقق الأمل الذي كان معلقًا على هذا القرار, 


143 


ماله 


العدد 12 


عط تموز / يوليو 2020 
لم 


60516101 


ع 


تعترف بأن مبدأ تقرير المصير قابل للتطبيق على الشعب الجزائري, 
تسجّل أن الوضع في الجزائر لا يزال يسبب المعاناة الشديدة وخسائر في الأرواح البشرية, 
وتطالب بإجراء مفاوضات بقصد الوصول إلى حل يتماشى مع مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة. 
1-15 0-ى: الأرجنتين» البرازيلء كوباء إسبانياء إيطالياء البيروء جمهورية الدومينيك. 
الحمعية العامة 
بعد الاستماع إلى التصريحات المختلفة لمختلف الوفود ومناقشة "المسألة الجزائرية". 
اعتبارًا إلى أن الوضع في الجزائر لا يزال يسبب معاناة شديدة وخسائر في الأرواح البشرية, 
تسجّل بعض المحاولات لتسوية المشكلة عبر المساعي الحميدة لقادة الدول أو عبر المبادرات التشريعية في فرنساء وهي 
المحاولات التي تم إشعار الجمعية بهاء وتعبّر من جديد عن أملها في حل سلمي ديمقراطي وعادل» يتم الوصول إليه؛ 
في إطار من روح التعاون» عبر الوسائل الملائمة ووفقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة. 
1-16 4-0: تعديلات تقدّمت بها كنداء إيرلنداء النرويج» على الفقرة ما قبل الأخيرة للديباجة والبند الوحيد لمشروع 
قرار 1-1194 0-ه الموالى. 
اعترافًا أن الجزائر تتوجه إلى تحديد مستقبلها بالطرق الديمقراطية. 
تقترح إجراء محادثات فعلية ترمي إلى وضع حد للاضطرابات القائمة وإلى الوصول إلى حل يتماشى مع مبادئ واهداف 
ميثاق الأمم المتحدة. ْ 
التضووت عل هذه العذرلات د دو صونا نعم 6و ل د|مطاع. 
ملاحظة: مشروع قرار 1-1196 8-0» تم التصويت عليه ب 37 نعم» 37 لاء وامتنع عن التصويت 6» وبعد أن تم تعديل 
مشروع القرار هذا بالتعديلات 1-1196 ©-4 التى صودق عليها كأولية» تم التخل عنه من قبل أصحابه. 
الها يساق باصحاب مشروع 128:195 6 نه تصرحوا يعد الالحاح عليد:ى تصوية فى أول لجنة, 
11 الجمعية العامة. قرار 1184 (5211) 
قرار توافقي قدمهء في جلسة علنية» كل من: الأرجنتين» البرازيل» كوباء جمهورية الدومينيك؛ الهندء إيران» إيرلنداء 
إيطالياء اليابان» المكسيكء الترويج» البيروء إسبانياء تايلاند. 
الجمعة العامة 
بعد مناقشة "المسألة الجزائرية". 
تذكيراً بقرارها 2 (711) 5 فيفرى [شباط/ فبراير] 419577 
تعبّر من جديد عن انشغالها عما هو عليه الوضع في الجزائر, 
تَعرب عن ارتياحها لكافة المساعي الحميدة التي تقدّم بها صاحب السموَ ملك المغرب وفخامة رئيس الجمهورية التونسية. 
تُعرب عن أملهاء في إطار من روح التعاون الجدّيء في بدء محادثات؛ والتماس كافة الوسائل المناسبة» من أجل 
الوصول إلى حل يتماشى مع مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة. 
الجلسة العلنية 72610 | كانون الآول] 
ديسمبر 1957 
الملحق (4): الدورة الثالثة عشرة: 16 أيلول/ سبتمبر - 13 كانون الأول/ ديسمير 1958 
بين الجمعة الغامة:السيد شارل مالك ليان ) 


هو اجهووو 


مشاريع القرارات أو التعديلات المقدّمة إلى اللجنة الأوى 


14 


00 

الثورة الجزائرية في الأمم المتحدة لطبور دراسات 
سطس 
1 


1-12 )-ك: أفعانستان» العربية السعودية: .رقانا: ساب انا ند برسساء العراقء الاردن» ليبيرياء ليبياء المغري” 
النيبال» الجمهورية العربية المتحدة؛ السودان» تونسء اليمن. 

الجمعية العامة: 

بعد هنا ققهها "المسالة الجرائرية" 

تذكيرًا بقرارها رقم 1012 (5011) 15 فيفرى [شباط/ فبراير] 1957 الذي عبّرت فيه الجمعية العامة عن أملها في إيجاد حل 
سلمي وديمقراطي وعادل بالوسائل المناسبة ووفقًا لميثاق مبادئ الأمم المتحدة: 

تذكيرًا أيضًا بقرارها 1184 (511): قَّ 0 [كانون الأول] ديسمبر 1957: حيث عبّرت فيه الجمعية العامة عن رجائها في 
الشروع في محادثات» والتماس وسائل مناسبة بقصد الوصول إلى حل يتماشى مع مبادئ ميثاق وأهداف الأمم المتحدة, 
اعترافا بحق الشعب الجزائري في الاستقلال (234 ,150 ,398): 

منشغلة تمامًا بالحرب المستمرة في الجزائر (70,174 ,558)»: 

اعتبارًا للوضعية الراهنة قِ الجزائر التي تشكل تهديدًا للسلام والأمن الدوليين أذه2 ,عو «مج4اء 

تسجّل استعداد الحكومة المؤقتة للجحمهورية الحزائرية لبدء مفاوضات مع الحكومة الفرنسية [ل184 322,300): 
توصي بإجراءء حالاء مفاوضات بين الطرفين المعنيين (254 ,368,180)ء بقصد الوصول إلى حل يتماشى مع ميثاق 
الآمم المتحدة. 

1-1-3 4-0 : تعديل هايتي على الفقرتين الرابعة والسابعة من ديباجة المشروع 232 ,آ-1 4-0 الوارد اسثله 

اعترافاء وبموجب الفقرة الثانية من المادة الأولى من الميثاق» بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره بنفسه: 

تسجل أن الحكومة الفرنسية من جهة والقادة الجزائريين لحركة التحرير من جهة أخرىء عبّروا عن رغبتهم في الشروع 
في المفاوضات» 

تنويه» بعد رفض التعديل الأول ب 48 صونّاء مقابل [موافقة] 13 صونّاء وامتناع 19 صونّاء صرّح ممثل هايتي أنه لن 
يشدد على عرض التعديل الثاني على التصويت. 

عندئذ تم التصويت على المشروع 111232 4-0 الذي لم يعدذل» والذىي وافق عليه 32 صوثًا ضد 18 صوتاء وامتنع عن 
التصويت عليه 30 دولة. 

7[ الجمعية العامة 

في جلستها العلنية رقم 792: في 13 [كانون الأول] ديسمبر 1958: أبدت الجمعية العامة رأيها في مشروع القرار المقدم 
من اللجنة الأولى في تقريرها (8-4075). ولأنه لم يحظ بأغلبية الثلثين» لم تتم الموافقة على مشروع القرار. 


الملحق (5): الدورة الرابعة عشرة: 15 أيلول/ سبتمبر - 13 كانون الأول/ ديسمبر 1959 
رئيس الجمعية العامة: السيد فيكتور أندري بلواند علصسداء8 6تلمك رماع”؟ .21 (البيرو) 
رئيس اللحنة الأولى : السيد بلانزماتش 213021/3155 .71 (النمسا) 


1 مشروع قرار 246 :.آ-01)-لمر 


145 


20 


العدد 12 


م 
م تموز / يوليو 2020 
1م 
ل 


0510101 


ددا 


قدمته إلى اللجنة الأولى: أفغانستان» العربية السعودية» برمانياء سيلان» إثيوبياء غاناء غينياء الهندء إندونيسياء 
العراق» الأردن» لبنان» ليبيرياء ليبياء ماليزياء المغرب» النيبال» الباكستان» الجمهورية العربية المتحدةء السودان, 
تونسء» اليمن. 

الجمعية العامة 

بعل مناقشة "المسألة الجزائرية" ؛ [ل184 .4 طوواء 

تذكيرًا بقرارها رقم 1012 (361)ء في 15 فيفرى [شباط/ فبراير] 1957 الذي أعربت من خلاله عن أملها في إيجاد حل 
سلمي» ديمقراطي وعادل بالوسائل الملائمة» وتماشيًا مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة (184 ,4 ,وواء 

تذكيرًا أيضًا بقرارها 1184 (611:)ء في 10 [ كانون الأول] ديسمبر 1957 الذي أعربت من خلاله عن أملها في بدء المباحثات 
واستخدام وسائل أخرى من أجل الوصول إلى حل يتوافق مع مبادئّ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة (184 ,40 ,2وو): 
تذكير بالمادة الأولى. الفقرة الثانية» من ميثاق الأمم المتحدة [(4و1 ,30 ,وو)ء 

واعترافا بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره (494 ©1 ,615): 

منشغلة جدًا باستمرار الأعمال العدائية في الجزائر 20 ,30 ,587 

اعتبارًا أن الوضع الراهن في الجزائر يمثل تهديدًا للسلام والأمن الدوليين 

تسجّل ارتياحها لقبول الطرفين المعنيين 314 ,14 ,367 حق تقرير المصير أساسًا لحل المشكلة الجزائرية ,387 
31 ,)14. 

تطلب حالّا من الطرفين المعنيين إجراء محادثات من أجل تحديد الشروط الضرورية لوضع حيز التنفيذ» وبالقدر الممكن, 
حق الشعب الجزائرى في تقرير المصيرء بما في ذلك شروط وقف القتال 260,174 ,3872. 

ملاحظة: تم تبني التصويت على مجموع القرار ب 38 صونًا بنعم» و26 صونًا بلاء وب 17 صونًا امتنع عن التصويت. 
ولخشيتها من أن لا يحظى هذا القرار بالأغلبية المرجوّة 3/2 في الجمعية العامة» ترك لمصلحة مشروع آخرء الوارد لاحماء 
الذي قدمه ممثل الباكستان مباشرة إلى الجمعية العامة. 

11[ الجمعية العامة. مشروع قرار 276 .4-1 

تكو هق قبل الباكسفان: 

الحمفية العامة 

بعد مناقشتما "المسألة الحزائرية" زخ1د 30 ,دوو) 

تذكيرًاً بقرارها 1012 (261)؛ في 15 فيفري [شباط/ فبراير] 1957 الذي أعربت من خلاله عن أملها في إيجاد حل سلمى: 
ديمقراطي وعادل بالوسائل المناسبة وفمًا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة 224 ,30 ,551 ْ 
تذكيرًا أيضًا بقرارها 1084 (5011): 1 0 [كانون الأول] ديسمبر 1957 الذي أعربيت من خلاله عن أملها في بدء 
المحادثات» وفي التماس وسائل أخرى مناسبة بقصد الوصول إلى حل يتوافق مع مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة 
2:1 ,)4 ,551 

تذكير بالمادة الأولى الفقرة الثانية لميثاق الأمم المتحدة 254 ,20 ,232 

ومنشغلة جدًا بمواصلة الأعمال العدائية في الجزائر 224 ,20 ,567 


146 


الثورة الجزائرية في الأمم المتحدة 0 طور دراسات 
سطس 


تطلب حالا إجراء مباحثات بقصد الوصول إلى حل سلمىء على أساس الحق في تقرير المصير وفقًا لمبادئ وأهداف ميثاق 
الأمم المتحدة 25.4 ,407,160 
مالاحظة: بسبب عدم حصول هذا القرار على أغلبية 23/2 فلم يتم الموافقة عليه. 


الملحق (6): الدورة الخامسة عشرة: 20 أيلول/ سبتمبر - 20 كانون الأول/ ديسمير 1960 
رئيس الجمعية العامة: السيد فريدريك ش . بولوند 801224 .11 76063516 .21 (إيرلندا) 
رئيس اللجنة الأولى: السير كلود كوريا ه001 012006 :5 (سيلان): 
قرار 1575 (501) 
قدمته: أفغانستان» العربية السعودية» برمانياء سيلان» إثيوبياء غاناء غينياء الهند» إندونيسياء العراق» الأردن» لبنان, 
ليبيرياء ليبياء مالي» المغربء النيبال» نيجيرياء الباكستان» الجمهورية العربية المتحدةء السودان» تونسء اليمن. 
الجمعية العامة, 
بعل مناقشة "المسألة الحزائرية" (184 ,4 ,طوواء 
تذكيرًا بقرارها رقم 1012 (361) بتاريخ 15 فيفرى [شباط/ فبراير] 1957 الذي أعربت من خلاله عن أملها في إيجاد حل 
سلميء ديمقراطي وعادل بالوسائل الملائمة» وتماشيًا مع مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة: 
وتذكيرا أيغنا 59 4 (5211) بتاريخ 10 [كانون الأول] ديسمبر 1957 الذي أعربت من خلاله عن أملها فيذء 
المباحثات واستخدام وسائل أخرى من أجل الوصول إلى حل يتوافق مع مبادئّ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة: 
تأسف لأن المحادثات كما جاءت في القرار 1184 (5011)» لم تتمء 
تذكير بالمادة الأولى الفقرة الثانية» من ميثاق الأمم المتحدة (4و1 30 ,2وو)ء 
منشغلة جذًا باستمرار الأعمال العدائية في الجزائر 20 ,30 ,587 
اعتبارًا أن الوضع الراهن في الجزائر يمثل تهديدًا للسلام والأمن الدوليين 
تذكيرًا بقرارها 1495 (/01<)ء في 17 [تشرين الأول] أكتوبر 1960 الذي طلبت من خلاله اتخاذ التدابير البنّاءة فورًا بشأن 
المشاكل المستعجلة التي تمس السلام في العالمء 
تسجّل ارتياحها لقبول الطرفين المعنيين (314 ,14 ,367) حق تقرير المصير أساسًا لحل المشكلة الجزائرية 
/14د )14 م8 
اعترافًا بالرغبة الشديدة لتعلق كل الشعوب بالحرية وللدور الحاسم لهذه الشعوب في ارتياد الاستقلال» 
وعلى قناعة بأن كافة الشعوب لها الكامل في الحرية» وممارسة سيادتهاء وسلامة التراب الوطني, 
تم التصويت غل الديباجة ب ه8 صوئّاء مقابل ه ضدء و13 امتناتًا. ْ 
تعترف بحق الشعب الجزائري بحرية تقرير المصير وبالاستقلال (104 ,00 ,832). 
تعترف بالضرورة الملحة لتوفير ضمانات مناسبة وفعلية لتأمين أن الحق في حرية تقرير المصير يجب أن يوضع حيّز التنفيذ 
بشكل ناجح وعادل على أساس احترام الوحدة والحرمة الترابيتين للجزائر. 
كما تعترف أيضًا بأن الأمم المتحدة تتحمّل مسؤولية المساهمة في تنفيذ هذا الحق بشكل ناجح وعادل (702,100,144) . 
ملاحظة: في اللجنة الأولى» تضمّن مشروع القرار فقرة رابعة يمكن قراءتها على النحو التاي : 


17 


20 


العدد 12 


م 
بطل تموز / يوليو 2020 
1م 
لم 


0910101 


يم 


تقرر أنه سوف يُجرى استفتاء في الجزائر» ينظمء ويراقب من الأمم المتحدةء والذي من خلاله يحدد الشعب الجزائري 
بحرية مصير بلده برمته. 

حازت هذه الفقرة على [موافقة] 38 صونًا فقطء و33 صونًا ضدء وامتناع 23 صونًا. بينما حاز النص الكاملء بما في ذلك 
الفقرة الرابعة» [موافقة] 47 صوتاء ضدّ 20 صوتاء وامتنع 28 صونًا. 

في الجمعية العامة» قدِّم تعديلان: 

من قبرص - الوثيقة ]عفرا تضتنت التعديل التالي: 

توصيء تحت رعاية الأمم المتحدة, العبارات أدناه الواردة في الفقرة الرابعة من النصء أي : 

تقرر» ... تنظم» تراقب» تسهر. 

ديل لم يوافق هليه لعدم حصولة. فل أغلبية2/ وذولم هذا الاب صوثاءودة فرت وجا اماع عن التضويت» 
وثيقة قدّمها (334:آ-) (أحد عشر بلدا من مجموعة برازافيل: الكامرونء الكونغو برازافيل» ساحل العاج» الداهومي: 
الغابون» فولتا العلياء مدغشقرء النيجرء جمهورية أفريقيا الوسطىء السنغال» تشاد) : ظ 
القسم الأول: تدعو الأطراف المعنية إلى السعي فورًا لمفاوضات غير مسبقة وغير حصرية» تتضمن وقف إطلاق النار, 
وشروط تنظيم استفتاء حول تقرير المصيرء بما في ذلك الضمانات المتبادلة بين الأطراف المعنية وضمانات النظام الدولي ؛ 
القسم الثاني: توصيء بقصد تيسير الاتصالات وإجراء المحادثات» إنشاء لجنة دولية خاصةء تحدد التشكيلة ويعيّن 
أعضاوؤها بالاتفاق مع الأطراف المعنية بالنزاع . 

رُفض هذان القسمان على التوالي: ب 39 صونًا ضدء و31 صونًا مع» و25 امتنع عن التصويت» هذا من جهة: أما من 
جية أخرى: فصوّت 39 ضدء و22 نعم و16 أمتنع عن التصويت. 

ملاحظة: عندما عُرضّت الفقرة الرابعة من نص المشروع الموافق عليه في أول جلسة» لم يحصل إلا على 40 صونًا ضدء 
و40 صونًا نعمء و16 امتنع عن التصويت. ولأن هذه الفقرة لم تنل أغلبية 3/2: فقد رُفضت. 


الملحق (7): الدورة السادسة عشرة: 19 أيلول/ سبتمبر 23-1961 [شباط/ فبراير] فيفري 1962 
اليس لصم النافة: انبرد متيدي ليه | ون 
رئيس اللجنة الأولى: السيد ماريو أماديو 06خ 1/2110 (الأرجنتين) 
قرار 1724 (307) 
المقدم من: أفغانستان» ماليزياء غاناء العربية السعودية» برمانياء كمبودياء سيلان» الكونغو ليوبودفيل» قبرص, 
الوا ا ا ري كر ناا ور لبن لب لبا عن الت وري ااا 
الباكستان» الجمهورية العربية المتحدةء السنغال» سيراليون» الصومالء السودانء سورية» تانجنيقاء تونسء اليمن. 
الخمعية العامة» بعد متاقتها "المسالة الجزائرية": 
تذكيرًا بقرارها (1514797): 0 4 [كانون الأول] ديسمبر 1960 الذي صرحت من خلاله ضرورة وضع حد بسرعة وبلا 
شروط للاستعمار في كافة أشكاله ومظاهره: 
تذكيرًا أيضًا بقرارها (1573697)ء في 19 [ كانون الأول] ديسمبر 196 الذي اعترفت بموجبه بحق الشعب الجزائرى في 
0000007 


146 


الثورة الجزائرية في الأمم المتحدة 0 طور دراسات 
سل 


تقرير المصير يجد طريقه إلى التنفيذ بكل نجاح وعدل» وعلى أساس احترام الوحدة الترابية للجزائر وحرمتهاء وأن للأمم 
المتحدة أيضًا مسؤولية المساهمة في أن هذا الحق يُنَفْذْ بنجاح وعدل. 

منشغلة جدًا باستمرار الحرب في الجزائر, 

تسجّل أن الطرفين المعنيين أبديا استعدادهما للبحث عن حل تفاوضي وسلمي على أساس حق الشعب الجزائري في 
حرية تقرير المصير والاستقلال: 

تأسف لتعليق المفاوضات التى شرعت فيها كل من الحكومة الفرنسية والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية: 

تدعو الطرفين إلى استئناف المفاوضات من أجل وضع حيز التنفيذ حق الشعب الجزائري في حرية تقرير المصير 
والاستقلال» في إطار احترام الوحدة والحرمة الترابية الجزائرية. 


149 


العدد 12 14 تموز / يوليو 2020 


المراجع 
العربية 


. ثنيوء نور الدين. إشكالية الدولة في تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية. الدوحة/ بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة 
السياسات» 2015. 
٠‏ سعد اللهء أبو القاسم. أبحاث وآراء فى تاريخ الجزائر. الجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب» 1986. 


الأجنبية 
1 ,[]02) :نعو [خ .0غ 2576 . 1912-1954 122165) 01261111 1101101101 71011161116111 عل .كتعاط تع ط0خ]-موعل[ عكى ع10نة1ن) ,001101 ٠.‏ 


:5 .1954-1962 ,©7201171101550716 10 0 ©1550716 711601717110 0! 06 ,14196712 1© 7115لا-كاشاط كعء! .53120578 بأقطاعدك8ة 1] ٠.‏ 


.6 11311036]31']آ 
4 ,01610115آ1 طلة50ةن) :]ع5 1خ .1954-1962 111510176 1© 0011711167115 ,ارط ل[ عرال اع 1[متاع1/1 0111 عك 0ع 172لطقطه81ة ,1طتتجاط ٠‏ 


5 2ت 10001111161115 .1926-1937 ,71010-07101716 ©1011'رآ .011232©11) لع ممطقطهك/ة عكى 0نامخطةك/ة ,عاع 1200 ٠‏ 
و,لآا02) :اعم 1خ .طع11غع21 122610221151026 جحل علناغ"'1 3 تتاتكتعد 0111م 


دواع 5ع0 111012016 ع1 0111م أ2طع1201117612 011 26102 أطعمتتع00 ع0 أ 21102 1017م علوقطاطعءه 1551012لمقتططاهمن) ٠.‏ 


مي861©1316 150011177116 :اعى 1خ .212671271 7705/6716 6ل .111110 ,عتغع اش اه 012110115 مغل 


. (ى) 1/1/0110[ انع 1 ".011651101 داع 21-1126101 '1 رعاتاغع الخ 'ل عتتاعناع 12 أء '5ع1الطاعدطء 613205 وع0 عتتاعط"'1 خث" .1000 ,210مع52 ٠‏ 


10. 1 )13157161 2012(. 


,15738565كآ أء 13501 :180115 . 707122[ 4[ 170715011116 :0 012671611116 © 117110671100711 601111116111 ,1962 . 
مراجع إضافية 
٠‏ بشيرى» أحمد. الثورة الجزائرية والجامعة العربية. الجزائر: منشورات ثالة» 9و200. 
٠‏ بن حمودةء بوعلام. الثورة الجزائرية ثورة أول نوفمبر 1954: معالمها الأساسية. الجزائر: دار النعمان» 2012. 


٠‏ بوضربة» عمر. النشاط الدبلوماسي للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية: سبتمبر 1958- جانفي 60. الحجزائر: دار 
الحكمة؛. 2010. 


.2009 بوعزيزء يحيى. ثورات الجزائر في الفرنين التاسع عشر والعشرين. الجزائر: دار البصائرء‎ ٠ 

.1995 محتويات اتفاقيات إيفيان 18 مارس 1962. الجزائر: منشورات المتحف الوطني للمجاهدء‎ ._ ٠ 

٠‏ بوماليء أحسن. استراتيجية الثورة في مرحلتها الأولى: 1956-1954. الجزائر: منشورات المتحف الوطني للمجاهدء [د. ت.]. 
٠‏ دبشء إسماعيل . السياسة العربية والمواقف الدولية تجاه الثورة الجزائرية 1962-1954. الحزائر: دار هومة؛» 2009. 
٠الرفاعيء‏ محمد على . الجامعة العربية وقضايا التحرير. القاهرة: الشركة المصرية للطباعة والنشرء 1971. 


٠‏ صغيرء مريم. المواقف الدولية من الفضية الجزائرية 1962-1954. الحزائر: دار الحكمة. 9و200. 


150 


ْ 00 
الثورة الجزائرية في الأمم المتحدة لطبور دراسات 


٠المركز‏ الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمير 1954. الدبلوماسية الجزائرية من 1830 إلى 1962. الجزائر: 
وزارة المجاهدين: 1998. 


6101121 550131105م'! عل 016005]آ :ض5ع1اعتتحا8 .7011ل 1[ 1© 212671611116 101011111011 هرا .0ع 0نتتمتقطهك8ة ,تنامة زلع8 ٠‏ 
7 ,0612013165 1115165از وع0 


.6 ,(51!1[1[1 :اعع [خ .ع21111! 47116710116 11© 41967:16 0 16لككه لا .3666 4110 بتعناعمطع 86 ٠.‏ 


ع0 56061016 10101116[ :حتتة 2 .1946 كآلام 02 ©7:071+015[ 711011" 1 © ©1011 111:10[ 1© 7011110112 01011111011 را .1132015 ,13اع801 ٠.‏ 
ر,11106266م1115ا[ عل أء 01201 


.69 ,1201 :120115 .©/0/70-05101101 17110111©111©111 1,6 .771115ع:01آ[ 5112016 عك 120111105 ,211ط)-82011105 ٠‏ 
.(1961) 111ل ".ك4 اط ع1 أء ععمةخ1 هآ" .نوع ل اء لمعم 0031 ٠‏ 
.6 مو0016ع١آ‏ :3115 . كترعك ككل 07011 1ن 11011لتوندة'!] 1© ©1/ 111127710110110 ©07116 72011110155 0ر1 . 
.(1959) 21121 ".لخ خا2©) تتل 1211123100216 ع2122315532معع1 13" . 
2 21012 :23115 .1126716 آء ارا[ عرل .اتتطع لط -01311»5) ,100كة] ٠‏ 
.(1962) 4/1121 ".11015 1أقطه0» دعل أء 2165 دعل ه561 ع1 أء 1001531610مء06 هآ" .وعع0©018) تعطء5و1] ٠‏ 
.(1959) 2111 ".121611310131 011ل أء عاتغع اخ" .ع»1111ة 7/1 ,تكزه1 ]1 ٠‏ 
.(1960) 4111 ".223]10291ل1ع]1 01011 أء عممعتضغع 31 عترغو 1م" . 
.(1962) 4111 ".عا1تغع اده ع215؟3] 6أع 501171212 12 ع0 2 15" . 
,ونال للاخ :ناعع 1ل . (1954-1962) ,012671611112 116511011" 14 0 ©ع0/ 07115 7110110115 5ط .1121118 بتاع صممكة ٠.‏ 
,1!/1350610 015ج1"102 :23115 .2125671271 ©72702/16116 © .111012135 ,لتق ططتاء مم0 ٠‏ 
7 12101 :123115 .212671671116 1709560116 10 .11خ ,133500010 ٠‏ 
.158 ,210 :231215 .0112 1 اطلام ا 1[ آء 126716 كارا . 
6777 [-011031011) :120115 .710110115 5] 911176 ©211©117 1© 1701 . 
.(1948) 1.73 .241101 ".13610131عاط1 عل 1ه'1 عطقل تواط"'1 عل ععطملمعءم1"106" .5ه01311) ,للوء01155] ٠‏ 


اما ".وعلوع6 أء 5ع1101 2261005 5عل عة 20117116 عمتنا ة ععدام 12 “تعلق 0016 0111 ع01001211522» ع1 تتتاو" .72آطولآ ,503106010 ٠‏ 
.(1937 11657111 20 ) 0111110 


12101 :12115 . ©7"071>015ر 117 27:07110 21 012617:1©171 701101101151116 .311 اخ ,تكلة535 ٠‏ 


151 


٠.6 1 ٠. ٠ 
حصرهه‎ ١ [ صع بم حمع عم‎ 
0 أ‎ 0 ١ ع( ا‎ 
سد 5-. > للرياسة آذ‎ 
5-7 8 لآو ع6‎ 


الانتقال الديمقراطي وإشكالياته 


دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة 


صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 
كتاب عزمي بشارة الانتقال الديمقراطي وإشكالياته: 
دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة. وهو خلاصة جهد 


الانتقال الديمقراطي وإشكالياته 
دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة 


ونقدها لأنه يشخص بداية دراسات الانتقال فيهاء 
وصولا إلى دراسات الانتقال إلى الديمقراطية التي 
انطلقت في سبعينيات القرن الماضي. وينتقل إلى 
معالجة تطبيقية لمآلات تجارب الانتقال في البلدان 
العربية التي اندلعت فيها ثورات تغييرية وانتفاضات 


ا متوص ذا إلى قصور دراسات الانتقال في 


٠.‏ ل و [ذا 77 . || تنتاجات نظرية هي 
إلسهام عربي في نظرية الانتقال الديمقراطي. 


يتألف الكتاب (624 صفحة بالقطع الوسط؛ موثق ا 
ومفهرسًا) من 16 فصلًا؛ وزعها المؤلف في أربعة 
أقسام. 





0 


56 











ترجمة: مصطفى التليلي | ١اذا!‏ جطمج]دنالل* 


مقاريات في العلوم الأنسانية والاجتماعية 
مقالات مترجمة من اللغة الفرنسية 
65 2 0 50162665 50131 عطا ما وعطع ه010 مم 


طعمع 11 1م 2160 أكمة1 1 1115ل 


هذه ثلاثة مقالات مترجمة من اللغة الفرنسية صادرة في مؤلف جماعيء تتعلق بمسائل "التاريخ المقارن والتاريخ 
المتقاطع" و"البنيوية" و"تاريخ المصطلحات". وتشترك هذه المقالات في تقديمها مقاربات تثثري مناهج البحث في 
العلوم الانسانية والاجتماعية؛ إذ تحفز على الاهتمام بالتداخلات والتقاطعات بين هذه العلوم وما يقتضيه ذلك من 
اعتماد للمنهجية الملائمة, وتؤكد حيوية التلاقح المتبادل بين الاختصاصات المعرفية بما يدفع إلى التفكير والمراجعة 
وإعادة النظر والتعديل في استعمال الأدوات البحثية وفي التوصّل إلى الاستنتاجات. كما تسلّط هذه المقالات الضوء على 
أهمية التعامل مع المصطلحات والمفاهيم في تطور مدلولاتها وتنوع اس تعمالاتها وانتقالها من حقل معرفي إلى آخر. 
وبذلك تقدم هذه المقالات للباحث,. في العلوم الإنسانية والاجتماعية, رَؤُى وأدوات وطرقا ضامنة لفتح آفاق أوسع بشأن 
تحليل الواقع المعيش في شتى الاختصاصات. 

كلمات مفتاحية: التاريخ المقارن: التاريخ المتقاطع, الكتابة التاريخية, البنيوية: تاريخ المفاهيم. 


65 ©ط1 02612128© ,1701162 ع11اعة011ه 2 ا 0ع11552طنام عناع17 طاعمع] 1 جام لم21 اأممهنا د5ع1عئج ععقطا عدوعط 1" 
115 ".[0120108طاع 1 01 111510157 عط 1" 320 "بد له تناع بتك" ",11510157 1[ه0ماعع15ع1م1 له 111510157 عونتو مططهمن0" 
,1165 31201 5ع501626 506131 عط 12 17005عح2 طاأعتوعو5ع1 باعتتماء غأهطلا دعطعة10ممهة اعطاعتوعوع1 عطا تع 1ه 211 5ع1ء010 
8 1252 3201 50162065 112656 اعء 56117 121615611015 320 07711305 عطا ما أقع1ع1م1 عغنهالتتمطتاة ناعطا 5ه داعتامامهط1 
و 10 19205 17711212 ,وع112م1ء015 عامطعلدعة طاععت7اء5 01 11121157 عطا و5وع]؟ مه 97ع00010طاأعمة ع1اطهماانه عطا 
خاع1! ع5 2150 5ع1ع3161 ع5ع11 .151025ا1اع602 01 1128عدع1 عطلا 320 10015 باعنتوعوع1 01 ع11528 عط 15715128 مله رع متعكلصتطااء] 
01 5101 1153865 1[ع1 ,م10ع069 126321255 1[اع1 35 60026215 210 1112112010877 17111 عطتلدع0 01 ععطة]01محط1ا عطلا مده 
01 ع26ع506121-501 عطا تلع011 5م2111 عدوعطا اعناد مث .)ع2 عا 10 ع2 1 اماء15ل عه جم لع [لمطخطهنا عه لأاعطا 0ه رعوتع:11ل0 
62117 11170 3121592128 01 10117025 عا لطومعءء م1 17:35:5 165201511 310 ,10015 ردء17اععم15ع0 تاعطاء توعوع1 111111311115 

261055 73110115 115. 


.5) 01 111510177 ,511111111211511 ,51301157 1115]0110 ,11510117 0221 1اعع 10115 ,1115101 متهم طمن :145550105 


ء أستاذ التاريخ الحديث, نائب عميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية, جامعة تونس. 


.15انا] ]0 لإأأداع/اأطلا ردععمع51 [3أءع50 300 كمأ ومطنلا 1ه لإأاباعجط عط 1ه موعما عءأ/ا 300 /المغذألن دمرءله1/! 01 مدوع]ممرط 


155 


العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


“مط 0 برع يت لت ايت 





التاريخ المقارن؛ التاريخ المتقاطع 
للعغؤ5أمى ع أهؤ]واط رع 31م لام 6 أ15]0 ل 


رغم أن المقارنة تؤسس لكل عملية معرفية» فإنّ منهجيتها في الأسلوب التاريخي تكون مرتبطة بصفة وثيقة بالأحداث السياسية. 
في أوروباء أعطت حرب 1870» ثم الحرب العالمية الأولى» دفعًا لحركة مزدوجة لتعزيز التواريخ الوطنية ولتجاوزهاء كما توضح ذلك دعوة 
مارك بلوك ج810 .2 "من أجل تاريخ مقارن للمجتمعات الأوروبية". وأسفرت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية عن بحوث مقارنة كبيرة 
في التاريخ الاجتماعي والسياسيء شكلت فيها الدولة-الأمة الوحدة المفضّلة. ورغم القطع مع انغلاق الكتابات التاريخية الوطنية ومع 
استغراقهاء فإنّ هذه البحوثء مع ذلك» دمت رسوخها بالبحث في تحديد الخصوصيات والفوارق الوطنية عن مفاتيح لتفسير النزاعات 
الدولية» وتعدٌ أطروحة "المسار الخاص" الألاني ع»”50006 المثيرة للجدل مثالا توضيحيًا لذلك. ثم مثلت سنة 1989 ونهاية الحرب 
الباردة منعطفًا جديدًا. وفي حين كانت المقارنة تحتل مكانة مهيمنة» بصفتها أسلوب بحث وبناءً لمواضيع في ظرفية سياسية تتميز بمنطق 
التعارض بين كتلتين» فإِنّ المعطى السياسى الجديد ساهم في تثمين مقاربات مخصصة لدراسة العلاقات والتداولات وعلاقات التبعية 
المتبادلة بين مختلف أجزاء العالم. وينتمي التاريخ المقارن إلى تلك العائلة من المقاربات العلائقية» على غرار تاريخ الاختلاط والتداولات 
بالنسبة إلى الفضاء الفرنكوفونيء والتواريخ المتشابكة والمتقاسمة والمترابطة بالنسبة إلى الفضاء الأنكلوسكسوني. ويتمثل قاسمها المشترك 
في تحويل التحليل بالنسبة إلى المونوغرافيات المقارنة المركزة على وحدات ترابية محدّدة نحو العلاقات التى تخترق هذه الوحدات وأوجه 
الترابط التي تشكلها. وينجم عن إعادة التعريف هذه بالموضوع تحؤّل ني الوقت نفسه؛ تجريبي ومنهجي وإستيمولوجي. 


أولا: من المقارنة إلى التاريخ المتقاطع 


التحوييلات مدينة لتحفيزات المخبر الفرنسي - الألماني. 
1. المقارنة والوطنية المنهجية 

يكمن مجال اختصاص المقارنة في المواجهة المنطقية بين وحدات مختلفة» يحبّذ أن تكون متعادلة» حتى يتمّ تسليط الضوء 
خاريقة متباينة على مسألة أو قضية مشتركة: من خلال إبراز مظاهر الاختلاف والتشابه. ويكون اختيار سلم المقارنة حاسمّاء ويتمثل 


كار يرة فكوقء تحت هاحس العناسقءممائلة:بالنسية إلى كل الوحذاث» وإن شتملة هذه المقارثة مسعوى شية أو.فوقوطى : 
وفضّلت سلما صغيرًا أو كبيرّاء فهى تتخذء غالّاء منطلقًا لأصناف ووقائع حددتها تقاليد الكتابات التاريخيةء التى هى بدورها مشكلة 


تاريخيًا ووطنيًا. ويفضفى غياب المسافة عن هذا التشيكل 0 وطنية منمجية تفك شفرة التواريخ الأخرى وتكتبها قُْ صوء تساؤلات كتابة 


ومسائلهاء ضمن مواضيع أخرىء وكذلك التحولات الناتجة من الربط بينها. 


.170-66 .22 ,(2010 ,3311112310 :كاتة) 1 عططه1' ,كقهط06 آ© كامعءء:207) :215101109702115 ,(.0115) .21 أء <201ع13ء0آ ممتاقستطن 1 


156 





مقاربات في العلوم الإنسانية والاجتماعية 


00 
مقالات مترجمة من اللغة الفرنسية لطبور ترجمات 
جحل 


2. وساطة التحويلات 


كانت دراسات التحويلات من الدراسات الأولى في أوروبا التي طوّرت نقدًا لهذه المعضلات ومحاولة لتجاوزها”» لكنها اقتصرت 
على أشكال معينة للتنقلات. فهي تفترض نقطة انطلاق ونقطة وصول تحذّدهاء غالبّاء أطرٌ مرجعية وطنية. ولكن عندما يتعلق الأمر 
بقياس الفوارق وظواهر التثاقف أو المقاومة» فإنّ هذه المعطيات تقيّم بحسب نماذج ثابتة. ويحدّد المعنى الفارق بالاعتماد على تصنيفات, 
لا تساءّل تاريخيتها ولا صلاحيتها إلا نادرًا. وفي حين كان هدف دراسات التحويل هو جعل الحدود بين وحدات وطنية نفاذة أكثر» وكسر 
أسطورة تجانسهاء فإن التصنيفات التحليلية المستعملة تعيد إدخال المرجعيات الوطنية من قبل المجموعة التي كان يجب تنسيبها. لذاء 
فعوض تخفيف القيد الوطني للكتابات التاريخية» فإِن المقاربة من خلال التحويلات تتجه غالبًا إلى يم وعلى المستوى التجريبي 
تحديذاء فإن أغلب التحقيقات تتعلق بمسارات خطية بسيطة: بحسب منطق الإدخال والنشر والاستقبال الذي لا تخضع له الوضعيات 
المعقدة التي توجد فيها تفاععلات وتنقلات متعددة. 


ثانيًا: التاريخ المتقاطع: بين التجريب والانعكاسية 


تغذّى التاريخ المقارن من الحركة التي استهلتها دراسات التحويلات: مع إجراء انتقال جديد: تحويلات نحو التداخلات المتبادلة 
والتقاطعات©. وبناءً عليهء لا يزعم التاريخ المتقاطع أَنّه بديل من تحليل التحويلات أو المقارنة. فهو يتكفلء» بالأحرىء» بتساؤلات 
ومواضيع لا تكون في متناولهاء وتضع في الصدارة عمليات تفاعلية وإنشائية وتحويلية. وعلى عكس المناهج السابقة, لا يحتوي هذا 
التمّى على المشاهد والفضاءات الملائمة للتحليل على نحو مسبقء» بل يقوم بتحديدها خلال الدراسة الاستقصائية ذاتها بحسب 
التقاطعات الخاصة بموضوع الدراسة. 


يفضي هذا السياق العلائقي والتفاعلي والإجرائي للتاريخ المتقاطع إلى إدراك أصناف مختلفة من التقاطعات التي تتكامل في ما 
بينها. ويكمن صنف أولء من النوع التجريبي» في مستوى موضوع البحث ذاته. ويهم صنف ثانء من النوع المننهجيء وجهات النظر 
حول الموضوع بالمزج - مثلا - بين سلالم مجالية وزمنية مختلفة. وأخيراء يلزم صنف ثالثء من النوع الإبستيمولوجيء العلاقات بين 
الملاحظ والموضوع وإشكالية للانعكاسيّة. وفي الواقع» ومهما كان التقاطع» فإنّه لا يعرض أبدًَا على أنه "سبق أن قدّم هنا" ويكفي 
التقاطه وتسجيله» ويستوجب ملاحظا ليبني مجال فهمه. ١‏ 


1. موضوع تجريبي آخر 


يقتضى التقاطع وجود نقطة تلاقى قادرة على التأثير» بدرجات متفاوتة» في العناصر الموجودةء بحسب متانتها ومدى سهولة اختراقها 
ومحيطها. وتكون فكرة نقطة التلاقي» ذاتهاء وكذلك صبغتها النشيطة والديناميكية» في أصل مبدأ التاريخ المتقاطع. ويظل اعتبار أنه 


,1751017 :كه 47171101 "'رع215]011 أء عوغمعع رععطة] ل مع ع22320ع211 علاع كانه ععمع 1611 نا" 1ع نتتاقممء هآ" رتعممء/11 اأعماع 1ط ع عمعوموط اعاء1/طا 2 
-969 .26 ,(1987) 4 .10 ,42 .1701 ,ك6 506101 561671605 


.(2004 ,ولتلاء5 :15كة2) ©0156 111510176 4 20171170701501 10 02 ,(:011) 1112311ع متمطاضك عخأه01 806 ع تتعمهء11 اعمطاء1311 3 


1537 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


2. متطلبات منهحية 

درض تغبير النظورع هذاء:منيحية هلائمة,.فالتقاطع لا يمتز تعررق الموضوع فقظء بل يشكل أيضًا الممارسات الوحفية. هكذاء 
في مجال السلالم المجالية والزمانية» يدفع التاريخ المتقاطع نحو تجاوز المعارضات بين الجزني والكلي وبين المدى القصير والمدى الطويل 
لوضع تشابكاتها في الصدارة. حينما تدعو مقتضيات التمائل في المقاربة المقارنة إلى التشديد على بعد بؤري وحيدء مختتزل غالبًاء فإن 
التاريخ المتقاطع يركز على تمفصلات السلالم» بهدف إدراك التفاعلات المشكلة للظواهر المدروسة. ويوفر التاريخ عبر الوطني أو الشامل 
تجسيدًا جيّدًا لها. في أفق تاريخ متقاطع» لا يقتصر التاريخ عبر الوطني أو الشامل على مستوى تحليليٍ جديد ينضاف إلى المحلي أو 
الجهوي أو الوطني» بل يكن حقائق في حدّ ذاتتها مشكلة في نطاق التفاعل مع أشكال أخرى لمنطق هيكلة المجال. بالنظر إليه من هذه 
الزاوية» يمكن للتاريخ المتقاطع أن يفتح ثنايا واعدة لكتابة تاريخ عبر وطني» أو شامل» لا يقتصر على جملة التواريخ الوطنية» لكنه يأخذ 
في الاعتبارء في مسألة محدّدة» تنوع المعاملات والمفاوضات وإعادة التأويلات التي تحدث في مستويات مختلفة. 


3 تداعيات إبستيمولوجية 

بذلكء تخترق الحدود الترابية واللغوية والثقافية» ويعاد النظر في الأصناف التحليلية التي تحمل أثر التشكيلات المجالية والزمنية 
17 نج السياسية لتوليدها. وليس الترسيخ التجريبي في الوضعيات الملموسة للتحرك أكثر أهمية منهاء وكذلك تعبئة آليات منيجية 
كارمة» وهي تعطي مكانة واسعة للانعكاسية. من خلال وضع ظواهر الترابط والتأثيرات المتبادلة والنبذ والإنتاج المشترك في قلب 
التحليل» يقترح التاريخ المتقاطع تحويل المنظور إلى الموضوع التاريخي» مع الحتٌ على طريقة جديدة لبنائه, بالبحث عن الانسجام بين 
كال والموضوع والمنيج التجريبى. ومع ذلك لاتجد الدراسات المقارنة أو دراسات التتحويلات نفسها - نتييجة لذلك - مقصاةٌء بل 
مدعؤة إلى التعايش مع تلك الأساليب الأخرى لفهم العالم ومقاربته» في نطاق التكامل التامّ. 


لح 0000 عد 





كام ووؤوز ا جن>نا 51 


في سنة 21966 سنة أوج النموذج البنيوي» نشر فرناند بروديل 8121061 160020 طبعة جديدة من أطروحته الشهيرة المتوسط 
والعالم المتوسطي ف عصر فيليب الثاني 1[ عممةاتاط عل عندوممة 1 ن نع ناه 16117 010« ء1 أت 1160116701166 ملل أضاف 
إليها خاتمة جديدة أكد فيها ما يلى: "أنا بنيوي بالمزاج» ولا يجلبني الحدث إلا قليلا وتجلبني الظرفية بصفة متوسطة فقط". ثم خصصت 
مجلة الحوليات 1710105 بعد فترة وجيزة» في سنة 1971» عددًا ل "التاريخ والبنية": نجد فيه عديدًا من ممثلٍ البحوث البنيوية الحارية» 
ومن ضمنهم رائدهم كلود ليفي ستراوس 61-5]80155.آ 0191146» الذي قال في هذه المناسبة: "لدي إحساس بأننا نقوم بالشيء نفسه". 
وفي سنة 21973 وفي درسه الافتتاحي في "كوليج دو فرانس " ع20ة11 06 ءعع00116 بعنوان "التاريخ الثابت", قال إيمانويل ل روا لادوري 
10 10 عا اعنامةتحوظطء الذي خلف حينها بروديل» في هذه المناسبة: "منذ قرابة نصف قرنء من مارك يلوك جاء810 عه/3 


.-883 .62 ,(2010 ,3311112310) :115 2) 11[ عمطاه[1' ,كتوطغل © كامء©2071) : ت27/11©5 2715101109270 ,(.011) .21 أء 1م1عم1اء0آ متاك تن 4 


156 





مقاربات في العلوم الإنسانية والاجتماعية 4 
مقالات مترجمة من اللغة الفرنسية ا 5 ترجمات 
لك : 


إلى بيير غوبار 0010616 26عذ2» مارس أحسن المؤرخين الفرنسيين» وهم ممنهجون بانتظامء البنيوية بوعي» أو أحيانًا من دون أن 
يعلمواء ولكن في أغلب الأحيان من دون أن يعرفوا ذلك". ويعني ذلك أن التخصص التاريخي كان متجاوبا بصفة خاصة في ال 3 
والسبعينيات مع "الموضة" التي حركت جملة العلوم الإنسائية حول مصطلح البنية الذي أثمر اللفظة الجديدة البنيوية؛ إذ كانت اللحظة 
التي لا حديث فيها في ندوات المؤرخين سوى عن البنيات التي نشر فيها ا مختصّ في التاريخ الوسيط بيير توبار أطروحته في جزأين» بنيات 
منطقة لاتيوم الوسيطة©. 


اشتغل لفظ البنية» بأخذه في معناه الواسع» في الواقع خلال هذه السنوات بوصفه كلمة السرّ الحقيقية بالنسبة إلى جزء كبير من 
العلوم الإنسانية» مشكلة برنامجًا موحدًا لها. من أين أتى هذا المصطلحء البنيوية؟ إنه مشتقّ من البنية» وكان له في أول الأمر معنّى 
معمارى. تعنى البنية: أولا. "الطريقة التى شيدت بها بناية" (قاموس تريفو :درامءاة77: طبعة 2)1771). وفي القرنين السابع عشر والثامن 
عشرء تغيّر معنى لفظ البنية وتوسع بالقياس ليشمل الكائنات الحيّة. إذ أصبح ينظر إلى جسم الإنسان بوصفه بناية لدى فونتنال 
6عمء نمه وكذلك اللغة مع فوجلا 125أمع8810؟ تحديدًا. أخذت اللفظة» إذاء معنى وصف الطريقة التى تنتظم بها جملة أجزاء كائن 
ملموس. ويمكن أن تشمل تطبيقات متعددة (بنيات تشريحية» ونفسية» وجيولوجية» ورياضية ... إلخ). ولم يتول التمشي البنيوي 
زمام الأمورء حقيقة» في حقل العلوم الإنسانية إلا في مرحلة ثانية» قريبة» ابتداءً من القرن التاسع عشرء مع سبانسر 02601م5 ومورغان 
3 موماركس 2/1231:2. 

أصبح الأمر يتعلق بظاهرة دائمة تربط بطريقة معقدة بين أجزاء مجموعة بمعناها الأكثر تجريدًا. ترسّخت لفظة البنيةء وهي قليلة 
الاستعمال لدى ماركس باستثناء توطئة مؤلفه نقد الاقتصاد السياسى (1859)©, من قبل دوركايم تطاعداءلس< فى نهاية القرن التاسع 
عشر في كتابه قواعد المنهج السوسيولوجى (1895))؛ حيث أفضت البنية» حينئذ»ء إلى ما يطلق عليه كتاب المعجم لأندريه لالاند 
16+ 06د بالقياس: البنيوية» بين سنتي 1900 و1926. وولدت البنيوية لدى المختصين في علم النفس بهدف التصدي إلى علم 
النفس الوظيفى في بداية القرن العشرين» لكنّ نقطة الانطلاق الحقيقية للتمثىء في معناه الواسع الحديث» جاءت على مستوى كل 
العلوم الإنسانية من تطور الالسنية. 


عرفت هذه اللحظة البنيوية مرحلتين منفصلتين بوضوح: مرحلة بناء البرنامج التوحيدي ومرحلة تفكيكه التدريجي. وساهم 
الإنشاء المؤسساتي الصعب للعلوم الإنسانية بفرنسا بقوة في البحث عن أوجه التقارب حول برنامج يريد أن يكون علميًا ويشقّ طريقه بين 
الإنسانيات الكلاسيكية والعلوم الصحيحة. وقد حققت الأنثروبولوجيا الاجتماعية مع ليفي ستراوس قطيعتها مع الأنثروبولوجيا الطبيعية 
القديمة» وارتقت إلى دراسة الشأن الاجتماعي بوصفه ظاهرة اتصالية. وطبقًا لانتساب في الوقت نفسه دوركايمي ومتأثّر بدعاة النسبية - 
كروبر 5ع اء0ك] ولويي ع1ام.آ وبوا 8035 - تباين ليفي ستراوس عن المقاربة الإثنولوجية بعبارات تاريخية: أئ عن المدرسة الانتشارية؛ 
إذ أخذ مسافة» بالقدر نفسه» من مقاربة بعبارات نفسية وكذلك بعبارات أخلاقية لفهم ظاهرة القرابة؛ لا بوصفها ظاهرة انتساب دموى, 
بل من جهة أنها نظام تحالفات واتصال ضروري يقتضي تحريم سفاح القرى» لا بوصفها سلبية بل العكس إيجابية اجتماعية. النموذج 
الذي سمح لليفي ستراوس بإعادة استعمال النمط الذي وضعه مارسال ماوس 81855 1125061 المتعلق ب "الفعل الاجتماعي الكلي ' 
حول صورة الهبة والهبة المضادة هو نموذج الألسنية» وكان متأنّرًا جدًّا في هذا المجال برومان جاكوبسن 12106055 صهدمه ا وبأعماله 


(1973 ,هآ عل ع215جطمة] عامعظ1 :عمط م ]آ) 711601641 101111711 11ل 517112111165 كعر! راع ه10 عتترعاط 
.(1771 ,3550165 1118311565 065 00385116ه0ن) :كته 1) عدامبدة 17 06 10161101111011 


.(1859 ,15615 تاعطعا1ع اطع 5 :كته 1) 7017111011 160710111 © 071110116 ,1/1317 11ه ا 


خسم يخم ييا ا لل 


.(1895 و[.0 .]| :123115) 501010210112 7161006 ها 0 دءاع6” كعر! ,لملتاعاءكدددا علتممط 


1]9 





20 


العدد 12 


م 
بطل تموز / يوليو 2020 
1م 
لم 


0910101 


ددا 


حول علم الأصوات. وبفضل حضوره دروس جاكوبسن في نيويورك خلال الحربء استنتج أنْ "نظام القرابة هو خطاب". لذلك تسمح 
الألسنية بالولوج إلى الشفرة وبنمذجة المعطى الاجتماعي بحسب اللغة الرسمية للرياضيات الحديثة» وفي الوقت نفسه تسمح بالقيام 
بدراسات أنثروبولوجية تهتمّ بالرمزي والثقافي. ومن ثمّء أصبح الوصول إلى لاوعي الممارسات الاجتماعية ممكنّاء بحسب ليفي ستراوس» 
1ل معرفة قواعد الخطاب. 


إن كانت البنيوية هي بالأساس منتوججا للإثراء لمتبادل بين الألسنية والأنثروبولوجياء فالألسنية تؤدي دور العلم النموذجي خلال 
كامل هذه الفترة. وكان اكتشاف القطيعة التي أجراها دي سوسير 5811551156 06 متأخْرًا بفرنسا. لذلك يتم الحديث عن "العودة إلى 
[... دى سوسير"», والاحتفاظ بثلاثة عناصر أساسة من درس (له) ف الألسنية العامة 41 567:67 111191115110116 ©0 00111:5): القطيعة 
مع الفاعل التي يقتضيها تمييزه بين اللغة والكلام؛ قطيعة مع التعاقبية لفائدة مقاربة تزامنية» وأخيرًا قطيعة مع المدلول بحسب الصبغة 
الاعتباطية للعلامة. لم يؤثر "التحول الألسني" 0 5116 1نا18.آ بفرنسا إلا بتأخير زمني» وما زال غريماس 01617125 يستغرب سنة 
ان مقاله .حول "راهنية'اللموسيرية" من ثراء اللواضيع: النسوسيرية بالنسية إلى العديد هن العاوم الإنسانية» من دون أن يقذر 
بعد المختصون في الألسنية حجم ذلك. وأصبحت العودة إلى دى سوسيرء ابتداء من منتصف الخمسينيات» القاعدة الأساسية لغليان 
سيميائي تطوّر انطلاقًا من أقطاب طرفية مثل ستراسبورغ 515355011185: وبوزنسون 052؟86532: والفرع الرابع للمدرسة التطبيقية 
للدراسات العلياء أو كذلك كوليج دو فرانس. 


ومن جهته» فهم لاكان 1.2030 الأهمية التي يمكن أن تكون لهذا النموذج الألسني بالنسبة إلى التحليل النفسي حتى يتم تجنب 
عقبة مضاعفة أمام التحليل النفسي: إضفاء الطابع الطني والتحويل النفسي. وحتى سنة و194» أعاد تناول مداخلته لسنة 1936 حول 
“رحلة المرآة» اعتمادًا على مفهوم البنية لليفي ستراوس» متأثرًا كثيرا بنصين لعالم الأنثروبولوجياء "المشعوذ والسحر" و"النجاعة الرمزية": 
وفرا له تعريفًا للاوعي» بوصفه مكانًا رمزيًا ليس إلاء وغريبًا عن المشاعر ومجرّد وظيفة رمزية للتبادل. وعندما رفض لاكان في سنة 1953 
من قبل الجمعية | لدو لية للتحليل | لنفسي [طخ ,2602216 تاع اما عداو نز[ 2 صهطاء:ز5م م0 1نو1ء550قىء: واأضطر إلى بعث الجمعية الفرنسية 
الااخليل | لنفسي 1575 :55م ع0 001 01616 بحث عن الاعتماد على البنيوية لوضع 5-5 لتحليل نفسي ير ينآث يكون 
علميًا. وفي "تقرير روما" الذى حرره في سنة 1953 أوصى ب "العودة إلى [...] فرويد": وبقراءة مجددة انطلاقًا من الألسنية, ومثل: إِذَاء 
دى سوسير مرشدا بالنسبة إليه. وق سنة 21957 2 مقاله "الحضور اللغوى قِ اللاوعي" 112201516 كمهقل عناهع1 12 عل ععطهافم انآ 
5 كان نال نظام دي سوسير وطوعه وفقًا لحااجاته. وبذلك يصيح اللاوعي أثرا ويا ويجد الفاغل نفسة دومًا منشتطراء وضعب 
المنال لذاتهء ويكون "الأنا" دومًا منفصلًا عن أنا. وحّقء إذَّاه هذا التفمين المبالغ فيه لألاوعي الذي يحدث في البراديغم البنيوي بصفة 
عامة. وإن كانت القرابة خطابًا بالنسبة إلى ليفي ستراوس فإِنّْها بالنسبة إلى لاكان "اللاوعي مهيكل مثل الخطاب" حول استعارتين: 
المجاز الذي يمثل التكثيف. والكناية التي تسمح بانتقال السلسلة الدلالية. 


لعدة اختصاصات. وبالفعل» أنشئت فى سنة 1964 الجامعة الجديدة فى نانتير التى كان عليها أن تكون موقع الحداثة ذاته ضمن 
المواقع | ذنية: وفى السئة نفسهاء صدر عدد خاص للمجلة كومينيكاسيون 007171111101015 التى يديرها رولان بارت» وخصضص 
للسيميائية» وعرّف بارت في هذا العدد "النشاط البنيوي" بكونه الوعي بالمفارقة وتنسيب المعنى بحسب سياقه الخطابي. وفي الوقت ذاته. 
كوّن لاكان» الذي عُزْل نهائيًا من الجمعية الدولية للفرويدية» مدرسة القضية الفرويدية 807 ونقلت حلقته الدراسية من سانت أن 
عصصخ-ء مم5 إلى المدرسة العليا للأساتذة بأولم دناتنآ 8215 المكان العريق للإنسانيات الكلاسيكية» المعرّضة لحمّى حقيقية علموية 


160 


مقاربات في العلوم الانسانئية والاجتماعية ِ/ ا 
مقالات مترجمة من اللغة الفرنسية أ 
سه 


ل ترجمات 


وإبستيمولوجية بتشجيع من لويس ألتوسير :هو5نا)41 وذناه.1. واستقبل ألتوسير لاكان في مدرسة أولم» وأفسح كذلك المجال لتوجهاته 
ضمن الماركسية في نصٌ "لاكان وفرويد": الذي أَيّد فيه الاتجاهات الجديدة للتحليل النفسي التي حدّدها لاكان» ورأى في عودة لاكان 
إلى فرويد تمثيلا لتمشيه الخاص في العودة إلى ماركس. وهي السنة نفسها التي بدأ فيها ليفي ستراوس مؤلفه الكبير» ثلاثيته حول 
الأساطي الأسطوريات 5 مع نشر كتابه النيء وال مطبوخ اآلكه 1 آء لان ©.آ وانبيت فية أن الفكر الأسطورى مهجيكل 
مثل خطاب. 

فمن ناحية الفلسفة» نجد صياغة برنامج شامل يتجاوز هذه اليقينية أو تلك في اختصاصات العلوم الإنسانية. في أولم» مركز تجاوز 
السوربون الكلاسيكية جذاء والموقع العريق للبنيوية الذي يوجد به لاكان ودريداء أصبحت الفلسفةء حول لويس التوسيرء "نظرية 
الممارسات النظرية" وتملكا لمكتسبات العلوم الاجتماعية الجديدة وتقويضًا داخليًا لها. فبفضل العودة إلى ماركس خلال السيمنارات 
التي بدأت في بداية الستينيات» شرع ألتوسير في إعادة قراءة ماركس ليجعل منه حلولا للعلم» انطلاقًا من قطيعة إيستيمولوجية يمكن 
اكتشافها في أعماله نحو سنة 1845. لذاء قد يكون هناك وجهان لماركسء ولا يحتفظ ألتوسير سوى بالوجه الثاني» ماركس العلم والسببية 
البنيوية والتحدّد التضافري. وقد أعطى ألتوسير قراءة لماركس تعرض على أنها قراءة للمعاداة للإنسانية النظرية و"محاكمة من دون 
فاعل ومن دون موضوع"» ومثل ذلك من القضايا المشتغل بها في الأعمال البنيوية لسنوات الستينيات التي يتحدث فيها عن الإنسان 
أكثر مما يتحدث هو ذاته. 


وأجريت المحاولة الكبيرة لشمولية البرنامج البنيوي من قبل ميشيل فوكو 11ناهعناه7 اءطء2]1 في هذه "السنة الضوئية" للبنيوية, 
وهي سنة 1966: عند صدور كتاب الكلمات والأشياء 5ه5ه:ء 165 1© 7015 و6لة. وأعلن» حينهاء فوكو عن موت الفلسفة وتعويضها 
بالتفكير بالأفعال» بفضل المنطق والألسنية:.وأعطى فوكو الأفضلية لعلمين إنسانيين مخددين: التخليل النفسي والإثنولوجياء ١‏ ' 
ينظر إليهما بوصفهما من "العلوم المضادة" التي تسمح بإرباك كلّ من التاريخ والفاعل. واعتبر فوكو النزعة الإنسانية كأنها "عصر (نا) 
الوسيط", وصورة الإنسان كأنها صورة عابرة ومحكوم عليها بالاندثار. فهنا أيضًا في تمثيل اللاوعي للعلوم الإنسانية» يمكن أن نعثر 
على حقيقتها وراء ادعائها الوهمي المتمثّل بإعادة الإنسان لسيطرة مستحيلة إلى الأبد منذ الجروح النرجسية الثلاثة التي أحدثها غاليل 


021116 وداروين 1031150 وفرويد. 
وإن كانت البنيوية لم تفتأ تتراجع من الأفق النظرى منذ سنة 1975» فلا يجب أن نظن - رغم ذلك - أن تضاؤل الإشعاع الإعلامى 
الذى كانك تحظى بك ف سنوات الستييات يسمح بتشحيص غيبوبة متجاوزة: وأنه يكفى إجراء "غسيل وأسع " لتحقيق المحو التام 


لماض قد ولى. بالتأكيد» غيّرت منعطفات كبرى البراديغم البنيوى أو قوّضته بشْدّة. ولم تعد الطموحات المفرطة جائزة» وأصبح التواضع 
أمرًا حيويًا؛ وعقدت تحالفات جديدة بحسب الضرورة الحتمية لوضعية تاريخية جديدة ولإنجازات علمية. 


بصفتها حدثًا تاريخيا مهما للتفكير النقدي وتعبيرا عن تطلع تحرري للعلوم الإنسانية الفتية والباحثة عن مشروعية معرفية 
ومؤسساتية» أثارت البنيوية حماسًا جماعيًا حقيقيًا لكل النخبة المثقفة الفرنسية مدةً لا تقل عن عشريتين. 
فهمت البنيوية» في تعريف عامء على أنها لحظة تاريخية حدّدت حول كلمة سر حقيقية وحول عابر للحدود استخدم برنامجًا 
توحيديًا لجملة العلوم الإنسانية. كان فوكو يعتبر بذلك أن البنيوية "ليست منهجًا جديدّاء فهي الوعي اليقظ والقلق للمعرفة الحديثة", 
وكان جاك دريدا 10611102 165اوع13 يعرّف هذه المقاربة بأنها "مغامرة النظرة", وكان رولان بارت 00-0 لطواه] يرى البنيوية مرورًا 
من الوعي الرمزي إلى الوعى , النموذجيء 3 ظهور الوعي بالمفارقة. إذَا ' فالآمر يتعلق بحركة تفكير وبعالاقة جديدة بالعالم أوسع بكثير 
من مجرد منهج ثنائي ا لهذا المجال الخاص للدراسة أو ذاك. ويفضل هذا الإطار المرجعي للقراءة» الذي يراد اد يكون توحيديّاء 


161 


20 


العدد 12 


م 
بطل تموز / يوليو 2020 
1م 
لم 


0910101 


ددا 


0 غل حساب المذلول: والفضاء على حساب |( 1117 5 2 كشاب الفاغ والعالاقة عل حساب المحتوى:؛ والثقافة على 
5ل الطبيعة. 


أولاء تشتغل البنيوية بوصفها براديغمّاء لفاسفة الريبة وللكشف من قبل مثقفين يهدفون إلى إزالة اللببس حول المعتقد الشائع »د00 
ولحريف المعنى وزعزعته والبحث وراء القول عن التعبير عن سوء النية. وينخرط موقف الكشفء هذاء في إطار الانتساب إلى التقاليد 
الإستيمولوجية الفرنسية التي تفترض موقفا متعاليًا وقطيعة بين الكفاءة العلمية والحسٌ العام» بما أن الحسٌ العام مشدود للوهم. 
ويكشفء وراء الخطاب التحرري للأنوارء انضباط الأجسام والاحتجازء الاحتجاز الكبير للجسم الاجتماعي في سياق جهنمي للمعرفة 
والمقدرة. لذاء يقول بارت: "أرفض بشدة حضارتي حتى الغثيان". وينتهي المشهد الأخير من كتاب الرجل العاري :::: ©1.18/07 لليفي 
© ارس بكلمة: "لا شىء* 1ق بحروف كبيرة» على ثمظ قداس أو مغيب للبشر. هذا البراديعم البنيوي سيكون قد رجح تعطيل 
المدلول بوصفه وسيلة لمحاربة المركزية الأوروبية ومختلف أشكال الغائيات المتغرّبة لفائدة تفكير إيجابي. 


يتمثّل البعد الثاني للبراديغم البنيوي في "العرض العمومي للشراء" 084 الذي يمثله من جانب الفلسفة تجاه ثلاثة علوم إنسانية 
بصدد التحرر يجمع بينها قاسم مشترك هو تثمين اللاوعي بوصفه مجالا للحقيقة: الألسنية العامة عندما تفصل مع دي سوسير اللغة 
بوصفها موضوعًا شرعيًا للكلام المكبوت في اللاعلميء والأنثروبولوجيا عندما تهتمٌ بشفرة الرسالة أكثر من الرسالة نفسهاء والتحليل 
النفسي عندما يفهم اللاوعي بوصفه أنرًا للكلام. ويوجد هناء على حدّ سواءء بحث عن إضفاء الشرعية وعن التأسيس من قبل العلوم 
الاجتماعية الفتية التي تواجه التموقع القوي للإنسانيات الكلاسيكية والتقاليد والنزعة المحافظة للسوربون القديمة. وتكرس البنيوية 
نفسها في هذا المستوى بوصفها خطبًا ثالناء بين الأدب والعلوم الصحيحةء باحثة عن المأسسة بالتأقلم اجتماعيّاء ومتجاوزة مركرًا على 
غرار السوربون» من خلال جامعات طرفية والنشر والصحافة أو من خلال مؤسسة موقّرة ستستخدم ملاذا للأبحاث المتقدمة: كوليج 
دو فرانس. فهناك: إذَاء معركة حقيقية بين القدامى والمستحدثين» وفيها تؤثر قضية الانقطاع والقطيعة في مستويات عدة. وبذلك تبحث 
العلوم الاجتماعية عن التحرر وقطع الحبل السري الذي كان يربطها بالفلسفة بالتأسيس لفاعلية منهج علمي. ومن جهتهم» سيتولى 
كل الفلاسفة» الذين فهموا أهمية هذه الأعمال» القيام بتجميع حقيقى لبرنامجهم وإعادة تحديد لوظيفة الفلسفة بصفتها فلسفة 
للمغهوم. وسيكون ذلك ما سمّي "دراسة الأثر" ونع1-:1'88ء أي استعادة أعمال العلوم الإنسانية من قبل فلسفة تتولىء في الوقت 
تفكيك التصنيفات المستخدمة داخل الممارسات. وهكذاء ستحافظ الفلسفة على موقعها المركزى مع الإاعلان عن نهايتها. ويعود 
الور المهم الذي أداه الفلاسفة في هذه القضية إلى قدرتهم على تغليب برنامج توحيدي في منتصف الستينيات» وفي هذا المجال شكلت 
الشارة البنيوية راية الانضمام. 

حدّد جيل دولوز 26ناءا»1 011165 في سنة 1972, بدقة البراديغم البنيويء» مبررًا بعض المعايير المشتركة التي نجدها في ما وراء 
الاختلاف بين اختصاصات العلوم الإنسانية. وفي المقام الأول» الأهمية التي تُعطى للبعد الرمزي الذي يتدخل بوصفه طرقًا ثالًا بين 
الواقعي والخيالي. وفي المقام الثانيء اهتمام خاص أسند إلى المنطقيات التصنيفية للمكانة والموقع. والمعيار الثالثء الذي بفضله نتعرّف 
إلى البراديغم البنيوي» هو وجاهة الاختلاف في التموقع الذي يتواصل ببناء مجموعات متسلسلة. وأخيراء نجد في قلب البنية الذي يبيح 
بها الحركة» خانةً فارغة وفجوة في مكانها تجعل من التنقلات المتعددة ممكنة» أى ما يشبه درجة الصفر باعتبارها شرطا للإمكانية. 

كانت إحدى الخصائص المهمة لهذه اللحظة البنيوية ستتمثل في كثافة المبادلات بين مختلف الاختصاصات العلمية التي كانت 


ستسمح بتنقل استثنائي للمفاهيم من حقل معرفي إلى آخرء ومن مؤْلّف إلى آخر. وأصبح هناك اقتصاد حقيقي للتبادل الثقافي بمجموعة 
كثيفة من الاستعارات والترجمات والتحويلات المفاهيمية للبنيوية من اختصاص إلى آخر. 


162 


مقاربات في العلوم الإنسانية والاجتماعية 


0 
مقالات مترجمة من اللغة الفرنسية لطبور ترجمات 
جد 


وعلينا أن نميّز بين الظاهرة البنيوية باعتبارها إعجابًا ببرنامج يعد بتوحيد حقل العلوم الإنسانية والمناهج الخاصة التي حلت محل 
ذلك الأمل في كل من تلك الاختصاصاتء وذلك بحسب موضوعها الخاص وموقعها المحدد في المجال الشامل الحامدة والأبحاث, 
مع تداعيات المنافسات بين الاختصاصات والمعارك من أجل موقع الزعامة ونزعات هيمنية مؤقتة ومواقع نموذجية وتحالفات تكتيكية 
أشعلت الميدان الجامعي حول المعركة بين الإنسانيات والعلوم الاجتماعية وبين الحداثة والتقاليد. ومن وججة النظر هذهء تعرّف البنيوية 
بالمعركة التي جسدتها في جملة التاريخ الثقافي الفرنسي في النصف الثاني من القرن العشرين. 


لك ع لل لت 4 رت نلط يام 





تاريخ المفاهيم 
#ا(ع|اعبأمععمم مأأمغوتط) عغطاء أاءدعع 5 أروع8 


يمدف تاريخ المفاهيم عااعتطءدعع 71115ع86: وهي عبارة صاغها ف. هيغل اءعع2]16 .1 إلى تحليل تطور المفاهيم (أو الكلمات 
المفاتيح) واستعمالاتها في كل الميادين المعنية بالأدوات اللغوية: الفلسفة» والنقد الجماليء وتاريخ الفن» وكذلكء وبدرجة او اختصاص 
الكتابة التاريخية في حدّ ذاته. وتشكل اللغة بالنسبة إلى تاريخ المفاهيم بدرجة أولى مَؤْشَرًا إلى واقع ماء وتعتبرء في حدّ ذاتها - علاوة 
عل ذلك - عاملا أسايًا في بناء كل واقع تاريخي©. ويندرج تاريخ المفاهيمء أساشاء في تقليدين أكاديميين: من جهة, فى "١‏ 
الأفكار السياسية والفلسفية الذي يعود إلى نهاية القرن الثامن عشرء وخصوصًا مع مشروع ج. ج. فيدار 16061 .1.6 المتعلق ب المعجم 
التار يخي للمفاهيم الأساسية (بيجج1د) كلل كعلاط 11771 115101151111 1115© ء10. ومن جمة أخر 71 2 تاريخ اللغةء وتحديدًا قِ 
تاريخ الاصطلاح والمعجمية الذي تطور في اختصاصات فقه اللغة ابتداء من القرن التاسع عشر وامتذ إلى دراسة المجالات المعجمية 
والدلالية (ج. تريبي .ل أ كوزيريو 0563© .8. |. ريكان م2101 .[1]). وتطوّر تاريخ المفاهيم المنبثئق» إِذَاء من تقليدين 
مختلفين جدذًا من حيث أهدافهماء ولكنهما في الوقت نفسه متقاربان من حيث الأدوات اللغوية المدروسة وبعض التساؤلات» ابتداءَ من 
الخمسينيات خاصة في ألمانياء ومن خلال النظرة المختلفة قليلا عن السيميائية التاريخية في فرنسا. 

في أمانياء نت الأعمال الريادية للمختص في العصر الوسيط ر. كوبنار #مداءه»1 .2, وخاصة حول مفهومي "إمبراطورية» 
و"إمبريالية " 7!070,1964 1ه 11ةامط »ع زه كدده1اهء ]1ع 1ك 10ده :51010 17 :171770115171 الرهانات الاجتماعية - السياسية للمعاني 
الجديدة المرتبطة بالصطلح نفسه في عصور ومجتمعات مختلفة ومدروسة في أفق المدى الطويل؛ وفي فرنساء رسخت مدرسة الحوليات: 
وخصوصًا ل. فافر 166716 ..1آ ومارك بلوك ه810 .2 وفي أعقابهما . ديبرون 102+4م(1 .ى ول. ترينار 1560210 ..آ ور. ماندرو 
01ص .1 دراسة الأبعاد الذهنية والثقافية للتاريخ في تحليل المفاهيم. وكان يفترض أن تعكس مصطلحات مثل "الإلحاد" 
11010 الذي درسه فافر (ج4و1): أو "الإقطاع" 16002116 الذي توك تحليله بلوك (و194): تصورات ذهنيةٌ للواقع الاجتماعي 
المتعدّدء ومن ثم تبيح الولوج إلى المخيال الذهني لمجتمع ما. وبالاعتماد مثلًّا على الأعمال المتعلقة بالمفاهيم الاجتماعية - السياسية 


177-13 .00 ,1[ عططه1 ,(:1تل) .1ه أء 1م1012 5 


:1/1310 عله اتلكلكلمة11) © ع1 1مى 502121217 11110 1271[ 11735آمم :01 ع/11ن 1درو ن 127 عدجلا ع/71101111© 5 تلاج 211 1ملتاآى .905/112/11©71 869171775 بكاعه1اء05 !]ا أتقطماع1 6 
.26 ,(2006 ,م0قع111ناك 


163 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


المستعملة فى سجلات الشكاوى المعروفة فى فرنسا ب 5©©ع001607 06 007175 سنة 1789: لاحظ ترينار فى هذا المحال أنه "'يمكن 
للمؤرخ أن يستنتج من هذه الوثائق مفاهيم مهيمنة واقترانات لاواعية وتمثلات جماعية. ويمكن له تحليلها في علاقة بصيغة التعبير 
وبالمتن العضويي للغة. وتجمع السيميائية التاريخية بين المتكلّم والوسيلة والمتقتل المحدّد في المجال وفي الزمان 60. 


وفي حين اختلط تاريخ المفاهيم في فرنساء بصورة كبيرة» بتاريخ الذهنيات والثقافات, فإنه في ألمانيا طوّر حقلا اختصاصيًا مستقلاء مركرًا بالتحديد 
على المشاريع الكبرىلمعاجم المفاهيم الأساسية الاجتماعية - السياسية والفلسفية والجمالية المستندة إلى تحليل على المدى التاريخى الطويل» وخاصة 
معجم مصطلحات أساسية تار بخية [د05:و 1161[ يفك دودرم ناه31) 1052977//6اه7 ماع لاا راعده) لكل من كوزلاك وبرينار وكونز 2), 
والمعجم التاريخى للفلسفة (112م7110:0م 9[ 06 11111071016 عارته ه2111 ) 0 اأعلاط 77:1 71711101151 لكل من 
ريتاروغروندر وغابرييل27؛ ودليل المصطلحات السياسية وا لاجتماعية بف رنسا 1680-1820 ,:[0210167:111177071/7:©1ك-رأء 5[اة[وجاء11 :1101 
101011101101011 لكل من رايشاردت وشميدت ولوزبرينك, ومصطلحات أساسية حمالية 
(01165 611 اكه مك ماوع ء 011 ) 6 171511 الذى يديره بارك وفونتيوس وشلنستادت57. 


بالنسبة إلى المؤرخ ر. كوزلاك (2006-1923)ء منظر تاريخ المفاهيم في ألمانيا الذي كان أيضًا تلميذًا للفيلسوف ه. ج. غادامار 
#عدنهلة0 .11.0: يشكل تاريخ المفاهيم مكملا ضروريًا للتاريخ الاجتماعي. فمن خلال المفاهيم والحقول الدلالية التي تؤطرهاء يتحول 
الماضي إلى تاريخ ويتركز المعيش التاريخي بوصفه تجربة مستذكرة. ولذاء يسمح تاريخ المفاهيم» باللجوء إلى أوسع شريحة من المصادر 
الممكنة» التي تشمل وثائق شعبية ومخطوطات: بالإلمام بالفجوات والتباينات بين التطور التاريخي وأنماط تصوره الاجتماعي والذهني. 
وتعتبر بعض المصطلحات: مثل مصطلح "الثورة" الذي تطوّر في فكر التنوير أخاصة لدى ديدرو 1146:01) من مصطلح دوري إلى مصطلح 
مفتوح يتولى وصف تغيير عميق للمجتمعء منذرًا بتحولات تاريخية قادمة ("مفاهيم استباقية" كامععمه0" عاتوء ادع مضه سمط 
1" بحسب كوزلاك). ولم تفض إعادة اكتشاف السياسة بوصفها قطاعًا مستقاًا ووضع إطارها المفاهيمي من قبل 
ماكيافال؛ في نظر كوزلاكء إلى رؤية جديدة للمجتمع والدولة فقطء بل إلى طريقة جديدة لكتابة التاريخ أيضًا. وتغيرت على نحو ملحوظء 
عبر القرون» مدلولات بعض المصطلحات التى ظلَت متماثلة من الناحية المعجمية» مثل "الزواج" أو "البرجوازي" أو "الدولة". ويعكس 
تحوّلها وإدراجها في مجالات سيميائية (أو مفاهيمية) خصوصية من الناحية التاريخية والثقافية تغيرات اجتماعية وسياسية واقتصادية 
كبيرة» لكن مع المحافظة على نوع من الاستقلالية تجاهها يسميها كوزلاك "البنية الداخلية" :عا انماكمعصه:8 للحقول المفاهيمية. 


وطبعت أربعة محاور للتغييرات تطور تاريخ المفاهيم منذ الثمانينيات: 


لقاع الأول قرلة التركية هل مفاهيم معرلة :لكان اك دراسة الحقول:الفاهيمية التى تميزهافيكات مويكلة |الصطلحات 
اك الضطلحات النقيضة)..وهكذاء يتعارض مصطلح "اللواظق ", والمؤسس لفكرة السيادة بفرنسا مذ تهانة القرث القامن عق 
في السياق الفرسيء» مع مفهومي "البرجوازي" و"الرعية" اللذين يرتبط بهما كذلك بصورة جوهرية. وينعكس خطاب فلاسفة القرن 
.6 ,(1972 ,1811578 :0115 17) 20711876515 ,8011101171015 ,101710111 ,471015 ,1107107 :177071015 كن -ودر20 دعل 27151017 ,(.0ع) 111310 01115 بآ 


(1971 بأاع1كا .كا :31ع ا تا 5) 17/2 :07111105227 05/11/1111 بكاعع |1اء05 !ا ختقططاع خا عى ع0007) اعمنء ١1‏ راعمصتحاظ 010 
.(1971 ,5157731 :50115311 لاآعكة8) 701.13 ,12 [/جرهده! 2711 عل بزع لاط 1707127 115101152115 ,03111 03011160) عك 001نت1تن 1211110 تآ ممتطعومل 


جسم يحم يبنا لل 


,601115 01) :تاعطاع طن ]/!1) 1680-1820 ,[ع17071/7:21 111 77-5021011[ 70/1115 110110117 ركلطةاماءدزانا عع 1ن ل-قطد]ط عك 06 1مططاءعك 10ت طاع مط ,ال تمطاعاع 1 11مك]آ 
.(1984 
.(2000 بتع [هاع]/! .8.[ :تدع اكننا؟ ) 07117106271//2) ©7 415111135 ,العاقطعاطء5 .1 ع دنتكمه2 .711 باعند8 .1.11 5 


164 





مقاربات في العلوم الإنسانية والاجتماعية 4 
مقالات مترجمة من اللغة الفرنسية 15 ترجمات 
ابرليداءة ل 


الثامن عشر حول الحكم المطلق في حقل سيميائي (أو مصطلحي) مترابط ومتشابك على نحو وثيق تهيكله أقطاب سيميائية متمحورة 


»و 


حول ثنائيات مفاهيمية ل: شعب - طاغية وحرية - استبداد ومواطن - رعية وأنوار - ظلمات©). 


م يمكن أن نلاحظاء نتيجةٌ لأوجه التبادل ومجالات التقارب بين تقاليد تاريخ المفاهيم في أمانياء وتاريخ المفاهيم السياسية بإذكلترا 
والبلاد المنخفضة (هولندا) وبالبلدان الإسكندنافية (ك. سكينار تعصمك[5 .0, ج. بوكوك عاءمءه2 .ل. ب. إيهالينان معمتة21د1 .2: 
ج. إيفارسن دء5نه:15 .ل ب. دان بوير :ءه80 مء2 .2, ك. بالونان معم2210 .>1)ء وتحليل الخطاب بفرنسا (ر. روبان صذطه1 .+1 
د. مالديديي 1121010165 .2, ج. غيلهومو داهدسسدهط|نن6 .[): تركيرًا متزايدًا على تحليل براغماتية المفاهيم: أي وظيفتها واستعمالها 
وتأثيرها في وضعيات اتصالية محددة: مثلا مداولات المحلس الوطني خلال الثورة الفرنسية. وتطوّر هذا المحور البحثي الثاني خصوصًا 
ف فرنساء وتحديدًا حول مخبر المعجمية السياسية في دار المعلمين العليا بسان كلود 5210-0100 06 28275 في السبعينيات والتسعينيات 
ومجلة كلمات :1/01: وكان له كذلك أثرٌ مهم في تطوّر تاريخ المفاهيم في ألمانيا. ويتأسّس على توسيع متعمّد لمدوّنة التحليل أبعد من 
"النصوص الكبرى" السياسية والفلسفية التي يحبذها غالبًا تاريخ المفاهيم» في اتجاه مصادر متسلسلة ومدونات محددة (مراسلات: 
وصحفء. ومناقشات عامة ... إلخ): وكذلك على رغبة في تمييز الاستعمال الاجتماعي للمفاهيم الاجتماعية - السياسية. 


طوّر المحور الثالث مختلف العلاقات بين المفاهيم اللغوية والممارسات غير اللغوية» وتحديدًا الحركة وشبه اللفظي والمشهدي 
والصورة. لذلك بينت أعمال ر. رايشاردت الأهمية البالغة للإيكونوغرافيا (أو دراسة علم الأيقونات) بالنسبة إلى تاريخ المفاهيم» خاصة في 
أفق التاريخ الاجتماعي. فمصطلحات مثل "الحرية" و"الاستبداد" ليست مندرجة في مجالات مفاهيمية معقدة فقطء بل تكون كذلك 
مصورة في رسوم ومعالم وترتيبات مشهدية (مثل احتفالات 14 تموز/ يوليو)ء حتى تبلغ أوسع جمهور ممكن. وتتبلور كذلك في قصص» 
مثل قصص لاتود 1.30106» السجين بمعتقل لاباستيل 83811116 12 والمجشدء ذاتهء في نهاية القرن الثامن عشرء ل "ضحية الاستبيداد". 
وهو ما يطرح مسألة العلاقات بين المفاهيمي والسردي 7 التي تمّ التعرّض لها في أعمال حديثة. 


وأخيراء وفي المقام الرايع» تطور البعد المقارن والتثاقفي لتاريخ المفاهيم. وتشكل المقارنة بين المعنى والاستعمال الاجتماعي : السياسي 
لفاهيم تبدو متطابقة وتحليل مساراتها في الانتقال والترجمة بين الثقافات أفهًا بحنيًا يشككك في الحقل التطبيقي لتاريخ المفاهيم 
التقليدي. وتبين أعمال كوزلاك وفريقه حول المجالات المفاهيمية ل "برجوازى" و"مواطن " /تععغناط51285" معلامانه »وزمعوتكناهطم 
60 ,ه8118" في فرنسا وألمانيا وإنكلترالةا الإضافة التي توفرها هذه التساؤلات التثاقفية» وكذلك الأمر بالنسبة إلى البحوث حول نقل 
الكلمات المفاتيح الاجتماعية - السياسية مثل "أمة" و"شعب" من ألمانيا إلى فرنسا في نهاية القرن الثامن عشر©. 


وتظهر مجلتا أرشيف للتاريخ المفاهيمي 46 77[ 476717 [منذ سنة 1955) ومساهمات ف تاريخ المفاهيم 
كأصع» 2011 01 ::17110 17 10 00711711110115 (منذ سنة 2)2005 وكذلك المؤتمرات السنوية ل "مجموعة تاريخ المفاهيم السياسية 
والاجتماعية " م6701 كاصءء00) [هنءه50 0ه آسء11ذامط إن :7711/01 هذه التحولات» وقد ساهمت قِ إعطاء مجال تاريخ المفاهيم 


بعدًا عالميًا وتثاقفيّاء سواء عن طريق شبكات الباحثين أو بنيات الموضوع المدروس ذاتها. 


115121 :312]/طا حطتة اتلكلكلمطة11) 17111 110لا 1775/71 77011 ©11/ع711012©5/11نزك “الا :80511112 1016 ,ال1قطعاع خآ 1011 عك علمة مدنا معع 1نا[-دوموط1 6 
.(1990 

7 4. 

402-17 .00 بكاعع1[ء1205 8 

0 1ططتطاء5 عك 01 7قطعاع] ,علمةتطاء1115 9 


165 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


المراجع 
2000 بتع أجاء]/! .8.[ تختةه ات 5 .071110627172 ©[ كقل451 بالعاكمعلطء5 .12 2 كننتاده8 .21 ,1.11 باعتو8 . 
وأا 1>آ .ا :51115311 .27:17 071111052 05/11/1116 .كاع116ع1-05 311 اماع كا عك ع0007) تعمتاء 1 ,010 أاعمصستظ ٠‏ 
.0 ,3311112310) :123115 .ك1اه8 06 1© 011©2215) : 5 115101109702116 .(.011) .01 أء 1ق 1تطن) ,12م1عو1اء12 ٠‏ 
[.0 .1] :123115 .501010210112 71017006 4[ ع0 كع لو76 كع.ر! .ع اطاط ,لطاع طكعاتند[ ٠‏ 


أء ع265ع5 رععطة 1ط اه ع22320ع211 ملاع تالاه ععمعلة 161 عمنكل 5م 1اأعتستاقممء هآ" ناعم ]ا اأعمطاء8/1 عع اعطء 1ط ,عمعوموظ ٠.‏ 


.(1987) 4 .42,10 .7701 .كه ه501 521671225 ,171151017 :4770/95 ".ع:1151011 


70 11110 1115/1©11آأمم 7ل ع7110111و 17271 10تلا ع/71107111© 5 211711 531110111 .5/112/11©171© 15692171752 .اتقطلماع خا كاعم 1اء05] ٠‏ 
.6 وطق 1طتاك :312]/! ححتهة اكتتلكلمطة]"آ .5270/1 


1 11775/01117110 101 ©111019656/11/11[ك “تنا :802511112 1016 .ال تقطاعاع خا 011كآ عى طعع101[-11305 ,كلم1 1م115[ ٠‏ 
.1990 ,115261 :11312 طلتة اتتتلكلمة1آ1 


9 ,1615 تتعطاعاء اطع 5 :12115 .701111011 1620171011116 ©0 27111011 .31:1 كا رعتتة 1/1 ٠‏ 


-1680 ,17"071/0:261/1 :17 *1-50210/1©7[/ 7011115 1107110117 .11 1طء15آ عع 111 ل-مطقآط عك 1 ا[مقطءعك 0تمطا1عاظ ,011] ,التمطعاع] ٠‏ 
+4 ,0102501115 :معطع م نط .1626 


لأعفه8 .81105012 عل [علاط07:17 11 27151011565 .02111 001111160 عك 0100061 12115160[ ,لمتطاعدهل راع الن]] ٠‏ 
و5017723 :51111152311 


,012] ع0 ع315؟ج13 عامعظ :عمصطامكا .71160161 011117111 سأ هله 517112111125 كحرط .2111 ,الع 1011 ٠‏ 


1١3115: 5311, 4‏ .2701562 1171510176 0 201117017015011 12 106 .(.011) لتقطتطتةء مطتمطاضك عأ 1لغمة 8 عكى اأعقطاء1/طا جتعمهء 1 ٠‏ 


166 


60570101 










3.6 
0 ل - 


٠‏ | زح | ت كتب 
تيت 80016 


نل 











لطفي عيسى | 481553 010]* 


صناعة المعرفة التاريحية العربية: سياقات بناء 20 
الدلالة وأشكال تأويل المتمثل 5 


01 5اأءتع001) :20016102 ع5 112017160 111510111 11م 










111610166118 01 101025 3101 15و11 005111161115 ) 
كع 1 


عنوان الكتاب: التأريخ العربي وتاريخ العرب: كيف كتب وكيف يكتب؟ الإجابات الممكنة. 
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. 

مكان النشر: الدوحة/ بيروت. 

سنة النشر: 2017. 

عدد الصفحات: 1056 صفحة. 


ع 
5 7727 ووو 


* أستاذ ا قار الثقافي بجامعة 11 كال ١.‏ 7 2 رد 1 1 3 5 1 
7 0 21 دن ااه راهنا انان 06 61 و0065 0 
, 8 : : 1 ضّ في 2 7 سا2 . 57 
إفلاتستصس ٍْ 3 1 “كوي 8 : سور 2 


سك لبط ٠129‏ 1 حت سارك 12 














العدد 12 ]1 تموز / يوليو 2020 


استّهل هذا الكتاب بعرض تقديمي من 20 صفحة خصص للورقة الخلفية لفعاليات المؤتمر السنوي الثالث للدراسات التاريخية 
عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بيروت خلال الفترة 4-22 نيسان/ أبريل 2016. ثم تبعه تمهيد وضعه رئيس 
اللجنة العلمية للمؤتمر ومنسقهء وجيه كوثراني» بعنوان "التأريخ العرربي: بين التاريخ الشامل والتاريخ الجزئي" وافتتاحية بقلم المؤرخ 
اللبناني خالد زيادة» عرض فيها على نحو تركيبي مختصرًا لجملة من الملاحظات بخصوص "استخدام الوثائق في كتابة التاريخ العربي". 

مثّلت مختلف محاور هذا المؤتمر إطارًا سانحًا لتبويب شواغل في 32 مساهمة منهجية وتاريخية وقشت محتوياتها ضمن أشغال 
المؤتمرء قبل أن تصاغ نهائيًا لتتخذ موقعها ضمن مكونات هذا الأثر الجامع. وقد آثر منسق المؤتمر ومُعدٌَ أعماله للنشر تقسيم مختلف 
المساهمات التي شغلت مجلدًا واحدًا احتوى على 1056 صفحة (شغل فهرسه العام 39 صفحة)ء إلى ثلاثة أقسامء ورّد أولها بعنوان 
"كتابة التاريخ العربي حقلا وتحقيبًا ومنظورًا": جامعًا 10 مساهمات امتدت عروضها المعرفية إلى 315 صفحة. في حين عُنون ثانيها 
ب "مسائل واتجاهات في التواريخ الوطنية"» وقد تضمّن 8 مساهمات امتدت على مدار 270 صفحة» أمًا ثالثها الذي تضمن 384 صفحة 
فهو بعنوان "التاريخ المقارن ومسائل من حقل الذاكرة والتاريخ". وتوزّعت مساهماته على شاغلين اثنين؛ اتصل أولهما بالتاريخ المقارن 
جامعًا 5 مساهمات» بينما خضصّص الثاني لعلاقة الذاكرة بالتاريخ أو لما قد يستقيم تسميته أيضًا ب "أشكال تأويل المُتمثّل تاريخيًا". 
وهو يشتمل على 9 مساهمات. 


استهلالات 


ناقشت الورقة الخلفية للمؤتمر مجمل الهواجس التي قادت المنظمينء أو المشرفين على انعقادهء وقد تعلق جميعها بمسار بناء 
المعرفة وإنتاج الدلالة التاريخية طوال الفترة المعاصرة عربيًا. واتصل ذلك تحديدًا بأهمية التراكم مشرقا ومغربّاء وحقيقة حضور عوائق 
معرفيّة في البحث التاريخي شملت قراءة السياقات الزمنية» أو بناء الحقب التاريخية وتحديد المجالاتء أو الأطر المكانية والموضوعات 
والمصادر والمنهجيات ومناويل و/ أو نماذج البحث المتبعة» وجميعها "مطبّات" يحسن التفكير مليّا في أيسر السبل الكفيلة بتجاوزها. 


ليس من المنطقي في شيء الإصرار على مواصلة محاكاة التقسيم الكلاسيي الأوروبي بعد تزايد الدعوات إلى إعادة النظر في توجهاته 
الإثنو-مركزية المعلنة كونيًا. كما أنه ليس من المنتج للدلالة تواصل اللبس المقصود في صياغة التاريخ العربي بالتعويل على مفاهيم الأمة 
العربية و/ أو الإسلامية: تساوقًا مع ما أنجزته مدرسة الاستشراق في ما ركبته مؤلفات كارل بروكلمان وألبرت حوراني وغيرهماء تحاشيًا 
للوقوع في الإسقاط أو "الأناكرونية" حال تركيب التواريخ العربية/ الإسلامية الشاملة أو المونوغرافيات الإقليمية الكبرى (الشام 
والجزيرة والمغرب)» وكذا الأمر بخصوص صعوبة إدراج تاريخ العرب ضمن التواريخ العالمية المقارنة كما جشمتها كتابات أرنولد توينبي 
وهنري بيرين وفرناند بروديل وأندري ميكال» وغيرهم» وصاغته أيام ازدهار الحضارة العربية الإسلامية في القترةالفاصلة بين القرنين 
التاسع والرابع عشر الميلاديين» كتابات أحمد بن إسحاق اليعقوي (ت. 282ه/ 897م)» ومحمد بن جرير الطبرى (ت. 310ه/ 23وم)2 
وعلى بن الحسين المسعودى (ت. 346ه/ 957م)ء ومحمد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت. 548ه/ 1153م)» وأحمد بن محمد مسكويه 
ا 1ه 1030م). 


ل ا ل ا ل ئش افر ار فاه 
08 لل الل ع الضة إن ا لا انون لطي عل و شانة تلفي شيك الل والتميىء 


170 


م 
صناعة المعرفة التاريخية العربية: سياقات بناء الدلالة وأشكال تأويل المتمثل ! رز طور مراجعات كتب 


بحيث لم يُوفْق عامةً في تقديم إجابات دقيقة حول المواضيع المتعلقة بالحدود وتعدّد الانتماءات والعلاقة بتواريخ ما قبل الإسلام: 
وبجميع الأساطير المكوّنة للوعي الوطني أيضًا. وهذه حقيقة طفّت على السطح حال تسليط الأجيال الجديدة من المؤرخين العرب 
الأضواء على موضوعات غير مبذولة» صُنّفت حتى وقتٍ قريب في خانة المسكوت عنهء وهي تحيل على أيام الأفراد وأعمالهم: وكذلك 
على خصوصياتهم الدينية والإثنيّة والثقافية. 


واصل كوثرانيء ضمن مساهماته التمهيدية» تفكيك مأزق الكتابة التاريخية العربية المعاصرة بين الشمولية والجزئية» وهو ما 
ألجأ الباحثين الذى قاربوا ذلك التاريخ من الخارج إلى استعمال مصطلحات خاصة تحيل على "تاريخ الشعوب العربية/ الإسلامية": 
تلك التي ساهمت جغرافية اللغة والثقافة في صهرها أو بناء تجانسها ضمن "مجتمع معنوي"» وهو ما جسّمته على نحو ملموس تنقالات 
الجماعات الإثنية الكبرى والنخب التجارية والدينية أو الفكرية بين المشرق والمغرب» وقد حاول المؤرخ العراقي عبد العزيز الدوري 
[2010-1919) الاستدلال على وجوده ضمن مؤلّفه التكوين التاريخي للآمة العربية. غير أن مثل هذا الجهد التاريخي المعوّل على 
النظور التركييى المتقرظ فى تقديم سرديات تاريخية كبرق لم يُستجب له عل التحو المؤقل من مختاف مساهمات واد 17 
التأليف» أولتك الذين آثروا الخوض في مثيلتها القُطرية أو الوطنية» وعقّوا كليًا عمّا نعته واضع هذه العروض التمهيدية ب "التاريخ 
التركيبي أو التوليفي الشامل للأقاليم الواسعة" (الجزيرة» والشام» ووادي النيل» والمغرب) (ص 33)» تواصلا/ أو نقدّا مع ما سبق لعبد 
الله الغروق ل يذاية سبعينيات القرن الماضي إنجازه ضمن موجزه التركيبي المقارن» والبديع أيضًاء حول تاريخ المغرب والظن بعد هذا أن 
ما لقيه محور التأريخ للفرد والأسئلة المتصلة بعلاقة الذاكرة بالتاريخء وكذلك التركيز على تاريخ الأقليات وتاريخ المهمشين وفقًا لمعالحا - 
توسّلت بتداخل التخصّصات:. بل بعبورها أحيانّاء مُندرجٌ - كما قد بات بِيَّا - في محاولة لتجاوز هنات المُنجزء توقيًا من التكلفة الباهظة 
للتردّد في الانخراط معرفيًا ضمن ما اصطّلح على تسميته كونيًا ب "المنعرج التاريخي الثقافي". 


ولاعتبارات تتصل بمحورية العلاقة التي يتعيّن أن تربط المعرفة التاريخية بمختلف مدوناتهاء فضّل منسق ال مؤتمر والمشرف على 
لتأليف إدراج مساهمة خالد زيادة ضمن العروض الاستهلالية» وذلك باعتبار تلازم محتواها مع ما تضمنته الورقة الخلفية والعروض 
التمهيديةء فضلا عن تأكيده ضرورة توسيع الاطلاع على الوثائق الأرشيفية والتعويل عليها في بناء الفرضيات التاريخية بتخصوص 
التواريخ العربية» وهو أمر سبق لدراسات المستشرقين المنجزة في الغرض التفطّن له (غوستاف لوبون» وكارل بروكلمان). وقد تواصل 
التعويل على ما تضمنته الوثائق القنصلية وسجلات المحاكم الشرعية في دراسة مجتمعات العرب واقتصاداتها على شاكلة ما هو ماثل 
ضمن أبحاث أندريه ريمون لدى المؤرخين العرب لاحقاء تجاورًا للعروض المكتفية بمعالجة كتب الأخبار والوقائع السياسية والعسكرية» 
وتوسّعًا في استقراء المسائل المتّصلة بتطوّر الأسعار والغلاء وحركات الاحتجاج الاجتماعي وغيرها من السياقات الدالة على الانتقال 
من الواقع التقليدي والتطلع إلى الاندماج في زمن الحداثة عربيّاء وهي طريق أسهمت مدرسة الحوليات الفرنسية, إثر الحرب العالية 
الثانية» في رسم معالمهاء ينبغي للمؤرخ العربي الاعتبار بها إذا ما رام تخطي مخنتلف السرديات العربية التي لا تزال منشذة إلى تصّرات 
أيديولوجية ضمنية أو معلنة. 


صناعة التواريخ العربية بين الكونية والمحلية 
لبس مق المين الأقد ام عل توظليف حملة من الاضاء اه العدافة بخصوض طنينة القلاقة الع قربط اللدؤلات الا 000 


أترتك - ولا تزال تور - فى المعرفة التاريخية كونهًا بمختلف الأشكال الى خضعت لها؛ منذ القرن المافى: صناعة التواريخ العربية © 


> 


مؤسسات بحث عربية أو اجنبية. وقد جمع هذا الكتاب ما لا يقل عن 10 مساهمات عرضت عليناء وفق تصوّرات منهجية متباينة» جملة 


1/1 


20 


العدد 12 


غ 
طي ل تموز / يوليو 2020 


0910101 


يم 


من المسائل يحشن - اختزالا للدلالة - تصنيفٌ مضامينها نقديًا وفق محورين رئيسين؛ أحدهما حاول تقليب النظر في إشكالية كتابة 
التاريخ العربي من منظور التاريخ العالمي بالتعويل على نماذج من التواريخ الجامعة أو الكونية» مثلما تعرّضت لذلك مباحث أحمد الشبول, 
وأحمد أبو شوك» وإبراهيم القادري بوتشيشء» ومحمد مرقطنء وعمار السمرء ومحمد الأزهر الغربي» في حين فضلت بقية النصوص 
المتّصلة بالقسم نفسه الحفرّ في الموضوع ذاته بالتعويل على عينات مصدرية أو أمثلة حصريّة محدّدة» على غرار ما تولت إنجازه مساهمات 
محمد عز الدين» وعبد الرحمن شمس الدين» وأنور زناتي» وأمل غزال. 


تم استدعاء مدونات على بن الحسين المسعودي وعبد الرحمن بن خلدون (808ه/ 1406م): بوصفها مساهمات مُمثّلة لحدود 
تطوّر المعرفة التاريخية عربيًا طوال الفترة الوسيطة المتأخرة» قصد ردّها إلى منهجيات حديثة تحيل على سياقات تشكل الحضارات 
الإنسانية في مؤلفات فرناند بروديل» ووليام ماكنيل» وأوسفالد شبنغلرء وعلى تطبيقاتها في تصوّرات برنارد لويس الاستشراقية وصامويل 
هنتنغتون الأيديولوجية حول "صراع الحضارات" أو ضمن ما هو واردٌ لدى المحتفظين عكسيًا بفكرة حوارها. كما أن التطرّق إلى 
مختلف الصعوبات» التي حالت دون الاتفاق على أمثل السبل لتركيب وقائع التاريخ العربي زمانيّاء قد أعاد فتح ملف كونية الكتابة 
التاريخية إلى المربع الأول» ودفع إلى البحث عن أمثل السبل المؤدية إلى إدراج تلك السردية التاريخية ضمن امتداداتها الكونية المتضمنة 
للحقب الثلاث (القديمة والوسيطة والحدينة)ء أو أزمنة بروديل الثلاثة (الأمد الطويل أو زمن البنى» والزمن الدوري أو الاجتماعي: 
كن الوقائع أو الحوادث السياسية السريعة)ء وكذا الأمر بالنسبة إلى مساهمات مدرسة الاستشراق في مؤلفات ويل ديوران» ومارشال 
مُدجسونء؛ وشلومو ديف غويتن» توقيًا من التوجهات العكسية الداعية إلى "أسلمة" تلك التواريخ وفقًا للتصوّرات التي حملتها بعض 
]الاين ودعما لترهمات اسعمواوها الحتب الواردة ضمن مساهحات محمد أركون وعند اللهةالعروى أساقا: 


ويجد هذا التمثل نقلة نوعيّة لمضامينه ضمن التصوّرات الداعية إلى تجاوز الحقب السياسية المتداول» ورد معرفة التواريخ العربية 
إلى أفق يعوّل على مقاربة الحقب الثقافيةء تلك التي تفسّر الظواهر الكبرى انطلاقًا من التحولات المعرفية» لا السياسية» مُعتيرة 
ب "الرجة" التي عاشها المجال العري» بوصفها تمهيدًا لنهضة عربية ثانية مكمّلة لما تم إنجازه خلال القرن التاسع عشر. وقد حملت 
الحقبة الكونية الجديدة في تاريخ البشرية تحؤلات عميقة تحت تأثير الثورة الرقمية التي أنتجت فعلًا بشريًا جديدًا بعد أن نجحت في 
"ان الهويات دينيًا ولغويًا وقوميًا وجنسيًا. وأنبهى "الزمن السيبراني" كلا علنًا قديمّاء ليتحؤل الكون إلى خلق جديد يحتاج معه المؤرخ 
إلى تطوير أدوات عمله تلاومًا مع إكراهات "الحاضرية"» واستشرافًا ا يخبَنُه المستقبل للبشرية» بالتعويل على استقراء البحوث الميدانية 
أو الافتراضية ذات الصلة بالدينامية المتعاظمة لشبكات التواصل الاجتماعي. 


ولعل للاعتبارات المتصلة بحقيقة ظهور أولى الحضارات القديمة بالعالم العربي (حضارات سومرء وبابل» وآشور ببلاد الرافدين: 
والفراعنة بمصرء وإيبلا وأوغاريت والكنعانيين والآرمية بالشام» ودلمون ومجان بالجزيرة العربية وعمان» والسبئية والقتبانية والمعينية 
والحميرية غرب الجزيرة» وكندة ولحيان وتيماء والأنباط والحضر أو تدمر شمال الجزيرة وأطرافهاء واللوبيين والأمازيغ بمجال 
المغارب)» آصرةً وثيقة بضرورة تجديد التفكير في منهجية كتابة تواريخها والتساؤل عن مدى اشتمال أمة العرب على هوية تخضّها. 
غير أن الاعتراف بقلة النجابة وتواضع المراكمة وهيمنة المنجز الأثري الغري بتصوّريه الدنيوي الاستعماري والديني التوراتي يدعونا - 
حاضرًا - إلى الانخراط بثبات في مساهمات الاكتشافات الأثرية والنقيشية خلال العقود الثلاثة المنقضية» ونقصد نقوش الجزيرة العربية 
وكتاباتها؛ كالرقم الأشوري والبابلي» وكذا المصادر السريانية والأكادية والأوغاريتية والسبئية في إنجازهء تخطيا للصورة التاريخية القاصرة 
اطي التى وفرتها مصادر التراث العرى الإسلامى حول تاريخ جزيرة العرب القديه:وحضاراتهاء وهو فى تقديرنا ادف 'ذاته الذى 
تحتبقه لحان لقان ل هذا لاع 2 ل ل قيس التجارت 1ل رسية فى كتابة التاريج الدريء 


7 


1 كر شر 
صناعة المعرفة التاريخية العربية: سياقات بناء الدلالة وأشكال تأويل المُتَمثل لطع ل مرا جعات كتب 
جحل 


وتوضيح مدى انخراط تلك الكتابة تحديدّاء في إنتاج معرفة دقيقة وأصيلة أيضًا حول تاريخ العرب الاقتصادى. ولئن تمّت الإشادة 
بالجهد المبذول من قبل المساهمين في التجارب الرسمية في سورية (تلك التي لم يتم استكمال أبحاثها)» وبمنجز المنظمة العربية للتربية 
والثقافة والعلوم بعد صدور أجزاء الكتاب المرجع في تاريخ الآمة العربية السبعة» تساوقا مع تعدّد الإكراهات التي عاشها واضعوهاء فإن 
حصيلتها تشي باستحالة بلوغها الأهداف المعلنة من وراء إنجازهاء وفقًا لما شدّدت عليه تقييمات المؤرخة الالمانية أولريكه فرايتاغ ضمن 
مؤلفها الإسطوغرافيا السورية 1990-1920: بين المقاربة العلمية وهيمنة الأيديولوجيا. 


كما أن التساؤل عن الحيّز الذي شغله التاريخ الاقتصادي في صلب المعرفة التاريخية العربية» ومدى مشاركة مؤرخيها في توخى 
مكتاف مقارياته: قصد مزيد فهم للحقب أو المراحل التاريخية المختلفة التي مرت بها البلاد العربية, مسألة حَرِيّة بالتدبر» ثبت بالحجة 
والبرهان تواضع بَاع المعرفة التاريخية العربية في إتمامهاء ويعود ذلك - وفقًا لما تم إقراره - إلى المشاكل المتصلة بفتح الأرشيفات أمام 
الباحثين» أو انعدام وجودها كليّاء فضالًا عن زُهد الثقافة العربية في الاعتبار بقيمة الماديء والانقطاع عن التفكير في الاقتصاد السياسى 
الذى تبلور منذ عصر النهضة أوروبيّاء بل اعتباره تصرّفا "مكروهًا" "أو "غير مندوب": مع عجز الحركات الإسلامية حاضرا عن بلورة فكر 
اقتصادي إسلامي وإخفاق حركات التحرّر عربيًا في عرض بديل اقتصاديء وتواضع سياساتها في الغرضء إذا ما قارناها بالتركيز المشط 
على التواريخ السياسية المشوبة بتوجهات أيديولوجية غير خافية. 


ومهما يكن من أمرء فإن عروض بقيّة المساهمات المحسوبة على القسم نفسه قد آلت على نفسها التتتت» على نحو تفصيلي أو 
جزئي» في ما قدّرته العروض التي كنا بصددها حول أشكال انخراط كتابة التواريخ العربية وتطوّر مناهجها ضمن التصوّرات الناظمة 
لصناعة التواريخ الكونية. وقد بيت المساهمة المنجزة بخصوص طبيعة المنهجية التي احتذاها كمال الصليبي [2011-1929) ضمن 
مخقاف عروض مولّفه التوراة جاءت من جزيرة العربء مئلاء اعتماة الباحث عل الجغرافيا التاريخية للتوراة: وكذا أسماء الأنا '١ ٠‏ 
بغرض البرهنة على أن مجال شبه الجزيرة (الحجاز واليمن)ء لا بلاد الشام ومصرء هو الذي عاين وقوع مختلف الحوادث المؤسّسة 
للرسالة الكونية للديانات التوحيدية. ولذلكء احتاجت المنهجية المتبعة من قبلهء وفي المقام الأولء إلى معرفة جيّدة باللغة العبريّة الساكنة 
أو القديمة الخالية من الحركات الصوتية» تلك التي مثّلت العربية مرجعًا في دراستها بوصفها اللغة السامية الحيّة حاضراء مع الاعتبار 
في جميع ذلك باختلاف التصويت وتحوّل الحروف في استكشاف معاني مختلف الأماكن الواردة في الكتاب المقدس بوصفه حكاية 
للخلق فَدَّت من لغات سامية تقع بين العبرية والعربية والسريانية والآرمية القديمة؛ وخضعت عملية تفكيك شفرتها لتقنيات الاستبدال 
والتعريب والترجمة. 

وتبدو حصيلة التدقيق في طبيعة المساهمة التي يوفرها الحفر في مدونات النوازل مغربًاء ودور التنظيم الشبكي في تعزيز قدرات 
المقاومة والانتشار على كامل المجال العربي لدى الأقليات المذهبية الإباضية» عناوينَ فرعية لجملة من التطبيقات التقنية والمبهجية 
العاملة على استدرار مَعين مدوّنات مخصوصة ساهمتء ولا ريب» في توسيع أفق الدراسات التاريخية العربية» وخاصة الاقتصادية 
والاجتماعية منهاء سامحة بتغيير أفق التركيز المشط حول المشرق والاعتراف لمجالات المغارب والصحاري الطرفية بأهمية مُنِجَزْها في 


صياغة سرؤئة عريية توترتيج التشبياق» مقتيةٌ ق حى الاناضية ين غمان وزتجار والشرق والغرب» سواء عل أياة ازيف 111 
والإصلاح الإسلامى أو الوحدة العربية بعد تصفية الاستعمار؛ إذ لا ينبغى أن يُبتسر تركيب مرويّة الترابط التاريخى العرى فى اللغة 


والثقافة والدين» بل يتعيّن أن يطرح على نفسه مهمة صياغة جغرافيا عربية جديدة. 


ا اعفان ار ا لا لا ل ندا يي فقتل ا عل ل ام 
الزمن الضائع ". غلقٌ حلقة علاقة كتابة التاريخ العربي بصناعة التاريخ الكوني عبر التوقف عند عمق تحولات زقانيات ما يقد الك لان 


1/3 


20 


العدد 12 


م 
بطل تموز / يوليو 2020 
1م 
لم 


0510101 


ددا 


العسكرية مصريّاء وفك شفرة علاقتها بثنائي التاريخ والذاكرة» وفقًا لما جسّمته التصوّرات التي صاغها بندكت أندرسن ضمن موَلّفه 
الجماعات المتخيّلة: تأملات في أصل القومية وانتشارها. لذلك» تم اللجوء إلى توضيح الأدوار التي عادت إلى ما وُسم ب "الخبرة 
التزامنية". و"التمقّل": و"عجلة الإنتاج": في صياغة الانتماءات القوميةء والكشف - تبعًا لذلك - عن فشل الدولة المصريّة في "إنتاج 
الزمن اليومي"» ودوران شرعيتها زمن حكم محمد حسني مبارك ضمن خطاب ممجوج حول النماءء مع الدفع نحو الانخراط في دوامة 
"التذكر الباعث على النسيان ععصة اددع سورع" (ص 3), وتعمّد تغيير الحقائق أو تذكرها على نحو منقوص ومغلوطء وهي حقيقة 
ُفزعة كشفت الثورة عن كارئيتهاء بمجرد فتح الأرشيفات السرية, والاطلاع على وثائق الحروب العربية - الإسرائيلية» والتبضر - نتيجة 
لذلك - بزيف الخطاب الرسميء مع إشراع الباب أمام زمنية مُحرجة أرقت مضاجع الفاعلين السياسيين والمدنيين بعد أن ثبت تورّط 
205 ,عل نحو أو أكرء في المصادقة عل ممارسات منخزية تحت غطاء يتا مشاريع الذول الوطنية عريًا وتخصينها. 


"الخروج إلى النهار": كتابة السردية الوطنية ومأزق التوظيف السياسي 


توزعت الأبحاث التي تضمّنها هذا القسم جغرافيًا على مجالين كبيرين» اتصل أولهما بعينات من التواريخ الوطنية لبلدان المشرق 
العربي (فلسطين ومصر والأردن والعراق)» بينما خاض الثاني في تواريخ بلدان المغارب [تونس والمغرب الأقصى وموريتانيا) . 


كشفت مساهمة نهى خلفء بالاستناد إلى مذكرات الصحافى الفلسطينى عيسى العيسى (1950-1878) والتعويل على المقاربة 
التاريخية المجهرية» عن جوانب غير مبذولة من تاريخ فلسطينء امتزج داخلها الذاتي بالموضوعي» والتبس ضمنها الماضي بالحاضرء 
بحيث منح وقوع التحليل المجهري عند نقطة الالتقاء بين الزمان والمكان فرصةً سانحة لملء شواغر التاريخ الفلسطيني» وخاصة ذلك 
الذي يمتد من العهد العثماني إلى تأسيس ركائز الكيان الصهيوني» مرورًا بالحكم العثماني والثورة العربية الكبرى . 


وقد بِيّنت المعالجة التاريخية المجهرية لمحتوى مذكرات العيسى مسايرة العثمانيين للحركة الصهيونية» ودعمهم لالإقطاعيين في 
سطوهم على أراضي الفلاحين من دون حق قبل التفريط فيها بالبيع للمهاجرين الصهيونيين. كما أثبتت تعاون الحركة الصهيونية مع 
الأنظمة العربية إبان الثورة الفلسطينية عام 1936» ووعي الجيل الأول من الفاعلين السياسيين بوجود فروق بين التيارات الصهيونية 
أيام الانتداب البريطاني» وتضرّر الفلاحين بسبب خطّة التقسيم التي دفعتهم إلى تشكيل النواة الصلبة للمقاومة؛ ومناصبة المحافظين 
من كبار الملاكء بالنظر إلى الغياب التام للبرجوازية؛ العداء لهم. وتبهض مختلف هذه الحدوس المجدّدة» وغيرهاء حُبََةٌ دالّة على أن 
الاهتمام بالمكان والذاكرة والجماعة والثقافة والهوية أمرٌ مُعتبرٌ في الكشف عن المنافسات والصراعات المُعلنة» أو المكتومة» بين مختلف 
الفاعلين التاريخيين» وذلك قصد مزيد فهم الأسباب التي تقف, ولا تزال» وراء إخفاق فعل المقاومة فلسطينيًا. 

وقد عرضت مساهمة نجلاء مكاوي للتحؤلات التي شكلت التأريخ لمصر الحديثة والمعاصرة "اتجاهًا ونظرية ومنهجًا وقيادة". 
كد أن تحؤات الجامعة المضرية» مع حلول عام 925+ .من طابعها الأمل إل طابع حكومى».وتساءلت الباحثة عن .مسيتويات 
التحوّل» أو الانتقال» في صياغة المعرفة التاريخية وبناء التراكم المعرفي» من الالتزام يمحوريّة دور الفرد في صياغة الفعل التاريخي إلى 


عادقة تلك الصناعة نفسها بفعل الجماعة: توافقًا مع التفسير المادى للتاريخ فى تصورات مؤرخى اليسار المتأثرين بالنظرية الماركسية, 
فالاستجابة لمقتضيات الهوية في مراجعات الباحثين الإسلاميين وتفسيراتهم. 


هدفت تلك السيرورة إلى توضيح دور المؤرخ فى التحولات الفكرية والخصوصيات السياقية التى مثّلت نبراسًا لبحوثه الأكاديمية 
مع تحديد طبيعة الأدوار التى عادت إليه فى توظيف معارفه, قصد خدمة أهداف ثقافية وسياسية متباينة» وكذا حقيقة دفعه فى اتجاه 


174 


م 
صناعة المعرفة التاريخية العربية: سياقات بناء الدلالة وأشكال تأويل المتمثل ! رز طور مراجعات كتب 


التأسيس لبروز مدارس في الكتابة التاريخية مصريًا. وثُقرَ الباحثة بأن الاشتغال على فعل القادة والعظماء - بوصفهم محركين للتطوّر 
التاريخي المصري - أو الاشتغال بسياقات بناء مختلف الأنظمة السياسية الحاكمة» والتبضر بروافع ومسارات تاريخ الحركة الوطنية 
وطبيعة التطوّرات التي عاينتها بنية الذات التاريخية» قد أضحى كله مثار شك بعد الرجّة العنيفة التى أحدئتها وقائع بداية عام 2011 
الفارقةء وهي أحداث دفعت الأجيال الجديدة إلى مناأة توجّهات السلطة المستبدة, ولا سيما في وصايتها على مختلف شرائح اللمجتمع ؛ 
من تزوير للذاكرة الحيّة وتعمَدٍ لمحو سجلات الثورة وصورها وأحداثهاء وتعتيم على مختلف الملابسات التي سبقتها وحدّدت حصولها 
على الحقيقة» فكأنّ الإصرار على استدعاء الخطاب القوميء والدفع نحو إعادة إنتاج مقومات زمن التسلط والإقصاءء قد حفزا تشوّف 
الأجيال الجديدة, بل إصرارها على التحّر من ذلك الإرث» وعلى الدعوة المعلنة إلى القطع مع مخلّفاته الكارثيةء من خلال إعادة قراءة 
معافاة من جميع نوازع التضليل والتلفيق لتاريخ مصر الحديث والمعاصر. 


وتكشف بقية المساهمات الخاصة بالمجال المشرقي» تلك التي عادت مهمة خطها بخصوص علاقة الأردن بالتاريخ الوطني إلى 
مهند مبيضينء وفي ما يتصل بالسياقات المتحؤلة للكتابة التاريخية ومناهجها بالعراق إلى نصير الكعبي» عن اتسام المعرفة التاريخية 
بحالة من الاستمرارية المفتعلة» أو الركود المخاتل أردنيًا. ويبدو التوجس من فتح ملفات سياسية مُحرجة للأسرة الهاشمية الحاكمة 
وللأطراف القريبة منها باعنًا أساسيًا لهء حتى إن ثبت انخراط فعل تركيب تلك التواريخ في ظلال القضيّة العربية أو حول إشكالية تكوّن 
الشخصية الأردنية وإعلاء دور الحركة الوطنية» مع تفرّع تلك الكتابة إلى أربع مؤسسات متضامنة» هي: الجامعات؛ واللجان الوطنية, 
ومراكز البحوث والدراسات» والأبحاث التاريخية اللستقلة» تلك التي غلب عليها نفس أدبي واجتماعي غير خاف. على أن حديا ١‏ 
تراكم من بحوث في التاريخ السيامي تبعث على الاعتقاد بقلة نجابة المؤرخين (مع حضور استثناءات) في مبارحة المواقع المباحة ,17 )) 
وتشكيل خلفيّة فلسفية أو فكرية تنم عن حضور اختيارات مستقلة, فضا عن التعامل النقدي مع تاريخ الحركة الوطنية أو البحث في 
تاريخ الكوارث والجوع والسجون والأمراضء وغيرها من الإشكاليات المتفرّعة عن المقاربات المحسوبة على مختلف تيارات الكتابة 
التاريخية المحدثة أو المجدّدة. 


ولا يخرج مسعى المبحث المخضص لعرض سياقات الكتابة التاريخية العراقية ومقارباتها المنهجية عن الإطار ذاتهء محاولا 
إعادة تقويم الصورة النمطية المتمثلة داخليًا في تحولات الأيديولوجيا الرسمية المهيمنة على المسار الجمعيء وباعتبار تأثير التحوّلات 
التي اعترت نمط الإنتاج المهيمن على تصريف الشأن الاقتصادي عراقيًا في توجهات إنتاج المعرفة التاريخية. في حين اتصل الأمر 
خارجيًا بتعدّد الحواضن التكوينية والمنهجية الغربية للآباء المؤسسين لتلك المعرفة. ولذلك» يصبح من غير الدقيق إطلاقاء في غياب 
التراكم المعرفي وانعدام المجايلة والتداول المبني على الجدارة والتأهيل الأكاديمي الحديثء وجودُ مدرسة تاريخية بمواصفاتها المهنية 
ووظائفها التنظيرية والتأصيلية بالعراقء حتى إن عاينت الكتابة حضور عدة "أنماط راسخة": على غرار ما وسمه الكعبي ب "النمط 
الوطني المحلي ", و"النمط الماركسي ". و"أنماط متحوّلة": على شاكلة ما وسمه أيضًا ب "الكتابة التاريخية القومية الإسلامية". و"التارت 
الوطني". و"تاريخ الطائفة": و"نمط الكتابة الاقتصادية القومية": تناول جميعها "سيرة الأمة ودورها في التاريخ" مع توضيح مساهمات 
أبرز الفاعلين التاريخيين بالتعويل على تركيب مساراتهم الحياتية على شاكلة ما هو ماثل ضمن مؤلف عبد العزيز الدوري التكوين 
التاريخي للأمة العربية: دراسة في الهوية والوعي . 


كلت المساهمات الأربع |“صلة بالمحال المغاربي (عددها عرضان بحصوص المغرب» وعرض مغرد لتوئس ومثله لموريتانيا) رج 
صدَّى للإشكالية ذاتها المخضصة لمختلف القراءات التى دققت في طبيعة الشواغل الواسمة لسرديات الدول الوطنية وأشكال تركيب 
ا سد اها ل ا ا 


1/5 


ماله 


العدد 12 


بطل تموز / يوليو 2020 
حلم 


0910101 


ع 


عرض عبد الرحيم بنحادة لمختلف أجيال منتجي المعرفة التاريخية (ثلاثة أجيال) وللمجالات البحثية التي اهتموا بها؛ كالتحقيق, 
والمونوغرافياء والتاريخ العلائقي مع المشرق وأوروبا وأفريقياء فضا عن مساءلة الغيريات: والاشتغال بتاريخ الزمن الراهن» وصياغة 
العروض التركيبية» مع التعرّض لمختلف اطر النشر الجامعي ومؤسساته وطبيعة العوائق التي تعترضه مغربًا. وانتهت حصيلة ابحاثه إلى 
اعتبار أن تمكن المؤرخين المغاربة من الانفراد بقرابة ثلث إنتاج المعرفة في حقلي الإنسانيات والاجتماعيات مغربًاء لا ينبغي أن يحجب 
50 ارنا اتسام التراكم المعرفي التاريختي بالمشاشة» مع انعدام القدرة عل تجديد الأجيال عل نحو يضمن الجودة والضدقية المأمولة 
وتراجع الإنتاج المعرفيء بل انحصاره منذ عشريتين. 


في حين عوّل محمد حبيدة» في تواصل مع ما كنا بصدده؛» على المضمون الغائم لمفهوم "ما قبل الكولونيالي". للتساؤل عن وظائف 
التقسيم الزمني الاعتباري ومختلف الإمكانيات المتاحة لتناولهء انطلاقا من مختلف البنى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية؛ بُغية 
مواءمته مع مقتضيات الزمن الطويل وتطبيقاته كونيّاء بحيث عكس مقترحه رغبة في مراجعة استخدامات الزمن التاريخي المشدود 
لمفهوم "ما قبل الاستعمار"» سواء لدى المؤرخين أو عند المشتغلين بالمعارف الاجتماعية» ومساءلة مختلف تلك العروض في ضوء ما وسمه 
ب "اتجاهات الإستوغرافيا راهنًا". لينتهي» بعد استيفاء تحليل مختلف محاور بحثه الذي تعرّض تباعًا لمختلف تطبيقات الزمن ما قبل 
الكولونيالي ورصد استعمالاته في استقراء تاريخ بلدان المغرب وأنثروبولوجيا مجتمعاتهاء إلى أشكال توظيف الأمد الطويل من خلال 
الانحياز الكلي إلى ضرورة التجسير بين العصور الوسطى ومثيلاتها الحديثةء قصد مزيد فهم واقع الضفة الجنوبية الغربية للمتوسط 
عامة» والمغرب الأقصص تحديدًاء وذلك حتى احتلال الاستعمار الفرنسي للجزائر سنة 1830» تساوقًا مع ما نقله فرناند بروديل عن إدمون 
فارال من أن الخوف من التاريخ العريض هو ما يغتال ذلك التاريخ على الحقيقة. 


وحتى إن كان لفاطمة بن سليمان - حال طرحها ما وسمته ب "سياقات مسألة الدولة في الإستوغرافيا التونسية الحديثة ومقارباتها" 
- رأَىٌ مكمّل بهذا الخصوص: فإنّ اتكاءها على المقاربات المنهجية المنشدّة إلى ما وسمته ب "الدراسات الثانوية" (أو مشغل التابع)» وعلى 
"الدراسات ما بعد الاستعمارية" في مقاربات المختضّين في الدراسات العثمانية أيضّاء هو ما مكنها من التفطن إلى النقلة التي امتدّت إلى 
المعالجة التاريخية لموضوع الدولة وأشكال مقاربة مسائل الهوية» والمواطنة» والديمقراطية» والتنمية» تونسيًا. فقد عاينت دراسة مختلف 
تلك المسألة إثر تصفية الاستعمار» نقلة جوهرية في النظرة والتأويل» بحيث أمكن المرور من اعتبار الدولة من قبل الجيل الأول للمؤرخين 
التونسيين كيانًا ناجرًا ومصدرًا لكل فعل» أو تحوّل مفترض» إلى إدراج مختلف مبادراتها ضمن الشبكة المتشعّبة للفاعلين التاريخيين, 
وفق الحصيلة التي انتهت إليها مختلف التصوّرات التي أقرتها مراجعات عدد من ممثلي الأجيال اللاحقة ومباحثهم. 


وأدرجت الباحثة تقييمها المعرفي ومراجعاتها المنهجية لمجمل التوجهات المستجلبة ضمن أفق توقف عند سياقات القراءة في ما 
سمّته "أركيولوجيا الدولة الوطنية التونسية" لدى الجيل الأول "المهووس" بما نعتته ب "هاجس الدولة" بوصفها منظومة عنف وهيمنة: 
ونتاجًا لحداثة مستوردة» وولادةً لدولة سلالية محليّة» فانبعاثًا ل "أمة" مستقلة بذاتها من رحم دولة الخلافة أو الإمبراطورية العثمانية, 
لتنتبهي - في محور مقابل - إلى إدراج النقلة المعرفية الحادثة ضمن تحؤّلات التاريخ الاجتماعي الذي عالج تاريخ الدولة من الداخل 
ونوع المناهجء وغيّر سلّم المقاربات: عاملا على ردّ كل قراءة لواقع بناء الدولة التونسية إلى "سقف" لا يفصلها عن حقيقة ارتباط تاريخها 
الحديث ومجمل ديناميته بوضعيتها القانونيةء بوصفها إيالة تابعة للإمبراطورية/ الخلافة العثمانية. وهو المنحى ذاته الذي جذفت في 
اتجاهه عكسيًا مختلف دراسات عبد الجليل التميمي» وعمّقته لاحقًا مراجعات كل من أسماء معلى وليلى بليي» لتفكك بنيته الداخلية 
الأبحاث المنجزة بخصوص الأدوار التي عادت إلى مختلف الفاعلين داخل الجهاز الحاكم من أعوان مركزيين ومحليين» ومماليك: 


1/6 


1 4 
صناعة المعرفة التاريخية العربية: سياقات بناء الدلالة وأشكال تأويل المُتَمثل أ ل مرا د عات كتب 
جحل 
1 


وزوجات ومحظيات أو محظيين وقريبات» وغيرهم؛ وذلك في انتظار توسيع أفق ذلك التوجّه من خلال العمل على مقارنته بما عاينه 
نشوء الدولة ببقية الولايات العربية زمن الحضور العثماني. 

بيد أن ما انتهت إليه مساهمة حماه الله ولد السالم من استنتاجات: بخصوص ما سماه "أزمة التاريخ الوطني في موريتانيا": يعيدنا 
- بطريقته الخاصة - إلى المربع الأول المتصل بتألب مؤسسات ما قبل الدولة القبلية والمناطقية و/ أو الجهوية على جميع ما هو سواهاء 
تكريسا ل "الهوية الوطنية القلقة" الناتجة من أزمة مشروع الدولة وأزمة كتابة تاريخها ومراكمة المعارف الموضوعية المحكمة بخصوصها 
في آن. والحقيقة أن مثل هذا المرض الطفولي الذي شاب المعرفة التاريخية لم يقتصر على التجربة المشار إليهاء بل شمل جميع السرديات 
الموضوعة بشأن نشوء الدولة وتشكل الذات الوطنية أفريقيًا أو بمجال المغارب» بحيث كاد ابن خلدون أن يصير موضع نزاع "عقاري" 
بين مختلف بلدانه. وقد تقصّت تلك المساهمة منجز المباحث المتصلة بمختلف حقب التاريخ الوطني الموريتاني» مع التوقف عند مصادره 
العربية والمحليّةء ومدارسه المعاصرة» وعوائق كتابته» وفي مقدمتها إرث السوسيولوجيا الاستعمارية الفرنسية» وأشكال إنجاز المقررات 
المدرسية والأعمال التركيبية والأطروحات الجامعية» والترميق الذي شمل المرويات السياسية الأيديولوجية» إضافة إلى صعوبة صياغة 
الهوية الجمعية وضبط الحدود الترابية وسلطان القبيلة فضالا عن حساسية المسألة الثقافية حول التعريب وزنوجية من نعتهم هيرودوت 
ب "أصحاب الوجوه المحروقة": ومعضلة التاريخ المحلي» وغير ذلك من المحبطات والمعوّقات. وهذا الأمر يشيء عامة» بإخفاق مشروع 
الدولة الوطنية» وضعف مؤسساتها الحادثة إزاء سيطرة التواريخ القبلية والأسرية» وهو ما يدعو إلى المسارعة إلى تجديد معايير الثقافة 
الوطنية؛ تاسيسًا للوعي التاريخي العقلاني والانشغال بالموضوعات التاريخية الحقيقية» وتشؤفا لبناء تاريخ وطني "يسمح بالتوازن بين 
الخصوصيّة والكونية» والقطرية والقومية" (ص 524). 


ومهما يكن من أمر فإن الأبحاث التاريخية المتصلة بتشكل تجارب الانتقال نحو توطين المفردات الترابية الحديثة» ثم الوطنية 
بعد تصفية الاستعمار» على الرغم من أهمية التفاصيل التي وفرتها والتنويعات التي اختبرتها على صعيد السياقات التاريخية» تبقى في 
حاجة إلى التعرّفء تفصيليّاء إلى بقية التجارب العربية التي خصّت الكيانات السياسية المُحدئة ببلاد اليمن وشبه جزيرة العرب والخليج 
العربي» وكذا بقية البلدان العربية الأخرى (سورية ولبنان وليبيا والجزائراء وهي تجارب يساهم التعرّف إلى ما انتابها من تحولات, 
ومقارنة بعضها ببعضها الآخرء في تعيير الظواهر المختبرة بطريقة تنصف تنوّع السياقات التاريخية وتبين حقيقة المراوحة في مسيرة 
التحديث عربيًا؛ بين تقديم التوجهات المدنية الحديثة» أو شد تجارب المركزة الترابية والسياسية إلى تصوّرات محافظة عروبية الهوى أو 
سلفية التوجه. 


واقع المراكمة المعرفية في التواريخ المقارنة عربيا او "القريب الفقير" 

لم تعدم الأبحاث المدرجة هذا ضمن الأثر الجماعيء الذي نحن بصدد قراءة محتوياته نقديّاء توقفًا عند إشكالية المراكمة في 
التواريخ المقارنة عربيّاء ودذلك من خلال تخصيص خمس مساهمات تولى صياغتها كل من سامر عكاش» وعز الدين جسوس» وطارق 
مداني» وصالح علواني» وفقيد المؤرخين العرب محمد الطاهر المنصوري؛ بغرض الوقوف على إمكانيات تطويرهاء وتحديد البعض من 
مراجعاتها الفارقة أيضًا. 

خاضت تلك الأبحاث تباعًا في الإشكاليات الجديدة التى يطرحها التأريخ عربيًا للعلوم» توافعًا مع التّقلة التى عاينتها أشكال 
تقليب تلك المسألة لدى المؤرخين الغربيين. كما قيّمتء في ثلاثة أبحاث متضامنة معرفيّاء حصيلة التأريخ لمجال "الغرب الإسلامى" 
و/ أو "أفريقيا الشمالية"» وأشكال استلهام القراءة الخلدونية في صياغة تاريخ تلك المنطقة» ماضيًا وحاضرًا. وتناولت بالتقييم» أيضًاء 


177 


ماله 


العدد 12 


بطل تموز / يوليو 2020 
حلم 


0910101 


ع 


تطوّر البحوث حول تاريخ الأندلسء وموقع ذلك ضمن المراكمة المعرفية عربيًًا وغربيّاء محاولة - ضمن آخر مساهماتها - إبراز مضمون 
الاشتغال» من بوابة المعجمية اللغوية» بصورة البيزنطيين في المدونة التراثية والحضارية العربية. 

فلئن تبيّن بالحجة والدليل تجاوز الدوافع التي كانت وراء الاشتغال بتاريخ العلوم عربيًا الدوافع التي تمثلت في الرد على تجاهل 
الغربية لمساخمات العرب الغلمية والإبداعية» فإن إدراك الغرب لهنات تلك القراءةء بل اعتراقه بالتقصير وتغييره للمناهج المعتمدة 
- من خلال التشديد على الدور المهم الذي عاد إليهم في تطور العلوم - هو ما يفرض اليوم تجاوز القراءة النمطية التي لا يتعدّى أفقها 
موقع المناكفة أو السجال التقليدي. قصد كتابة رواية جديدة لتاريخ العلوم تخلو من الردود الانطباعية» ومن كل نزعة استعلائية غربية 
لازمت تلك الأبحاث وثبت حضورها ضمن مركبات المنجز العلمي الغربي خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشرء ولا سيما أن الأبحاث 
التاريخية الغربية ونّقت بالحجة والدليل» أيضّاء دور الشعوب الشرقية في تطوير المعارف عمومًا والارتقاء بالرياضيات والفلك في حق 
الشعوب العربية الإسلامية على نحو مخصوص» علمًا أن "توثيق المعلومة العلمية شيء وطرائق توظيفها في كتابة تاريخ العلوم شيء 
آخر" (ص 633). وتتمثل المفارقة في هذا الصدد في أن مقاومة تهميش دور العرب ضمن المنجز العلمي الكوني قد ترتب عليه عكسيًا 
تطويق ذلك الدورء بل ابتساره في الحقبة الوسيطة دون ما سواها. ولذلك» فإن مؤرخي العلوم العرب مدعوون» حاضرّاء إلى قراءة مرحلة 
ما بعد كوبرنيكوس عربيًا بعين المقارنةء قصد تحديد إحداثيات موقع العرب الفكري المتغيّر في مسيرة التطور العلمي وبناء رواية عربية 
توضّح الأسباب الحقيقية التي حفّزت: بعد النقلة التي أفضى إليها اكتشاف موقع الأرض ضمن المجموعة الشمسية» تحقيق ثورة 
فكرية وعلمية غربّاء بينما قوبل ذلك الحدث الجلل نفسه بلامبالاة داخل المجال الثقافي العربي الإسلامي. كما ينبغي الحرص على 
تفادي الوقوع في التبريرات الانطباعية التي لا تخدم سوق القراءة الفرحسية القربيةه وكذ| النظرة السلفية الراقعنة لفكرة الغورة العامة 
الغربية» والتشديد - في مقابل ذلك - على ا "الاقتناء" لا "الاستعارة"؛ ذاك الذي أسعف العرب على أيام ازدهارهم في نقل المعارف 
عن الحضارات السابقة» وتملكهاء وحرية التصرّف فيهاء بغض النظر عن هُويَّة صانعيها. وهو ما أكدتهء بطريقتها الخاصة» الأبحاث 
التي بتّت في طبيعة الصورة التي عرضتها اللغة العربية للبيزنطيين طوال الفترة الوسيطة» وهي عروض شذدت على نحو بليغ» ومنتج 
للدلالة أيضّاء على انتقال اللغة اليونانية في القاموس العربي وانصهارها ضمنه كما لو أنها نتجت منه. والطريف في هذا الصدد أن البحث 
عن بدائلء أو عن مطابقات؛ تقريبًا للواقع البيزنطي من ذهنية العربي» أو تعريبًا ودمجًا لمصطلحاته مباشرة في اللغة العربية» قد توازى مع 
انتشار جاليات رومية في المجال الإسلامي ووجود علاقات متأضّلة بين الطرفين أحالت عليها وفرة المصطلحات والمفردات اليونانية ضمن 
القاموس اللغوى العري» سواء في ما يتعلق بالتسميات العامة أو المؤسسات السياسية؛ كالإدارة المركزية» والإمبراطورية» والمؤسسات 
العسكرية» وأسماء الأعلام» والمصطلحات الدينية والمالية» توسيعًا للاطلاع» وتأصيلا لقيم الفضول» وتشوّفا لمزيد التعرّف إلى الغيريات 
المسيحيّة» كالروم أو بني الأصفرء عملا بمأثور العرب: "من تعلم لغة قوم أمن شرهم". 

ابتغت المساهمات المخصّصة للخوض في مناهج المقاربات التاريخية الموضوعة في واقع المجال المغاربي والأندلسي التدقيقّ 
ف حصيلتهاء من بوابة تأثر من أنجزوها بالاستشراق الغربي زمن الحضور الاستعماري» وتوضيح مستويات تحرّر عروضها من تلك 
النظرة القاصرة عبر معاينة التطورات التي امتدّت مقارباتها ومراجعاتها إلى مختلف الحقب التاريخية» وخاصة الإسلامية منها. وتم 
التعويل في ذلك على العديد من المدونات المصدرية الموضوعة في اللغة العربية» وهي مدونات لامست شتى ضروب المعرفة الدينية العالمة 
بمختلف أجناسهاء وقد ثبت بالبحث والتقضّي العزوف عن استدرار مضامينها من قبل غيرهم من الدارسين الغربيين - بل قلة نجابتهم في 
معالجتها معرفيًا - بشأن تطوير نظرتهم» وتوسيع أفق مراجعاتهم التاريخية» في ما يتعلق بتواريخ ذلك المجال. وهذا الأمر يثير كثيرًا من 
الاستغراب» ولا سيما أن الاحتجاج بالنقص في امتلاك اللغة العربية لا يتعارض بالضرورة مع الحرص على الاطلاع على تلك الجهود. 


1/6 


م 
صناعة المعرفة التاريخية العربية: سياقات بناء الدلالة وأشكال تأويل المتمثل ! رز طور مراجعات كتب 


بل الاستفادة من مستوى مراكمتها؛ دفعًا لمزيد تطوير حركة الأفكار وتجويد الحصيلة العلمية بين ضفتي المتوسطء وكذا ما جاوز تلك 
الضفتين جغرافيًا. ظ 

ذلك عين ما أوردته المراجعات الموضوعة في حق البحوث المنجزة منذ تصفية الاستعمار حول تاريخ بلدان المغرب» والتدقيق في 
حقيقة تذيّلها للمقاربات الغربية التي تنازعتها توجّهات استشراقية غير خافية» مع انعدام القدرة على تجاوز المنزلقات الأيديولوجية 
للمرديات لوطي وكو تأبيم متزوع من الجدّية» بل مُجانب للدّقة في مواضع عدة منهء على أن سياقات التجاوز أو الخلاصء وفقًا 
لتلك المراجعات نفسهاء تكمن في استعادة قراءة المدونة الخلدونية (المقدمة» والعبرء والرحلة» وشفاء السائل)» بتوجيهها نحو ما شددت 
عليه مدرسة الحوليات» وخاصة ضمن الأبحاث المنهجية التي وضعها مارك بلوك حول محوريّة التعويل على تغيير المقاييس الزمنية 
ومراجمة ,راقع السياكل الطنيسية والتقافنة والالصماعية: قبل التدوغ للتدقيق في زمن الأحداث حال اغتناته بالمفردات الفارقة لفلسفة 
التاريخ. وجميعها تصوّرات بدت لنا هي أيضّاء على طرافتهاء متعشفة على الأزمنة التاريخية» ودافعة نحو تأويل ذلك المتن العميق الذي 
راجع أسس المعرفة التاريخية كونيّاء في اتجاه دفعه إلى قول ما لم يفكر واضعه نفسه في قوله مطلقًا. 

وذو الأمر متشابها تمامًا اذا ما استقرأنا واقع الدراسات الخخصة لتاريخ الأندلسء تلك المساحة المشتركة حضاريا . 301 
والشرق» التي عانت طويلًا من حالة إعلاء مرضي حول ماضيها بتحويله إلى ما يشبه أسطورة أزرت بتاريخهء ونقلت سرديته الجامعة 
إلى مجال ملتبس أعلى من فعل الذاكرة وزاد في أهمية المتمّل على ما سواهماء وهو ما يشي بطريقته الخاصة بعدم خلو الحصيلة 
العلمية التاريخية المتصلة بمسار البحوث الموضوعة في تاريخ الأندلسء شرقًا وغربّاء من كثير من التهافت» سواء في ما يتعلق بتحديد 
المفاهيم ومراجعتها (إسبانيا المسلمة» والأندلسء والاستردادء والاستبداد الشرقيء» ومأزق الأصول)» أو في ما يتصل بالقطع مع فكرة 
"الفردوس" الضائعء وإثارة إشكاليات بديلة تضع حدًا لردود الفعل الانطباعية المشوّهة للحقائق: ليصبح البحث في تاريخ الأندلس 
"مُعتيرًا لذاته لالما يراد له أن يكون" (ص 7207)ء ولا سيما أن المعرفة التاريخية قد خَطت في ماضي إسبانيا الأندلسيء وخصوصًا بعد 
انقشاع سحب الدكتاتورية حال وفاة فرانشيسكو فرانكو سنة 3975 خطوات مهمة في اتجاه المكاشفة والمصالحة مع الذات؛ توافقًا مع 
ضرورات الانفتاح» وتأصيلا للتعدّد الثقافي وبناء الديمقراطية. 

بات واضحًا أن مختلف المساهمات التي خصصت للتاريخ المقارن قد استهدفت على نحو مركزء غيرياتٍ - أو أخريات - مفارقة 
لا تتتسب إلى المجال الحضاري نفسهء أو إلى الأعراض الجغرافية ذاتهاء أي إنها لم تطرح على نفسهاء متهجيّاء معالجة الموافا © 
والاختلافات من موقع التناسب الأفقي لا العموديء وكأن الانتساب إلى المجال الاعتباري السياسي أو الثقافي والحضاري ذاته يُعفي 
من تمثل الفوارق داخل مخختلف مركبات المجال العبي الواحدء قصد تدبّر خصوصيات سياقاتها وعرض مساراتها الخاصة على محك 
القراءة المقارنة. 


أشكال تأويل المُتمثل في التواريخ العربية 


جمعت العروض المخصّصة لهذا البعد الختامي المشتغل بتأويل المتمثّل تاريخيًا و مساهمات؛ يستقيم ردّها إلى مجموعتين 
متكاملتين» حاولت أولاهما معالجة متونها التي تحيل على المروية الأسطورية (يحيى بولحية)ء وطبقات الصحابة الأوائل (محمد 
حمزة)» والسَّيّر التأسيسية (عبد الله علي إبراهيم)» والسّيَر الشعبية (عمرو عبد العزيز منير وعبد العزيز لبيب)» من خلال تأويل مضامينهاء 
وسياقات إنتاجها باعتباره محاولةٌ لإعادة تركيب الخبر التاريخي إلى مجال التمثلات الذهنية التي تحيل على الاندساس العميق 
بب1ب1 000001010101011 


1/9 


ماله 


العدد 12 


بطل تموز / يوليو 2020 
حلم 


0910101 


ع 


هوهو 


العزيز الطاهري)ء والجزائرية (مسعود ديلمي) والسودانية (محاسن عبد الجليل)» ثم تغلق دفتا الكتاب بمحاولة لتعيير المستوى العلمي 
للإنتاج المعرفي في الأنثروبولوجيا التاريخية» والتفخص المجهري للمواضيع المطروقة من قبل المؤرخين والباحثين الجامعيين» والمنشورة 
ضمن أعداد مجلة إنسانيات الجزائرية (عبد الواحد المكني) . 

استفاد حضور الذاكرة ضمن كتابات المؤرخين المغاربة من السياقات الخصوصية؛ لفتح باب الحريات السياسية والاجتماعية: 
وإنجاز العدالة الانتقالية من قبل هيئة الإنصاف والمصالحة منذ بداية القرن الحالي» فضالا عن تزايد الطلب الاجتماعي على هذا النوع 
من التواريخ» وخاصة في ما يتصل بالماضيين القريب (الاستعمار) والراهن (الاستقلال) دون غيرهما من المراحل التاريخية السابقة؛ 
الأمر الذي يدعو إلى تأصيل مثل تلك المعالجة وتطوير تغطيتها لبقية الحقب التاريخية من خلال مساءلة الإسطوغرافيا التقليدية 
والاستعمارية والوطنية وتقييم ما ركمته الأبحاث الأكاديمية للجامعيين» واتصال ذلك بتاريخ الزمن الراهن في علاقة الشاهد بالمؤرخ, 
حتى تتبين لنا الفواصل بين التمثلات الانفعالية والانطباعية والأسطورية الانتقائية للذاكرة» مقارنة بمحاولات عقلنة الماضى ونقده من 


ولا يختلف الأمر كثيرًا في ما يخص تقييم العلاقة الملتبسة للمعرفة التاريخية حول الجزائر بإشكالية إحياء الذاكرة وعدم خلو 
منجزها من شبهة الترميق» بل التدليس أيضّاء سواء خلال مرحلة الاستعمار الطويلة أو ضمن مُنجز المؤسسات الجامعية بعد ظهور 
دولة الاستقلال» فضلا عن مختلف محاولات التسلّط على التاريخ وتوجيهه أيديولوجيّاء قبل أن تنفرج الأوضاع نحو مزيد من الانفتاح 
وصون الحريات الأكاديمية ومراجعة منجز الباحين الجزائريين و/ أو مَن سواهم حول تاريخ الجزائر نقديًا منذ تسعينيات القرن الماضي. 

وتأسيسًا على ذلك» تمت إثارة حصيلة ما ؤُسم ب "منعطف الأنثروبولوجيا التاريخية" داخل مجال المغرب وانتقال الكتابة التاريخية 
من مضامينها "الساخنة" التي تحيل على "المقاومة والثورات وحركات التحرّر"» إلى مضامين "باردة" تحيل على "الأنساق والذهنيات 
أكثر من الشخصيات والمنعطفات والحوادث" (ص 7و99). وقد تمحورت عملية التقييم على القراءة في "المنعطف الأنثروبولوجى" 
اك لأرشيفاته ومناويلة/بارةيقماته بخضوص إشكاليات التصؤف (وسي مجالات ثم عض الطرفء عل تحو لافت» عن ذكر من 
.يوا نحو مقاربتها مقاربةٌ مقارنة): وكذا العائلة والأوبئة والجوائح والمجاعات, وعلاقة ذلك كله بالتغذية النباتية. في حين استهدقف 
التحليل المَوْضِعِي تقييم المضامين المدرجة ضمن مجلة إنسانيات الجزائرية الصادرة بانتظام منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي 
(1997)ء والمكملة لنظيراتها الواردة ضمن أعداد مجلتي إيبلا التونسية (1937) وهيسبيرس المغربية (1927)» مع سحب مختلف 
الاستنتاجات الخاصة بمجال المغارب على ما عاينته المجالات المشرقيّة» وذلك قصد الدفع نحو تطوير ذلك المنعطف الحاسم في اتجاه 
مزيد تطوير الأبحاث المتّصلة ب "الحقب التاريخية والمقارنة وعلاقة المحلى بالمركزي والقطري بالقومي [...] وتجديد أمثولات البحث 
بتكثيف مسائلة [كذا] المألوف منه أو الثايت" (ص 15). 


وليس بعيدًا أن يمثّل تعد مسألة "التاريخ المطموس" بالتوضيحء باعتباره دعوة صريحة إلى الحجب والتشويه والمحوء محاولة 
"رغ وجريئة جدًا في مزيد تأصيل المراجعات المنجزة حول تاريخ الجنون» وتاريخ الرق» وعلاقات ما بعدهماء في اتصال جميعها بالمتمثّل 
والإنكار والإهمال الاجتماعي والطمس وارتسام "التابو", بل عصيانه على الفسخ والتجاوزء وعلاقة ذلك بتاريخ الجنسانية والنوع 
الاجتماعي وإعادة الإدماج؛ تفكيكًا لعلاقات النبذ والتتهميش والإقصاءء وتوسيعًا لمجال الحفريات في "أركيولوجيا" المعرفة التاريخية, 
من بوابة جمع وثائق تاريخ المطموس سودانيّاء وفتح سجلاته؛ وتدبّر محتوى المذكرات والرسائل الخاصة. والمقابلات الشفهية, 
والبحوث الميدانية» واستدرار مضامينهاء ومساءلتتها بتخصوص معاني الطمس وعلاقتها بالتاريخ» وبتاريخ الجنون والرق خصوصًا (خلف 


180 


1 4 
صناعة المعرفة التاريخية العربية: سياقات بناء الدلالة وأشكال تأويل المُتَمثل أ ل مرا د عات كتب 
جحل 
1 


البحار» وذاخل الديار» وتوقيعًا عل الحسدء واس 70807 5١‏ لاجد هه تماهيه مع التاريخ ذاتيًا واجتماعياء واذد ]7 0 


الذاكرة ضمن منطوق المدونة الشفوية ومسرحة الخبر وتكثيفه وتعقيده بطريقة يحتاج معها المؤرخ إلى "تجديد أدواته واجتراح جديدها"؛ 
"تذليلا لتحديات بناء المعرفة التاريخية" (ص 922). 


لكن ما الحدود الفاصلة بين الأسطورة والتاريخ؟ وكيف يمكن الاستفادة من الخبر الميثولوجي في صياغة المعطى التاريخي؟ وما 
الحدود الفاصلة بين الدرسين غربًا وفق ما أوضحته أبحاث كل من كلود ليفي ستروس البنيوية» وإدغار موران المعرفيّة» وموريس 
هلفاكس المُفردة للذاكرة الجمعية؟ ثم ما السبيل إلى توظيف المناهج الجديدة (الأنثروبولوجيا تحديدًا) في قراءتها؟ وما مسوّغات عرض 
الميثولوجيا الأندلسية (أسطورة بيت الحكمة) ومثيلاتها التحديثية المتصلة ب "الأماتيراسو" يابانيّاء اقتناضًا للحظات الإيجابية المؤسّسة 
لفعل التنمية حال إعادة قراءة التاريخ وتجنّب مختلف الألغام المندسّة عميقًا في ذاكرتنا الجماعية. ذاك ما قامت عليه بقية الدراسات 
التي أفردت تبائًا لسير الصحابة الأوائل» أو الدراسات التي تم تخصيصها لقراءة المُتَمَئَل في ثنايا السّير والمرويات الشعبية المتصلة 
ب "فتوح مصر" وب "التغريبة الهلالية": باعتبارهما من الوقائع المشحونة ملحميّاء والجدل الذي اثارتاه» والذي اتصل بتشكيل صورة 
بَعْدِيّة للعصور الإسلامية» وكذا كيفية تركيبها لثابت معاييرها وقيمها من خلال تطهير الأخلاق الجمعية من المقاصد السياسية» فضا 
عن معالجة مُفْخْخْ النصوص حول المجموعات العرقية والطرفية (ذات الأصول المزدوجة الواقعة بين العروبة والأفريقانية)» والقدرة على 
فض النزاع؛ بوصفه "طقسًا ثقافيًا" و"حادثًا تاريخيًا"؛ يُتيح كتابة "تاريخ آخر". والدخول إليه من بوابة "الشهادات الهامشية المارقة عن 
القراءات المركزية المحتفلة بعالم الجماعة بأقاصيصه العجيبة وجنون شعراء سيره" (ص 991). 


لا مراء في حضور تنّع شمل منجز المؤرخين العرب» ومكن - حال تشكل الدول الوطنية وتصفية الاستعمار- من صياعة ٠00 ٠‏ 
عالمة قطعت مع أفق الهواية أو التبخر الكلاسييى في كتابة التواريخ» حتى إِنْ بدا منجزها عامة متأثرًا بالمناهج المعتمدة من قبل المدارس 
الغربية. فقد وفرت لنا العروض الواردة ضمن هذا المؤلف الجماعي الذي تم إفراد إشكاليته للبث في كتابة التاريخ العربي وتاريخ العرب» 
فرصة ثمينة للوقوف عند مستوى المراكمة المعرفية في هذا الاختصاص: وذلك بالتعويل على أربعة محاور أو مضامين اتصلت تباعًا 
بشواغل سياقية تعيد التفكير في الحقب الاعتبارية للتاريخ الغري» وتقرا في مدى انخراط المعرفة التاريخية العربية في التصوّرات الكونية 
الللازمة لصناعة الأخبارء كما تِبْتَ في صعوبات تحرّر تلك المعارف في مضامينها الوطنية من هيمنة السردية الرسمية المنحازة سياسيًا إلى 
مشاريع الدول الوطنية» أو تلك المُنقطعة عن تلك السرديات المُتكئة على تصوّرات وحدويّة عربية أو سلفية إسلامية معلنة أو مُضمرة 
وخفيّة» على أن تحيل بقية الشواغل المرصودة على مدى رسوخ التواريخ المقارنة الأفقية بين البلدان العربية» وكذا الاشتغال بالجوانب 
الأثرية والترائية والأنثروبو-تاريخية في مقاربة العلاقات المتشعّبة الرابطة بين الذاكرة والتاريخ. وجميعها محاور تم تقييم منجزها أو 
مراجعة مضامينها وتوجهاتها المنهجية على نحو مفيد جذا يحشن بالقائمين على المعرفة التاريخية عربيّاء أو المحسوبين عليهاء الاستفادة 
منها قصد تنويع مناهج الكتابة التاريخية وتطوير مناويلها والتفكير» على غرار ما أنجزته مدرسة الحوليات على أيام آبائها المؤسسينء في 
طرح سؤال التاريخ المقارن العربيء تساوقًا مع ما راكمه منجزها أوروبيًا منذ صدور مقال مارك بلوك التوجيهي في الغرض في غضون الثلث 
الأول من القرن الماضي. 


1ظ10 





عبد الرحيم بنحادة | 002 2طمعظ8 مصتطدومءلطم* 


المدينة في العالم الاسلامي: من التقليد إلى التحديث 

قراءة في كتاب المدينة العربية والحداثة 
10 11211311011 ج110 :11/0110 عتمطهماذ] عط ما 1ن عط 1 
1110 


1 0110 نر آن) 4701 176 01 ع طتلقوع ] ذم 


000 

1 ل 0000 
0000 
مكان النشر: بيروت. 

سنة النشر: 2019. 

عدد الصفحات: 55د صفحات. 








و5 


ا َك ظ 6ن 00 6 اه روماتان أن :تمه : 
اك 0 3 ً : 1 ٍِ 

مسب 2 ١‏ 1 , ؛ 7 الل يف ان 1 - وه 

ظ م" و ال-7 4# ٠‏ و ع 00 ١-5‏ 
فاك عد © ٠‏ “هد ” ايد بين . 


152 


المدينة في العالم الإسلامي: من التقليد إلى التحديث 4 - 
00 د 00 
قراءة في كتاب المدينة العربية والحداثة ل بلطور مراجعات كتب 


صدر عن دار رياض الريس للكتب والنشر سنة 2019 كتاب للدكتور خالد زيادة بعنوان المدينة العربية والحداثة. ويأتي هذا 
الكتاب ليعزز رصيدًا علميًا مهما للباحث خالد زيادة؛ فقد اهتم بقضايا التحديث والحداثة» منذ أن أصدر كتابه المخصص لتفسير أسباب 
التقدم الأوروي» مرورًا باهتمامه بكتب الرحلات السفارية» التي تترجم الرغبة في التحديث في العالم الإسلامي» وصولا إلى الأبحاث التي 
خصصها للمدينة العربية الإسلامية والتصوص المرتبطة بها. كما يأتي هذا الكتاب ليساهم في تحقيق تراكم معرقي عن المدينة في ١‏ ' 
الإسلامي في العصور الحديثة» ويندرج ضمن الأعمال التي خصصت للمدينة» سواء من الباحثين العرب أو الأجانب. وفضلا عن ذلك 
يدا أعد الامحات الرصية القى راجعت العديد من الصور التمطة التى تقكات عير المصوريعن اللدينة العربية الإدبلامية: 


يتكون الكتاب من خمسة فصول: عالج الأول منها إشكاليات ومصطلح المدينة» وخصص الفصل الثاني للمدينة العثمانية» أما 
الثالث فيتعرض للأعيان في المدينة» ويتعلق الرابع بالتحديث» ويخصص الفصل الخامس للتاريخ والاجتماع والحداثة. 

ولا بد في البداية من الإشارة إلى أن انشغال زيادة بالمدينة يعود إلى ثمانينيات القرن الماضيء فقد جمع مادة الكتاب لما كان يشتغل 
على أطروحته الأولى. ولم ينقطع هذا الاهتمام بالمدينة بالرغم من انصرافه إلى البحث في مواضيع أخرى. ومنذ بداية الكتاب يشير الباحث 
إلى مسألتين تؤطران هذا التأليف: تشير الأولى إلى أن المدينة المقصودة هي مدن شرق المتوسط. أما المسألة الثانية فتتعلق بالحيز الزمني 
الذي عالجه وهو القرنان السابع عشر والثامن عشر في زمن شكل فيه "التمدن الأوروبي تيارًا جار" (ص 11). غير أنه يتجاوز الإطار 
الزمني الذي حدده في البداية» فنجده يقفز إلى القرن التاسع عشرء بل يتعقب تحديث المدن مثلا في القرن العشرين بعد الحرب العالمية 
الأولى. كما أنه يتجاوز الحدود الجغرافية التي رسمهاء ليطرح قضايا متعلقة بمدن خارج هذا الإطارء وإن كان ذلك على نحو محدود. 
ونعتقد أن هذا الخروج عن الإطار الزمني الذي رسمه لم يكن إلا للتوضيح وتأكيد بعض الظواهر التي يعتبرها الباحثون في كثير من 
الأحيان محلية. ْ 


في الفصل الأول من الكتاب» يضع عنوانا يشي بالوعي بالإشكاليات التي تواجه دارس المدينة في العالم الإسلامي» وهو "المدينة 
الإسلامية: الإشكالية والمصطلح". ويستفتح هذا الفصل بوصف ابن خلدون لمدينة الإسكندرية» ليبرز الباحث أن ابن خلدون وغيره من 
لمؤرخين وكتاب الأوصاف ظلوا أسرى التقليد الخاص بوضف المدن. لقد قدم ابن خلدون وصف الإسكندرية في الزمن الذى تحور" 
ميزآن القوى من هذه المدينة إلى القاهرة. آما الجغرافيون المسلمون فقد قدموا "المدينة الإسلامية" وقق قوالب جاهزة؛ ولم يك 2١‏ 
في خلاصته هذه مجانيًا للصواب» ولعل ما يؤكد ذلك هو أن هؤلاء لا يجدون "غضاضة في النقل الحرفي من سابقيهم". ولا غرو فقد 
وجدنا رحالة من القرن السادس عشر يردد الأوصاف نفسها التي أوردها البلوي والإدريسي والبكري”". وثمة مسألة على جانب كبير من 
الأهمية في باب النصوص التي تعالج تاريخ المدن؛ وهي تلك الكتابات التي ظهرت في لحظة معينة وتحمل عناوين تاريخ المدن» وهي 
لا تشير إلى هذه المدن إلا عرَضًا!©. ْ 


لقد اختلفت النظرة إلى المدينة في المصادر؛ فنظرة الرحالة ليست هى النظرة المستخلصة من كتب الخراج والحسبة» وليست نظرة 
الفلاسفة والفقهاء. من ثمة يستعرض استشهادات من هذه الكتب التى تبين اختالاف هذه النظرة» يتفرغ زيادة لعرض فكرة مؤرخ/ 
فيلسوف للمدينة» ويتعلق الأمر بابن خلدون حيث يتوقف عند العديد من المقاطع من المقدمة التى تلخص مفهوم المدينة عنده من خلال 


1 ينظر في هذا الصدد رحلة أبي الحسن على التمكروتي إلى إستانبول في سنة و158: في : أبو الحسن على التمكروتي, النفحة المسكية في السفارة التركية. تحقيق عبداللطيف 
الشاذلي (الرباط: المطبعة الملكية, 2ده20). 


2 لعل أحيين مثال على ذلك كتاب تاريخ دمشق الذي كرسه صاحبه لتراجم الرجالات وللأدب العربي ومختلف أصضناف المعرفة الإسلامية» ينظر: أبو القاسم ابن عساكر 
(الحافظ) » تاريخ مدينة دمشق - حماها الله - وذكر فضلهاء » وتسمية من حل بها من الأماثل, أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلهاء دراسة وتحقيق عمر بن غرامة 
العمروي ايت دار الفكرء 95). 


3ظ10 


العدد 12 إلا طور تموز / يوليو 2020 
وده 
16101 


رركا بين العمران والمدينة والملك. وهو في ذلك يعتمد على خلفيات مرجعية متعددة بما فى ذلك المرجعية الإغريقية» التى عادت إلى 


الظهور في التعامل مع المدينة عند مفكرى الأنوار في القرن الثامن عشر. وبمراجعة مختلف النصوص» يبدو أن مفهوم المدينة عند هؤلاء. 
سواء كانوا مؤرخين أو فلاسفة أو فقهاءء يمتح من المعرفة اليونانية القديمة والمعاينة الشخصية للمدن وازدهارها وانحطاطها. 


"المدينة الإسلامية" هو اصطلاح ظهر مع الاستشراق» ويربط المؤلف بين التطور الذي عرفه الاستشراق الغربي وظهور العديد من 
المفاهيم ومن بينها "مفهوم المدينة الإسلامية", وهو أيضًا نتاج عقلنة أوروبية "تبني النماذج والقيم وتميل إلى التجريد" (ص 26). 
يأخذ المؤلف بعض النماذج التي اشتغلت حول "المدينة الإسلامية" ويتوقف في البداية عند لويس غاردي© الذي يربط بين ظهور المدن 
وتجارة الصحراءء ويقوم بتوصيفٍ استند فيه بالأساس إلى أبي الحسن على بن محمد بن حبيب البصري الماوردي ويميز بين أربعة مراكز 
داخل المدينة: السوق والقلعة وسوق الغزل والمسجد؛ ويرى أن هذه المراكز تعتبر "مجسمات متكررة لنموذج لا يتبدل" (ص 28). 
ينطلق المؤلف أيضًا من عمل جماعى أنجز سنة 1976 من إشراف المستعرب البريطاني روبير برترام), وقد شارك في هذا العمل باحثون 
عرب وإيرانيون» وكلمهم كانوا سجيني المفهوم : "المدينة الإسلامية".: د لإسلام ونظمه وأحكامه هي المحور الأسامن الذي تدور حوله 
حياة المدينة بأسرها بكل تفاصيلها وجزئياتها" (ص 29). ويقف الباحث عند خيط رابط بين الدراسات الاستشراقية الأوروبية» ويتمثل 
في استنادها إلى رأى ماكس فيبر") الذى يؤكد فقدان المدينة الشرقية الاستقلال» ويعتبر المدينة الغربية قمة ما بلغته العقلنة الحضرية. 


بيد أن الاستشراق الذي تولد منه مفهوم المدينة ليس استشراقًا واحدّاء بل هناك مدارس استشراقية متعددة. انطلاقًا من هذه 
الملحوظة يتناول الدراسة التى أنجزها كلود كاهين حول "الحركات الشعبية والاستقلال الذاتي في المدن الإسلامية خلال القرون 


الوسطى", ودراسة أكسل هوفمان "الوزير والرئيس في عالم الإسلام" (ص 33)» ولا بيدوس في "مدن الشام في العصر المملوي", وقد 
حاول هؤلاء دراسة المدينة في العالم الإسلامى بالابتعاد عن استحضار المدينة الأوروبية نموذجًا. 


يخصص زيادة الفصل الثاني من الكتاب ل "المدينة العثمانية"» وهو أطول فصول الكتاب. وقبل عرض محتويات هذا الفصل, 
لا بد في البداية من تأكيد الملاحظات التالية: 


© إن الاهتمام بالمدينة العثمانية في البحث التاريخي جاء متأخرًا مقارنة بالاهتمام العربي والغربي بالمراحل الكلاسيكية من 
التاريخ الإسلامي. 


ما يميز هذا الاهتمام هو استفادته في الوثائق» على اعتبار أن الدولة العثمانية هى دولة الوثائق والأرشيفات المتعددة. 


©: أن الحيز الكبير في الدراسات خصص لدينة إستانبولء على اعتبارها عاصمة الدولة ونظرًا إلى توافر زخم وثائقي كبير. يكفي أن 
نلقى نظرة على فهرس منشورات الجمعية التاريخية التركية (تورك تاريخ قورومى لان ناك طتعة1 علعن1 ) أ6ا لنقف عند العدد الهائل من 
الدراسات التى نشرتها هذه المؤسسة وحدها في تركياء هذا من دون الحديث عن مئات الدراسات التى خصصت للمدينة في أوروبا وأميركا 


.(1954 متكا :قاتتة2) (.1 دعطقحط ل ناكتا/طا دعل لط ط) 17111011مم7 آء 50101 7216 ,711115111111071 116© هسل ,أع0310 01115 بآ 


.(1983 ,1150لا :كته 2) نزاقآء 151471112 ©1777 ,(.0ع) الله اع 5 مطتدعاءء 8 تزع ]1 


.2 و(2014 رعأ1اء117ا0ع26آ 2[ :31215) "50016165 أء 2801110116" .0011 ,تقااع8 مع 1ل تبث 231 1110010111 أء لمنتقمطع ]11ح'1 ع0 11نصلة ,رء/اآنا هرا نتعاء/1ا عرد/ا 


دنا ل ربلا © 


.(2015 ,11111111011 لتللكة 1 ع1 1ن1' :213كلمظل ) ,1932-2014 21210211 ؟! 1831511027711 171111 :117كل 1071/1 11171 ,01:1 أمره اق ! 171/1717 53 ,112857012ت) 10لا 1 11اكلما 


154 





المدينة في العالم الإسلامي: من التقليد إلى التحديث 4 7 

٠.‏ اءة . ك5 ١‏ نة | .. الحداز 0 ٠.6‏ 6ه 

قراءة في كتاب المدينة العربية والحداثة مرلطم مراجعات كتب 
0510111 


وعلى غرار الفصل الأول» يسعى المؤلف إلى التعريف بالكتابات التي تناولت المدينة العثمانية» ويتناول العديد منها مقدمًا الخلاصات 
التي انتهت إليها. ومن جملة هذه الدراسات التي يعرض لهاء دراسة جيب هاملتون وهارولد باون عن "المجتمع الإسلامي والغرب"7 
والتي يرى أنها أول الدراسات الاستشراقية التي تناولت المدينة العثمانية» ولعل أهم خلاصة انتهت إليها هي "أن الطابع الذي يمير 
المدينة هو الطائفة التي لا نبالغ في وصف أهميتها الاجتماعية» فإذا كان الدين هو البنيان الإسلامي فإن الطوائف كانت الأحجار التي 


يبنى منها" (ص 50). 


لخص المؤلف الدراسة التي أنجزها روبير مانتران عن "إستانبول في القرن السابع عشر"”, ويرى أنها دراسة متميزة لاستفادتها 
الكثيفة من الوثائق الأرشيفية من جهة» ولتخلصها من الصورة النمطية للدراسات الاستشراقية من جهة أخرى. لقد تقلص في هذه 
الدراسة النموذجية حجم الانطباعات والفرضيات والأحكام المسبقة (ص 562). واستحضرت هذه الدراسة انتقال المدينة من عالم 
المسيحية إلى عالم الإسلام» واستطاعت أن تحافظ على انفتاحها. فقد كانت عاصمة متعددة الأديان واللغات والقوميات: وحاول 
سلاطين الدولة العثمانية إعطاءها طابعًا إسلاميًا قبل سنة 1517 لم بنوا بها المساجد والجوامع. يستغل زيادة استحضار هذه الدراسة 
المتميزة ليأتي على ذكر العديد من المحطات في تاريخ مدينة إستانبول من القرن السابع إلى بداية القرن العشرين» ويركز في هذا الباب على 
أنها "أول مدينة تقبل الإصلاحات على النمط الأوروبي" (ص 55). 


ويجد مدخلا ملائمًا لاستعراض ما أنجزه أندريه ريمون عن "الحرفيون والتجار في القاهرة خلال القرن الثامن عشر"90, وهذا 
المدخل هو الاعتماد على وثائق الأرشيفات بمختلف أصنافهاء والتي حلت محل الاعتماد المكنف على كتب التاريخ والحوليات والرحالات 
والأدب الجغرافي. لقد وجد ريمون ضالته المنشودة في سجلات المحاكم الشرعية في القاهرة (ص 58) ومراسلات القناصل التي مكنته 
من معلومات عن الأسعار والعملات ومؤشرات دقيقة عن تطور الاقتصادء ومن ثم مكنته من تحليل الأزمات النقدية والغذائية في 
القاهرة خلال القرنين 17 و18. وهذه الدراسة التفصيلية عن القاهرة هي التي قادته إلى إنجاز كتابه التركيبي عن المدن العربية الكبرى 
في العصر العثماني» والذي يبرز فيه العناصر المشتركة بين عدد من المدن العربية الكبرى (ص 60). ولعل أهم خلاصة انتهى إليها ريمون 
في كتابه هو أن المدينة العربية كانت منظمة» ولم تكن كما ادعى الدارسون الغربيون مفتقرة إلى التنظيم وأن المدينة العربية لم تتراجع 
خلال الفترة العثمانية» بل عرفت نموًا مطردًا تشهد عليه العديد من المؤشرات (تزايد عدد السكان/ التوسع العمراني) حتى مقارنة بالعهد 
المملوي. وتعكس هذه الخلاصات المراجعات العميقة التي باشرها المؤرخون الغربيون لتاريخ المدينة العثمانية على وجه خاصء والتاريخ 
العثماني على وجه العموم. 


ومن الأعمال الرائدة في هذا الباب ذلك العمل الموسوعي الجماعي الذي شارك فيه باحثون عرب وغربيون بعنوان المدينة في 
العالم الإسلامي. وأهم ما يركز عليه الكتاب مسألة المفاهيم؛ إذ يستعيض عن "المدينة الإسلامية" بالمدينة في العالم الإسلامي. وقد 
انصرف زيادة إلى عرض محتويات الكتاب وأهم القضايا التي عالجهاء وفي هذا الإطار يعود إلى ريمون الذي ساهم في هذه الموسوعة 
لينوّه بالنقد الذي يوجهه إلى المدرسة الاستشراقية. 


7 جيب هاملتون وهارولد باون» المجتمع الإسلامى والغرب, ترجمة احمد إييش (أبوظبى: دار الكتب الوطنية» 2012). 
:00715 22) 50101 1© 011017111011ع 6‏ ,11 179111111101111 071510176 آفدسط .عاء 516 1/1( لال 71101116 ©07106ع9ك 14 715هل 11/1 71ه1؟] ,متمتامدالطا ترع 10 8 


.1962 ,015011116111 //ال 


.(1974 ,315ج1181 131أ1]5 :ك5ةططة([) عاع516 ع1[ 1!! لا لاه 4217) 11 01711711©7©01115© 1© 4717507115 ,1357000110 016ممخ 9 


105 





20 


العدد 12 


غ 
طي ل تموز / يوليو 2020 


0910101 


يم 


كما يعود إلى المصادر المعتمدة في دراسة المدن» مع التركيز على سجلات المحاكم الشرعية التى غدت "مصدرًا لا يضاهى ": مذكرًا 
أن "الاستفادة منها واستخدامها واستخراج مناهج البحث" ما تزال في بداياتها ((ص 65)» وفي الآن نفسه شة ال ان" اللصادر الاورويية" 
ولا سيما القنصلية والتجارية تطرح نفسها بإلحاح على مؤرخي المان في القرنين السابع عشر والثامن عشر. 

بعد هذه الوقفة النقدية للدراسات المتعلقة بالمدينة العثمانية» والسعي إلى تحديد المفاهيم» يتوقف زيادة عند مدن العثمانيين ويستهلها 
بإستانبول» وعوض أن يخوض في التفاصيل المتعلقة ببنيتها الحضرية وساكنيها و حرفييهاء يفضل أن يتعرض للشروط المحيطة بالتحول 
الذى عرفته المدينة من عاصمة للإمبراطورية البيزنطية (مسيحية) إلى عاصمة للدولة العثمانية كدولة إسلامية» مستحضرا التغييرات 
الديموغرافية التي عرفتها المدينة منذ القرن الخامس عشرء والتي أفضت إلى وضعها (الكوسموبوليتي). و يستحضر في السياق نفسه 
التحولات الاقتصادية والسياسية التي جعلت من إزمير "أولى المدن العثمانية التي أفادت من النظام الاقتصادي العالمي» وأظهرت 
تعددية ثقافية تجلت فيما صدر فيها من صحف وأنشئ من مدارس" (ص 73). 


وعندما يعرض للمدن العربية خلال العهد العثماني» يركز زيادة على أن هذه المدن استطاعت أن تؤكد عروبتها في الحقبة المملوكية, 
وظلت مستميتة في الدفاع عن ذلك خلال الحقبة العثمانية. وقد تطورت هذه المدن متآأثرة بالثورات الديموغرافية التى عرفها العالم 
وبنشاط التجار الأوروبيين فيهاء حيث تحولت هذه المدن إلى مراكز تجارية كبيرة. كما كان للتجارب الإصلاحية التحديثية التي مارستها 
الدولة العثمانية (إبراهيم باشا في الشام» ومحمد على في مصر) دور كبير في تحديث المدن العربية الإسلامية؛ إذ أدت إلى انفتاح المدن 
الشرقية أمام التجارة الأوروبية فأدت إلى صراعات بين الاتجاهات التحديثية والقوى التى رأت أنها لم تجن من الإصلاح والانفتاح 
سوى الضرر (ص 68). 

نت الباحث مطولة عند مدخ خلب والاسكتدرية والقاهرةه ولقد توجيت هذه امدق إل اععمادينرة سعتية حديقة ساير اللحركة 
(التحديثية) للدولة؛ فأنشأت فيها المستشفيات والمرافق العمومية (مصلحة الضبطية) ومجالس مثل مجلس الاأورناطو©2 منهمه0 فى 
القاهرة» وهو الآمر "الذي عني بتنظيم الشوارع والطرق والمباني" (ص 81). كما عرفت هذه المدن» نتيجة تطور بنيتها البشرية وتنوع 
ساكنيهاء إحداث مؤسسات دينية جديدة كالكنائس مثلا. 

كان للحداثة ثمنء وثمن الحداثة في بيروت مثلا إزالة ما تبقى من المدينة القديمة في أعوام الحرب العالمية الأولى» وهي في ذلك لا 
تشكل استثناء بالنظر إلى مصير مثيلاتها في الشرق الأوسط. لم تأت الحداثة إلى بيروت من أوروبا فحسب,ء بل أيضًا من الدولة العثمانية 
التي تبنت التحديث في الإدارة والقانون والتعليم ووجدت في بيروت نموذجًا للمدينة التي تستجيب لدعوة التمدين (ص 92). وتكرس 
هذا التوجه التحديثي مع الانتداب الفرسى على لبنان الذي بدل المدينة» على حد تعبير المؤلف» رأسًا على عقب على مستويات عدة. فقد 
اختفت المدينة القديمة» وانفتح النسيج الحديث على هجرة الضواحى وانخرط السكان في الاقتصاد المدينى» ولعل هذا ما يميز بيروت 
من بقية المدن المجاورة. لقد أسهمت السيطرة العثمانية على المان العربية في تحولات عميقة في النسيج الحضرى للمدينة» فقد فتحتها 
على استقبال الجاليات على مستوى النسيج الحضري وعلى مستوى النشاطات الاقتصادية. وقد ساهمت التنظيمات التي سنتها الدولة 
العثمانية في تغيير عميقء إذ كان للأفكار التي بثتها مدارس الإرساليات والمدارس الأهلية دور كبير في ولوج الحداثة» لقد أصبحت 
اللأنء بفعل ذلكء» فضاءً لتجاذب الأفكار والتيارات. 

0 خص الباحث ريمر مجلس الأورناطو في الإسكندرية بدراسة مستوفية عرض فيها التطور الذي عرفه هذا المجلس منذ إحداثه سنة 1834 في الفصل المعنون "الإدارة 


رك لاك أكسط 1/1001[ [0 /0111714ل /711©7710110110/ ,1850-1882 ,16:3120113شث 12 ع318) 31131م5 320 50131 :20عطء821108 00100131" رتعمصاع ]1[ .اعقطع 1لا 
531-33 .22 ,(1988) 20 


156 





المدينة في العالم الاسلامي: من التقليد إلى التحديث 


0 
قراءة في كتاب المدينة العربية والحداثة لطع ل مراجعات كتب 
جحل 


ويقف زيادة» في الفصل الثالث المعنون "الأعيان: العلماء-المدنيون-العسكر" عند التحولات التى طرأت على البنية الاجتماعية في 
المذينة العربية منذ القرن السابع عشر. يربط المؤلف بين الأوضاع المتردية للدولة العثمانية منذ نهاية القرن السادس عشر وهذه ال ١‏ © 
الاجتماعية/ السياسية التى عرفتها المدينة العربية؛ فالتحولات الاقتصادية والأزمة النقدية والرغبة في سن إصلاحات لتجاوز سطوة 
الجيش هى التى أدت ف النهاية إلى "ظهور عائلات محلية وضعت يدها على المان ومدّت سيطرتها على الأرياف التى كانت ١11‏ ' 

وينهض دليلا على ذلك ما وقع في كبريات المدن العربية من الجزائر إلى طرابلس الغرب (مع القرمانلي) وبغداد مع تصدر السلطة 
مماليك من أصول جورجية» وعلى مستوى آخر ظهرت أسر عربية في مدن أخرى في بلاد الشام مثلاء ولعل أبرز مثال على ذلك ظهور 
تجربة فخر الدين المعني في لبنان وتجربة أسرة العظم التي حكمت مدن طرابلس وصيدا ودمشق؛ وهي كلها تجارب كانت قصيرة الأمد 
لم تعمر طويلا. 


يعود المؤلف إلى استعراض الدراسات التى تناولت موضوع صعوذ الأعيان والوجهاء في المدينة العربية» وكانت أول دراسة يعرض) ١.‏ 
هذا الباب تلك التي أنجزها قبل عشرين سنة ألبرت حوراني بعنوان "الإصلاح العثماني وسياسات الأعيان "0©, والتي يعتمد فيها المقاربة 
التفسيرية في مفهومه للأعيان 500:101206: ويميز حوراني بين ثلاث فئات من الأعيان: العلماء وهم الناطقون التقليديون بلسان المدينة 
الإسلامية» وقادة العسكر الذين تجذروا خلال الفترة العثمانية» والوجهاء المدنيون وهم أبناء العائلات النافذة في هذه المدن (ص 117). 


أما الدراسة الثانية» فهي لفيليب خوري وعنوانها أعيان المدن والقومية العربية*" والذي صدر سنة 1993» ويمكن اعتبار أطروحة 
حوراني وخوري متكاملتين؛ فخوري نهل أيضًا من المنهل (الفيبري) ويرى أنه "مدين لنظريات فيبر فيما يتعلق بالعالاقة بين الأيديولوجيا 
والبيروقراطية والسياسة" (ص 124). ويلح خوري على التوافق التام بين الأعيان (العائلات المدينية) مع السلطة في إستانبول» إلى درجة 
أن السياسة كانت تعرف بأنها التفاعل المتبادل بين الطبقة المحلية والإدارة العثمانية (ص 125). بيد أن خورى يختلف مع حوراني في 
استعمال مصطلح "الأعيان" لتفسير شكل السلطة؛ فهو استعمال يوحي بوجود طبقة تشكل وحدة سياسية متماسكة بينما هو ليس 
كذلك (ص 25). ْ 


أما العلماء» فقد اكتسب دورهم أهمية بالغة خلال الحقبة العثمانية» وأصبحوا جزءًا من الطبقة الحاكمة»ء غير أنه ظل ينظر إليهم 
على أنهم قوة محافظة في زمن الإصلاح والتحديث, ولدينا في الأحداث التي عرفتها مختلف المدن العربية ما يعزز هذه النظرة. وقد 
توارى دور العلماء عن الحياة السياسية في هذه المدن: مع تحديث التعليم الذي أدى إلى ظهور نخب علمية جديدة متنورة مقتنعة بضرورة 
الإصلاح السياسي؛ وكان من شأن ذلك "التقليص من شأن المدن وفك عزلتها لمصلحة مفهوم الوطن الذي يتجاوز الانتماءات الضيقة 
والفئوية" (ص 130). 

ويقف زيادة» في الفصل الرابع "التحديث": عند حالات تحديثية في أربع مدن من مدن العالم الإسلامي. وهي القاهرة وحلب 
وبيروت ثم إستانبول. يستهل هذا الفصل بالقاهرة منذ الحملة الفرنسية على مصر 1798: وهي سئة مفصلية ليس في تاريخ القاحر” 
فحسبء بل في تاريخ كل المدن في منطقة الشرق الأوسط. لقد بدأ الفرنسيون تحديث المدينة عن طريق إصدار تشريعات والقيام 
بتغييرات شملت شرايين المدينة» حيث عملوا على مد الطرقات بها وإضافة منشآت. ولعل هذه العمليات الأولى وجدت معارضة لدى عامة 


701 1717117125 ل ,131222615 ..[آ 116310 ع عل201 .خآ 1/1111310آا :12 "'روع10]061 01 201165 عط له متلم1ع ]1 مدحط ه010" ,اممتتامط ترعماثم 11 
.41-68 .م0 ,(1981 ,2155 0112380 01 011151]7نا :0ع تعتطن)) بورع [ادرعء 711:1 11 :1ك سا 01ل آل[ 117 111 


2 فليب خورىء أعيان المدن والقومية العربية» ترجمة وتحقيق عفيف الرزاز (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية» 1993). 


1657 





20 


العدد 12 


م 
بطل تموز / يوليو 2020 
1م 
لم 


0910101 


ددا 


الناس» وأبرزت هذه المعارضة اختلاف التمثلات والتعارض الموجود بين أعراف المدينة في العالم الإسلامى عمومًا والقوانين الوضعية 
الأوروبية. لم يكن أمام الفرنسيين سوى اللجوء إلى مأسسة عملهم» عبر إحداث مجلس يجمع بين الصلاحيات القضائية والبلدية 
(ص 141). 


كانت ثلاث سنوات كافية بفعل العمل الذى قامت به السلطات الفرنسية لأن تحدث تغييرًا كبيرًا في القاهرة حيث كان "ظاهرًا 
ومؤثرًا"» وشكل بداية التحولات التى عرفتها العقود اللاحقة. لم تترك سرعة الإنجاز الفرنسى الفرصة للمصريين للتموقف» وتحولت 
مقاومتهم إلى إعجابء وكان حاكم مصر محمد علي من أوائل هؤلاء المعجبين» ومن ثمة لم يتردد لحظة واحدة في تبني النموذج 
الأوروي للمدينة. وتصرف منذ توليه سنة 1805 و"كأنه يستأنف الأعمال التى بدأها الفرنسيون قبله" (ص 146). تواصل هذا النفس 
التحديثي مع أخلاف محمد علىء وبرز بوضوح زمن الخديوي إسماعيل المشبع بالثقافة الفرنسية والمطبق لنصائح المهندس المعماري 
الفرشسى 112115512821 عمعع نا وعع6601. ولعل أهم ما يمكن استخلاصه من التجارب التحديثية هذه هو التوسع الذى عرفته المدينة؛ 
فقد حافظ حكام مصر على المدينة القديمة» لدواع مختلفة» وساروا في اتجاه بناء أحياء حديثة فنتج من ذلك ازدواجية غير مسبوقة في 
تاريخ العمارة الإسلامية. وترتب على ذلك وجود مجتمعين مختلفين يسيران بوتيرتين متفاوتتين» وبينما كانت المدينة الحديثة تنمو كان 
الإهمال يحيق بالمدينة القديمة في مستويات متعددة (ص 152). 


اختلف الأمر في حلب؛ ففي حين كانت بداية القرن التاسع عشر لحظة انطلاقة نحو تحولات كبيرة في القاهرة أطلقت مسلسل 
تحديثهاء كان الزلزال الذي عرفته حلب سنة 1822 طالع شُؤم على المدينة التي عرفت خرايًا زادت من حدته هجرة ساكنتها الأوروبية 
واليهودية» والتي لطالما أدت دورًا في انفتاحها. ولعل ما عمق أزمتها هو توتر علاقتها بالدولة المركزية في إستانبول. وبالرغم من نهوض 
اقتصادها في النصف الثاني من القرن التاسع عشرء فإنها لم توقف نزيفها البشري. وإذا كان الفرنسيون قد اضطلعوا بدور إيجابي 
في القاهرة» فإن دورهم في سوريا تميز بالسلبية "حيث انصب جهدهم على تأليب الريف ضد المدينة وذلك من خلال مسح الأراضي 
ونزع الملكيات الكبيرة من أصحابهاء أبناء العائلات الكبيرة في المدن" (ص 158). لم تهدأ الأوضاع في حلب إلا خلال الثورة السورية 
(1927-1925) التي ظلت حلب منعزلة عنها على خلاف مدينة دمشق» حيث انطلقت مشروعات تحديثية» كانت فاتحتها مد خطوط 
لكك الحديدية التي ترقب عليها توسع المدينة وظهور أحياء خديقة» قبل أن تظهر أحياء خاصة بالأرمن والسريان. وقد تكرس ذلك 
مع نهاية الحرب العالمية الأولى وبعدها؛ حيث ظهرت الشوارع العريضة وأثثتها دور السينما والمقاهي والملاهي. إن ما حصل في حلب 
في هذه الفترة يعني أن حلب تمكنت خلال فترة وجيزة من الدخول إلى عالم الحداثة: في الوقت الذي استغرقت فيه عملية التحديث في 
القاهرة وقنًا ريا 


ومثلما تطورت الأمور في حلبء سارت عليه في بيروت التي تحولت هي الأخرى في ظرف وجيز من مدينة عتيقة إلى مدينة 
حديثة بامتياز. ولعل هذا التطور لم يرتبط فقط بالانتداب» بل أيضًا بتطور سياسى آخر عند إعلان دولة لبنان الكبير وتحول بيروت إلى 


مستشفيات وجامعات ومدارس متنوعة» بل أكثر من ذلك أصبحت المدينة في تهيئتها تحتكم إلى قوانين عمرانية مضبوطة. 


أما المدينة الرابعة التى تناولها في هذا الفصل فهى إستانبول» ويرى خالد زيادة أن هذه المدينة بالرغم من انطلاق عملية تحديث 


منقطعة النظير بها منذ ثلاثينيات القرن الثامن عشر متمثلة في بناء قصور على الطراز الأوروبي ومدارس للهندسة والمطبعة» فإنها ظلت 
تحافظ على نظامها التقليدي ولأحكام القوانين المتعارف عليها (ص 166)ء وهي في ذلك لا تختلف عن بقية المان العثمانية الأخرى. 


1568 


المدينة في العالم الاسلامي: من التقليد إلى التحديث 


0 
قراءة في كتاب المدينة العربية والحداثة لطع ل مراجعات كتب 
جحل 


من خلال الجرد الذي يقدمه زيادة للمدن الأربع» يبدو أن دخول هذه المدن بوابة الحداثة ارتبط بحضور الغرب» وعندما نقول 
خضتور الغري لا تقهيد بذلك الالستعمارمبواق كان لالاستعما , دوا الرااسحةى مسلسل التخدي والحدالةه بل حضورالك 07 
نموذجًا احتذته هذه المدن في إعادة صياغتها. كما أنه ارتبط بدور التخب التى كانت بمنزلة حوامل للحداثة. وأخيرّاء ارتبطت التحولات 
التي عرفتها المدن بالتحولات السياسية. وقد لاحظنا كيف أدت المجالس البلدية دورًا في إعادة تشكيل المدينة» بل أصبحت هي الساهرة 
على تنظيم المجال الحضري؛ بمعنى أن الإصلاحات والتنظيمات التى عرفتها الدولة العثمانية تركت آثارها الواضحة على المدينة. 
ويضاف إلى كل هذا الدور الذي أدته الطرق فى تحديث هذه المدن؛ فقد عرفت المان العربية دينامية جديدة» بفعل مد السكك ال ١‏ 
والطرق المعبدة» ألم يقل فرناند بروديل إن "المدن هي الطرق"؟ 


أما الفصل الخامس وا معنون "التاريخ والاجتماع والحداثة" فيعرض فيه المؤلف قضايا متشعبة؛ ولعل أهم ما يميز هذا الف | 7" 
هذه المراوحة بين النظري والتطبيقي من خلال عرض قضايا ثلاث» هي: 


العلاقة بين التاريخ والأيديولوجياء وكيف ساهم تضافر الجهود بين الأركيولوجيا والأبديولوجيا في اكتشاف مدن في العالم العربي 
والإسلامي. وهذا الأمر لا يتعلق فقط بالاستعمارء كما يتضح في أمثلة كثيرة في مصر التي أفرز فيها علم الآثار الفرنسي توجه "فرعونية 
مصر" لقطع كل ما له صلة بالتاريخ العثماني» وكما يبرز في حالة المغرب حيث حاولت الأكيولوجية الفرنسية وضع الفترة الإسلاء 7" 
قوسين وربط حاضر المغرب في بداية القرن العشرين بالماضي الرومانيء بل يتعلق الأمر أيضًا بالأيديولوجيا القومية مثلما حدث في لبنان 
حيث بروز فكرة "لبنان الفينيقي" ومثلما حدث ني تركيا عندما وضعت القومية التركية تاريخ العثمانيين بين قوسين وراحت تهتم بمدن 
الأناضول القديمة. ٌْ 
تفاعل المؤرخ مع المناهج السوسيولوجية التي اعتمدت في دراسة المدينة» لقد أصبحت دراسة ماكس فيبر عن المدينة عماد المؤرخين: 
وواجهة لمناقشاتهم حول المدينة العربية الإسلامية؛ ويعود ذلك إلى أن فيبر نفى أي وجود للمدينة في أي مجال جغرافي خارج الغرب» 
على اعتبار أنها لا تتوفر على الشروط التي يضعها لتحديد مفهوم المدينة» وبات يتحدث عن "أشباه المدن". يعتبر فيبر أن الغرب وحده 
الذى عرف اكتمال الظواهر (ص 181). وقد بذل المؤرخون جهدًا كبيرًا في دحض نظريات فيبر حول المدينة بعد أن وجد فيها الاستشراق 
ضالته المنشودة. 
© ينطلق فيها من مقولة لجورج بالاندييه!"'' عن مسألة دينامية التقليد والحداثة» فلا الحداثة ولا التقليد يكتسيان صفة الديمومة, 
ولعل ما يؤكد ذلك عندما يتحدث عن الوجاهة كتحدٍ للحداثة» وفي القرن التاسع عشر جرى تجديد شروط الوجاهة عبر المدرسة وأصبح 
في إمكان أبناء الطبقة الوسطى أن يكسبوا مواقع جديدة في الوجاهة المتجددة» غير أن هؤلاء الوجهاء الجدد كانوا منشطرين إلى أولتك 
الذين قاوموا الاستعمار وتبنوا الأفكار القومية» وهؤلاء الذين لم يجدوا أي حرج في الانفتاح على الغرب بل لم يجد بعضهم غضاضة في 
التعاون مع سلطات الاستعمار. في حين انخرط أبناء الطبقة الفقيرة في مناهضة كل أشكال التغريب» وظلوا قابعين في النسيج الحضري 
القديم. وبالمراوحة نفسها بين النظرية والتطبيق» يعالج المؤلف دور الأحزاب السياسية في دينامية الحداثة والتقليد. 

في هذا الفصل من الكتاب يعود زيادة إلى مسألة تاريخ التحديث بالعالم العربي» ولا سيما في الجانب المتعلق بالتحقيب» ويرى 
أن التحديث مر بمراحل ثلاث: المرحلة الأولى هي مرحلة التنظيمات في النصف الثاني من القرن التاسع عشرء والتي كان الهدف منها 
تقوية أجهزة الدولة عن طريق تجديد الإدارة وتحديث الجيش والتعليم؛ وكانت المدينة مسرحًا لهذه الحركة التحديثية؛ حيث استهدفت 


3 ينظر الفصل السادس المعنون "التقليد والتحديث" "6انممءع2]00 أء 12201610" فى كتابه الأنثروبولوجيا السياسية: 


.193-66 .62 ,(1993 رععطة1! عل 15112115 11[لنا وعووع11 :115 10) 701111011 47117706010916 تع 1لمة1ة8 عع 1م00 


159 





م 


العدد 12 إلا طور تموز / يوليو 2020 
وده 


0910101 


0-0 


كك 


التنظيمات تحديث العمران وإن على نحو غير ممنهجء بالرغم من استحداث النظام البلدي. أما المرحلة الثانية فهي مرحلة الاستعمار 
بدءًا من ثلاثينيات القرن التاسع عشر إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى» وجدير بالإشارة إلى أن تأثير الاستعمار في البنى الحضرية العربية 
كان متفاونًا من بلد إلى آخرء كما أنه كان مختلفًا بين قوة استعمارية وأخرى. أما المرحلة الثالثة» فهي مرحلة الاستقلال واستتباب 
151 الوطنية: وخلال هذه اللرخلة جرى وضع خطها #حذيفية تشمل المدينة: ويستقل ا أؤلف مسألة التخطيط المديني التي تضمنتها 
إل البرامج الحكومية ليعرض أهم الخلاصات التي انتهث إليها دراسات في باب التخطيطء منطلقًا من أعمال المؤتمر حول تخطيط 
إل ف العالم العربي. ْ 


قصارى القول إن المؤلف لم يكتف برصد التحولات التي عرفتها المدينة العربية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشرء بل وجد نفسه 
مضطرًا إلى تجاوز الحقبة ليرصد التحولات التي عرفتها المدينة العربية خلال الحقبة الاستعمارية وما بعدها؛ على اعتبار أن مسلسل 
للتحديث مسلسل طويل الأمد. كما أن هاجس تقديم نتائج الأبحاث السابقة كان حاضرًا في جميع فصول الكتاب» ولم يكتف بعرض 
نتائج الدراسات بل كان ناقدًا متفحصًا لها منتببًا إلى خلفياتها المزهجية والأيديولوجية. وعلاوة على ذلكء يتميز الكتاب بمناقشة 
النظريات التي صيغت حول المدينة» سواء تعلق الأمر بعلم الاجتماع أو الأنثروبولوجيا أو العلوم السياسية. وقد سبق أن نوهنا بالمراوحة 
بين النظرية والتطبيق» كما نوهنا بالعناية التي أولاها للتدقيق في المفاهيمء سواء تعلق الأمر بمفهوم المدينة ومتابعته من خلال الكتابات 
ا وحدينها أو ما تعلق بمفبهوم الحداثة والتحديث. ولعل ما يميز هذا الكتاب أيضّا هو القدرة على الربط بين ما هو محلي وما هو 
1 » والانتباد إلى السياقات التاريخية في التعامل مع الأنسحة الحضرية في المدينة العربية» وفي كل مرة كان يذكر بضرورة الربط القومي 
إماكان يعيشه المركز في الدولة العثمانية والمدينة في المشرق العريء سواء تعلق الأمر يمدن شرق المتوسط أو المدن المغاربية. 


190 


قراءة في كتاب المدينة العربية والحداثة | 


المدينة في العالم الإسلامي: من التقليد إلى التحديث 4 ار 
بطل مراجعات كتب 


المراجع 
العربية 


.ابن عساكرء أبو القاسم (الحافظ). تاريخ مدينة دمشق - حماها الله - وذكر فضلهاء وتسمية من حل بها من الأماثل» أو اجتاز 
بنواحيها من وارديها واهلها. دراسة وتحقيق عمر بن غرامة العمروي. بيروت: دار الفكرء 1995. 
٠‏ التمكروق, أبو الحسن على . النفحة المسكية فى السفارة التركية. تحقيق عبد اللطيف الشاذلى. الرباط: المطبعة الملكية, 2002. 
٠‏ خورى» فليب. أعيان المدن والقومية العربية. ترجمة وتحقيق عفيف الرزاز. بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية» 1993. 
٠‏ هاملتون جيب وهارولد باون. المجتمع الإسلامى والغرب. ترجمة أحمد إيبش . أبوظبى: دار الكتب الوطنية» 2012. 
الأجنبية 
,1036"آ ع0 7151123115ك1طلا وعووع121 :123115 .7011110112 47117707010216 .85 3601) ,831320161 ٠‏ 


4 ,17112 :23115 .1 1115111123165/!! 5ع610] .7011110112 1© 5061012 1216 ,711115111111071 2116© 14 .01115[ بأع0310) ٠‏ 


عآكنا 1" :312كلمظ .1932-2014 21010211 كل /77ه 1515/1027 7111لا 1117 :107:17 111711 ,17102/011 11/117 83 .111131 1لاكتالاً ,00113501 ٠‏ 
.5 ,1111111111 31111 1 


/701101101 .1850-1882 ,162:2320113[خ ا ععمقطن 21151م5 0ط2ة 50131 :20عطعع 2110 00102131" .اأعقطاء1/1 بتعمصاع ]ال ٠.‏ 
.(1988) 20 ,كع 1 لنناى اقوط لل 1ل[ /[0 1117111 0ل 


12 / 175111111011116 0111510176 آادكط .عاء 510 1ل[ لال 11101116 5201106 1! 0115ل 191071111 اع 10 ,مقتامةك/ة ٠‏ 
2 ,113150111611176 :22115 .5061016 61 


7ع 671 117 :اكسط 1001ل[ 17 171 110067711011011 /[0 15621711117125 ,31202615طن) ..[آ 310طع1ظ] ع .1 111300اكاا بعلامط ٠.‏ 
1717 0112250 01 11171517ل1] :01163850) .26111170 


4 ,11011315 1251111 :35 ططتة(آ[ .عاع 516 1 !!!| لا 11ه 2017) 11 0111111©17:017115© 1© 471150115 .16ل طذ ,352000] ٠‏ 
,111500 ل] :23115 .نراقء ع1247111كل ©7117 .(.0»ه) .8 .خآ رأموء رزاع 5 ٠‏ 


:5 ."50010165 أكء 801110116" .011 .132اع8 اع 1اغتتحخ :031 ]12100111 أء 0320طع1'211 عل غتتتلة] .112آنا هرا .تقلط جاعماء/1ا ٠‏ 
+4 ,10600115776116 3آ 


101 


ماكس فيبر وكارل ماركس 


صدر عن سلسلة "ترجمان" في المركز العربي 

للأبحاث ودراسة السياسات كتاب ماكس فيبر وكارل ..[717171717171717171717171111111111111 
ماركسء وهو ترجمة عبد الله حداد لكتاب كارل لويث 

بالانكليزية 1/31 |31»| 300 'عاعل/الا “2/ا. هذا الكتاب 

نص أساسي عن ماكس فيبر وكارل ماركس ضمن 

التفسيرات الحديثة عن الاستلاب/ الاغتراب في النظرية 

الماركسية والعقلنة في سوسيولوجيا فيبرء يتناول 

أوجه الاختلاف والشبه بين فيبر وماركسء معتمدا في 

ذلك منهجًا فلسفيًا هو نتاج وجودية مارتن هايدغر. 


يتألف هذا الكتاب (144 صفحة بالقطع الوسط؛ موثقا 


ومفهرسا) من أربعة فصول. 





حكن م 


86 








عبد الغني العمرائني | أصوءم 3٠-0‏ أمصحطعابلطم* 





وساطة اليهود في التجارة بين المغرب وهولندا 
أثناء القزن التاسع عشر 
من خلال وثائق الأرشيف الوطني في لاهاي 
310 1101020 طاعع 51 110131101 1130 1أد راع ل 
"كتمع ) لامععاع مالا عطا ما كمه لمع طاء اا 


عناع 113 عط 1 رعتتتطاعتك 5121610031 عط 12 دامع مصده00 01 :35 8 


حظي اليهود خلال القرن التاسع ع شر بمختلف ضروب الرعاية والاهتمام من السلاطين المغاربة, ومن الهولنديين على 
السواء؛ إذ تمتعوا بشتّى أصناف الامتيازات. وخصوصا التجارية والعقارية منها. وقد أهلهم لذلك درايتهم العميقة بأمور 
الحساب وإلمامهم الكبير باللغات الحيّة؛ ما دفع السلاطين إلى انتقائهم دون غيرهم ليكونوا لهم وسطاء تجاريين بينهم 
وبين التجّار الأوروبيين والهولنديين بوجه خاص. وقد سطع نجم عدة أسر يهودية في ميدان التجارة بالمغرب كأسرة 
بلاش 56ا231136, في مطلع القرن السابع عشرء وأسرة طوليدانو 1016030 خلال عهد السلطان مولاي إسماعيل العلوي 
(1727-1682), وأسرتي آل مقنين وابن دلاك خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. وسنحاول في هذه الدراسة 
تسليط الضوء على الدور الريادي الذي أذاه اليهود المغاربة في الوساطة التجارية بين المغرب وهولندا خلال القرن 
التاسع عشرء مستفيدين من الخصوصية التي خصّهم بها السلاطين المغاربة, والتي جعلتهم يتبوؤون منزلة رفيعة ليس 
في المجال التجاري فحسب, وإنما أيضًا في المجال الدبلومانسي. 
كلمات مفتاحية: وسطاء.ء تخّار. المغرب. هولنداء أهل الذمة. 
01 5111825 علطا طاهطا 0121 لتتععطم» 20 101اعع]10م 01 101025 01 77اأع177311 2 لع كاععع1 6155[ ,اكتلطاعه طامععاعمتم عطا مآ 
.علهاةء [دع 320 ع20 10 1265ع1 12119ع506ه ر5ع8»؟11711م 01 وعم 1و1ء57ه5 0[097:60ه ((ع16 زلاعاناما عطا تج معع1/010ا 
و15 101 12عط] 0111020© 12151128565 1111125 17111 0111311197طة1] 51105 تتاعطا 310 125 اأمتامععة 01 عع0»ع11ممعا مرععل تاعط 1" 
12117ع مت ,112015 وعم 10لا 71111 5ع1311لع تتطتاع اما ع20] 5ه ع17ء5 م1 وتاعطاه ناء01 لطاعلا ع1005ء 10 ممه اناد عطلا عمتلد»ء1 
عطا غه لااامطد] عطعة]1ج عطا 35 طاعددد ,معع21010 12 ع30 01 10ع2 عطا صا غخنده 51000 11165مطد1 طاواتكتعل لواعه5 .لاعابادا عطا 
5 ,(1687-1727) 151522114130111 110111357 3غ11اك 1101 7آ11مطة] 10140210 ع1 حطلة ,عتتططعه طامععامء؟؟ء5 علا 01 عمتمطاعء6 
القطاد ع7 ,511037 115 ص[ .تكتتطوعء طاع اخمع:ا- لاله 30 اأمععاع م21 عط صا 115 1مطد] عل0212آ نط1 0ه مععموبكل8ة عطلا 5د 1اع:7 
30 0عع1/1010 لاعع1575ا2 0136101ع22 ه1120 ا 1350م 1655 طتوعء1/1010 م101 11121اعاع1معططء عطلا مه غطاع1! لعداة م1 )تعمج 
و15 71101066313 عطا 7ا6 ماعطا لعأطوقع عع»111116م عط 01 ع115 1231128 ,تكتتطاعء لاأامععاع مام عطلا ما كل تدا تعطاءلطة عطا 
.1101277 ا 3150 غناط ع120 01 110 عط 12 0117 101 ,0511م 10157 2 1010 مغ ماعطا 211010 اعتطاى 


.1100 ,3205 1ع اعلا ,013115 7طاعام] ,ؤ1مع1120 ,5ع 1لتمتة1 اس 1ككعل :3555:01:05 >1 


* باحث في التاريخ المعاصرء كلية الآداب والعلوم الانسانية بنمسيك. الدار البيضاء. 
2 ,)اك 'مطوع8 ردععمعء ع5 |5013 300 6]انا21اعغ]آنا 1ه ععه| 0١‏ ,لإ1مغذألا لا0121م صمعامه مأععطءوعوع؟] 


1905 


العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


ظل يهود المغرب فترة زمنية طويلة على اتصال قويّ بالماسكين بسدّة الحكمء متمتّعين بكامل السلط والصلاحيات لتنفيذ المهمات 
المسندة إليهم سواءً أكانت دبلوماسية أم تجارية صرفة» ولعل هذه الخصوصية تكمن في تزايد قوة أوروبا العسكرية والتجارية» ورغبة 
المغرب في شراء الأسلحة منها وفي الانخراط في التجارة العالمية؛ إذ كان من الصعب التوفيق بين هذين الهدفين المتلازمين» وهما الجهاد 
والرغبة في ممارسة التجارة مع الأوروبيين بحكم تعارضهما الأيديولوجي. وكان من أفضل السَبل التي انتتهجها المخزن للتعامل مع هذا 
التضارب هو تركيز النصيب الأوفر من النشاطات التجارية والدبلوماسية في قبضة التجّار اليهود ممّن كانت أواصرهم وثيقة ببلاطات 
السلاطين» وباستخدام اليهود كتجّار وسطاء لصالح السلاطين في المراسي المغربية ومبعوثين إلى أوروبا يكون المخزن قد تفادى الاتصال 
المباشر مع المسيحيين. لن نتعرّض في هذه الدراسة إلى الدور الدبلوماسي الذي قام به التجار اليهود في تطبيع علاقات المغرب بالأراضي 
الواطثة» وإِنّما سنحاول تركيز حديثنا عن دورهم بصفتهم وسطاء تجاريين بين البلدين خلال الفترة المدروسة. فإلى أي حذّ ساهم التجار 
اليهود في ربط التجارة المغربية بنظيرتها الهولندية؟ 


أولا. أهل الذمة (التجار اليهود) والحظوة السلطانية 


لقد فرض اليهود حضورهم في العلاقات التجارية بين المغرب وهولندا بصفتهم وسطاء تجاريين لإنجاز "الصفقات" وإدارة 
المعامملات التجارية» وهو ما جعلهم يتبوؤون منزلة رفيعة لدى المخزن المغربي ولدى الهولنديين على حدّ سواءء وقد أَهْلهِم لذلك تمرّسهم 
الكبير باللغات» ودرايتهم العميقة بخبايا الآمور التجارية» وبتقنيات الحساب اللازمة في هذا الميدان. 


وقد اشتهرت عائلات يهودية كثيرة بدور الوساطة التجارية بين المغرب وهولنداء كعائلة يلاش 0ط1120ه75» التي بدأ اسمها يلمع 
في هذا المجال مع مطلع القرن السابع عشرء فارتبطت بالسلاطين السعديين المتأخرين مدّة طويلة حتى صارت مطلعة على الكثير من 
أسرارهم. وعلى الرغم من الثقة الكبيرة التي وضعها هؤلاء السلاطين في هذه العائلة» والمنزلة المرموقة التي تمبّعت بها لديهم» استخدمت 
هذه العائلة وظيفتها بصفتها وكيلة للمخزن لخدمة مصالحها الخاصة. ورغم كل هذه الامتيازات: فضّل بعض أفرادها الرحيل من 
إلذرت والاستقرار بهولتدا لصيانة مضالحي» ©. 


ومن بين أشهر أفراد هذه الأسرة الذين بصموا علاقات المغرب بالأراضى المنخفضة نذكر على سبيل المثال لا الحصرء صمويل بن 
إسحاق بلياش الذي كان أشهر من قام في أسرة بلياش الذمّية بأدوار سياسية وتجارية خطيرة في هولندا كممثل للسلطان مولاي زيدان 
السعدى من سنة 1609 إلى وفاته سنة 1616. وقد علت مكانته لدى هذا السلطان حتى إنه كان يسمح لنفسه بامضاء الصفقات التجارية 
باسم السلطان من دون أن يكون له تفويض منه؛ ما جرّ عليه بعد ذلك سخط مولاى زيدان. وقاد صمويل فى سنة 1612 مفاوضات مع 
هولندا من أجل تزويد زيدان بالسفن الحربية وأنواع من الأسلحة. وفى غضون سنة 1614 انتقل إلى إنكلترا فألقى القبض عليه فيهاء 
1[ للاطلاع أكثر على دور أسرة بلياش في الوساطة التجارية والدبلوماسية بين المغرب وأوروبا بعامة وهولندا بخاصة» ينظر: أحمد بنجلون» "بلياش". في: معلمة المغرب» ج 4 
(سلا: مطابع سلاء 2)1991» ص 1374-1373. 


05 السمراق» "العلاقات المشربية المولندية خلال القرن السابع عند (ووى 1668م رسثالة جامعية لنيل ديلوم الدراسات العليا المعمقة فى التاريخ» طبعة مرقونة 
بكلية الآداب والعلوم الإنسانية» جامعة محمد الخامسء الرباط» 2007: ص 110-109. 


06ظ1 





وساطة اليهود في التجارة بين المغرب وهولندا أثناء القرن التاسع عشر 4 - 
من خلال وثائق الأرشيف الوطني في لاهاي ل 


لل وثائق ونصوص 


ومكث هنالك قرابة عام في سجنها قبل أن يُطلق سراحه بفضل تدخلات الحكومة الهولندية» وأصيب بمرض ألزمه الفراش» فتوفي 
بيهولندا في يوم 5 شباط/ فبراير 1616 وهو فقيرء ودّفن بمقبرة اليهود البرتغاليين بمدينة أدكيرك ©. 


ويوسف بلياش الذي يُعدَ كذلك أحد أفراد هذه الأسرة الشهيرة» وقد اعتمده السلطان مولاي زيدان السعدى وكيلا له في هولندا 
سنة 1616» وظل بهذه الصفة هنالك إلى وفاته في حدود سنة 11639 ثم نجله إسحاق الملقب بالأعرج الذي كان خبيرًا في المناورات 
واستفاد كثيرًا من الامتيازات الدبلوماسية والتجارية!"' هذا فضلا عن الذمي موسى بن يوسف بلياش الذي قرّبه عمه صمويل من 
السلطان مولاي زيدان» فاستحسن طلعته ومعرفته باللغات الأجنبية» وجعله عضوًا في ديوانه» ثم سمح له بالسكنى بالقصر ليكون 
دائمًا قريبًا منهء فصار موسى صاحب القلم كلما كانت لمولاي زيدان مراسلات مع الحكومات الأوروبية أو مع ممثليها بآسفي أو مراكش 
أو غيرهماةا. 


وقد انقطعت أخبار هذه الأسرة بعد وفاة السلطان محمد الشيخ الأصغر السعدى في سنة 1653 وانهيار الحكم السعدي عقب ذلك 
بقليلء لتحل محلها أسرة يهودية أخرى لا تقل عنها أهمية في الوظيفة المذكورةء وهي أسرة طوليدانو التي سطع نجمها خلال عهد 
السلطان مولاى إسماعيل العلوى7: إضافة إلى العديد من التجار اليهود الذين أدناهم هذا السلطان منه» وأوكل إليهم أمر الوساطة 
التجارية مع الأوروبيين» مثل يوسف ميمران» وولده أبراهام ميمران» وموسى بن عطار. 


وبعد وفاة السلطان مولاي إسماعيل جعل ولده السلطان أحمد الذهبى (1728-1727) من التاجر الذمى إليعازار بن كيكى مبعوثه 
الخاص إلى هولندا بغرض تمتين الروابط التجارية معهاء كما وضع السلطان مولاي عبد الله بن إسماعيل (1727-1682) كامل ثقته في 
بعض مستشاريه اليهودء مثل صموئيل ليفي بن يولي» وصموئيل سومبال!*. 


وزادت حظوة العناصر اليمودية بعد ذلك لدى السلطان سيدى محمد بن عبد الله (1790-1757): الذى شملهم بالرعاية 
والاهتمام» وفتح في وجههم مرسى مدينة الصويرة بعد تأسيسها سنة 1764 ومنحهم امتيازات تجارية مهمّة» بغرض تطوير هذه المدينة 
من الناحية الاقتصادية» فتركزت بأيديهم دواليب الحركة التجارية بها إلى جانب الأوروبيين» وخصوصًا منهم التجار الهولنديين©. 


وممًا تحدر الإشارة إليه ان مولاى اليزيد بن محمد بن عبد الله (1792-17960) يكاد يكون السلطان العلوي الوحيد الذي تحدثت 
كثيرٌ من المصادر التاريخية عن سوء معاملته لليهود؛ ذلك أنه قرَّن عداءه للدول المسيحية بعدائه للمجموعات اليمودية» حيث أطلق يد 


أ5ع 210 :3215) 1[ عططه1' ركمه235:5-8 5ع 0101105601165 نأك 5ع كتلطاعتط ,ع 70تهلا[ لال 11151017 ©0 171601165 50111©5 5©رط ر5وع11أكة) عدآ تكتطعط عامطمن) ع1 3 
2 ©1201 ,310 .2 و(1906 ,610117بآ[ 


بنحلون.» ص 1373-1372. 
065 51011015601165 اك دع كتطع تلا ,عططء50801 عتاقهط؟0آ ,علطنو 1 رع هل[ لال 11150017 ©0 0115 1116 5011123 دعا ,وعتتاقةن) عدآ تكتاع]آ عامامن) ع1 4 
:2 12016 ,627 ,34 .22 و(1907 اماع[ أقعصاط :1215وط) 11 عدده1 ركو 


بنحلون.» ص 1374-1373. 
:315) 111 عدده1' ركمة235:5-8 5ع 110]1601165طأطا أء يع كتطء تل ,عزنو “19 ر 1470[ لال 11151011 0 11160115 501113 كعرط! روعأتاقة0) دآ تكتمعط عامامن) ع1 5 
244-246 .22 و(1912 ,كتتاماعا أقع م1 


بنجلون» ص 1372. 
6 بنجلون» ص 1373؛ ثم: 
2016 ,41 .2 ,1آ1[ عدطه1 ,ر5وع11ة3) ع0[ 
7 العمراني» ض 7/7 
8 عبد الكريم بوفرة» "اليهود في المغرب". في: معلمة المغرب. ج 22 (سلا: مطابع سالاء 2005)» ص 7680. 
9 محمد العمراني» المغرب: زمن العلويين الأوائل (الرباط: مطابع الرباط نت اترودل ص 104. 


1047 


العدد 12 2 تموز / يوليو 2020 


النهب في ملاحات تطوان ومكناس والرباط ومراكش» مستغلًا في ذلك مشاعر الاستياء التي عمّت الرعية نتيجة سياسة والده سيدي 
محمد بن عبد الله في مجال التجارة وفرض المكوس وتكليف عدد من اليهود بقبضهاا. لكن سرعان ما عاد اليهود إلى مكانتهم 
الطبيعية بعد وفاته مع أخيه السلطان مولاى سليمان» الذى شملهم بشتّى ضروب الرعاية والاهتمام» بحيث كان "يساعدهم ويوافقهم 
في الأمور ويحيهم محبةً كبيرة» ويفضّلهم على غيرهم من أهل فاسء ويعاملهم بالمال» ويدفع في أيديهم السلع» ونالوا معه وأدركوا مالا 
امه حتى قال فية بعض الشعراء: 


سين ااه قا ا 2 اك مع و وده إل 
0 1 12 س. ااه ]> 00 سدء (11) 
لاعَيْبَ فيه سوى تفضيله لَهُم عَلى بَنِي المُضُطفى وجِمْلة العَرَب 


والرعاية نفسها تمتعوا بها من لدن خلفائه من بعده: مولاى عبد الرحمان بن هشام (1859-1822) » ومولاى محمد بن عبد الرحمان 
(2)1873-1859 ومولاى الحسن الأول (1894-1873): ومولاى عبد العزيز (4و2)1908-18: ومَن جاء بعدهم من السلاطين العلويين. 


ولعل المكانة المتميزة التي حظي بها اليهود المغاربة في عهد العلويين هي التي جعلت "الرابطة اليهودية العالمية" تبادر إلى تشييد 
مجموعة من المدارس اليمودية قِ عدد من المدن المغربية» مثل تطوان سنة 1862: وطنجة سنة 1865: والصويرة سنة 1867: ووجدة 


سنة 21910 إضافة إلى مدرسة تلمودية توراتية في وجدة سنة 221910. وقد أسهمت هذه المدارس في تكوين عدد مهم من اليهود تكوينًا 
00 منفتحًا على الثقافة 3 الاوروبية. ومرتبطا 0 الاقتصاد د الغربي 2 م إدماج البلاد في السوق العالمية2". وهذا ما دفع قناصل 


كن أمقلة هؤلاء النذات اليفوة يمكق أن تذكر وعد بن 0 اقب الققضا :العام لدولة.هواندا بطتححة .ويوسفه بن شطون: 
نائب القنصل العام الهولندي بأصيلا سنة 1810م29. 


ويبدو ان ابن دلاك ظل مستمرًا قِ منصبه نائمًا عن القنصل العام الهولندي كارلوس بيسن 2520 و1" . راكنا إل ما بعد 
سنة 1819» بحسب ما يبدو من رسالة القنصل المذكور إلى السلطان مولاي سليمان في سنة 1235ه/ 1819» حيث يطلب منه فيها السماح 
له بالذهاب إلى بلاده قصد الععلاج» والموافقة على تعيين صاحبه وترجمانه أبراهام بن دلاك كلق له قي دار الفالامنك067*؟ بطنحة: واشو 


60 محملدالمنصورء "اليزيد بن محمد السلطان"» في : معلمة المغرب. ج 22. ص 7659. 

1 محمد بن عبد السلام الضعيفء تاريخ الضعيف: (تاريخ الدولة السعيدة)ء تحقيق أحمد العماري (الرباط: دار المأثورات» 1986)» ص 297-296. 

2 بوفرة.ء ص 7680. 

3 محمد كنبيبء المحميون»: سلسلة نصوص بحوث ودراسات 47 (الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط: 011 ص 259. 

4 "رسالة الشيخ عبد الله الغربي الغراي ان الذمي أبراهام بن دلاك", نائب القنصل العام لدولة هولندة بطنجة عام 1810م» الارشيف الوطني بلاهاي» سلسلة 2.05.22: 
قنصلية طنحة 1830-1815: رقم 4. 

5 هو القنصل الهولندي العام بطنجة الذي غطت فترته بالمغرب عهد السلطان مولاي سليمان وبضع سنوات من عهد السلطان مولاي عبد الرحمان؛ وكان له يد بيضاء 
في تصفية عد من القضايا الشائكة التي طفت على الساحة السياسية المغربية الهولندية أبرزها قضية هجوم البحرية المغربية على المراكب الهولندية سنة 1817م وما ترتب 
عنه من خسائر مادية وبشرية جسيمة» ينظر: "رسالة القنصل العام الهولندي كارلوس نيسن إلى السلطان مولاي سليمان بن محمد بن عبد الله", بتاريخ 22 ربيع الأول 
2ه/ 1817م. الأرشيف الوطني بلاهاي, سلسلة 2.05.22: قنصلية طنجة 1830-1815: رقم 7. 

6ه يُقصد بالفالامنك هنا دولة هولندة» ويتبين ذلك من خلال الوثائق العديدة الصادرة عن السلاطين السعديين» وعن قواد سلاء وعن السلاطين العلويين» والموجهة إلى 
المسؤولين الهولنديين» بحيث غاليًا ما نجد هذه الرسائل تصدَّر بالعبارات التالية: إلى جماعة الإسطادوس أو إلى ديوان الإسطادوسء وأحيانًا بعبارات من قبيل: إلى ديوان 
الفلامنك أو ان جماعة الفلامنك. وسوف تختفي هذه العبارات من التداول قْ المراسلات المخزنية ابتداءً من نهاية القرن الثامن عشرء عقب سقوط نظام الولايات العامة 
(الإسطادوس) سنة 1796 من قبل الاحتلال الفرنسي بزعامة نابليون بونابارت . توجد أصول هذه الرسائل في الأرشيف الوطني بمدينة لاهاي» مصنفة ضمن سلسلة 04 2.01 
الولايات العامة (1796-1550)» وسلسلة 1.01.08 ات العامة (1796-1550) . وتوجد نسخ منها في حوزتنا. 


108 





وساطة اليهود في التجارة بين المغرب وهولندا أثناء القرن التاسع عشر 4 - 
من خلال وثائق الأرشيف الوطني في لاهاي 55 


5ل وثائق ونصوص 


عامل المدينة بتوقيره: "وبعد [...]ء الإعلام لسيدنا حفظه الله أنه قد أصابني وجعٌ في الرأس والعين [...]ء هذه مدة وأنا على هذه الحالة: 
ولم أجد راحة مما دُكرء ولم يفدني هنا في ذلك دواء؛ وضاق بي الحال والأمر للهء وقد كنت كتبثُ لسلطان دولتي أعلممُه بقضيتي وطلبتٌ 
منه السفر لبلاد النصارى أتداوى هناك لعل الله تبارك وتعالى يجعل لي هناك سيبًا في الشفاءء فأجابني وأذن لي بالسفر لما ذكر وأرجع 
لداري وموضعي سانا من فضل الله وبركة سيدنا نصره اللهء فلأجل هذا أردثٌُ أن أعلم سيدنا نصره الله بسفري لم ذكر [...] كما نطلب 
من سيدنا نصره الله أن يوافقّ لي على الذَّمّي صاحبي وترجماني أبراهام بن دلاكء فإني قد جعلته خليفة في دارنا دار افلامنك؛ فنحب 
من الله ومن فضل سيدثا نصره الله أن يأمر عامله أن يكون عنده موقَرًا ملاكظًا مراعاةً لنا ولدولتنا"07. وهو الطلب الذي استجا ا "١‏ 
السلطان في السنة ذاتها عندما أمر كلا من الأمين ابن أني بكر العمرتي والأمين العربي السعيدي بأن ب "سَرَّحَا قنصل جنس الفلامنك 
يركب في البحر يذهب لبلدهء ويحمل قَشّْه ولا يفتش وما يكفيه من العوين» ويترك مَن عيّن خليفة بداره موقرًا"8, 


وتؤكد بعض الوثائق مزاولة ابن دلاك مهمة النيابة القنصلية عن جنس الفلامنك بطنجة في سنة 901823", ثم في سنة 2011824 
بل إنه مكث فى منصبه المذكور إلى سنة 201826). 


وبعد توقيع المغرب المعاهدة التجارية مع بريطانيا سنة 1856: وما رافق ذلك من ارتفاع فى المبادلات التحارية مع البريطانيين ومع 


تانيا. رغبة اليهود في الحصول على اعتيازات إضافية وردود الفعل 


اغتنمت بريطانيا وهولندا هذه الظروف الجديدة لإبطال مفعول "قانون أهل الذمة"”" المذكورء بحيث أبقت بريطانيا على التاجر 
اليهودي المغربي صمويل إلتن نائبًا قنصليًا بها بأصيلاء واعتمدت هولندا بالدرجة الأولى على التجار اليهود لرعاية مصالحها التجارية, 
مثل التاجر إسحاق بن شُلوم ناهون» الذي اعتمدته ممثلًا لها بمدينة تطوان: كما يظهر ذلك من جواب النائب السلطاني محمد بن 
العربي الطريس عن رسالة القنصل العام لدولة هولندا بطنجة إلياس كاسيل0©): "فقد وصلنا كتابك بتاريخ 11 يونيّه [...] سنة 1889 


تُغلموننا بأن دولة الفلمنك قد ولث التاجر إسحاق بن شلوم ناهون خليفة لها بتطوان» وطلبثم منّا إعلامَ متولي تطوان به ليكون 


7 "رسالة القنصل العام لدولة هولندة بطنجة كارلوس نيسن إلى السلطان مولاي سليمان". بتاريخ 22 شوال عام 1235ه/ 1819م. الأرشيف الوطني بلاهايء سلسلة 
2ه قنصلية طنحة 1830-1815: رقم 40. 
8 "رسالة السلطان مولاي سليمان إلى الاأعينيق ابن أي بكر العمرتي والطالب العربي السعيدي". بتاريخ 4 ذي القعدة عام 1235ه/ 1819م. الأرشيف الوطني بلاهاي, 
سلسلة 2.05.22» قنصلية طنحة 1830-1815: رقم 40. 
9 "رسالة السلطان عبد الرحمان بن هشام إلى نائب القنصل الهولندي بطنحة أبراهام بن دلاكء بتاريخ 6 ربيع الثاني 9ه/ 1823م" الأرشيف الوطني بلاهاي, سلياة 
2 هه قنصلية طنحة 1830-1815» رقم 40. 
0 ينظر: "عقد كراء أرض بطنجة لفائدة نائب القنصل الهولندي بطنجة أبراهام بن دلاكء بتاريخ 17 رمضان 1240ه/ 1824م": الأرشيف الوطني بلاهاي: قنصلية طنجة 
1830-5: سلسلة 2.05.22» رقم 6. 

.6 و(1994) 6 .10 ,111702 1070[ عنانء 7 ",2355-1835 065 5ع17[طع1ة 5ع.آ 0325 113102 ع[آ" راكلة/ عاء:1ة11'6 ع ,27130 جطخ ل0ع7تقط110 21 
232 هوقانون يمنع اليهود المغاربة من مزاولة وظائف عمومية 2 سلك الدولة المغربية» جرى ترسيمه منذ عهد الأدارسة» ينظر: بوفرة» ص 7680. 
3 فيكتور إلياس كاسيل 561وة© 51138 .77 من أصل سويديء عين قنصلا عامًا لدولته بطنجة سنة 1886 واستمر في منصبه إلى سنة 1891 وتولى خلال هذه الفترة رعاية 


مصالح هولندة أيضًا بعدما أحيل جون دراموند هاي على التقاعد ليتولى من بعده وزير ألمانيا فون بوشة مهمة رعاية مصالح كل من الدولتين معَاء ينظر: مصطفى بوشعراءء 
الاستيطان والحماية بالمغرب: 1311-1280ه/ 1894-1863م»: تقديم عبد الوهاب بنمنصورء ج 2 (الرباط: المطبعة الملكية. 1984). ص 645: 647. 


199 


العدد 12 2 تموز / يوليو 2020 


كغيره من الخلائف» فيصلكم طيّه كتابٌ منا لعامل تطوان وقد عرّفناه بذلك"9 [الوثيقة 2). وسوف يتكيف موقف المخزن مع هذه 
المسألة "السيادية" بعد استفحال ظاهرة الحماية القنصلية» وظهور موجات دعائية تطالب باستصدار ظهائر توقير اليهود واحترامهم» 
بعد "اختالاق" فكرة معاداة اليهود وكراهيتهم!2. 

ففى سنة 1863» حدثت ضجّة هائلة أحدثها المفوض الإسباني بطنجة؛ بسبب تآمر أربعة يهود على قتل نائب خليفة القنصل الإسباني 
بآسفيء وبلغت أصداء هذه الضجة بريطانيا بعد اعتقال الجناة وقرار القضاء بإعدامهمء وتحرك اليهود في كلّ مكانء وبعثوا زعيم الطائفة 
ودية ببريطانيا موزيس مونتفيورىي 101 وع 2611/05 الذي قام بجولة عبر أنحاء المغرب في أواخر السنة المذكورة ومطلع سنة 
4 وتدخل لدى السلطان محمد بن عبد الرحمان من أجل تخويل اليهود حقوقًا خاصة©. 


وهكذا نقرأ في رسالة القنصل العام البريطاني بطنجة جون دراموند هاي 1137 لدمحصحصتح(آ سطه !8 إلى جميع نوابه بإيالة مراكعش 
(المغرب)ء بتاريخ 20 نيسان/ أبريل 1864: أنّ زعيم الطائفة اليهودية الشير موزيس منتفيوري» توجه إلى المغرب بعد حدوث الواقعة 
المذكورة, والتعى السلطان محمد بن عبد الرحمان» وحصل منه على ظهائر شريفة قِ أمر إخوانه اليمود بهذه الإيالةء "وبذلك ازدادت 
ليم م وتمييرًا قِ جانب السلطان [...]: اكتوهما كان لقعا ٠‏ وينفي القنصل العام البريطاني قِ رسالته الشكوك والتهم عن اليمودء 
ويحمّل المغاربة وعمّال السلطان "مباشرة الكراهة مع اليمود"22. ويدعو إلى نبذ هذا السلوك قائالا: "وقد مضت أيام الكراهة والظلم 
مع أناس المختلفين قِ الأديان: ولا ينبغي تجديده بإيالة مراكش وله إحيائه [...]ء لتلا يعيد الكراهة والظلم القديم لاختلاف الأديان 
الذين نحن نائيًا كردي ثاثا 


ويهدد القنصل البريطاني في رسالته المذكورة بمنح الحماية البريطانية لجميع اليهود المغاربة إن استمرت معاداة المسلمين لهم» فإذا 
بقيت "الكراهة والظلم جارية على اليهود [...]» فلا شك عندنا أننا نأمر وكذلك نواب الأجناس الأخرى بإطلاق الحماية على الجميع إن 
تحققوا من عدم العدل في الأحكام» وراجي أن سيرة ولاة مراكش مع اليهود ومع جميع مَن هو تحت حكمكم تكن حسنة في المستقبل, 
حتى لا نحتاج نحن ونواب الأجناس إلى الكتب لذُوَالنا [...]ء هذا وتأمركم بالاستمرار في الوقوف على أمر اليهود كما كنتم مأمورين به 


4 "رسالة النائب السلطاني محمد بن العربي الطريس إلى القنصل العام لدولة هولندة إلياس كاسيلء بتاريخ 12 شوال عام 1306ه/ 12 يونيو 9و188م". الأرشيف الوطنى 
بلاهاى» سلسلة 2.05.15.15: قنصلية طنحة 1907-1830» رقم 13. 


5 "رسالة القنصل العام البريطاني بطنجة جون دراموند هاي إلى جميع نوابه بالمراسي المغربية» بتاريخ 20 أبريل عام 1864م" الأرشيف الوطني بلاهاي» سلسلة 
5 ه56 قنصلية موكادور 41897-5 رقم 2. 

6 الشير موزيس منتفيورى 1 1105659 (1885-1784): ثري إنكليزي من أضل مغربي» اشتغل رئيس مجلس نواب اليهود البريطانيين قِ لندن» ينظر: كنبييب» 
ص 259. 

7 إبراهيم حركاتء المغرب عبر التاريخ, ج 23 ط 2 (الدار البيضاء: دار الرشاد الحديثة؛. 4و19) » ص 251؛ كنبيب» ص 259. 

8 ينحدر من الارستقراطية السكوتلندية» وكانت ولادته في مدينة فلانسيين 178160616026 الفرنسية في فاتح يونيو سنة 1818م» التحق بمدينة طنجة سنة 1832م وعمره 
لا يتحاوز الخامسة عشرة»ء فوجه اهتماماته هناك لتعلم اللغة العربية وأصبح قادرًا على الكتابة بها» وعلى ترجمة بعض نصوصها إلى الإنكليزية وكان بذلك قد وضع اللبنات 
الأولى لتهييء نفسه للعمل الدبلوماسي في البلدان الإسلامية» تقلد منصب مساعد القنصل العام البريطاني هودجس 11001865 بالإسكندرية قبل اف يتجه إلى العمل في خدمة 
اللورد بونسونبي 2025026 بالفسطتطيية » ومنها إل اغوي سن ف قنينة قتصاذ عاما لبريطانيا بعد وفاة والده إدوارد سنة 1845م» وكانت بذلك البداية لمرحلة طويلة قضاها 


جون دراموند هاي 2 المغرب لم تعرف نهمايتها إلا 2 سنة 1886م» ينظر: خالد بن الصغيرء المغرب وبريطانيا العظمى ف القرن التاسع عشثر: : (1886-1856): طد (الرباط: 
منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباطء 1997): ص 54-52 ينظر أشاة 

-271 .2م و(1962 و2011 2[ 0161015]آ :3231ظ1[) 11 عمطه1' ,(1822-1906) :1/1170 أل[ © ©70ه//! عر[ ,عع 1116 01115آ-موعء ل 
لفتسل العام البروطان بطليحة هون درامونو ساي زلا 1101377 اس لايق 
0 المرجع نفسه. ْ 
31 المرجع نفسه. 


2000 





وساطة اليهود في التجارة بين المغرب وهولندا أثناء القرن التاسع عشر 4 - 1 
من خلال وثائق الأرشيف الوطني في لاهاي لطبور وثائق ونصوص 
جحل 


إلى الآن» ونأمركم أيضًا بالاجتماع مع بعض خلاف أجناس آخر للوقوف عليهم أمام الولاة إن صدر منهم ما ذكر من الظلم والكره مع 
اليهود مخالفًا لمقتضى الأظهار الشريف"620. 


ويشكل هذا التهديد في الحقيقة سابقة خطيرة في تاريخ العلاقات بين اليهود والمسلمين في المغرب» بل في تاريخ علاقات اليهود 
بالأمم الأوروبية على وجه العمومء بحيث يُلاحَظ أنه منذ هذا الوقت بالذات "تبنت بريطانيا قضايا اليهود عمليًا داخل التراب المغربي وهم 
رعايا مغارية"2©, وأضحت تستخدم هذا التبني ويا لابتزاز المغرب سياسيًا وحقوقيًا وتجاريًا. 


وهكذا إن كنا ندرك أنّ اليهود في هذه الفترة صاروا من جملة المحميين بالمغربء فَإنّنا لا ندري بالضبط إن كان السلطان قد أذعن 
للتهديد المذكورء وأسقط المتابعة القضائية في حقّ الجناة اليهود الذين اغتالوا نائب خليفة القنصل الإسباني بآأسفي» فكل ما ورد في ظهير 
الملطان محمد بن هبد الرحمان للبهوة لا يخرج عن الأمر اللألوف بضرورة نترام أهل الذقة وصناواتهم يغيرهم فى التحكام 1 711" 
وهو أمرٌ معروف ومقرّر عند ولاة المسلمين منذ القديم. 


وبذلك نعتقد أنّ التلويح ببسط الحماية القنصلية على جميع اليهود المغاربة كان الهدف منه دفع المخزن إلى تقديم الكثير من 
التنازلات القضائية لصالح الرعايا اليهودء ومنحهم المزيد من الحريات الفردية» أسوةٌ بما قام به السلطان العثماني عبد المجيد (1839- 
1 حينما أعلن في سنة 1839 عن إصلاحات داخلية عرفت بالتنظيمات الخيرية نص فيها على المساواة بين أفراد الرعية» وهي 
التي تُعرف باسم "خط شريف كولخانه"6#. وهذا ما أشار إليه القنصل العام البريطاني المذكور في رسالته المتقدمة حينما قال: "وسلطان 
إسطنبول وسلاطين أخر من أقطار المسلمين جعلوا قوانين» وتساويًا فيهم النصارى واليهود مع المسلمين في الأحكام» وبمثل ما ذكر 
يستغلونه المسلمون دائمًا في بلدنا أكرت برطن (بريطانيا العظمى)ء وفي جميع أقطار الأجناس والميركان» وذُوّال الأجناس قد استحسنوا 
ما صدر منهمء وزاد بذلك تشديد عقود المحبة بينهماء لما ظهر منهم من محاسن الحرية. وهؤلاء الأجناس لا يسكتون ولا يصبرون إذا 
لم يجر العمل على ساق الجدّ فيما اقتضاه الظواهر والقوانين المقررين [...]ء لثلا يعيد الكراهية والظلم القديم لاختلاف الأديان "659. 
غير أن السّير موزيس منتفيوري فشل في إقناع السلطان محمد بن عبد الرحمان بمنح اليهود تلك الحريات والحقوق الفردية وتدوين 
ذلك في مرسوم سلطاني شريفء وذلك لكون مطالبهم تتعارض مع نصوص الشريعة الإسلامية الثابتة» وأنّ إقرارها "يؤدي إلى كثرة 
الفتن والهرج والشقاق"69. لذلك رفض السلطان تخويلهم هذه الحقوق "المزعومة" لعلمه أن "جل اليهود في هذه الأزمنة هم الذين 
خرجوا عن طورهم» وصاروا يتطاولون على المسلمين بالقول والفعل» فرفعوا أنفسهم فوق قدرهمء وأكثروا من التعامل بالأموال الكثيرة 
مع الأخلاط من غير تمييز بين من يصلح لذلك ومن لا [يصلح] "67 

وقد انتقد الناصري (1897-1835) هذه المطالب الحقوقية "المستحدثة": في كتابه الاستقصاء قائلا: "واعلم أن هذه الحرية التي 


أحدثها الفرنج في هذه السنين هى من وضع الزنادقة قطعًاء لأنها تستلزم إسقاط حقوق اللهء وحقوق الوالدين» وحقوق الإنسانية رأسًا 
[...]ء وضابط الحرية عندهم لا يوجب مراعاة هذه الأمور» بل يبيح للإنسان أن يتعاطى ما ينفر عنه الطبع» وتأباه الغريزة الإنسانية: 


2 المرجع نفسه. 

3 حركاتء. ج 3» ص 251. 

04 محمد المنوني» "ملاحظات حول بعض ردود فعل المغاربة تجاه الدعوة إلى الإصلاح في القرن التاسع عشر من خلال وثيقة موضوعية". مجلة كلية الآداب والعلوم 
الإنسانية بالرياط, العدد و (2)1982 ص 147 (هامش رقم 5). 

قدو مار تسو عم ال ا لك 

36 المنوني» ص 150. ْ 

7 المرجع نفسه.» ص 152. 


201 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


من التظاهر بالفحش والزنا وغير ذلك إن شاءء لأنه مالك أمر نفسهء فلا يلزم أن يتقيد بقيد, ولا فرق بينه وبين البهيمة المرسلة إلا في 
شيء واحدء هو إعطاء الحق لإنسان آخر مثله» فلا يجوز له أن يظلمهء وما عدا ذلك فلا سبيل لأحد على إلزامه إياه"69. وبناء عليه 


"حرية الأديان بالمعتى المعروف عند من قال بهاء والحالة المقررة الشهيرة عند أربايهاء خارجة عن الدين بالدئيل والبرهان» مضادة له 
كما لا يختلف فيه إثنان [كذا]ء فلا سبيل إلى العمل ببهماء وإلا تبطلت الشريعة ولم يبق تعويل عليها "697. 


وهكذا فاستناد القنصل البريطاني جون دراموند هاي في رسالته المذكورة» ومن بعده بابا الفاتيكان في مذكرته إلى مؤتمر مدريد سنة 
0 بشأن مطلب حرية العقيدة في المغرب» إلى ظهير السلطان محمد بن عبد الرحمان للسير موزيس منتفيوري المذكور فيه نوع من 
التضليل والتعتيم الواضحَيْنء ولإبراز ذلك نورد فيما يلي نص هذا الظهير الذي يُصدر بموجبه السلطان أوامره لنوابه وخدامه قائلا: 
"نأمر مَن يقف على كتابنا هذا [...] من سائر خدامنا وعمالنا والقائمين بوظائف أعمالنا أن يعاملوا سائر اليهود الذين بسائر إيالتنا 
بما أوجبه الله تعالى من نَضْب ميزان الحق والتسوية بينهم وبين غيرهم في الأحكام, حتى لا يلحق أحدًا منهم مثقال ذرة من الظلم» 
ولا يُضام ولا ينالهم مكروه ولا اهتمام» وأن لا يتعدوا هم ولا غيرهم على أحد منهم لا في أنفسهم ولا في أموالهم» وأن لا يستعملوا أهل 
الحرف منهم إلا عن طيب أنفسهم» وعلى شرط توفيتهم بما يستحقونه عليهم» لأن الظلم ظلمات يوم القيامة» ونحن لا نوافق عليه 
لا في حقهم ولا في حق غيرهم ولا نرضاهء لأن الناس كلهم عندنا في الحق على حد سواءء ومن ظلم أحدًا منهم وتعدى عليه فإنًا نعاقبه 
بحول الله» وهذا الأمر الذي قررناه وأوضحناه وبينّاه كان مقررًا ومعروفا ومحذورّاء لكن زدناه بهذا المسطور تقريرًا وتأكيدًا ووعيدًا في حق 
مَن يريد ظلمهم» وتشديدًا ليزيد اليهود أمنّا إلى أمنهم» ومن يريد التعدي عليهم خوفًا إلى خوفهم "9. 


وفي أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ازدادت مكانة اليهود على صعيد التجارة الخارجية؛ إذ اكتسح العنصر البيهودي 
وحده هذا القطاع الحيوي على حساب المسلمين» ويُعزى ذلك في نظر أوجين أوبان إلى سيطرتهم على الحركة التجارية بالمدن الساحلية 
1 الة؛ فقد اعثبرت الصويرة حاضرة اليهود الأولىء حيث بلغ عددهم بها حوالى عشرة آلاف يهودي من مجموع ساكنتها التي قدرت 
بخمسة وعشرين ألف نسمة!. 


وشكل اليهود نسبةٌ مهمّة بمدينة الجديدة» حيث بلغ عددهم ثلاثة آلاف وخمسمئة يهودي من مجموع سكان المدينة البالغ 
عددهم خمسة عشر ألف نسمة» وسيطروا على دواليب الحركة التجارية بها إلى أن زاحموا التجار المسلمين ودفعوهم عنهاء أما في مدينة 
طنجة فإنّ نشاط اليهود التجارى أخذ طابعًا أكثر قوة» بسبب وجود مقارّ القنصليات العامة والبعثات الدبلوماسية» فكان التجار اليهود 


يؤؤّدون دور الوساطة في كل شىء» حتى قِ بيع بطائق الحماية: والمخالطة والسمسرة» وتشجيع ظاهرة تملص المغارية من أداء الضرائب 
عن طريق الاستفادة من بطائق الحماية» ولم يفت اليهود الاهتمام بميدان الفلاحة, إذ كانوا يشاركون المسلمين في فلاحة الأراضي 
الزراعية وامتلاك العقارات62. 


8 أبو العباس أحمد بن خالد الناصريء كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصىء, تحقيق وتعليق جعفر الناصرى ومحمد الناصرىء ج و (الدار البيضاء: دار الكتاب 
6) ص 115-114. 
39 المنوني» ص 150. 
0 ينظر: "ظهير السلطان محمد بن عبد الرحمان إلى سائر الخدام والعمال". بتاريخ 26 شعبان 1280ه/5 فبراير 1864م» يأمر فيه بمعاملة اليهود بميزان الحق والسوية 
بينهم وبين غيرهم 2 الأحكامء الأرشيف الوطني بلاهايء سلسلة 2.05.15.05» قنصلية موكادور 1897-1845» رقم 2. 

.7 ,2 .22 و(20112,1904) لتتقططاتظ 113111[ :13115) 011/01110//7111' 0 1070[ عط يتاطتخة عمغقتاط 41 
2 محمد كنبيب» يهود المغرب: 1948-1912: ترجمة إدريس بن سعيد» تقديم آندري ازولاي» سل هوم :اعمال مترجمة 8 | الرباط : فنشو رات كلية الادات والعلوم 
الإنسانية بالرباط, 98) صن 82 


202 





وساطة اليهود في التجارة بين المغرب وهولندا أثناء القرن التاسع عشر 4 4 ا 
من خلال وثائق الأرشيف الوطني في لاهاي ل را طور وثائق ونصوص 


وهكذا نستخلص مما سبق» أن التجار اليهود قاموا بأدوار حيوية في انتعاش التجارة الخارجية المغربية» ورَبْط الاقتصاد المغربي 
بأوروبا منذ عهد السعديين المتأخرين» وتبوًا اليهود مكانة رفيعة لدى السلاطين العلويين» وسعوا في الوساطة التجارية بينهم وبين التجار 
الهولنديين والاوروبيين بوجه عامء بل إن خبرتهم التجارية حملت قناصل الدول الاوروبية على تعيينهم نوابًا لهم بالمراسي المغربية. 
وازدادت مكانة اليهود بعد ذلك» وخاصة بعد اتفاقية 1856 مع بريطانيا العظمىء وتفاقم مشكلة الحماية القنصلية عقب ذلكء إلى أن 
صاروا يشكلون "لوبيًا تجاريًا" قويًا عند أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين؛ ما أثار حفيظة التجار المغاربة والتجار الأوروبيين 
على حدّ سواءء كما سبقت الإشارة إلى ذلك . 


يُعرّف هؤلاء التجار الوسطاء في العلاقات التجارية بين المغرب وهولندا أو بين المغرب والأمم الأوروبية على وجه التعميمء في المصادر 
التاريخية المعاصرة ب "تجار السلطان". ولنا في الوثائق الهولندية التي بين أيدينا ما يؤكد وجود كثير من تجار السلاطين العلويين خلال 
القرن التاسع عشرء أسندت إليهم مهمّة تنشيط التجارة الخارجية» والقيام بدور الوساطة التجارية بين المغرب وهولنداء وكان جميع هؤلاء 
التجار من اليهود. 


لقد كان تجار السلطان خلال القرن التاسع عشر يستفيدون مما يسمى "الكنطردات": أي الاحتكارات التى كانت تسمح لتاجر 
معيّن باحتكار تجارة بعض المواد مقابل مبلغ يدفعه لبيت المال: وكانت هذه الاحتكارات تشمل بالأساس استيراد مواد أساسية كالشاي 


والقهوة والسكر أو تصدير مواد مغربية كالصوف والجلود وغيرها. 

وقد رأى بعض الباحثين» جون لوى مييج 711686 15ناه.1-مةءل» في تجار السلطان نواةٌ لما سمّاه برجوازية تجارية نمت وترعرعت 
بدعم المخزن ومساندته» بينما رأى باحث آخرء دانييل شرويترء أنّ هذا الدعم المخزني بالذات هو الذي حال دون تطوير برجوازية مغربية 
مستقلة؛ لأن هؤلاء التجار ظلوا مرتبطين بالدولة ومدينين لها في ثرائهم؛ بل في مجرد استمرارهم تجارّاء ذلك أنّ المخزن كان يوفر لهم 
الأموال والحماية الضرورية» ومن ثمّ يجعل منهم مجرد وكلاء عنه في خدمة مصالحه!. 

وكيفما كانت آراء الباحثين حيال هؤلاء التجارء فإنّ ما يلاحظ على بعضهم سَعْيْهُم إلى تغليب مصالحهم الخاصّة على المصالح 
العليا للبلادء وخير مثال على ذلك ما وقع للتاجر المي إبراهيم مور يوسف نائب القنصل العام الهولندي بالعرائش» حينما أمذَّه السلطان 
مولاي عبد الرحمان بالمال لأجل المتاجرة مع الهولنديين وغيرهم من الأوروبيين بمرسى العرائش» ولم يراع مصلحة السلطان عندما 
ضيّع ذلك المال» وكيف كان تصرّفه حين طالبه السلطان بأداء ذلكء إذ "امتنع وأيى» وأفضى به الحال حتى تعدى عن طوره"47» فأمر 
السلطان بعزله عن النيابة القنصلية الهولندية بالعرائش "لأنه سفيه ومتبوع بمال السلطان"7), كما ورد ذلك فيما قبل . 


ومما تجدر الإشارة إليه» أنه بالرغم مما قيل عن سياسة مولاي سليمان الاحترازية تجاه أوروباء فإنّهِ اعتمد على التجّار اليهود على 
نحو خاصٌ في قضاء أغراضه التجارية بأوروباء وخصوصًا بالأراضي المنخفضة» ويتضح ذلك من رسالة قائده أحمد بن مبارك إلى القنصل 
العام لدولة هولندا بطنجة كارلوس نيسن بتاريخ مهل رمضان 1231ه/ 1816م: التي تتضمن موافقة السلطان مولاي سليمان على 
طلب القنصل المذكور بتوجيه بعض التجار اليهود إلى هولندا بقصد قضاء بعض الأغراض التجارية» كما تتضمن طلب السلطان من 
القنصل نفسه توجيه شحنة من كسوة الجيش السلطاني "بلغنا كتابك تذكر فيه أنك تريد تُوجّه بعض اليهود خذَّامك لبر النصارى لقضاء 


3 محمدالمنصورء "تجار السلطان"2 في: معلمة المغرب» ج 7 (إسلا: مطابع سلاء 5و19)» ص 2280-2279. 


4 "رسالة النائب السلطاني بطنحة بوسلهام بن عل أزطوط إلى القنصل العام لدولة هولندا أكوسطو فريسينط بتاريخ 2 شعبان عام 1266ه/ 1850م"2 الأراة الوطنى 
بلاهاي, سلسلة 2.05.15.15: قنصلية طنحة 1907-1830»: رقم 32. 


45 المرجع نفسه. 


203 





العدد 12 2 تموز / يوليو 2020 


غرضكء فسيّدى أمرك مهما أردتَ توجيههم وَجمْمُم» واعلم أن سيدي يده الله ونصره مكّفٌ بكسوة الجيشء ولا بد وجّه على شيء 
منها لسيديء وإن أت سريعًا في القرب تكن لك اليد عند سيدنا وتميّزٌ على غيرك: لاعتنائك بأمر سيدي وإسراعك في قضاء حوائجه "40 


كما اعتمد السلطان مولاي عبد الرحمان على هؤلاء التجار في تنشيط التجارة الخارجية مع الأقطار الأوروبية ولا سيما مع البلاد 
الراطنةء ووضع رهن إشارتهم الأموال اللازمة لتحقيق هذه الإرادة السلطانية» ويتأكد ذلك من رسالته إلى القائد محمد أميمون: 
المؤرخة في 22 صفر سنة 1239ه/ 1823م» والتي يعلمه فيها بإنعامه على التاجر الذمي مَيّر بن مقنين!*' بوسق الثيران من ميناةءي طنجة 
وتطوان إلى بلاد الفلامنك: مع تخفيضات مغرية في الرسوم الجمركية قائلا له: "فاعلم أننا أنعمنا على خديمنا التاجر مَيّر بن مقنين بوسق 
الثيران من مراسينا السعيدتيْن طنجة وتطوان عمرهما اللهء وقصرنا وسق الثيران في المرستين المذكورتين عليه» وأن لا يسقه بهما أحد 
غيره ما عدا الثلاثة والثمانين رأسًا التي يسق اللنجليز عن كل شهر من طنجة ومثلها من تطوان» فإن ذلك يوسقء وأما غير هذا فلا 
يسق أحد ثورًا غيره» والوسق يكون على يده أو على يد أصحابه» ولا مدخل لك في صاكة ما وسقه من ذلكء وإنما تُعْلمنا بالعدد الذي 
ألقهء وأما الصاكة فبيئنا وييئة"(48), 


كما تتضمن الرسالة السماح بوسق مواد تجارية أخرىء ودعمه بالأموال الكافية لبلوغ الأهداف التجارية السلطانية المنشودة: 
"وإذا أراد وسق شيء آخر من غير الثيران فكذلك اتركه يسقه وأعلمنا بعددهء وإذا خصه نحو الثلاثة آلاف ريال أو أربعة آلاف فادفعها 
لهء وإن لم تكن عندك فها نحن كتبنا لخديمنا العربي بن يوسف يدفع له ما يحتاجه؛ وكذلك أنعمنا عليه بوسق زوج من الخيل العتاق» 
فإذا أراد وسقهما فليسقهماء وتأمرك أن تَنْهَلاً فيه وتستوص به خيرًا لآجل خدمته لنا ومحبته في جانبنا العلي بالله "(49. 


وفي اليوم نفسهء بعث السلطان مولاي عبد الرحمان رسالة ممائلة إلى جميع قناصل الدول الأوروبية بطنجة» يعلمهم بكون خديمه 
التاجر الذمي مَيّر بن مقنين "وجهناه - يقول السلطان- لبر النصارى بقصد مآربنا ومقضياتنا [...]» بأنّا سرّحنا له الوسق في جميع مراسينا 
الأربعة السعيدة العرائش والدار البيضاء وتيط وآسفىء وأذناه أن يَسق فيها القمح والثيران والغنم والدجاج والشمع والجلد والصوف 
والرطرن كلهء وأمرناه أن يجعل أصحابه وإخوانه بهذه المراسي» فكل من أراد أن يسق شيئًا منها فليسقه على يده ويأتي لنا بخط يده أو 
خط أصحابهء ونحن نسرح له ما أحبء والصاكة بيننا وبينه» فإنا نطرح له من الصاكة المعلومة ما تقر به عينه مراعاة لخدمتنا الشريفة 


6 "“رسالة القائد أحمد بن مبارك إلى القنصل العام الهولندي بطنجة كارلوس نيسنء بتاريخ مهل رمضان عام 1231ه/ 1816م" الأرشيف الوطني بلاهاي» سلسلة 
2..ه. قنصلية طنحة 1830-1815. رقم 4. 

7 هوالولد البكر لأبراهام كوهين» ولد بمراكش في النصف الثاني من القرن الثامن عشرء ثم رحل مع أبيه وإخوته شلوموء مسعودء دافيد إلى مدينة الصويرة يعد تأسيسها 
عام 1764. وقد أصبح مايير أكثر الوسطاء أهمية ومكانة بين جهاز المخزن المركزي والدول الأوروبية خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن التاسع عشرء أي أيام حكم السلطان 
المولى سليمانء واثناء العقدين الاولين من القرن التاسع عشر أولى مايير اهتمامه بممارسة التجارة لحسابه الخاص ولفائدة السلطان المولى سليمان في الوقت نفسه. واشتهر 
مقنين في أوساط التجار الأوروبيين» الذين كانت لهم معاملات تجارية مع المغرب بأنه إنسان وغد وسيئ السمعة لا تليق عشرته» وبأن الديون الثقيلة تراكمت عليه تباعًا في 
المراكز المالية الاوروبيةء من جراء عمليات غير سليمة قام بها بتواطؤٌ محكم مع أخيه ومع زمرة من المتعاونين من التجارٍ اليهود المقيمين في الصويرة. وعلى الرغم من سمعته 
السيئة الذائعة الصيت في اوروباء ظل مقنين قادرًا على عقد الصفقات مع التجار الذين اعتبروه شرا لا بد منه بصفته منفذا ضروريًا لا يمكن الاستغناء عنه لبلوغ مراكز السلطة 
واصحاب القرار في الوسط المخزني بالمغرب. للاطلاع اكثر على شخصية مايير بن مقنين» ينظر: دانييل شروترء بهودى السلطان المغرب وعالم اليهود السفرد. تعريب خالد 
بن الصغيرء سلسلة نصوص وأعمال مترجمة 15 (الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط» 2011)ء» ص 65 وما بعدها. 

8 "رسالة السلطان مولاى عبد الرحمان بن هشام إلى القائد محمد و بتاريخ 22 صفر عام 1239ه/ 1823م ": الأرشيف الوطني بالاهاي» سلسلة 2.05.22» قنصلية 
طنحة 1830-1815: رقم 40. 


9 المرجع نفسه. 


204 





وساطة اليهود في التجارة بين المغرب وهولندا أثناء القرن التاسع عشر 4 - 
من خلال وثائق الأرشيف الوطني في لاهاي ل 


لل وثائق ونصوص 


»1..٠[‏ وقد أمرنا عمالنا هنالك أن كل من وسق من هذه المراسي من أصحابه شيئًا أن يخلوه ولا يقبضون منه صاكة ولكن يعلمنا بما 
وسقعيؤندن بين نوبينة [سب] وهاه اراسي اللأكورة [قى 2003953 121017يه ,إن لكيسق فيد ألجد الا من رمق ليده ' 

وبعد مرور بضعة أيام على رسالتيه السابقتين» أرسل السلطان مولاي عبد الرحمان إلى نائب القنصل العام الهولندي بطنجة» أبراهام 
بن دلاك» رسالة طالب فيها التجار الهولنديين بدفع ما في ذمتهم من الأموال المتحصلة عليهم من واجبات الرسوم الجمركية لجانب 
المخزن» وأسند مهمة استرجاعها إلى خديمه الذمي» مير بن مقنين» قائا لهم: "إنا مع جنس الفلامنك على الصلح والمهادنة بالشروطاء 
وقد تخلدت في ذمتكم خراجات سنين لم تعطوا فيها شينًا من العادة التي وقع الصلح معكم عليها [...]» وليس هذا من القانون» والآن 
نأمركم أن تتحاسبوا مع خديمنا ابن مقنين في هذه المدة المخلدة في ذمتكم ولم تعطوا فيها شيئًا"60. 

وصفوة القول» لقد أدى التجار اليهود أدوارًا ريادية انفردوا بها دون غيرهم في ربط التجارة المغربية بنظيرتها الهولندية» سواءً خلال 
القرن التاسع عشر أو خلال القرون التي سبقته. كما لم يكونوا وسطاء في التجارة الخارجية بين الدولتين فحسبء وإنما توسطوا بين 
الجانبين فى مجالات اقتصادية أخرىء» مثل كراء العقارات والأراضى الفلاحية» كما تدل على ذلك وثيقة خاصّةء يشهد فيها السيد عبد 
القادر بن الجيلالي العبدرزاقي أنه "أكرّى " الذَمّيء أبراهام بن 58 بن دلاكء النائب عن القنصل الهولندي بطنجة كارلوس نيسن» 
"جميع عرصته الكائنة خارج باب الفحص من ثغر طنجة [...] لمدة خمس سنين [...] بوجيبة قدرها في كل سنة إثنا عشر [كذا] 
مثقالاء مجموع المال ستون مثقالا"62". واستمر التجار اليهود بعد ذلك في أداء وظيفة الوساطة التجارية بين السلاطين العلويين والتجار 
الهولنديين خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين» إلا أنّ وظيفتهم هذه سرعان ما عرفت فتورًا واضحًا بعد فرض الحماية 
الفرنسية على المغرب سنة 1912. لينتقل الثقل التجاري بعد ذلك إلى التجار الفرنسيين والإنكليز. 


0 "رسالة السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام إلى جميع قناصل الدول الأوروبية بطنجة» بتاريخ 22 صفر عام 1239ه/ 1823م". الأرشيف الوطني بلاهاي: سلسلة 
2ه قنصلية طنحة 1830-1815: رقم 40. 

1 "رسالة السلطان مولاىي عبد الرحمان بن هشام إلى نائب القنصل الهولندي بطنحة أبراهام بخ ذلاكء تاريخ 6 ربيع الثاني عام 1239ه/ 1823م" الأرشيك الوطني 
بلاهاى» سلسلة 2.05.22: قنصلية طنحة 1830-1815: رقم 40. 


هوهو 


الوطنى بالاهاى» سلسلة 2.05.22» قنصلية طنحة 1830-1815»: رقم 6. 


205 





ماله 


العدد 12 


طلل تموز / يوليو 2020 
لم 


60510101 


ع 


الوثيقة (1) 
نسخة من رسالة القائد أحمد بن مبارك إلى القنصل العام الهولندي بطنجة كارلوس نيسن 





يمرل « اوم 
عتم : روما ب سجر 






ا ا 
ره رمغاء نمه عل 1 : 





ل 00 لصيف الوطلتي باد هاي 0 22.05 0 -1830: » رقم 4. 


206 


وساطة اليهود في التجارة بين المغرب وهولندا أثناء القرن التاسع عشر 4 - 58 
من خلال وثائق الأرشيف الوطني في لاهاي لطبور وتائق ونصوص 
| ار 
08510101 


الوثيقة )2 
نسخة من رسالة النائب السلطاني محمد بن العربي الطرّيس إلى القنصل العام لدولة هولندا بطنجة 
إلياس كاسيل 





/ 
امرلها 


جنل المت نز تس شرك دوئث الشف مسوا(ياء كسمل بعراك الي 
فلمك والسار: عن ارم قله #عما! ناث خمروها بس سررتاها ليلا ١‏ 
ايحي ل بره موا رست شرك سنت 3177م نعاي وه باءة ونه وا 
نزوايت يتا عوإتماليا ساب الإبعوج ايم اين ورف 

عن ! فال متو تشوارههما مذو لخي سن ا غلابب سحلي دك 

منادسادا :لوت وخ رععبنا ف بزلك ريل اعت و ا اي 
سمه لاا رعمااضولة عق اينم ع 0 اد (# لمق ُ 





ص 7 


د 


المصدر: "رسالة النائب السلطاني محمد بن العربي الطرّيس إلى القنصل العام لدولة هولندا بطنجة إلياس كاسيلء 12 شوال 
6ه/ 12 يونيو 1889م"2 الأرشيف الوطني بلاهاي: سلسلة 2.05.15.15: قنصلية طنحة 1907-1830» رقم 13. 


207 


العدد 12 


1 ش 
لطيصى تموز / يوليو 2020 
وده ل 


المراجع 
العربية 


٠ابن‏ الصغيرء خالد. المغرب وبريطانيا العظمى فى القرن التاسع عشر: (1886-1856). ط 2. الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم 
الإنسانية بالرياطء 1997. 


٠‏ بوشعراءء مصطفى. الاستيطان والحماية بالمغرب: 1311-1280ه/ 1894-1863م. تقديم عبد الوهاب بنمنصور. الرباط: المطبعة 
الملكيةء 1984. 


.1994 حركات» إبراهيم. المغرب عبر التاريخ. ط 2. الدار البيضاء: دار الرشاد الحديثة:‎ ٠ 


.15 شروتر» دانييل. يهودى السلطان المغرب وعالم اليهود السفرد. تعريب خالد بن الصغير. سلسلة نصوص وأعمال مترجمة‎ ٠ 
.2011 الرباط: منشورات كلية الاداب والعلوم الإنسانية بالرباط:‎ 


.1986 الضعيفء محمد بن عبد السلام. تاريخ الضعيف: (تاريخ الدولة السعيدة). تحقيق أحمد العماري. الرباط: دار المأثورات»‎ ٠ 


. العمراني» أحمد. "العلاقات المغربية الهولندية خلال القرن السابع عشر (1668-1603م)". رسالة جامعية لنيل دبلوم الدراسات العليا 
المعمقة في التاريخ. طبعة مرقونة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية. جامعة محمد الخامس. الرباط. 2007. 


. العمراني» محمد. المغرب: زمن العلويين الأوائل. الرباط: مطابع الرباط نت» 2013. 
٠‏ كنبيب» محمد. المحميون. سلسلة نصوص بحوث ودراسات 47. الرباط: منشورات كلية الاآداب والعلوم الإنسانية بالرباط: 2011. 


ع .يهودالمغرب: 1948-1912. ترجمة إدريس بن سعيد. تقديم آندرى ازولاى. سلسلة نصوص وأعمال مترجمة 8. الرباط : 
منشورات كلية الاداب والعلوم الإنسانية بالرباط, 1998. 


. معلمة المغرب. ج 22. سلا: مطابع سلاء 2005. 
. معلمة المغرب. ج 7. سلا: مطابع سلاء 1995. 
. معلمة المغرب؛ ج 4. سلا: مطابع سلاء 1991. 


. المنوني» محمد. "مالاحظات حول بعض ردود فعل المغاربة تجاه الدعوة إلى الإصلاح في القرن التاسع عشر من خلال وثيقة موضوعية". 
مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. العدد و (1982). 


. الناصريء أبو العباس أحمد بن خالد. كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى. تحقيق وتعليق جعفر الناصري ومحمد الناصرى. 
الدار البيضاء: دار الكتاب». 1956. 


الوثائق 
٠‏ "رسالة السلطان عبد الرحمان بن هشام إلى نائب القنصل الهولندى بطنجة أبراهام بن دلاك»ء بتاريخ 6 ربيع الثانى 1239ه/ 1823م". 
الأرشيف الوطنى بالاهاى» سلسلة 2.05.22. قنصلية طنحة 1830-1815» رقم 40. 


208 


وساطة اليهود في التجارة بين المغرب وهولندا أثناء القرن التاسع عشر 4 - 
من خلال وثائق الأرشيف الوطني في لاهاي 55 


لل وثائق ونصوص 


٠‏ "رسالة السلطان مولاي سليمان إلى الأمينين ابن أبي بكر العمرتي والطالب العربي السعيديء بتاريخ 4 ذى القعدة عام 1235ه/ 1819م". 
الأرشيف الوطني بلاهاى» سلسلة 2.05.22. قنصلية طنجة 1830-1815.» رقم 40. 

٠‏ "رسالة السلطان مولاى عبد الرحمان بن هشام إلى القائد محمد أميمون: بتاريخ 22 صفر عام 1239ه/ 1823م". الأرشيف الوطنى 
بلاهاىي» سلسلة 2.05.22. قنصلية طنجة 1830-1815. رقم 40. 


وو 


٠‏ "رسالة السلطان مولاى عبد الرحمان بن هشام إلى جميع قناصل الدول الأوروبية بطنجةء بتاريخ 22 صفر عام 1239ه/ 1823م". 
الأرشيف الوطنى بالاهاى» سلسلة 2.05.22. قنصلية طنحة 1830-1815: رقم 40. 

. "رسالة السلطان مولاى عبد الرحمان بن هشام إلى نائب القنصل الهولندي بطنحة أبراهام بن دلاكء بتاريخ 6 ربيع الثاني عام 
9ه/ 1823م". الأرشيف الوطنى بالاهاى» سلسلة 2.05.22. قنصلية طنحة 1830-1815: رقم 40. 

٠‏ "رسالة الشيخ عبد الله الغربي الغراقي إل الذمين أبراهام بن دلاكء نائب القنصل العام لدولة هولندة بطنحة عام 1810م". الأرشيف 
الوطنى بالاهاى» سلسلة 2.05.22. قنصلية طنحة 1830-1815» رقم 4. 


٠‏ "رسالة القنصل العام البريطانى بطنحة جون دراموند هاى إلى جميع نوابه بالمراسى المغربية» بتاريخ 20 أبريل عام 1864م". الأرشيف 
الوطنى بالاهاى» سلسلة 2.05.15.05. قنصلية موكادور 1897-1845: رقم 2. 


٠‏ "رسالة القنصل العام الهولندي كارلوس نيسن إلى السلطان مولاى سليمان بن محمد بن عبد الله» بتاريخ 22 ربيع الأول 
2ه/ 1817م". الأرشيف الوطنى بالاهاى» سلسلة 2.05.22. قنصلية طنحة 1830-1815» رقم 7. 

٠‏ "رسالة القنصل العام لدولة هولندة بطنجة كارلوس نيسن إلى السلطان مولاى سليمانء بتاريخ 22 شوال عام 1235ه/ 1819م". 
الأرشيف الوطنى بالاهاى» سلسلة 2.05.22. قنصلية طنحة 1830-1815؛ رقم 40. 


٠‏ "رسالة النائب السلطاني بطنجة بوسلهام بن على أزطوط إلى القنصل العام لدولة هولندة أكوسطو فريسينط بتاريخ 2 شعبان عام 
6ه/ 1850م" . الأرشيف الوطنى بالاهاى» سلسلة 2.05.15.15. قنصلية طنحة 1907-1830: رقم 32. 


12 "رسالة النائب السلطاني محمد بن العربي الطريس إلى القنصل العام لدولة هولندة إلياس كاسيل» بتاريخ 12 شوال عام 1306ه/‎ ٠ 
.13 يونيو 1889م" . الأرشيف الوطنى بلاهاى, سلسلة 2.05.15.15. قنصلية طنحة 1907-1830» رقم‎ 

٠‏ "رسالة القائد أحمد بن مبارك إلى القنصل العام الهولندي بطنجة كارلوس نيسنء بتاريخ مهل رمضان عام 1231ه/ 1816م". الأرشيف 
الوطنى بالاهاى» سلسلة 2.05.22. قنصلية طنحة 1830-1815؛ رقم 4. 

٠‏ "ظهير السلطان محمد بن عبد الرحمان إلى سائر الخدام والعمال» بتاريخ 26 شعبان 1280ه/ 5 فبراير 1864م": يأمر فيه بمعاملة 


اليمود بميزان الحق والتسوية بينهم وبين غيرهم فى الأحكام. الأرشيف الوطنى بالاهاى» سلسلة 2.05.15.05. قنصلية موكادور 
1597-5 رقم 2. 


٠‏ "عقد كراء لكر بطنجة لفائدة نائب القنصل الهولندى بطنحة أبراهام بن دلاكء بتاريخ 17 رمضان 1240ه/ 1824م". الأرشيف 
الوطنى بالاهاىء قنصلية طنحة 1830-1815: سلسلة 2.05.22» رقم 6. 


209 


العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


٠‏ "وثيقة كراء السيد عبد القادر بن الجيلالي العبدرزاقي عرصة بطنجة للذمي أبراهام بن حييم بن دلاكء بتاريخ 17 رمضان عام 
1240ه/ 1824م". الأرشيف الوطنى بالاهاى» سلسلة 2.05.22. قنصلية طنجة 1830-1815: رقم 6. 


الأجنبية 
0011114 10013110 12121116[ :23115 .0'311[01110'12111 11310 مآ .عمغع تا ,ماطنتخ . 


2 وري20116 2[ 0161025آ] :331] .11 عططه]' .(1822-1906) :7072لا "نآ آ© ©0470/// عل .115ام0آ[حموع[ ,عع 1116 ٠.‏ 


6 .20 .1170272نا1 ع70هل/[ عناندع عر ".2355-1835 5ع 111765ع1ق و5ع.بآ 0325 11310 عط" .كلةث/ عاع "7/1 عى 110112120 ,21310ع طق ٠.‏ 
.(1994) 


15ل .1530-1660 5380161136 عتأاكة0١(آ‏ .عتاةو 15 .عم تنهار لال 1١1151017‏ عل 171601125 5011125 و©.ط .هآ تكتمعط ,وعتتافةن) ٠‏ 
.6 10117ع[آ أ83ع812 :231215 .1 عدده1] .2355-85 5ع دعناوغط 16110 أء 


65 ان ونع ااطعتط .عمططع53601 عتاكهط؟ئآ .عاتؤو “15 .ع0 دلا لال 71110172 '1 0 171601165 50111625 كهرا . 
.7 1011عآ اأؤأعطاط :2315 .11[ عمه] .كو8 وتوكو2 وعل0 


5 101101601165ط أء دع كتطاع كط .عططع538301 عتاكقهط؟0آ .علطنو كد .ع0 تمل[ يدل 117151017 06 111601165 50111625 1.65 . 
61011[ أقعطاط :23215 .111 عطده1] .2355-8235 


210 


60570101 









0 أسطير 
ليلاي الل 


86 








ندوة "أسطور " 
المؤرخ العربي ومصادره 
111155 )لمخم 28151011355 مم 


عقدت مجلة أسطور للدراسات التاريخية: بالتعاون مع قسم التاريخ في معهد الدوحة للدراسات العلياء ندوتها بعنوان 
"المؤرخ العربي ومصادره". خلال الفترة 30-29 نيسان/ أبريل 2019, في الدوحة - قطر؛ وذلك بمشاركة عدد من المؤرخين 
والباحثين من جامعات عربية مختلفة. دارت أشغال الندوة حول أربعة محاور ودراسة حالتين. يتعلق المحور الأول بتجارب 
في الأرشيف تهم طريقة استعماله وصعوباته: وأهمية الأجنبي منه في معالجة العديد من قضايا التاريخ العربي. أما 
المحور الثاني فقد وقف فيه المشاركون عند مسألة تعدد مصادر المؤرخ. وأما المحور الثالث فيتعلق بتاريخ الزمن الراهن, 
في حين خصص المحور الرابع لموضوع الغيرية والمصادر. وفي إطاره تعرض الباحثون للكتابات الرحلية عندما تتصدر الرحلة 
مدونة المؤرخ: وتصبح الرحلة نفسها أساسا مصدريا لكتابة تاريخ الغير. أما الحالتان اللتان جرت دراستهماء فتتعلقان بحالة 
المصادر العثمانية, وتعامل المؤرخين العرب مع هذه النصوص. في حين تتعلق الثانية بتاريخ فلس طين. وفي هذا المحور 
تطرق باحتون إلى تعامل المؤرخين والباحثين مع مصادر تاريخ فلس طين في فترات مختلفة, وفي مجالات بحثية متباينة. 
في هذا العدد سننشر القسم الثالث من أعمال الندوة ممثلا بمصادر تاريخ فلسطين وفيه ثلاث أوراق: التأريخ للمهحمشين 
في فلس طين منذ الحكم العثماني إلى النكبة وما بعدها؛ نحو رؤية للخروج من "الميكرو- تاريخ" إلى "الماكرو- تاريخ": 
وثائق أوقاف القدس بوصفها مصدرًا تاريخيًا أنموذجًا؛ الاستعمار بالمخيلة: القدس في الصورة الفوتوغرافية المبكرة. 


23 © غ2 111510197 01 اطع تتهمء10آ عط 171111 20021210 12 ,561015 11151011621 101 1031نا0ل 3415525 عطا ,1م51( 
و2019 4111 29-30 01 ,"50111665 11211 320 1115101135 وخ" 111140 205111117ج؟؟5 2 10ع2 ,561015 012011316 101 عاننكتاقم] 
ع1 .1117151165 اوتكظ أطعلء 0111 ج1]0 5تاعطعتتوعوع1 210 1151]011315 01 11117261 2 11012 021161031101 5111 002نآ 11 
عكلاعتتة 10 5ع أداع1 علطعطا ]5151 عط ] .03جاة ع5دء 15:0 26 لعغ1001 2201 5عتطعطآ] 22211 :1نا10 21201120 150110 0511112 م حاو 
غ71 021125 12 15ع2ع1ع101 01 عع1222001]02 عغطا 30 ع05م لإعطا وعع28ه211طء عطا ,150 عئتة تاعغطا 778357 عطا زوعمعمع 1عمعهء 
12610 566020 ع1 1 5ع501116 2011161016 01 15511 عطلا 0156115560 كأطهوم1ء2011م عط]1: كاماقاط لوحك 01 5اععءم25 1132057 
30 510813157 01 أعء زطانا5 عط ما 0ع9701ع0 1735 طأتناه1 عطا 30 أمعوع1م عط 01 157ام]اق1اط عطا ده لع5ناء10 قلطا عطا علتطاتى 
155 ه11 11511185115 م11 عطا مطاعط؟؟ 17111285 1051 10 200560ته علع:7 وتاعطاع1هء5ع1 عطا ,ءتعاممه قلطا 0[ .5عه50111 
01 ]5 عط لع101مء 7البناة عهمدء ]15151 ع1 .5ع لطمول1ع10 7711125 101 ع501116 2 د5ع7امعء 11أع1]5 متا عطا 220 ,مات 
01 1150197 عطا غ2 0م1001 5109 0تمعه5 عط 1 .1305 1مأقاط طوتتك 05 كاءرزع] عوعطا 01 23201128 عطلا 320 ,روعع50111 متقحططام )0 
01 21510197 عطا 01 و5عع50111 عط 1111 ذدعط الدع *5اعطء21ع5ع1 320 1151011325 عطا دنه لعطاعناما ذ5اعاعتوعوع1 320 عمتاوع 1ط 
1110 عط أ115طنام 77111 ع7 رعنا155 1215 ص[ .5ع112م0151 طأع1دعء5ع1 1773157126 11 320 ,11005ءم لاعت 0111 ا عمتأقعاوط 
01 1510197 عط1" :15ءم03 عع111 1312105طه0» ,عسمتازع221 01 15]0197ط عط 01 د5عه50111 597 0ع21ع165م1 ,0510م 0الا5 عطا 01 
0 2132 اعد تنه 1073105" :"20متزع8 لعطلة تطاعلواك علطا 10 ع11كآ مم0 عطاا مام :عستاوع 21 ما 211250 ماوعمد الا عطا 
ع5 1 00102131150)" 20 :'ع501116 11151011621 2 35 11001 حطاع] 152امءل عط 01 دأطاع م100[ عطا :'ك1مأ0-1115عة/ة 10 -10ء1/طا 

".مولع 26010 1212197 عط 1 جاع 1 2 كتتاء ل :111221112157 


213 


العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


لاا لل لاف 


نحو رؤية للخروج من "الميكرو - تاريخ" إلى "الماكرو - تاريخ" 
وثائق أوقاف القدس بوصفها مصدرا تاريخيًا أنموذدًا 
1/123610-111510157 10 -111210 10م متها أتكدط منج 1011:3105 


501112 11151011231 2 35 11/201 طداع | جكتتتءل عطا 01 5أمعدطنء120آ عطا 


رالوتائق الوقفية مصيدوا مهما لاراسة قارية الععميات اللعلية للملدن العررية خلال العصور الخفافة خاصة الاالاية مدا : 
وهذا يعود إلى المكانة التى تمتع بها الوقفء سواء الإسلامى أو غير الإسلامى©. في المجتمعات المختلفة» ليس خلال الفترات الإسلامية 


فحسبء بل خلال الفترات السابقة لها أيضًاء؛ إذ لم يكن الإسلام مبتكرًا للوقفء بل كان الوقف معروفًا في الحضارات القديمة قبل 
الإسلام', وتطور ليصبح نظامًا مؤسساتيًا يُلبِي الاحتياجات والضرورات المجتمعية وفق القانون الإسلامي. 


ورغم تعدّد المصادر الأولية الأساسية للتأريخ للمجتمعات المدنية العربية والإسلامية بكل شرائحها النخبوية والمهمشة اجتماعيًا 
واقتصاديًا ومدنيًا وثقافيًا وقضائيًا وفقهيًا خلال العصرين الحديث والمعاصرء تعتبر الوثائق الوقفية بأنواعها المتعددة والمتحولة والمتجددة 
- الوقفياتء والتولية» والإجارة بأنواعها المختلفة» و"الاستبدال". و"الحكر": و"الخلو المرصد الشرعي". و"المقاطعة": و"شدٌّ المسكة", 
وكشوفات الإيرادات والمصروفات الوقفيةء والاعتداءات والشكاوىء والفرمانات السلطانيةء و"المساقاة", و"المغارسة" و"المزارعة» - 
المصدرٌ الأهمّ للمؤرخ لما تتميز به من صفات كالصدقية وصعوبة التزوير. ويعود هذا كله إلى أن هذه الوثائق» بشكليها المكتوب والمنقوش, 
لم ذكتب بوصفها مصدرًا تاريخيّاء ولم تتوارثها الأجيال باعتبارها رواية شفوية أو ترانًا شفويًا رغم أهمية الرواية الشفوية. وهذا ما يدفعنا 
إلى التفكير في ضرورة استخدام هذا النوع من المصادر في كتابة التاريخ "الماكرو - تاريخ" بشتّى مفاصله وإشكالياته» وعدم الاقتصار فقط 
على استخدامها في إطار "ميكرو - تاريخي" ضيّق لتناول المسائل الوقفية وما يتفرّع منها في المجتمعات العربية المحلية. 


والسؤال الذى يطرح نفسه هناء بما أن هذه الوثائق لم تكتب بوصفها مصدرًا تاريخيّاء فما أهميتها في التأريخ للمجتمعات 
المحلية؟ وكيف تساهم في الخروج من الميكرو - تاريخ إلى الماكرو - تاريخ في كتابة التاريخ المحلي للمجتمعات العربية؟ وما حيثيات 


"١1‏ أستاذ التاريخ فى جامعة بيرزيت: فلسطين. 
,15157ع011لآ أاءع8112 غ0 تامووع201 111510157 


ل الأوقاف اليهودية والمسيحية: ينظر: 


.(2016 رآعتتطتتاء0) :13115) 01175[ 1105 0 ©0292 7110[6171 11ل[ :كلزآلاز وء] 1© 15رء 7611© 25[ 2/122 710075 15©5اا 71 07100110115 5ج[ ,(.0ع) 523113 داء81/101355 عماطودك 


3 زيادالمدنيء أوقاف القدس فى القرن السابع عشر الميلادي (عمان: وزارة الثقافة. 2018)» ص 27-25؛ إبراهيم البيومى غانم» الأوقاف والمجتمع والسياسة فى مصر 
[القاهرة: مدارات للأبحاث والنشرء 2015) ص 86-85. 


4 حول هذه المفاهيم» ينظر: 
.(2013 وع1101111608 :011لا 15777 /10 00 طم ط) عع 11عه27 10تق :1101 170/11510112//[ كآ 117741 ,21155011ع 113 :515110111 عك 5271[3110 .71 منهتكا؟[] 


214 





4 1 
ندوة «أسطور»: المؤرخ العربي ومصادره للع لل لدوة اسطور 


ومكنونات هذه الوثائق؟ وما الإشكاليات التي تواجه المؤرخ عند استخدام هذا النوع من المصادر؟ هذا كله ما تحاول هذه الدراسة 


معالجته والوقوف عليهء عبر استخدام نماذج حيّة ومتنوعة من هذه الوثائق» ووضعها في إطار التحليل الشبكي والباراسيكولوجي 
ومعالجتها وفق السببية التاريخية. وتتناول هذه الدراسة ذلك اعتمادًا على وثائق أوقاف القدس بوصفها حالة دراسة. 


أولا: القدس بوصفها حالة دراسة: الأسباب والمبررات 


تُعتبر الوثائق الوقفية مصدرًا مهما لدراسة التاريخ المحلي للقدس خلال الفترات التاريخية المخلتفة» وهذا يعود إلى المكانة التي 
يتمبّع بها الوقف في المجتمعات المختلفة» ليس فقط خلال الفترات الإسلامية» بل خلال التاريخ الحديث والمعاصر والآن أيضًا. 


ونظرًا إلى قدسية مدينة القدس لدى الديانات السماوية الثلاث» فقد اعثّير الوقف في هذه المدينة ركيزة أساسيّة من ركائز المجتمع 
المدنيء خاصة في غياب دور الدولة الخدماتي» سواء في دول الخلافة أو في الدول السلطانية كالمملوكية والعثمانية. ولهذا لا نستغرب 
الانتشار الواسع للأوقاف في القدسء التي حظيت بشهرة كبيرة في العالم الإسلاميء بمنشآتها الوقفية الدينية والتعليمية والاقتصادية 
والاجتماعية والخيرية» سواء تلك التي أنشئت في القدس أو التي الريك نار ري ادس د 


وبسبب محدودية المصادر الأولية الأساسية للتأريخ للمجتمع المدني المقدسى بكل شرائحه النخبوية والمهمشة اجتماعيًا واقتصاديًا 
وثقافيّاء خاصة خلال الفترات الإسلامية» تعتبر الوثائق الوقفية بأنواعها المتعددة والمتحولة والمتجددة: المصدر الأهم لهذه المسألة. 


شهدت السنوات الثلاثون الأخيرة اهتمامًا متزايدًا بالوثائق الوقفية التي أصبحت تمثّل لدى الباحثين في تاريخ القدسء خاصة في 
العهد العثماني والاستعماري» أحد أهمّ مصادر التأريخ للمؤسسات الوقفية في القدسء ودور هذه المؤسسات في الحياة الثقافية والخيرية 
والاقتصادية والعمرانية. ولا شك في أنّ هذا الاهتمام المتزايد بالكتابة عن الأوقاف الإسلامية وغير الإسلامية في القدس خاصة وفلسطين 
عامةٌ9)؛ يمكن أن نعتبره اعترافًا بالدور الكبير الذي اضطلعت به الأوقاف في تاريخ القدس عبر الحقب الإسلامية؛ حيث ظهرت العديد 
من الدراسات الجادّة الأكاديمية التي تناولت أوقاف القدس عبر العصور انطلاقًا من الوثائق الوقفية7. 


وفي المقابل» هنالك الكثير من الدراسات التى أرَحْت لجوانب متعدّدة من تاريخ القدس العثمانية» أسقطت الوثائق الوقفية من 
مصادرها رغم اعتمادها على العديد من المصادر الأولية المتنوعةء سواء الأرشيفات العثمانية والأجنبية: أو سيّتلات المحاكم الشرك” 


5 ينظر 2 هذا السياق: سامي محمد الصالاحات» "الأوقاف المقدسية 2 العالم ودورها قِ دعم مدينة القدس" ٠‏ في: : عزيز العصا [وآخرون] (محررون) . وقائع المؤتمر 

الأكاديمي الرابع: الوقف الإسلامي ف القدس [القدس: الميئة الإسلامية العلياء 2018)» »ص 53-18. 

6 حول الأوقاف غير الإسلامية فى القدس خلال الحقبة العثمانية» ينظر: 

215-31 .مم و(.0ع) 52112 :12 "001312196 أ 1161011 ,ع1971011هطة علتاظ :عاء516 5116 عتللة طاع 2 كنلة ل 3 11115[ أء 5م61 قطه 773015 5ع[ :51001 1/153 

7 من هذه الدراسات نذكر: عبلة الممتدى» أوقاف القدس فى زمن الانتداب البريطانى (عمان: دار مجدلاوى للنشر والتوزيع» 005)؛ 

,5010165 عمتاأقع221 101 عاتطتاقمآ 1 1110١‏ ) 6ه 7أكاندل 1176 0710 170011١١‏ 7 071 :15101 0710 1510711 ,ركءممطباما اعقطع1/طا 

8 518561 7الطكذ :(1996 رذقةن) علطة11 :2002م ط) ع1ه تبعل[ 371115 1171027 412111 كلا [عل 171 171001111167115 15107711 أاعطلاع كا علقطجاالا :(1994 

5 ,51001 11153 :(2002 رووع21 011لا 11[ 01 5157ل تكتمالا :0112لا تك [1) 1ررء أ كنازعل 17 7ع [ء11 1 ملام [710م1711 47 :©©716/1271© 18 0110111071 

لل 131>315"آ ألطتافم][ :للحتاء8) (2دو1858-1) 12711 كلا6[7 ل 02 07/5 0ناا 516715 ككل 770711616 ©0 11115 1ك 0©5 17"0715/01711011011 10 106 :111011161116711 11© 05 كلا 01 
.(2010 ,الخ ظ]] :ععمء 2:07 دمع - علخ 1120 أمع011-عباعمعط 


215 





العدد 12 إلا طور تموز / يوليو 2020 
وحده 
16101 


وسجّلات البلديةء أو أدب الرحالة وكتب المذكرات والسير الذاتية). ويمكن أن يُفَسَر ذلك باعتقاد البعض أنّ أهمية الوثائق الوقفية 


تقتصر فقط على التأريخ للمسألة الوقفية. 


ثانيا: الوثائق الوقفية: المفهوم والمضمون 

نقصد بالوثائق الوقفية تلك الوثائق المتعلقة بشؤون الأوقاف. وتبدأ بالأساس فيما يُعرف بتسميته "الوقفية" أو "كتاب الوقف", 
وتشمل أيضًا كل ما يتفرّع من هذه الوقفية من عقود وحجج أخرىء مثل: عقود التولية» والإجارة بأنواعها المختلفة» والاستبدال, 
والحكر والخلو المرصد الشرعيء والمقاطعة» وشدَّ المسكة» والكردارء والمساقاة» والمغارسة» والمزارعة» وكشوفات الإيرادات والمصروفات 
الوقفية» والاعتداءات والشكاوى» والفرمانات السلطانية المتعلقة بالشؤون الوقفية وغيرها. وتسجل هذه الوتائق قِ سحالات المححاكم 
الشرعية» ويعتبر القاضي الشرعي المسؤول الأوّل عن إصدارها ومتابعة شؤونها بعد المتولين!©. ولهذا تُعتبر سجلات القاضي الشرعي أو 
سجلات المحاكم الشرعية المكان الرئيس لهذه الوثائق. 

تتضمن الوثائق الوقفية معلومات مفصلة عن العقار الوقفيء من حيث تأسيسه وتسييره والاستفادة منه والمحافظة عليهء وما قد 
يطرأ عليه من إجراءات تتعلق بتوارث المنفعة أو طرق استغلاله» وشروط الواقفء وأهدافهء والاعتداءات على عائداته وعقاراته. وهذا ما 


يُضفي على الوقف صفة الديمومة» والتواصل الضامن لبقائه» وضرورة الحفاظ عليه» والالتزام بتنفيذ شروط الواقفء مهما طال الزمان 


وتُعَرفَ الوثائق الوقفيةء أيضًاء بالواقف/ الواقفة وبالمتتفعين من الوقف. كما تشتمل على مواصفات الملكية الموقوفة وأنواعها 
ومكانها وحدودها وكيف آلت إلى الواقف. هذا إضافة إلى أَنْها تتضمن الشروط والإجراءات القانونية التى تقتضيها الأحكام القضائية: 
والتي تُصاغ وفق أحد المذاهب الفقهية المختلفة التي يرتئيها الواقف. ومنها أيضًا ما يتضمن معلومات وحقائق تتعلق باستغلال العقار 
الوقفى» وغيرها من المعلومات المتعلقة بترميمه وعائداته. 


8 ينظ ر على سبيل المثال: 


0ت لخ :(1984 روعأ لتاقم[ ا1تتمحصعظ8 علقطج] 20لا نطاع لد كتح ل) +11 0/0 116 :1 .1701 ,نروسسادعر) 717111177 ©1176 171 727150127111 ,تاع خط -صعظ تتتاومجاءلا 

01 11112 0711 11منروط ©7177 ,53 ل0ع1قطكا :(1993 ,561015 عطتاةء201 101 عاألاتاكقم[ :)(آ ,لماع سمتطمهة!11) 1856-1882 170715/01711011011 171 2016511716 ,لاع 1مطعدك 
:(2004 ,161138 لاعنا8 عك تاأعهماء ]لطا :تلع 8) 9557116711 دكوء )1 أسع07111) لم :1830-1841 20116511116 

أحمد حسين الجبوريء القدس في العهد العثماني 1799-1640: دراسة سياسية عسكرية إدارية اقتصادية اجتماعية ثقافية (عمان: دار الحامد للنشر والتوزيع: 

011) ؛ عادل مناعء» تاريخ فلسطين ف أواخر العهد العثماني 1918-1700: ط 2 [بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية, 2003)؛ ؛ محمود الشناقء العالاقات بين العرب 

واليهود فى فلسطين 1914-1876 (حلحول: مطبعة بابل الفنية. 2005)؛ عبد القادر سطيحء القدس العثمانية 1757-1700: دراسة فى التطورات الإدارية (ريغا: نور 

لد 6 2018). 1 

9 حول دور القضاة فى إدارة شؤون الوقف وأيضًا المساهمة فى إضاعته: ينظر: 

511015 2110111011 7 نلك أن عل أهء 17151011 701ل "رع لءة 1و 12610 11 12ع6101531[ 3 1100/5 قطع01 5ع0 111365314101م 13 أء 5ع118[ 5ع1" ,51001 1/1153 


3229-7 .72 ,(2008 تع ططععع(12) 37-38 .10 


216 


ندوة «أسطور»: المؤرخ العربي ومصادره 5 طور لدوة أسطور 
-- 


[ كا 


ثالثًا: من الميكرو - تاريخ إلى الماكرو - تاريخ: دلالات وإيحاءات 


تأتي هذه الدراسة استكمالًا للدراسة التي أنجزها المؤرخ الجزائري ناصر الدين سعيدوني بعنوان "وثائق الأوقاف بالأرشيف 
الجزائري وإمكانية استغلالها في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للجزائر"©, وتلك التي أعدّها المؤرخ محمد الأرناؤوط حول وثائق 
الوقف بوصفها مصدرًا للتعرف إلى الحياة الزراعية في ضواحي دمشق خلال العصر العثماني! 


عرفت وثائق الأوقاف على نطاق واسع بين الأكاديميين» من مؤرخين وغير مؤرخين» بوصفها مصدرًا لدراسة قضايا الوقف وأحكامه 
في القانون الإسلامي على نحو نظريٌّ عامٌ©, أو دراسة تطبيقاته العملية في الولايات والمدن العربية والإسلامية». كما عُقدت خلال 
السنوات الأخيرة عشرات الملتقيات العلمية الدولية في دول عربية وأجنبية لتناول مسائل الوقف وقضاياه. ونتج من هذه الملتقيات العديد 
من الدراسات الجادة©. كما استُخدمت هذه الوثائق أيضًا للحديث عن دور الوقف في الحياة اليومية للمجتمعات المحلية في الماك 


والولايات العربية والإسلامية» سواء ف المشرق © أو المغرب©: عبر العصور المخطفة. كما اعتمد بعض الأكاديميين على هذه الونا: | 9 
تناول المسائل المتعلقة بالملكية العقارية وإشكالياتها وتفرعاتها!". 


1 اتاضير الدب سعيدوني» "وثائق الأوقاف بالأرشيف الجزائري وإمكانية استغلالها 2 التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للجزائر": المجلة التاريحية المغاربية, السنة 2,26 
العددان 94-93 (أيار/ مايو وو19)ء ص 270-257. 
2 محمد الأرناؤوطء الوقف ف العالم الإسلامي ما بين الماضي والحاضر [بيروت: جداول للنشر والتوزيع» 011 ص 276-245. 
3 الدراسات المنشورة بلغات مختلفة ٠‏ والتي تتناول الوقف وأحكامه قِ الشريعة الإسلامية» تعد بالمئات ؛ نذكر منها على سبيل المثال : سامي الصالاحاتء الوقف بين الأصالة 
والمعاصرة: دراسة متخصصة في رصيد العمل الوقفي المؤسسي (بيروت» الذار العربية للعلوم ناشرون» 2014)؛ وليد رمضان عبد التوابء الوقف شرعًا وقانونا "٠‏ 
[القاهرة: دار شادي للموسوعات. القانونية.ء و200). 
4 نشرت مئات الدراسات الأكاديمية حول هذه القضاياء ينظر مثلا: عيسى بوراس» توثيق الوقف العقارى فى الفقه الإسلامى والقانون الجزائرى: وقف سيدى بنور 
نموذج تطبيقي (الجزائر: جمعية التراث؛ 2012). 0 1 1 “2 
5 ينظر على سبيل المثال وقائع مؤتمرات منشورة: عزيز العصا [وآخرون] (محررون) ؛ محمد عدنان البخيت (محرر) ؛ الأوقاف ف بلاد الشام منذ الفتح العربي الإسلامي 
إلى نهاية القرن العشرين: المؤتمر الدولي السابع لتاريخ بلاد الشام» 21-17 شعبان 1427 ه/ 14-10 أيلول 6 إعمان: الجامعة الأزدنية. و200)؛ 
:01570 1') 100110110115 14711111141 9710 210115 122/1 171 ممه 011 :27] 10ت 107111 [0 101011071115711 أكعا 117 1170017:0111 0/17 نرأملااى 007120721116 ,(.0ع) 1012 1/1112 
.(.لع) 521153 :(2018 ,معلصناظ 100" 
6 ينظر على سبيل المثال: زياد المدبى» أوقاف القدس فى القرن الثامن عشر الميلادى (عمان: وزارة الثقافة, 2011)؛ 
و(.05ع) 12طمغط 10ممقطاعل0طذضعى مء طاشتع 126 تلصف نم 577118 63 0 ) 1011012610 210115 ١7001:‏ عطا 01 عتتطداكا عط م" ,لمعط ا تبوء7آ تممه كا 
رأأء077! تل 21لككث 5ع0 110116طاناآ 101031101 هآ ضأأء017-[) 7010017 © عدلاء [11© ,501616 © عدلاكء زارط 1601127707162[ 1ت (07 010 تك كلا71 01100110115[ 1265 
0 ',115 1031235 01 ع35) 126 :5ع2107712 579711811 111 11 101531117311011 012711151121157 11301 016011311" ,تتاعط! تباعءع0آ1 12201 :395-431 .62 ,(2004 
.1711 0 211155 101100110115 ,51001 :61 0111722آ :30-39 .مم ,(1992) 5-6 .1701 ,015لا اذى 0110111071 :01 نلدء آناء ع1 امس 11151011 
7 ينظر على سبيل المثال: عبيد بوداودء الوقف ف المغخرب الإسلامي ودوره ف الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (الجزائر: : مكتبة الرشاد للطباعة والنشرء 
011) ؛ مصطفى بنعلة» تاريخ الأوقاف الإسلامية بالمغرب ف عصر السعديين من خلال حوالات تارودانت وفاس (الرباط : وزارة الأوقاف. 2007) ؛ عبد الرزاق صبيحي » 
الحماية المدنية للأوقاف العامة بالمغرب (الرباط: وزارة الأوقاف. و200)؛ 
طعطط ماع 13201 :م1 "رزوعاء6 51 ع1 - 17111 3) عماع1200 عناوممة "!1 3 15قنا 1 3 عتتااع02[0ء أء 50121 120011166 ,1260115 2136011" رم1تمعط 0 1متمطاءع لطم 
110 :71-100 .مم ,(1995 ,032035آ ع0 15دبجطة1'[ ختطتاك0]آ :كناء5همطتة([) ع10-270/11111ع50 7آممصلامم عل 11آآلاه ,15107111011 ععدومدء'! كدتهك [0ه!1 16 ,(.0ع) 
.(1988 بلللا8 تمعلاع .[) كرع ته | ل 71 1رره 011 1711 11نره771ه 07 1 - أله 07 !1 :20111111117111 2720 1117:5 كل ,01111161115 1/710 بأعخكدء 110 
8 ينظر: 
5 كل ©11نه12 "رعطل1ع7200 عناوهم1'8 3 10021615 وعا1عغ5]131ة 5 11ء؟7نامط و5ع1 أء 11116 ع151مدا[ا 12 عل 5ع72011 د5عتاعا وعآ" ,قامعط 0 1متقمطاعلطم 
5 16111165 065 1201200111616 210011616 2[آ" :51001 2كتا/ا :127-142 .6م ,(1996) 79-80 .0ط , ااال [) 01177716 1/6[ | عل 1© 111151117110115 
.0ط ,110710 17711 1ك[ 11 دنه أكمط 1001ل[ 11 [ه 11011171 07 201177161 1141171114 '',01131101م5 12 أء ع215532 صتتتامعع"] 13 عنتاصط :(1831-1841) مطعلدكبصة ل عل 
31-0 .22 ,(2017) 15 


217 





العدد 12 2 تموز / يوليو 2020 


ولكن من الملاحظ ندرة استخدام هذه الوثائق» بوصفها مصدرًا تاريخيًا للتأريخ للمجتمعات المحلية» بعيدًا عن تناول مسائل الوقف 
وأحكامه الفقهية؛ حيث بقي استخدام هذه الوثائق في إطار ميكرو - تاريخي فقهي قانوني ضيق غير شمولي» مقتصرًا على الأوقاف ودورها 
في المجتمعات المحلية سواء على الصعيد الاجتماعى» أو الاقتصادىيء أو الدينى» أو القضائي ... إلخ. بينما نتناسى» نحن الأكاديميين: 
هذا المصدر المهمّ عند كتابة التاريخ بالمنظور الأشملء أى الماكرو - التاريخي» بشتّى تفرعاته» معتمدين بالأساس على مصادر تاريخية 
كالاسيكية تختلف باختلاف الموضوع واختلاف قدرات المؤرخ المعرفية واللغوية مثل: المخطوطات التاريخية:» والمذكرات. والسّيّر الذاتية: 
واليومياتء وكتب الأعلام والتراجمء: وأدب الرحالة» والوثائق الرسمية والتقارير المحلية والأجنبية كالفرمانات والأحكام السلطانية 
وتقارير القنصليات الأجنبية» والصحافة» والتاريخ الشفوىء والكتابات النقشية والجنائزية» وسجلات القضاة وغيرها. 


وخروجًا عن هذا النمطء ظهرت في السنوات القليلة الماضية دراسات أكاديمية لنيل الدرجات الجامعية العليا تؤرّخ للمدن العربية 
اعتمادًا على وثائق الوقف, أي اعتماد منهج الماكرو - تاريخ» ولكن ما يُوْخَذْ عليها أنّها لم تعتمد على المصادر الأولية على نحو متوازن 
وشموليء بل اعتمدت بالأساس على وثائق الأوقاف أكثر بكثير من اعتمادها على المصادر التاريخية الكلاسيكية المتعارف عليها الواردة 
الذكر. ومن هنا تدعو هذه الدراسة إلى الاعتماد على وثائق الأوقافء بالتوازي مع المصادر التاريخية الأخرىء, لا التركيز على مصدر 
وتهميش آخر. وهذا ما ينسجم مع منهج عدد من المؤرخين العرب والأجانب الذين تنتّهوا في وقت مبكر إلى أهمية وثائق الأوقاف 
بوصفها مصدرًا تاريخيّاء واستغلالها في التأريخ لغير المسائل الوقفية. وفي هذا السياق» أشير إلى دراسات المؤرخ التونسي عبد الحميد 
هنية حول تاريخ تونس الحديث والمعاصرا", ودراسات أندريه ريمون حول مدينتي حلب والقاهرة في العهد العثماني!" ودراسات 
جون بول باسكوال حول دمشق في القرن السادس عشر2"» ودراسات أنطوان عبد النور حول سورية في العهد العثماني, ودراسات 
محمد الأرناؤوط حول المدن البلقانية ونشوء المدن الجديدة في البوسنة9". في حين ظهرت مئات الدراسات حول التاريخ الاجتماعي 
والاقتصادي والثقافي والإداري والسياسي للولايات والمدن والمجتمعات العربية والإسلامية خلال العصرين الحديث والمعاصرء ولم 


0005 قريب أوسيد عل هذه الوقافقء وهذا يعؤدرثما إل عد دعرفة أهمية هذه الوقائق للتارية لوضوعات دراساكتم 


إن دراسة وتحليل وثائق الأوقاف بأنواعها المختلفة تثظهر لنا أهميتها في الدراسات التاريخية وفي الآفاق البحثية التي تنير بها طريق 
المؤرخين. والسؤالان اللذان يطرحان هنا: لماذا؟ وكيف؟ وللإجابة عنهما لا بد من الإشارة إلى أن أغلب ما كُتب عن تاريخ المدن العربية» 
خاصة خلال التاريخ الحديث والمعاصر والآني» اعثّمد فيه على مصادر ومراجع تتناول أساسًا الأحداث السياسية وأبعادها الخارجية في 
السياسة الدولية؛ ما جعل هذه الكتابات التاريخية تعكس التفاعلات السياسية للنظم والبنى السياسية والإدارية للمجتمعات المحلية 


9 من هذه الدراسات نذكر: ودان بوغفالة» التاريخ الاقتصادى والاجتماعى لمدينتى المدية ومليانة فى العهد العثمانى: دراسة من خلال وثائق الأوقاف 1 
بلعباس: مكتبة الرشاد للطباعة والنشر والتوزيع» 2013)؛ 1 1 1 1 1 1 
5 6© 6001201210116 ,501316 ,1113126 11510116 502 ,ع1طمة1ع10008 52 :01012326 عناوومغ'!1 2 عططع 1ك اطنط 71116 :1ك" ,منامطعتتهة 1 7تتمطاعلطخ 12تمتده/81 
و1136 ,2101761 مع -:1لق رع 1215111 -: 1خ 215715116لآ] ,1015511261020 .للطط ",1772015 

0 ينظر فى هذا السياق: 
.(1999 ,1 0 111516[ :113115 ) 34 .701 ,كه أ 516 11-1[ : ©1771© 71100 102720011 © 117115 0 50210165 كأ 517016 1© 270211616 ي18طعط 0 اممتقطاع لطم 


",5166165 ©1/11غ-16/آغ عطهحطم]0 عناوممغ"! 3 عتلون) لله أء معلاخ 3 01612 ععومدع'! ع0 5361012 1تدع1'01 أء 773015 523205 5ع.آ" ,352020] غعلمث ‏ 11 
5 ©1299 013125 31111166111316 7116لاعة'1 أء مقمطتزع11ك مهمأاتاة ع[آ" ,000م35]آ غتلمط :113-132 .م6 ,(1979) 31 .10 رك هلمادرء 071 كء لاط ' ل 117ء/الاط 
1 00111 ,2715 عل ع11ن01!|0ء 11ل 5ء1ء4 :1271125 50171 1© 1027117701126[ 1 50/171107 ,(.0ع) تتعاقماء/؟ 1115©) :12 ",1520-1566 عتامصطظ'1 عل 5ع212 

371-47 .22 و(1992 و1'1311>3156 11311012ع001112آ هآ :13115) 1990 1075[ 7-10 ,كآه1ه2 072110 نال 


.(1983 031035[ ع0 1'132>315 151116 ,كة0طة0[) 02011011115 00[5ناا ©0 02125 17015 071765 0 ©5161 ©2116 011 171 104 © 10071105 ,01جاهء235 الله 2-موء7ل 12 
.(1982 رع 1[ةأطع011) 1111ل :نطتنا0 تزع 8) (لوعاء 516 111-2111 )2) 01101110716 ح11نرى ه1! © 11741116 11/151017 4 171170011611011 1تا0ل8 علطم عمامتمخث ‏ 13 


14 الأرناؤوطء ص 117-71. 


218 





0 1 
ندوة «أسطور»: المؤرخ العربي ومصادره لطع ل لدوة اسطور 
2 


وأبعادها ومؤثراتها الخارجية بين المركز والمحيط في فضاءات بعيدة عن مركزية المفاعيل الذاتية للمجتمعات المحلية. وهذا الأمر يتطلب 
إعادة كتابة التاريخ من خلال مصادر ووثائق جديدة؛ ما يوجب على الباحث الرجوع إلى وثائق الأوقاف لاستقراء وتحليل مضمونها 
التاريخيء وفهم دلالاتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والروحية» من دون تغييب الدلالات والأبعاد السياسية. كما أن التحليل 
الشبكي والباراسيكولوجي لوثائق الأوقاف يظهر لنا ارتباط السياسي بالديني والخيري والعلمي» وارتباط الروحي بالحيز المكاني. وإذا 
استقرأنا وثائق أوقاف الأيوبيين في القدس 5" واستنبطنا منها الدوافع السياسية» رغم عدم إشارة الوثائق إلى السياسي وتركيزها على 
الروحي الخيري» لأدركنا لماذا أنشأ صلاح الدين أعظم مؤسساته الوقفية في القدسء والاعتبارات السياسية والدينية لتحديدها مكانيّاء 
ولأصبحت وثائق أوقاف الأيوبيين في القدس أهمّ مصدر للتأريخ لمسائل غير وقفية للقدس خلال تلك الفترة. وينسحب الأمر نفسه على 
الفترات التاريخية اللاحقة. 


وفي التاريخ المعاصر والآني لفلسطين عمومًا والقدس خصوصًاء تكتسي وثائق الأوقاف أهمية. وقد كتب الكثيرون حول القضية 
الفلسطينية» ومسألة الهوية والحقوق الفلسطينية التاريخية» والهجرات الصهيونية» والاستيطان الصهيونيء والانتداب البريطاني: 
ومسألة التهويدء والمقاومة الفلسطينية بأشكالها. لكن لم يكن لوثائق أوقاف القدس خاصة وفلسطين عامة أو وثائق أوقاف العالم 
العربي والإسلامي أي نصيب في المصادر التي اعثٌّمد عليها في هذه الدراسات. ولكنّ السؤال الذي قد يطرحه البعض: ما فائدة وثائق 
الأوقاف للكتابة حول تلك القضايا البعيدة كل البعد عن الأوقاف؟ إذا عدنا إلى ما قبل قانون الأراضي العثماني لعام 1858 أي قبل ظهور 
ما يعرف بالقضية الفلسطينية» نرى أنّ معظم أراضي فلسطين كانت أوقافاء وأنّ المادة الرابعة من هذا القانون نزعت صفة الوقف عن 
جزء كبير منها وسمحت بتمليكها للمنتفعين بها"", وأنّ جزءًا كبيرًا منبها تحوّل إلى ملكيات خاصّة لعائلات إقطاعية مثل عائلة سرسق 
اللبنانية التي باعت أملاكها للحركة الصهيونية”7. كما أنّ جزءًا من هذه الأراضي الوقفية سيطرت عليه العصابات الصهيونية وأنشأت 
عليه مستوطنات من دون تملكء وأنّ هنالك قضايا رُفعت ضدها في محاكم الانتداب البريطاني» ولم يصدر حكم قضائي حتى الآن 
لصالح الحركة الصهيونية مثل أراضي قريتَي العباسية وعين كارم الوقفيتين*". كما لا ننسى دور وثائق الأوقاف المكتوبة والمنقوشة 
التي تثبت عروبة القدس وإسلاميتهاء بطرزها المعمارية» وأسواقهاء ومؤسساتهاء وأماكنها الدينية والعلمية والخيرية» التي تجسد هويّةَ 
لا يمكن تجاهلها أو نكرانهاء ولا يمرّ عليها قانون التقادم بعيدًا عن الخطاب السياسي والديني العاطفي الذي لا يستند إلى دلائل 
علمية9". كما أنّ هذه الوثائق اضطلعت بدور مهمّ في مقاومة سياسات التهويد وعمليات البيع والشراء» وحالت دون نقل الكثير من 
ملكية عقارات القدس إلى الحركة الصهيونية. 
5 حول وثائق الأوقاف الأيوبية في القدس ينظر: محمد أبشرلي ومحمد داود التميمي (تحقيق وتقديم)؛ أوقاف وأملاك المسلمين في فلسطين في ألوية غزة» القدس, 


الشريفء. صفدء نابلس, عجلون حسب الدفتر رقم 522 من دفاتر التحرير العثمانية المدونة ف القرن العاشر اللبجري [اسطدول: مركز الأبحاث للتاريخ والفنون 
الثقافة الإسلامية, 1982)؛ كا ا ثائق مقدسية تاريخية:, مج 1 (عمان: الجامعة ل دنية: 1983). 
. وثائق 0 مح 7 


6 حول هذه القضية» ينظر: 
,(:011) 8011220111212 عةغ01100) :ما "',21561876-1914©؟ تع 16151 عل ههه عن[ :172015 قمع 61 065 1"151110311012 أء مقحطم]0 [1اكاء عل200 عط" ,51001 وكت/1ا 
6101 * وعطاء تعطاععخ] وع0 120131011 011 311005ع11طنا نهتتوعهة ]/8[) 4125671 71© 011011107125 1105© كك "7لا ك7لاع 276 50210011711 ١270017116‏ 11/1115101:1211 


5-0 .02 و(2014 ,عع [آخى ,71352310 ع0 1516ء011لا ,1151011011 أء 
17 تيسير جبارة» تاريخ فلسطين (عمان: دار الشروق. 1998)» ص 205. 
8 ينظر: موسى سرورء "السياسة الخارجية الفرنسية تجاه أوقاف المغارية قِ القدس: دراسة حالة قرية عين كارم بين عامي 1962-8" في: العصا [وآخرون] (محررون) 2 
ص 340-323. 
9 موسى سرور» "دور الأوقاف الإسلامية قِ التنمية العمرانية 2 القدس". مجلة حوليات القدس,ء العدد 14 اه 212 ص 70-64. 


219 





ماله 


العدد 12 


بطل تموز / يوليو 2020 
حلم 


0910101 


ع 


3 الاحط أن امعط ها كدب عن التاريخ المحلى للمدن العربية هو غير السياسيء كالتاريخ الاجتماعى والاقتصادي والإداري 
والقضائي ... إلخ. ورغم تنوع وتعدّد المصادر الأولية التى تم الاعتماد عليهاء فإِنْها نادرًا ما اعتمدت على وثائق الوقف بوصفها مصدرًا 
أساسيًا. وهنا يمكن التنويه إلى إمكانية استخدام هذه الوثائق بصورة كبيرة في التدوين التاريخى لهذه القضايا. 


ويتطلب الانتفاع بطبيعة وثائق الوقفء من حيث كونها مصدرًا أوليّاء تقنيات ومنهجيات تتلاءم وطبيعة المعلومات التي تتضمنها؛ 
ما يفرض على الباحث إيجاد تصور أَوَلي يقوم على صياغة رؤى أو وضع خطة مؤشكلةء ترتكز أساسًا على استخلاص المعلومات التاريخية 
وترتيبها وتحليلها باعتبارها المادّة الأولية» من دون تجاهل المراجع الثانوية الأخرى التي تقوم بدور المساعد لاستكمال بعض جوانب 
اللحثء ما يتطلب من الباحث المتعامل مع وثائق الوقف الاستفادة من العلوم المساعدة في التاريخ مثل علم الوثائق والإحضاء والخرائط 
والجغرافيا والاجتماع وأحكام الفقه وفقه اللغة"» إضافة إلى المشاركة في مراكز أو مشاريع بحث متخصصة وعابرة للتخصصات. ويساهم 
كل ذلك في استخدام أوسع لوثائق الوقف في التدوين التاريخي "الماكرو - تاريخ" وعدم اقتصار استخدامها على المسائل الوقفية أي 
الميكرو - تاريخ. 


رابعا: وثائق الوقف بوصفها مصدرا تاريخيًا بين الخصوصية والأهمية: 
وثائق القدس انموذجا 
تتميز وثائق الوقف.ء مقارنة بغيرها من الوثائق والمصادر التاريخية الأخرىء بأنها: 


1. وثائق قانونية لم تُكتب بالأساس بوصفها مصدرًا تاريخيّاء وإِنّما كتبت بوصفها صكركا لتوثيق حقوق الأفراد وتنظيم سبل 
عملهم ضمن أطر قانونية متوارثة. ولهذا لا تتضمن وجهات نظر ولا تعبّر عن مواقف واتجاهات وأيديولوجياتء كأدب الرخّالة أو السير 
كرات أو الصحافة؛ كما لا تتضمن قرارات دولة ماء ولا تعر عن سياستها نظرمًا وتطبيقيّاء كوثائق القنصليات الأجنبية أو المؤسسات 
الحكومية المحلية» ما يُضفي عليها صفة الصدقية أكثر من غيرها من الوثائق الأرشيفية الأخرى . 


2. يصعب فقدانها وضياعها عمومًا. فعلى سبيل المثال لم تتعرض مختلف أنواع أوقاف القدس في إجمالها للتلف والضياع من 
جرّاء النكبات التي ألمت بفلسطينء أو نتيجة الإهمال وعدم الاعتناء بها سواء من طرف الجهات الرسمية أو المحلية. وقد قامت الإدارة 
العثمانية منذ تسلمها زمام الأمور في الولايات العربية ومنها القدسء بإعادة تسجيل الوقفيات والعقارات الوقفية السابقة للعهد العثماني 
في سجلات خاصّة أسوةً بالملكيات الأخرىء وساهم ذلك في تعدّد الأماكن والسجلات التي تشير إلى أصول هذه الوثائق» ما أكسبهاء 
إذا جاز لنا التعبير» صفة الخلود؛ إذ نجد نسحا منها محفوظة في سجلات المحاكم الشرعية, ونسخًا أخرى في سجلات الدولة الرسمية 
كدفاتر الطابو وسجلات دوائر الأوقاف والأراضيء ونجد نسخًا أخرى مثل "أوراق عائلية" في أيدي فئات المجتمع المحلي المقدسي التي 
كنت مع المؤسسات الوقفية عبر العصورء سواء عن طريق امتلاكها حقّ إدارة شؤون هذه الأوقاف أو حقّ الانتفاع بها والاستفادة 
منهاء أو حججًا تثبت حقوق استغلالها عن طريق إحدى طرق الاستغلال المتعدّدة كالإجارة أو الحكر ... إلخ. وبهذاء تمتاز الوثائق 
الوقفية بتعدّد نسخها ووجودها في عديد الأماكن؛ الأمر الذي لا نجده في الوثائق الأخرىء ورغم أنّ هذا في حدّ ذاته يمثّل إشكالية لدى 
الباحثء فإنه يساهم في حفظ هذه الوثائق من الضياع. 


1 حول العلوم المساعدة» ينظر: قاسم يزنكء التاريخ ومنهج البحث التاريخي (بيروت: دار الفكر اللبنانيء ه199). 


2200 





0 1 
ندوة «أسطور»: المؤرخ العربي ومصادره لطع ل لدوة اسطور 
3-86 


3 يه تسبي وج ظيفتها وصالا حيتما بانتهاء الحدث الل: لتعلق بتدوينماء وإثما نت 5595 صفة الديمومة لأنها ا | ستمرارية فعالية 
الحدث الذى أنشئت من أجلهء ويمثّل وجودها ضمانًا لاستمراريته؛ فوجودها يؤكد ارتباط الماضى بالحاضر والمستقبلء ولا نجد هذا فى 
الوثائق الأخرى التى لها صلاحية محددة: وذلك لارتباط وثائق الأوقاف بالحيّز المكانى من عقارات وغيرها من جهة» وبالتوارث الي ١‏ 
من إداريين ومنتفعين من جهة اخرى. 


4. من الصعب تزويرهاء رغم تعض بعض الوثائق للتزوير والتحريف لأسباب متعدّدة» ويرجع ذلك إلى أن وثائق الوقف ليست 
وثيقة واحدة لكي تزوّرء وإِنّما قد يتشعب عن الوثيقة الواحدة مئات الوثائق الوقفية الأخرى التي تُكتب وتُسجّل في فترات مختلفة وتتعدّد 
جوانبها وموضوعاتها. فتبعثر وتشعّب موضوعات وتواريخ تسجيل هذه الوثائق عامل مهم في الحفاظ عليها من التحريف والتزوير. وإن 
تمت عملية التزوير فمن السهل معرفة ذلك وخاصة أنّ هذه الوثائق ترتبط بشواهد عمرانية وحقائق ميذانية يضعب طمسهما "١‏ 


ولوثائق الوقف فوائد عديدة نذكر منها أنها تمكننا من التعرف إلى الفئات والشرائح الاجتماعية» ما يُمَكننا من التعرف إلى 
وضع الأسرة من حيث الشريحة الاجتماعية التي تنتسب إليهاء وطبيعة الصلات بين أفرادها وعلاقتهم بالسلطات المحلية» ومدى 
تضامنهم وتكافلهم وكيفية انتفاعهم بالوقف أو احتكارهم للوظائف المتعلقة بدء وانعكاس ذلك كله عل تلاحم الأسرة ورا ! 
لأفرادها وخاصة النساء وذوي الاحتياجات الخاصة. كما يُمَكن التحليل الشبى الدقيق لمضمون وثائق الوقف الباحث من وضع شجرة 
الأنساب للعديد من العائلات: ويسمح له بتحديد مكانة الأسر المتنفذة التي تتولى أمور الوقفء والكشف عن تأثير الوقف في نفوذها 
الاجتماعي والاقتصادي. ظ 


كما تفيدنا في فهم التوجهات الثقافية والميول الروحية للسكانء من خلال تحليل الدلالات ورصد الإيحاءات المتعلقة بالشروط 


(077 


وتفيدنا وثائق الوقف أيضًا في رسم خريطة تبيّن توزيع العقارات الوقفية وغير الوقفية في أحياء المدن وحاراتهاء وتعريفنا بطريقة 
استغلال العقارات الوقفية فيها؛ فيستطيع الباحث ضبط الملكيات الموقوفة» والتعرّف إلى أساليب الانتفاع بهاء ووضع قائمة بأصنافها 
وأسماء العاملين فيها. وبالنسبة إلى مدينة القدسء» تعتبر الدراسة المعمّقة لوثائق الوقف الوسيلة العملية والإمكانية الوحيدة في غياب 
أو نقص وثائق الإدارة المحلية للتعرّف إلى طابع المدينة العثمانية والتوزيع العمراني فيهاء خاصة قبل تأسيس بلدية القدس عام 
3» ومدى الاندماج والتعايش بين أبناء المجتمع المقدسي على اختلاف مشاربهم الدينية والعرقية. فعلى سبيل المثال» يلاحظ المتتبع 
لانتشار عقارات الأوقاف وتوزيعها داخل حارة نصارى القدس مدى الاندماج والاختلاط بين نصارى القدس ومسلميهاء ليس فقط 
على الصعيد الاقتصادى والعلاقات التجارية القائمة بينهم فحسبء بل أيضًا على صعيد العلاقات الاجتماعية القائمة بينهما بحكم 
الجوار في السكن وفي المرافق الاقتصادية. وهذا يمكن ملاحظته من خلال دراسة تحليلية لموقع العقارات الموقوفة وأسماء المجاورين 
لها؛ ما يمكننا من مالاحظة مدى الاندماج أو الانعزال في المسكن أو المعمل بين العائلات الإسلامية والمسيحية القاطنة في هذه الحارة. 
فعلى سبيل المثال تقدّم لنا وثائق الأوقاف وصفا دقيقا لموقع العقارات التي أوقفها موسى جلبي بن عبد الوهاب جلبي الشهير نسبه بابن 
نمرء وأسماء المجاورين لها من مسلمين ونصارىء إذ أوقف في 15 جمادى الأولى 1221ه الموافق 31 تموز/ يوليو 1806: "جميع الحصة 
المشتركة وقدرها ثلاثة ارباع قيراط من أصل كامل اربعة وعشرين قيراطا في جميع الدار القائمة البناء بالقدس الشريف بمحلة النصارى 
المشتملة على علوي وسفلى: فالسفلى يشتمل على بيتين بداخل إيوان وعلى بيت شرقي وعلى إيوان به بيتان وإيوان ثالث به بيتان وعلى 
ب0010101 ان 


2 


العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


صغيرتين يقود بابهما شرفًا ومطبخ. ويحدّها قبلة زقاق الخانقاه الصلاحية وبه الباب» وشرقًا الطريق العام وشمالًا الدار التي ذكرهاء 
وغربًا الدار المثنى بذكرها فيه [...] ونظير الحصّة المذكورة في كل من الدكانتين الكائنتين تحت الدار المحدودة جنوبًا بزقاق الخانقاه 
الصلاحية وبه الباب وشرقا بالدار الآتي بذكرها وشمال [كذا] بزقاق غير نافذ وبه الباب الثاني» وغربًا بدار بيد طائفة الأرمن والروم. جميع 
الحصة الشائعة وقدرها قيراط وثلث قيراط في جميع الحاكورة المعروفة بالحبشة من الجهة الشمالية المحدودة قبلة بدير الإفرنج وبدار 
للروم وبدار سليمان قطينه وبدار يعقوب [...] وشرقًا بالطريق السالك وشمالا بسور المدينة وغربًا بحاكورة أولاد حجيج". 


وأشير في هذا السياق إلى العقارات التي أوقفها التاجر المقدسي سليمان بن محمد قطينه في الثالث من شعبان 1225ه الموافق 
3 أيلول/ سبتمبر 1810» والتي آلت إليه شراءً بموجب حجج شرعية. وتتمثل هذه العقارات بما يلى: "جميع الدار القائمة البناء بالقدس 
الشريف بمحلة النصارى بقرب الشيخ أبو قصيبة المشتملة على أربعة بيوت علوية وإيوان ومطبخ وصهريج مشترك ومرتفق وعلى بيتين 
سفليين ودهليز ودكان معدة للحياكة بها صهريج. والمحدودة قبلة بدار بيد أخت الواقف السيدة بدرية وشمالا وغربًا بحاكورة الحبشة 
وشرقًا بزقاق غير نافذ وفيه الباب وتمامه بدار الأجربء الآيلة إليه شراء بموجب حجة شرعية مؤرخة في جمادى الثانية سنة 1214 للهجرة 
[تشرين الثاني و179]. وجميع الحصة المشتركة وقدرها تسعة قراريط من كامل أربعة وعشرين قيراطا في جميع الدار القائمة البناء 
بالقدس الشريف بمحلة الزراعنة واحدة من محلات النصارى المشتملة على طبقتين قديمتين وطبقة جديدة ومطبخ وبيت سفلي وبائكة 
وصهريج معد لجمع ماء الأشتية ومرتفق ومنافع وحقوق شرعية شركة أولاد الخوري [بلائم] بحق الباقي. المحدودة قبلة بالزقاق وفيه 
الباب وشرقًا بدار إبراهيم زهوة وشمالا بدار [كاترينة] بنت الجلاد وغربًا دار أبو الفضل وابن مراد آغاء الآيل إليه شراء بموجب حجة 
شرعية مؤرخة في شوال سنة 1216 [شباط 1802]"©. 


كما تفيدنا الوثائق الوقفية في الكشف عن التحولات في الملكية العقارية» أو بمعنى أدق التحايلات التي تمّت للاستيلاء على 
الأملاك والعقارات سواء من جانب جهات محليّة أو أطراف خارجية. ففي عض الأحان ديم ازالة«الانية الوقفية ليها مكاتها أبن 
ومنشآت خاصة لإخفاء أي أثر للأملاك الوقفية. وهنا يأتي دور الوثائق الوقفية في الكشف عن هذا التزوير التاريخي. وفي هذا السياق» 
أشير إلى بعض الأمثلة: فالبيمارستان الصلاحي الذي أنشأه السلطان صلاح الدين الأيوبي بعد تحريره للقدس عام 1187م قد "اختفى " 
كليًا من القدس وحلّت مكانه كنيسة هي كنيسة المخلص". 


وأشير إلى مثال آخر هو "اختفاء" حمّام السلطان من مكانه في القدس لتظهر مكانه كنيسة هى كنيسة الأرمن الكاثوليك6. كما 


أشير أيضًا إلى "اختفاء" زاوية الأزرق من مكانها ليظهر مكانها مستشفى يهودي"). وأشير أيضًا إلى المدرسة الصلاحية كيف تحؤل بناؤها 
ووظيفتها إلى كنيسة هي كنيسة سانت آن في القدس'7, وغيرها الكثير من الأمثلة. وهنالك مئات الوثائق الوقفية التي تثبت وقفية هذه 
إكارات التى لا يمكن إخفاؤهاء والتى يمكتنا من خلالها إغادة رسم الخريطة الدينية والعمرانية للقدس خلال الحقب التاريخية التى 


2 سجل محكمة القدس الشرعية» رقم 288: 15 جمادى الأولى 31/1221 تموز 1806 ص 92-89. 
3 سجل محكمة القدس الشرعية؛ رقم 294: 3 شعبان 3/1225 أيلول 60 ص 65-63. 
4 موسى سرورء "الأوقاف الإسلامية في حارة النصارى في القدس والتحول إلى ملكية مسيحية خلال القرن التاسع عشر". المجلة التاريخية العربية للدراسات العثمانية, 
السنة 21: العددان 42-41 (كانون الأول / ديسمبر 2010): ص 207-145» 181-179. 
.7 ,111011161116111 11© 5 كلا 216[ 101100110115 ,51001 5 
.9 ...110 6 
.6 ,.1510 7 


ضيه 





0 1 
ندوة «أسطور»: المؤرخ العربي ومصادره لطع ل لدوة اسطور 
2 


عايشتها هذه المؤسسات الوقفية حتى تاريخ اختفائها. ويهذا تمكننا من الكشف عن التطور والتحوّل المعماري والحضاري للقدس خلال 
الحقب التاريخية المختلفة وكيف ساهمت هذه الأوقاف قِ بناء وتطور المدن عمومّاء والقدس خصوصًا/ة). 


تمثّل هذه المسألة مسألة الهوية الحضارية للمكان» وهي في حالة القدس في جانب مهم جدا؛ إذ تدحض الكتابات الاستشرافية 
والاستعمارية وتثبت إسلامية المكان وعروبته. والسؤال هنا: ما أهمية وثائق الوقف في هذه القضايا؟ 


اعتمد الكثير من المؤرخين بشتّى مشاربهم وأيديولوجياتهمء خاصة الغربيين!© منهم على نحو كبيرء على مصادر عديدة للتأريخ 
للقدس خاصة خلال الفترات الإسلامية وأهمها العثمانية» ومنها كتب الرحالة الغربيين الذين كان أكثرهم رجال دينء والتي تعكس 
وجهة نظر الغرب وتصوراته المتخيلة واللاواقعية حول القدس التي انبئقت من خلفيات أيديولوجية وبمقارنة القدس بمدن أوروبية © ' 
وصوّر هؤلاء القدس خلال الحقبة العثمانية مدينة متخلفة» وأنّ ماضيها "التوراتي" فقط هو ما يعطيها قيمة ومكانة عالمية0©. وفي هذا 
السياق اشير» على سبيل المثال لا الحصرء إلى ما كتبه الرحالة الفرنسى فرانسوا رينيه دو شاتوبريان 0مةة طنتةعتهطن عل ممع] وأزمعمة»]1 
2 عام 1811 بعنوان 6521ل ف روط ع0 1111167017 (الطريق من باريس إلى القدس) الذي فتح الطريق أمام الرحالة الغربيين 
إلى الشرق» حيث وصف القدس بما يلى: "في كومة الأنقاض هذه التي يسمونها مدينةء شاء سكان هذا البلد إطلاق أسماء شوارع على 
ممرات مهجورة "(6. ونهذا الوصف الأعمى والبعيد عن الحقيقة أظهر للقارئ أنّ القدمن مديئة خربة خالية من السكانء وهذا ٠١‏ 7" 
عليه لاحقًا في الفكر الاستشراقي الصهيونية مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". ومن خلال وصفه ما يؤكد الهدف من زيارته وهو 
معرفة مواطن القوة والضعف في هذه المدينة ليتسنّى لجيوش بلاده احتلالها. حيث يقول عند وصفه أسوار القدس العتيقة: "يبلغ عرض 
الأسوار التي تدعمها الأبراج عند مستوى سطحها المحصن ثلاثين قدمًا وارتفاعها مائة وعشرين [كذا] قدمًا ولا وجود للخنادق خلف 
هذه الأسوار بل هنالك الوديان التي تحيط بالمدينة. إن توفير ست [كذا] مدافع عيار اثني عشر [كذا] مركبة فوق منصات مع إقامة عدد 
م المتاريس و الداع هن التخنادق بامكانه أن يحدت ليلا تقرة حتيقية.ولكننا نعلم أن الأتراك ستركون حِيدًا خلف الحا 00 
الجدران الداعمة. تقع القدس تحت هيمنة جميع الجهات من حولها ولتمكينها من الصمود امام جيش نظامي ينبغي إقامة جدران 
عالية متقدمة من جهتي الغرب والشمال وتشييد قلعة فوق جبل الزيتون "© ٌْ 


واعتمادًا على هذه الأيديولوجيات المتخيلة بنى العديد من مؤرخي الحركة الصهيونية أساطيرهم» ولا أقول حقائقهم» حول القدس 
وتاريخها خلال الفترات الإسلامية باعتبارها مدينة مُهملة مهجورة» ولم يكن هنالك أي اهتمام عريّ أو إسلاميّ بها خاصة خلال 
الحقبة العثمانية لإثبات أن تطورها جاء مع نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بفضل الوجود الصهيوني والغربي مع 
الهجرة الصهيونية والانتداب البريطاني. وفي هذا السياق أشير على سبيل المثال لا الحصر إلى المؤرخ موشيه معوز الذي يذكر في دراسته 


8 ينظر: الأرناؤوط؛ 
.27-40 .262 و(.لع) 1019 :1 ",561057 ع035) 2 35 لاع1 161153 01 157ل 010 عط 1 :5ع011) عط ع ملل 1تناظ لمندة ١1501‏ عط 1" :51001 دمج/83 


9 قِ هذا السياق» ينظر: 2 .701 :701.1 ,نونلهاةتعن) «لاتتععاء117[ 11 11 01111 كلتزعل ,اعتتخ-مع8. 

10 نظمي الجعبةء "دور الوثائق الوقفية قِ استجلاء التركيبة الحضرية والمعمارية لمدينة القدس والمدرسة التنكزية كحالة", في: العصا [وآخرون] (محررون): ص 393. 

31 ينظر في هذا السياق: 

رووع21 طع لاع الا مااترجكلظ ١0112:‏ تت أ[ ) 0115 171102171411 201011121151 0710 521710110115 1 12211210115 :012771 كلازء ل /[0 2071:17:15 11170726011 ,1135531 ه155 
:(2006 

نظمي الجعبة. القفدس ف الكتابات التاريخية الإسرائيلية (الرباط: وكالة بيت مال القدس الشريف» 2019 ). 

2 فرانسوا رونيه دو شاتوبريان» الطريق من باريس إلى الفدس. ترجمة مي غبد الكرب محمود (دمشق : دار المدى للثقافة والنثشس ١12008‏ ض 222. 

3 المرجع نفسهء» ص 222-221. ْ 


223 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


الموسومة ب "القدس في الحقبة الحديثة: التغيرات السياسية والاجتماعية": "أن القدس طيلة الفترة المملوكية والتي امتدت أكثر من 
قرنين ونصف وخلال القرون الثلاث الأولى من الحكم العثماني كانت مدينة صغيرة ومُهملة واقتصرت على كونها مدينة دينية وقاعدة 
لصدّ البدو وبالتالى كانت خارجةً عن اهتمامات المماليك والعثمانيين» ولم يكن بها أىّ نشاطات ثقافية أو اقتصادية أو عمرانية"02. 
ولدحض هذه المقولات والادعاءات تأتي هنا أهمية اعتماد المؤرخ على وثائق الوقف بوصفها مصدرًا تاريخيًا. 


فوثائق الأوقاف تكشف لنا بطريقة لا تحتمل الشك التغيرات الجذرية التي أحدثها المسلمون منذ عام 638ه في القدس عبر بناء 
الات وقفية في المدينة شملت الجزء الشرقى من المدينة؛ حيت لأ يوجد غمرانٌ أساشا أوثم البناء خل أنقاض أبنية قديمة. وتشير 
المصادر إلى أن هذا الجزء كان مهملا قبل الفتح الإسلامي للمدينة”"؛ فبناء وتشكل منطقة الحرم الشريف واحتلالها جزءًا مهما من 
95 امديئة الكلية سناهم فى مخطيظ عمراق جديد للمديتة:.خاصة بعد بناء الأسوار حولها وإنشاء عشرات اللدارس الوقفية حول هذه 
المنطقة. كما ساعد فراغ هذا الجزء من المدينة» أي الجزء الشرقي» على نشوء أسواق وقفية ذات طرز معمارية جديدة كسوق القطانين 
الذي يبلغ طوله 94.5 مترا وعرضه 5.5 أمتار“". كما ظهرت حارات وقفية جديدة لم تكن موجودةً من قبل كحارة المغاربة التي احتلت 
لحز الجنوبي الشرقي من المدينة» وأقيمت فيها البيوت والأماكن الدينية الإسلامية. ومع نهاية الفترة العثمانيةء وصل عدد العقارات 
سعية في هذه الحارة إلى نحو 140 عقار!!67. 


كما دفعت كثرة المؤسسات الوقفية الإسلامية في القدس مؤسسيها إلى توفير مصادر تمويل دائمة لهاء عن طريق بناء الدكاكين 
والأسواق والحمامات والخانات في المدينة أو امتلاك ما هو قائم وتعميره وتحويله إلى أوقاف؛ وهذا ما يفسر انتشار مئات العقارات 
الوقفية التجارية في أحياء وأسواق القدس المختلفة. حيث يذكر عارف العارف (1973-1892) اعتمادًا على سجل 44 من سجلات 
محكمة القدس أنه في عام 1561 ذهب وفد (مجموعة) من تجار القدس - مسلمون ومسيحيون ويهود - إلى قاضي محكمة القدس 
الشرعية جار الله أفندي» لإعلامه بالاتفاق الذي تم بينهم وبين الوكيل الشرعي عن ناظر الحرمين الشريفين الشيخ حمزة جلبي. وينص 
هذا الاتفاق على أن يقوم ناظر الحرمين بتعمير لهؤلاء التجار 40 دكانًا في سوق الحصر التابع لأوقاف المسجد الأقص مقابل أن يدفعوا 
له 40 سلطانيًا ذهبّاء وذلك مقابل تأجيرهم هذه الدكاكين مدّة سنة!08. 


يلقى كلّ ما ذكر الضوء على الدور المهم الذي قام به الوقف في بناء وتشكل مدينة القدس القديمة وفق أسس وطرز معمارية 
جديدة» لا تختلف عن باقي المدن الإسلامية كالقاهرة ودمشق وتونس. وهذا يجسّد الهوية العربية الإسلامية للقدسء رغم محاولات 
الطمس والتهويد ومصادرة التاريخ وتزويره. كما يظهر اهتمام "النخب السياسية الإسلامية": إن جاز لنا التعبير» بالتنمية العمرانية في 
القدسء خلال الحقب الإسلامية المختلفة» رغم اختالاف مذاهبها وقومياتها وأعراقها وانتماءاتها الأيديولوجية والسياسية. 


وتعتبر دراسة وتحليل وثائق الأوقاف المختلفة مصدرًا أساسيًا لدراسة التنمية العمرانية فى مدينة القدس؛ إذ تقدّم لنا معلومات 


4 موشيه معوزء "القدس قِ الحقبة الحديثة: التغيرات السياسية والاجتماعية". في : أمنون كوهين (محرر)ء القدس: دراسات ف تاريخ المدينة. ترجمة سلمان 
مصالحة: مراجعة الترجمة إسحاق حسون (القدس: ياد يتسحاق بن تسفي» 90)ء ص 186-177. 
5 دوري يوسفء "القدس قِ عصر المماليك", في : كوهين (محرر)ء ص 108. 

.7 .6 ,(1967) 20 .1701 ,ك 071671121 ك0 لة 61ل 8111161171 "بتع 1610152 3 5عتعططة 5ه5 أء طقطة 21-021 500 ع1 1لا5 120165 0116101165" ,0011010 معاعبنا 16 
7 وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية (أبو ديس)ء أرشيف مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية» ملف رقم (13/1227/5.28/3). 
8 عارف العارفء المفصل فى تاريخ القدسء. ط 3 للق مكتبة الأسلدرة 1992): ص 348-347. تم الرجوع إلى السجل للتأكد من صحة الاقتباس: سجل محكمة 
القدس الشرعية» رقم 4 (1561/970): ص 382. 


2 





0 1 
ندوة «أسطور»: المؤرخ العربي ومصادره لطع ل لدوة اسطور 
3-86 


وأحيانًا تظهر لنا مهنة الواقف ومكانته في المجتمع. كما تقدّم لنا معلومات مهمّة عن أصل ملكية العقار الموقوف للاستدلال على ملكية 
الواقف للعقار موضوع الوقف؛ إذ يجب أن يُنبت الواقف ملكيته للعقار حتى يتسنى للقاضي تصديق صحة الوقف. وأيضًا تكشف لنا 
عن التطورات المعمارية التي واكبت العقار الوقفي عبر السنوات من ترميم وصيانة وغيره. ومن المآخذ على وثائق الوقف أنها ل تقدّم لنا 
معاوطات أوتفسيرات تلقى الضوء عل من خطاط هندسة الزناء أو من قام ينفيذه: أو معلومات قبن أسسباب الختار الواقف 1ك ١‏ ! 
مؤسسته الوقفية» أو معلومات حول المدّة الزمنية التي استغرقتها عملية البناء أو تكاليفه. 


وتشكل الوثائق الوقفية المصدر الأهمٌ الذي يمكننا من الكشف عن طبيعة الحياة الثقافية والحركة العلمية في القدسء خلال 
الحقب التاريخية المختلفة» ومدى انتشار المدارس وأنواعها وسبل عملها؛ لأنّ هذه المؤسسات التعليمية كان أغليهاء إذا 0 ١‏ 0 
جميعهاء أوقافًا090. 


خامسا: الوثائق الوقفية وإشكاليات استخدامها مصدرا تاريخيًا 


رغم أهمية المصادر السابقة الذكر فإنّ هنالك العديد من الإشكالات والصعوبات التى تواجه الباحث في التعامل معهاء واستخدامها 
مضي را #آريكتاء مقار نه بالضادر التاريفية اللخرص. 


تتمثّل الإشكالية الأولى في أنّ الوثائق الوقفية تمتاز من غيرها من المصادر الأولية المختلفة بكونها وثائق متصلة ومتشابكة ومرتبطا 
بعضها ببععض» رغم الفوارق الزمنية بين كتابة الوثائق المتفرعة؛ إذ لا يمكن دراسة وثيقة واحدة منها على أنها وثيقة منفصلة حتى لو كان 
موضوعها منفصلا وقائمًا في حدّ ذاته» بل تمتاز هذه الوثائق بالترابط والتواصل الموضوعي والتاريخي» ولكل وثيقة منها اتصال وترابط 
موضوعي وقانوني بما سبقها من وثائق. فمثلا الكتاب التاسيسي للوقف المتعارف على تسميته "الوقفية" يتفرع منه ويرتبط به عشرات 
بل مئات من الوثائق الوقفية الآخرىء التي لا يمكن دراسة إحداها بمعزل عن الأخرى» ومن دون العودة إلى الوثيقة الأم "الوقفية' 
يصعب فهم وتحليل الوثائق الأخرى المتفرعة منها. وتزداد المشكلة تعقيدًا في حالة الوقفيات القديمة التي مضى على إنشائها مئات 
السنين وتفرّع منها مئات الوثائق الوقفية» وتعدّدت الأجيال التى عاصرتها وتعاملت معهاء وهذا ما يُعَقّد عمل الباحث في هذا المجال؛ إذ 
عليه البحث عن كل مآ يتفزع من الل فى متاك من السجلات وعب رمات الألاف من القضايا والحبجمج الأخرى المسعلة وى 00" 
المحاكم الشرعية! أو في سجلات دوائر الأوقاف حتى يتسنى رسم صورة كاملة للمسألة الوقفية. وهذا يأتي في غياب فرز وتصنيف 
وفهرسة عشرات الألاف من الوثائق الوقفية المتنائرة بين طبّّات سجلات المحاكم الشرعية؛ ما يجعل الباحث في وثائق الوقف يقوم بدور 
الأرشيفي والمصنّف لها قبل أن يركز جهوده على البحث في مضمونها وتحليل معلوماتها التاريخية» ما يُساهم في تشتيت وقته وجهده. 

وهنا تأتي أهمية وجود أرشيف يجمع ويصنف ويفهرس هذه الوثائق. وعلى سبيل المثال لا الحصر سأشير إلى وثائق وقف تكية 
خاصى سلطان فى القدس وإشكالية حصر وثائقها. وأنشأت هذا الوقف زوجة السلطان سليمان القانوتى روكسلانة أو ما تعرف بخ ؟ 
سلطان؛ بمعنى محبوبة السلطانء عام 1557 ممثّلا أعظم وأهم مجمع معماري بعد الحرمء ولا يعتبر أهمّ مؤسسة خيرية وقفية على 


9 اعتمادًا على هذه الوثائق كتبت العديد من الدراسات حول مدارس القدس والحركة العلمية فيهاء منها: كامل جميل العسلىي» معاهد العلم فى بيت المقدس (عمان: 
جمعية عمال المطابع الوطنية» 1981). 


0 حول هذه السجلات وإشكالية استخدامهاء ينظر على سبيل المثال: موسى سرورء "سجلات محكمة القدس الشرعية: إشكاليات منهجية": في: زكريا محمد [وآخرون] 
(محررون): أوراق عائلية: دراسات فى التاريخ الاجتماعى المعاصر لفلسطين, مراجعة صالح عبد الجوادء ط 2 (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية» 2011)» ص 42-23. 


225 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


مستوى القدس فحسب. وإِنّما على مستوى فلسطين كاملة0©. وعُرفت هذه المؤسسة باسم تكية خاصيى سلطان أو العمارة العامرة(2©. 
ومن خلال وثيقة وقف هذه المؤسسة والمسجلة في سجلات محكمة القدس الشرعية» يتبين لنا أنْها مثّلت مجمعًا عمرانيًا ضخمّاء يقع 
في الحارة الإسلامية بالقرب من المسجد الأقصىء يضم مسجدًا وخانًا ورباطا ومدرسةً و55 غرفة لإقامة الصوفية» إضافة إلى مطبخ يقدم 
يوميًا وجبات للفقراء والمسافرين ومجاوري المسجد الأقصى» وفرن ينتج يوميًّا ألفَّي رغيف من الخبز. ومن أجل توفير النفقات على هذه 
المؤسسة قامت الواقفة روكسلانة بوقف 34 قرية ومزرعة لِيُصرف ريع إنتاجها للنفقة عليها!:"". 

تعد وثائق هذا الوقف التي بقي جزءٌ منه قائمًا حتى يومنا بالآلاف» وتنتشر في ثنايا سجلات محكمة القدس الشرعية ودوائر 
الأوقاف في القدس وإسطنبول وفي الأرشيفات العثمانية» إضافة إلى وجود وثائق تعلق بها ضمن الأحكام السلطانية الواردة في الدفاتر 
المهمة العثمانية0©. وكتبت العشرات من الكتب والدراسات حول هذه المؤسسة الوقفية الخيرية اعتمادًا على هذه الوثائق 9©: ولكن 
بحسب معرفتي لم تُستخدم وثائقها مصدرًا تاريخيًا للتأريخ لموضوعات غير وقفية» تتعلق بالقدس خاصة وفلسطين عامة» رغم أهميتها 
واعتبارها كنرًا معرفيًا للمؤرخ. 

تكشف لنا وثائق أوقاف هذه التكية عن خفايا الوجود العثماني الترى في القدس من ولاة وقضاة وإداريين لهذه المؤسسة, والعلاقة 
بين المركز "إسطنبول" والأطراف ممثلة بالقدس» وتكشف لنا عما تعرضت له مؤسسات القدس الوقفية من فساد إداري وسرقة ونهب, 
ومَن هم رؤوس الفسادء وكيف انعكس ذلك على الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المدينة المقدسة وموقف السلطة السياسية منهء 
وتكشف لنا أيضًا عن العلاقة الوثيقة بين الريف ممثّلا بسكان القرى الوقفية العاملين في عقارات التكية ومدينة القدسء وكذلك إنتاج 
هذه القرى من المحاصيل من حيث النوعية والكمية. وتبين لنا الشرائح والنسيج الاجتماعي في القدس» طوال أربعمئة عام من الوجود 
العثمانيء من خلال هوية العاملين في التكيّة والمنتفعين بها من فقراء وعابري سبيل وطلبة علم وأعيان. وتكشف لنا عن سياسات 
وتوجهات النظام السياسي والإداري العثماني والاستعماري تجاه هذه المؤسسة:؛ وكيف أنها لم تنعكس فقط على العلاقات المذهبية بين 
أبناء الديانات السماوية في القدس وأكنافهاء بل أيضًا على العلاقات السياسية بين مكوّنات المجتمع الفلسطيني من أصيل ودخيل. 
وأقصد هنا بالدخيل المهاجرين الصهاينة واستحواذهم على قرى وقفية تابعة لوقف خاصي سلطان. وتجدر الإشارة إلى أنّه كثيرًا ما تحُتب 
عن الحركة الصهيونية والاستيطان الصهيوني في فلسطين» او الانتداب البريطانيء أو تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية» ولكن لم يتم 
اعتماد هذه الوثائق مصادر لهذه الدراسات. 


وتكمن الإشكالية الثانية في صعوبة التعامل مع الوثائق الوقفية لتداخل موضوعاتها وصعوبة حصرهاء وتعدّد القضايا التى 
تتناولهاء ولعدم انتظامهاء وتواترهاء سواء من حيث الموضوعات التى تتناولها أو من حيث الفترة الزمنية والرقعة الجغرافية التى تغطيها. 
5 دعن أن أضول الوقفيات القديمة أو النست النقولة هتما غالتا ها تصعب قراءتها؛ لضعوية قات خطيا وضياع يفن كلماتها 


1 :07::1010)) نر 1[ء ]1 ©111/171117111/[ :1/1 10 01701712ع2 24 117711071 17 /[0 برولتاى 4 :1552-1615 012511116 ”1 011 1001111161115 011071071 ,116580 1م1011 21 
.2 ,ر(1960 رووع212 


2 حول تكية خاصى سلطان ينظر: 1ع 5108. 

3 سجل محكمة القدس الشرعية: رقم 270 (1557/964)» ص 27-18؛ 

0 111101111165 /0 106270717116111 176 /0 نرا 00114717 ©7177 ",1552 21357 طاود 0ع031آ 2تذألناك كاء1]1255 01 لعع0آ أطعحط15م0ل0صطط مث" ,مقطمعأادك 2مصموط .5.1 
.172-173 .6 ,(1944) 701.10 .20116511116 


24 ينظر مثلا: فاضل بيات (إعداد وترجمة): بلاد الشام فى الأحكام السلطانية الواردة فى دفاتر المهمة (عمان: الجامعة الآردنية؛ 2205 ص 143-142. 

5 ينظر: غسان محيبيش» "وقفية خاصئى سلطان 2 بيت المقدس: دراسة وتحليل", أطروحة دكتوراه» جامعة عين شمسء القاهرة. 2004؛ غسان محيبيش» "تكية 
خاصعي سلطان ودورها 2 القضاء على الفقر قْ مدينة القدس وتوفير الحياة الكريمة المستدامة للطبقات المحدمة والمهمشة محتمعًا". في: العصا [وآخرون] (محررون)ء 
ص 390-374. 


226 





0 1 
ندوة «أسطور»: المؤرخ العربي ومصادره لطع ل لدوة اسطور 
2 


بفعل الضرر الذى أصابها والإهمال الذى لحقها. وفي هذا السياق» أشير إلى وثائق أوقاف المغاربة في القدس وإشكالية استخدامها: 
تعود الوثيقة الأولى إلى عصر الملك الأفضل الأيوبي الذي أوقف المكان الذي شكل ما عُرف لاحقًا بحارة المغاربة» ومن أهمّ أوقافها 
وقف "أبو مدين" الأكثر شهرة وديمومة في المدينة المقدسة والذي أسّس عام 1320م69. ولاحقًا على هذه الأوقاف تمّ تأسيس عشرات 
الأوقاف الأخرى من طرف المغاربة أو لمصلحتهم في القدس. وقد أعيد تسجيل هذه الوقفيات في سجلات محكمة القدس الشرعية. 
ونظرًا إلى قدم هذه الأوقاف, فقد لا يخلو سجل من سجلات محكمة القدس الشرعية - 418 سجلا تغطي الفترة العثمانية» وكل سجل 
يتناول قضايا سنة كاملة - من حجج ووثائق تتناول أوقاف المغاربة سواء تلك المتعلقة بإجارة العقارات أو ترميمهاء أو تلك التى تتضمن 
كشوفات محاسبة لمداخيل ومصروفات هذه الأوقافء رغم أنّ المعروف منها لا يمثّل كل الموروث الوثائقي منها. كما توجد مئات من 
الوثائق المتعلقة ضمن وثائق الأوقاف المحفوظة في أرشيف مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون 
النفية قلطي 1ت قاذ عن تلك الموجودة في أرشيفات عربية وأجنبية أخرى. وتكمن أهمية هذه الوثائق في كشف طبيعة الوجود 
المغاربي في القدس خاصة وفلسطين عامة» وما يعكسه هذا الوجود من ارتباط وثيق بين المغاربة وفلسطين منذ عام 1187م؛ تاريخ حرب 
التحرير التي قادها صلاح الدين الأيوبي» حتى تاريخ كتابة هذه السطورء وذلك نظرًا إلى أن الوجود المغاربي في القدس بفضل هذه 
الأوقاف - وهذا ما تكشف عنه وثائقها - شكل جروًا أساسهًا من مكوّنات المذيئة المقدسة طويوغرافيًا يوجود حارة ملاصقة 11 2) 
الأقص تقع في الجهة الجنوبية من المدينة العتيقة» ومكوّنًا اجتماعيًا رئيسًا لا يمكن تجاهله عند الكتابة حول أي إشكالية من إشكاليات 
المجتمع المحلي والتاريخ الاجتماعي والاقتصادي والحضاري بشقيه الروحي والمادي وأيضًا السياسي للقدس. ومنذ الاحتلال البريطاني 
لفلسطين عام 1917: أصبحت عقارات هذه الأوقاف. خاصة قرية عين كارم» جزءًا من المسألة الفلسطينية نتيجة للأطماع الصهيونية 
فيها. وبعد تشكل دولة الاحتلال الصهيوني عام 1948: أصبحت محورًا رئيسًا في العلاقات الدولية وفي السياسات الخارجية لبعض 
الدول خاصة فرنسا والجزائر وتونس والمغرب!0*. 

تتحكم هذه الصعوبات التي يواجهها الباحثء في التعامل مع وثائق الوقف, في المنهجية التي يتعامل بها مع مضمونهاء والأسلوب 
الذي ينتتهجه معها الذي غالبًا ما يحدّده منهج الباحث وإمكاناته ونوعية موضوعه. لذا فإن معظم الدراسات التي اعتمدت على الوثائق 
الوقفية تعاملت معها على نحو سطحي ووصفي وتتناول القضايا الوقفية فقط. 

وأخيرّاء رغم هذه الإشكاليات؛ تفتح الوثائق الوقفية أمام الباحث آفاقًا رحبة تمكنه من تجديد نظرته وفهمه لمعطيات الحياة 
اليومية للمجتمعات المحلية موضوع الدراسة» وتحديد حكمه على التطورات التي تميّز بها التاريخ المحلي لهذه المجتمعات. وبهذا تظل 
هذه الوثائق تمثّل الإطار الأمثل والأوسع لإعادة تجديد معرفتنا التاريخية من منظور علمي أكاديمي يستكمل ويُصصّح ويعدّل ما 
كُتب إلى الآن عن تاريخ المدن العربية والإسلامية عامة والقدس خاصة. فهي تُعتبر المصدر الأمثل لرسم صورة واقعية تجسمد الوجود 
الحضارىيء والانتعاش أو الانكماش الاقتصادىء والازدهار أو التراجع الثقافي, والتماسك والتناغم أو التفكك الاجتماعي. وهذا من 
شأنه المساهمة في إعادة كتابة تاريخنا العرى في حقبه المختلفة» خاصة الحديثة والمعاصرة» اعتمادًا على مصادر جديدة تمتاز بالتنوع 


6 وثيقة وقف أبو مدين: سجل محكمة القدس الشرعية» رقم 194 (1577)» ص 364. 

7 2قام الباحث اعد العلمى بجمع عشرات الوثائق المتعلقة بأوقاف المغارية قِ القدس ونشرها قِ كتاب من 320 صفحة وهي تشكل جزءًا من تلك المسجلة قِ سحالات 

محكمة القدس الشرعية» وغل : أحمد العلمي وقفيات المغارية [القدس: دائرة الأوقاف العامة 1981). 

8 من بين ملفاتها: وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية (أبو ديس)ء أرشيف مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية. ملف رقم 13/42/6.7/3/70؛ ورقم 

1 

5 1 1011( 471711110176 ,1952-1962 16111531612 3 615 ت1تاع 1123 7007/5 25ع1 5ع0 01005 3 2ع11اغ1320-15102] عتناء[أطعاطمك عط" ,51001 18310153 29 
.25-5 .60 ,(2017/2018) 1701.9 ,زه !1:51 ل/[-عزة لا أل 7115116 ) 


7 





2 


العدد 12 


م 
بطل تموز / يوليو 2020 
1م 
حلم 


0910101 


ددا 


والصدقية لم تُكتب في الأساس بوصفها مصدرًا تاريخيّاء ولم تتناقلها الأجيال مشافهة كالرواية الشفوية» ولا تتضمن آراءً ووجهات نظر 
وأحكامًا نابعة عن ميول واتجاهات دينية وأيديولوجية أو عاطفية كالمذكرات والسير الذاتية وكتب التراجم وأدب الرحالة والصحافة, 
ولا تعبّر عن توجهات سياسية وفق رؤى أصحاب القرار السياسي كالوثائق الرسمية. ويمكننا ذلك من استخدامها في كتابة التاريخ على 
نطاق واسع وبمختلف موضوعاته» أي الماكرو - تاريخ» وليس اقتصار استخدامها على نطاق ضيّق مركز "الميكرو - تاريخ" في التأريخ 
لقضايا الوقف وأحكامه وتطبيقاته. 


228 


ندوة «أسطور»: المؤرخ العربي ومصادره 5 طور لدوة أسطور 
--- 


المراجع 
العربية 


. أبشرلي: محمد ومحمد داود التميمي (تحقيق وتقديم). أوقاف وأملاك المسلمين في فلسطين في ألوية غزة» القدسء الشريف. 
صفدء نابلس: عجلون حسب الدفتر رقم 522 من دفاتر التحرير العثمانية المدونة في القرن العاشر الهجري. إسطنبول: مركز 
الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية: 1982. 

. الأرناؤوط: محمد. الوقف فى العالم الإسلامى ما بين الماضى والحاضر. بيروت: جداول للنشر والتوزيع» 2011. 


٠البخيت:‏ محمد عدنان (محرر). الأوقاف فى بلاد الشام منذ الفتح العربي الإسلامى إلى نهاية الفرن العشرين: المؤتمر الدولى 
السابع لتاريخ بلاد الشام» 21-17 شعبان 1427 ه/ 14-10 أيلول 6 . عمان: الحامعة الارونية 9. 


. بنعلةء مصطفى. تاريخ الأوقاف الإسلامية بالمغرب في عصر السعديين من خلال حوالات تارودانت وفاس. الرباط: وزارة 
الأوقاف. 7. 


٠‏ بوداودء عبيد. الوقف فى المغرب الإسلامى ودوره فى الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. الجزائر: مكتبة الرشاد للطباعة 
والنشرء 2011. 


٠‏ بوراسء» عيسى. توثيق الوقف العقاري في الفقه الإسلامي والقانون الجزائري: وقف سيدي بنور نموذج تطبيقي. الجزائر: 
جمعية التراث» 2012. 


٠‏ بوغفالة: ودان. التاريخ الاقتصادي والاجتماعى لمدينتى المدية ومليانة فى العهد العثماني: دراسة من خلال وثائق الأوقاف. 
سيدي بلعباس: مكتبة الرشاد للطباعة والنشر والتوزيع» 2013. 


.2005 بيات» فاضل (إعداد وترجمة). بلاد الشام فى الأحكام السلطانية الواردة فى دفاتر المهمة. عمان: الجامعة الأردنية»‎ ٠ 

.1998 جبارة» تيسير. تاريخ فلسطين. عمان: دار الشروق»‎ ٠. 

. الجبوري» أحمد حسين. القدس ف العهد العثماني 1799-1640: دراسة سياسية عسكرية إدارية اقتصادية اجتماعية ثقافية. 
عمان: دار الحامد للنشر والتوزيع» 2011. 


. الجعبة» نظمى. القدس ف الكتابات التاريخية الإسرائيلية. الرباط: وكالة بيت مال القدس الشريفء 2019. 


دو شاتوبريان» فرانسوا رونيه. الطريق من باريس إلى القدس. ترجمة مي عبد الكريم محمود. دمشق: دار المدى للثقافة 
والنشرء 2008. 

ف مرووع وم "١‏ لوقاف الإسلامية في حارة النصارى في القدس والتحول إلى ملكية مسيحية خلال القرن التاسع عشر". المجلة 
التاريخية العربية للدراسات العثمانية. السنة 21 العددان 42-41 (كانون الأول/ ديسمبر 2010). 


. "دور الأوقاف الإسلامية في التنمية العمرانية في القدس". مجلة حوليات القدس . العدد 14 (خريف - شتاء 2012). 


.2018 سطيح:ء عبد القادر. القدس العثمانية 1757-1700: دراسة فى التطورات الإدارية. ريغا: نور للنشرء‎ ٠ 


229 


ماله 


العدد 12 


بطل تموز / يوليو 2020 
حلم 


0910101 


ع 


٠‏ سعيدونى» ناصر الدين. "وثائق الأوقاف بالأرشيف الجزائرى وإمكانية استغلالها فى التاريخ الاقتصادى والاجتماعى للجزائر". المجلة 
التاريخية المغاربية. السنة 26: العددان 94-93 (أيار/ 1 و199). | ٠ ٠‏ 

. الشناق» محمود. الععلاقات بين العرب واليهود في فلسطين 1914-1876. حلحول: مطبعة بابل الفنية» 2005. 

. صبيحيء عبد الرزاق. الحماية المدنية الأوقاف العامة بالمغرب. الرباط: وزارة الأؤقاف. 2009. 

. الصلاحات: سامي. الوقف بين الأصالة والمعاصرة: دراسة متخصصة في رصيد العمل الوقفي المؤسسي. بيروت: الدار العربية 
للعلوم ناشرون» 2014. 

. العارفء. عارف. المفصل ني تاريخ القدس. ط 3. القدس: مكتبة الاندلس: 2. 

٠‏ عبد التواب» وليد رمضان. الوقف شرعًا وقانونًا. ط 2. القاهرة: دار شادى للموسوعات القانونية, و200. 

.1981 العسلء كامل جميل. معاهد العلم في بيت المقدس. عمان: جمعية عمال المطابع الوطنيةء‎ ٠. 

. وثائق مقدسية تاريخية. عمان: الجامعة الأردنية» 1983. 

٠‏ العصاء عزيز [وآخرون] (محررون). وقائع المؤتمر الأكاديمي الرابع: الوقف الإسلامي في القدس. القدس: الهيئة الإسلامية 
العلياء 2018. 





. العلميء أحمد. وقفيات المغاربة. القدس: دائرة الأوقاف العامة؛ 1981. 

.2015 غانم» إبراهيم البيومي. الأوقاف والمجتمع والسياسة في مصر. القاهرة: مدارات للأبحاث والنشرء‎ ٠ 

٠‏ كوهين؛ أمنون (محرر). القدس: دراسات في تاريخ المدينة. ترجمة سلمان مصالحة. مراجعة الترجمة إسحاق حسون. القدس: ياد 
يتسحاق بن تسفي» 1990. 


٠‏ محمدء ركريا وآخرون (محررون). أوراق عائلية: دراسات فى التاريخ الاجتماعى المعاصر لفلسطين. مراجعة صالح عبد الحواد. 
ط 2. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية» 2011. 


.2004 محيبيش» غسان. "وقفية خاصكي سلطان في بيت المقدس: دراسة وتحليل". أطروحة دكتوراه. جامعة عين شمس . القاهرة»‎ ٠ 
.2011 المدنيء زياد. أوقاف القدس في القرن الثامن عشر الميلادي. عمان: وزارة الثقافة»‎ . 
.2018 .أوقاف القدس في القرن السابع عشر الميلادي. عمان: وزارة الثقافة,‎ 
.2003 مناع» عادل. تاريخ فلسطين فى أواخر العهد العثماني 1918-1700. ط 2. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية»‎ ٠ 
.2005 المهتديء عبلة. أوقاف القدس في زمن الانتداب البريطاني. عمان: دار مجدلاوي للنشر والتوزيع»‎ . 
.1990 يزنك قاسم. التاريخ ومنهج البحث التاريخي. بيروت: دار الفكر اللبناني»‎ ٠ 
الوثائق‎ 
سجلات محكمة القدس الشرعية العثمانية:‎ . 
.1806 السجل رقم رقم 288: 15 جمادى الأولى 31/1221 تموز‎ ٠ 


.1810 السجل رقم 294» 3 شعبان 3/1225 أيلول‎ ٠ 


230 


0 1 
ندوة «أسطور»: المؤرخ العربي ومصادره لطع ل لدوة اسطور 
2 


.)1561/970( 44 السجل رقم‎ ٠ 

.)1577( 194 السجل رقم‎ ٠. 

٠السجل‏ رقم 270 (1557/964). 

٠‏ وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية (أبو ديس). وثائق الأوقاف المحفوظة فى مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية. 
ملف رقم 13/42/6.7/3/70؛ ملف رقم 3/4.7/331/13؛ ملف رقم 00 

الأجنبية 


:671011 .(دهاء 516 1112 !| ع[ - 1[ 2) 01101110716 :نزي 1 02 117504171 ©:1/151017 0 17117001161101 .12مخصذ نتتدواظ اعلطخط ٠.‏ 


2 ,0011621316 112131116آ1 


[محاءع 8 علقطج[ هلآ تحاع د كنتاء ل .نز 1ن) 0010 ©1717 :1701.1 ,نول الرعن) [اتزع 71711 ©1771 1711 012111 2715ل .32تالأوملاعلآ بطاع صخ -وعظ ٠.‏ 
125111116 
بطع علقططاج1[ 00لا نجع 1ه كنتاع ل .نراقن مدص( 17 [0 © 1771675271 :2 .1701 ,نوتلة 1 تعر «[1ترعء 117:1 ©1[1 111 016111 كلا "[عل . 
.989 ,11511116 75071 


1101 1711© 0110111071165 كك 0لا1ة 025 :77611752117 50100117111 7١0227001716‏ :11715101 .(.011) عمغ01100 ,0111218اع8011 ٠.‏ 
5611 آث ,71356313 ع0 01715116ل] ,115011011 أء عنان1ع5061010 وعطء1عاءع] وعل 1260121011 جحل كمه 1ندء1[طناظ :وتوء1/135 


2014. 


01 ع35) عط]: :زوعع م2101 1052تز5ك ع1 12 726105 1طدع01ع11 5131117 1طتمصلظ /نه!! نوحطم" .3201كآ ,لطعط[1ناوء2آ] ٠‏ 


.(1992) 5-6 .7701 .51110165 21101110171) :01/ نلك آنك 12 /1115101:120 470 ".1031135115 


ع0 315ج122آ ناتا105 :5ةحطة([ .10-20/1110112ع50 0110017م ع0 01/1111 ©1077111011كآ ععمودء'! كدتهل [0ه!! عا .(.0ه) . 


1023135, 5. 


© عللاء 717ل :1160112770716 117© (01007) ك71©115©5 01100110115/ ك1 .(.05ع) 219ع11 0 1تمتقطاعلطم عك 3201] ,معط ل ابيوء2] ٠‏ 


4 رأأع:1017 1ل 91ل0'تتث 5ع0 110116اناآ 1001101 2[ :1ع017] .7011017 ©0 عدلاء 1717© ,5001616 


:ل).0آ[ ملاماعمتطاعة!11 .51212 اكانلاعل ©1717 0110 171001111161115 12112910115 10512111[ :157021 0110 15/107171 .1اع1/1113 01112061[ ٠‏ 
+4 ,51101165 231651126 101 لتاقم[ 


1101 0611105 1511/1121171 ".1611531612 3 5ع مط ده5 أء 21-0268012 500 ع1 تتتاد 2015 01110115" .1ع ناما ,001110 ٠.‏ 


17701. 20 )1967(. 


".22001611 0011م1'6 3 وع161ع100 وعاع 51016 201171165 وع1 أء ©1111 11121516 12 ع0 220115 دوع ل1ع1 وع .1" .1131210ع0طق هتمع اط ٠‏ 


(1996) 79-80 .20 . ل/ اال 1) 120116770116[ | 0 1© 71111511/171110115 7111011065 065 عنانا ع1 


:5 .34 .1701 .كعاء 510 1-116[ :1110067712 16700116 0 117115 0 50210165 517016165 61 270211616 . 


.9 ,1 115 15116ءع117ملا 


+ 1/72 10 4201701712 117711071 ©1/77 /[0 ترملتاى 4 1552-1615 120125117116 011 1001111161115 01101110711 .1161لا ,112590 ٠‏ 
.60 ,21655 013120011 :071010 .16/171 


بللكاظا :ماعلتاع .[ .كع 1ه | كل 2110111011 1711 07071100711 لظ -أه 7[ !1 ::201111111171110) 47110 1211/1215 ,17001101111115 .1/1113 جتعاءدء 110 ٠.‏ 
.1958 


2131 


العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


77 |[ . 21710110115 17110 41151 20/10111) 0110 0521710110115 1 12211210115 :012111 كلا 7ل /[0 15 1207:17:04 111706011 .1553110 ,8135531 ٠‏ 


.6 رووع21 1111 كلظ املا 


115111 :5ةططهة(آ[ .011011715 ك5[وهناا 06 ت0216 17015 07765' ل عاء516 11[ 1ل 771 10 0 10071145 .اتلة2-موعل ,لهنتاءعكة2 ٠‏ 


.13 10312235 06[ 131+2315'آ1 


16000116 3 0311 تله أء مع[اخث 3 116315 ععوموع'! عل 1526105نوع1'01 أء 72015 5ل طولع 5عآ" .01خ ,000ج35] ٠‏ 


.(1979) 31 .20 .0112111415 كك لنناط 'ل :1111 ا ".وعاع516 ع221711-ع21/1 
.6 ,355') كعلمطة 1[ :001 طم .رآ .07:0012// 271115 1111027 012111 كلا عل 177 171001111167115 ©107111ك[ .علق طاجاالا متعطااع ]1 ٠.‏ 


,118" تاأعتا8ا عك حاأعقطع]/! :متااع8 .9551116711 دكبه1)2 /مء27111) ل :1830-1841 ©01251171 12 111 ©1111[ 011 11ونروط ©7177 .2160 ,كوك ٠‏ 


2004. 


:5 .01115 1105 0 ©09 111010271 011 15لا[ 5ء! 1© 15 17:011/© ك2 | 2/722 110075 115©5 ©7716 01100110115/ كج[ .(.0ع) عطاطود ,591163 ٠‏ 


.6 باع لتطاناء 0 
,5610165 عطتأةء221 101 عأتتا1]05 :0)(آ ,ناماع متطمهة!11 .1856-1882 170715/01711011011 177 2015171716 اع ططوءهء اخ ,حا ء1مطءعه ٠.‏ 


15157 تكلطانا :011لا تع ا[ . 171ك 1ه كلا 7عل 111 1112/1211 5010 /1711727:10 4171 : ©11©/12©112© 183 2110111011 201151711117119 .1057ل 511051 ٠‏ 


2 رؤووع21 011لا تت ا[ 01 


أدء 17151071 طهك ".عاء516 عدطغ 511 لله طاع له كنةة[ 3 7100/5 5125 5ع0 115736536105م 12 أء 5ع115[ 5ع[" .153/طا ,51001 ٠‏ 


.(2008 تناع طماععع(1[) 37-38 .20 .51110125 110111071) :01/ نلك آنه 1 


0 7007/5 512115 065 77:0211616 ©0 510211115 0©5 17:0715/01711011011 10 ©10 .111011161116111 11© 5 كل1 212[ 101100110115 . 


.2010 ,لظ /ا؟]] :ععمء2017-مع- علخ :20 "11 خمع011)-عطء210 جحل 15دجمة1[] ختطتاخم] تختصاع8 . (12دو1858-1) 0121711 كلا 67ل 


© 11116 :(1831-1841) 611531[ ع 12115111122165 5ع 777لطع1 5ع 120120011161 11616م10م بآ" . 
(2017) 15 .20 .07!0!! 4711| كا 1176 0710 أكمط 1/1001 01/11 110111171 [0 /0111710ل 274117114 ".01131101م5 15 أء 


".1952-1962 1611531612 3 كطاحاغتاع 27232 700/5 25ء51 5ع0 0205آ1م 3 2ع11 1320-1510 عتلاء أمعاممه عن[آ" . 


.(2017/2018) 9 .7701 . 1 /1 1:52 ل/![ -12 ل" ل 271112175116 ) 1211210115 1© 101011 417171114176 


© /0 رر :0110717 ©7176 ".1552 71357 لاود 0ع021آ هناك كاء11355 01 لعع10 21ع 8070017 مث" .32223 .51 ,ممامعاك ٠‏ 
.([1944) 1701.10 .211511712 111 4711101111165 [0 707:17116111 16 


011 11677 /ل00 2م[ .عع11ع27:0 0110 :1717101 11170/11510117 15 1177041 .5012ونتامع 713 تتتتلناك1ك عكى .71 منوككأذ1 ,527119110 ٠‏ 
ر56 110111160 


,11131 ع115]011 501 ,102085130111 52 :011012121 ع11ن0م1"8 3 عمطمع او اصتط م7111 عجم1ك" .112قطاع لاخ 1011112/ط ,متامطء32 1 ٠‏ 


.8 مرو1"1906 -ع2-210761ع-17م .1116ع1315/-<1م4 1111516ل] .1015561136102 .للطط ".1772015 5ع5 أء 1011لطامطمءة ,501016 


15 111 تعع 270211 110 101711 0 010110111157111[ أكعا ©1177 7:0111 11207 ©1717 /0 ترملاآاى ©20711207:2111) .(.0ع) 11112/طا ,1018 ٠‏ 


.18 ,وكلطتا8 1010 :70كل10' .100114110115 1011111141 0110 


٠ ١/ءامقاعتام,‎ 011165 وع1ء4 :1671175 5011 1© 102711770116[ ©! :501/177107 .(.0ع)‎ [(1١١ 20110011 عل‎ 207:5, 0 11:15 ١4110111125 [1 


,13112156 "1 001112611181101[ هآ :23115 .90و19 كتهلرا! 7-10 ,كأواس2 071110 


2 


المؤرخ العربي ومصادره 1 لد ة أسطو 
رخ العربي ومصادر ا 0/5 9 ل 
سس 


التآريخ للمهحمشين في فلسطين منذ الحكم العثماني 
إلى النكية وما يعدها 
ع 1010 :عمتاذء221 16 0ع23117طلع1131 عطا 01 كاماقتط عط 1 
لممتاع8 لطتة كناك عطا 10 ع1ابكا متقمطام ا 


ظلت فلسطين جزءًا لا يتجزاً من الدولة العثمانية (آخر الإمبراطوريات الإسلامية) حتى الحرب العالمية الأولى» ولم تصبح وحدةً إدارية 
وسياسية واحدة» منفصلة عما حولها من البلدان العربية» إلا تحت حكم الانتداب البريطاني وسيطرته» أما قبل ذلك» فكانت مقسمة إلى 
ألوية (سناجق) تتبع إداريًا لولايات بلاد الشام (دمشق وصيدا) ؛ لذا يصعب التأريخ لفلسطين وشعبها في العهد العثماني منفصلة ومستقلة عن 
بقية المناطق المجاورة لها. لكن الرواية التاريخية القومية التي كتبت خلال القرن العشرين قفزت على ذلك الواقع» في سبيل تمكين جذور 
الهوية الوطنية» ولمقارعة الروايات الاستشراقية والصهيونية التي أنكرت وجود الشعب الفلسطيني وحقوقه في وطنه. 


ساهم التقسيم الإداري للبلاد إلى خمسة ألوية إدارية» في أواخر العهد العثماني» إلى إنتاج تاريخ محلي لتلك المناطق» أو لعواصمها 
الإدارية وحكامها©». فلما صارت عكا عاصمةً لشمال فلسطينء إبان حكم ظاهر العمرء منذ عام 1750» كتب مؤرخون محليون تاريسَا 
لهذه المدينة وحكامها!©, فحكم الزيادنة في فلسطين مثل حكم فخر الدين المعني (1635-1572) قبلهم في جبل لبنان» وولاة آل العظم في 
أنحاء بلاد الشام» كان ظاهرة تستحق اهتمام المؤرخين المعاصرين واللاحقين. واستمر ذلك التقليد في كتابة تاريخ ولاة عكاء أيام حكم 
أحمد باشا الجزار (1804-1775)» وسليمان باشا العادل (0)1819-1804)؛ فقد أدى حكام عكا آنذاك أدوارًا سياسية وعسكرية مهمة: 
فضالا عن الدور الاقتصادي المرتبط بزراعة القطنء وصل أوجَه في وقف زحف نابليون بونابرت أمام أسوارها عام وو17. وصار ازدهار 
عدا رحباي العرن الثامن عثير امود ا لنمو مدن الموانئ الأخرى على شواطئ بلاد الشام» مثل: بيروت وطرابلس في لبنان» وحيفا 
ويافا في فلسطين. لكن هذا النموذج أهمل وهْمَش في الروايات التي ركزت على دور أوروبا في حداثة المنطقة منذ القرن التاسع عشر. 


وفى أعقاب ازدياد دور عائلات العلماء والأعيان المحليين فى حكم البلاد وإدارتهاء منذ القرن الثامن عشرء برز مدونون محليول 
اهتموا يذه الظاهرة ووثقوها!". كذلك نشأ قِ نابلس المؤرخ إحسان النمر (1985-1905) الذى اهتم بتاريخ المدينة (وجبلها). ودور 


1 مؤرخ فلسطيني. 

12011 متأم نغادء|وهم 
2 للاستزادة ينظر: عبد العزيز عوضء الإدارة العثمانية فى ولاية سورية: 1914-1864 [القاهرة: دار المعارف» 969)). 
3 ميخائيل الصباغء» تاريخ الشيخ ظاهر العمر الزيداني حاكم عكا وبالاد صفد [حريصاء لناخ؛ [سدف ]ء إفد كه ]اء وقد اعتمد توفيق معمر (المحامى) كتاب الصباغ 
وغيره من الكتب والمخطوطات والروايات الشفوية في تأليف كتابه عن ظاهر العمر» وصدر في الناصرة من مطبعة الحكيم عام 1979. 
4 حيدر أحمد الشهايء تاريخ أحمد باشا الجزار (بيروت: مكتبة أنطوان» 1955)؛ إبراهيم العورة» تاريخ سليمان باشا العادل: يشتمل على تاريخ فلسطين ولبنان 
ومدنه وبلاد العلويين والشام» نشره وعلق عليه والحقه بعدة سندات قسطنطين الباش (صيدا: مطبعة دير المخلص» 6). 


0 ثم حققه في عمان سلامة صالح النعيمات عام 1985. 


2353 





20 


العدد 12 


م 
بطل تموز / يوليو 2020 
1م 
لم 


0910101 


ددا 


عائلاتها الحاكمة في العهد العثماني/". والشىء ذاته يقال عن مؤْرخ القدسء عارف العارف (1973-1891): الذي أتخها وغيرها من 
المدن الفلسطينية, إضافة إلى الشيخ عثمان الطباع (1950-1882) الذي كتب تاريخ لغزة وأعيانها البارزين منذ العهد العثماني©. 
5 ساذج لأبرز الكتابات التاروخية المحلية» وليست جردًا شاملا لها. وقد صارت كثابات الجيل الأول مضادر مهمة لمؤرخى القرن 
العشرين» حين انبروا لكتابة تاريخ فلسطين في العصر الحديث؛ فالهُوية الوطنية لم تأتِ من فراغ» وإذما من مجموع الهويات المحلية 
السابقة للقومية التي سادت أواخر العهد العثماني. 

لقد غلب على معظم أعمال المؤرخين الذين عاشوا في العهد العثماني» أو عاصروا أواخر ذلك العهدء الاهتمام بالتاريخ السياسي 
كام والنخخب الحضرية من العلماء والأعيان» وغاب عن تلك الكتابات دور الفئات الشعبية؛ من عمال وفلاحين وتجار وحرفيين: 
في الريف والمدينة. ولم يبدأ الاهتمام بتاريخ تلك الفئات التي تؤلّف الأغلبية الساحقة من السكانء إلا حين نما الاهتمام بالتاريخ 
الاجتماعي والاقتصادي بين مؤرخي فلسطينء في النصف الثاني للقرن العشرين. وقد ساهم تهميش أخبار فئات واسعة من أهالي 
فلسطين مدةً طويلة في التعتيم على دورهم في تاريخ وطنهم» ثم كان لاستبدال حكم عثماني "بغيض " باحتلال بريطاني منحاز إلى دعم 
المشروع الصهيوني في إقامة دولة لليهود أثرٌ كبيرٌ في الرواية التاريخية العربية. 


بدأ الصراع على فلسطين ومستقبلها في المخيال الأوروبي بتجنيد السماءء لإعادة صوغ تاريخهاء قبل أن يكون مشروعًا عمليًا 
لاحتلال أرضها؛ ففى أعقاب الحملة الفرنسية على مصر وفلسطين (1801-1798) اشتد الصراع بين الدول الأوروبية في الشرق الأوسطء 
وصار لفلسطين نصيبٌ عالٍ من محاولات أوروبا مدّ نفوذها في المنطقة, بحجة حماية الأقليات (غير المسلمة) وأماكنهم المقدسة. وكان 
الأوروبيون أول من كتب تاريخ البلادء في معركة تنافسهم على وراثة أرض الحكاية التوراتية التي كتبوهاء ثم تلاهم زعماء الحركة 
الصهيونية في نشر روايتهم عن "أرض الميعاد" التي تنتظر عودة أولادها اليهود. وهكذاء وُضعت الأسس الأيديولوجية والدينية للتعاون 
بين الاستعمار البريطاني والحركة الصهيونية» قبل ان يتبلور التعاون السياسي المتمثل في وعد بلفور. 

لم تتفق الدول العظمىء حتى أواخر العهد العثماني؛ على كيفية اقتسام المشرق العربي» فاختارت ما سُمي "التنافس السلمي". 
وبدلا من الاحتلال العسكري المباشرء عززت الدول الأوروبية نفوذها بإقامة جمعيات وإرساليات تبشيرية» ومؤسسات تعليمية 
وصحية» ثم بسط قناصل تلك الدول حمايتهم على الأقليات اليهودية والمسيحية للهدف نفسه. وكان المؤرخ ألكسندر شولش 
طعامطء5 تعلصهعءء1ى (1943- ) قد اطلقه في كتابه» مصطلح "الحرب الصليبية السلمية" على أوجه ذلك النشاط الأوروبي في القرن 
التاسع عشر©). لكن الهدف النهائي لتلك "الحرب الناعمة" لم يختلف عن أهداف الاستعمار الأوروبي خلال القرون السابقة» ألا وهو 
السيطرة على المنطقة» والتحكم في سكانها ومواردها الطبيعية. وتجدر الإشارة إلى أن شولش أثبت في كتابه حقيقة أن "التحولات 
الجذرية" في فلسطين قد بدأت خلال فترة التنظيمات العثمانية (1876-1856)» قبيل بداية الاستيطان الصهيوني. 


لقد رافق التغلغل الأوروبي في فلسطين (الأماكن المقدسة) نشر سردية تاريخيةء تتكئ على الأساطير التوراتية» وأبحاث ميدانية 
حاولت إثبات صحة تلك السردية. وتعزّر ذلك التوجه في التأريخ التوراتي لفلسطين بأدب الرحالة الأوروبيين» ولا سيما البروتستانت الذين 


6 إحسان النمرء تاريخ جبل نابلس والبلقاء (4 أجزاء)ء ج 1 (دمشق: مطبعة ابن زيدون» 1937). 

7 عارف العارفء المفصل ف تاريخ الفدس [القدس: مطابع دار الأيتام الإسلامية: 1961). وقفبل ذلك أضدر كتابه تاريخ بئر السبع وقبائلها عام 1934» وتاريخ غزة 
عام 1943. 

8 عثمان مصطفى الطباع» إتحاف الأعزة فى تاريخ غزة (4 مجلدات)» تحقيق عبد اللطيف ري أبو هاشم (غزة: مكتبة اليازجى: و199). وقد ظل هذا الكتاب مخطوطا 
أكثر من نصف قرن بعد إنجازه» واستفاد منه كثيرون» منهم عارف العارف في كتابه تاريخ غزة. 

9 ألكسندر شولشء تحولات جذرية في فلسطين: 1882-1856: دراسات حول التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسيء ترجمة كامل جميل العسلي (عمان: 
الجامعة الاردنية» 8). 


234 





المؤرخ العربي ومصادره 1 لد ة أسطو 
رخ العربي ومصادر أ 5ل 9 ل 
سطس 


تبنوا الرواية نفسهاء وأضافوا إليها دعمهم لعودة اليهود إلى "أرض الأجداد", لأغراض مسيانية تتعلق بعودة المسيح المنتظر. كذلك 
نشظت "صناذيق: اكتشاف"..سعى تاشظوها لنشر أبحاث تعزر السردية التوراتية59..وهكذاء وُضعت الأسسن الأورونية الا لطا 
لتأريخ فلسطين» قبيل نشوء الحركة الصهيونية أواخر القرن التاسع عشرء ثم جاءت الكتابات الصهيونية منذ أواخر ذلك القرن» لتضيف 
إلى تلك الرواية أساطير "الوعد الإلهي" لليهودء وحقهم "التاريخي" في العودة بعد ألفي عام إلى "أرض الآباء والأجداد". وعنيت هذه 
الرواية بدور الاستيطان الصهيوني المهم في إنعاش الاقتصاد» وإحياء البلاد من الركود الذي خيّم عليها قرونًا مديدة. 


أما أهل فلسطينء ولا سيما المسلمون منهم» فقد جرى تجاهلهم» وَهْمَش وجودهم ودورهم في تاريخ بلادهمء فساهم هذا 
التتهميش في الوجدان الأوروبي الاستعماري: والصهيوني الإحلاي» في نشر مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". فضلا عن أن 
أغلبية العرب ساهمت في تغييب نفسها عن التاريخ» حين تبنّت الرواية الاستشراقية واماركسية عن الاستبداد الشرقي و"الحكم التري". 
وما نشأت الحركات القومية العربية عشية الحرب العالمية الأولء» تبّى روادها كيرا من مركبات السردية الأوروبية الصهيونية. 07 
غير قصد". فدحض العرب للروايات الاستشراقية والصهيونية لم يُنتجء في البداية» سردية بديلةَ تؤكد حقوق السكان الأصليين في 
وطنهمء لتواجه الهجمة الاستعمارية» ومشروع الاستيطان الكولونيالي الذي تبئّته الصهيونية؛ فالرواية التاريخية العربية المعادية لحكم 
'التراك " خلال أربعة قرون غيبت دور الفلسطينيين عن تاريخهمء بما في ذلك القدر الكبير من الحكم الذاتي» ومشاركة نخبهم في حكم 
وطنهم وإدارته تحت المظلة العثمانية22. 


ذكرنا آنقًا أن المستشرقين كانوا أول من أَرَخ للمنطقة العربية» بما فيها فلسطينء: خلال سنوات أواخر الحكم العثماني. واتكأت 
السردية الصهيونية على كتب المستشرقين ومصادرهمء لإثبات علاقة اليهود التاريخية والمستمرة بالبلاد. وعْتّم دور أهل فلسطين 
في تاريخهم» فجاءت معظم الأبحاث عن موضوعات تتعلق بالحكم والإدارة» بدلا من واقع حال السكان وتاريخهمء إضافة إلى أن 
ثنائية التحديثء مقابل المجتمع التقليدي» سلطت الأضواء على دور الأوروبيين في نهضة المشرقء ومكانة الأقليات والنخب المغتربة في 
التحديث والتغييرء وبقيت عامة الشعب خارج مجال الضوءء مهمّشة وشفافة» في أغلبية الأبحاث التي كتبها المستشرقون والصهاينة 
عن "الأراضي المقدسة" في العصر الحديث©. وهكذاء سشيطر على تاريخ فلسطين وذاكرتها قبل أن تبدأ الصهميونية» عمليّاء مشروعيها 
الاستيطاني الكولونيالي. وكان إدوارد سعيد (2003-1935) أول من "فضح" العلاقة المتينة (والخفية في الوقت نفسه) بين الاستعمار 
الأوروي وسيطرته على كتابة تاريخ الشعوب المستعمّرة في كتابه الاستشراق4". 


أولا: مرجعيات المؤرخ ومصادره 


من المعروف أن هوية الباحث ذات أثر كبير في الرواية التاريخية التي يكتبهاء ولا سيما حينما يتعلق الأمر بتاريخ شعبه» والصراعات 
التي يخوضها مع شعوب أخرى؛ فالتاريخ القومي مزين بالأساطير والبطولات التي لا بد منهاء لبلورة هوية وحكاية يلتف حولها الناس» 


60 للاستزادة», ينظر: ماهر الشريف وعصام نصارء تاريخ الفلسطينيين وحركتهم الوطنية [بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية, 2018): ص 85-79. 
2 .10 ,21 .701 ,ك 5111016 211511116 /[0 70117710/1 ",111510157 1010 قطة1طتأةء221 777128 :عمتاذعء221 لطنهحطم]0) ع طالاء 10156017" 0010321[ متقطوع8 11 
5-2 .2 و(1992 1171011) 


1510.7 12 
عادل مناعء تاريخ فلسطين ف أواخر العهد العثماني: 1918-1700 [بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية. وو19): ص 279-278. 
3 من النماذج البارزة لمثل هذه الأبحاث كتابات يهوشوع بن أريه» ومنها: 
377 1ع - ووع21 قكتامع 3/ا عط 1" 011لا 11877 لطاع لدكتحةة [) نوبل1رء) [اترعء 711:1 17 17 دتما ترامط 176 /[0 نء 1201501 ©7176 رطاعتتذث تاعظ تتتطاوملاءعلا 
.(1979 ,5061617 1010110مدط اعة5[] عط ]1 :تجااواع لملا 


4 وقد طور سعيد أفكاره وعمقها في هذا الموضوعء ينظر: إدوارد سعيدء الثقافة والإمبريالية» ترجمة كمال أبو ديب (بيروت: دار الآداب» 1997). 


255 





20 


العدد 12 


غ 
طي ل تموز / يوليو 2020 


0910101 


يم 


والمؤرخ هو نتاج تلك الثقافة الجمعية» وقيم اجتماعية وسياسية توجّه عملهء مثل كل باحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية» فضلًا عن 
أن الباحث يعمل ضمن سياق من التوقعات يصعب عليه تجاهلها تمام التجاهل» وهذا ما يقيد حريته النقدية والفكرية. 


يبدأ تأثير المؤرخ في نتاجه البحثى باختيار الموضوعات التى تُسلط عليها الأضواءء بينما يختار السكوت في موضوعات أخرىء يظللها 
الكتمان والتعتيم في حاضنته الاجتماعية. وكما يختار الباحث موضوعات اهتماماته» فإنه يحدد مصادر المعلومات التى سيفتش عنها 
أيضّاء ثم يُسائلها ويؤطر مضامينها في سردية تاريخية. ويكون للتحقيبء وأسئلة البحث التي يطرحها المؤرخ سلقاء أثرٌ كبير في المصادر 
التى يبدأ التفتيش عنها في سبيل الإجابة عن تلك الأسئلة. والباحث في التاريخ» كما العلوم الاجتماعية» لا يملك ترف الحرية التامة في 
اختيار موضوعات بحثه؛ ولا المصادر التي يستطيع الوصول إليها ومعاينتها"". ويعاني الباحث الفلسطيني» على وجه التخصيص: حالةً 
من التشظى منذ النكبة عام 1948» وفقدانه الوطن والمواطنة والدولة السيادية التى ترعى شؤون البحث العلمى. 


تواجه الباحث العربي في تاريخ فلسطين الحديثء بدايةٌ» مشكلة عدم توافر الأرشيفات المتاحة لمعاينته. لقد خسر الفلسطينيون عام 
النكبة» إضافة إلى مدنهم وقراهم وأراضيهم» كثيرًا مما كانت تحتويه بيوتهم ومؤسساتهم من مصادر المعرفة ووثائقها. وحتى بعض 
مصادر المؤرخ التي نجت من المصادرة والفقدان عام 1948 أو عام 21967 فإنها ظلت حبيسة البيوت والمكتبات العائلية؛ فعدم قيام دولة 
فلسطينية حال دون إنشاء أرشيفات ومؤسسات حكومية تعنى بجمع الوثائق والمخطوطات, وغيرها من مصادر الأبحاث التاريخية: 
فضا عن أن بعض من كتبوا يومياتهم ومذكراتهم أحجموا عن نشرهاء فضاع بعضهاء وظل بعضها الآخر مدفونًا في بيوت الورثة الذين 
ترددوا كثيرًا في نشرها"". فكيف السبيل إلى التغلب على هذه المعضلة» والوصول إلى تلك "المصادر الدفينة" أو البديلة» لكتابة تاريخ 
الفلسطينيين» ولا سيما المهمشون والمنسيون منهم. 


ترتبط الإجابة عن هذا التساؤل المطروح بهوية المؤرخ» وثقافته ومرجعيته النظرية. ونقصد بمرجعية المؤرخ المنظومة المنهجية والنظرية 
05 وعاء حاملا للمعلومات والخقائق الى يحدهاء أو ينتشلها من مضادره التاريخية: فعمل المؤرخ الجاد لا يققتصر عل جمع اللعلومات 
وتقديمها للقراء كرونولوجيّاء أو تصفيفها بحسب ترتيب آخر يرتئيه» بل عليه الإبداع في القراءة النقدية للنصوص» ووضعها في سياقها العام . 
لقد رفض ابن خلدونء مثلاء أن يكون التاريخ "حوادث لم تعلم أصولها وأنواعًا لم تعتبر أجناسها". وانتقد منهج الإخباريين الذين اكتفوا 
بنقل أخبار الدولة وتنسيقهاء من دون الوقوف عند علتها!7". فالباحث الجاد لا يكتفى بتقديم معلوماته عما حدثء بل يقدم تحليله وفهمه 
لأسباب الأحداث وتوقيتهاء وأثرها القريب والبعيد؛ فالتأويل وتفكيك روايات تاريخية سائدة» وتقديم بدائل الفئات المغلوبة والمهمشة 
ووجهات نظرهاء يجب أن يكون ذلك في صلب عمل المؤرخ المبدع الذي لا يكتفي بتجميع المعلومات وتدويرها. 

يكون المؤرخ عادة أسير المصادر والمراجع المتوافرة عن موضوعات أبحاثه» والبحث عن مصادر المعرفة البديلة خطوة ضرورية لإعادة 
المهمشين إلى الذاكرة والتاريخ؛ إضافة إلى أن طرح أسئلة بحثية جديدة» وإعادة قراءة المصادر القديمة في ضوء الجديد منهاء يتيحان 
تحبير سردية أعمق وأشمل. وقد وجدت في سجلات المحاكم الشرعية المتبقية من العهد العثماني كما هائلا من الوثائق التى توثق حياة 
الناس اليومية» فضلًا عن احتفاظ بعض العائلات المقدسية بوثائق ومخطوطات تثرى وتعزز ما جاء في سجلات المحاكم الشرعية» وهذه 
المصادر المحلية المرتبطة بنبض الحياة اليومية للناس العاديين تتيح كتابة تاريخ اجتماعى» لا يغفل دور الفئات غير النخبوية من السكان. 
5 وفي حالة الفلسطينيين» مثلاء والعرب عامةٌ فإن بعض الأرشيفات والمصادر المتوافرة في إسرائيل غير متاحة عمليًا لمعاينتهم؛ لأسباب سياسية أو لغوية (عدم معرفة اللغة 
العبرية) وأسباب كثيرة أخرى. 


6 وفى تجارب بعض الباحثين فى مؤّسسة الدراسات الفلسطينيةء وغيرها من مرا الأرحات: حكايات ثيرة من هذا النوعء» سمعتها منزهم. 
نس بفصن الا شان 2 هو ر وعيرها من مر من حَ مردم 


236 





58 1 5 
المؤرخ العربي ومصادره لطيصى ندوة اسطور 
2 


هذا إضافة إلى أن طرح أسئلة جديدة» وتسليط الأضواء على أزمنة وأمكنة محددة» يمكنان المؤرخ من التعمق في أبحاثه» ورسم صورة 
مركية ه33 إلا لوان لححياة النامى كارح متظاومة السلطة مه ودرا 

لقد نجح الطرف المنتصر مدةً في نشر روايته المواربة عن تاريخ فلسطين عامةً وعن حرب 1948 خصوصًاء بدعم أحفاد الثقافة التوراتية 
الكولونيالية. لكن تغوّل الاستيطان الصهيوني في عصر ما بعد الكولونيالية يسمح بكشف زيف السردية الصهيونية» بالتزامن مع انتصار 
الرأي العالمي لحقوق المهمشين والمستضعفين في فلسطين» وغيرها من البلدان. ومن واجب الباحثين العرب عدم الاستكانة أو الاستسلام: 
ومخاطبة الرأي العام الغربي بلغتهء وتأطير القضية الفلسطينية ضمن منظومة الاستيطان الكولونيالي؛ فهذا الاستيطان يُعدٌ إطارًا نظريًا عاميا 
لظاهرة تهميش مجتمعات المهاجرين للشعوب الأصلية في كل من الأميركتين» وفي أستراليا ونيوزيلندا وغيرها من القارات والدول. ومن 
المعروف أن مجتمعات الاستيطان الكولونيالي أبادت: في بعض الحالات» السكان الأصليين» واندمجت في بعض حالات أخرى معهم!08. 

ويجدر التنبيه أخيرًا إلى أهمية معرفة اللغات الضرورية لقراءة المصادر والوثائق الأولية بنصوصها الأصليةء وعدم الاكتفاء 
بالترجماتء أو الاقتباس من مصادر ثانوية» فليس معقولا أن يختص باحث إسرائيلٍ بتاريخ فلسطين والصراع الصهيوني - الفلسطيني» 
من دون أن يتقن اللغة العربية. لكن هذا حال كثير من الباحنين اليهود في الدراسات الإسرائيلية» وحتى في أقسام تاريخ الشرق 
الأوسط*". والشيء ذاته ينطبق على الباحثين العرب المختصين بالدراسات الإسرائيلية من دون معرفة اللغة العبرية. كذلك لا يعقل أن 
يختص باحث جاد بتاريخ فلسطينء أو غيرها من البلدان العربية» خلال العهد العثماني» من دون معرفة باللغة التركية. لكن هذه القاعدة 
الأساسية في معرفة اللغات الضرورية للبحث لا تراعى دائمّاء حتى داخل بعض مؤسسات التعليم العالي. 


اكتشفت حين جعلت تاريخ فلسطين في العهد العثماني مجال تخصصى أن الصراع على الذاكرة والتاريخ مع الآخر لا يقل حدة 
عن الصراع على الأرض؛ فطالب التاريخ في الجامعة العبرية التى درست فيها (في السبعينيات) كان يستمع من أساتذته إلى الرواية 
الاستشراقية التقليدية» عن الاستبداد والانحطاط العثماني» حتى فترة التنظيمات والإصلاحء بتأثير أوروبي. أما فلسطينء فكانت حصة 
الأقليات اليهودية في تاريخها يفوق دور أهلها العرب الذين كانوا على مدار أربعة قرون الأغلبية الساحقة من السكان©2؛ فالرواية 
الصهيونية غيّبت الفلسطينيين عن تاريخ وطنهم» قبل أن تهمشهم على أرض الواقع؛ وتاجاء الوقت لاختبار موضوع رسالة 1 | 
شجّعنى أحد أساتذتي على الابتعاد كثيرًاً عن الصراع العري - الإسرائيق» والبحث في موضوع "آل فروخ: حكمهم وأعمالهم" مثلا(©. 


كان كل ما هو معروف عن فروخ باشاء وابنه محمدء أنهما توليا إمارة قافلة الحج الشامى في أوائل القرن السابع عشر2: وأضافت 
بعض المصادر أن الابن تولى حكم لواء القدس ونابلس خلال تلك الفترة. وبما أن فترة حكمهما في فلسطين كانت موازية لسيطرة فخر 
الدين المعنى على جبل لبنان» فإن الدولة العثمانية استعانت بهماء لوقف توسّع الأخير والوصول إلى القدس. وركزت الكتابات العبرية 


8 كانت حالة نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) في جنوب أفريقيا حالة شاذة» انتتهت بسقوطه عام 1993. 

9 وقد يكون بنو موريس خير مثال على ذلك. لكن هناك أمثاله العشرات من المؤرخين والباحثين في الجامعات ومراكز الأبحاث الإسرائيلية. 

0 مثّل اليهود عادة نحو 2 في المئة من السكان فقطء حتى أوائل القرن التاسع عشرء ولم يزد عددهم على 5 في المئة عام 1882 عند بداية الاستيطان الصهيوني. 

1 عادل مناعء "آل فروخ: حكمهم وأعمالهم": رسالة ماجستير غير منشورة (بالعبرية)» الجامعة العبرية» القدسء» 1978. 

22 كان فروخ بن عبد الله مملوكا من أصل شركسي» خدم ولاة الشام وحكام غزة من آل رضوانء ثم صار بنفسه من الحكامء فتولى إمارة الحج» وحكم ألوية الكرك ونابلس 
والقدس أحيانا منذ عام 1603» ينظر: المرجع نفسه. ص 8-7. 

الععهد العثمانيء ص 15-8. 


237 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


حول حكم محمد بن فروخ على ظلم هذا الحاكم "العربي" للأقلية اليهودية في القدسء فلاحقهم واعتقل زعماءهم» في سبيل ابتزاز 
المال منهم. وقد كنت محظوظا باحتفاظ محكمة القدس الشرعية بسجلاتها منذ أوائل العهد العثماني» فكانت مهمتي البحثية الأساسية 
"تتلخص" في قراءة أكثر من خمسين سجلاء تغطي فترة حكم آل فروخ» والكشف من خلال وثائق هذا الأرشيف» عن حقيقة سياستهم 
المطبقة على السكان 24). 

اكتشفت سريعًا أن الكتابات العبرية أهملت كثيرًا مما جاء في المراجع العربية المنشورة عن آل فروخ» وهي التي أكدت أصولهم 
المملوكية الشركسية5. لكنها أيضّاء وهذا هو الأهم» سلطت الأضواء على ما لحق الأقلية اليهودية في القدس من قمع وظلم محمد بن 
فروخ» متجاهلة أن ما عانوه كان جزءًا لا يتجزأ من سياسته تجاه السكان عامةً. أما اكتشافي الأهم» خلال تحضيري رسالة الماجستير» 
فكان استغراب كثير من المثقفين في القدس وغيرها اختياري موضوعًا كهذا للبحث. اعتقد بعضهم أن ما كتبه عارف العارف في المفصل 
يغطي العهد العثماني "البغيض". ولا حاجة إلى مزيد©» وقال آخرون علينا الاهتمام بتاريخ واقعنا المأساوي المعاصرء وترك "حكم 
الأتراك" وعهدهم في حاله. وقد دفعتني تلك الأقوال» وغيرها من الأمور التي سأعود إلى ذكرها لاحقّاء إلى قراري باستمرار البحث في 
تاريخ فلسطين أيام العثمانيين. 


انتقلت في أطروحة الدكتوراه إلى بحث مرحلة مفصلية من تاريخ فلسطين خاصة:» والمشرق العربي عامة» ألا وهي تاريخ القدس 
ولوائها بين حملتين (1831-1798). بدأت تلك المرحلة بحملة نابليون بونابرت على مصرء ثم على فلسطين» واعتبرها كثير من المؤرخين 
ا لتاريخ الشرق الأوسط الحديث7©. أما خاتمتهاء فحملة إبراهيم باشا على بلاد الشامء وبداية عقد (1840-1831) من الحكم 
المصري لهذه المنطقة. إن هذا العقد شهد تطبيق ما يسمى "إصلاحات" محمد على باشا في بلاد الشامء وازدياد النفوذ الأوروبي في 
فلسطين» وشهد في أواخره بداية ما يُطلق عليه "عصر التنظيمات العثماني". وكان جليًا لي» قبل التفتيش عن المصادر لأطروحتي» أني 
سأعالج فيها مدى صحة تلك الآراء الاستشراقية من وجهة نظر أهالي البلادء وبحسب مصادرهم المحلية!8©. 


اختلفت أطروحة الدكتوراه عن رسالة الماجستير في أنها لم تؤرّخ للحكام وسياساتهم فحسب. بل عالجت بعض جوانب حياة الناس 
اليومية» أضف إلى ذلك أنها بحثت في دور علماء القدس وأعيانهاء وكذلك مشايخ الريف الذين أدّوا دورًا مهما في حكم اللواء وإدارته, 
وظل سجل محكمتها الشرعية المصدر الأساسي للبحث. ولما عاينت سجل محكمة يافا الشرعية» وجدت أن الجزء المتعلق بالحملة 
الفرنسية منه مفقودء لكن ما يتعلق بالسنوات التي تلتها موجود(9©. 


4 يشتمل كل واحد من تلك السجلات في القدس على مئات الصفحات,ء وآلاف الوثائق المكتوبة بخط اليدء بالعربية والتركية العثمانية. ولما حاولت الاستعانة بسجلات 
المحكمة الشرعية في نابلس (التي حكمها ابن فروخ مدة)ء اكتشفت أن أرشيفها الخاص بما قبل حملة نابليون قد ضاع. 

5 محمد المحبىء خالاصة الأثر فى أعيان القرن الحادي عشرء ج 3 (إبيروت: مكتبة خياط:. 1966)ء» ص 271؛ إحسان النمرء تاريخ جبل نابلس واليلقاء. ج 1. ط 2 
[نابلس: مطبعة جمعية عمال المطابع التعاونية» 1975)» ص 77. 

6 العارف. 

7 الا يتسع المجال لتعداد المؤرخين الأوروبيين الذين ادّعوا ذلك» ثم نقل عنهم كثير من المؤرخين العرب» فشاعت تلك الآراء في الشرق والغرب. 

8 نشرثٌ هذه الأطروحة التى قدمتها إلى الجامعة العبرية في القدس عام 1986 بعد تعريبها وإضافة تعديلات عدة ومهمة عليهاء بعد سنوات طويلة من كتابتها باللغة 
العبرية» ينظر: عادل مناع» لواء القدس في أواسط العهد العثماني: الإدارة والمجتمع منذ أواسط القرن الثامن عشر حتى حملة محمد على باشا سنة 1831 (بيروت: 
075 الدراسات الفلسطينية: 2008). 


لمي ل لل لاي ل ل ل ل ست كت 0 نلا لي يي مدن لرتتاليافا. 
حضارة ومجتمع (1840-1700) (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية. 2018). 


236 





المؤرخ العربي ومصادره 1 طور ندوة أسطور 
3-86 


ولما كان محمد على باشا (1849-1769)ء والي مصرء قد أدى دورًا مهما في تاريخ بلاد الشامء إلى جانب السلطان العثماني» فإني 
سافرت إلى القاهرة لصيل لعاينة وثائق أرشيفاتهما!60, واستفدت من أرشيف "دار الوثائق". وكذلك "دار المحفوظات" المصرية, 
والأرشيفات العثمانية. لكن المصادر المتوافرة في القدس ظلت المصدر الأهم للتاريخ المحلي» ثم اكتُشفت أن بعض العائلات المقدسية 
(الخالدي» والحسيني» وأبو السعودء والإمام» وغيرها) تحتفظ بأوراق ووثائق عائلية» أضافت معلومات مهمة عن العلماءء أصحاب 
الوظائف, وعلاقاتهم بالحكم المركزى في إسطنبول ودمشق7©, وقد صارت تلك العائلات» وأمثالها من النخب الحضرية» القيادات 
السياسية للحركة الوطنية الفلسطينية بعد زوال الحكم العثماني. 


لقد عكست المصادر العربية المعاصرة للأحداث في القدسء وغيرها من أنحاء فلسطين» وجهة نظر مخالفة لروايات المستشرقين 
الأوروبيين» والقوميين العرب؛ فقد صار أعيان المدن ومشايخ الريف شركاء في الحكم خلال أوائل القرن التاسع عشرء ولم ينظروا في 
تلك الحقبة إلى العثمانيين على أنهم غرباء محتلون للبلاد العربية» وإنما اعتبروهم استمرارًا طبيعيًا للدول الإسلامية الحاكمة في المشرق 
العربي منذ العصور الوسطى. ولما جاءت الحملة الفرنسية لاحتلال البلادء اعتبرها كثيرون عودةً إلى الغزوات الصليبية» فهبّوا لمقاومة تلك 
الحملة» ملتِين نداء السلطان للجهاد ضد "الفرنجة". ولما أخفق نابليون بونابرت في احتلال مدينة عكا المحصنةء كتب الشعراء قصائد 
تشيد بحاكمها الجزارء على الرغم مما عرف عن ظلمه وبطشه بالأهالي!32. 

وما زحفت جيوش محمد علي لاحتلال بلاد الشام من العثمانيين» لم يُبدٍ كثير من الأهالي تأييدًا لحاكم مصرء بل إن أعيان 
القدس وقفوا ضد هذه الحملة لما كانت تحاصر عكا مدة ستة أشهر*©, إضافة إلى أنهم شقّوا عصا الطاعة عام 1834» في أنحاء مختلفة 
من فلسطين: ضد حكم محمد على الذي حاول تجريدهم من الحكم الذاتي» من خلال الضرائب المباشرة وجمع السلاح من الأهالي64. 
فالثورة ضد "مؤسس مصر الحديثة" كانت دفاعًا عن مصالح الأهالي ضد الحكم المباشر القمعي: وليس ضد إصلاحاتهء كما يذّعي كثير 
من المؤرخين العرب الذين تبنّوا الرواية الاستشراقية الحداثوية. إن هذه النماذج من الأبحاث في تاريخ فلسطين» خلال العهد العثماني: 
تثبت عدم دقة الرواية القومية العربية التي ما زالت تتوالد في كتابات مؤرخي ذلك العهد!:6. 


ثالثا: النكبة الفلسطينية وتاريخ الباقين المنسيين 


اختلفت تجربتي البحثية في موضوع نكبة عام 1948 وأثرهاء خلال العقد الأول الذي تلاهاء في من بقي في حيفا والجليل» عن 
تجربتي في التأريخ للعصر العثماني9؛ فبخلاف العهد العثماني المديد الذي كان وانتهىء فإن النكبة وتبعاتها ما زالت جرحًا مفتوحًا في 


0 سافرث إلى القاهرة خا 0 : وكان لي فيها مواقف مثيرة» لا يتسع المجال لتسجيلها. لكن يجدر بي التنبيه إلى مفارقة مفادها أنه صار في استطاعتي. بوصفي فلسطينيًا 
يحمل جواز سفر إسرائيليًا اث أزور مصر دون غيرها من الدول العربيةء بعد اتفاقية السلام المنفردة التي أهملت القضية الفلسطينية. 

31 احتفظ المحامي سعيد الحسيني مثلاء وكذلك الدكتور إسحاق الحسيني بأوراق ووثائق عائلية ذات اضمية عالية. كذلك وجدت مثل تلك الوثائق العائلية 2 مؤسسة 
إحياء التراث والبحوة الإسلامية أنه فيس أء 2 المكتبة الخالدية قِ القدسء وغيرها من المكتبات. 

2 للاستزادة ينظر: مناعء لواء القدس ف أواسط العهد العثماني. ص 14-11 24-21. 

3 يزبك. ص 136-131؛ مناع, لواء القدس فى أواسط العهد العثماني. ص 50-45. 

كك 113250111 ه111منتةن) :12 ",لمكا ا 320 عمتأذهء221 12 1أخ 171220قطت/طا أقمطتوع3 167016 1834 عطا ع متلدع2ع]1" ,دمصدك3ة اعلذخم 34 


م تل :011لا تت 1[ /لمكتهن)) 1ل تأسطلء! 0 1أه!1 /[0 20107 177 أكقسط 01ل 1ل[ 117 10نه 1211511116 011 كنزهك دك : 5© 0710502[ 717071501771160 ,(.قلع) 1377827 119عآ 
83-114 .60 ,(2009 رؤووع21 03110 16 10015115157 


55 يِعَذْ الفصل الخامس من كتاب إلياس شوفاني عن العصر العثماني) نموذجًا مكثفًا للروايات العروبية والاستشراقية الحداثوية غير الدفيقة» والمسيئة إلى تاريخنا خلال 
أربعة قرون ونيف» يُنظر: إلياس شوفاني» الموجز في تاريخ فلسطين السياسي يت مؤسسة الدراسات الفلسطينية» 1996)» ص 307-237. 
6 عادل مناعء نكبة وبقاء: تاريخ فلسطينيين ظلوا في حيفا والجليل (1956-1948) (بيروت/ رام الله : مؤسسة الدراسات الفلسطينية 2016). 


259 





20 


العدد 12 


غ 
طي ل تموز / يوليو 2020 


0910101 


ددا 


الذاكرة الحية» ومصادر المعرفة العصرية المتنوعة. لكن المشترك في التجربتين لا يقل عن أوجه الاختلاف والتنوع في المصادر المتوافرة, 
لإعادة الفلسطينيين إلى فاعليتهم في تاريخ وطنهم. فالتاريخ الاجتماعي» والبحث في الاقتصاد السياسي» يمكنان المؤرخ من طرح أسئلة 
بحثية جديدة» تعيد المهمشين إلى التاريخ. والباقون في شمال فلسطين بعد النكبة عانوا مدةً طويلة التتهميش على جانبي خط الصراع, 
أي من الإسرائيليين والعرب في الوقت نفسه؛ لذا قررت إنجاز بحث عن هؤلاء الباقين» يُوْنْسن حكايتهم ويخرجها من ثنائية البطولة 
والخيانة التى تغمر كتابات كثيرة حبرت عن النكبة وتبعاتها على الفلسطينيين. 


تمحورت أغلبية الكتابات العربية عن النكبة وتبعاتها حول عدالة قضية فلسطينء والقليل منها عالج مصير المنكوبين أنفسهم. وأدت 
سياسة المقاطعة العربية لإسرائيل» حتى نكسة حزيران/ يونيو 1967 إلى إهمال المعرفة عن الأقلية العربية الباقية فيها. وتوجهت الأنظار 
إلى مصير الباقين قِ "الداخل", بعد اكتشاف شعراء المقاومة» وعل غرفي محمود درويش (2008-1941) وسميح القاسم (2)2014-1939 
ثم نشر إميل حبيبى (1996-1922) روايته المتشائل عام 1974؛ إذ كشف فيها بلغة ساخرة ولاذعة بعض المستور في حكاية الباقين في حيفا 
والجليل تحت الحكم العسكري. لكن الأبحاث الأكاديمية وإنتاج المعرفة الجادة عن هذه الأقلية الفاسطينية التي ظلت تعيش في ما صار 
"الدولة اليهودية" ظلت نادرة الوجود. فما أسباب إهمال التاريخ للبقية الباقية من الفلسطينيين في الوطن المحتل بعد النكبة؟ 


لم يعرف جيل الباقين في الوطن» بعد عام 1948» ولا سيما الفلاحون منهمء القراءة والكتابة؛ لذا لم يكتبوا يوميات أو مذكرات, 
فباتت شهاداتهم الشفوية المصدر الرئيس لتقديم رواياتهم ووجهات نظرهم لأحداث النكبة وتبعاتها عليهم. والذاكرة» كما هو معروف, 
مصدر إشكالي لكتابة التاريخ» إذا ما اعتمدنا عليها من دون فحص أو تمحيص. لكن الرفض القاطع للتوثيق الشفوي بسبب إشكاليات 
الذاكرة» عقبة تخطاها البحث التاريخي. وفي ظل غياب أرشيفات عربية» بات شهود العيان لأحداث النكبة وما تلاها مصدرًا لا يمكن 
الاستغناء عنه. ولما كانت مذكرات أبناء جيل النكبة الباقين في حيفا والجليل محدودة» أضحى الاستماع إلى الشهادات الشفوية ضرورة 
ملحّة قبل رحيلهم عن هذه الدنياء وقد نجحث في مقابلة نحو 120 شخصًا في حيفا والناصرة وقرى الجليلء ممن عايشوا أحداث النكبة 
وما تلاها من سنوات الحكم العسكرىي. 

استند كتاب نكبة وبقاء إلى الرواية الشفوية لشهود العيان» وكتابات التاريخ المحليٍ» مدعومة بكمّ لا يستهان به من المصادر 
والمراجع الأولية والثانوية. إن هذا الدمج بين المصادر المتوافرة كافة من جميع الأطراف مكن الباحث من تقديم قراءة شاملة ومتكاملة 
لحكاية الباقين في شمال فلسطين. وأضافت قرارات محكمة العدل العليا في القدس» في العقد الأول بعد النكبة» صدقية إلى الروايات 
الشفوية التي سمعتها من شهود العيان؛ فقد حضر بعض الملتمسين وشهودهم إلى المحكمة حينذاك» وأدلوا بشهاداتهم عن المجازر 
وطرد السكانء عام 1948 وما تلاهء وكانت تلك الشهادات التي اعتمدها القضاة قد سُمعت في المحكمة بعد حلف اليمين على قول 
الحقيقة» في وقت قريب جدًا من الأحداث. وقد وجدت في حالات عدة أن الشهادات التي سُمعت في المحكمة: وتلك التي سمعثّها من 
الرواة أنفسهم» بعد مرور أكثر من خمسين عامّاء متطابقة في مضامينها وتفاصيلها إلى حد بعيدا”©. ظ 


باتت النكبة الفلسطينية علامة فارقة في تاريخ الفلسطينيين الذين خسروا وطنهم» وأضحوا جاليات متفرقة ومهمشة داخل الوطن 
وخارجه» وظلت حكاية المجهمشين قِ شمال فلسطين مغيبة عقودًا عدة» حتى بعل "اكقتراف" شعراء المقاومةء وحدوت هبة يوم الأرض 
في 30 آذار/ مارس 6*1976, ولما قررث كتابة هذه الحكاية وجدثني مضطرًا إلى الكشف عن مصادر المعرفة أولاء وكان العمل الميداني» 


7 للاستزادة» ينظر: المرجع نفسهء الفصل السادسء ولا سيما ص 333-326. 
8 بدا تغيير النظرة السلبية بين الفلسطينيين خصوصًاء وق الوطن العربي عموماء بعد اكتشاف شعر محمود درويش وسميح القاسم» وغيرهما من الشعراء 2 الجليل 
اواسط الستينيات» ثم تعمق هذا التغيير بعد يوم الارض الذي بات الفلسطينيون يحيونه حيث يكونونء تعبيرًآ عن التمسك بالوطنء» ومقاومة مصادرة الاراضي | افلسطينية. 


240 





ندوة أسطور 
لد 


1 
المؤرخ العربي ومصادره أ 
سطس 

1 


والتحدث إلى شهود عيان عاصروا النكبة وما بعدهاء في شمال فلسطين» تجربة مميزة تعلمت منها كثيرًا. وقد ساعدني الرواة الذين 
قابلتهم في اكتشاف بعض اليوميات والوثائق المحفوظة في خزائن مغلقة؛ فمصادر المعرفة ليست حكرًا على الأرشيفات الصهيونية 
ووثائقها. هذا إضافة إلى أن التزود بالمعرفة البديلة التي تعبّر عن وجهة نظر المهمشين ساعدني في قراءتي النقدية لتلك الوثائق» وتوظيفها 
في بلورة رواية المهمشين وتدقيقها. 

اختلفت حالة إسرائيل عن مثيلاتها من مجتمعات الاستيطان الكولونيالي في القرون السابقة» لأنها جاءت متأخرة» في حقبة علو 
شأن حقوق الإنسان والمواطن» بغض النظر عن لونه وعرقه. والحكم العثماني» على الرغم من ضعفه ومساوئه» منع سقوط فلسطين 
تحت حكم الاستعمار الأوروبي حتى الحرب العالمية الأولى» فضلا عن أنه وضع قيودًا وحدودًا لنشاط جمعيات الاستيطان الصهيوني: 
منذ عام 1882» بعكس الاحتلال البريطاني الذي جعل دعم تلك الجمعيات جزءًا لا يتجزأ من سياسته. ولما تبلورت الحركة الوطنية 
الفلسطينية» قاومت تلك السياسة بشدة في ثورة 1939-1936. وعلى الرغم من النكبة عام 1948 وما بعدهاء ظلت أغلبية ال 82 
احتلال بقية المناطق الفلسطينية» عام 21967 بلورة فهم جديد للمشروع الصهيوني الإحلالى» ومقاومته الفكرية أيضًا. 


خاتمة 


إن المصادر الجديدة والموثوقة هى المواد الخام الضرورية لعمل المؤرخ. لكنها وحدها غير كافية لضمان النتاج الجاد و١١‏ 
للباحث» فعمل المؤرخ يحتاج إلى الأسئلة البحثية الملائمة» والمنهج النظري القويم لتأطير الحكاية؛ قبل الغوص في تفاصيلها. إضافة 
إلى أن الباحث في تاريخ فلسطين يواجه أيضًا نجاح المشروع الصجيوني في محو الرواية الفلسطينية» وتغييب كثير من مصادرها الأولية؛ 
لذا يواجه هذا الباحث تحدي اكتشاف مصادر بديلة من تلك التي يُهبت وصودرت. في سبيل إعادة الفلسطينيين عنصرًا فاعلا في تاريخ 
ور السو ل سسا ٌْ 

لقد قدمت هذه الورقة نماذج من تجربتي البحية الممتدة على أربعين عامًا ونيف» منذ إنجاز رسالة الماجستير عن حكم آل فروخ 
في فلسطين في القرن السابع عشر. علمتني هذه التجربة أن الأرشيفات العثمانية المركزيةء كما سجلات المحاكم الشرعية» وغيرها 
من المصادر المحلية» هي مناجم غنية» ما زالت تنتظر المنقبين الجادين. إن هذه المصادر تلقي الضوء على التاريخ الحقيقي» بعيدًا عن 
الروايات الاختزالية القومية» والرؤية الاستشراقية والصهيونية المهمشة لأهل البلاد الأصليين: ودورهم في تازيغهم - 

ولما قررثُ كتابة حكاية الباقين في حيفا والجليل بعد النكبة» اكتشفتٌ أن ذاكرة أهلنا في الداخل تختزن معلومات ثمينة» ظن 
الجلادون أن ضحاياهم قد نسوها. وبعد الاستماع إلى شهادات العشرات من الباقين» بت أكتشف يوميات ووثائق عائلية» وأرشيفات 
وصورّاء أكدت صدقية التاريخ الشفوي؛ فالباحث مطالب أحيانًا بإنتاج مصادر جديدة للمعرفة» بمعنى اكتشافها وتوظيفها في قراءة نقدية 
للمصادر المعروفة» وعدم الاكتفاء بما هو مريح ومتاح منها. وعمل المؤرخ» في إعادة المهمشين إلى التاريخ» هو جزء مهم من عملية بناء 
الهوية والوعي الوطني في مواجهة محاولات التجريف والمحو لوجود الفلسطينيين على أرض وطنهم. 


201 


العدد 12 تموز / يوليو 2020 


2 
م 


المراجع 
العربية 


إن خلدونء عبذ الرحمن. المقدمة. بيروت: ذار الكتاب: [د. ت.] . 


. الحسيني» حسن بن عبد اللطيف. تراجم أهل القدس في القرن الثاني عشر الهجري. مخطوط حصلت على نسخة منه من المرحوم 
الدكتور إسحاق الحسينى عام 1980. 


.1997 سعيدء إدوارد. الثقافة والإمبريالية. ترجمة كمال أبو ديب. بيروت: دار الآداب»‎ ٠ 

.2018 الشريفء ماهر وعصام نصار. تاريخ الفلسطينيين وحركتهم الوطنية. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية»‎ ٠ 
.1955 الشهايء حيدر أحمد. تاريخ أحمد باشا الجزار. بيروت: مكتبة أنطوان»‎ ٠ 

.1996 شوفانيء إلياس. الموجز في تاريخ فلسطين السياسي. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية»‎ ٠ 


٠‏ شولشء ألكسندر. تحولات جذرية في فلسطين: 1882-1856: دراسات حول التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. ترجمة 
ككل جميل العسل . عمان: الجامعة الأردنية: 1988. 


٠‏ الصباغ» ميخائيل. تاريخ الشيخ ظاهر العمر الزيداني حاكم عكا وبلاد صفد. حريصاء لبنان: [د. ن.1]ء [د. ت.]. 

. الطباع» عثمان مصطفى. إتحاف الأعزة في تاريخ غزة. تحقيق عبد اللطيف زي أبو هاشم. غزة: مكتبة اليازجي: 1999. 

. العارف» عارف. المفصل في تاريخ القدس. القدس: مطابع دار الأيتام الإسلامية؛ 1961. 

. العورة» إبراهيم. تاريخ ولاية سليمان باشا العادل: يشتمل على تاريخ فلسطين ولبنان ومدنه وبلاد العلويين والشام. نشره وعلق عليه 
وألحقه بعدة سندات قسطنطين الباش. صيدا: مطبعة دير المخلص» 1936. 

.1969 عوضء عبد العزيز. الإدارة العثمانية في ولاية سورية: 1914-1864. القاهرة: دار المعارف:‎ ٠. 

.1966 المحبي» محمد. خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر. بيروت: مكتبة خياطء‎ ٠ 

.1978 مناع» عادل. "آل فروخ: حكمهم وأعمالهم". رسالة ماجستير غير منشورة (بالعبرية). الجامعة العبرية» القدسء‎ ٠ 

.1999 تاريخ فلسطين 2 أواخر العهد العثماني: 1918-00. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية.‎ . ٠. 

. .لواء القدس فى أواسط العهد العثمانى: الإدارة والمجتمع منذ أواسط القرن الثامن عشر حتى حملة محمد على باشا 
سنة 1831. بيروت: مؤسسة الدراسات ا 8. ْ 

٠.‏ . نكبة وبقاء: تاريخ فلسطينيين ظلوا فى حيفا والجليل (1956-1948). بيروت/ رام الله: مؤسسة الدراسات 
الفلسطينية» 2016. ْ 

٠النمرء‏ إحسان. تاريخ جبل نابلس والبلقاء. ج 1. دمشق: مطبعة ابن زيدون» 1937. 


. تاريخ جبل نابلس والبلقاء. ج 1. ط 2. نابلس: مطبعة جمعية عمال المطابع التعاونية» 1975. 


202 


5 1 50 
المؤرخ العربي ومصادره للم ل ندوة اسطور 


.2018 يزبكء. محمود. مدينة البرتقال يافا: حضارة ومجتمع (1840-1700). بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية»‎ ٠ 


الأجنبية 
ع1 :011لا تع[ لطاع ل كتتاع ل .نو7ناررعر) [1نرع 117:21 ©[1 171 0710 را نرا مط 01/17 152011 لم10 ©7177 .113تأومطعلا ,لاع صخ مرعظ ٠.‏ 
,5061617 1018161012مدظ اعةظ51] عط 1 :15117ءع17ملا لاع 7ع - ووع22 قتاع 1/3 


7 /0 0177101 ".111510157 1010 كه 1امتاقء221 115/آا :عمتاةء221 01022311 1125ء156015601" .2511312 ,1001112311 ٠‏ 
.(1992 1ع11/101) 2 .20 ,21 .7701 .كت 7ل0لتاى 


0 أقط 11001[ 1716 0110 12012511716 011 005 كك :1071050725 7170715/01711©0 .(.605) 13537 1193م[ عكى 1116لطتةن رتتامكمطة81 ٠‏ 
.09 ,رؤووع21 03110 11 115715117ل] لتدعتاع تل :011لا تت 1[ /مكلةن) .01 1أس كا ه11 01 :17101101 


23 


0 
العدد 12 ا 5ل تموز / يوليو 2020 
وحده 


الا ٠.»‏ ار با رذناة 
القدس في الصورة الفوتوغرافية المبكرّة 
11317 ع1 12 201011311527) 


مولع 2010 تااتوط عط 1 مدع و كتتاء ل 


أولا: القدس: المدينة والمكان 


للقدس تاريخ تليد» يعود إلى آلاف السنين» كان موقعها مسكوئًا ومأهولا قبل قرون من ظهور الأديان الإبراهيمية الثلاثة» وفيها 
قامت مجتمعات وعاشت شعوبء نطقت بلغات وطقوس اجتماعية ودينية مختلفة. لكن ترتبط مركزية المدينة/ الموقع» إلى درجة كبرى, 
5 )ا بالأديات الثلاثة؛ اليهوذية أولاء ثم المسيحية. ثم الإسلام: لكنهاء بوضفها مدينة وفضاءً اجتماعيًا ثقافيًا واقتصاديًا أيضّاء سابقة 
على علاقتها بهذه الأديان التي ارتبطت المدينة يها كونها موجودة مدينة أولاء قبل أن تكون موقعًا دينيّاء حتى إن تغيّر اسمها عبر الأزمان. 


دخلت المدينة العصر الحديث حين طرد العثمانيون المماليك منها في العقد الثاني من القرن السادس عشر. وتوالى على حكمها 
سلالات وسلطنات حاكمة سابقة على الحماليك» بدءًا من التاريخ ما قبل الرومانيء فالروماني والبيزنطي» وصولا إلى المسلمين الأمويين 
والعباسيين والفاطميين» وفي فترة الصليبيين» لتلحَق بسلطنة المماليك في مصر والشام حتى مجيء السلطنة العثمانية. وفي هذا التاريخ 
المديدء تبقى المسألة الرئيسة هي أن القدسء باعتبارها مدينة» هي أولا وأخيرًا مكان مأهول ذو 556 وسكان وثقافة وعادات وتقاليدء 
وكانت القدس كذلكء وستبقى أيضاء ما دامت مأهولة بسكانها؛ أحفاد من سبقهم على مرٌ العصور. 


لكنّ المدينة ارتبطت: بالنسبة إلى المناطق الأخرى من العالم» بمفهوم القداسة الذى طغى حتى على اسمهاء سواء القدس أم بيت 
المقدس أم غيرهماء والذي هو تعبير عن علاقة ما بدين ما؛ إذ حج إلى القدسء على مر القرون» أفراد وجماعات تنتمي إلى الأديان 
وللمسيحية مدينة عاش فيها المسيح وصّلبء وللمسلمين مدينة الإسراء والمعراج. فالخجاج. وفي العصر الحديث السياحء قدموا إلى 
المدينة بحثًا عن معان خاصة بهم» ترتبط بتقاليدهم ورموزهم ومعتقداتهم. لكن الحج إلى موقع مقدس ليس مرهونا باعتبار الموقع 
مدينة» بل باعتباره مرتبطا بسردية ماء ترتبط بكتب مقدسة خاصة بكل تقليد. 


المقصود مما سبق هو تأكيد أن ما جعل القدس مدينة ليس أهميتها الدينية» حتى إن ساهمت الرمزية الدينية على نحو ما في ذلك 
إنما لكونها بلدا يعيش فيه شعب يمارس حياته الاجتماعية والاقتصادية أولا وقبل كل شيء. وبناء عليه» وفي عصرنا الحديث» عصر 


1 موّرح خ وأستاذ التاريخ قِ معهد الدوحة للدراسات العليا وجامعة ولاية الينوي» » متخصص 2 تاريخ التصوير الفوتوغراقي قِ الشرق الأوسط. 
م ك16للاء5 013010356 106 عأبلاغكما قطمم عط غج برمؤوزن عه روووع4مم5 3 لم3 لإطمورعمغمطم لصح غودع 10016/ل عطغاغه موترمعوتط م 


./51اع/اأصنا م5131 5أهم5 ذا 


204 





١“ ١ '‏ 4 ع 
القدس في الصورة الفوتوغرافية المبكرّة لطبور ندوة اسطور 
جه 


الامبراطوريات - العتمانية أو البريطانية - وعصر الفد اف 37 ]عا فلك اديه عل 0 دينية ليس له أساس في العالم الا 7 
الواقعي» بقدر ما له علاقة بانتماء سكانها وحقوقهم وملكيتهم وانتمائهم إلى المدينة والقومية التي ينتمون إليها. 

وبطبيعة الحال» يستند الخطاب الصهيوني نحو القدس إلى ادعاء ديني صرفء على الأقل بقدر ما يرتبط بالشعارات المستخدمة 
وليس بالرغبة الاستعمارية تجاه عموم فلسطينء وهي الصفة الجوهرية التي يستند إليها الاّعاء الصهيوني. وإلى درجة ماء يمكن أيضًا 
القول إن جزءًا من الخطاب العربي تجاه القدس لا يختلف في جوهره عندما تختزل قضية المدينة واحتلالها بالقول إنها وقف إسلاميء أو 
مسيحيء لا يجوز التخلى عنها. المدينة هي مدينة أبنائهاء أحفاد أولئك الذين قطنوها عبر التاريخ» بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية. 
والإشكالية الكبرى هي أن دولة مستعمرين أوروبيين» أساسّاء تحتكرها استنادًا إلى غيبيات دينية ورمزية تدّعي الحق في استعمار المدينة 
وعموم فلسطين» استنادًا إلى حق مُعطى ربانيًا. وبناء عليه» فإن تبرير سيطرة دولة الاحتلال على القدس يستخدم النص المقدس الذي 
لا يأخذ في الحسبان الحق القومي أو التاريخي أو السياسي» وي يُوطد مثل هذا المفهوم» بات تشكيل مخيلة تاريخية استعمارية وتعميمها 
ضرورةٌ لتبرير السيطرة على الأرض في ذاتها. بمعنى آخرء أوجد معرفة سائدة تبرّر للسلطة المستعمرة استعمارها. وفي هذا السياق» لم يأتِ 
الخطاب التاريخي الصهيوني من فراغ» بقدر ما استند إلى معارف سابقة مهيمنة ومعروفة حتى قبل تشكل الفكرة الصهيونية ذاتها في النصف 
الثاني من القرن التاسع عشر؛ إذ سبق أن استخدم آخرون الخطاب الديني لتبرير الادّعاء المتمثّل بحصر ملكية القدس من قبل. وفي القرن 
التاسع عشرء نشطت الحركات المسيحانية الإنجيلية في تشكيل مخيّلة تربط اليهود بالقدسء» وإن كان مثل هذا الربط لا يتوافق تمامًا مع 
النمط الصهيوني اليهودى المعاصر الذى قصر استخدامه للمُخيلة الدينية على التوراة وكتب الأنبياء اليهودية دون غيرها©. 


ثانيًا: المخيّلة التاريخية والذاكرة الجماعية 


تستند هذه الدراسة» التي تبحث في تمثيل القدس في الصور الفوتوغرافية المبكرة» إلى مفهومي المخيلة التاريخية الذي ناقشه عدد من 
المؤرخين النقديينء ربما أهمهم هايدن وايت (2018-1928)©, وإلى فكرة الذاكرة الجمعية التي قذمها لنا باعتبارها مفهومّاء عالم الاجتماع 
الفرنسي موريس هلبواخس (1945-1877)*» الذي أشار إلى وجود أطر جماعية تشكلت عبر الأزمنة للنظر إلى التاريخ الخاص بمجتمع ما أو 
بجماعة ماء في سياق المجتمع» تتجاوز الذاكرة الفردية وتتعدّاها إلى مفاهيم المخيال العام الذي تتداخل فيه الذاكرات الفردية مع الأساطير 
والكتب الدينية المقدسة والتجارب التاريخية لعموم الجماعة» وتؤثر في صياغة الذاكرة الفردية لأعضاء الجماعة المحددة. ومثل هذه الذاكرة 
ليست تاريحًا بالمعنى البحثي» وليست اختراعًا كامالاء بقدر ما هي طريقة لرؤية العالم وتَحَيْل المجموعة لذاتهاء كأن تتحدث عن الذاكرة اليهودية 
الجمعية مثلاء أو الذاكرة المسيحية أو الإسلامية» أو حتى الذاكرة الجمعية الفلسطينية أو الأوروبية أو العربية. ولا تُساهم الذاكرة الجمعية في 
تشكيل مفاهيم عامة بشأن الماضي فحسب. بل تتعدّاها أيضًا لُشكل تزمينًا تاريخيا يعتمد عناصر من الذاكرة باعتبارها محطات أساسية في السرد 
التاريخي للجماعة. ولا تحفظ الذاكرة الجمعية سرديتها عبر التداول بين الأفراد والجماعات فحسب. بل أيضًا عبر الطقوس الخاصة بالجماعة 
المحددة. وسنزوّد هذه الدراسة بأمثلة بشأن هذا الموضوعء لكن بعد تفسير المقصود بالمفهوم الأول المشار إليه: المخيلة التاريخية. 
2 للتوسع بشأن القدس في الخطاب المسيحاني الإنجيل» ينظر: 
(2006 بووعء؟ معلاءعا/! متجل8 علدلا بجع 1!) دارم لاسرع ه11[ أعنده1م2) انه كانه أأساراء كه[ عنمتو زلء !1 :ان أ سكعل إن كأونره "207 انمع ج170 بتة1255 ه155 
72-9 .1210 


اكات كل ل ا ا ا ا ا ب 00 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 ا ل 60 
.(1973 رووع212 


.(1992 ,2155 0116380) 01 1/1215161517] :05001[آ /01163850)) (.كطةظا عك .0ع) 1ع005) .ل 15تتاع.[ ,نو1©77107/[ 1302ع00//2) 207 رقطعة1]2167 ع11211116 4 


25 





العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


ظهمر مفهوم المخيلة التاريخية 205متأعقصآ 1وهء1ه81 عط] أو للا استخدمه روبن جورج كولنغوود عع17مء0 صاطاهخ] 
4 (1943-1889) في ثلاثينيات القرن العشرين» إذ فسره باعتباره جزءًا نقيًا أو بدهيًا 1101م ى من طرائق تفكير دارسى 
التاريخ في محاولاتهم تشكيل دراساتهم عن الماضي؛ فعلى المؤرخ أن يتخيّل الماضي بتفصيلات غير متوافرة أمامهء مستخدمًا كل ما 
يمكن استخدامه من نصوص وقطع أثرية أو غيرها من مواد الثقافة المادية لتشكيل وعى تاريخى محدد بزمن ما مضىء قبل أن يدرس 
حدثًا ماضيًا بعينه9. واستخدمه أيضًا هايدن وايت للإشارة إلى كيفية دراسة التاريخ عند مؤرخى القرن التاسع عشر وفلاسفته؛ إذ اعتبر 
طرائق تفكيرهم في الماضي تستند إلى مخيال بحثي لديهم تشكل على نحو تراكمي عبر الزمن. فالمخيلة التاريخية في نظر وإيت هي 
عملية جمع ما بين التفكير والحلم؛ كون الحلم يتيح حرية للباحث في التخيّل تتداخل فيها الأساطير مع العقل. وفي هذا المجال» يمكن 
استحضار ما كتبه ميشيل فوكو (1984-1926) عن المتخيّلء حين أشار إلى أنه "لا يتشكل عبر معارضة الواقع أو كإنكار له» إنما ينمو 
عبر العلامات - أو الرموز - الواردة في الكتب المختلفة» في فواصل التكرار والتعليقات فيها"©). 


تسعى هذه الدراسة أيضَّاء عبر استخدامها المخيلة الجمعية ونقد إدوارد سعيد (2003-1935) للاستشراق» باعتباره نظامًا مَعرفيًا 
ومخيّلة أوروبية للمشرق في كتابه المعروف الاستشراق77, للنظر إلى صور القدس المبكرة التي صَوّرها أوروبيون أتوا إلى الشرق في المرحلة 
قبل نشأة الصهيونية باعتبارها حركة سياسية في أواخر القرن التاسع عشرء في محاولة ليس للبحث عن الخطاب الصهيوني فيهاء بل 
لرؤيتها بوصفها نوعًا من المقدمات التي ساعدت في تشكيل مخيّلة أوروبية ساهمت: عن قصد أو من دونه» في تَقبّل الخطاب الصهيوني 
أوروبيّاء أو حتى استخدمت من الحركة الصهيونية ذاتها لتقديم مخيّلة عن القدس تستثنى الفلسطينى منها وتقتلعه من تاريخ مدينته 


ثالثًا: التصوير الفوتوغرافي وفلسطين 


التصوير الفوتوغرافي» أو الشمسىء هو أحد الاختراعات الحديثة التى رأت النور في النصف الأول من القرن التاسع عشر. وتَصَادف 
أن مخترعين عدة توضّلوا إلى نتيجة واحدةء وهي القدرة على حفظ الصورة على صفيح محددء لكن بطرائق مختلفة تقريًا في الوقت 
نفسهء وفي مناطق مختلفة؛ فرنساء وبريطانياء والبرازيل (كان المختّرع فرنسيًا يقيم هناك )©. 


أذكر ذلك لأشير إلى أن الاختراعء حتى إن كان نتاجًا تراكميًا لعلماء وفنانين مختلفين ومن ثقافات مختلفة عبر العصورء كان 
جزءًا من التحولات الأوروبية المرتبطة بالثورة العلمية والصناعية التي سادت غرب أوروبا في القرن التاسع عشر. وفي هذا السياق» كان 


/1115 37 17 آنه ل 01127171 2) 01177101ل مرأ 01147127 4 :24/151011 '',لكتتطوعن) لاع اماع11 عط 12 122281221610 1دع8]151011] ع تكاغه كاعم 20) عط 1" ,5011 .آلا واع1 5 
1 .2 .,(1996 1118 5) 1 .20 ,28 .101 ,51110165 

6 ترجمة بتصرف من كتاب: 
لاع10ه0ن) :1 موعقطا]) كنلج 1711701 0710 كنرهدئط معاعء 521 :1712112 ,201171112711710 ©1071211095 ,االاوعنلت0ظ أء7[ع1/71 ,(.لع) 0ت3تاعباوحظ .1 0210همن[ 
.2 ,(1977 رووع21 10015615157 


.(1979 ,80015 ع1710128 :011لا تتكع1 /001 طم ط) 1ك ةأس1جرء 0071 ,5310 1510ل 8‏ 7 


8 أعلن عن اختراع التصوير الفوتوغراني في باريس في عام 1839» واعمير لويس داغير صاحب الاختراع» وكان قد استند إلى عمل زميله نيسيفور نيابس الذي أنتج أول صورة 

فوتوغرافية على صفيح تُحاسي قبل ذلك بأعوام» لكنه توفي قبل الإعلان عن الاختراع, لذلك عْزِي الاختراع إلى داغير. وق الوقت نفسهء بعد سماع الكي سارع المخترع 

الإنكليزي هنري تالبوت فوكس إلى الإعلان عن اختراعه طريقةٌ أخرى في إنتاج الصور. وعلى نحو منفصل تمامّاء تمكن الفرنسي المقيم في البرازيل هركول فلورنس من إنتاج 

صورة فوتوغرافية قبل أعوام من الإعلان عن الاختراع» لكنه لم يحظ بالشهرة التي حظي بها المخترعان الآخران. للتوسع في الموضوعء ينظر: 

107 2177ع1ط 1111132ا :(2004 ,.عم] 5تعطة1[طناظ عمها 1اعطاءعا1ا/طا :0000م ط) عمن 67720 /ء0(! 1 /[0 :5107 ©17 0710 1009112776 01115 ,لامافعلصوظ امل 

2/10102702/11] 2107167171 7/6 ,105507 80115 :(2002 ,311055ع1[طناظ تكااع) :وعاعع مك 5م[ط) اتتلاء كنأب[ نركاء 0 2111 .ل ©[1 70111 15/م27010927-0 ,اناه طلة 1" 
.(2018 ,01011608 كا 0112لا تت ل ) عع د07 ]1 ابرع رع لط /[0 11/011 


216 





القدس في الصورة الفوتوغرافية المبكرّة لطبور ندوة اسطور 


أيضًا ضمن سياق نظام المعرفة الأوروي» وسُخْر لاستخدامات أوروبية» لا شك في ذلكء وارتبط بالوضع الأوروبي في عصر رواج الفكر 
الاستعماري تجاه باقي أنحاء العالم خارج غرب القارة. 


كانت القدس من أوائل المناطق في الشرق التي أمّها المصورون الأوروبيون» حيث التُقطت أول صور لها في عام 1839: أي في العام 
نفسه الذي أعلن في باريس عن أول اختراع للتصوير الفوتوغرافي» أو ما عُرف آنذاك ب "الداغيروتايب" ومبزامعمعدعة2» وهو النوع 
الذي استخدم في أولى صور القدس. وبحسب إحصائية غير شاملة أصدرها قَيَِم متحف إسرائيل في القدس المحتلة في عام 41988 زار 
القدس نحو ثلاثمئة مصور أوروبي قبل نهاية العقد التاسع من القرن التاسع عشر ©. 


استُقبل الاختراع الفوتوغرافي عالميا باعتباره معجزةٌ كبرى مهمة في توثيق الواقع كما هوء فوصف عضو المحكمة العليا الأميركية, 
أوليفر ويندال هولمز وعصاه11 11عومء'11 +0110 (1894-1809): الصورة الفوتوغرافية بأنها "مرآة ذات ذاكرة"29. ووصفتها مجلة 
الفن 0::»1 :47 176 الصادرة في لندن (1860) بأنها وثيقة غير قابلة للخداع: مُضيفة أننا "ندرك أن ما نراه ينبغي أن يكون هو 
الحقيقة. لذاء حين ننقاد إليهاء نستطيع السفر إلى كل بلدان العالم من دون التحرك من مكاننا"”". فالصورة باعتبارها إنتاجًا آليَاء مكنت 
البشر من الاحتفاظ بالماضيء بكل ما يحمله ذلك الماضي من تفصيلات لحظية لم تنجح اللوحات الزيتية» ولا الذاكرة البشريّة في نقلها 
من قبل. وكان للتصوير القدرة على حفظ الماضيء: سواء أكان الماضي الفردي أم الجماعي التاريخي العام» ومن ثمء منح الوجود المستمر 
لحظات مضت. مثبثًا بذلك حوادث تستطيع أجيال لاحقة عدة رؤيتها. 


لكن افتراض موضوعية الصورة ليس دقيقًا تمامًاء وفي الإمكان التشكيك فيهء ليس عبر التلاعب بالصور من خلال عملية الطباعة 
أو القص والإضافة وهو ما عرف ب "الفوتوماج". أي مونتاج الصورة» فحسبء بل أيضًا عبر اختيار المصوّر موضوع الصورة» وما يظهر 
فيها وما لا يظهر. فضالا عن أن الصور غاليًا ما ظهرت مرتبطة بأوصاف تفسيرية تعكس رؤية المصور أو المستخدم: سواء كان الناشر أم 
المشاهدء تضع الصورة في العادة في سياق سرد محدد. وكذلك الأمرء فإن للصورة حياتها الخاصة بعد إنتاجها وتوزيعهاء وبذلك تكتسب 
معاني منوّعة» غالبًا ما تعتمد على معرفة المشاهدين» سابقًاء بموضوعها وردة فعلهم تجاهه. بعبارة أخرى» سرعان ما تكتسب الصورة 
التي تبدأء عادة» من خلال علاقة ثنائية» طرفاها المصور والموضوع. أبعادًا جديدة ترتبط بعلاقة ثلاثية الأبعادء تربط الصورة وموضوعها 
بالعاهته تاركة المضةروقاته فارج إطار العادلة كنا 


في هذا السياق» تظهر لنا مراجعة الكم الهائل لصور القدس المنتّجة في القرن التاسع عشر أنّ تشكل عدد من المعاني والدلالات 
الناجمة ليس فقط عن عمل المصور بذاته» بل أيضًا عن استخداماتها عبر توزيعها باعتبارها سلعة أو عملا فنيًا. وبعد الاطلاع على كم 
كبير من الصور التي التقطتها عدسات المصورين الاوروبيين» وجدت أن هناك تجانسًا كبيرًا في طرائق اختيار ما يُصوّر من ناحية الموضوع 
في هذه الحالة بحالات نمطية من ناحية الموضوع والمخيال وأشكال التقاط الصور. ولعجزي عن إيجاد الكلمة العربية الملائمة لما أعنيه 
9 دراسة نيسان بيريز الموثقة أدناه ليست شاملة» حيث اكتشف باحثون آخرونء لاحقّاء عددًا أكبر من المصوّرينء وفي الغالب أن العدد أكبر من ذلك. ينظر: 
.(1988 ,21111512615 ,.ع0] رخمطتة اخ .]ا[ تكتته]ط املا بتع[ ) 1839-1885 ,1051 7ه 1176 111 نر[من 201027 براتمط :أكهنا كله 0] روعىء2 منتوذو1اا 
60 استخدم هذا الوصف أوليفر ويندال هولمز 2 مقالة له بعنوان "امهنع معمع)5 عطا 0ه ءممعومع2ع51 عط]1", وترجم الاقتباس من كتاب: 


.2 ,(1990 ,800165 151320 و'عاعع.[ :01) بطعتكة1ط] تع لكا) بر/م 201027 011 كنزو دكط عآدكدهان) رمع طامعتراعة 1 محاخط 


/2ع1151011 01 0111714/1ل ',36081001165) 112281221176 01 00051110161105 عطا 320 خطموتع10ه0ط2 :2مؤووع[ تاطموئع 0ع ع1" ,حتت كخطع5 .871 مدومل 11 
.2 ,و(1996 18113177) 1 .20 ,22 .701 ,نرم ه0027 


217 





2 


العدد 12 


م 
بطل تموز / يوليو 2020 
1م 
لم 


0910101 


ددا 


هنا بالحالات النمطيةء فسأصفها بأنها طرائق تمثيل المكان في الصورة. وفي ما يلى سننظر إلى عدد من الصور المختارة للقدس» أعتبرها 
نماذج لمثل هذه الأنماط التمثيلية للمدينة. 


رابعا: أنماط تمثيل القدس في الصور المبكرّة 


5 التمعا الأول «وهويداق تتمقيل الداينة ومواقعوامحيف تحد أن الكفيرفن الصوره مخصوها البكرة: كان ركز تحدية ابعل 
هذا الجانب؛ إذ كانت أولى الصور التي التقطت للقدس محصورةً في هذا الموضوع فحسب. وكانت الصورة للمصور فريدريك غوبل فيسكه 
أعناو5ه"1 0011 عترزعلع:1 (1878-1817)ء وهى مفقودة: لكنّ حفرًا فنيًا يستند إليها موجود ويعود إلى عام 1842 ويُعتَقَد أت الصورة ذاتها 
قد صوّرت في عام 1839 لما زار هذا الفنان فلسطين والمشرق. وتظهر الصورة القدس من الشرقء وتظهر فيها قبة الصخرة بوضوح. وتلاها 
بضع صور للمهندس المعمارى الفرنبى جوزيف دو برانغاى تإععصهء© ع0 14نحهة0 ختءط تحاط -تامءو10 (1892-1804) فى عام 1844 وهى صور 
للمسجد الأقصى وكنيسة القيامة. وصوّر المواقع نفسهاء بعد أعوام عدة في عام 1849. المصور الفرنسي ماكسيم دو كامب مدصةن) نا( عصتعجة]/! 
(1894-1822). وصوّر كل المصورين اللاحقين» في العقود اللاحقة» المواقع نفسهاء وخصوصًا قبة الصخرةء وإن كان اللاحقون قد صوّروا 
أيضًاء إضافة إلى ذلك» أسوار القدس وأسواقها. 


لعل التركيز على صورة قبة الصخرة لفت الانتباه؛ كون أولئك المصورين لم يكونوا مسلمين» أو حتى مهتمين بالتراث الإسلامي تحديدًاء 
فغالبيتهم التقطت صورًالمواقع أثرية غير دينية عند زيارتها مصرء إذ عادةٌ ما كان يتوجّه المصورون إلى مصر وفلسطين» وأحيانًا إلى إسطنبول خلال 
الزيارة نفسهاء وأظهرت صور مصر الأهرامات والقلعة» ولم تكن عادة لمواقع دينية» مثل الأزهر أو المساجد الكثيرة» مثل مسجد ابن طولون في 
القاهرة. وقد يكون سبب اختيار المواقع تاريخيّاء يتعلق بالتراث الأثري في المنطقة» وهذا بالتأكيد سبب عند بعض المصوّرين» وقد يكون اختيار 
قبة الصخرة باعتبارها معلمًا بار يظهر للعيان في القدس من عدد من الاتجاهات. ولم تكن المدينة قد امتدت عمرانيًا على نحو كبير خارج الأسوار 
بعد. لكن يضيف الوصف الذي قدّمه المصورون سببًا آخرء أعتقد أنه مركزي» يتعلق بالمخيّلة التاريخية والذاكرة الجمعية الأوروبية» حيث وُصِفَت 
قبة الصخرة بأنها مسجد عمرء وهذا يُذكُر العالم المسيحي بفتح القدس إبان حكم الخليفة عمر بن الخطاب وتوقيعه العهدة العُمرية وقراره بعدم 
ا في كنيسة القيامة واختياره موقا قري للصلاة» أسّس عليه مسجدًا حمل اسمه وهو للمناسية ليس موقع قبة الضخرة: إنما قرب كنيسة 
القيامة. وقد يكون هذا الحدث المعروف في العالم المسيحي عمومّاء والأوروبي خصوصًا في حالتنا هذهء السبب في اختيار قبة الصخرة موضوعًا 
للصور الأوى؛ كونها تتميز بعمارتها البديعة وسيطرتها على بانورامية القدس» بدلا من تصوير مسجد عمر البسيط في عمارته» مقارنة يها. وقد يكون 
أيضًا لاعتقاد المصورين الخاطئ أن ما هو أمامهم لا بد من أن يكون مسجد عمرء نظرًا إلى اعتقادهم بأهمية مسجد عمرء مستنتجين أن أجمل 
مسجد في المدينة لا بد من أن يكون المسجد الشههير تاريخيًا بالنسبة إلى السردية المسيحية بشأن تسليم المدينة إلى عمر بن الخطاب. 


ولعل الوصف الآخر لقبة الصخرة وباحة الحرم القدسي الذي ظهر في صور عدة لاحقة (ينظر مثلًا: الصورة 1)» باعتبار المكان موقع 
هيكل سليمان» هو الأكثر دلالة على مخيال المصورين أو توقعاتهم لرغبات زبائنهم. فالقدرة على رؤية موقع سمي هيكل سليمان لعمارة 
يُعتقد أنها كانت في القدس قبل ما يقارب ثلاثة آلاف عامء وعدم القدرة على رؤية ما هو ماثل أمامهم» وهو المسجد الأكبر عُمرًا في العالم: 
أي قبة الصخرة التي يعود بناؤها إلى نهاية القرن السابع الميلادي» ولم تُهدم ويُعاد بناؤها كما حصل مع الكعبة منالاء دليل على عماء معرفي 
وفشل في تخطّي المخيلة التاريخية الأوروبية للنظر في ما هو غير متعلق بها؛ أي المخيلة التاريخية الإسلامية أو المقدسية. حتى كنيسة 
11 ..التى هى أهم موقع مسيحي في العالم قاطبة من ناحبة تاريخية» لا يبدو أنها حظيت بمكانة قبة الضخرة من ناحية عدد الصور الى 
ألتقطت لها. وفي هذا السياق لا بد من أن نتذكر أن المشروع الصهميوني في تتهويد القدس في أيامنا هذه يتبتى اسم جبل البيكل في وصف قبة 
الصخرة والمسجد الأقصى» وهي تسمية حديثة نسبيًا إذا ما قورنت بالتسمية الواردة في تعريف الصور المبكرة. 


2058 


الاستعمار بالمخيّلة 0 1 
القدس في الصورة الفوتوغرافية المبكرّة للع 


ندوة أسطو 
لخر ل ْ 


الصورة )6 
رسم يستند إلى صورة من تصوير فيسكه. يعود إلى عام 1842: وتعود صورة الداغيروتايب الأصلية إلى عام 1839 


, اللخ 01 39901 


وص الكل 


. 7 ا 2ه 


0525555 0-7 


95 5 ِ 5-7 م 
59 





المصدر: متحف غيتي في لوس أنجلوس. 
* الصور المستخدمة في هذه الدراسة هى من المصادر التالية: مجموعة المؤلف الخاصة؛ مكتبة الكونغرس؛ متحف غيتى في الولايات المتحدة» ويرد مصدر كل 
صورة على حدة قِ الوصف. 


وبطبيعة الحال» هناك أهمية كبرى لنا بصفتنا باحثين في تاريخ القدس وفلسطينيين» في صور قبة الصخرة» حتى لو تجاهل المصوّرون 
تمامّاء حقيقة أنها جزء من الحرم القدسى» وخصوصًا في تشكيل مخيلتنا التاريخية الخاصة بنا لطوبوغرافية القدس في القرن التاسع عشر. 
فتصحيح الوصف جزء من وضع سرديتنا التاريخية في قلب أي سردية عن المدينة. 

النمط التمنيلى الثاني الذى لاحظته في الصور المبكرة» ومرتبط بالنمط الأؤل» هو أن الصور المبكرة اتخذت المواقع موضوعات لهاء 
من دون السكان؛ فتظهر القدس في الصور المبكرة» تقريبّاء خالية من السكانء بما في ذلك قبة الصخرة وباحات الأقصى وكنيسة القيامة 
والأسواق والبيوت وبوابات المدينة. فغالبية المواقع المهمة في المدينة التى لا بد من أنها كانت مكتظة بالسكان» سواء كانوا بائعين أم مصلين 


أم عابري سبيل» ظهرت مُقفرة من دون أناس فيها أو في محيطها. فكيف لا نرى مُصلَين في محيط المسجد الأقصىء وكما هو معروف أن 
الشعائر الإسلامية تتضمن خمسة مواقيت صلاة يوميّاء وكذلك الأمر بالنسبة إى الأسواق والبيوت والأماكن الدينية الأخرى؟ 


249 


20 


العدد 12 


5 
بطل تموز / يوليو 2020 
2 
حلم 


6510101 


ددا 


صورة قبة الصخرة من تصوير مكسيم دو كامب على ورق النيغاتيف مطبوعة على ورق مطلي بالملح في عام 1849 





المصدر: مؤسسة ومتحف بول جيتى. 


* يلاحظ أنه لا يوجد أي شخص في الصورة. 


كدرينا الا شين هذا أيضا أن :طراتة ‏ التصوير الليكرة كانت تعطاي و قكا كورلا نسيكا انعكة عديينة الكاغيرا لالتقافا الصورة ركان 
يحتاج تعرّض المادة الكيماوية في داخل الكاميرا إلى ست دقائق في بداية الاختراع» لكن هذا الوقت اختُصر بفضل التطورات العلمية» وبات 
يحتاجء في نحو منتصف القرن التاسع عشرء إلى ما يقل عن ست ثوان. ومع هذاء نجد أن بعض المصورين الذين زاروا الشرق والتقطوا 
صورًا في أماكن مختلفة» أظهروا القدس خالية» بينما وضعوا أشخاصًا في صور أهرامات الجيزة أو في مواقع أثرية أخرى في المنطقة. وخير 
مثال على ذلك هو المصور الفرنسي مكسيم دو كامب الذي على الرغم من استخدامه طريقة مُبكرة» تتطلب وقنًا طويالا نسبيًا في تعرزض ورق 
"النيغاتيف" للمشهد الماثل أمام الكاميراء ما اضطره إلى عدم تصوير مشاهد متحركة» فإنه أضر على أن يضع شخصًا في صوره في مصر أمام 
المعالم الأثرية لإظهار عظمة أحجامها قياسًا على حجم الشخص الظاهر في الصورة. 


250 


الاستعمار بالمخيّلة 1 0 در 5 
القدس في الصورة الفوتوغرافية المبكرّة تلطه ندوة اسطور 


صورة ابو سمبل من تصوير ماكسيم دو كامب على ورق النيغاتيف مطبوعة على ورق مطلي بالملح في عام 1850 


الضدره متحف المتويوليتن ف تيويوراك.: 
* يلاحظ الشخص الجالس على رأس أبو سمبل بهدف إظهار حجم التمثال ذاته. 





ذاه لا يمكن أن نعزو غياب الفلسطيني عن صور بلده وحيّزه الاجتماعي إلى أسباب تقنية فحسبء وخصوصًا أن طرائق التصوير 
الفوتوغرافي اللاحقة كانت تُمكن المصور من التقاط ما يريده؛ وهذا الأمر ليس مؤامرة سياسية بالمعنى الضيّق للكلمة» بل تعبير عن مُخيّلة 
المصوّرين الأوروبيين التاريخية» وهي الفكرة المشار إليها أعلاه. ولعل قول المصوّر الأميري إدوارد ويلسون (1903-1838) الذي صوّر فلسطين 
في ثمانينيات القرن التاسع عشرء إن الفلاحين الذين صادفهم خلال زيارته مُنفَرون وغير متلائمين "مع طبيعة الأرض والمنطقة "", يُزوّدنا 
بمثال مباشر عن طبيعة المخيّلة الأوروبية - الدينية في هذه الحال. 


ب .6 ,(2018 ,800165 تاعا امع 01آ1 :00010 [ط) دمع سا2 لع تع هك زه كنل ةا ملك 1 :كلسرا 567121116 177 ,1111505 .هآ 1503105 12 
نقلا عن : 87 .مر [1996 بووعءط توتو كتمتآ ومأععصتوط ناماءععمتطط) ك1آء82 0 1,4705047 176 ,128515 متطامل. 


251 








20 


العدد 12 


م 
طور تموز / يوليو 2020 


6059710101 


يم 


الصورة )4 
رجل وامرأة وُصفا بالعرب في القدس (صورة المرأة لدوماس» وصورة الرجل لمصوّر غير معروف) 





العندر:«مجموعة غصام نضا را لخاصة: 


لكنء لا يعني غياب الفلسطيني عن صور وطنه غيابًا تامّاء عمومّاء غيابًا عن الصور الفوتوغرافية غير البانورامية» حيث هناك عدد من 
الأمئلة عن صور ظهر فيها أناس في القدس» لكن ليسوا بوصفهم ممثلين لحياة مجتمعهم الاجتماعية والثقافية» بل نماذج لأنماط البشر 
في المدينة المقدسة. فهناك أمثلة عدة من صور البورتريه - صور أشخاص في الإستوديو - وصور الاحتفالات الدينية المسيحية التي يظهر فيها 
والؤهن الصور الصممة خصوضا لتورضئ فكرة توراقة أو انيل ماء:وهة | ماسشتعرضيه ادناه 

هناك عدد من الصور التي صَوّر فيها رجال دين مسيحيون أو يهودء وق درجة أقل مسلمون» في صور إستوديو» مُعبّرين عن الجماعة 
التي يمثلونهاء سواء أكانت الجماعة دينية أم طائفة محدّدة نسبوا إليها. وراجت هذه الصور في زمن متأخر نسبيّاء بعد أن فتح مصورون 
أوروبيون أقاموا في الشرق محترفات تصوير في المنطقة. ومن المصورين الأوروبيين المقيمين في الشرق الذين التقطوا صور بورتريه لأشخاص 
وصفوا بأزهم من القدسء الفرنسيان فيليكس بونفيس مهت ناة 1 [1885-1831) وتانكراد دوماس كنا عل نرعمصة1” (1905-1830): 
وهما مصوّران أقاما في بيروت وافتتحا فيها محترفين للتصوير» في العقد السابع من القرن التاسع عشر. 


252 


إلا .. اربا! ات 


1 م‎ 1 ١ 
القدس في الصورة الفوتوغرافية المبكرّة للم ل ندوة اسطور‎ 
وح‎ 


الصورة (5) 





لدى المصور بونفيسء» على سبيل المثال» عدد من الصور لرجال وُصفوا بأنهم القادة الدينيون في القدسء ومنهم بطريركيا الروم 
الأرثوذكس والموارنة وحاخام المدينة الأكبر. لكن من غير المؤكد أن الأشخاص الماثلين أمام عدسة المصور هم بالفعل أصحاب المناصب التي 
وُصفوا بها في النص المثبت على صورهم؛ إذ يظهر الشخص نفسه الذي وُصف بأنه حاخام القدس الأكبر في صورة بونفيس» في صورة أخرى 
وباللباس نفسهء وفي الإستوديو نفسه, بصفته حلاج قطن في القدس» ويظهر من رقم التصنيف المتسلسل الذي استخدمه المصور للصورة, 
أن الصورتين أخذتا في الوقت نفسهء حيث تحمل الصورة الأولى رقم 632» والثانية 635. أما منصب بطريرك القدس الماروني الذي يظهر في 
صور دوماس» فمنصب غير موجود أصالا في المدينة» كون أتباع الطائفة المارونية قليلي العدد في فلسطين أصلا. 


وأحيانّاء نحد صورًا أخرى يظهر فيها أناسء لكن ليسوا بوصفهم أبناء المدينة» بل نماذج للشخصيات الإنجيلية أو التوراتية. فهناك 
صور من الفترة نفسها تقريبّاء تتظهر أفرادًا في القدس وفي بيت لحم والناصرة» إما بصفتهم نماذج مباشرة لقصص دينية» وإما أن الصور 
تستحضر السرد الإنجيل. فهناك عدد من الصور التى وَرْعت تجاريًا عبر شركات كه ات نقذ "الإستيريوسكوب " 25161056006 


253 


العدد 12 


بطل تموز / يوليو 2020 
حلم 


6510101 


ِ 


البطريرك الأرمني هاراتيون فاهابيديان (تصوير الأميرى كولوني في نحو عام 1900) 





الصدروسككة الكوندرس. 


أي التقنية التي تستخدم الصورة نفسها مع فوارق بسيطة» ينظر إليها عبر عدسات منبتة على نوع من المنظارء كي تظهر للمشاهد ثلاثية 
الأبعادء تظهر فيها امرأة» أو اثنتان جالستانء أمام مغارةء تستحضر مشهد المريمتين - العذراء والمجدلية - أمام قبر المسيح الفارغ. ويظهر 
عادة في خلف الصور التي من هذا النوع وصف للمشهد وإشارة إلى النص الإنجيلي الذي تستحضره الصورة. 

وهناك مشاهد أخرى أيضّاء يظهر فيها حجاجٌ في مناسبات دينية» في مواقع إنجيلية أو توراتية» باعتبارها مثالا عن عدد الحجاج الكبير 
أمام كنيسة القيامة في أسبوع عيد الفصحء أو عن المصلين اليهود أمام "حائط المبى": كما تصفه التفسيرات الظاهرة على سطح الصور. 
وكذلك الأمرء فإن أغلب المصورين في القرن التاسع عشر حرصوا على تصوير مرضى البَرَص تذكيرا بالنص الإنجيلي الذي وصف قدرة المسيح 
على شفاء هذا المرض. 


254 


الاستعمار بالمخيّلة ُ و 
القدس في الصورة الفوتوغرافية المبكرّة ا 
سيو 


ندوة أسطور 
لد 


1 الصورة )7 
الحاخام الاكبر للقكدس (تصوير بونفيس ف نحو عام 880) 


رهم - 7 


ا 00 


01 1000-2 ا 1 





خاتمة: استعمار فلسطين صوريا 

ليست الصور المشار إليها هنا إلا نماذج قليلة العدد لكنها تتكرر على نحو لافت عند غالبية مصورى تلك الفترة. وليس غرض هذه 
الدراطة احراء بو شامل لكن الصون لكنا ا كعنينا بأمئلة تجا دة: تشير ال طبيعة الخيلة الأوروبية للقدسء التي مَحَت الفاسطيني المقدسي 
من مدينته. وحتى عندما ظهر في الصورء فإنه لم يظهر بصفته جزءًا من الطوبوغرافيا الاجتماعية للمدينة» بل استدعاء لذاكرة جماعية دينية. 
بمعنى آخرء فإن المخيّلة المنتجة للصور والسوق المستقبل لها لم يريا في القدس مدينةً حيّة بل موقعًا دينيًا شديدَ الارتباط بالتاريخ والذاكرة 
الجمعية الأوروبية. والنتيجة أن الصور ربما تكون قد أدّت دورًا في تشكيل مُخَيّلة استعمارية ترى فلسطين أرضًا بلا شعب» حتى قبل أن 
تظلق الحركة الصهيوتية هذا الشعار يعقود. وبالطيع ليس المقصو د يذلك أن المصوّرين كانوا صهاينة بالغ الحديث للمضطلح بقدر 1 
إلى غياب الوعي الأوروبي حول سكان الأرض المقدسةء بصفتهم جماعة تنتمي إلى البلد ولها مجتمع» الأمر الذي ربما يكون قد ساهم على 
نحو غير مباشر في عملية تناسي الوجود الفلسطيني باعتباره عاملا كان يجدر تذكره في سياق المشروعات السياسية والوعود بإنشاء وطن قومي 


255 


العدد 12 1 تموز / يوليو 2020 


الصورة (8) 
حلاج قطن في القدس (تصوير بونفيس في نحو عام 1880) 





الصدر: الرجع نمه 


لليهود في فلسطينء كما هي الحال مع وثيقة آرثر بلفور (تشرين الثاني/ نوفمبر 1917) المعروفة بالوعد الذي تحدث عن الحق القومي لليهود 
والحقوق الدينية لغير اليهودء من دون ذكرهم بالاسمء أو الإشارة إليهم بأنهم يشكلون شعبًا أو جزءًا من شعب أصيل في المنطقة. 

وعلى الرغم من أن هذه الدراسة تتحدث عن تمثيل القدس في الصور المبكرة» فإننا نجد الصور نفسها تُستخدم حتى يومنا هذا 
في سياق النشاط الصهيوني المسيحيء: وخصوصًا في الولايات المتحدة الأميركية وأحد الأمثلة نجده في استخدام الصورة (11) لفلاح 
الواردة في سفر القضاةء استخدم عصاه لقتل ستمئة فلستي» وكأن التصوير الفوتوغرافي كان موجودًا آنذاك 02. 
3 ينظر استخدام الصورة في: 


(97/39900100آ05://11.1 :31 ,15/7/2020 05 5560عع26 ,25/8/2013 ,0110 ]1طتاعوع21 '",055.آ ألوع01 4خ 0ع02115 512 5'معطانء 11" 


256 





الاستعمار بالمخيّلة 4 عر 


القدس في الصورة الفوتوغرافية المبكرّة لد ١‏ 
بولد ل سف 


ٍ الصورة )9( ٍ ٍ 
صورتان "إستيريوسكوب" لنساء امام قبر المسيح من شركة اندروود واندروود إصدار عام 1900 





المصدر: مجموعة الستريوسكوب المسماة "على خطى المسيح" من مجموعة عصام نصار الخاصة. 


إن استخدام صور أفراد عاديين ف حياتهم العادية. وتصويرهم كأنهم شخصيات توراتية» هي عملية تشييء أو تصنيم للفلسطيني 
عبر نزع صفته الشخصية عنه بوصفه موضوعًا للصورة وتحويله إلى آخر يرتبط بمُخيّلة ليست مُخيّلة الفاسطيني» ولريما الأهم أن هذه 


العملية تتضمن تحوّل الفلسطيني إلى جزء من المشهد المكاني» تمامًا مثل الأشجار أو الحجارة» وليس جزءًا من المشهد الاجتماعي للبلد 
أو المدينة. والمقصود بالصنمية هنا النظر إلى شيء ما أو موضوع ما باعتباره تجسيدًا لموضوع آخر. 


257 


العدد 12 1 تموز/ يوليو 2020 
د أ 1 تموز / يولي 


الصورة (10) 
صورة "إستير يوسكوب" لمرخى برص في القدسء من مجموعة على خطى المسيح من شركة اندروود واندروود» إصدار 
م 1900 





وفي زمننا هذاء على الرغم من استخدامات الصور الواسعة وانتشارها عبر وسائل الاتصال والصحافة والشبكة العنكبوتية» فإنها 
ما زالت تستخدم في الدعاية الصهيونية عن القدس بطريقة تشبه ما برز في المعاني المبكرة للصورة» وليس عبر إعادة تعريف الصور القديمة 
- وهو شائع في المتاحف الإسرائيلية ومواقع الإنترنت - فحسب بل أيضًا عبر عرض بلدية الاحتلال بعض الصور على أسوار القدس متلا 
في مناسبات سياسية إسرائيلية» مثل ذكرى احتلال المدينة في عام 1967 - ويسمّونها ذكرى توحيد المدينة - أو في مناسبات دينية يهودية 
ترتبط بالمدينة أو ما يسمى احتفال أضواء القدس*". وبالطبع تحتفي الصور المستخدمة في هذه الحالة كلهاء ومن دون استثناء بالتراث 
اليهودي للمدينة» تاركة تراث الأديان الأخرى والوجود الفلسطيني بذاته خارج الصور. 

تمثيل القدس في وقتنا الراهن في سياق الخطاب الصهيوني ليس في لبّ موضوع هذه الدراسة» لكن ما أشرنا إليه سابقا يُعاد إنتاجه 
بصورة أقبح في السرد البصري الصهيوني المتخفي. وبناء عليهء فإن الادّعاء المتمثّل بأن المخيّلة الاستعمارية الأوروبية في القرن التاسع 
15 وجدت استمراريتها عبر تبّبها من الخيّلة الصهيونية الحالية» وأن القدس التي أعلن عنها ها عاصمة إسرائيل والشعب اليهودي 
الأبدية من دولة الاحتلال: واعترفت الولايات المتحدة بذلك حديثًاء استُعمرت بالمخيّلة والنص أولّاء والآن تُستعمّر في الواقع. وإن كانت 
صور القرن التاسع عشر قد أشارت إلى الأمكنة المختلفة بأسمائها التوراتية» مثل المسجد الأقصى بأنه موقع الهيكل» فإن الاسم المعتمد 
إسرائيليًا وحتى عالميًا في أيامنا هذه هو جبل الهيكل» أو في أحسن الأحوال جبل الهيكل - المسجد الأقصى. 


4 يمكن رؤية الصور على شبكة الإنترنت قِ مواقع إسرائيلية عدة» منها: 
ع2]105://011.197/3[1351 :31 ,15/7/2020 02 2606550 ,1151ل 0[ دوخطع1.آ 


256 





القدس في الصورة الفوتوغرافية المبكرّة ند ة أسطو 
لبولط- 9ل - 


الصورة )11 





المصدر: على شبكة الإنترنت في: 01.177/225[7107//:وماغط 


في الختامء يمكننا أن نستنتج أن صور القدس المبكرة أظهرت اهتمام الأوروبيين بالمدينة على نحو كبيرء لكن ليس بسكانها بما هم 
عليه؛ وبذلك ساهمت في تشكيل مُخيّلة للمدينة تربطها أساسًا بالتاريخ الأوروبي وليس بتاريخ المنطقة. فهي مدينة التوراة والإنجيل» وليست 
مدينة من فيها الذين وإن ظهروا في الصورء فظهورهم عابرء مثلما هم بالنسبة إلى المخيّلة الأوروبية» عابرون على المدينة ليسوا أكثر من بدو 
رُخَل استقروا في مدينة ليست لهمء أو محتلين أتراك - باعتبار أن القدس كانت تحت حكم الدولة العثمانية - أو حجاج مرُوا بالمدينة. وهذا 
ربما يعكس ما أشار إليه بشارة دوماني أنه كلما ازداد الاهتمام بفلسطين» قل الاهتمام بالفلسطينيين» وكأن الموضوعين منفصلانء لا علاقة 
لأحدهما بالآخر. ولعل الشعار الصهيوني المبكر الذي يقول إن فلسطين أرض بلا شعبء كان قد تشكل إلى درجة ما في مُخَيّلة الأوروبيين» 
وربما بمساهمة» ولو ضئيلة» من الصور الفوتوغرافية. وبكلمات دومانيء فإن "القدرة الخارقة على اكتشاف الأرض من دون اكتشاف الشعب 
قد تطابقت على نحو مثالي مع الرؤية الصهيونية المبكرة» ففلسطين - والقدس في حالتنا هذه - كانت الأرض المقدسة التي تنتظر استعادتها"29. 
5 الاقتباسات من بشارة دوماني ترجمت بتصرف من الصفحتين 6 و7 من دراسته المنشورة في مجلة الدراسات الفلسطينية بالإنكليزية: 


1111 117) 2 .21,10 .701 ,111015ك ©51111 0/2112 01117101 ",111510137 1010 قطه اصتاذع 221 11/1105 :ع12أذه221 010131 0156071185ع19' ,0011123101آ1 .8 وتقطاوء 8 


1992(, 22. 5-8. 


259 


العدد 12 ]1 تموز / يوليو 2020 


المراجع 
العربية 


٠.‏ نصارء عصام. لقطات مغايرة: فلسطين فى التصوير الفوتوغرانى المبكرء 1948-1850. بيروت/ رام الله: مؤسسة عبد المحسن 
القطان, 2005. 
الأجنبية 
,.ع0] وتاعط15[طناظ عطما ااأعطاءعغ1]/اآ :20001م[ .ع211277201(:0 100 17 01 :و5107 ©17 07110 10092111776 01115 .ططمل ,ممافعلموظ ٠.‏ 
.2004 


0110 كنزه دكا معاعء21 5 :عع11ع 270  )201111167-1[//21110173::‏ 10719110956 ,1/له0ء011 1 أء7[ء1/1 .(.لع) .1 1202310 ,310تاعبامحظ ٠.‏ 
.7 ,21655 211715157لآ 1[اع10ه0ن) :/آ ا[ موعقطا] . كملاع 171171 


6 0 0177101 ".111510157 1210 11305أذع221 117151618 :ع نأذه221 01011312 155ل1ء015601ع15" .8 82651212 ,10011111311 ٠‏ 
.(1992 1ع11/101) 2 .20 ,21 .7701 .351110165 


01 211715157لآ :2001م6[ /380عق0طن) .(.خطةتنا ع .0ع) ناع005) .لل 715تاع[ .112771070 1706اء00/1) 071 .ع11116ة/ا ,قاعة113161] ٠‏ 
ورووع21 0216380 


2١2155, 6.‏ 111715117ل] 1اماع18112 :لاماععط1؟1 ./[12/ 152 /[0 ©017105©07! ©7177 .طول ,03015] ٠‏ 
.208 ,0101116085 ك1 :011لا تع ا[ .عع ترء 107ل[ عاناعرء 1 /[0 /1101 11/م 211010270 ص :121011617 ©7177 .801:15 ,1205507 ٠‏ 


7 1[ . 171102171011011 201011101 07110 0521710110115 ل 12211210115 :01111 كلا [عل /[0 كأ نهه 120717 011 1/1707 .1553120 35531[ ٠‏ 
.6 رووع21 1111 ماكلط مما 


بع[ ركططةة1طط .ا تكتتهآط 11ملا ءا[ .1839-1885 ,كط :7ه ١‏ ©1717 171 نز[/م 27010270 نر تهط :أكهنا كلاع0 ]1 .1553لا ,2ع2عء2 ٠.‏ 
.8 ,1151215 طناط 


١2011: 1711286 180015, 9‏ 7تكع/آ /2001م رآ .027167114115111 .1055310 ,5310 ٠‏ 


".51201165 060) 11228511211176 01 111012تأقم0ن) عطا طهة كتاموععمأمط2 :2هووع.[ تاطمورع مع عط1" .1/1 د10 ,اكه تخطع5 ٠‏ 
( 1996 7آ13101131) 1 .20 ,22 .7701 .نز/مه :97 م22 [1هع 171151011 /[0 /01111710ل 


7710ل مر 01107:11 كل :24/151011 "'.لكلتطااع ن) طاع ماع11 عط 1 1122513610 لدع1115]011 ع تكله كاء005ن) عط 1" .لا وماع ]ا ,5011 ٠‏ 
/١ 1110165. 7701. 28, 10. 1 )58011115 1996(.‏ 1511115 1111/1 001166117120 


.190 ,80015 15130 و'عاعع.[ :01) بلاع57ة]ط] 177[ .نز/ 1270109722 011 تنه دكا ع1ككهان) .مقاخ رعةء6معاماء 1 ٠‏ 
211105 ااع5) :زوع [اعع مط 5م[ .11تلاء كنتأبا[ نرطاء 0 20111 .ل ©[1 70111 15/م 27010270 .107 تكتطعط 111111302 ,أناهط 11 ٠‏ 


2002. 


0001[ لع01ل0تالو8 .عم لاط م17 1ع ) -111[1ء©1/171:©1 171 171102171011011 أه 1151071 ©1717 :11101 (ساءل/[ .ماعل قط ,عختط ناا ٠.‏ 
,21655 2176151]7ل] قمتكامه1ط عمطمل عط]: 


.8 ,180015 2ع50]1 01 "1 :0101011 ب[ .عع 214 ل 7عهذ /[0 كنلدع 1لا ملك | : ك01105 رط 567171111 177 .سآ 1053105 رده115/اا ٠‏ 


260 


تعليم التفكير الفلسفي والسياق 


الثقافي العربي 
أيّ دور للمعطلات الثقافية؟ 


صدر عن "سلسلة أطروحات الدكتوراه" في المركز 

العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب تعليم 

التفكير الفلسفي والسياق الثقافي العربي: أي دور 

للمعطلات الثقافية؟ مقدمات في الحداثات التطبيقية, 

ألفه محسن بن الحطاب التوميء منطلقا من معايشة 

لصيقة للشأن الفلسفيء تعلما وتعليما وإشرافا 

بيداغوجيًا وبحنا علمبًاء امتدت ثلاثة عقود.: ومعتمدا تَعَلَيع ١‏ رت ظ 
ل 2 والشياق اللخافي العريي: 
1 ؟ 0 أت دور للمعطلات الثقافيّة؟ 
0 3 ا ا 1 سين مقكمات في الحدانات التطبيقيّة 
التاسيسية لهذه الثقافة العربية تنخرط بوضوح في 1 ا 
تثمين العقل والنظر والتأفل والاعتبار. لكنْ الممارسات 

التطبيقية تكشف عن خشية وتظنّن واحتراس في 

التعامل مع الفلسفة والتفلسف والفلاسفة. يعود 

بدوره إلى توثر تاريخي في العلاقة بين العقل والتقل, 

وبين الحكمة والشريعة: وبين الفلسفة والدين. 


يتألف الكتاب (512 صفحة بالقطع الوسط؛ موثق ا 
ومفهرسا) من 6 فصول. 





02 
مجلة "أسطور" للدراسات التاريخية 


مجلة أسطور للدراسات التاريخية دورية محكمة تصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. تحمل الرقم 
الدوى المعياري [2305 :2473-15511). وقد صدر عددها الأول 2 كانون الثاني/ يناير 2015» وهى دورية نصف سنوية 
ميحكمة تسردو مز وااهدة كل م | شدي و لها شع تحر علدية [كاديية متتخصصة وفينة | سه رية قولية قاصاة 
تُشرف على عملهاء وتستند إلى ميثاق أخلاقي لقواعد النشر وللعلاقة بينها وبين الباحثين. كما تستند إلى لائحة داخلية 
تتخلم عمل العحكيم :وال لابحة متتمةة بالشكمين ى مخرلف أنواء التختصاصضات: 

يُستوحي اسم المجلة المشتق من لغة العرب ومصطلحاتهم إيحاءات العلاقة بين الدلالة اللغوية العربية والقرآنية للجذر 
"س. ط. ر" وكلمتى 111510113 وطاء15]01 من اصول يونانية اللتين انبثق منهما علم التاريخ بصيغة 11151017 وع115ه111510. 
وتعتمد المجلة اسم "أسطور" بالمعنى الاصطلاحي الحديث لتأسيس "تاريخ عربي جديد" يتواصل مع الإنجازات العربية 
الأولى ولا يقطع معهاء بل يجدّدها ويطورها ويؤسّس إبداعات جديدة. 

تعتمد مجلة أسطور في انتقاء محتويات أعدادها المواصفات الشكلية والموضوعية للمجلات الدولية المحكمة وفق ما يلى: 
© أولاء أن يكون البحث أصيلًا مُعذَّا للمجلة حصرّاء وألا يكون قد نُشر جزئيًا أو كليّاء أو نُشر ما يشبهه في أي وسيلة 
نشر إلكترونية أو ورقية» أو قَدّم في أحد المؤتمرات العلمية من غير المؤتمرات التي يعقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة 
السياسات» أو إلى أي ججهة أخرى. ْ 

ثانيّاء أن تُرفق مع البحث السيرة العلمية للباحث باللغتين العربية والإنكليزية. 

د ثالثاء يجب أن يشتمل البحث على العناصر التالية: 

1. عنوان البحث باللغتين العربية والإنكليزية» وتعريف موجز للباحث والمؤسسة العلمية التي ينتمي إليها وآخر إصداراته 
باللغتين العربية والإنكليزية. 0 

2 الملخص التنفيذىي باللغتين العربية والإنكليزية قِ نحو 300-250 كلمة؛ء والكلمات المفتاحيّة (5ل:ه'171 نع1) بعد 
الملخصء ويُقدّم الملخص في جمل قصيرة ودقيقة وواضحة إشكالية البحث الرئيسةء والطرائق المستخدمة في بحثهاء 
والنتائج التي توصل إليها البحث. 

3. تحديد مشكلة البحثء وأهداف الدراسة» وأهميتهاء والمراجعة النقديّة لما سبق أن كتب في الموضوع: بما في ذلك أحدث 
ما صدر في مجال البحثء وتحديد مواصفات فرضيّة البحث أو أطروحته؛ ووضع التصور المفاهيميّ وتحديد مؤشراته 
الرئيسةء ووصف منهجيّة البحثء والتحليل والنتائج» والاستنتاجات. على أن يكون البحث مذيلًا بقائمة بيبليوغرافية 
في آخره تتضمن أهمٌ المراجع التي استند إليها الباحثء إضافة إلى المراجع الأساسية التي استفاد منها ولم يُشر إليها في 
الهوامش. وتُذكر في القائمة بيانات الأبحاث بلغتها الأصلية؛ أى باللغة الأجنبية في حال العودة إلى مصادر بلغة أجنبية. 

4. أن يتقيد البحث بمواصفات التوثيق وفق نظام الإحالات المرجعية الذي يعتمده المركز (انظر: أسلوب كتابة الهوامش 
وعرض المراجع) . 


0 





8 من 7:9 


5لا تنشر المجلة مستلات أو فصولا من رسائل جامعية أقرّت إلا على نحو استثنائي وبعد إعدادها من جديد للنشر في 
التهلة من بهية البااحك :وق هلاه العالة يهب هل الباحك أن يشير إل لدم ويف م اناك وافية عن صنوان الاساروعة 
وتاريخ مناقشتها والمؤسسة التي جرت فيها المناقشة. 

6. أن يكون البحث في مجال أهداف المجلة واهتماماتها البحثية. 

7 تهتم المجلة بنشر مراجعات نقدية للكتب المهمة التي صدرت حديئًا في مجالات اختصاصها بأيٌّ لغة من اللغات, 
على الا يكون قد مضى على صدورها اكثر من ثلاث سنواتء والا يتحاوز عدد كلماتها 3000-2800 كلمة. ويجب 
أن يكون هذا الكتاب فى مجال اختصاص الباحث أو فى مجال اهتماماته البحثية الأساسية» وتخضع المراجعات إلى ما 
تخضع له البحوث من قواعد التحكيم. | 

8. تهتم المجلة بنشر وثائق اضيلة من أرشنيفات مختلفة أو نصوص مخطوطات. ويشترط في نشر الوثيقة أو النص 
المخطوط الالتزام بالمعايير المعمول بها في تحقيق ونشر النصوصء» ويصحب النص المنشور بصورة الوثيقة أو صورة من 
الصفحة الأولى من النصء إضافة إلى معلومات تعريفية بالنص ومكان حفظه. 

9. تُفرد المجلة بابًا خاصًا لمناقشات متعلقة بفكرة أو نظرية أو قضية مُثارة في مجال علم التاريخ» من دون أن يتجاوز عدد 
الكلمات المناقشة فيها 3000-2806 كلمةء وتخضع المناقشات إلى ما تخضع له البحوث من قواعد التحكيم. 
#لاديرا وس هده كلمات الحغديما ى ذلك لراجع ف [لجدالات الرجعية والموامشن الإيعناهية» والقاقمة البببايوقرافية 
وكلمات التهدا ولق نال وعودهاء. والملحقات فى بخال وجودها آياء بين 06ه6ءوووة كلمة. والنجلة أن صقر 
يع يرودل سر ابسن يعقن لوق وال براك إلى تعيا ور هذا تومن الكلمات: 

1 في حال وجود مخططات أو أشكال أو معادلات أو رسوم بيانية أو جداول: ينبغي إرسالها بالطريقة التي اسثفات 
بها في الأصل بحسب برنامجي إكسل (اء8*0) أو وورد (17/0:0)» ولا تقبل الأشكال والرسوم والجداول التي ترسل في 
شكل صور. 

© رابعٌاء يخضع كل بحث لتحكيم سرّي تام يقوم به محكمان متخصّصان تخصّصًا دقيقًا بموضوع البحث» ومن 
ذوي الخبرة العلمية بما انجز في مجاله؛ ومن المعتمدين في قائمة المحكمين- القراء في المركز. وفي حال تباين تقارير 
المحكمينء يُحال البحث على محكم مرجّح ثالث. وتلتزم المجلة بموافاة الباحث بقرارها الأخير النشر/ النشر بعد إجراء 
تعديلات محدّدة/ الاعتذار عن عدم النشرء وذلك في غضون ستة أشهر من استلام البحث. 

خامسّاء تلتزم المجلة بميثاق أخلاقي يشتمل على احترام الخصوصية والسرية وعدم إفصاح المحرّرين والمراجعين 
وأعضاء هيئة التحرير عن أي معلوماتِ بخصوص البحث المحال عليهم إلى أيّ شخص آخر غير المؤلف والمحكمين 
وفريق التحرير [الملحق 2). 

1. يخضع ترتيب نشر الأبحاث لمقتضيات فنية لا علاقة لها بمكانة الباحث. 

2. لا تدفع مكافآت ماليّة عن الموادٌ من البحوث والدراسات والمقالات التي يتم نشرها؛ مثلما هو متّبَعٌ في الدوريات 
العلميّة في العالم» كما لا تتقاضى المجلة أيٍّ رسوم على النشر فيها. 


5 





م 7:9 


020 35 1اء77 05 بإع08م 11 115 2ه 01) 51101 11126 01 111256 نه 1211106 101151 :21111101 101]6115طنا5 عغطا 


٠‏ 115 طأع 171 1 101لدء10 عط 20 أم1لهء15اطتوحط عط 01 عنتتطهط عطلا أنامطاج 115داع0 3221015 1[مرء 


1©21]ع01؟1] ,6011171201317 01 20121 3 2001655 1314 553575»ع 10 065770160 5601101 121ع6م5 2 0211165 510117) . 9 
30 بطاعطع1 12 1777:0105 3,000 310 2,500 اععنتاع6 :31 2553375 بأعناك .5وعع15]011631-50162ط عطا متط 1 عتو ماعل 


2177 17711 ذتاعم03 تاأعتوعوع1 31 1ناوع1 35 11265ع10ناع عططدد عط 01 211 10 أعء [طاناد عت 


20 بطاعطع] 12 770105 8,000 2ه 6,000 اعع55اع6 ع0 أؤقالط 0510117 10 لع]]1مططاناد ذاعمهم طاعتوعوع] .10 
أحاع 11 عط دع7ك1ع5ع1 :02510117 01 031:0 0101131 عط 1 . 5ع:3101 220 1001015 ر5ع 1لا مداع 01110 01 :1111511 


)6 ماع06 ]1 عناعط 17 0111111151225 6561101131 11 بطاعطع]1 اعتوعع 01 5م1ه2111 115 نام‎ 1115 15 ٠ 


لع قزعهمو) 0111 1112105011 17111 60120216101 10112316 2 1 لع 1لاطاجاه عحا أقتاحط د5ع1طا2] 300 كتتقطاء 1[أخ . 11 
113057 0ع71عع20 ع5 101 77111 511121551025 .0ع55عع26 ع5 031210 عط 101 005511 ]1 112118 لامع 1ه 1010 


.عاك ,6115 ,12803 35 اعنرو) 5 112286 35 1111م 122111060 ع31 كاتتقطاء :01 ممع 26601031157 


لاعتوءوع] 101 تتعامع ن) اوذخ عطا 597 لعط11115م 01110315[ 11ج :101 تنه 0510117 :101 و5ع106م كع 1اع1] تاععم 116 ؟ه 
0 0ع1أعع 51 ع31 12015 0113157 1اعام 157070 . ععطع 00110 أقعاء11أة عطا 711 لعلدع1] 15 561015 201128 مه 
1 لاعء 2117 (لع02مع01501 12301 2 15 ع1ع1] عتعط؟ا وع35ه 0[ . واءع1617كع1-1ع20ع1 010170مم3 01 ]115 تامطد 0 
75 ©1126 .15716171 11110 2 10 0ع11ع1ع1 15 ]1 رعنا 121 231"5 5112121660 2 01 قتاع 1 15ع20ع1 150 11151 
10 01 ,1200163141025 ]21 أ115طانام ه10 بط115طئام م1 تتعطااء 2ه1و1عع0 2 01 15مطاتتة 1اج 200157 م1 عكلة 001لا 


11 115 عطلا 01 أمزاععع1 عط 01 واخطه0حط 15:0 طنط غ11 بطد1[طنام ما عمتاععل 


30 1172م عط 101 أععموع] أوقع1وع1ء عطا كقط طاعتط؟ا راعنتلطه0» لدعتطاء 01 عل00ت أ 1أة 2 ما دع 1عطل0هة 0510117 وه 
7 2002160 7711 وع12اعل1ناع 21ه12طأء عط 01 10 متاعوع0 عاع1مجدمه 2 101 .15مطااتتة 01 121157أمعل ممه عطا 


1 012عم مل عء5 عهدوع01 :05101171 


5 ,1616110113115 21ع [تطاعع] 197ع:111م 01 أع5 2 1011015 2112165 511121160 01 102غوه11طتام 1ه تتع010 عط 1 1٠.‏ 


.101 1117116115 عط 01 ع 0طتلطدأة عامطع2630 عا 10 هلجاع 0 


3571111 15ا0ع260 1 ]1ع :2510117 ,120115177 211111511115 262061721 عط ا 115ه2 1021ع غ1 عمامعءع1 0[ . 2 
1111512600م 31 2315 17705 211111015 10 ]03571212 0111 غ1 وع010 201 م3111 طنج ع طتط6115نام 101 متتتااع1 111 


68 ع1 


0 





8 من 7:9 


5 76151015 1151151 220 1211ث ط1أ50 16 بطااعطع]1 12 175:0105 300 23101 250 طاعع2177 13181115 ,351131 لذ . 2 
روعلكاعة] تاعنتهعوع1 عط 21طا عاأمططاع 0م عط اتداعل0 1111197معدء أقتتحط أعهناة طح عط 1" . 0105 تتتتزعع1 01 ]115 2 35 1اع:71 


165115 21111101 11 17711111 60211151025 12312 ع1 20 غ1 ناع017» 10 لع15ا وعاع 00010 طأاعطط عطا 


01 112201131166 11 310 231 عط 01 21125 لهص0ا عطا ,عه ططع1ا10م اعتوءوع1 عط 01 051105م2<هء تتوعاه ل .3 
01 167716877 1111691 2 1211101 أقختاطط 25/0117 1 ل0ع11115م 2315 ,2001610 1 .0ع1170عط1 عط أقخناطط 5التاوع]1 
11312610111011 [13أمعع02ت عط 35 1اع:77 35 515ع015موط عط 1 .1م10 عطلا ده لمعط115طانام 10115[17تكع:1م عتتطو 1ع ]11 
1110160 73615 تأعتدعوع1 3057 ,200110 2[ .لعلأمعوع1م ء5 211 ]0115 15ءع:232515 علا 01 32215:515 نه 30 :2111101 
01 83101655ع1 ر5عع2ع7ع1ه1 311 01 1211151176 تاطموقع01110 عأع1مطامهء 2 ع1110عم1 ]201151 60ج12ءع00510ه 101 
0112511211 116 12 12212121160 ع2 أكت0اطط وععطع1ع1ع] . 10012015 عط ا 31و30 عدعطا م0 ده ترعمطتاعطا1؟ 


1 17735 5011106 عط طاع 111 111 


حطة تاعتتوعوع]آ 101 اعامعن) أطوعخ عط 59 0ع20001 5ع112ع10ناك 128عمعل1ع1ع عط 1011077 أقتامط 15مط انث .4 


01 211 261055 1150 ©5171 ععمعاع1ع1 علا 10 ع10ناع عأء1مددمه 2 101 1 :لماع ممم ععد . ن16امط 


110131مع652 12 0111281[ ع1 01 3116م 35 0ع1152طانام 7آ1مه ع3 5اعء[010 أمعلناة “تعطاه لمته 5عد5عطا 1206101231 5.١‏ 
77اأكناقطعءء ع01111ع17 177111 50310 01601131 عا ,5عع1225]32ناء11ه 10231أمع52ه طأعناد 0[ .5عع22]ةمتتاعراهء 
125111610031 عطة ,لع تلدع 1735 01165]105 12 515عط) عط طاعتط؟ا م1 :1733 عطا 260116 101011226102 


1 101 52012511ع1 1105 01 011216101 ]م1 ععمع0110 و0011 
.5017 01 56006 51020 عط لط 1 1211 أختتمط كك11ه:5؟ [أآخث .6 


2 201715 5001 عط غ2 01077100 01112831[ عط 10 0155102ططاناد 101 ل0ع17ع2510ه0ك ع0 77111 5ع1اع1 820016 .7 
لله عسمتامك015 عتسطعلوع2 دواع 7اعااع1 عطا متطاة؟ امه ل1همتناهز عط 1ه عممعة عط متطكت؟ كاله اعتط؟ عامه)] 
31 1257167775 80016 .1315112856 357 11 177111 0015 101 0ع]امع3200 عتتة 1851716115 . لأع'توء5ع1 01 3135 113111 :01 


21151 165716155 8001 . 615م703 طأء1دع5ع1 10 30157 7771111 177أتتلء5 01115010115 5122012105 عحطدد عا 10 أ 511[6 


5 101 0ع امعععة 0019 ع3 دوعنو كتك/675 11 80016 .طأعمع1 مآ 1770105 3,000 لمنة 2,800 عع تاعط عط 


:11 10 ملا 120125 7976315 عع1طا عا صنط 1 0ع11512طتام 


5 ”2111112159 ,00©11121611]5 01151281 01 653101231101 علا 10 067010 102أع56 5061901 3 5ه3111» :0510117 .8 
0 ,70551216 أتطعاتتء ع1 10 .أقع1ع121 01 5000 0111221'5زع] 16173110ع1 :21 طأع1ط7ا 15م11ء115 قم 310 
5 طاعنتوعوع1 35 دوعطتاعل تناع له 53203105 عمطدد عط 1011015 كأمعططتاءهل لاوطاعتده/كامتكء15تمتقمط 01 


002510610 ع5 طلقه 11561101طةح2 2 10 0ع131ع1 أجزعا 2 01 11626105اجام عطا ع1م1ع8 .1عموم عطا 10 0ع016طاطناد 


5 





م 7:9 


5 أج ]5ل :10 |جطاناه[ 381١2‏ عط :1:1 م251) 


121510177 01 51109 ع01طع20ع3 عغطا 2ه 0م1015 0111231[ عاتطعلدعة 0ع1677كع1-1ع6م 0 15 0510117) 
11 لمعن وخ عط 057 0ع11115م 735 01111221[ [ةناطقمة-01 كتطا 01 0اتل»ع 1151 عط 1 . (-52473 20 :1ك 5( 
0101131» عا1لطع0دء32 ]12115ع506 2 97 جاعع017»15 15 :0510117 .2015 ,32113157[ 6[ 561015 201128 320 لاعتوءوع ]1 
75 ع6 21177 112110115 310 :02510117 12 1101ه11طناظ .50310 205150157 116123110131 ع11اع3 32 3120 60310 
5 0111131[ 5111211160 01 115كع1] .15طاء 01 ع200 أعاتتاة 2 7ا6 لعطقء :5017 211 عه 55141 0101131ء عطا حمهة 
2206101 01 ع28ة1 1020 2 ناء60017 ه760 ذاءع 1657161 3010760 01 ]115 لعأعع1ع5 1١‏ الاعتوه 3 057 اعء ؤل1ء01 15 


.011557-15 أ5 1111231 مله 57 0ع12ء5077 15 30 506612115125 


,010121162117 00197 ]1 روعمطعه 23150 لطلة 5-1-7 1001 ع1[طوك4 عتقطء21 عطا مزه 01355 0111021[ عطا 01 عمتهم ع1 
.5107 10013575 11 511315 00 7آ01:31 00111617722 :1211 11357 لاعت ط 177 1510172171 30 71510110 تلخهآ مله عاعء 01 عطا 
320101 12 10010 15 طأعلط؟؟ عه ,"157ماق1ط عاطومخ تكاعط" 2 أذ 1[أطوأقء م1 وعاعع؟ :20510117 ,101ط5ة1] :51101131 2 11 


1 112777 10 0111105 3150 21101 7116115 21510112621 11خ 01 1120110 


لوخ عط لا0 أع5 513202105 عط 711 عطامعع]1 12 320 رعا10ع عطا 21055 جم 1145 عامطع 2620 7111 عملا مآ 
01 أع5 2 1011015 :02510117 11 2111116216101 ,0111:13315[ 115 01 211 261055 561015 201137 لطلة حاعنتوعوع]] 101 تعامعن) 


1 5ع ,97آ211ع117ععم5 .010601115 320 دع ط1اع0 تناع تدع1»ء 


5 011112811111[ 116 15161111 1611626101ام 101 لم511 تتاععء 012160 15 لاع لط 1:01:16 21 ملع 011 00197) ب 
0111163610110 101 202510610 56 17111 11م 12 01 101197 0ع115طخام 10115197كع1م معع ققط لاعتط7 701:16 مار 
ع5 016110115197 71735 تاعلط 1:01:12 ,51121131197 .3151311012 30010770 طلهة 01 0116م 35 أمع»2ت<ء ,0510111 
01 105)معء2تء عط 516 بلممتناهز عط 12 ملكخدع11طنام 101 لع 1معععة ع6 ]م0 17111 وععمع1ء1مم0 عا1ممع0د26 اه 


عط 5١‏ 10510 وعع اع 1ع 01ام»ه 


لصو عتطوعث طامط مذ ,(057) 17118 11112اع11كناهت 31161015 عط 517 0ع021متطامععة ع5 ]22115 11121551055ك وت 


5 1181151 
:15 101101715 عا ع1110ع10 ]22115 01551005اطارره لاخ ؟ث 


210 12101172231101 عع2ع020موع01كه 1"5مطكتتهة عط 5ه 1اع7 35 بامتاعصط له عأاطوعث طأهط صا ع1غ)ن خ .1 


11151111101131 1. 


0 





8 من 7:9 


أسلوب كتابة الهوامش وعرض المراجع 


الكتب 

اسم اذلف عنوان الكتاب: اسم المترجم أو اللخزرء الطبعة (مكاق التشيرة التاشرء قارت التشر ارقم الضفحة: 
كما يلى: 

نبيل علىء الثقافة العربية وعصر المعلومات, سلسلة عالم المعرفة 265 (الكويت: المجلس الوطني للثّقافة 
والفنون والآداب. 2001)» ص 227. 

كيت ناشء» السوسيولوجيا السياسية المعاصرة: العولمة والسياسة والسلطة» حيدر حاج إسماعيل (مترجم) 
[بيروت: المنظمة العربية للترجمة» 73 )2 ص 116. 

ويُستشهد بالكتاب في الهامش اللاحق غير الموابي مباشرةً على النَحو التالي مثلا: ناشء» ص 116. (ما لم يكن 
يوجد أكثر من مرجع واحد للمؤلف نفسهء ففى هذه الحالة يتم استخدام العنوان مختصرًا: ناش ء السوسويولوجياء 
ص 116). 

ما في قائمة المراجع فيرد الكتاب على النّحو التالى: ناش» كيت. السوسيولوجيا السياسية المعاصرة: العولمة 
والسياسة والسلطة» حيدر حاج إسماعيل (مترجم)ء بيروت: المنظمة العربية للترجمة» 2013. 

وبالنسبة إلى الكتاب الذي اشترك في تأليفه أكثر من ثلاثة مؤلفين» فيُكتب اسم المؤلف الرئيس أو المحرر أو المشرف 
على تجميع المادة مع عبارة "وآخرون". مثال: السيد ياسين وآخرونء تحليل مضمون الفكر القوميّ العربي. ط 4 
[بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية» 1991): ص 109. ويستشهد به في الهامش اللاحق كما يل : ياسين وآخرون: 
ص 109. 

ما في قائمة المراجع فيكون كالآتي: ياسين: اليد وآخرون. تحليل مضمون الفكر القومىّ العربيء ط 4. بيروت: 
مركز دراسات الوحدة العربية» 1991. 
الدوريات 

اسم المؤلفء "عنوان الدّراسة أو المقالة" اسم المجلة: المجلد و/أو رقم العدد (سنة التنُشراء رقم الصفحة. مثال: 
محمد حسن» "الامو القومئ العربي". اإستراتيجيات, المحلد 15ء العدد 1 (2009): ص 129. 

ما في قائمة المراجع» فنكتب: حسن» محمد. "الأمن القومئ العربي". إستراتيجيات, المجلد 15 العدد 1 (2)2009 
ص 135-120. 


5 





م 7:9 


مقالات الجرائد 
لا تُذكر إلا في الهوامش (في قائمة المراجع لا تُذكر) . 
مثال: إيان بلاكء "الأسد يحت الولايات المتحدة لإعادة فتح الطرق الدبلوماسية مع دمشق". الغارديان. 


.. 7 


المنشورات الالكترونية 
اسم الكاتب (إن وجد)ء "عنوان المقال أو التقرير". اسم الموقع الإلكتروني» تاريخ النشر (إن وجد)ء شوهد في: 
9 مه ف : 577777// :مااطاء مثال : 


كريستوفر هلء "السياسة الخارجية الأميركية على طريقة ترامب". الجزيرة نت». 2016/8/7: شوهد فى 
9 ماف : ]/6.157/2200291زا/ / :ماخط 


في حال وجود سلسلة تنشر على الموقع الإلكتروني» تكتب بخط سميك (مثال: تقدير موقف أو تقييم حالة 
أو تحليل سياسات أو دراسات, المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ... إلخ). 

إذا جرى الاقتباس عن كتاب أو تقرير أكاديمي أو دولي أو عن مجلة دورية تنشر على الإنترنت» تذكر بيانات النشر 
حسب نوع الإصدار (كتابء مجلة» تقرير)ء ولكن يُضاف الرابط الإلكتروني بعد البيانات المعتادة لنشر تلك الإصدارات 
مع ضرورة ذكر رقم الصفحة التي جرى الاقتباس منها. 

يتعين ذكر الرابط كاملا بحيث يوصل القارئ إلى الصفحة الإلكترونية التي جرى الاقتباس منها مباشرة وليس 
إلى العنوان العام للموقع. 

يتعيّن اختصار الرابط الإلكتروني من خلال "مُختصر الروابط الإلكترونية" (تعمعاما5 اع.0ه0 مه لإلازظ .ع.ه) . 


ملاحظة: في الهوامش وقائمة المراجع العربيّة» ينبغى أن يكون عنوان الكتاب أو المجلة بالخط العريض. أمَا إن 
كان بلغة أجنبية» فينبغي أن يُكتب بخط مائلٍ. 





8 من 7:9 


ع1 :املاع 12 كم 1كتهاعكاآ 7اع5061-ع51316" .ااءع06] ,ع112801م5 :تكتاصط ادعتطمة1ع 81110 001150010125 
-232 .م 1991 عمممك) 2 .20 ,ك4 .5701 ,0117714/1ل أكشط 1/7001 "ركه داعا امهم 1 -اعم017) زع01) عنواء10 


249. 


3115 اعم 3م دباع لع 


001 ةو كلر . [تطمومع مناط 81 عط سزغمم) 5 ©1116 10 02157 0م011 ع5 51201110 5م3111 نتع مو موتء ار 
ب171771©5 ع/017آ1 نللء// 77/6 ",53375 1155182] ر5وع11[ 2/101 051) 11/111 الوط 455205 2ه 65لأة1كم]آ" ,تكتتوظ معلا 


252 


1©5 650 ©أزه:]عه|ع 


0 0 031آ ,عططهط عتزاواع:1 عط ]1 ",ع1 و'عع111موع1 ع1مماععاء عر [1"" بإعاطهلتهة؟ة 1 111015مر 


001 منةكخث .لأآنا لعطع 501 :1 ,ا /مص/ق ده لعووعععة ,(إعاطهاتهحة؟1) 


:1 ,9/8/2016 05 26065560 ,ع أتاتاكم] لصناط طخلدء11 معاء :501 ",2015 دع منكلطة !]1 لصداط طاغلدء11 مع اء ه501" 
.نط / /بماخط 





م 7:9 


لالأام داع ه٠1أط١8‏ 300 د5ع00611016] 


80015 


06 لمم توعناطدط 2ه موعلا بتعطعتاطنط تمدع ناطنط 2ه ععوام) 112115 500/171 17 01 ©1111 رعمتقط 1101"5 نام 


001 طنج كم .11111111 


12111110 مكلا رجع21) كأمعلر! “لاط زه مره7151ط] أه 17 ل :12117111114 0111111015 776 بطتهة[آهط اعقطء 3/1 


0.99-0 (2006 
.2 ,201130 :10110 عط 12 ع 701110 10012015 51160655111 


5 ,20113134 :1116 أامطة 2 عذنا 178:2 رامطأتتة عمتود عط 697 ععمعتع1ع1 عه طتقطا عآ1ممط 15 عتعطا 11 


101161111110, 0. 


11 4 :121167711114 021101 776 .اعقطعتل/طا بسهلاآه :تكطمة لامعتطموع متاآطقط عمتلدممدءتامه ع1 


.6 ب”تتتاكع 0ع آ :011لا تت اا .كأمعل/[ 0117 1 [0 111510117 


01 1155 عط 012157 16ا0ا ,2601 35 111165 5320 عط 10110377 5101110 2111015 :1201 :01 خ1نا10 557 لاع 711 80015 
71+ 0771 0[:5 كك :1105كه/2 له أء 83125 10322 :ع1 مططتوعءء ننه كذ .".1 أء" 697 لع:101101 ,1231020 15 


.6 ,[1982 ,و2155 0116380 01 215761517ل1آ 2-2 5 1712 171 241567100716 ©2017701:01) 
2 .2 ,.31 أء وعمطتو8 :5ع1001001 51160655117 0[ 
2071 ) 24711671011 011 كنل كك كن 2/0511 .31 أء 10313[ ,و8310 :تكتغطء 1د 1ا مقع 216110 00115010115 ع7 1 


,11655 0112380) 01 11171:51117ل] :01123850) ,19605 ©1717 171 15661710011 


00123]5ءمعم 


285 ,12111221 155116 ,1ع تقطنتط ع متت[ 70 ,كن 11211 :17 01117101 /0 70/107716 "رع 111 عطا 01 ه111" ,رع 020 111201"5ام 


01 تق كم .11111111 


",161261015 112311 -1ع010) 011 عنلواء2آ[ عط 1 :اماع81 ا 12605اع]1 17ع5061-ع51316" ,50118018 أتاءع1]0 


0.7 ,[1991 عمممة) 2 .20 ,45 .1701 ,1ه011771ل أكوط ااا 


0 





719 
أخلاقيات اللخاار لدي سولاك السو الس 


© تعتمد مجلات المركز قواعد السرية والموضوعية في عملية التحكيم» بالنسبة إلى الباحث والمحكمين على حدّ سواء. 
وتُحيل كل بحث قابل للتحكيم على محكمّين معتمدين لديها من ذوي الخبرة والاختصاص الدقيق بموضوع 
البحثء لتقييمه وفق نقاط محددة. وفي حال تعارض التقييم بين المحكمين» تُحيل المجلة البحث على قارئ 
مرجّح آخر. 

© تعتمد مجلات المركز مخكمين موثوقين ومجرّبين ومن ذوي الخبرة بالجديد في اختصاصهم. 

:: تعتمد مجلات المركز تنظيمًا داخليًا دقِيقًا واضح الواجبات والمسؤوليات في عمل جهاز التحرير ومراتبه الوظيفية. 

© لا يجوز للمحرّرين والمحكمينء باستثناء المسؤول المباشر عن عملية التحرير (رئيس التحرير أو من ينوب عنه) أن 


يبحث الورقة مع أيّ شخص آخرء بما في ذلك المؤلّف. وينبغي الإبقاء على أي معلومة متميّزة أو رأي جرى الحصول 
عليه من خلال التحكيم قيد السرّية» ولا يجوز استعمال أي منهما لاستفادة شخصية. 


ويخدم تجويد البحث. 


تلتزم المجلة بإعلام الباحث بالموافقة على نشر البحث من دون تعديل أو وفق تعديلات معينة» بناءَ على ما يرد في 
تقارير التحكيم»: أو الاعتذار عن عدم النشرء مع بيان أسباب الاعتذار. 


تلتزم مجلات المركز بجودة الخدمات التدقيقية والتحريرية والطباعية والإلكترونية التي تقدمها للبحث. 


احترام قاعدة عدم التمييز: يقيّم المحرّرون والمراجعون المادّة البحثية بحسب محتواها الفكرى» مع مراعاة مبدأً عدم 
التمييز على أساس العرق أو الجنس الاجتماعى أو المعتقد الدينى أو الفلسفة السياسية للكاتب. 


© احترام قاعدة عدم تضارب المصالح بين المحررين والباحث» سواء كان ذلك نتيجة علاقة تنافسية أو تعاونية أو 
علاقات أخرى أو روابط مع أىّ مؤلف من المؤلفين» أو الشركات: أو المؤسّسات ذات الضّلة بالبحث. 


#: تتقيد المجلات بعدم جواز استخدام أي من أعضاء هيئتها أو المحررين المواد غير المنشورة التى يتضمنها البحث 
المحال على المجلة في أبحاثهم الخاصة. 


5 





م 7:9 


#ه النسخة النهائية للبحث والتعديلات: تعرض المجلة النسخة المحررة شبه النهائية من البحث بصيغة 507 على 
الباحث قبل النشر. وفي هذه المرحلة» لا ثُقبل أيّ تعديلات مهمّة أو إضافات على البحثء إلاما كان من تصحيحات 


و جهو 
9 


أو تصويبات أو تعديالات طفيفة؛ وذلك ضمن أمد زمنى وجيز جدًا تحدّده رسالة المجلة إلى الباحث. 

حقوق الملكية الفكرية: يملك المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات حقوق الملكية الفكرية بالنسبة إلى المقالات 
المنشورة في مجلاته العلمية المحكمة» ولا يجوز إعادة نشرها جزئيًا أو كليّاء سواءٌ باللغة العربية أو مترجمة إلى لغات 
اجنبية» من دون إِذنٍ خطي صريح من المركز العربي. 

© تتقيد مجلات المركز في نشرها لمقالات مترجمة تقيّدًا كاملا بالحصول على إذن الدورية الأجنبية الناشرة» وباحترام 
حقوق الملكية الفكرية. 


:: المجانية: تلتزم مجلات المركز العري بمجانية النشرء وتعفي الباحثين والمؤلفين من جميع رسوم النشر. 





8 من 7:9 


320 131)طع210ه0ت أمع! ع ]20115 15711 تاععم 111011511 0512120 02162 115120 انتاممنا :262115ع010من .10 


.ع5 0150121 :101 1150 ا أممطتمةء 


125 011211520 3116165 211 10 أخطاع2007711 قمتمواءع1 1125ئلم4 ع1 :خطع 5م20 تنه تكااءم10م لمتاععة1اعام]1 . 
11ت 16 ,03161311597 01 011597 ع تع طتتتع5اء ل0عط15[طاتام عط غ270 نتمم وع1ء11ة عط ]1 .215 0تتتاه[ 0عل7ع1تكع] تاععم 


.2 16 11011 211101122161011 جاع1 711 11011م<ء ته 17110111 ,ع8 1328112 تتعا 320 1 :01 


0 21111511185 310 315131118 تاعط177 6117م10م لقتاعع!اعغاط!ا وأاععموع1 101157 50310 01601131» 05101115 . 


1 -:11101 1165 013112115 ع101ع6 ل0عع10106 201 77111 عطة 01111231[ مع 101:1 2 ما 0ع[115طنام ع1ع1 1ج 


121 0111031[ عطا 


320 3111015 1لة عطلة بلمطتنا0ز عط ما ل0ع111156م 15م1023111511 :101 وأطعحط05م عكلهططا آم 5ع00 010117 . 


165 01111162141011 1011 أمطاععء علج وتاعطء توعوع]1 





م 7:9 


0122]5رع.ه 861905 101 دع6أأء0أنان أ [طاع 


اع عط 1 117اعء[06 10 وعتعطل30 320 :002110612612115 2231213125 50310 01601131 0510117 ع1 . 
5 503100 01601121» عطا عنتعط1؟ رووع0106 125716177 اع 0 32101171121720 31 15م 200 ]1 . ؤوع 2106 8 اتلك 1تكع1 
5061110 10 266010115 ,11111626101م :101 5111121117 2315 255655 10 1757165771 31011131 عطا 
1617161571 1121110 2 رأطاع 25555122 211011631101 عطاا 1521015 1571677715 عطا ماعء اع 00011121 2 01 عهوه 1[ 


عع 6 11111 


أقع131 عطا ىا م031 م1 مهنا عله ه10 ؤ15ء17ع0716ع1 تاععم 0ع260ع11عمهء 01 0001 3 مه و5علاء1 7م051 . 


تاعط ما مخطع مام ماع07 


7 11111160 ع 10 01115261025 220 011165 1631© 171111 0153111731101 11161131 115010115 2 15م200 0510117 . 


11 6لا 


ب[#ماتلء 1 101 1 5130018 0ط اه لع نط -صتسرم] نل ) 115 11 01101ت عط 01 م 1امععتتء عط خا :عتناوم1ء015ا . 


,231165 11110 777111 51101 1اطقحط عطا دكناء015 10 0ع:21101 31 ر15ء 11716177 اع 0 عط 101 ,016015 عط تع طاااع م 
55 3101 1657167715 عطا 01 201115 عطا 12 0613120 5وع11 :01 101011226101 .1مطانه عط 105ل0 111 


71501121 101 11560 2 232101 عطلة 02101131 أمرععا عط أكنامط وعووعع710 


5 01165 12237 20310 01601131 عغطا ,11ممع1 اعتتع 151 عط زه 0ع5ة6 بلعلعع2 معطثاا . 


5 111 0112117 عطا 12720101 10 0101 12 ع 25515132 اع ط01 مله لدع 1مطعع] بلوعاع 1700010اء11 


,131111511015 :11211 01 0111715 :01 عع1212معع26 علطا 01 211111015 111011721115 10 ]01201001» 01601:5» 5 "05101171 . 
5595 ©1116 5066117128 ,101أع6[ع1 01 2356 11 21111015 12011157 10 :01 ,011مع1 'ذت1ع 157167 عطا ذه ل0ع635 


101 0 


٠. 126 [011113115 00121211660 10 2101710115 0112111597 2101655101121 ©0217 ©0118, 21001 1620115 310 01111 


.6171 1151185طنام 


56162111 320 لقتماعة11ع101 تتاعطلا :101 1023111511015 677211131 15716815 علطا حطهة 016015ه عط 1 :5ووعطتتة 1 ٠.‏ 


5 8 01 716175 00111691 01 15ع116ه5 111510115 ر1ع120ع5 ,1117 1قطاء رعع12 10 168210 0111 )711 باأتاعد1 


117 طأعلط7 12 511015 7اطقطط ع202510 ]20 10لتامطة ذ5اع 1257161 تاععم 30 101015 : مأقع 1011 01 1أ0111مهمن) . 
01 126102512125ع1 “تعلا0 01 600112010117 ,ع11]17 0120© ج10 05لا لتاوع1 5أزقءع1ع1م1 01 15ه111مامكه عتتوط 


5 ©1116 10 6011116160 1151111110115 :01 ,00102311165 ,21112015 عط 01 357 7111 كمه 1أاععمدم» 


0 





دعوة للكتابة 


تدعو دورية أسط ور الأكاديميين والباحثين وسائر الكتّاب المهتمين بالبحث التاريخي -المنفتح عن 
منهجيات العلوم الأخرى ومقارباتها بما فيها مقاربات العلوم الدقيقة- إلى الكتابة في صفحاتها. 
تقبل الدورية الأبحاث النظرية والتطبيقية المكتوبة باللغة العربية, وتفتح صفحاتها أيضا لمراجعات الكتب 
ونشر النصوص والوثائق الدفينة. تخضع كل المواد التي تصل إلى أسط ور لتحكيم أكاديميين متخصّصين. 
ولذلك تتوخص الدورية التزام المعايير الدوليّة المتعارف عليها. ويضمن هذا الالتزام تراكما علميًا جادا 
وجودة المادة التي تصل إلى القراء. تهدف هذه الدورية إلى أن تكون طيّعة الفهم لدى المتخصصين 


وغير المتخصصين من القراء من دون التضحية برصانة المضمون. 


ترسل كل الأوراق الموجهة إلى النشر باسم رئيس التحرير على العنوان الإلكتروني الخاص بالمجلة 
05101010511608 


قسيمة الاشتراك 


الاسم 

العنوان البريدي 
البريد الإلكتروني 
عدد النسخ المطلوبة 


طريقة الدفع [ ] تحويل بنكي [ ] شيك لأمر المركز 





5 511 10 1]3]101ناما 


لا01غأواط 01 5م10غ3|123أع6 م5 300 دعل أامءذأل عط أاج 55مء32 0ام2؟ 315امداء؟ ع ألامأ *510117() ]0 15م ]الع ع1 


أطوم مأ دع لاذأاطنام 25101/17) .| تطانامز عط 1ه كده أ ألء عاناغأنة مأ ممأغومعل0أ5ومم ه10 5اعم 3م ]أماطبياد 0خ 


5 5الاعالاع] |00 300 كلا53د5ع ع/اأواعط! ,[أهء1]1/ء 312165ء 3150 [3]نامز ع1 .لاامغأواط 01 5105 3|[١‏ 361055 


015 5306 116 10 عع زطباك عط |أألئا 5أم1لأءكلا 3ط لع أمطاطباك ألم .5| 231/123 ععاناه؟ /ا1وماأام 35 أاعنلا 


101 0615136018 انا 300 ععلعالثامما أجء1م0غأذاط ع301/306 0غ 5((أ3 |3طانامز ع1! .ودععمام للاعالاع] زععم 


امنا م1 ع انام اآصم عا أطلقاع !|2 65ذ١|2اععم‏ 2502-5 300 02135غ]ذاط |51002د5ع01]م 01 5ععمع30101 ع5اء أل 


.15 3263061715 لاعلا 15 


:1110ماع لاط أع1ط)-ص هلع عطاخ مغ لع5د5ع32001 عط لأناهمطد 123100 أطنام 101 0ع ماط باك كام أءءكبناطةمم اام 


021185 1لا1 0510 


الاشتراكات السنوية 


(عددان في السنة بما في ذلك أجور البريد المسجل) 


للأفراد: 

0 دولارا في لبنان. 

0 دولارًا في الدول العربية والأفريقية. 
دولارًا في أوروبا. 
دولارًا في القارة الأميركية. 


للمؤسسات: 

0 دولارزا في لبنان. 

0 دولارًا في الدول العربية والأفريقية. 
0 دولارًا في أوروبا. 

0 دولارا في القارة الأميركية. 


عنوان الاشتراكات: 
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 
55]ارانا1 2011/5 بخ لالم 5غ ؟ 201 اع الاع0 مام 
جادة الجنرال فؤاد شهاب - بناية الصيفي 174 - مار مارون 
ص.ب: 4965-11 رياض الصلح 2180 1107 بيروت - لبنان 
هاتف: 9611991837/8/9+ 
فاكس: 9611991839+ 
بريد الكتروني: ع018.ع0023105111111 0ما ده أ آباط ]أل 


عنوان التحويل البنكي: 


5 ]انانا] 5 /201121 رالالخ تا تامع 5ع ؟ 201 لاع الاعن تاخمكام :لداءلاعمع8 
ام ل841اا لاد ]11010خ8 عنا ا اخااء لاعن غاغع|ا 500 عامه8 
اا انانذ - اعع؟ [ ك5 ثالال4الا احم - .4624لا نطعموء8 
لاا0 ل مقع ا - ا ناكااع8 
“*8 ا 5 :]لاك 
3 6650 3696 00011004 0019 863 | :للم8ا 
3 666504 369 011004 :.ولطا أمنامععم 














ردنا 


0 


5 


- كلا دا 


ل ا 0 


9 





ه6 





5 


كد + ررز >-- مي ب__لال ‏ ببب ب جْجتللا ا جج جب __ححححححححححححححححجحيججِِِ سم ماك 
فب هذا العدد 

ا 0 م 
دراسات مراجعات كتب 

عمرو عثمان لطفي عيسى 

التاريخ الفكري: النشأة والموضوع والمنهج ووضعه في صناعة المعرفة التاريخية العربية: سياقات بناء الدلالة 
الدراسات التاريخية العربية الحديثة وأشكال تأويل المُتَمَثل 

علي مزيان عبد الرحيم بنحادة 

أساليب التصنيف التاريخي من خلال مقدمات كتب التاريخ المدينة في العالم الأسلامي: من التقليد إلى التحديث 

لفى التلنا قراءة في كتاب المدينة العربية والحداتة 


حضور الدولة وتمتّلاتها في المجالات الطرفية 


هه ننا 


وثائق ونصوص 


إيالة تونس في الفترة الحديثة 


عبد الغني العمراني 


محبوبة مجيدزادة وساطة اليهود في التجارة بين المغرب وهولندا أثناء القرن 
الحريم الصفوي: إضاءات جديدة التاسع عشر: من خلال وتثائق الأرشيف الوطني في لاهاي 


الإستوغرافيا وبناء الدولة الوطنية الحديثة في تركيا 


المؤرخ العربي ومصادره 


محمد غاشي ! 
تحؤلات الكتابة التاريخية: من تاريخ النخب إلى تاريخ اك 
الهامشيين: المدرسة البريطانية مثالا نحو رؤية للخروج من "الميكرو - تاريخ" إلى ' الماكرو - تاريخ : 
38 الال وثائق أوقاف القدس بوصفها مصدرا تاريخيًا أنموذجا 
نور الدين ثنيو : 
الثورة الجزائرية في الأهم المتحدة عاديرهلة اع : 
التاريخ للمهمشين في فلسطين منذ الحكم العتماني إلى 
ترد ات النكية وما بعدها 
ترجمة: مصطفى التليلي عصام نصار , 
مقاربات في العلوم الانسانية والاجتماعية الاستعمار بالمثيلة: القدس في الصورة الفوتوغرافية المبكرة 
مقالات مترجمة من اللغة الفرنسية 
50 [ْ 
تنيب يوه سا كي يوون 
لسعر ال 
+ - - الل سح ع ع اه 
باك 
قطر 0 ريالا العراق 0 دينار الجزائر 0 دينارا 
السعودية 0 ريالا تونس 5 دنائير المغرب 0 درهما 
الإمارات 0 درهما سورية 0 ليرة موريتانيا 0 أوقية 
البحرين 3 دنائير لبنان 0 ليرة ليبيا 5 دنائير 
الكويت ديناران الاردن ديناران فلسطين 3 ارات 
مان 3 ريالات اليمن 0 ريال الصومال 0 شلن 
عضر 0 جنيهات السودان 0 جنيهًا 
24 
وقاي-ب تت 8 ريو سو 2 777777777770000 ا ااا لصو وين 











10-7 


اا || ْ | 1 اس جميع الحقوق محفوظة للمركز العربي للأبحات قدراسة السياسات 


060 شارع الطرفة, منطقة 70, وادي البنات, الظعاين. قطر 


اعد : المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 
كع أن ر5 نزعزامظ بق دل رمععع؟ ,هن معتوعع طاديمر